حصاد الأفكار في شهر

منتخبات مما ينشر في الصحف والمجلات من رؤى وأفكار تسهم في عملية تفعيل الوعي الإنساني

منذ أحداث 11 أيلول أخذ اليومي والملحّ ينسحب إلى زوايا الصحف والمجلات العربية، وابتعدت التحليلات عن ملامسة هواجس الأفراد العاديين، الاقتصادية والاجتماعية ، لتجند تلك الوسائل الإعلامية أقلام كتابها لهذا الحدث –السابقة. وحتى فضائياتنا لم تسلم من الركض خلف هذا الحدث وتداعياته، وأفردت ساعات طويلة لبرامجها الايلولية، وكلها تحاول أن تحلل وتستنتج الأسباب التي أدت إلى ما أدت إليه والنتائج التي يمكن أن تتمخض عنها.

في معظم الأصوات التي طالعتنا، نلمح صدى الكتابات الغربية حول الحدث- السابقة، وكأن تلك الأصوات ما انفكت تردد كل ما يصدر عن الغرب من تحليلات، وتروج نيابة عنه مايريد ترويجه داخل أفق ثقافتنا العربية والإسلامية، تلك الثقافة التي مازالت منفعلة وليست فاعلة في أغلب وجوه نتاجها الفكري.

هذه المنتخبات تلقي بعض الضوء على المدارات التي حاولت أن تنوشها أقلام أصحابها.

(النبأ)

بن لادن يعشش في وجداننا

أكثر من يتقن استخدام ثنائيات التطرف والإقصاء هم الدعاة من المثقفين، وأصحاب المواقف النضالية التحررية، الذين يظهرون العداء لكل ما يخلق شروط الانفتاح والحوار أو التداول والتواصل، بمثالاتهم الطوباوية، وتهويماتهم الإيديولوجية، وعقلياتهم المفخخة بالمنازع النرجسية والتصنيفات الحصرية، التي ترجمت مشاريع فاشلة وعقيمة أو مستحيلة ومدمرة.

هذا ما يجعلنا نفهم كيف أن دعاة العروبة ومنظري العقيدة القومية قد أسهموا في تقويض فكرة الوحدة وتمزيق جسد الأمة، بتوليد المزيد من الانقسام والشرذمة. ولاعجب فالعقائد هي مصانع لإنتاج الفرقة والكره والعداوة، وبالعكس فالذين يُسهمون في صنع الوحدة، ليس دعاتها، بل المنتجون والمبدعون الذين يخلقون أسواق التبادل ومساحات التداول أو مناهج التواصل ووسائل الشراكة الخصبة والفعالة.

من هنا كانت الحاجة إلى تفكيك بعض الموروثات العقائدية التي هي استراتيجيات لممارسة الاستبعاد المتبادل؛ وذلك بأن نضع على مشرحة النقد، أو تحت مجهر التعرية والفضح، النصوص والأحاديث والروايات الحافلة بمفردات التكفير والتبديع أو البغض والنبذ.

فهذه الموروثات، التي هي مصانع لإنتاج العنف الرمزي أو الإرهاب الفكري، والتي يتعامل أهلها مع المختلف في الداخل في الخارج، بوصفه منقوص الإنسانية أو الإيمان والدين، لا تُقبل حسناته يوم القيامة، هي الغالبة على العقول، وهي التي تشكل الأساس المضمر للعلاقات بين الأديان والمذاهب.

طبعاً هناك النصوص والأقوال التي هي ذخائر معرفية وقيم خلقية، يتيح العمل عليها، ومضاعفتها، إثراء شخصية المرء، وفتح خطوط لاحترام، الغير والتواصل معهم، بقدر ما يتيح له التعامل مع هويته كفضاء رحب للتأويل المنتج للمعنى أو كمصدر للخلق المستمر والتجديد المتواصل. لكن هذا التراث الحي الذي يحض على الانفتاح والتعارف والمساواة ليس هو الغالب على الفكر والسلوك، بل إن نصوصه مستبعدة أو مهمشة، نطرحها على سبيل المداورة والمخادعة، أو نستنجد بها عند الحشرة، بقدر ما ننتهكها في ميادين الممارسة؛ وهذا ما يفسر لنا كيف أننا نحصد الفرقة فيما ندعو إلى الوحدة، بقدر ما يجعل مجتمعاتنا ملغَّمة بالميول العداونية والمنازع الاصطفائية التي تنفجر عنفاً أو تترجم إرهاباً واستئصالا.

علي حرب، جريدة السفير، العدد (9110)

ثقافة السجن العربية حين تهيمن على حركة الناس

العنوان الرئيسي الذي يميز الحياة العربية المعاصرة، هو السجن(!)، أول هذه السجون وأكثرها سطوة، هو ثقافة الدولة المركزية المهيمنة على كل شيء؛ على السياسة والاقتصاد والآداب والفنون، على السفر والإقامة، على تكوين الأحزاب والجمعيات و إصدار الصحف، على قبولك في الجامعة، وعدم قبولك في الوظيفة بعد التخرج، على الأماكن التي تتنزه فيها، أو تلك الممنوعة على المتنزهين أو بالأحرى المتسكعين...إلخ.

وعلى خلفية هذه الحال المأسوية تسربت معاني السجن وظلاله المعتمة إلى لغة الناس وطريقة تفكيرهم؛ فأصبحنا نعيش داخل ثقافة السجن ومفرداته، وليس داخل ثقافة سجينة فقط.

فثقافة السجن هذه هي المسؤولة عن غالبية الأزمات النفسية والمعنوية والسياسية التي نعيشها، بل نغرق بها وبمضاعفاتها من دون أن نشعر!!.

ومن دلائل ذلك أن أحزابنا لا تزال تعيش بل تتشبث بأوهام الشعارات الثورية التي شاعت في الخمسينات والستينات، ولا تتوانى عن اتهام من يجرؤ على نقد تلك الشعارات بالعمالة أو التواطؤ مع الأجنبي؛ ولذلك بقيت هذه الأحزاب سجينة داخل مفرداتها ومفاهيمها، ولا تزال تعتمد المفاهيم والوجوه نفسها، رغم ارفضاض الجمهور عنها، وتحوله إلى أحزاب أخرى هي في الغالب تعتمد بدورها ثقافة الأوهام. أما تلك التي أرادت كسر حاجز الأوهام بينها وبين الواقع، فلم تجد سوى التطرف والعنف اللذين أصبحا موازيين لعنف وتطرف السلطات الاستبدادية في الدولة المركزية التي أصبحت مبدعة في خلق الأوهام وتوزيعها على رعاياها بالمجان!!.

كريم عبد، جريدة الحياة، العدد (14206)

المسلمون بين نهاية التاريخ وصدام الحضارات

نشرت مجلة (نيوزويك) الأمريكية الواسعة الانتشار، بتاريخ 25/12/2001، مقالين لاثنين من كبار المفكرين الأمريكان الذين يساهمون مساهمة فاعلة في صياغة الرأي العام الأمريكي والأوروبي بشكل عام، هما (فرانسوا فوكوياما) و (صامويل هانتينغتون)، وفوكوياما هو مؤلف كتاب (نهاية التاريخ والرجل الأخير).

المقالان يؤكد فيهما المفكران نظريتهما التي سبق أن بشرا بها، لكن بتطويع الأحداث المعاصرة، وتأويلها بعيداً عن الواقع، وباستخدام شريحة صغيرة جداً من العالم الإسلامي بعيدة كل البعد عن التوجه العام لعموم المسلمين، واعتبارها تمثيلاً صادقاً للإسلام والمسلمين، ثم الوصول إلى نتائج خطيرة عن المسلمين، يتم تغذيتها في عقول وأذهان وعاطفة الشعب الأمريكي والشعوب الغربية.

أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه المفكران، والذي لا يقل خطورة عن التعميم المخل، فهو تصنيف العالم الإسلامي والعالم الغربي إلى الرجل الشرير والرجل الطيب؛ فالرجل الشرير (العالم الإسلامي) هو الذي يوجه الضربات وينشر الشر ويتآمر، بينما الرجل الطيب (العالم الغربي) هو الذي يتلقى الهجوم والضربات ويحصد الشر والمؤامرات، في الوقت الذي يسبغ فيه على العالم من خيره وبركاته وينشر المحبة والسلام في ربوعه.. ولا أظن منصفاً يقر بمثل تلك الأدوار المسرحية التي تجري في عالمنا اليوم.

أما الخطأ الثالث، فهو في تركيز الكاتبين على ردة الفعل بعيداً عن الفعل نفسه، أو اقتطاع حدث من الأحداث بعيداً عن ملابساته وظروفه وأسبابه، ثم التعليق عليه والوصول إلى نتائج كبيرة بناء عليه.

القضية الرابعة في سلسلة الأخطاء التي وقع فيها الكاتبان، هي وضع تصور مسبق حول العالم الإسلامي، بل وحول التفسير الكوني للأحداث، مبني على نقص فاضح في المعلومات عن الإسلام وعن المسلمين، ثم تعميم هذا على كل ما يحدث في العالم الإسلامي وفي الكون، وتفسير الحوادث الكونية المختلفة بحسب هذا التصور.

د. وائل الحساوي، الشرق الأوسط، العدد (8483)

مطالب للثقافة العربية الإسلامية على طريق التعايش الدولي

الثقافة العربية الإسلامية، مثل كثير من ثقافات العالم، تبدي إعجابها -في تيارها العام- بقيم الديموقراطية، والحريات الشخصية، وسلطة القانون، والرخاء المستند إلى حرية الاقتصاد، وتعتبرها إيجابية وصلت بأوروبا فالغرب إلى مرتبة الحداثة، وأنها تبقى إحدى الطرق المهمة إلى التحديث والتقدم، وأنها بهذا المعنى تمثل تطلعاً لها، مثلما هي تطلع لكثير غيرها من الثقافات والشعوب، ولكن بشرطين أساسين:

الأول أن لا يقوم النظام العالمي الحاضن لها على أرضية مشبعة بالمظالم السياسية القومية والاستراتيجية.

والشرط الثاني هو الإيمان بتعددية المسارات الثقافية إلى القيم والمؤسسات الغربية؛ ما يعني أن تترك للشعوب والثقافات حرية الاقتراب منها واكتشافها وتجربتها وتمثلها بطرائقها المختلفة وعبر عمليات تثاقف تتطلب تكيفات وتحويرات ثقافية لا بد منها، كما تتطلب وقتاً طويلاً لتستكمل التغيير التدريجي البطيء السلمي الهادئ، في غياب الإملاءات الخارجية؛ لتشعر هذه الثقافة أو تلك أنها تتحول في اتجاه ما يصلح شأنها ويجمل مستقبلها هي وليس ما يحقق مصالح الآخرين على حساب مصالحها أو ما ينتقص من كرامتها؛ فيكون الأمر دافعاً إلى الرفض والمقاومة.

والعقل الغربي اليوم إذا أراد أن يفهم العالم العربي ويتواصل معه، فعليه أن يوجه بوصلته إلى التيار التوفيقي الذي شغل في القرن العشرين، ولا يزال، موقعاً مركزياً في الواقع العربي؛ فهذا التيار وحده، على تعددية أطيافه وتمايز نبراته، يعيش ألم التساؤل حول كيفية التفاعل الإيجابي مع الغرب، وهو مشغول -صدقاً- ومهموم بالبحث عن مسارات الالتقاء مع الحداثة.

صلاح سالم، جريدة الحياة، العدد (14192)

نظرة إلى أسباب تولد العنف في مجتمعاتنا العربية الحديثة

ليس من شك أن العنف الذي شهدته مجتمعاتنا العربية خلال النصف الثاني من القرن العشرين كان ناتجاً من عدة أسباب، وإذا أردنا أن نحلل جذوره، ونحدد أسبابه، فعلينا أن نعود إلى الفكر القومي العربي، لنتساءل: بماذا شخّص الفكر القومي العربي الواقع الذي قاده؟ وما العوامل التي قام عليها هذا الواقع؟.

جاء الجواب على السؤالين السابقين بأن هناك أمة عربية تسكن المنطقة العربية، وأن هذه الأمة تقوم على عاملي اللغة والتاريخ؛ فاللغة العربية هي روح الأمة وحياتها والتاريخ هو ذاكرة الأمة وشعورها. وكان هذا التحديد متأثراً بالمدرسة الألمانية، وعندما اعتبر الفكر القومي العربي أن الأمة تقوم على العاملين السابقين فقط، نفى الدين الإسلامي كعامل من عوامل بناء الأمة.

وازداد نفي الفكر القومي العربي للإسلام عندما التحم هذا الفكر مع الاشتراكية في ستينيات القرن الماضي؛ فسادت المقولات الماركسية التي تعتبر الدين أفيون الشعوب، وأنه السبب في التأخر والانحطاط، وأنه السبب في وجود العقلية الخرافية، وأنه السبب في الاستلاب النفسي!!.

إن نفي الفكر القومي العربي للإسلام، على مدى سبعين سنة، كان العامل الأول في توليد دورة العنف في المنطقة. ويؤكد ذلك استعراضنا لوقائع العنف؛ فنجد أنها جاءت جميعاً ردود فعل على موقف الفكر القومي العربي من الإسلام من جهة، وعلى محاولة اقتلاعه من حياة الناس من جهة ثانية.

غازي التوبة، جريدة الحياة، العدد (14204)

السؤال المتكرر: لماذا يكرهوننا؟

الأسوأ من السؤال نفسه كان حصره تحديداً في العرب والمسلمين وبمدفعية إعلامية وسياسية كاسحة أرغمت كثيرين بيننا فعلاً على التصرف كمذنبين. لم يعد السؤال: لماذا العرب والمسلمون؟ وإنما أصبح: كيف يدلل هؤلاء المذنبون المسلمون -شعوباً وثقافات بالكامل- على أنهم أبرياء من خلال التكيف والإذعان والتدليل على حسن السير والسلوك!.

الحقيقة الأولى هنا هي أن لا أحد يكره أميركا، والمواطن الأميركي يستطيع أن يسير آمنا في شوارع القاهرة أو الرياض أو دمشق بأكثر مما هو آمن في شوارع نيويورك أو شيكاغو أو هيوستون.

الحقيقة الثانية هي أن المواطن العادي، وليس حتى المثقف في أي بلد عربي، لديه من الحس البديهي ما يجعله يفرق بين المواطن الأميركي والسياسة الأميركية.

في السياسة الأميريكية، ومن بين الغث الكثير الذي تابعناه إعلامياً في أميركا منذ 11 أيلول (سبتمبر)، اقتبس هنا بعضاً من مقال رصين في (الواشنطن بوست) كتبه كاي بيرد ومارتن شيروين. في المقال يقول الكاتبان: (بالنسبة إلى الأميركيين وما يتعرضون له من أخطار في هذا العالم فإنهم بغباء يبددون أول وأقوى خطوطهم الدفاعية: سمعتهم باللعب النظيف النزيه. بهذا المعنى فإن 11 أيلول(سبتمبر) هو الفشل النهائي لسياسة خارجية لطخت بانتظام سمعة الولايات المتحدة؛ فطوال نصف قرن رضيت مؤسسة السياسة الخارجية عن نفسها بما جعلها تفترض أن أميركا تستطيع التصرف في العالم الثالث بغير عقاب. لقد خاض الأميركيون الحرب الباردة في ميادين العالم الثالث بما يجعل قائمة التدخلات الأميركية التي جرت فعلاً مذهلة: إيران، كوريا، غواتيمالا، الكونغو، فيتنام، تشيلي، نيكارغوا. وبالطبع -كل الشرق الأوسط، لقد سقط ملايين من القتلى).

ويضيف الكاتبان الأميركيان أيضاً (تحتاج الولايات المتحدة إلى سياسة خارجية ذكية تخاطب المواجع الكامنة التي تغذي الغضب الانتحاري. الأميركيون في أمسّ الحاجة إلى العودة خلفاً إلى البلد الذي كانوا عليه في سنة 1945 قبل هيروشيما، وقبل أن يسلكوا طريقهم إلى الدولة ذات الأمن القومي الدائم. معظم الأميركيين الآن لا يذكرون رؤى فرانكلين روزفلت وأصحاب الصفقة الجديدة وأفكارهم للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في ما بعد الحرب، حقوق الإنسان، تقرير المصير، نهاية الاستعمار، نزع السلاح النووي، القانون الدولي، محكمة العدل الدولية، الأمم المتحدة -تلك كلها كانت أفكار الجناح اليساري التقدمي للحزب الديمقراطي، بما فيها أن على الأميركيين أيضاً الإذعان لقرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية) انتهى الاقتباس.

بدلاً من ذلك، الإلحاح مستمر على ذلك السؤال المدهش: لماذا يكرهوننا؟ وحينما استقريء التاريخ الآن اندهش، في الأمبراطوريات السابقة خلق الله عقلاً أولاً وبعدها جاءت العضلات، أما في الحالة الأميركية فقد جرى العكس؛ العضلات أولاً، وبعدها ربما يجيء العقل.

محمود عوض، جريدة الحياة، العدد (14209)

الإمبراطورية الجديدة

لا بد لنا من التأكيد على أننا لا نستخدم كلمة (إمبراطورية) هنا استخداماً مجازياً، بما يستدعي إظهار أوجه الشبه بين النظام العالمي الموجود اليوم، وبين إمبراطوريات روما والصين والأميركيتين وإلخ... بل نوظفها بوصفها مفهوماً، يتطلب موقفاً نظرياً بالدرجة الأولى. فمفهوم الإمبراطورية يتميز أساساً بغياب الحدود؛ إذ لا يعرف الحاكم الإمبراطوري أي معنى للقيود أو التخوم؛ وبالتالي فإن مفهوم الإمبراطورية يفترض أول ما يفترض وجود نظام يقوم عملياً باحتضان الكلية المكانية، أو يمارس فعلاً حكم العالم (المتحضر) كله. ما من حدود إقليمية تقيد سلطان هذا النظام الإمبراطوري. ويقدم مفهوم الإمبراطورية نفسه، ثانياً، لا بوصفه نظاماً تاريخياً ناجماً عن الغزو والإجتياح، بل باعتباره نظاماً يتمكن عملياً من إيقاف التاريخ وصولاً إلى تثبيت أحوال الأمور إلى الأبد. فمن وجهة نظر الإمبراطورية تلك هي الحال التي ستكون عليها الأمور على الدوام، والحال التي كانت محكومة بأن تكون عليها من قبل.

وبما أن هدف حكمها هو الحياة الاجتماعية بكليتها، فإن الإمبراطورية تمثل الصيغة النموذجية للسلطة الحيوية. يبقى المفهوم الامبراطوري، رابعاً وأخيراً، على الرغم من أن ممارسة الإمبراطورية غارقة على الدوام في بحر من الدماء مكرساً باستمرار لصالح السلام -لصالح سلام دائم وشامل خارج إطار التاريخ.

تتمتع الإمبراطورية التي نحن بصددها بقدرات هائلة على الاضطهاد والتدمير، غير أن تلك الحقيقة لا يتعين عليها أن تدفعنا إلى الحنين، بأي شكل من الأشكال، لأشكال السيطرة القديمة؛ فعملية الانتقال إلى الإمبراطورية، وسيرورات عولمتها، توفر إمكانيات جديدة لقوى التحرر والتحرير. وبالطبع فإن العولمة ليست شيئاً واحداً؛ وجملة السيرورات الكثيرة التي نطلق عليها اسم العولمة ليست موحدة أو أحادية الصدى. وبرأينا، فإن مهمتنا السياسية لا تتمثل بمجرد مقاومة هذه السيرورات، بل بالتعرف إليها، وإعادة توجيهها نحو غايات جديدة؛ فالقوى الخلاقة للجماهير التي تمكن الإمبراطورية من البقاء قادرة في الوقت نفسه على المبادرة، بصورة مستقلة، إلى بناء امبراطورية مضادة، إلى إقامة تنظيم سياسي بديل لعمليات التدفق والتبادل العالمية. وهكذا فإن النضالات التي تتم لمعارضة الإمبراطورية والإطاحة بها، جنباً إلى جنب مع نظيرتها الهادفة إلى بناء بديل حقيقي، ستجري على الساحة الإمبراطورية نفسها -وبالفعل فإنه في مثل هذه النضالات المشابهة، سيتعين على الجماهير أن تبدع أشكالاً ديمقراطية جديدة، وقاعدة قوة جديدة، ستكون قادرة يوماً على نقلنا عبر الإمبراطورية، وإلى ما بعدها.

مايكل هاردت وانطونيو نيغري، نوافذ، ملحق جريدة المستقبل، 17/ 2/2002

العرب والغرب تاريخ من العلاقات المشوهة

رغم الأحداث الأليمة التي تشهدها الآن الساحة الدولية، وانعدام الثقة في العلاقات العربية - الأمريكية بشكل خاص، والعلاقات العربية مع الدول الغربية بشكل عام، لا بد من حوار ثقافي مسؤول وطويل الأمد لإعادة الاعتبار للحوار بين الثقافات والحضارات وليس للصراع في ما بينها؛ لكي تعود الثقة المفقودة بين الجانبين.

فالغرب ليس واحداً وليس مطلقاً بل يمتاز بالتنوع والتناقضات والصراعات، كما أن المجتمعات العربية بدورها ليست واحدة بل تمتاز أيضاً بالتنوع الثقافي والديني والاجتماعي. وبالتالي، فقد آن الأوان لمراجعة معارفنا عن الغرب، ولإعادة النظر في المسلمات الراسخة في أذهاننا، عنه وبناء صور جديدة تساعد على تقديم معرفة عقلانية وليس عاطفية أو انفعالية عن صورة المجتمعات العربية في الغرب؛ فالسائد لدى العرب هي صورة الغرب الاستعماري البشع الذي أشاع مناخاً من الصدام والمواجهة مع الشرق. وصورة الغرب هي دوماً صورة الغرب المنتصر كما عبّر عنها فوكوياما وهنتنغتون، فهو انتصار الأقوى سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومعرفياً، لكن على المثقفين العرب نقد مقولتي (صراع الحضارات) و (ما بعد الحداثة) وغيرهما لأنها تعبران عن جديد أيديولوجيا العولمة الأمريكية، دون أن تحمل أي تجديد ثقافي.

إن صورة (الآخر) ليست حقيقة؛ إذ لا تظهر الشرق على حقيقته ولا الغرب على حقيقته، بل صورة كل منهما معكوسة في مخيلة الطرف الآخر. صحيح أن الغرب اخترع شرقه، ولكن من الصحيح كذلك أن الشرق اخترع غربه، كل من موقعه، وكل بطريقته وآلياته. وإذا كانت السمة الغالبة في الخطاب العربي المعاصر هي رفض الصورة التي يحملها الغرب، تحديداً، عن العربي والمسلم، مع البحث لها عن سياقات ودوافع، فإن هذا الرفض لا يوازيه تساؤل عن الصورة التي يبنيها العربي عن الغرب، وعن علاقتها بواقع هذا الغرب؛ إنه يتشكى من تشويه الغرب لصورته، لكنه لا يتنبه إلى أن صورة الغرب ليست أقل تشويها لديه.

إن تبادل صور التعارف المتخيلة بين الغرب من جهة والعالم الإسلامي من جهة أخرى، هو وليد تاريخ طويل من المجموعة التخيلية من الأفكار؛ فثمة عوامل سلبية كثيرة لدى الجانبين تقود إلى فهم خاطئ للآخر، كما أن سؤال العلاقة بين الحضارات سؤال تاريخي، ولا ينبع إلا من واقع سيرورة التاريخ. أما الاختلاف الثقافي، فليس سبباً للنزاع بين الدول، لكن من الممكن استغلاله لتأجيج نزاع محتدم لأسباب غير ثقافية، بل اقتصادية في معظم الأحيان. والمطلوب تطوير الحوار البنّاء حول علاقة المجتمعات العربية بالغرب بمقدار تطوير هذا الحوار مع الباحثين الغربيين حول الموضوع عينه.

مسعود ضاهر، مجلة العربي، العدد (518)

ما الذي يترشح من هذه العناوين، والتي نشرت في أوقات متفرقة، ومن على منابر متعددة؟

1- الاتفاق على إدانة ما حدث في الحادي عشر من أيلول، على رغم اختلاف توجهات الكتاب والأقلام.

2- الاعتراف ضمناً-إن لم يكن صراحة-بوجود خلل فادح في ثقافتنا العربية والإسلامية في منحاها إلى الصدام مع الآخر،والدعوة إلى بلورة صيغة للتعايش مع هذا الآخر، والمطالبة باحترام وجوده.

3- الدعوة إلى مساحة أكبر من التفهم من قبل الغرب للإسلام وقضايا المسلمين، وعدم الاعتماد على النظرة المشوهة التي أفرزتها أحداث سابقة.

4- البحث المشترك عن أسباب ما حدث، ومعالجة تلك الأسباب من الجذور، وليس الاكتفاء بالمرور عليها، والانشغال بالنتائج التي آلت إليها.

5- تقديم صورة الإسلام الحقيقي، إسلام المحبة والسلام، للشعوب الغربية، وأن الإسلام لا يحض معتنقيه على العنف والإرهاب، بل يطمح إلى توحيد الإنسانية تحت قوس من القيم النبيلة؛ احترام حقوق الإنسان، تحقيق العدالة الاجتماعية، القضاء على الفقر والعوز، الانفتاح على الشعوب والثقافات الإنسانية كافة.

(النبأ)