الأخلاق في فكر الإمام الشيرازي

وفيق فايق كريشات

قديماً، زعم السفسطائيون بأن العقل لا يستطيع أن يبلغ الحق بصورة يقينية، لكن هذا الزعم سقط فيما بعد، ثم جاء أتباع المذهب الذرائعي (البراغماتي) وأرسوا مفهوم الحق على ما يترتب عليه من نفع، وقد نالت هذه الفكرة أيضاً نصيبها من التسفيه. وبخلاف هذين المفهومين رجعت طائفة من الفلاسفة في تحديد مفهوم الحق إلى الواقع وكيفية مطابقة الحكم له. وهذا هو الذي ذهب إليه الإمام قائلاً إن المعرفة الصحيحة إنما توصف بالحق إذا كان الواقع يطابقها. وهو ينقض بهذا قول من قالوا إن المعرفة نسبية ومتغيرة.

وكما شط قوم في إدراك مفهوم الحق، شط آخرون في معنى الخير وقصروه على اللذة. لكن التحقيق أثبت أمرين أساسيين ينطوي عليهما مفهوم الخير: تحقيق السعادة والكمال للإنسان بوصفه كائناً عاقلاً. وفي هذا يرى الإمام أن الإنسان يتحرك تاريخياً حركة صعودية نحو الكمال، وأن الهدف من صعوده هو السعادة. وهذه نظرة متفائلة جداً تظهر لنا بمزيد من الوضوح فيما يؤكده الإمام من أن الناس يتفاوتون بين (خير وأخير وحسن وأحسن لا شيء وحسن)(1)؛ فالخير هو جوهر الإنسان كما يراه. وهذا هو الذي ذهب إليه المفكر الفرنسي جان جاك روسو حينما قال في مستهل كتاب أميل: (كل شيء صنعه خالق البرايا حسن، وكل سيء يفسد بين يدي الإنسان) (2)، مؤكداً أن الطبيعة البشرية خيّرة وأن المجتمع يفسدها.

وليس رأي الإمام في الخير هو اللافت وحده، بل موقفه من الجمال، وهو موقف يتلخص في إيراده الحديث الشريف: (إن الله جميل يحب الجمال)(3). وإذا وقفنا ننظر في هذا الحديث وجدنا أن الجميل قد عد من أسماء الله الحسنى، ونحن نعلم من مذهب أهل البيت(ع) أن صفات الله تعالى هي عين ذاته؛ فإذا جمعنا بين الأمرين علمنا أن جماله تعالى عين ذاته، وهذا يعضد قول الذين ذهبوا إلى أن الجمال موضوعي وليس ذاتياً. ومن جهة أخرى، إن كون الجمال محبوباً من الله تعالى يوجه المكلفين إلى حب الجمال وإكباره وتحريه.

لكن مجال القيم لا ينحصر في القيم الثلاث الآنفة الذكر. إنه يشمل أيضاً القيم الروحية القائمة على احترام الله تعالى مصدر كل خير وبهاء وجمال ونعمة؛ (وما بكم من نعمة فمن الله) (النمل: 53)، وبضم قيم الإيثار التي تعبر عن سمو الروح الإنسانية فوق العالم المادي والطبيعي، نحترم الإنسان في ذاته. ولكن هذه القيم جميعاً تحتاج في ازدهارها إلى قيم أخرى ذات شأن مهم، وهي القيم المتعلقة بالإنسان من حيث هو جزء من الطبيعة، وله حاجات مادية تستوجب إرضاءها. ومن تلك القيم نشير إلى القيم الاقتصادية التي تتعلق بمسكن الإنسان ومطعمه إلخ... والقيم الانفعالية المترتبة على القيم الاقتصادية، التي لولاها لما شعر الإنسان باللذة والألم.

ففي القيم الاقتصادية يتكلم الإمام عن الدور السلبي الذي يلعبه الفقر حينما يساهم إسهاماً كبيراً في انحراف الأخلاق، وعن الدور الإيجابي الذي يقوم به إرضاء الحاجات، ويضع الطاعة والالتزام الأخلاقي في قبال الحاجة. وفهم هذا الحكم وقبوله أمران هيّنان؛ إذ لو ابتلي الإنسان بضيق ذات اليد، وسدت في وجهه أبواب الرزق، وعجز عن شراء ما يحتاج إليه من طعام أهل بيته وكسوتهم ودوائهم وسائر ما يحتاجون إليه من حاجات ضرورية وأمور كمالية، فإنه سيبتلي بالأعراض النفسية المرضية، تبدأ بالهمّ وانشغال الفكر وتوتر الأعصاب وضيق الصدر، ولا تنتهي بالغضب لأصغر الأمور، ولا بفقدان السيطرة على النفس والخروج عن الاتزان.

وبعد، فكيف يتوقع لإنسان كهذا أن يتسامى إلى عالم القيم الفاضلة؟ نعم، قد يمكنه أن يحارب أهواء نفسه، وينجح في جهادها، حتى لا توقعه في مهاوي المعاصي، لكن ارتفاعه إلى رحاب القيم حيث يعيش سعيداً متنعماً فأمر بعيد بعيد عن معظم الناس، إلا من رحم ربي.

وإذا عرفنا أقسام القيم، فلنتساءل عن تفسيرها. لقد طرحت في مجال تفسير القيم أفكار كثيرة؛ فذهب بعض فلاسفة الأخلاق إلى تفسير القيم انطلاقاً من الطبيعة البشرية وحدها. وقالوا إن القيم ترجع إلى ما يلائم ميولنا وما ينافيها، والخير عندهم مجموعة الذات، لكن هذا الرأي قد فنّد على أساس أن الغايات التي تنشدها القيم الحسية غير مقبولة من العقل الإنساني.

وذهب فريق آخر من الباحثين إلى جعل الغرائز أساساً للقيم، وربطوها ربطاً وثيقاً بالحاجات والدوافع العضوية. فتبين خطأ هذا الرأي أيضاً لأنه يهمل الجانب الروحي من الإنسان ويدفعه إلى أن يحيا حياة اللحظة الراهنة؛ مما يؤدي إلى عدم نضج حياته الشخصية.

وأرجع علماء النفس القيم إلى الرغبات والعواطف وغير ذلك من التأثيرات النفسية التي يخضع لها الفرد، ووقفوها على ذلك. لكن رُدّ هذا الرأي أيضاً؛ نظراً لكون الظواهر النفسية غير ثابتة، ولكون المرء يتجرد من جميع عواطفه وميوله حينما يبلغ قيمة الحق أو العدالة.

وجعلت طائفة من الفلاسفة العقل أو الفكر السليم ينبوعاً للقيم؛ فالعقول المبدعة في مجالات الفلسفة والعلم والفن والأخلاق والسياسة هي التي تثور على القيم السائدة وتأتي بقيم جديدة. لكن أخذ على هذا الرأي أنه يضيق دائرة المعرفة الإنسانية؛ لأننا نعرف أن الكثير من الأفعال الإنسانية ترتكز على العاطفة والوجدان أكثر من ارتكازها على العقل الخالص.

وأخيراً، رأى أصحاب المدرسة الاجتماعية، وعلى رأسهم دور كهايم، أن المجتمع هو ينبوع القيم، وأن في المجتمع ضمير جمعي يضع القواعد السلوكية للفرد، ويحدد له المعايير التي يلتزمها عندما تتاح له عدة خيارات ينتقي بعضها. لكن هؤلاء جانبوا الحق حينما جعلوا القيم وقائع اجتماعية تحاكي الوقائع الطبيعية وتلزم الإنسان باتباعها، بينما الواقع يقول إن كثيراً من قواعد المجتمع السلوكية قد تكون سخيفة ولا معقولة، ولا يجد الإنسان الحر مناصاً من التمرد عليها.

إن الذي ذكرناه آنفاً من تفسيرات للقيم الأخلاقية، قد تناوله الإمام الشيرازي تناولاً بديعاً، تجلت فيها إيجابيات الآراء جميعاً، أما سلبياتها فقد تفاداها الإمام بصورة رائعة. لكن قبل ذلك نوضح نقطة مهمة من القضية الأخلاقية وقع نزاع شديد فيها؛ فإذا كان فلاسفة الأخلاق قد اتفقوا على تقسيم الأفعال الإنسانية إلى أفعال خيرة وأخرى شريرة، فإنهم اختلفوا في تحديد مفهوم الخير والشر وما يتعلق بهما من أساس الإلزام الخلقي، وكان اختلافهم الأكبر في مسألة هل الأخلاق مطلقة وثابتة أم نسبية ومتغيرة؟.

ذهبت طائفة كبيرة من الفلاسفة، كسقراط وكنط، إلى أن الطبيعة البشرية واحدة في كل زمان ومكان، وأن هناك جانباً مشتركاً بين البشر جميعاً، ألا وهو العقل؛ ولهذا قالوا إن المبادئ الأخلاقية عامة تشمل كل الناس، وثابتة ومطلقة.

بينما ذهبت طائفة أخرى، يمثلها فلاسفة المذهب التجريبي الوضعي، إلى أن الأخلاق جزئية ومتغيرة ونسبية.

أما الإمام الشيرازي (رحمه الله) فيقرر أن القيم الأخلاقية، كحسن الإحسان وقبح الظلم، من الحقائق الثابتة، فمن غير المعقول أن يكون رفع الظلم عن المظلوم قبيحاً، أو يكون ظلم الناس حسناً. ونحن لو أنكرنا المعيار المطلق للأخلاق، لوقعنا في عبثية خلقية خطيرة، ولانتقضت الأخلاق من أساسها، ولسادت في المجتمع البشري شريعة الغاب.

ومع أن الإمام يقطع بأن الحسن والقبح ليسا نسبيين، فإنه يتناول تأثير الظروف الاجتماعية على تطبيق بعض القيم في الواقع؛ فيتحدث - مثلاً - عن عمل الأطفال، ويقول إنه قبيح في الأصل؛ لأن استعمالهم - في غير الأعمال الترفيهية - يضعف شخصياتهم ويولد فيهم العقد النفسية؛ ولهذا فإن المجتمع الغني يقبحه ويحظره، أما المجتمع الفقير فيحسنه ويسمح به لأنه محتاج إلى عملهم. وهكذا يصير عمل الأطفال (أحسن من باب الأهم والمهم)(4).

إذاً، الإمام يقول بالأخلاق المطلقة، مع الاعتراف ببعض التطبيقات النسبية لها، لكن ما هي مصادر معرفة الحكم الصحيح على الأمور تحسيناً وتقبيحاً عنده؟ وكيف يحدد المنبع الذي تنبثق منه المسؤولية الأخلاقية التي يحس بها الإنسان.

لنتناول في البداية مسألة الحسن والقبح، ولنطرح هذا السؤال: إلى ماذا يرجع الإنسان في معرفة حسن أمر من الأمور من قبحه؟ ويتبع حكم من؟.

ورد عن الإمام موسى الكاظم(ع): (إن الله على الناس حجتين ظاهرة وباطنة، أما الظاهرة فالأنبياء والرسل والأئمة(ع)، وأما الباطنة فالعقول)(5) أولاً، إن الأحكام والقيم التي أتى بها الأنبياء والرسل وأوصياؤهم للناس، هي ذات مصدر إلهي أنزله الله تعالى بالوحي، وهي، لهذا، ذات سمتين إيجابيتين، على حسب ما بينه الإمام الشيرازي، وترجع السمة الأولى إلى كون الله تعالى عالماً بحقيقة الإنسان والكون؛ مما يعني أنه عالم بصالح القوانين من فاسدها؛ ولهذا فإن القيم والأحكام الأخلاقية التي تأتي من المصدر الإلهي هي قيم وأحكام شاملة لا تدع صغيرة ولا كبيرة، وهي أيضاً صحيحة وموافقة للحق، فالتزامها أمر في صالح الإنسان، ويأخذ بيده في سبيل السعادة التي هي هدفه المنشود في الدنيا (بالتخلص من الرذيلة والفوضى، وبالتحلي بالفضيلة والسلام) وفي الآخرة (بالتنعم في الجنة).

أما السمة الثانية للقيم الصادرة من لدن الله تعالى، فتنبع من تنزهه تعالى عن الشهوات التي تحرف المشرعين من البشر عن جادة الحكم الصحيح؛ مما يجعل القانون الإلهي في صالح الإنسان بما هو إنسان. وهذا يكشف عن إحدى نقاط القوة المهمة في الأحكام الأخلاقية الإلهية؛ فهي باعتبار صدورها من مصدر مبرأ من شوائب الأهواء والمطامع الذاتية التي يتصف بها الناس، فإنها تطابق الحق الصراح، وليس بعد هذا أمر تحتاجه القيم، حتى تكون فعالة في أن تقدم للإنسان ما فيه خيره ومصلحته في تكامله الإنساني.

ومن هاتين المسألتين يتبين لنا أن معرفة الحسن والقبح، لها مصدر شرعي إلهي مكين لا يجوز للإنسان الساعي إلى الكمال أن يخرج عن إطاره، ولا يليق به أن يتعدى حدوده؛ إذ هي سلطة خارجة عن ذات الإنسان تفرض الإلزام الخلقي وتحدد القيم.

ثانياً، إن العقل، باعتباره حجة باطنة من حجج الله تعالى، مصدر لمعرفة الخير والشر. ومن هنا قيل أن الحسن والقبح عقليان؛ فما يحكم العقل بحسنه فهو حسن، وما يحكم بقبحه فهو قبيح. وفي هذا يصف الإمام الشيرازي العقل بأنه (القائد الآمر)(6)؛ مما يعني أن دفة التوجيه بيده، وسلطة إصدار الأحكام عنده، ولا يكون ذلك إلا إذا كان ذا قدرة على التمييز بين حسن الأمور وقبيحها، وعلى اعتبارها بقدرها اعتباراً صحيحاً بحيث لا يدخل رذيلة من الرذائل في باب الحسن، ولا يضع فضيلة من الفضائل تحت عنوان القبيح. كما أن الإمام يضع ثقة مهمة في من يتمتع بالصحة العقلية؛ لأنه قادر على تقييم الأشياء حسب موازينها الطبيعية، وعلى إدراك خصائصها الدقيقة.

والخلاصة أن العقل، وهو ما يحسه الإنسان في باطنه حينما يجد التنازع في كثير من الأحيان بين نزعة الخير ونزعة الشر، مصدر موثوق لمعرفة الخير، ووازع أمين يحث الإنسان على التزام القيم؛ فهو سلطة باطنة في صميم الذات الإنسانية.

لكن ليس العقل وحده هو صاحب الدور الأول والأخير في تحمل الإنسان للمسؤولية الأخلاقية؛ فهاهنا الغرائز المتصلة بالدوافع الحيوية الباطنة التي تظهر في الخارج بصورة صفات متعددة تؤثر تأثيراً كبيراً في الأفعال الأخلاقية للإنسان.

وليست العاطفة بأقل شأناً من العقل والغرائز. ويتحدث الإمام الشيرازي (رحمه الله) عن العاطفة ويبين أن جمود العاطفة مذموم في الشريعة، ويفسر منشأها ويقول: (إنه يرجع في بعض الأحيان إلى ارتطام الإحساس بالذهن)(7) علماً أن العاطفة قد تتحرك أحياناً بالتذكر وبدون ارتطام الذهن بإحساس خارجي. ويوضح أن هذه الميزة هي أمر تنفرد به العاطفة عن الفكر المنطقي. والمثال على ذلك، إن قارعاً قد يقرع الباب، فيفتح الابن الباب فيجد به سائلاً. يأتي الابن أباه ويعلمه، فيأمر الأب للسائل بشيء وقد لا يأمر. أما لو أن الأب هو الذي فتح الباب ووقعت عيناه على السائل ورأى ثيابه الرثة وسمع نغمته الحزينة وعلم تضوره من الجوع وارتعاده من البرد، فلربما بادر إلى الإحسان إليه، ورغب فيه رغبة شديدة.

فالعاطفة تحفز الفعل الأخلاقي تحفيزاً شديداً أقوى من تحفيز العقل، لكن مما يعيبها أنها عمياء، فقد تغري بالخطأ، أنها سلاح ذو حدين. وفي هذا يقول الإمام، مبيناً أهمية العاطفة ومحدداً الحكم الشرعي فيها تبعاً لدورها في العمل: (إن إنماء العاطفة الموجب للعمل بالواجب واجب، لو قيل بوجوب مقدمة الواجب... وللعمل بالمحرم محرم، إن قيل بحرمة مقدمة المحرم)(8) فلما كان الإحسان، وصلة الأرحام، من الواجبات، وجب إنماء العاطفة التي تقوي رغبة الإنسان في ذلك.. ولما كان الزنا من المحرمات، حُرم إنماء العاطفة التي تهيج الإنسان لارتكابه.

والمصدر الباطني الآخر للإلزام الخلقي هو الضمير؛ فالإمام يقول أن في الإنسان خاصة داخلية قادرة على الحكم تسمح له برؤية الحسن والقبيح. والضمير خاصة فطرية يعرف بها الإنسان - قبل أية دراسة أخلاقية - هل الفعل المتاح له خير أم شر.

وإذ فرغنا من المصادر الباطنية للقيم والإلزام الخلقي، فلنختم البحث في هذا الموضوع بالكلام عن مصدر خارجي، كما بدأنا به حينما تكلمنا عن المصدر الديني الإلهي، ونعني به المجتمع الذي ينشأ فيه الفرد ويعيش. ولا نفصّل الآن في التأثير المتبادل بين الفرد والمجتمع، وإنما سنعنى بمفهوم هذا التأثير من جانب المجتمع. ينسب الإمام للمجتمع فاعلية في التأثير على أخلاق الأفراد، من حيث كونه جهازاً ضاغطاً يوجه الأفراد نحو الاستقامة أو الانحراف؛ فالإنسان مالك، بوصفه فرداً ذا شخصية مستقلة، له منظومة مميزة من المبادئ والعواطف والميول، وحينما يشرع بتفعيلها في أرض الواقع فإنها تلامس المبادئ والعواطف والميول التي يقرها المجتمع ويسمح بها، فتخضع لاصطفاء يبقي منها ما يرضي المجتمع ويعززه وينميه، ويقمع ما ينبذه حتى يستأصله ما لم يكن الفرد ذا شخصية شديدة الحرية والتميز والقوة.

وعليه، فإن للمجتمع دوراً لا غنى عنه في تفعيل استعداد الإنسان الأخلاقي. ويتبين لنا عظم أهمية هذا الدور من خلال قصة (صبي أفيرون الوحشي). ففي أواخر القرن الثامن عشر، عثر في فرنسا على صبي يبلغ الثانية عشرة كان قد انقطع عن المجتمع الإنساني وعاش عيشة وحشية في الغابة حتى تلك السن. كان ذلك الصبي أبلهاً، لكن الأهم من ذلك أنه لم تبد عليه أية مظاهر سلوكية إنسانية، لا بل أظهر صفات وحشية واضحة، لكنه استطاع، بعد انضمامه إلى الجماعة الإنسانية، أن يتعلم كيف يسلك سلوكاً مقبولاً على يد أحد المختصين(9).

إن للمجتمع والدين والعقل والعاطفة والضمير إسهامات في المسألة الأخلاقية من وجهة نظر الإمام الشيرازي؛ فالذين يمد الإنسان بمعين لا ينضب من القيم الفاضلة، ويشكل مع المجتمع سلطة خارجية تقوّم الانحرافات، ويكون شبكة واقية تحمي الفرد من التهاوي تحت نقاط ضعفه الإنساني. أما العقل فهو مصدر آخر لمعرفة القيم، لكنه مصدر باطني ينبثق من صميم الذات الإنسانية؛ مما يولد الالتزام عن قناعة، ثم تأتي العاطفة فتكسب الفعل الأخلاقي حرارة وحماسة وتعزز الالتزام وتزيد النفس التصاقاً به.

إن الإمام قد دل على حكمة واسعة وفكر ثاقب جنّباه النواحي السلبية من أفكار فلاسفة الأخلاق والآخرين الذين تناولوا المسألة الأخلاقية من بعض الزوايا دون بعض. لقد أقام المعرفة والفعل الأخلاقيين على أرض واسعة مكينة لا تضيق بفضيلة من الفضائل، ولا تزعزعها هزة من الهزات.

وإذ تبينا العوامل المؤثرة في المسألة الأخلاقية من الوجهة النظرية، فلنتساءل: كيف يكتسب الإنسان القيم والفضائل الأخلاقية، وما هي الأمور التي تتحكم في ذلك؟.

يتناول الإمام الشيرازي مسألة الاكتساب في معرض كلامه على نمو الشخصية الإنسانية والعوامل المؤثرة فيها، ويرى أن الشخصية الفردية تحتاج، لأجل النمو، إلى كون (الحكم والعلم والمال للجميع)(10)، فالإنسان أقدر على التحلي بالفضائل إذا نال نصيباً كبيراً من العلم، وكانت ثمرة عمله له، وعاش في ظل نظام عادل يحكم فيه الناس أنفسهم بأنفسهم.

أما دور العلم فيكمن في توسيع المدارك العقلية للفرد وتدريبها على حسن التفكير والحكم. فمن أين سيعرف الحسن والقبيح معرفة دقيقة إذا كان الجهل يرين على عقله ويشله عن التفكير؟ فالعلم هو الذي يطلق الملكات العقلية الفعالة، لكنه يحتاج إلى من يعتني بأن ينال الفرد التعليم الصحيح المناسب؛ لأن لذلك الحكم الفصل في قيام التعليم بالدور المطلوب. ولأجل هذا يشدد الإمام الشيرازي على دور العائلة والمدرسة والمجتمع في التعليم حتى تتحقق للفرد صحته العقلية.

وأما دور المال في اكتساب الفضائل فهو من حيث كونه وسيلة لتلبية الحاجات المعنوية والمادية للإنسان. فمن أين سيكتسب الشاب العلم إذا كان لا يقدر على دخول الجامعة والإنفاق على مستلزمات الدراسة؛ لأن أبويه فقيران؟ ومن أين سيأتيه الاتزان إذا كان لا يمكنه شراء الدواء عند المرض؟ ومن أين سيلتزم النظافة إذا حرم إمكانية الإنفاق على حاجاته من الماء؟ إن آثار الفقر السلبية من الناحيتين المادية والمعنوية لكثيرة جداً؛ فالإمام يستعرض بالتفصيل تلك الآثار، ومن ضمن ذلك كبت الفضائل وإطلاق الرذائل الكامنة في النفس الإنسانية.

وأما دور الحكم في الأخلاق فيبرزه الإمام إبرازاً شديداً ويضعه جنباً إلى جنب المنهج الفكري الذي يلتزمه الإنسان، فيقول: (فمن هاتين الناحيتين - ناحية الفرضية الذهنية وناحية النظام الحاكم على المؤسسات الاجتماعية - تفرز صحة الاجتماع وفساده)(11) ويفصل القول في ذلك، ويبين أن استقامة نظام الحكم تلعب دوراً إيجابياً في أنه يؤمّن لأبناء المجتمع الحرية والإمكانات والفرص والنموذج الحسن؛ فيهون عليهم السير على دروب الفضيلة، ولا يغريهم سوء الجو المحيط بالرذيلة.

ويولي الإمام عناية شديدة لأخلاق القيادة التي تتولى دفة الحكم في الدولة، ويوجب عليها أن تجمع شروطاً كثيرة، على رأسها الإيمان بالله والأخلاق. ولا عجب في ذلك لأن القيادة محط أنظار الناس الذين يميلون إلى تقليدها، كما أن القيادة هي التي تؤطر القوانين التي يسير الناس بموجبها فتؤثر تأثيراً مباشراً في سلوكهم.

ولا يفوت الإمام أن يوضح الأسس التي يجب أن يقوم عليها المجتمع المتحرك نحو الكمال بأبنائه، ومن تلك الأسس الفضيلة وغيرها من المبادئ الفلسفية الصحيحة، حتى أنه يعطي دوراً مهماً لحجم الوحدة الجامعة التي تشكل ثقافة المجتمع لأن كون الوحدة ذات حجم كبير يتيح للفضائل في الأفراد والجماعات متنفساً أكثر وظهوراً أقوى.

هذا، وإذا كان لاستقامة المجتمع دور إيجابي في استقامة الفرد، فإن العكس بالعكس. ويرجع الإمام الدور السلبي الذي يلعبه المجتمع المنحرف في حرف الفرد عن القيم إلى أن المؤسسة الاجتماعية المنحرفة لا توفر للإنسان الحريات مما يولد في نفسه الضيق وهو عدو لدود للفضائل التي تحتاج إلى صدر رحب يتسع لها. ومن جهة أخرى، إن المؤسسة المنحرفة قد توفر للفرد حريات منحرفة كحرية الزنا وحرية الربا؛ ما يغريه بالانغماس في الرذائل، لأن النفس تسرع في اكتساب السيئات أكثر من اكتسابها للحسنات على حسب قول الإمام.

ومع هذه العوامل الأساسية المؤثرة في الاتجاه الأخلاقي للإنسان، هناك عوامل أخرى لا تقل عنها أهمية يتحدث عنها الإمام؛ من ذلك المحيط الطبيعي الذي يعيش فيه الفرد. فالمناخ والتضاريس لهما دور قد يصغر أو يكبر في أخلاق الإنسان، ومرد ذلك إلى أن رطوبة موطنه ويبوسته وحرارته وبرودته وسهولته ووعورته وإشرافه وتغوره يؤثر في جسده وبالتالي في نفسه.

وهناك الفطرة التي يخلق الإنسان عليها، والملامح الجسدية والنفسية التي يرثها عن أسلافه، وهذان الأمران لا يوجبان أخلاقاً محددة قطعاً دون غيرها، ولكنهما يؤثران تأثيراً محدداً في أوضاع محددة.

وهل ننسى الثقافة؟ إن الإنسان في رحلته في أجواء العائلة والمدرسة والدولة والعالم تهب عليه رياح شتى من ألوان الثقافة وأشكالها فتعزز فيه بعض القيم أو تلغيها، وتصبغه بقيم جديدة. وهنا يبرز دور التربية وما تقوم به العائلة في سبيل صبغ الفرد بالصبغة الأخلاقية الفاضلة، فإذا كان الأبوان غير مستقيمين، أو كانا في شجار دائم وسباب وقسوة وعنف، فكيف سيتهيأ للطفل أن ينشأ نشأة أخلاقية مستقيمة؟ إنه لأمر صعب حقاً، بل إن له آثاراً بعيدة المدى. فإذا تشرب المرء في طفولته أخلاقاً بعينها صار من العسير عليه أن يغيرها بعد أن يكبر. وفي هذا يشبه الإمام الطفل بالصفحة البيضاء التي تنقش بلون من الألوان، ثم يزال بلون آخر فلا يزول زوالاً تاماً بل يكون له تأثير في فاعلية اللون الجديد.

ونختم الكلام حول العوامل الفاعلة في التزام الأخلاق بالدين وختامها مسك. فيؤكد الإمام أن الدين، بما هو عقيدة، يملأ الفكر فيحرره من الخوف والقلق ويشعر الإنسان بالأمن. وهذا شرط ضروري للسعادة التي ينشدها كل إنسان لأنه ييسر له الإقبال على الفضائل والإدبار عن الرذائل. وفي العلاقة بين الدين والسعادة قول لافت للفيلسوف الألماني المعروف كنط، وهو: (الأمل بتحصيل السعادة لا يبدأ إلا مع الدين)(12).

ولا يخفى أن الإمام، حينما تحدث عن الدور الإيجابي الذي يلعبه الدين في الأخلاق، كان يقصد بكلامه الإسلام دين الله الحنيف لأنه يعطي الإجابة على كل الأسئلة ويضع أحكامه وقيمه أمام الإنسان في صورة تشوقه إلى التزامها والعمل بمقتضاها.

وإذا اتضحت المفاهيم المتصلة بالمسألة الأخلاقية، فقد جاء دور معرفة صورة الأثر الذي تحدثه الأخلاق في نفس الفرد داخل كيان المجتمع.

في البداية، يقطع الإمام الشيرازي بأن (الإنسان هو الإنسان)(13) وما الاختلافات التي يتميز بها بعضهم عن بعض إلا نتائج لظهور صفات كامنة في بواطنهم تلعب العوامل المختلفة أدواراً شتى في ظهورها. فكيف تظهر هذه الكوامن؟ وبعبارة أخرى من أين تأتي تزكية النفس ودسّها المذكورين في قوله تعالى: (ونفس وما سوّاها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكّاها وقد خاب من دسّاها) (الشمس: 7 - 10).

يجعل الإمام من (النفس النقية النظيفة)(14) اللبنة التي يبنى منها الهيكل الاجتماعي. ويؤكد أنها قادرة على إصلاح ذاتها مما يترتب عليه صلاح كل ما يحيط بها من بدن واجتماع وطبيعة. وكذلك هي قادرة على تخريب ذلك كله، أما صلاحها وفسادها فموقوف على كيفية انفعالها بالعوامل التي ذكرناها آنفاً؛ فتصلح النفس إذا لم تتعد الحدود التي حددها الله تعالى على ألسن أنبيائه ورسله وأوصيائهم (ع) فالتزمت الحسن واجتنبت القبيح، واستثارت دفائن العقل والضمير ومشت على هديهما، وسخرت العاطفة تسخيراً مناسباً ينفخ في فضائلها روحاً وحيوية، وأرضت غرائزها ودوافعها إرضاءً معتدلاً، وحظيت بمجتمع غير منحرف. وبصلاحها تغتني بالفضائل وتنفجر في أركانها الملكات الحميدة فتتحقق بذلك للإنسان إنسانيته.

وبخلاف ذلك تدمر الكوامن الخيرة في النفس وتنمو البذور الضارة. ويقع هذا المحذور إذا كان الإله مزيفاً وابتلي المجتمع بالفساد، وطغت ظلمات الجهل على أنوار العقل. بهذا تنحط النفس إلى دركات البهائمية.

وبارتفاع النفس إلى أوج (زكاها) أو انحطاطها إلى درك (دساها) يظهر أثران مهمان: تكيف الإنسان مع البيئة الاجتماعية المحيطة به، والمكانة التي ينزلها في مجتمعه. فبقدر تحلي الفرد بالفضائل يكون سلوكه ثابتاً مستقراً وتتحرر حياته النفسية من التوترات والصراعات الداخلية فينصرف إلى إقامة علاقات سليمة مع الآخرين، وإلى العمل بثبات وصمود للتحرر من ضرورات الطبيعة. ولهذا الأمر دور مهم في الرتبة التي يحرزها المرء في مجتمعه، وإن لم يكن له الدور كله، فمن المفارقات أن المجتمع الأميركي الذي عشعشت فيه الرذيلة، وباضت وفرخت حتى زهد أهله بالفضيلة، لا يزال يشترط في من يريد أن ينال منصباً عاماً أن يكون سلوكه سلوكاً أخلاقياً بمعايير ذلك المجتمع.

وبالمقابل، إن انغماس الإنسان بالرذائل له عواقب وخيمة مباشرة وغير مباشرة، فمن جهة، إن للرذائل نتائج مدمرة في جسم صاحبها ونفسه؛ فالشره مثلاً يدمر الجسم ويستعبد النفس للشهوة ويصير الإنسان كالأجرب كلما حك جلده زادت رغبته في الحك. والبخل يذل صاحبه أمام صنم المال والثروة، فيتعب نفسه في جمع الثروة لكنه يظل محروماً من التنعم بها. وحب التسلط يحرم الطاغي الشعور بالأمن ولذيذ طعم الصداقة، فيعيش حياة مليئة بالقلق والخوف.

ومن جهة أخرى لا ينال صاحب الخلق السييء من محيطه الاجتماعي إلا النبذ والسخرية، اللهم إلا إذا كانت لهم مصلحة في إظهار الود له؛ ومثال ذلك المجرم الذي ينبذه المجتمع. إن عصابة الشر تحتضن الأشرار، ليس حباً بهم، بل طمعاً في الانتفاع بهم، ولهذا نرى رفاق الشر لا يكن أحدهم للآخر شيئاً من الاحترام والود.

هذا، وإن آثار أخلاق الفرد تسري في المجتمع، طالما أن الفرد هو اللبنة الأساسية التي يبنى منها. فهل يمكن أن يبنى مجتمع مستقيم من أفراد منحرفين؟ لكن الحالة الأخلاقية للمجتمع ليست مجرد جمع حسابي لأخلاق الأفراد؛ فالمجتمع كوحدة كاملة له فلسفة عامة يقدمها لأفرداه كمعايير يأخذها بالحسبان في الحكم على سلوكهم. وقد رأينا فيما سبق ما للمجتمع من دور في اكتساب الفرد للقيم. لكننا نريد هنا أن نعرف أثر الجانب الأخلاقي من الفلسفة التي ينطلق منها المجتمع، وما لذلك من آثار سلبية أو إيجابية في تحركه نحو الكمال أو النقص.

يقطع الإمام الشيرازي (رحمه الله) بإيجابية الدور الذي تلعبه استقامة المجتمع في أحوال الأفراد والجماعات؛ لأن الاستقامة تيسر قيام المؤسسات البانية والجمعيات الخيرة والمنظمات العاملة في سبيل التقدم.. وهذه تجذب أكبر قدر من الأفراد؛ فيشحن المجتمع بالفضيلة ويسير في دروب الكمال. ويرجع هذا الأثر الإيجابي للاستقامة إلى أنه يزيل من سبيل التقدم عقبات كثيرة مثل طغيان الحكام الذي يؤدي إلى الكبت وقتل المواهب المبدعة، والتنافس العنيف الذي يؤدي إلى التدمير. هذا من الناحية المادية، أما من الناحية المعنوية فإن قيام المجتمع على فلسفة أخلاقية صالحة سيتيح للإنسان أن ينشأ في بيئة سليمة تنمو فيها كوامنه الخيرة وتظهر استعداداته الصالحة.

لكن إذا كان صلاح المنظومة الأخلاقية للمجتمع عامل بناء، فإن فسادها عامل هدم، أقله على الصعيد الفردي. إن ما قامت به الحضارة المادية الحديثة - التي نشأت في كثير من البلدان الأوروبية والأميركية - من تطليق للأخلاق ومن تدمير للشخصية الإنسانية، شاهد صارخ على الأثر الهدام لفساد المجتمع على الإنسان. من الصحيح أن المجتمع الغربي قد روّض الطبيعة وحرر الفرد من ضروراتها، لكنه وضعه في موقف لا يحسد عليه بعد أن أهمل الفضائل وغض النظر عن انتشار الرذائل. فانتشار صناعة البذخ والترفيه قد وضع الإنسان وجهاً لوجه أمام حاجات لا تنتهي؛ مما أجبره على الجري اللاهث وراءها بدون توقف حتى نسي معها كل غاية أخرى لحياته، وصارت هي الغاية والوسيلة، فاختلطت قيم الوسيلة بقيم الغاية في غياب التوجيه الأخلاقي الصحيح. وقد أظهر هذا الأمر الحاجة إلى الفضائل الأخلاقية لتلافي أضرار التقدم المادي القائم على العلم وحده؛ فالأخلاق الفاضلة تعوّد الإنسان الاعتدال في حاجاته، وتفتح بصيرته على غايات أكثر سمواً من مجرد إرضاء غرائزه الطبيعية. والعلم إذا لم يقترن بتطلعات أخلاقية، فإنه يفقد كل قيمة ويغدو عاملاً هداماً.

ومن الملاحظ على المجتمع الغربي أنه مع التزامه بعض المبادئ الأخلاقية الصالحة، قد وضع الإنسان في وضع متناقض صعب؛ فمع دعوته إلى حب الإنسان واحترام حقوقه، انتشر في أوساطه ظلم العمال وتدمير الشركات الكبرى للمصالح التجارية الصغرى بلا رحمة، لأن الفلسفة السائدة في ذلك المجتمع هي فلسفة الأنانية وحب تكديس المال من كل سبيل، وهذا ما ينتقده الإمام الشيرازي، ويسجل أن التناقضات السائدة في المجتمع الغربي هي من أسباب تحطمه.

ومع هذه الصورة غير المشرقة التي ابتلي بها إنسان العصر الحديث ومجتمعه، فإن نظرة الإمام الشيرازي إلى قدرات الإنسان والمجتمع نظرة متفائلة، ويعتبر (الانحراف ليس قدراً)(15) وأن بالإمكان إصلاح الفرد والمجتمع. ويفصل الكلام على ذلك، ويعتبر الأخلاق الفاضلة - بعد الإيمان الصحيح - ركناً أساسياً من أركان الإصلاح، ويشترط للنجاح تطهير النفس والمجتمع من الشوائب الضارة التي علقت بهما، ومن ثم غرس القيم النبيلة بدلاً منها. ولا يتم ذلك بدون الحرية التي تتفتح الفضائل في جوها وتزدهر.

وفي سبيل الإصلاح كتب الإمام وخطب وعمل. وهنا يجدر بنا التنويه بجانب مهم من شخصية الإمام(رحمه الله)، هو أنه لم يكتف بالتنظير والدعوة إلى الفضيلة وحسن الخلق، كما فعل الكثيرون من فلاسفة الأخلاق، بل التزم الفضيلة التزاماً عملياً، وضرب للآخرين المثل فيها. وهذا أمر مهم جداً؛ لأن تأثر الناس بالأفعال أكثر من تأثرهم بالأقوال؛ فمن أخلاق الإمام الكريمة تواضعه، وكان يظهر في مجلسه وفي نبرة صوته وبدئه بالسلام، وحلمه على من جهل عليه، واحترامه لجميع الناس، لا سيما طلبة العلم، وعفوه عمن أساء إليه، وتفقده للناس من حوله.. إلى غير ذلك من كريم أخلاقه. وباختصار، كانت حياة الإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) مصداقاً للخبر المروي عن بعض أئمة أهل البيت (ع). (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم) (16).

الهوامش:

(1) الاجتماع، الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي(رحمه الله)، دار العلوم، بيروت، لبنان، ط7 سنة 1992م، ج1 ص18 - 19.

(2) فلسفة التربية، د. فاطمة الجيوشي، جامعة دمشق، دمشق - سوريا، سنة 1987 - 1988م، ص65.

(3) الاجتماع، مصدر سابق، ص232 ج1.

(4) نفس المصدر ج2 ص159.

(5)الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، دار الكتب الإسلامية، طهران - إيران سنة 1365هـ، ج1 ص16.

(6) الاجتماع، مصدر سابق، ج1 ص81.

(7) نفس المصدر ج1 ص18.

(8) نفس المصدر ج1 ص22.

(9) بنو الإنسان، بيتر فارب (ترجمة د. زهير الكرمي)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، تموز سنة 1983، ص10 - 11.

(10) الاجتماع، مصدر سابق ج1 ص231.

(11) من هدي المرجعية، مجلة النبأ، العدد (64) ص43.

(12) الموسوعة الفلسفية، د. عبد الرحمن بدوي، ج2 ص287.

(13) الاجتماع، مصدر سابق، ج1 ص278.

(14) نفس المصدر، ج1 ص7.

(15) نفس المصدر، ج1 ص239.

(16) الكافي، مصدر سابق،ج2 ص78.