وثلمت ثلمة

د. يوسف الزلزلة

كان (رحمه الله) مثالاً حياً للخلق الفاضل والسيرة المحمودة بين الناس. فكان سماحته يجسد خلق العالم الحق الذي لا ينتظر من الناس أن يأتوه بل هو يبادر ليعيش مع الناس فيشعرهم أنه جزء منهم فيعيشوه في أخلاقه وعلمه وعبادته. فقبل ما يقارب الثلاثين عاماً ومنذ أن قدم سماحته إلى الكويت كنا نراه يعود مرضى المؤمنين صغارهم وكبارهم ويستقبل الناس جميعاً ببشاشته المعهودة وبحرارة اللقاء المعروفة عنه دون تفريق بينهم، كما كان يقبل على الناس ويحادثهم وكأن بينه وبينهم سابق معرفة وعهد قديم، الحب والوفاء. ولعل التعلق الشديد لكثير من الناس وخصوصاً الشباب منهم بشخصه وبفكره، مرجعه بعد علمه هو تعامله الأبوي معهم والذي يفيض حناناً عند لقائه بهم واستقباله لهم.

ونذكر أنه في عام 1973 وأثناء تواجدنا مع مجموعة قليلة من الصغار في مكان الوضوء في أحد المساجد، لمح سماحته أحد الصغار وهو لا يحسن الوضوء وإذا به بكل هدوء وسماحة يأتي إليه ويعلمه أجزاء الوضوء وبروح أبوية حانية حتى لا يكدر نفس ذلك الصغير، فكبر على كبره في أنفسنا حتى ونحن صغار.

ليس المجال هنا مجال الحديث عن فكره وعلمه ومؤلفاته وآثاره فذاك يترك للمتخصصين، ولكن ما يجب أن نجعله حاضراً أمام أعيننا في هذا الوقت هو تجسيده للدور الحقيقي للعالم وما يجب أن يكون عليه ليؤكد أن العالم يجب أن يعيش الإسلام المنفتح على الناس جميعا من واقع أن الدين هو دين الله والخلق كلهم عيال الله لذا وجب الانفتاح عليهم ومن دون استثناء. ولأن (العلم هو رأس الخير) كما قال النبي الأكرم (ص)، لذلك لا بد لهذا الخير أن ينتشر عبر حامليه إلى العالم كله فجسد رحمه الله ذلك الدور. لذا ففقد العالم يكون وقعه مصيبة لا تجبر كما قال المصطفى (ص): ؛(موت العالم مصيبة لا تجبر، وثلمة لا تسد، وهو نجم طمس، موت قبيلة أيسر من موت عالم).

وعزاؤنا في كل الأحوال هو قوله (ص): «العلماء باقون ما بقي الدهر» وقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع):(العالم حي وإن كان ميتاً).

نتمنى من بعض من يتصدى للعلم ويجلس على منبر العلماء أن يقتدي بأخلاق الفقيه في سماحته وتعامله الطيب مع جميع الناس ليكونوا هم أيضاً قدوة للآخرين. نسأل الله للعالم الفقيد الرحمة ولنا جميعاً الصبر. والله المعين.