رؤى من مدرسة الإمام الشيرازي الفكرية

أعدها واختار نصوصها: حيدر الجراح

دأبت مجلة النبأ منذ صدورها على نشر العديد من البحوث والدراسات المتعلقة برؤى وأفكار الإمام الشيرازي (قده) بأقلام النخبة من كتّابها..

وهي هنا، إذ تعيد نشر مقتطفات مما نشر في أعداد سابقة فهي تطمح إلى:

(1) التذكير بفداحة الخَطْب الذي لحق بالأمة الإسلامية برحيل هذا العالم العامل المجاهد، تلك الأمة التي تنسى عظماءها أحياءً وأموات..

(2) الإبقاء على شعلة الوهج مضيئة في حياتنا التي عاصرها الفقيد الراحل (قده) نستضيء به في دياجير الظلام التي أناخت كلاكلها على الأمة الإسلامية..

إنها دعوة.. نشكر لكم التلبية..

الحرية الإسلامية كما يراها الإمام الشيرازي

يعتبر الإمام الشيرازي أن الإسلام لم يعط الحريات فقط بل هو ممن وقف موقف المدافع المحامي، وان الحكم لا يكون صحيحاً بدون الحريات ولو قام به فقيه. وان الفقهاء بما يمثلونه من نيابة للإمام المعصوم(ع)، يكون في مرجعيتهم المختارة من الأمة عضواً في الشورى الحاكمة.

الأحزاب الإسلامية بمرجعيتها الشرعية لفقهاء الأمة. وهذه الأحزاب تمثل في ذاتها عونا للمراجع في تطبيق الإسلام وترسيخه على أرض الواقع.

وأناط الإمام الشيرازي بهذه الأحزاب والمراجع انتخاب القوى الثلاث: التشريعية (التأطيرية) والقضائية، والتنفيذية.

(العدد: 45 أحمد البدوي)

الحكم النموذجي

إذا رأى الناس نوعية الحكم الإسلامي وامتيازاته، وأنه مبعث الراحة والطمأنينة والرفاه والتقدم، فلابد أن يلتفّوا حوله ويدخلوا في دين الله أفواجاً، وحتى إذا لم يدخلوا في الإسلام حكّموا قوانينه في بلادهم، وهذا ما يحدثنا به التاريخ، حيث أن الغرب والشرق حين رأوا بريق الإسلام وجماله وحسنه وعدالته أخذوا أشياء كثيرة منه، كالنظافة، والنظام، والجمال، والعلم، والثقافة، والتربية، والصناعة، مما كان المسلمون الأولون يتصفون به.

(العدد: 49)

معطيات التعددية الحزبية وحق التنظيم والتجمع

وأصل تكون الحزب، إنما هو من وجود الفوارق النفسية بين الناس، فكل جماعة وأمة وقبيلة وشعب، لا بد وأن يوجد بينهم أناس لهم صفات نفسية متمايزة، وكفاءات خاصة، وتلك الصفات تدعو أولئك الأفراد إلى (الأنانية) تارة، وإلى (المشاركة الوجدانية) أخرى؛ وبهذا يجمع ذلك الإنسان حول نفسه جماعة، يصبهم في اتجاهه، إما لإشباع رغبته في السيادة والأنانية، أو لجعلهم خدمة الناس، بالقيام بحوائجهم، لحسّه بالمشاركة مع الناس في أحزانهم وآلامهم وآمالهم، وهذا ما يصطلح عليه بالمشاركة الوجدانية.

وأهم شيء في الحزب هو النضج، والنضج عبارة عن:

1- فهم السياسة والاقتصاد والاجتماع فهماً كاملاً.

2- الاتصاف بالحزم واللين والاستقامة وروح الشورى والواقعية.

وروح الشورى؛ أن يكون الحزب بحيث لا يريد الديكتاتورية والاستبداد برأيه؛ وذلك لأن الأعضاء يتفرقون عن الحزب، دون أن ينضم إليه أعضاء جدد، حتى يضمحل الحزب. والشورى وإن كانت تدمغ الأنانية الكامنة في بعض النفوس، إلا أن دمغة التأخر والسقوط أشد إيلاماً من دمغة الشورى..

إن حق التجمع والاجتماع ونحوهما، وحق تشكيل الجمعيات والمنظمات والأحزاب.. كل ذلك مكفول في الإسلام، وقد سبق الإسلام القوانين الوضعية في ذلك؛ فقد جعل الرسول(ص) المهاجرين والأنصار جماعتين، ويستفاد من أحاديث متعددة أنه كلما ضغطت عليه جماعة منهما، كان يلجأ إلى الجماعة الأخرى.

إننا بدون التنظيم لن نستطيع مواجهة التحديات المعاصرة، ولن نتمكن من الوقوف أمام الاستعمار وأذنابه.

(العدد: 59)

القرن الحادي والعشرون وتجديد الحياة

إنهاء الاستعمار:

الغالب الآن هو نهاية مرحلة الاستعمار العسكري المباشر، وحلول مرحلة جديدة من الاستعمار الثقافي والاقتصادي، وهما من الأهمية بمكان، من حيث أن الثقافة الغالبة - في الظاهر - تفرض نفسها على البلد المستعمر - بالفتح - كما أن للمال سطوة واضحة في المجتمع عديم المال أو قليله، فاللازم اهتمام العقلاء في هذا القرن بإزالة هذين الاستعمارين ومحق آثارهما المخربة، وربما ساعد على ذلك فسح المجال لمختلف الثقافات، بهدف استخلاص الثقافة المطابقة للعقل والمنطق، إذ أن وضع الحواجز المانعة أمام التأثير المتبادل بين الشعوب أمر محال تماما في عصر غدا فيه العالم قرية صغيرة مشاعة لمختلف وسائل الاتصال الفضائية والعادية، مما يستدعي ترك الأمر لحالة الانتخاب الطبيعي التي ستؤول لا محالة لانتقاء الثقافة الأفضل والأكثر انطباقاً على الواقع بكل تفاصيله العملية، ذلك أن العقول لم تعد طفلة وهي قادرة على تمييز الغث من السمين، وهي مجبولة على اختيار الحسن وطرح الرديء جانباً.

السلاح:

من الضروري جداً الاهتمام بخفض الأسلحة في العالم، والتركيز على تنمية الصناعات الثقيلة والخفيفة، وغيرها مما يحتاجه بنو البشر، إن الأسلحة - لا سيما الحديثة - هي عامل تدمير وتخريب، وتصلح لرد الاعتداء فقط.

هذا وان من المنطق أن يصار إلى الاهتمام بخفض الأسلحة التقليدية والتسابق عليها، من قبل الدول الكبرى، بنفس الدرجة من الاهتمام بخفض الأسلحة الذرية والنووية ومنع انتشارها.

(العدد: 52)

الفكر الاجتماعي عند الإمام الشيرازي

يعدّ الإمام الشيرازي أول مرجع في تاريخ المسلمين يتحدث ويكتب في الجوانب النظرية الاجتماعية، حيث أفرد الكثير من المؤلفات المختصة بهذا العلم الهام ومنها: كتاب (الاجتماع) الذي يقع في مجلدين ضمن موسوعة الفقه الاستدلالية لسماحته إضافةً إلى عشرات الكتب التي بحثت الجانب التفصيلي لمفردات هذا العلم فكتب حول العائلة والمؤسسات والتمدن وله بحوث أخرى تضمنتها كتبه في السياسة والاقتصاد حيث ارتباط هذين العلمين بصورة مباشرة بعلم الاجتماع.

ويرى الإمام الشيرازي(قده) أن تطور المجتمع المسلم مرهون بعملية التغيير، فيعتقد أن الجهل والفقر والمرض هي عوارض وظواهر فحسب، وإضافة إلى ضرورة مكافحتها يجب أن تتم العناية الأكبر بالقضاء على أسباب تلك العوارض، أي على أصل المشكلة: أما أصل المشكلة فهو في تبديل الغرب بمعونة حكامه العملاء لأحكام الإسلام وقوانينه التي كانت فيها حياتنا واللازم أيضاً تشكيل (لجان التبديل) لإرجاع قوانين الإسلام الحيوية، ويجزم سماحته بأن الخلاص يكمن في رجوع تلك القوانين الحيوية، فشأن لجان التبديل أن تبدل القوانين الفاسدة إلى القوانين الصالحة، قانوناً قانوناً، لعل الله سبحانه ينظر إلى المسلمين برحمته، وينقذهم مما هم فيه من تأخر وتخلف وضياع...

(عبد الله موسى: العدد 52)

الأسس المعرفية للحرية في فكر الإمام الشيرازي

الحضور التاريخي المرهق للشعوب والإنسان مع مسألة الحرية، يمكن من خلالها أن ندخل إلى الإلحاح المعرفي، والاقتران الطويل، والمجاورة الجهادية مع مسألة الحرية للإمام الشيرازي، وتأكيده عليها، فلم تخلو أكثر مؤلفاته من ذلك، بل نجد أن أغلب تأسيساته لمناطق مفاهيمية أخرى وخوضه فيها، ينطلق من أصالة هذا المفهوم لديه، فالذي يبدو أن الإمام الشيرازي يسهب في حديثه عن الحرية لأنها قيمة أساسية في الأيديولوجيا التي يؤمن بها، أي (الإسلام)، فضلاً عن حيويته الشخصية ذات الطابع العملي الجاد، كما يظهر من حجم تأليفاته، ومن نشاطه السياسي المستمر. لذا نجده يتناول الحرية الاجتماعية باعتبارها عنصراً مقوماً وبارزاً في نظريته السياسية.

ولعلّ هذا هو السبب في حديثه المملوء مرارة عن الديكتاتورية، فالذي يقرأ للإمام الشيرازي وهو يستعرض كلامه عن الظلم والطغيان والاستبداد يلمس بوضوح شفافية روحه، وعواطفه، ويدرك بفطرة صافية مدى ما يتمتع به هذا الإنسان من روحية متحررة.

(أحمد البدوي: العدد 54)

من معالم الحكومة الإسلامية، ولاية الفقيه في فكر الإمام الشيرازي

الدولة في الإسلام:

إن الدولة في الإسلام مبنية على الشورى في كل شؤونها، ومن الضروري تحكيم الشورى في الدولة الإسلامية، وفي العالم أجمع؛ فيجب أن تكون كل الأمور - من القرية إلى العاصمة، ومروراً بالمعمل والمصنع، واتحاد الطلبة والمدارس والجامعات وغيرها- مبنية على الشورى؛ فإنها تظهر الكفاءات، وتقدم الضوابط، وتزيل المحسوبية والمنسوبية والرشاوى وما أشبه، بينما الدكتاتورية على العكس من ذلك تماماً، فهي تنزل بالمجتمع إلى الحضيض، في حين الشورى ترفعه إلى القمة..

والحاكم الإسلامي هو الذي يجمع بين شرطين: الأول: كونه مرضياً لله سبحانه وتعالى.

والثاني: كونه منتخباً من قبل أكثرية الأمة.

أما الشرط الأول فإن الولاية لله سبحانه، عقلاً وشرعاً، فلا يحق لأحد تولي الأمر بدون رضاه سبحانه؛ أما عقلاً فلأن الله سبحانه خالق الخلق، ومالك الملك، وكما لا يجوز - عقلاً - أن يتصرف أحد في ملك أحد إلاّ برضاه، كذلك لا يجوز التصرف في ملك الله إلاّ برضاه، وأما شرعاً فلورود الآيات والروايات بلزوم أن يكون من يلي الأمور مرضياً له سبحانه.

وأما الشرط الثاني فلقوله سبحانه: (أمرهم شورى) (الشورى: 37)، وقوله تعالى: (وشاورهم في الأمر) (آل عمران: 154)، فإن إطلاق الآيتين يعطي أنه بدون الشورى لا يصح الحكم، إلاّ فيما خرج، مثل حكم الرسول (ص) وحكم الإمام(ع)، وحكم من عيّناه نصاً.

(العدد: 57)

منهج الحرب والسلم في الإسلام

نحو تعميم السلام في العالم:

من اللازم لأجل انتهاء الحرب في العالم وتعميم السلام، أن تبدل مصانع الأسلحة إلى مصانع للأغراض السلمية.. ولا يقال إن الأغراض الحربية توجب اشتغال ملايين العمال؛ إذ إن كثيراً من هؤلاء يمكن أن تستوعبهم المصانع التي تعمل للأغراض السلمية، كما يمكن وضع مناهج للإسكان والصحة، وغير ذلك.. فإذا فرض أنه بقي فائض من العمال، ليس لهم عمل، فلا يستلزم ذلك بطالتهم، لأنهم يشتغلون بالعلم والعبادة والأسفار، بعد توزيع العمل عليهم، وعلى غيرهم..

معطيات السلام:

إن السلام يصل بصاحبه إلى النتيجة الأحسن، والمسالمون يبقون سالمين، مهما كان لهم من الأعداء، وحتى إذا عثر بهم الزمان وسقطوا، فإن السقوط يكون وقتياً، فالمسلمون إذا أحاطوا أنفسهم بجو السلام، كفو أعداءهم أولاً، فلا يتمكنون من القضاء عليهم، وثانياً: إذا تمكن الأعداء منهم، فسيكون تمكنهم وقتياً.

(العدد: 61)