في رثاء الإمام الشيرازي

آية الله السيد مرتضى القزويني

لقد سال حزناً في عزاك دموعي
وبتّ كــــئيباً حين نعــــــيك هدّني
أصعّد أنفاسي واســـــكب عبرتي
عرفــــتك فذا حــــينما كنت طالباً
لقد كـــــنت فرداً عبــــقرياً مهذّبا
ويا حـــــــبذا أيام صـحــــبتنا معا
محافــــل كان العـــلم يجمع بيننا
وكم من جـــــهودٍ قد بذلنا سويةً
وكم قد تعاونا علـى البر والتقى
وما خلت أن المـوت يفصل بيننا
حبيبٌ مضى عني وخــلف لوعةً
بعيداً عن الأوطــان أبكي مردّداً

 

بكتك من الأســفار ألفٌ سطرتَها
ففي كل علــــمٍ قد كتـــبت مؤلـــفاً
فموسوعة الفقه العظيمة قد حوت
وخلــــفت أغــــــنى ثروةٍ أدبيّــــَةٍ
لعمـــــريَ لم يسبقك فيهن سابق

 

لقد كنت للحكام في الخير ناصحا
فألقـــيت في عـبد الكريم مواعظاً
ولم أنس يوماً جاءك البكر قاصداً
فلقنته درساً مـــن الوعظ والتقى

 

ويوم أتى الحبر الخميــــنيُّ قادماً
فأنزلته ضـــــيفاً عظيـــــماً مكرماً
أقمتَ له أقـــــواس نصــــرٍ بكربلا
وكنت له أصـــــفى صديق وناصر
واشهد أني كنت في الجمع حاضرا

 

وكنت لحكم البهــــلويِّ مناهـضاً
نشرت لرأي العام عنه فضـائحاً
لمجزرة كانت بخرداد أســـــفرت
ذهبت إلى أرض الغريّ مناشــداً
جمعت كبار المرجعية ساعـــــياً
ولكن ظنَّ القـوم قد خاب فيـــهم

 

 

ونار الاسى تجتاح بين ضلوعي
وخابت ظنوني واكفـــــهرّ ربيعي
وقل اصطباري حيث قل هجوعي
ذكياً زكـــــياً ترتــــدي بخــــشوع
تفوق على الأقـــران كل ضـــليع
مضت فتـــــــفرقنا بغير رجــــوع
لنصرة مظـــلوم وعـــون صريع
لدرس أصــولٍ أو لبــــحث فروع
لإحياء أحكــــامٍ ورأب صــــدوع
فتمضي وقد أبقى حليف دمـــوع
بقلبٍ كســــيرٍ بالهــــموم وجــيع
بكل غروب حســــرتي وطلـــوع

 

وأبدعت في التصنيف خير بديع
وفي كــــل فنٍّ جئـــتنا بصــــنيع
فروعاً من الأحــكام بعد فـروع
وعلمـــيَّةٍ قد أشرقت بســـطوع
ولا ســـوف يأتــي بـعدها بتبيع

 

وكنت لهم في العدل خير شفيع
وهدياً ولكـــن لم يكـــن بسميع
بموكـــبه في هيـــبة وجـــموع
ولكــــنه لله غيــــر مطـــــــــيع

 

إلى الطــفِّ فاستقبلته بجموع
وقمت بأقصى خدمة وخضوع
وبالغت فـــي إكـــرامه بــبديع
وســدٍّ رفيعٍ شامـــخٍ ومنــــيع
وكنت خطيب القوم غير مروع

 

ولم يك عن طـــغيانه بنـــزوع
إلى أن تهاوى حكمه بخنــوع
ألوفٌ ضحايا مثـــخن وصريع
مراجعها كي يحكـــموا بقطيع
لتجريم شــــاه فاجر وخلــــيع
بأصـــداء حكمٍ باردٍ ووضــيع

 

ومذ أصبح الطاغوت صدام حاكما
نهضــــت دفاعا وانتفضت مجاهدا
وفي فترة الإرهاب والقمع نختفي
وإذ صمــــــّموا أن يقتلوك ببغيهم
عزمت على ترك العراق مهاجراً
فحياك أبــــناء الكــــويت ورحبوا
ومازلت تدعـوهم إلى الله مرشداً
فمدرسة أنــشأت للــــدين عندهم
ومكتبة أسّــــست فيـها فأصبحت
وأودعـت فيها للعلــــوم مصادراً
وكنـــت تؤمّ المــؤمنيــن بمسجدٍ
وديوانك المعمور قد صار مجمعاً
فكم من شـــباب قد تـــربّوا بظله
وكم من فتاة من فضائلك اهتدت
وكم من شيوخٍ من مناقبك اقتدوا

 

رحلـــــت إلى قــــمّ لإنشاء معهدٍ
فزارك أهل العلم والفقه والتقى
وقد زارك الحبر الخمينيّ شاكرا
وكنت نصير الحـــق غير مــداهن
وأعلنت شورى يحتــوي فقـــهاءنا
وقفت إلى جنب العـــدالة صـــامدا
وصرت جليس الدار عشرين حجّةً
صبرتَ على عدوانهم وضغوطهم
فكم سجنوا من أصــــدقائك فتـــيةً
فقد أحرقوا بالنار نجلك مرتضـــى
وكم مات في التعذيب منكم شبـيبة
قد اقتحمت أجــــــنادهم دارك التي
بضربٍ وجرحٍ واعـــتقالٍ وقســـوةٍ
أذاقوك ألـــوان العـــذاب وجرّعوا
لقد عشت مظلوماً وذقــت مصائباً
رحلت وخلـــّفت القـــلوب جريحةً

 

 

بقتلٍ وقمعٍ في العــراق ذريــــع
وأنهضت شعباً بعد طول هجوع
بخوف تعــــوَّدنا نعـــيشُ وجوع
وهم بين بعثــــي وبين شيوعي
ولذت بحصنٍ في الكويت منيـع
بضيفٍ كريمٍ عنــــدهم ووديـــع
وهم خير شعبٍ مسلمٍ ومطـــيع
وأضحت لأهل العلم خير ربيــع
إليها لأهل الفضل خــير رجوع
بذوقٍ ونظمٍ في الفــنون بـــديع
له في بنيد القار خـــير وقـــوع
ومصـــدر علم نافــــعٍ ومــــنيع
وكم من فطـــيمٍ قدتـهم ورضيع
فقلت لها هيّا اسمــعي وأطيعي
ففازوا بخلقٍ طيّـــــبٍ ورفــــيع

 

لنشر علوم الطاهــرين وسيع
وأقطابها الأعــلام كـلّ ضــليع
جميلك تقــديراٍ لـــكلّ صـــــنيع
صبورا على الأقدار غير جزوع
لأعلى مقام في النـــظام رفيــع
بعزمٍ قـــــويٍّ لم تكن بــــنزوع
لتثبت حزماً لم يــــــكن بخنوع
عليك لترضي حكمهم بخضوع
وكم عذّبوا من مثخنٍ وصريع
لإرغام انفٍ لم يكن بجــــــديع
كأقمار تمّ آذنـــــت بطـــــــلوع
حوت نخبة للمؤمـــنين جميـع
وشتمٍ وإرعابٍ وسوء صنــيع
فؤادك من سمّ البلاء نـــــجيع
ومتّ بقلب بالمصاب وجــــيع
عليك حبيبي قد سكبت دموعي

 

فيـــــالك من رزءٍ بـــموتك هــدّنا
لقد هزّت الأقـطـار صدمـــتك التي
وفودٌ من البــــلدان فــيك تجمهرت
وقد حملوا الجثمان فوق رؤوسهم
إلى أن جرى ما يجرح القلب ذكره
أصابــوك بالعــــدوان حيــــاً وميتاً
أرادوا بــها إطـــــــفاء نور محمدٍ
وعدت إلى مثـــــواك خـــير بقعة
فكنت لبنت الطاهــرين مـــجاورا

 

وآثارك الغـــرّاء طار شــــعاعها
ففي كل قطر قد بنيتَ مســــــاجداً
ليذكــــر فيـــــها الله جل جــــلاله
وأنشـــــــأت فيها للعلوم معاهداً
وتلك حســــينيات قـــــدس بنيتها
فكم عالــــم ربيـــــته بهــــــدايةٍ
وكم من خطيبٍ نال منك خطابه
وكم كاتب شجــعته في كـــــتابه
وكم جاهلٍ أرشـــــدته في حياته
وربيت أبطــــالاً عظــــاماً وقادةً
وكم حاجــــةٍ للطـالبين قضيتها
ليالـــــــيك قد أحيـــــيتها بعبادة
فهيهات أنسى صاحبا قد ألفته
وألفــــــيته في الحادثات مهذبا
نظمت لذكراك العزيز قصيدتي
وأودعــــت فيها ذكرياتٍ فريدةً
وظنيَ أنــــي لاحقٌ بك مسرعا

 

وخطب أصاب المسلمين فظيع
بكل شــــريف أوقـــعت ورفيع
جموعٌ تلاقت فيك إثر جمــوع
وطافوا به في هيبةٍ وخشـوع
لنعشك من أحقاد كل وضـــيع
وباؤوا بظـــلمٍ بائسٍ وشـــنيع
ويأبى له الرحمن غير سطوع
وكهف حصــــين طاهر ومنيع
وللحسن المظلوم خير ضجيع

 

وعمت من الأقطار كل صقيع
وقمت بصرحٍ شامخٍ ورفـــيع
ويعبد فيــــها ربنا بخــــضوع
لكل بصيرٍ فـي الهدى وسميع
ليصحوَ فيها القوم بعد هجوع
ليحيي بها الأجيـال بعد خنوع
وأصبح منطيــــــقاً بكل ربوع
ففاز بصيت في مـــداه سريع
فنال بفوز في هداه ســـــريع
وكم فيهم من سامع ومطـيع
بلا مِنّة حمَّلتـــــها وشـــــفيع
فبين سجودٍ بتَّـــــــها وركوع
مدى نصف قرن لم يكن بقطيع
صبوراً على اللأواء غير جزوع
أدون فيها لوعـــتي ودمـــوعي
لتبقى على مر الزمان شفيعي
وإن لم أكن في صحوتي بسريع