اللاعنف مطلقاً

من ذكريات الأمين العام لتجمع المسلم الحر.. مع الإمام الراحل

الشيخ محمد تقي باقر     

أمين عام تجمع المسلم الحر

 

في آخر لقاء لي مع الإمام الراحل، حيث ذهبت إليه لأقبّل يديه وأودّعه، قال لي:

أوصيك بثلاث نقاط:

الأولى: أن لا تغضب أبداً.

وفي كل صباح وقبل البدء في أي عمل، قل لنفسك ثلاث مرات: اليوم لا أغضب مهما بلغ الأمر.

الثانية: أن تعمل دائماً، ثم تلا الآية المباركة:

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) وقرأ: (وقل رب زدني علماً وعملاً وألحقني بالصالحين)..

الثالثة: الالتزام باللاعنف مطلقاً.

وكان التركيز على هذه النقطة أكثر، حتى ودعته رحمه الله.. وكان ذلك قبيل شهر محرم الحرام من عام 1418 من الهجرة.

فقد أكد لي: أن اللاعنف هو الطريق الصحيح والمنتج الذي سلكه كل الأنبياء والرسل والأئمة (ع) والعلماء والصالحين، من دون استثناء.. وسائر الطرق نُسأل عنها يوم القيامة اشد سؤال.

فقلت مستغرباً: اللاعنف مطلقا؟.

فقال (ره): شيخنا ، مطلقا! لأن العنف حتى القليل منه كثير وزائد، ولا دليل عليه، والذين اتخذوا العنف كأسلوب ومنهج في العمل، سياسياً كان أو اجتماعياً، إما التبس عليهم الأمر فخلطوا بين المفاهيم المختلفة والعنف، أو أخطأوا وأصبح عملهم كالزبد الذي يذهب جفاء.

ثم سكت هنيهة، أحسست منه أنه متألم مما يحصل في المجتمع الإسلامي، وأضاف: لا يوجد موقف واحد من عنف في حياة الرسول والأئمة(ع) مع كثرة اصطكاكهم مع السلطات ، ومواقفهم الجريئة مع الموافق والمخالف، وكثرة الحوادث السياسية والضغوط التي كانت.. فهل يقول أحد بأنهم أخطأوا؟!.

قلت له (رحمه الله): مشكلتنا مع المتدينين الذين يرون العنف أصلاً في العمل السياسي!.

فقال (رحمه الله) : ولذلك أرى أن طريق اللاعنف طريق شائك وقليل من يسلكه.

ثم أردف: لا يستخدم العنف إلا الضعيف. والعمل السياسي له أبعاد مختلفة وهناك أساليب كثيرة، وهي أغلبها منتجة، وتؤدي إلى النجاح في العمل.. إلا أن العنف أقصر الطرق وجاء إلينا بواسطة المستعمر والجاهل.

فالمستعمر أفهمنا بنجاح العمل المسلح؛ لأنه أراد بيع السلاح، وتشغيل المصانع المنتجة للسلاح، وكذلك أراد لنا أن نقتل المسلمين بأيدينا؛ حتى لا يُتهم هو بذلك.

والجاهل بجهله أو قلة صبره، لا يقدر أهمية اللاعنف حقّ قدرها..

وفي الختام أكد لي(قدس الله نفسه الزكية): هذا الطريق شائك شائك شائك، فلا تخف من قلة سالكيه.

رحمه الله فقد خسرناه في هذه الظروف والأمة الإسلامية منهمكة في المشاكل والمهالك. وإنا لله وإن إليه راجعون.