خيــر خلـف لخيــر سلــف

لمحات من حياة المرجع الديني آية الله العظمى السيد

صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)

إعداد: حيدر الجّراح

لا شك في أن المرجعية الدينية والقيام بمهام الدين وشؤونه الشرعية والاجتماعية والسياسية تحتاج إلى رجال أفذاذ لهم من الأصالة وخبروية التجارب وحكمة العقل والتدبير بقدر ما لهم من الاجتهاد والفقاهة وسعة الباع والإطلاع في شؤون الفتيا والحكم..

وقديماً نسب إلى الميرزا الشيرازي الكبير (قده) الذي انحصرت به المرجعية العليا في بعض مراحل مرجعيته، وكانت حالة نادرة في التاريخ الشيعي أن تنفرد المرجعية برجل واحد من أفذاذها ورجالاتها.. قوله (أعلى الله مقامه) في بيان أهمية امتزاج العلم بالإدارة والقيادة الاجتماعية:

تكون المرجعية العليا للطائفة في ثلاثة أجزاء: جزء منها علم واجتهاد وفقاهة، وجزء آخر منها تقوى وعدالة، وثمانية وتسعون جزء منها إدارة وتدبير وتصدي للأمور الاجتماعية والقيادية في الأمة.

وفعلاً كان (رحمه الله) من أجلى مصاديقها حيث كان زعيم الحركة الجماهيرية الدينية العامة ضد الاستعمار الإنكليزي في إيران والعراق..

ومن بعده كان من سلسلة الأسرة الشيرازية الشريفة المرجع الديني الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي (قده) الذي قاد الجماهير العراقية بكافة أصنافها لإخراج الاستعمار الإنكليزي من العراق في عام 1920م.

وكان يتسم إلى جانب إدارته وقدرته القيادية العالية إلى جانب الاجتهاد والفقاهة بالتقوى والعدالة الراسخة، حتى أنه ينقل عن أستاذ الفقهاء والمجتهدين الميرزا النائيني (قده) أنه كان يرى أن الفتوى إذا أتفق عليها ثلاثة من الفقهاء يعدها من المسلمات التي لا جدال فيها وهم: الميرزا الشيرازي الكبير والميرزا الشيرازي الصغير والشيخ المرتضى الأنصاري (قدس الله أرواحهم الزكية)، معللاً ذلك بدقة نظرهم وشدة ورعهم.

وهذا ما يشهد له تاريخ الفقه والفقاهة قديماً وحديثاً، فإن الفقاهة والمرجعية هبة إلهية ومقام معنوي سام لا يناله إلا من خطى بدرجة عالية من المعنوية والزهد والتقوى مضافاً إلى العلم والاجتهاد.. لأنه يمثل الخليفة الشرعي للإمام المعصوم (ع) الذي نصبته الشريعة المقدسة في زمن الحضور للقيام بشؤون المسلمين ولم شملهم التي لا تصل إليها مهمات الرؤساء والزعماء الدينية والدنيوية، وهذه مهمة تعد من كبرى المهام التي لا تصل إليها مهمات الرؤساء والزعماء وكبار القادة، كما لا تضاهيها قدسية ونزاهة لانحصار هذه بأمور الحكم والمجتمع دنيوياً واتساع تلك لشؤون الدين والدنيا معاً.

ولا ننسى أن نقول هنا أن للتاريخ الأسري والتراثي للمرجع الدور الكبير في صياغة شخصيته وبناء اهتماماته وتوجهاته.. فإن الثقافات والتجارب والهموم على ما يقولون ستتراكم حتى تشكل حضارة وتصنع الحاضر المجيد، ومن هنا كان خوف الاستعمار والأنظمة المستبدة من الأسر العريقة بالعلم والجهاد وكان افتخار الأمم برجالاتها الأفذاذ المتسلسلين عن أسر عرفتها ميادين القيادة والعمل والجد والمثابر، مقرونة بميادين العلم والمرجعية والزهد والتقوى.

وهي أسرة آل الشيرازي التي تناوبت على دفة المرجعية منذ قرنين من الزمان، وحملت في صفحات تاريخ الإسلام والمسلمين أنصع المواقف وأشجعها وأكثرها نفعاً وعظمة ورفعة، وأكثرها دلالة على قدرة الإسلام على الوقوف بوجه التحديات المختلفة علماً وعملاً وهذا ما سنراه من خلال سطور هذه المقالة..

دور العائلة في تكوين شخصية المرجع

عائلة الإنسان هي أول وعاء يتشكل فيه وعيه، وتغرس في نفسه بذور الخير أو الشر، الحب أو الكراهية، التسامح أو التعصب..

والعائلة لا تتأسس وفق مبادئ الإسلام الخيرة إلا على الألفة والمحبة والوئام وجميع الفضائل الإنسانية النبيلة، طالما أن الإنسان في الإسلام لا يكون فاعلاً ومؤثراً إلا من خلال انتماء يحقق له كيانه ويحافظ عليه ويحتويه. والعائلة في الإسلام هي هذا الكيان الذي أكدت عليه تعاليم القرآن وأحاديث الرسول الأعظم (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين(ع). حتى أن تلك التعاليم تتدخل في النطفة وبنية تركيبها والمكان الصالح لنموها وأي الأرحام أليق بها..

لأن تلك النطفة هي مشروع إنسان يحقق الغرض من خلقه ووجوده إن توفرت ظروف الإنبات والإنماء والرعاية له، أو يكون منحرفاً عن غاية إيجاده إذا انعدمت تلك الظروف.

ومن خلال العائلة يكتسب الفرد قيم المحيط الذي يترعرع فيه، وقيم المجتمع الذي تشكل عائلته نواة في خلاياه..

يعرّف فيشر عملية اكتساب القيم بأنها: (العملية التي يتبنى الفرد من خلالها مجموعة معينة من القيم، مقابل التخلي عن قيم أخرى)..

ويضيف (فيشر) إلى ذلك قائلاً بأن اكتساب الفرد لقيمة يمر بمراحل مختلفة حيث تبنِّي الفرد لقيمة معينة، ثم إعادة توزيع هذه القيمة وإعطاؤها وزناً معيناً، ثم يلي ذلك اتساع مجال عملها داخل البناء العام للقيم ثم ارتفاع معايير هذه القيمة في ظل وجود أهداف معينة وما تحققه من فائدة لمتبنيها.

فحيز القيم لدى الفرد يختلف من عمر لأخر ومن مجتمع لأخر، فهو نتاج ثقافي – اجتماعي.

أما المحددات التي تشكل النسق القيمي لدى الفرد فيقسمها موريس إلى ثلاث فئات أساسية:

الفئة الأول: المحددات البيئية والاجتماعية، حيث يمكن تفسير أوجه التشابه والاختلاف بين الأفراد في ضوء اختلافات المؤثرات البيئية والاجتماعية.

الفئة الثانية: المحددات السيكولوجية، وتتضمن العديد من الجوانب، كسمات الشخصية ودورها في تحديد التوجهات القيمية للأفراد.

الفئة الثالثة: المحددات البيولوجية، وتشمل على الملامح أو الصفات الحسية (كالطول والوزن) والتغيرات في هذه الملامح وما يصاحبها من تغيرات في القيم.

فيما يتعلّق بالفئة الأولى: المحددات الاجتماعية.

يرى (بنجستون) أن القيم ما هي الإنتاج ثلاثة مستويات اجتماعية:

المستوى الأول: وهو المستوى الذي تحدد فيه الثقافة المفاهيم الجديدة بالرغبة فيها.

المستوى الثاني: حيث توجد الأسرة وتوجهاتها نحو قيم وغايات بعينها.

المستوى الثالث: ويتمثل في الجوانب الاجتماعية الفرعية كالمستوى الاقتصادي – الاجتماعي، والدين والجنس والمهنة ومستوى التعليم وغير ذلك.

ونعرض فيما يلي لكل مستوى من هذه المستويات:

المستوى الأول: دور الإطار الحضاري في اكتساب القيم.

يتأثر ارتقاء الطفل بأسلوب التنشئة والتوجهات التي يتلقاها من ثقافته ومجتمعه وأسرته، فالتنشئة الاجتماعية هي العملية التي يكتسب الطفل من خلالها سلوكياته ومعتقداته ومعاييره وقيمه.

وتستمر هذه العملية على امتداد فترات حياته المختلفة وما يمر به من خبرات معينة يلعب فيها المنشئون دوراً واضحاً، نظراً لما لهؤلاء من قدرة على إشباع حاجاته ومساعدته على تكوين معان ودلالات للأشياء في محيط البيئة فيولد الأطفال في مجتمع له قيمه ومعاييره المحددة، ويكتسب هؤلاء الأطفال هذه المعايير وهذه القيم في إطار هذا المجتمع. فالإطار الحضاري كما يرى بعضهم (لا يجوز تصوره على أنه يحيط بنا فحسب بل الواقع أن جزءاً كبيراً منه لا يمكن أن يقوم ألا من خلالنا فالقيم والرموز وأشكال السلوك المقبولة أو المطلوبة، على سبيل المثال، كلها جوانب من الحضارة لا يمكن أن تقوم إلا بواسطة أبناء المجتمع، ولا يمكن أن تستمر عبر الأجيال إلا بأن ينقلها أبناء الجيل إلى أبناء الجيل الثاني).

المستوى الثاني: دور الأسرة في اكتساب القيم.

تعتبر الأسرة من أهم المؤسسات الاجتماعية في اكتساب الأبناء لقيمهم فهي التي تحدد لأبنائها ما ينبغي وما لا ينبغي أن يكون، في ظل المعايير الحضارية السائدة، فعالم الأحكام القيمية لدى الطفل في المراحل العمرية المبكرة، عالم واسع وغير محدد، وذلك بسبب افتقاده إلى إطار مرجعي واضح من الخبرات، كما أن الطفل في بداية حياته لا يكون لديه ضمير أو مقياس للقيم، فهو يسلك بطريقة غير أخلاقية، لأنه لا يستطيع التمييز بين ما هو صواب وما هو خطأ، ثم ينمو ميثاقه الأخلاقي في ضوء علاقته بالآخرين، من أسرته وجماعة الأصدقاء وغير ذلك فيعاقب على الخطأ ويكافأ على الصواب. كما أوضحت نتائج الدراسات أن تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما الطفل في علاقته بوالديه. فنمو الضمير يتضمن عملية توحد الطفل مع والديه. ويقوى هذا التوحد بينهما كلما كان الوالدان أشد رعاية وأشد حباً. أي أن الطفل الذي يتوحد بقوة مع الوالد يكون أسرع في تبني المعايير السلوكية لذلك الوالد.

والأسرة كمؤسسة اجتماعية لا توجد في فراغ اجتماعي، وإنما يحكمها إطار الثقافة الفرعية التي تنتمي إليه، كما يتمثل في المستوى الاقتصادي – الاجتماعي والديانة، وغير ذلك من المتغيرات. إذن فالأسرة تلعب دوراً أساسيا في اكساب الفرد قيماً معينة. ثم تقوم الجماعات الثانوية المختلفة التي ينتمي إليها الفرد في مسار حياته الاجتماعية بدور مكمل، بحيث تحدد للفرد قيماً معينة يسير في إطارها.

المستوى الثالث: دور المتغيرات النوعية أو الفرعية داخل الإطار الحضاري.. ويتحدد هذا المستوى بجملة من النقاط تشتمل على:

المستوى الاقتصادي – الاجتماعي، مستوى التعليم، نوع التعليم، التخصص الدراسي، التفوق الدراسي، الجنس، الدين، نوع المهنة، السلالة.

الجانب الملفت للنظر، والأكثر بروزاً أمام من يلتقي بآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي(دام ظله)؛ في شخصيته - بالإضافة إلى جانب فقاهته وعلمه الغزير المتسع لمختلف جوانب الشريعة وعلومها، والذي يطول الحديث عنها كثيراً لو أردنا الخوض في غمارها ولذا سنتركها إلى مناسبة أخرى - هو الجانب الأخلاقي في مجمل تعاملاته الشخصية مع الآخرين.

وهو أيضاً الجانب الذي عرف عن عائلته الكريمة عبر عشرات السنين من قبل مريديهم وتلاميذهم، ومن كل من كان له معرفة مباشرة بهم.

ويمكن تلمس هذا الجانب على الصعيد النظري أيضاً من خلال محاضراته العديدة والتي تركز على الجوانب الأخلاقية في بنية الإنسان، وتعاطيه مع الآخرين في فعاليات الحياة المختلفة، وحراكه مع المجتمع الذي يعيش فيه، وقد نشرت المجلة العديد من تلك المحاضرات المعبرة عن هذا التوجه لدى سماحته.

وتبرز التقوى - باعتبارها قيمة عليا في المشروع الإسلامي لبناء الإنسان الإيمان وفق تعاليم القرآن والسنة الشريفة - أقول: تبرز التقوى كسلوك باهر لمجمل الفضائل التي يتمتع بها سماحته، إضافة إلى بقية القيم والفضائل التي حث عليها الإسلام قرآناً وسنة.

وسنتناول في هذه السطور القليلة قيمة التقوى في جانبها النظري، والتي عرف بها المرجع الديني السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بين مريديه وتلامذته ومن التقى به من قريب أو بعيد.

التقوى: هي المحطة ذات الصلاحية لصدور الأعمال الصالحة منها، ونقطة الانطلاق لانبعاث السلوك والواجبات الدينية التي يتقبلها الله سبحانه وتعالى.

المنح الإلهية لملتزم التقوى

1- الهدى: وهي القدرة التي يهبها الله سبحانه لعبده المتقي والتي يصطلح عليها بالنور الذي يلاحق الإنسان فيكشف أمامه الطريق ويجعله على بينة من أمره لاختيار الأفضل والأحسن عندما تتشابك وتتشابه الأمور. يقول سبحانه: (اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به) (الحديد:28).

وهذا النور لا يمكن أن يغرز في صدر إنسان أو أن ينزل ويسير مع كل عباد الله إنما هو بحاجة إلى أرضية نزيهة صافية طاهرة مؤهلة لاحتقان هذه البركة والتوفيق الإلهي يقول تعالى: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (الأنعام: 125).

وانشراح الصدر لتقبل هذه الأمانة والخير بذاته لا يتأتى إلا لمن هيأ مستلزمات ذلك وعمل على تجهيز نفسه من كافة الجوانب ليحل هذا الأمر العظيم عليه. يقول الإمام علي(ع): (هدي من أشعر قلبه التقوى)، (هدي من أطاع ربه وخاف دينه) ( غرر الحكم: ص791).

فالمتقي هو المؤهل لأن ينال هذا النور والمصباح الذي يخترق فيه ظلمة الضلال ويخترقها إلى حيث الحق والعدل.

وهذه العصي الإيمانية التي تشق للإنسان عباب الدياجير المكثفة الظلام نعمة اختص بها سبحانه عباده المؤمنين في الدنيا قبل الآخرة لإيمانهم به وتحملهم أعباء العمل الصالح على مختلف الأصعدة.. يقول تعالى: (ومن يؤمن بالله يهد قلبه) (التغابن: 11).

(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم) (يونس: 9).

(والذين جاهدوا لنهدينهم سبلنا) (العنكبوت: 69).

2- التسديد: إن مصباح الهداية الذي يحمله المؤمن المتقي ويتمتع بمعطياته بالسبل التي يدله عليها في حين أنها موصدة أمام غيره، تدفعه لاتخاذ موقف الصواب والحق والتمسك بهما مهما كلف الثمن.

إن السير وراء طريق الهدى واختياره دون غيره لا يعني أنه يأتي بالمجان أو بإشارة من سبابة يهيأ كل شيء ويوضع تحت يد طالبه ما يريد وكأنه عصا سحرية.. وإنما هو طريق لا حب بالاستقامة والاستواء وموصل للجنة والرفاه ولكن لكل شيء ثمن يدفع سلفاً.

إن طريق الهدى لما كان هو طريق الله تعالى فقليل من يتمكن من اكتشاف أهل الأرض، والأقل ممن يسير وراءه ويبقى مصراً على مواصلة الخطى فيه إلى النهاية وقد يقطع من سار به قسماً منه ثم يعدل عنه وتبقى القلة القليلة والنزر اليسير لأنه مكلف وشاق. والكثير ينهار أما بضغط ممن حوله من أهل واصحاب أو يرى أن النفع الدنيوي سيذهب عنه إن تمسك بصوابية الحق وعدالة المطلب. أو يستوحش لوحدة الطريق وتفرق الناس من حوله. وإلى هذا أشار الإمام علي (ع) بقوله: (اعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل) (بحار الأنوار: ج71 ص292).

وقول الإمام الحسين (ع) وهو يعيش اختيار طريق الحق في وقت المحنة يوم كربلاء بقوله: (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون) (تحف العقول: ص174).

النجاح في الدنيا والفوز في الآخرة

إن قانون الربح والخسارة والتقدم والتأخر والعزة والذلة بالمبدأ الذي يعتنقه الإنسان وأخلاقية الالتزام لقيم العقيدة. ففي الوقت الذي يمكن الإنسان من الالتواء على الآخرين وتمرير حاجته السياسية أو التجارية بوسائل الباطل والخداع والكذب والغش ويربح من جراء ذلك أرباحا طائلة أو يصعد إلى السلطة على نهر من دم الأبرياء. إن هذا الأسلوب وهذا العوز يكون قمة القدرة والقوة بالنسبة لمن يؤمن بالنظرية الميكافيلية.

إما بالنسبة إلى الإنسان الملتزم بالعقيدة الإسلامية لا يعتبر هذا انتصاراً وتقدماً بل يسطره في قائمة الانحراف والجاهلية والظلم ويجب أن يعاقب كل من تسول له نفسه ارتكاب هكذا أعمال. لأن الإسلام قائم في تعامله على الصدق والإخلاص والأخلاق والنصح في التعامل.

فالفرق إذن واضح بين النظريتين وتبعاً لذلك يكون الفرق واضحاً في المفاهيم وشرعية الأساليب.

فالإسلام يطلق كلمة الناجح في الحياة الدنيا على الإنسان الذي تمكن من التغلب على هواه وشهواته الشيطانية وبالتالي انتصر على الشر.

إن الله تعالى يمنح المتقي النور الكاشف، ولا يدعه يمشي المحنة.. إلا إذا اقتضت المصلحة الإلهية ذلك، ويسهل له الأمور بشكل واضح ومستمر.

إن هذه التسهيلات تؤهل صاحبها لأن يكون إنساناً ناجحاً في الحياة الدنيا فضلاً عن الأجر والثواب الذي يعده سبحانه في الآخرة لهذه الشريحة من الناس. وقد عبر الله تعالى عن هذه المعطيات لهذا الصنف من الناس بقوله: (ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم، ولا يحزنك قولهم أن العزة لله جميعاً هو السميع العليم) (يونس: 63- 65).

الأسرة الكريمة

يصل نسب آية الله العظمى المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) إلى أجداده المعصومين(ع) فهو من أبناء زيد الشهيد بن الإمام زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب(ع)،

ولد ونشأ سماحته في أسرة عريقة وشاخصة في الفقاهة والمرجعية كان لها الدور البارز في تاريخ المسلمين منذ قرن ونصف، منهم:

1- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي (قده)، المعروف بالمجدد الشيرازي صاحب نهضة التنباك الشهيرة، (ت: 1312هـ).

2- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي (قه)، قائد ثورة العشرين في العراق (ت: 1338هـ).

3- المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد علي الشيرازي (قده)، نجل المجدد الشيرازي، من كبار مراجع الشيعة في النجف الأشرف، (ت: 1355هـ).

4- آية الله العظمى السيد إسماعيل الشيرازي (قده)، (ت:1305هـ).

5- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد عبد الهادي الشيرازي (قده)، (ت: 1382هـ).

6- المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي، (قده) ـ والده ـ من كبار مراجع الشيعة ـ كربلاء المقدسة (ت: 1380هـ).

7- آية الله الشهيد الإمام السيد حسن الشيرازي (قده)، أخ الإمام الشيرازي، الذي قام ـ ولأول مرة ـ بتأسيس الحوزة العلمية في جوار السيدة زينب (ع) في السبعينات الميلادية وكان له قصب السبق في مد جسور التعاون مع الشيعة العلويين في سورية ولبنان.. وفي التعريف بهم باعتبارهم شيعة أهل البيت (ع) ، على عكس ما كان يصوره الإعلام المغرض. وكذلك الكثير من المؤسسات الأخرى في العراق وسورية ولبنان وغيرها، إضافة إلى جهوده الجبارة التي بذلها لخدمة مذهب أهل البيت (ع) في عدد من الدول الإفريقية، وكانت له الكثير من الدراسات القيمة، والبحوث العلمية، والكتابات المفيدة ‎في مجالات فكرية وثقافية وأدبية متنوعة،وكان من النماذج النادرة في الزهد في ملذات الحياة، وفي الجهاد في سبيل الله، والذي استشهد عام (1400هـ) في بيروت بعملية اغتيال دبرها له النظام العراقي الغاشم.8- المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قده) أخوه.

أساتذته

ولد آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي في 20 ذي الحجة من عام 1360هـ في كربلاء المقدسة، وقد تلقى العلوم الدينية على يد كبار العلماء والمراجع في الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة حتى بلغ درجة سامية من الاجتهاد، ومن كبار أساتذته:

1- والده آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي(قده).

2- آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني (قده).

3- آية الله العظمى الشيخ محمد رضا الأصفهاني (قده).

4- أخوه الأكبر آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قده).

وغيرهم.. وقد شهد بعضهم له بالفقاهة والتحقيق وأرجع المؤمنين إليه في التقليد والفتيا والشؤون الاجتماعية العامة لا يأمرها بعض إرجاع سماحة السيد، لذلك أو كلمات منه أو إشارة إليه.

وقد بدأ آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي بتدريس الخارج فقهاً وأصولاً منذ أكثر من عشرين عاماً وذلك في الكويت عام 1398هـ ولازال مستمراً في قم المقدسة بتدريس الفقه والأصول ويحضره الكثير من العلماء والفضلاء.

الأعلمية

المشهور بين الفقهاء اشتراط الأعلمية في مرجع التقليد، وقد استدل لذلك ببعض الروايات وبدليل العقل وبوجوه أُخرى.

ذكر المحقق اليزدي (قده) في العروة الوثقى: إن (الأعلم) هو من يكون:

1- أعرف بالقواعد.

2- أعرف بمدارك المسألة.

3- أكثر إطلاعاً على النظائر.

4- أكثر إطلاعاً على الأخبار.

5- أجود فهماً للأخبار.

ثم قال (قده): (والحاصل أن يكون أجود استنباطاً). وقد وافق على صحة هذه الملاكات أغلب الفقهاء والمراجع.

ويعد كتاب (شرح العروة الوثقى) و(بيان الأصول) لآية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) وهكذا تدريسه لخارج الفقه والأصول، ومحاوراته الفقهية التي تتم مع كبار العلماء، خير دليل على أعلميته وأجوديته في الاستنباط، حيث يظهر منها لأهل الخبرة من العلماء أعرفية سماحته بالقواعد والمدارك، واطلاعه الواسع على الأشباه والنظائر الفقهية، وإحاطته الوافية بكتب الأخبار والآراء الفقهية المختلفة، واستناده المتين إلى الكثير من الآيات والروايات في تأكيد استنباط حكم شرعي أو استنباط لحكم شرعي، حتى المسائل المستحدثة، مضافاً إلى كثرة النقض والإبرام العلمي مع المحققين، وإلمامه الواسع بالفقه المقارن، وكثرة التفريعات الفقهية المستنبطة من الأدلة الشرعية، وهذا ما يلاحظ في كتبه العلمية ومناقشاته في مجلس الدرس والمحاورات الفقهية المتعارفة بين الفقهاء والمراجع.

ومن أهم ما يلاحظ في حياته العلمية مزاولته للفقه أكثر من أربعين عاماً بشكل مستمر ويومي.

وبالنسبة إلى أجوديته لفهم الأخبار، فأنها تحصل من القوة العلمية مضافاً إلى مزاولة العرف وتطبيق الألفاظ والمداليل والدلالات على الفهم العرفي، والاستفادة منه في الاستنباط الشرعي، نظرا لقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وفي هذا المجال نلاحظ عند سماحته (دام ظله):

أولاً: قوة الفهم العرفي، والارتباط الشديد بالعرف، حتى عدت سمة مميزة له.

ثانياً: كثرة مزاولة سماحته لعلوم العربية: (النحو والصرف واللغة) التي لها مدخلية كبيرة في فهم الأدلة.

ثالثاً: كثرة ممارسة علوم المعاني والبيان والبديع.

رابعاً: تطبيقه كل ذلك في الاستنباط الشرعي الظاهر جلياً في أصوله وفقهه.

خامساً: نموه في بيئة عربية.

وقد تميز سماحته (دام ظله) بفسح المجال الكافي لتلامذته لطرح الاشكالات العلمية في الدرس والإجابة عليها برحابة صدر وإتقان، وإذا أخذت البعض منهم هيبة الأستاذ وعلوّ شأنه ودقة نظره، كان يحثهم على طرح السؤال أو ممارسة المناقشة ليمرّسهم على فن الحوار وينميهم على ملكة الاستنباط والمناظرة.

وقد شهد له العديد من كبار الفقهاء والمجتهدين من أهل الخبرة، بالمقام العلمي الرفيع، والقدسية والنـزاهة والإخلاص وشدة الولاء لأهل البيت (ع) والتأسي والسير على نهجهم القويم، مما سينشر في كتاب مخصص إن شاء الله تعالى.

كما أن الإمام الراحل آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي (قده) كان يرجع في احتياطاته إلى أخيه السيد صادق الشيرازي(دام ظله)، ولما سئل (قده) عن الأعلم فالأعلم أشاد بأخيه (دام ظله).

وقد كان آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) هو الذراع الأيمن في مرجعية أخيه الأكبر في مختلف المجالات وخاصة ما يتربط بالجانب العلمي والحوزوي والمراجعات الاستفتائية وما أشبه، كما كان له الدور الكبير في تدبير الأمور الاجتماعية العامة الدالة على كفاءته وخبرويته العالية في إدارة المجتمع والنهوض به إلى التقدم والرفاه.

نشاطاته الاجتماعية

* المؤسسات:

وقد اهتم آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) بالمؤسسات الدينية والإنسانية والثقافية والخيرية، فقد أنشئت العديد من الهيئات المساجد والحسينيات والمدارس والمكتبات ودور النشر والمستوصفات بإرشاد منه وتشجيع من سماحته (دام ظله).

* التربية:

وقد أولى آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) للتربية العلمية والأخلاقية الأهمية القصوى، فعقد دروساً مستمرة في الأخلاق والعلوم الحوزوية المختلفة وذلك في العراق والكويت وإيران، وقد تخرج على يديه العديد من العلماء والفضلاء والزهاد والكتاب والخطباء وغيرهم.كما تربى على يديه وفي مجالسه التربوية وتحت منبره التوجيهي والتوعوي، الآلاف من الشباب المؤمنين والمثقفين من شتى القوميات، بما أعد منها مكتبة صوتية كبيرة وشاملة لمختلف الجوانب الأخلاقية والتربوية.

* الأخلاق الرفيعة:

إن الخُلق الإسلامي النموذجي هو الطابع الذي يميز حياة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) الشخصية ومسيرته العلمية طوال نصف قرن من الزمن.

فلقد لمس فيه القاصي والداني: الزهد في جميع أبعاد حياته، والإعراض عن مباهج الحياة الدنيا، والتقوى والورع والتوكل على الله، وتفويض الأمر إليه، والتواضع الكثير للناس واحترام الصغير والكبير، والصبر والصمود، والثبات والاستقامة، وتحمل شتى المصاعب والمتاعب في سبيل إعلاء راية الإسلام، والحب لله وفي الله، وخدمة الناس ومداراتهم، وسعة الصدر، والإغضاء عن الأذى، والعفو عند المقدرة. فهو بذلك خير أسوة وخير قدوة يقتدى به في مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال.

* التأليف:

بدأ آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله) التأليف في مرحلة مبكرة من عمره الشريف ولا يزال يواصل ذلك في مختلف العلوم الإسلامية خاصة العلوم الحوزوية الفقهية والأصولية، وقد تجاوزت مؤلفاته الخمسين كتاباً، من أهمها ما كتبه للعلماء وأساتذة بحث الخارج:مثل (شرح العروة الوثقى) الذي طبع منه المجلد الأول في الاجتهاد والتقليد) و(بيان الأصول) وقد طبع منه المجلد الخامس في قاعدة لا ضرر ولا ضرار.

وقائمة مؤلفاته تضم:

- شرح العروة الوثقى: عدة مجلدات ، طبع المجلد الأول في الاجتهاد والتقليد، وهو شرح استدلالي معمق على العروة الوثقى للسيد الطباطبائي اليزدي (قده)، ويتضمن المجلد الأول 72 مسألة من كتاب الاجتهاد والتقليد، ويقع في أكثر من 700 صفحة. طبع في بيروت قبل ثلاثين عاماً، وهو من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وهناك نسخة مخطوطة راجعها المؤلف في قم المقدسة مع بعض التنقيح والإضافات العلمية.

- بيان الأصول: 10مجلدات، طبع منه المجلد الخامس في قاعدة (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)، وهو بحث علمي استدلالي مفصل في علم الأصول من أوله إلى آخره، الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في قم المقدسة، ويقع في 342 صفحة، طبع عدة مرات.

- توضيح شرائع الإسلام: 4 مجلدات، هو شرح توضيحي على كتاب (شرائع الإسلام) للمحقق الحلي (قده) يشتمل على آلاف من التعليقات في مختلف أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والايقاعات وغيرها، الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة. وقد لقي استقبالا كبيرا في الحوزات العلمية والجامعات وهو مصدر رئيسي لكثير من الأساتذة والطلاب، وقد رجحه بعض أهل الخبرة على توضيح السيد علي الطباطبائي (قده) صاحب (الرياض) لما فيه من سهولة البيان وعمق المضامين.

- شرح تبصرة المتعلمين: مجلدان، شرح نشري على كتاب (تبصرة المتعلمين في أحكام الدين) للعلامة الحلي(قده)، ويشتمل على مختلف أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات، الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، بتاريخ 1382هـ ، يقع المجلد الأول في 468 صفحة، والمجلد الثاني في 534 صفحة ، طبع عدة مرات، وكانت الطبعة الأولى منها في النجف الأشرف مطبعة الآداب 1382هـ.

- شرح السيوطي: مجلدان، شرح تعليقي على كتاب (البهجة المرضية في شرح الألفية) للسيوطي، وهو من المتون الدراسية في الحوزات العلمية، الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، بتاريخ 15 شعبان 1386هـ ، ويقع المجلد الأول في 454 صفحة والمجلد الثاني في 444 صفحة، طبع عدة مرات واستقبل استقبالا جيداً من طلاب السطوح في الحوزات العلمية.

- شرح الصمدية: شرح مجزي واف على كتاب (الصمدية) للشيخ عبد الصمد العاملي(رحمه الله) في النحو، وهو من ضمن الكتب الدراسية في الحوزات العلمية، كتبه في كربلاء المقدسة، وطبع اكثر من عشر مرات في النجف الأشرف وقم المقدسة.

- شرح العوامل: شرح مجزي على كتاب (العوامل) للعلامة المحقق محمد المحسن الفيض الكاشاني(رحمه الله)، وهو من ضمن الكتب الدراسية في الحوزات العلمية.والكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وكان قد انتهى من تأليفه بتاريخ 8 رمضان 1384هـ ، ويقع في 183 صفحة ،طبع عدة مرات.

- شرح اللمعة الدمشقية: 10 مجلدات، شرح تعليقي واف على كتاب (شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني (قده)، الذي يعد من أهم الكتب الدراسية في الحوزات العلمية (تحت الطبع).

- الموجز في المنطق: يشتمل على أوليات علم المنطق بأسلوب واضح، كتبه السيد المؤلف للمبتدئين في الحوزات العلمية، وقد أصبح الكتاب من ضمن المنهج الدراسي في بعض الحوزات العلمية.الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، بتاريخ 2 محرم 1384هـ.

* الكتب الاعتقادية:

كما ألّف سماحته (دام ظله) جملة من الكتب الهامة لنصرة الحق والدفاع عن مذهب أهل البيت(ع) ونشر مذهبهم، نذكر منها ما يلي.

- علي(ع) في القرآن: مجلدان، جمع سماحة 711 آية شريفة من القرآن الحكيم التي نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع)، بحسب ما جاء في مصادر العامة وكتبهم المعتبرة، تبدأ من سورة الفاتحة إلى سورة الإخلاص. والكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، ويقع المجلد الأول في 404 صفحة، والمجلد الثاني في 528 صفحة.

- فاطمة الزهراء(ع) في القرآن: يشتمل الكتاب على بيان الآيات التي نزلت في فاطمة الزهراء(ع) وبحسب مصادر العامة، وقد كتبه في قم المقدسة بتاريخ 17 رجب 1408هـ يقع الكتاب في 360 صفحة من الحجم الكبير، وقد طبع عدة مرات.

- المهدي(ع) في القرآن: يشتمل الكتاب على ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المباركة في الإمام المهدي (ع) جمعها السيد المؤلف من مصادر العامة وأسانيدهم الموثقة، من سورة البقرة إلى سورة البروج. وفيها عشرات الآيات المباركة من 46 سورة. الكتاب من تأليف سماحته (دام ظله) في الكويت، ويقع في 260 صفحة، وطبع عدة مرات

- المهدي (ع) في السنة: يشتمل الكتاب على مجموعة كبيرة من الروايات التي وردت عن رسول الله (ص) حول الإمام الحجة(ع) في كتب السنة ومصادرهم، الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، ويقع في 126 صفحة،طبع عدة مرات. وكانت الطبعة الأولى 1400هـ 1980م مؤسسة الوفاء بيروت لبنان.

- أهل البيت(ع) في القرآن: يشتمل الكتاب على آيات نزلت في أهل البيت (ع) جمعها المؤلف من مصادر العامة، من سورة الفاتحة إلى سورة الكوثر. وفيها عشرات الآيات المباركة. من تأليف سماحته (دام ظله) في الكويت، ويقع في 407 صفحة

- حقائق عن الشيعة: يشتمل الكتاب على إثبات عقائد الشيعة والإجابة عن الشبهات التي أوردها الوهابيون عليهم، وهو بأسلوب الحوار العميق، والكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة ويقع في 80 صفحة، وطبع عدة مرات.

- الشيعة في القرآن: يتضمن الكتاب ما ورد من آيات شريفة في القرآن الحكيم وفسر بشيعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) وكل ذلك من مصادر العامة وكتبهم، طبع في لبنان.

* كتب فكرية وثفافية:

كما كتب سماحته (دام ظله) جملة من الكتب الفكرية والتوجيهية لأبناء الأمة، والكاشفة عن همومه العليا واهتماماته بشؤون المجتمع وما يعانيه من أزمات وأخطار منها:

- القياس في الشريعة الإسلامية: يبحث الكتاب عن مسألة القياس وحكمها في الشريعة الإسلامية، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة.

- صلاة الجماعة ومنزلتها في الإسلام: يشتمل الكتاب على أحاديث شريفة في فضل صلاة الجماعة، وبيان فلسفة ذلك، من تأليفات سماحته في الكويت.

- الصوم: يبحث الكتاب عن فلسفة الصيام وأحكامه بشكل موجز، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وطبع في النجف الأشرف.

- الحج.

- تمهيدات في الاقتصاد الإسلامي: طبع في الكويت.

- الربا المشكلة الاقتصادية القائمة: يشتمل الكتاب على أضرار الربا في الاقتصاد العالمي، وما ينبغي في حل تلك المعضلة. طبع في الكويت

- السياسة من واقع الإسلام: يشتمل الكتاب على بيان وجهة نظر الإسلام في السياسة وبيان سيرة رسول الله (ص) وأمير المؤمنين(ع) والأئمة الطاهرين (ع) في ذلك، الكتاب من تأليفات سماحته (دام ظله) في كربلاء المقدسة، ويقع في 414 صفحة، طبع عدة مرات.

- الخمر كوليرا المجتمع: يبحث الكتاب عن أضرار الخمر في المجتمع، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة وطبع عدة مرات، في النجف الأشرف وقم المقدسة.

- مساوئ السفور: يتضمن الكتاب بحثا حول ضرورة الحجاب ومساوئ السفور، الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة.

- قصص توجيهية: يشتمل على مجموعة من القصص الهادفة التوجيهية، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، طبع عام 1378هـ النجف الأشرف.

- العقوبات في الإسلام: يشتمل الكتاب على فلسفة العقوبات الإسلامية وبيان بعض شرائطها وأحكامها، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وطبع في بيروت.

- الطريق إلى بنك إسلامي: الكتاب محاولة لإعطاء الصيغة العامة للبنك الإسلامي، ويعالج فيها الأسئلة التي تثار حول نتائج إلغاء الربا من نظام البنك، ويتعرض فيها لذكر الأعمال الرئيسية للبنك الإسلامي وبشكل مقارن بآخر النظريات المصرفية.

الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، ويقع في 104 صفحة، الطبعة الأولى 1392هـ 1972م دار الصادق بيروت لبنان.

- الإصلاح الزراعي في الإسلام: يبحث الكتاب عن الخطة الاستعمارية التي جاؤوا بها للقضاء على الزراعة في البلاد الإسلامية، تحت شعار (الإصلاح الزراعي)، ويعطي صورة واضحة عن أحكام الزرع والزراعة في الإسلام، الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، عام 1380هـ، الطبعة الأولى عام 1383هـ مؤسسة الصادق (ع) كربلاء، وقد صادر الحكم العراقي نسخها وسجنوا صاحب المطبعة وغرموه بغرامة ثقيلة.

- مالك الأشتر النخعي: ترجمة لشخصية مالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه)، من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، طبع عام 1387 في مطبعة الغري الحديثة في النجف الأشرف.

- الشهيد الأول: ترجمة مختصرة للشهيد الأول الشيخ شمس الدين ابو عبد الله محمد بن جمال الدين مكي بن شمس الدين محمد المطلبي الدمشقي العاملي الجزيني الهمداني، الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وهو من ضمن سلسلة (أعلام الشيعة) وقد طبع في النجف الأشرف.

- الشهيد الثاني: ترجمة مختصرة للشهيد الثاني: الشيخ زين الدين علي بن احمد الجبعي العاملي. الكتاب من تأليفات سماحته في كربلاء المقدسة، وهو من ضمن سلسلة (أعلام الشيعة) وقد طبع في النجف الأشرف.

- الوالد: يشتمل على مجموعة نقاط بارزة من حياة آية الله العظمى السيد ميرزا مهدي الشيرازي (قده)، كتبها السيد بإصرار من بعض المؤمنين، بمناسبة الذكرى السنوية الأربعين لرحيل والده المعظم للتأسي والاعتبار.

إلى غيرها من الكتب، علماً بأنه قد تم ترجمة العديد من كتب سماحته (دام ظله) إلى اللغة الفارسية والأوردية وطبع أكثر من مرة.

وفي مجموعة كتبه حول أهل البيت(ع) نكتشف النفس التحقيقي لسماحة السيد المرجع (دام ظله)، والذي اعتمد منهج البحث والتنقيب وغربلة الأحاديث والروايات حول الموضوع الواحد، والأخذ بأكثر الآراء صحة ملتزماً بالموضوعية والحيادية الصارمة التي تفرضها مناهج التحقيق الحديثة.. مكرساً خطى العمالقة من الأسماء السامقة في تاريخ الفكر الشيعي منذ الشيخ المفيد وحتى الآن..

ومن الطبيعي أن جهداً جباراً كهذا يستلزم من أي باحث الصبر والجلد والذاكرة الثاقبة ودقة التنظيم في جمع مادة الكتاب الذي يعمل عليه. وقد توفرت هذه الخصائص والملكات لدى سماحة السيد صادق الشيرازي (دام ظله) والتي يمكن اكتشافها من مطالعة المصادر والمراجع التي اعتمدها في دراساته التحقيقية لكل كتاب من تلك الكتب.

رؤية من الضفة الأخرى

في جانب الإبداع الفكري، السياسي على وجه الخصوص منه، لما للسياسة من تمازج واندماج في جميع مفاصل الحياة شئنا ذلك أم أبينا.. يقدم سماحته (دام ظله) رؤية الإسلام لهذه المفردة التي عمل على نحتها وصياغة الأسس العديدة لها آلاف المفكرين من كافة الأطياف الفكرية والدينية والسياسية المختلفة.

تلك الأطروحة ضمّها كتابه (السياسة من واقع الإسلام) تلك السياسة المغيبة عن مسرح الأحداث إن بفعل الحكام في ديار المسلمين، أو بفعل الجهل بتعاليم الإسلام، نتيجة التراكمات التاريخية العديدة، أو بفعل التعتيم الذي تمارسه أدوات القمع ومراكز القوة والنفوذ.

هنا رؤية من الضفة الأخرى - ضفة كاتب هذه السطور - يحاول السباحة والعوم وصولاً إلى الإجابات التي تحملها صفحات الكتاب عن أسئلته في الضفة الأخرى.

يقول تعالى في محكم كتابه الكريم: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون).

في هذه الحوارية تحددت مهمة الإنسان في الأرض، وهي بناؤها وإعمارها لما فيه خيره وخير بني جنسه، وللقيام بالمسؤولية التي تترتب على هذا الجعل الإلهي.

ولم تكن تلك المسؤولية خلواً من الحرية التي أعطاها الله للإنسان وجعلها في فطرته.. فكانت (قل هو الله أحد) هي المفتاح لهذه الحرية، التي لا تكون كاملة إلاّ بإقرار العبودية المطلقة لله الواحد الأحد خالق الإنسان والكون..

من هنا تزامنت حرية الإنسان والمسؤولية عن خلافته في الأرض، فالمسؤولية هي إقرار المرء بما يصدر عنه من أفعال وباستعداده لتحمل نتائج تلك الأفعال.

وتلك الأفعال الصادرة عنه قد يتسع مجالها فيشمل كل الذين هو مسؤول عنهم، ويشمل قطعاً كل من يأتمرون بأمره، وكل من يستمدون السلطة منه مباشرة.. ولهذا تمتد مسؤولية الرئيس فتشمل المرؤوسين في كل الأعمال التي يصدر الأمر بها منه مباشرة أو بالواسطة، فالقائد مسؤول عن الأفعال الصادرة عن الضباط والجنود إن كانت قد صدرت منهم بأمر منه أو بما يترتب على أوامر منه. ورئيس الحكومة مسؤول عن أعمال وزرائه الصادرة عنهم بتوجيه منه مباشر أو غير مباشر، ما داموا مسؤولين أمامه والوالد مسؤول عن أولاده إن كانوا دون البلوغ، أو كانت أفعالهم بتحريض أو توجيه أو حتى تأثير معنوي منه فيهم.. ونقول عن هؤلاء أنهم مسؤولون، دون أن نحدد درجة المسؤولية، إذ للمسؤولية درجات وسلّم طويل..

والإقرار بالمسؤولية عن الأفعال لا يكفي وحده، بل لا بد من تحمّل نتائج هذه الأفعال. وهذه النتائج إمَا معنوية (الاحترام أو الاحتقار) أو قانونية (الثواب والعقاب) أو اقتصادية (التعويض المالي عن الضرر اللاحق بالضحية) أو دينية (النعيم أو الجحيم في الآخرة) أو أخلاقية (المدح أو الذم) إلخ...

وتنقسم المسؤولية إلى أنواع:

1- المسؤولية الأخلاقية: وتتعلق بالأفعال التي يكون المرء فيها مسؤولاً أمام ضميره، وأمام الله.. وتندرج فيها النوايا، أي الأفعال الباطنة..

2- المسؤولية المدنية: وتتعلق بالأفعال الظاهرة سواء فيها ما تم، وما هو بسبيل الحدوث.. وتتحدد هذه المسؤولية وفقاً للقوانين الوضعية الإنسانية، لا وفقاً للقانون الأخلاقي، وإن اشتركا في بعض الأمور.. ولهذا فإن كثيراً من الأفعال المحرم ارتكابها بحسب القانون الأخلاقي لا تندرج تحت طائلة المسؤولية القانونية، والعكس صحيح أيضاً.. فكثير من الأفعال التي يحرمها القانون، لا شأن لها بالأخلاق..

3- المسؤولية الاجتماعية: وتتعلق بالمجتمعات التي ننتسب إليها إما بالطبع أو بالاختيار. إذ نكون مسؤولين أمام رب الأسرة أو السلطة المكلفة بتوفير الصالح العام.

وللمسؤولية عدة خصائص منها:

1- إنها ضرورية، لأن الإنسان لا بد أن يفعل من أجل تحقيق إمكانياته وإلاّ كان عدماً، فمجرد وجوده يقتضي منه الفعل.. وعلى الفعل تترتب المسؤولية..

ثم إن الإنسان موجود في العالم، وهذا يلزمه بالفعل في العالم وتجاه الآخرين، وتلك مسؤولية وجودية وأخلاقية معاً.. والإنسان مسؤول عن تحقيق إمكانياته، ولا يمكنه أن يبقى دقيقة واحدة دون اختيار، والاختيار يجر إلى المسؤولية.

2- إنها تقوم على الحرية، فلا مسؤولية حيث لا حرية، وفي عالم خال من الحرية وتسوده الجبرية المطلقة، لا مكان للمسؤولية.

3- إنها تفترض العقل السليم، فلا مسؤولية على فاقد الإدراك السليم.. فلا بد إذن من معرفة الأفعال التي يقوم بها الإنسان من حيث قيمتها الأخلاقية.

4- إنها تقوم على المعرفة، معرفة القواعد التي ينبغي السير عليها في السلوك بوجه عام. وتتزايد المسؤولية الأخلاقية بتزايد المعرفة.

5- ومن شروط قيام المسؤولية أن توجد سلطة تضع القواعد وتقوّم الأفعال. فلو كانت قيم كل الأفعال واحدة لما كانت هناك مسؤولية.. وأمام هذه السلطة علينا أن نقدم الحساب عن أفعالنا.

وفي القانون السلطة معروفة وهي الأجهزة الإدارية والقضائية. أما في الأخلاق فهي الإرادة الإلهية، أي الله سبحانه الذي سيحاسبنا على أفعالنا.. بعد معرفة تلك الخطوط العريضة المتعلقة بالمسؤولية، نتساءل هل استطاع الإنسان، خليفة الله في الأرض، أن يكون بمستوى تلك المسؤولية وما يترتب عليها؟

هذا ما نحاول الوقوف عليه في الصفحات التالية..

في معنى السياسة

بعد نشوء المجتمعات البشرية، وتشعبها، احتاج الإنسان إلى وضع قوانين وقواعد تسهل عليه التعامل مع محيطه، ومع الآخرين.

من ذلك تنظيم أراضي الصيد والزراعة، واستغلال موارد الأرض، وفض النزاعات التي تنشأ من تفاعل التجمعات البشرية فيما بينها.. ووضع الأحكام والضوابط التي تنظم حركة هذا التفاعل البشري..

من هنا نشأت الحكومات التي أخذت على عاتقها سن القوانين وتطبيقها داخل المجتمعات.

ولم تستطع البشرية، ورغم مشوارها الطويل، أن تهتدي إلى طريقة تستطيع معها القضاء على الظلم أو التجبر أو تحجيم القوي لمصلحة الضعيف، أو إعطاء كل ذي حق حقه.

وحتى الديانات السماوية السابقة على الإسلام لم تستطع أن تفعل شيئاً حيال هذا الصراع المستمر بين الإنسان وأخيه، إما لابتعاد هذا الإنسان عن تلك التعاليم، أو لأن هذه التعاليم قد حرّفت لما فيه مصلحة البعض على حساب البعض الآخر.

أما الإسلام، فيمكن تلمّس ما وصلت إليه سياسته في الحكم إلى القمة من الإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان من خلال تجربتين فريدتين في التطبيق العملي لهذه السياسة وهما حكومة الرسول الكريم (ص) في المدينة، وحكومة الإمام علي (ع) في الكوفة.

السياسة من واقع الإسلام، لمؤلفه سماحة السيد صادق الشيرازي يبحث في الأطر العريقة للسياسة الإسلامية التي تجدها في آيات القرآن الكريم، وفي سنة رسول الرحمة والإنسانية (ص) وفي سنة وصيه الإمام علي (ع).

بدءاً لنتحدث عن معنى السياسة بشكل عام، ثم نتطرق إلى المفهوم الوحشي للسياسة، والمفهوم المدني لها.

تقع السياسة ضمن مجال الفعاليات الاجتماعية المختلفة الخاصة بالنظام الاجتماعي للجماعات الإنسانية. إنها فعالية بسبب كونها تمثل شكلاً من أشكال التعبير عن الوجود وعن الإرادة بالنسبة إلى الفرد والجماعة على السواء.. ويكون هدف السياسة والممارسة السياسية هو تحقيق المصلحة، أكانت فردية أو جماعية، وتنميتها والدفاع عنها، تتداخل فيها اللحظات الثلاث (التحقيق، التنمية، الدفاع) تداخلاً عضوياً قد يستعصي معه الفرز بينهما.

تحقيق المصلحة ـ وهو هدف السياسة ـ يحتاج إلى قوة مادية ورمزية يجري بهما توسل الهدف، وليست تلك القوة إلاّ الأدوات والأفكار.

هل تتوسل السياسة، لتحقيق أهدافها، بوسائل سلمية أم عنفية؟ وما نِصاب الشرعية فيها، أي هل إن تلازمها مع الوسائل السلمية يمنحها الشرعية وتلازمها مع أساليب العنف ينزع عنها تلك الشرعية، أم أن خارطة العلاقة أكثر تنوعاً من حدّي المعادلة؟

يتعلق الأمر هنا في مفهومين للسياسة على طرفي نقيض: مفهوم وحشي للسياسة، وفي مفهوم مدني لها.

1- في المفهوم الوحشي للسياسة:

هذا المفهوم قوامه النظر إلى ميدان السياسة بوصفه مجالاً عمومياً للمجتمع لا ملكية خاصة لفريق دون سواه.

في المفهوم المدني للسياسة، تكون السياسة تمثيلاً لمصالح نسبية لا لمصالح مطلقة فرعونية، لأنها تتحول إلى طريقة لترجمة التنوع الطبيعي الحاصل في ميدان الاجتماع الوطني، سواء على مستوى تركيبه المختلف، أو على مستوى تباين المصالح فيه.

وبعد.. ما هي نظرة الإسلام إلى السياسة؟

يقول سماحة السيد (دام ظله): إن السياسة التي تفسّر بـ(تنظيم أمور دنيا الناس على أحسن وأرفه وجه) الذي هو مضمون قوله تعالى في وصف الرسول الأعظم (ص): (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).

السياسة بهذا التفسير هي من صميم الإسلام، ومن أسس الدين، التي يجب على كل فرد من المسلمين العمل لتطبيقها على العالم كله، والجهاد بمختلف الوسائل والسبل من أجل تثبيتها تحقيقاً لقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصيّنا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين).

ونظرة باحثة تنقيبية على التاريخ الإسلامي المشرق الطويل عبر القرون المتمادية ـ خصوصاً تاريخ رسول الله (ص) وتاريخ وصيه أمير المؤمنين (ع) وأولاده الأئمة الطاهرين (ع) تعطينا فكرة واضحة عن مكان السياسة الصحيحة في الإسلام.ومطالعة للقرآن الكريم وكتب التفسير والحديث توقفنا على الرصيد الفكري السياسي الضخم الذي تركه الإسلام للمسلمين وللعالم أجمع.

وفي الشريعة الإسلامية نصوص كثيرة، وكثيرة جداً تدل على أن السياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، بل الأصح في التعبير أن نقول: الإسلام والسياسة لفظان لمفهوم واحد، فالسياسة هي الإسلام، والإسلام هو السياسة بمعناها الصحيح العام.

تباين السياستين

غير أن السياسة الإسلامية تباين السياسة العالمية اليوم، في أصولها وفروعها، فالسياسة الإسلامية هي غير السياسة المعاصرة التي تمارسها معظم الدول تماماً.. ذلك لأن ا لإسلام يسير في سياسته مزيجاً من الإدارة والعدل، والحب الشامل، وحفظ كرامة الإنسان، وتقييم دم الإنسان.. فهو يحاول أن لا تراق قطرة دم دون حق، أو تهان كرامة شخص واحد جوراً، أو يظلم إنسان واحد.. بل وحتى حيوان واحد.

أما السياسة ـ بمفهومها المعاصر ـ فهي القدرة على إدارة دفة الحكم وتسيير الناس والأخذ بالزمام مهما كلفت هذه الأمور من إهدار كرامات، وإراقة دماء، وكبت حريات، وابتزاز أموال، وظلم وإجحاف ونحو ذلك.. فما دام الحكم له والسلطة خاضعة لأمره ونهيه فهي الغاية المطلوبة، وإنها تبرر الواسطة، وإن كانت الواسطة إراقة دماء الألوف والملايين جوراً وظلماً.. هذا منطق السياسة في أغلب بلاد العالم اليوم.

قسم المؤلف كتابه إلى ستة عشر مبحثاً، حاول من خلالها أن يحيط بالسياسة الإسلامية في كافة مجالات الحياة.

في مبحث سياسة الإسلام في المجال الاقتصادي يقول سماحة المؤلف:

إن الاقتصاد له الأهمية الكبرى في السياسة، وكلما كان التوازن الاقتصادي أقوى كانت السياسة أكثر سداداً ورشداً.

فالسياسة الإسلامية في مجال الاقتصاد قد حاربت الفقر حرباً لا هوادة فيها، وقصة السائل النصراني مع الإمام علي (ع) حين جعل له من بيت مال المسلمين مرتباً يرتزق منه مع أنه نصراني لا يدين بالإسلام، لكيلا يكون في البلد الإسلامي مظهر واحد للفقر والجوع.

ولكي يعرف العالم، والمسلمون أنفسهم أن الحكومة الإسلامية تقضي على الفقر وتدفع مستوى الفقراء لا بالنسبة للمسلين فحسب، بل تنفي الفقر حتى عن الكفار ما داموا تحت رعاية الدولة الإسلامية.

في المجال الصحي وضع الإسلام خططاً حكمية لاقتلاع جذور المرض عن أطراف الدولة الإسلامية كلها وعن عامة المسلمين.

فإنا نجد في قائمة الأحاديث الشريفة المأثورة عن رسول الإسلام وعن أهل بيته الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) الألوف والألوف منها مخصصة لبيان الأمور الصحية.

ولأجل ذلك قلمّا يجد الإنسان ـ في ظل الحكم الإسلامي ـ مرضى كثيرين وأمراضاً متفشية.

وكانت الصحة العامة مرفرفة بأجنحتها العريضة على الدولة الإسلامية وكان ذلك مستمراً إلى عهد سقوط الدولة الإسلامية.

ولنضع هنا مثلاً يكون نموذجاً واحداً لما قلناه عن سياسة الصحة في الإسلام: فلقد كان المسلمون غالباً حسب أوامر الشريعة الإسلامية المتكررة والمؤكدة يعهدون إلى تقليل كمية الدم من كل فرد في كل عام على الأقل مرة واحدة وخصوصاً في أيام الربيع تبعاً لتهيّج كل ما في الكون من إنسان وحيوان ونبات وأجهزة وطاقات وغيرها، وذلك بعملية (الحجامة) أو عملية (الفصد).

وقد ورد في الأحاديث الشريفة: أن تقليل الدم أمان من موت الفجأة، وهي السكتة القلبية، والشلل المؤدي إلى ذلك.

ومما ورد في ذلك حديث شريف للإمام علي بن موسى الرضا (ع) حيث قال: (إنما مثل الدم مثل العبد وربما قتل العبد سيده).

في مجال الثقافة لا تكاد ترى أمة أو فكرة أو مبدأ أو نظاماً فتح أبواب العلوم والثقافة كما فتحها الإسلام، أو ندب إليها كما ندب الإسلام إلى العلم. فكم ندب الإسلام إلى العلم، وكم قدّر العلماء ورفع من شأنهم.

ولمجرد النماذج نذكر بعض الأحاديث لنعرف البعد العميق في تحريض الإسلام على الثقافة والعلم.

اطلبوا العلم ولو بالصين.

اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد.

العلماء ورثة الأنبياء.

الناس أموات وأهل العلم أحياء.

ويضرب الإسلام شوطاً أبعد في ميدان الثقافة، فيصدر حكمه الأكيد والوجوب المحتوم على كافة الصناعات، والمخترعات، والحرف، وجوباً كفائياً.

ومعنى الوجوب الكفائي هو: أن المسلمين لو تركوا جميعاً صنعة أو حرفة فتعطلت عندهم أجهزة الحياة ـ ولو نسبياً ـ اشترك الجميع في الإثم والعصيان والمسؤولية أمام الله تعالى.

في مجال الحريات فإن التاريخ الطويل للعالم لم يرَ لغير الإسلام في فتح الحريات نظيراً ولا مثيلاً، وحتى هذا اليوم الذي يحب الغربيون أن يسموه بعصر الحرية.

فالإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين، بل وحتى لغير المسلمين من سائر البشر كامل الحرية في جميع المجالات المشروعة، ما دام لا يضر بحرية غيره.

وأول ما يبدأ الإسلام بتحرير الناس منه الفكر واختيار الدين، إذ أن الإسلام لا يجبر على دين معين أبداً ولو كانوا في بلاد الإسلام وتحت رعايته وحمايته.

والإسلام يعطي لكل فرد من المسلمين حرية الكسب والتجارة، حرية العمل والصناعة، حرية السفر والإقامة، حرية الخطابة والكتابة، الحرية في جميع الأمور.

في مكافحة الجرائم استعمل الإسلام أسلوباً لم تحلم به الدول كلها حتى الآن فهو يجعل ـ بقوانينه الراشدة ـ من الناس أمة طاهرة لا تأتي بجناية.

ولو نظرت إلى الدولة الإسلامية الكبيرة، منذ البعثة النبوية العظمى حتى قرنين من بدايتها، التي كانت شاسعة جداً، لرأيت التاريخ يسجل سرقات قليلة في هذه الدولة الواسعة، بينما ترى أميركا اليوم تستنجد العالم في كيفية مكافحة هذا الخطر المحدق لخلاصها من ستة ملايين لص، في ظرف خمسة وعشرين عاماً، فما النسبة؟ مائتان من السنوات، دولة كبيرة جداً، وسرقات قليلة جداً.

والضمان الاجتماعي في الإسلام صبابة الإنسانية في قمتها، ولذا فإن الإسلام حين ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا ا لضمان بما يوافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبالتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجل الحضارات بعد الإسلام، حتى اليوم ضماناً اجتماعياً، بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام.

إنه يقول: إن كل من يموت وعليه ديون، فعلى إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كله لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء.

وفي نصوص الشريعة الإسلامية، زخم كبير من ذلك، وهو إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الاجتماعي العظيم، حيث تكرر نقل ذلك عن نبي الإسلام (ص) وأئمة العترة الطاهرة (ع).

في مجال العلاقات الدولية، فقد وضع الإسلام قانوناً لشد الروابط الدبلوماسية، فجوّز الصداقة مع الدول الكافرة التي لم تؤذ المسلمين ونهى عنها مع الكفار الذين يؤذون المسلمين.

فالدول الكافرة التي أخرجت المسلمين من ديارهم، مثل إسرائيل، لا يجوز للمسلمين إيجاد العلاقات معها، وأما الدول الكافرة المحايدة، فلا بأس للمسلمين في أن يشيدوا معهم روابط، ويكوّنوا صداقات معهم، ويبروا ويحسنوا إليهم.

أما بالنسبة لسياسة الإسلام في السلم والحرب، فإن الإسلام هو الدين الذي يدعو إلى السلام صدقاً، ولم يكن الإسلام ـ يوماً ما ـ مثل هذه الدول الكاذبة التي تدعو إلى السلام وتجعل السلام شعارها، ثم إذا جاءت الحرب أفنت قنابلها عشرات الملايين، وتفتخر بأن في استطاعتها إبادة العالم في دقائق معدودة.

من سياسة الإسلام الإنسانية في الحروب، إنه لم يبدأ بحرب قط.. فالحروب والغزوات التي قامت في حياة الرسول العظيم (ص) كلها كانت دفاعية، فلم يكن الإسلام يوماً ما يذهب إلى الكفار ليشن عليهم الحرب جزافاً واعتباطاً، كما أنه لم يبدأ بحرب إلاّ بعد الصبح.

ولم يكن التدخل في الأمور السياسية وتعديل الأمة وتقويمها واجب العلماء وحسب، بل هو واجب الجميع، والجميع مسؤولون عنه غداً يوم القيامة.

فكل زيغ أو انحراف يحدث في الأمة الإسلامية، يجب على جميع المسلمين مكافحته وإصلاحه.

وبعد..

فقد تطرق سماحة السيد (دام ظله) في هذا الكتاب إلى الحكومة الإسلامية الأولى التي أقامها رسول الله (ص) في المدينة المنوّرة وسهر على رعايتها طيلة عشر سنوات من عمره الشريف، وكانت بحق مثالاً يُحتذى وقدوة صالحة في كل زمن ومكان للحكومات الرشيدة التي ينشدها الإنسان لإقامة مجتمع العدل والفضيلة.

ومثلها أقام وصيه أمير المؤمنين (ع) حكومته الرشيدة الأخرى على غرار تلك الحكومة المحمدية، والتي سارت على خطاها مسترشدة بهدي نبي الرحمة وسنته، وكان دستورها القرآن الكريم وسنة رسول الله (ص).

وبعدما ابتعد المسلمون عن نهج رسولهم وأئمة أهل البيت (ع) وتكاسلوا عن العمل، وفقدوا المسؤولية، وقعد كلٌّ في داره، صبت عليهم، ووقعوا فرائس صهيون والغرب والشرق وغيرهم.

ولكن المسلمون اليوم بدأوا اليقظة، ومعرفة ما يدور حولهم، فيرجى لمستقبلهم الخير الوافر، والعزة الشاملة بإذن الله تعالى.

فأساس التقدم والخير والعزة، هو الوعي الصحيح والإيمان الصادق، وقد ورد في الحديث الشريف: (العالم بزمانه لا تهجم عليه النوائب).

إحالات:

(1) نبذة عن الحياة العلمية للفقيه المحقق المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، إعداد مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر - بيروت.

(2) التقوى أولاً: محسن الحسيني، فجر الإسلام - إيران (1407هـ).

(3) الأخلاق النظرية: د. عبد الرحمن البدوي، وكالة المطبوعات - الكويت، ط2/1976م.

(4) ارتقاء القيم (دراسة نفسية): د. عبد اللطيف محمد خليفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت، العدد 160/1992م.

إرجاع وتأييد من الإمام الشيرازي الراحل (قده)

لآية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في أمر الفتوى والتقليد والتصدي لأمور المرجعية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين:

وبعد، فإن جناب آية الله الحاج السيد صادق الشيرازي (دامت تأييداته) بما لمست منه من بلوغ مرتبة راقية في الاجتهاد ومقام سام في التقوى والعدالة، وجدته أهلاً للفتيا والتقليد، والتصدي لما هو شأن الفقيه العادل، فيجوز تقليده والرجوع إليه في كل ما يشترط فيه من إذن المرجع العادل، وإني أوصيه بمزيد التقوى والاحتياط الذي هو سبيل النجاة في عامة الأحوال، كما أوصي إخواني المؤمنين بالالتفاف حوله والاستفادة منه في شتى المجالات، والله ولي التوفيق والتسديد، وهو المستعان.

                    محمد الشيرازي

                     الختم الشريف