المنهج الاقتصادي عند الإمام الشيرازي

ابراهيم محمد جواد

توطئة:

الاقتصاد عصب الحياة للمجتمعات والدول، ولئن كانت العمليات الاقتصادية تجري عفواً على غير منهاج ولا تخطيط في المجتمعات القديمة، فإن الدول الحديثة باتت تعتبر الاقتصاد من أهم الركائز التي تقوم عليها بنيانها؛ فلكل دولة منهاجها الاقتصادي وخططها التنموية التي يقوم على دراسات علمية دقيقة، تدأب على مراجعتها وتطويرها بين الحين والآخر.

ولقد كان الإسلام أسبق هذه الدول إلى رسم منهاجه الاقتصادي، الذي أقامه على أسس عامة وخطوط رئيسية، وترك تفصيلات هذا المنهج إلى التطور العلمي، والحاجات المتجددة للمجتمعات الإسلامية، وبذلك كان هذا المنهاج خالداً صالحاً لكل زمان ومكان.

ولئن لم يأخذ المنهج الاقتصادي الإسلامي أبعاده الكلية الكاملة خلال العصور المنصرمة، فذلك راجع إلى قصور الحكومات الإسلامية المتعاقبة، وانحرافها عن الإسلام الأصيل بشكل عام، وعن المنهج الاقتصادي النابع عنه بشكل خاص؛ جهلاً بدقائقه وأسراره، وميلاً مع شهوات حكام الجور، وتلبيةً لمصالح الملتفين حولهم، والمنتفعين من أنظمة حكمهم الجائرة المنحرفة.

وعندما قامت الدول الإسلامية الحديثة، وقعت في شباك العلمانية التي جعلتها فرائس بين فكي الاستعمار الغربي والشرقي، ولم ترس بعد على منهاج اقتصادي سليم بسبب التبعية للمستعمر الكافر، ولا زالت تتخبط بين الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية منها والاشتراكية، دون الوصول إلى بر السلامة والأمان والاستقرار.

ومع المحاولات المستمرة من المفكرين الإسلاميين للحفاظ على الإسلام، والعودة إلى النهل من منابعه الأولى، واستنطاق مناهجه الرائدة، وبروز بعض الدراسات الاقتصادية على ساحة المجتمع الإسلامي، أدلى الإمام الشيرازي(قده) بدلوه، وقدم دراسته للاقتصاد الإسلامي في عدد من الكتب أهمها:

- الاقتصاد (جزءان).

- طريق النجاة.

- الاقتصاد بين المشاكل والحلول.

- الفقه كتاب البيع (5 مجلدات).

- الفقه كتاب التجارة.

- الفقه كتاب المكاسب المحرمة (مجلدان).

وسنحاول في هذه الدراسة رسم صورة عن ملامح المنهج الاقتصادي الإسلامي الذي قدمه سماحة الإمام الشيرازي(قده) في هذه الكتب، وفي فصول متعددة من كتبه الأخرى.

مدخل:

يؤكد الإمام أن الاقتصاد له الدور الفعال في حياة الأفراد والأمم(1)، ويستشهد على ذلك بما أثر عن الأئمة(ع) في هذا المجال: (من لا معاش له لا معاد له)(2) و(الفقر سواد الوجه في الدارين)(3) و(كاد الفقر أن يكون كفراً) (4).

ويعتبر الإمام أن (الإسلام هو المبدأ الوحيد الذي تمكن من حل المشكلة الاقتصادية)(5). وما ذلك إلا لأنه المنهج الرباني الذي لا يحابي فئة على حساب فئة، ولا ينحاز لطبقة ضد طبقة؛ فهو منهج منزه عن الغرض والهوى، وعن النقص والقصور، وقد نصبه الله سبحانه لسعادة الناس – كل الناس – على حد سواء، ومن هنا فإن الركيزة الأولى للمنهج الاقتصادي عند الإمام، استمداد أصوله وأسسه العامة من الشرع الإسلامي، مثل كل المناهج الأخرى الأخلاقية والاجتماعية والسياسية، أما الركيزة الثانية فهي تكامله مع كل هذه المناهج الإسلامية، وارتباطه ارتباطاً تاماً معها، فهناك رباط متين لا يمكن فصمه بين الاقتصاد والأخلاق والاجتماع والسياسة والثقافة بحيث لا يمكن الفصل بين هذه المناهج المترابطة المتكاملة، أما الركيزة الثالثة والأخيرة فهي أن فروع وتفصيلات المنهج الاقتصادي متروكة للتطور العلمي والتقدم التكنولوجي عبر الزمان والمكان.

ويلاحظ أن الإمام(قده) لم يكتف ببث أفكاره الاقتصادية في الكتاب المخصص (الاقتصاد) المؤلف من جزأين، وإنما شغلت المسائل الاقتصادية والمالية حيزاً من معظم كتب الإمام، بحيث يندر أن تجد كتاباً يخلو من التعرض للقضايا المالية والمسائل الاقتصادية، وهذا إنما يدل على مدى اهتمامه بهذا الجانب من جوانب الإسلام، الذي يعتقد بضرورته للدولة الإسلامية، وعلاقته بزيادة الوعي الاجتماعي، وانعكاسه على استقرار المجتمع الإسلامي وأمنه، وقوة الدولة الإسلامية واستقلاليتها، بما يؤدي إليه من رفاهية واكتفاء ذاتي، وتقدم علمي وتكنولوجي، وبما يوفر من فرص إعداد آليات القوة ووسائلها.

عناصر المسألة الاقتصادية إجمالاً

يبني الإمام(قده) المسألة الاقتصادية برمتها على عناصر ثلاثة مادية وروحية وهي:

1- الطاقة البشرية (الإنسان): فكر، علم، عمل.

2- الطاقة الطبيعية (الكون): أرضه وسماؤه وما فيهما.

3- الطاقة الإيمانية (القيم الأخلاقية التي تربط بين الطاقتين المتقدمتين وتوجه الإنسان لاستخدام الطبيعة بالشكل الأمثل فيما ينفع الناس ويصلحهم، لا فيما يضرهم ويفسدهم).

العنصر الأول (الإنسان):

الإنسان واحد من مخلوقات الله سبحانه وتعالى، خلقه في أحسن تقويم، وفضله على جميع المخلوقات الأخرى، وخصه من بينها بالتكريم، فمنحه العقل وقوة التفكير، والقدرة على العمل الهادف، ولذلك اعتبره مكلفاً ومسؤولاً عن أعماله كلها، فندبه إلى العمل وكفل له مقابل ذلك الرزق، ودعاه إلى الطاعة وكفل له حرية الاختيار وجعل جزاءه من جنس عمله، وطلب منه التعاون مع بقية أفراد البشر (المجتمع) وفرض له تساوي الفرص، وكرامة العيش، ثم اعتبره وكيلاً عن الله تعالى فيما يقع تحت يده من مال عيني أو نقدي، وليس مالكاً له ملكاً حقيقياً، وأوجب عليه أن يتصرف فيه وفق إرادة الموكل كما بينها في الشريعة الإسلامية، لا وفق شهواته ونزواته، فعليه أن لا يأخذها إلا من حل، وأن لا يصرفها إلا في حل، وبالمقادير التي تبسطها الشريعة؛ فلا إسراف ولا تبذير ولا إفراط ولا تفريط.

العنصر الثاني (الطبيعة):

خلق الله سبحانه الإنسان وخلق له ومن أجله هذا الكون العريض:

- فالأرض وما على ظهرها، وما في باطنها، من الثمرات والخيرات والمعادن.

- والبحار والأنهار، وما فيها من الثروات المعدنية والحيوانية والمائية وسواها.

- والسماء وما تطويه من الكنوز المادية والعلمية، وما يسبح فيها من الكواكب والنجوم.

كل هذه الطاقات تحتاج إلى الكد والعمل والتفكير لتفجيرها والاستفادة منها بكل الطرق المباحة والوسائل المتاحة. وقد أباح الله للإنسان الانتفاع بكل ما في هذا الكون من طاقات ظاهرة وخفية، بادية وكامنة، قريبة وبعيدة.

يقول سماحته في هذا الصدد: (الرابطة بين الإنسان وبين نعم الله سبحانه التي خلقها في الكون، كالأرض والسماء والشمس والماء وغيرها، رابطة حقيقية عمومية وسيلية لكل الأجيال، مرحلية، ولا يصح أن تجعل وسيلة لاستثمار الإنسان للإنسان)(6).

ويقصد الإمام بكلمة حقيقية، نفي الاعتبارية عنها، وبكلمة عمومية أنها لعموم أفراد البشر مؤمنهم وكافرهم على حد سواء، وبكلمة وسيلية أنها وسيلة لاستفادة الإنسان ولم يجعلها هدفاً له ولا غاية في حد ذاتها – فالإنسان المسلم يملكها ولا تملكه، ويسخرها ولا تسخره، وأما أنها لكل الأجيال فلقوله تعالى (خلق لكم) مخاطباً الإنسان على استغراق النوع وعمومه حاضراً ومستقبلاً، فلا يجوز لجيل أو أجيال خاصة استنفاذ ما في الكون من معادن، فكما لا يحق للجيل أن يستهلك أكثر من حقه بالنسبة إلى الجيل المعاصر له، لا يحق له أن يستهلك أكثر من حقه بالنسبة إلى الأجيال الآتية، وأما أنها مرحلية، فلأن الإسلام ينظر إلى الدنيا على أنها مرحلة من مراحل الإنسان، فهناك مراحل سبقت هذا الوجود المادي الدنيوي للإنسان، وهناك مراحل أخرى ستأتي بعد هذه الحياة الدنيوية القصيرة، فهناك البرزخ فالمحشر فالجنة أو النار، وأما أنها لا تصح أن تجعل وسيلة لاستثمار الإنسان للإنسان الآخر، فلكي تبقى الفرص مفتوحة للجميع، يختار الإنسان منها ما يشاء، بحيث يكون لكل إنسان كامل الحرية في عمله واقتصادياته – إلا فيما استثناه الشرع أو حرمه أو قيده(7).

وعلى الدولة الإسلامية أن توفر للإنسان مقومات العمل المنتج من صحة وأمن وعلم وفن (مهارة) ومعنويات قوية ووسائل عينية كافية:

- فالإنسان المريض لا يتمكن من الإنتاج لكثرة غيابه عن مكان عمله، ولضعفه عن الإنتاج في حال حضوره.

- والإنسان الجاهل لا يعرف كيف ينتج.

- والإنسان في حالة الخوف لا ينتج حيث أن فكره مشغول فينصرف بدنه عن الإنتاج متابعةً لفكره فيما هو مشغول به من الخوف.

- والإنسان صاحب المعنويات المنهارة – ليأس ونحوه – لا يتمكن من الإنتاج؛ فالشعب الذي يقع تحت الاستعمار أو الاستثمار أو الإكراه وغير ذلك لا ينتج شيئاً يذكر، لأنه يرى نتيجة عمله تذهب إلى غيره، فلماذا يعمل هو ليربح غيره؟.

- وكذلك الفن (المهارة) فإنه من أسباب كثرة الإنتاج، والفن غير العلم، فهو التجربة للمعلوم، واكتساب الخبرة والمهارة في تطبيق العلم النظري.

- أما وسائل العيش فمن الواضح أن العامل الذي لا يملك المسكن والأسرة ووسائل الرفاه، ويشتكي من سوء التغذية – مثلاً – لا يقدر على العمل مثل العامل الذي يجد كل ذلك(8).

العنصر الثالث: القيم الخلقية:

والمقصود بها القيم النافعة النابعة من الإيمان بالأديان السماوية وخاتمها الإسلام، الجامع لكل الشرائع.

وهذه القيم الأخلاقية ضرورية جداً للربط بين الطاقات البشرية والطاقات الطبيعية، وتدفع الانسان للتصرف بطاقات الكون فيما ينفع الناس – كل الناس – معتقداً أن الطبيعة معه وله وليست ضده، فلا يخرب ولا يهدم، ولا يسبب الضرر لنفسه ولا لغيره من الناس، لا في جيله ولا في الأجيال المعاصرة له، ولا في الأجيال التالية، لأنه لا ضرر ولا ضرار في الإسلام، ولقول الله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (9).

وظيفة الاقتصاد

يلخص الإمام (قده) وظيفة الاقتصاد بالبنود الأربعة التالية:

1- أن تتفجر كل الطاقات البشرية والكونية، فلا تبقى طاقة معطلة.

2- أن تتحقق كل المشاريع فلا تبقى مشاريع أسيرة القهر أو العجز أو التخلف.

3- أن تسد كل الحاجات والضروريات الإنسانية، وأن يمحى الفقر والجوع والجهل والمرض من المجتمع.

4- أن يتحقق الرفاه للمجتمع، وأن لا يمكّن الغني من البطر بسبب غناه، ويحرم الفقير فرصته في العيش الكريم، وذلك بمنع الربا والغش والاحتكار والاستغلال والفسق..الخ.

ويعتبر سماحته أن الدولة هي المسؤولة عن تحقيق هذه البنود الأربعة بإحكام إشرافها على كافة العمليات الاقتصادية، لا بممارسة هذه العمليات بنفسها.

مفهوم الاقتصاد عند الإمام(قده)

قبل تعريف الاقتصاد، يمهّد الإمام الراحل (قده) لذلك بقوله: (العلاقات الخارجية لها أحكام تتبعها – أي تكون تلك العلاقات موضوعات لتلك الأحكام – ولها فلسفة تتقدمها – وهي مقدمة على الأحكام رتبة – وبهذا تكون لكل علاقة خارجية فلسفة تتقدم على حكمها وحكم يتأخر عنها، والعلاقات في الأنظمة السماوية والأنظمة الأرضية – على حد سواء – محدودة بحدود ومقيدة بقيود، حيث يباح أو يجب ما دخل في الحد، ويحرم أو يكره ما خرج عن الحد، وكل من يسلك أحد تلك الأنظمة يستدل لصحة مشيه بدليل)(10).

فالاقتصاد – كعلاقة خارجية – له:

1- خارج معاش هو الموضوع.

2- حكم هو المتعلق بالموضوع حرمة وحلية ووجوباً.

3- فلسفة تبرر أو تظهر الحكمة من حرمة أو حلية هذا القسم دون ذاك.

ثم يبين الإمام الراحل (قده) أن (المذهب الاقتصادي هو التخطيط العام لمبعثرات الأحكام، وعلى هذا، فالمذهب الاقتصادي هو جزء من علم الاقتصاد)(11).

بعد ذلك يعرف الإمام(قده) الاقتصاد بأنه (عبارة عن مجموعة الأنشطة العضلية والفكرية التي يقوم بها الإنسان لتأمين حاجاته المادية المتزايدة والمتجددة مع تعقد الحياة بسبب التقدم المادي في المجتمعات البشرية، وانتشار الحروب المدمرة التي تلتهم الطاقات البشرية وتدمر الطاقات الكونية، وظهور الكوارث والجائحات المفاجئة من زلازل وبراكين وأمراض سارية وسوى ذلك)(12).

والمقصود بالأنشطة الاقتصادية (الفكرية والعضلية) كل عمل يصدر من الإنسان بقصد رفع حاجاته المادية؛ فعمل الزارع، وعمل الصانع، وعمل التاجر والكاسب كلها أعمال اقتصادية، وهكذا كل عمل يصرف فيه الإنسان إما جهداً عضلياً أو فكرياً(13).

الملكية الفردية

يؤكد الإمام(قده) أن الإسلام (قد أقر الملكية الفردية، كما أقر إلى جانب ذلك الملكية الجماهيرية (ملكية المجتمع والدولة) والظاهر أن ملكية الإمام أيضاً صورة أخرى من صور الملكية الجماهيرية... وبهذا يفترق الإسلام عن كلا منهجي الرأسمالية والشيوعية، فإن الأول يجعل الملكية الفردية أصلاً والملكية الاجتماعية استثناء... والثاني يجعل الملكية الاجتماعية أصلاً والملكية الفردية استثناء، لكن الإسلام يجعل الأصل كلا الأمرين: الملكية الفردية في مكان، والملكية الاجتماعية في مكان آخر)(14).

(فإذا امتلك الفرد المال – عيناً أو نقداً – فعليه:

1- أن لا يكون امتلاكه أو تحصيله من طريق الحرام.

2- أن لا يصرفه في حرام.

3- أن لا يكنزه ضراراً ويمنع تداوله بين الناس.

4- أن يخرج منه حقوق الله كالخمس والزكاة، وحقوق الناس كنفقة الزوجة والأولاد وذوي الأرحام الذين تجب عليه نفقتهم.

5- أن لا يصرفه فيما يضر نفسه أو غيره.

6- أن لا يمنعه عن مصلحة عامة ضرورية مثل محاربة الكفار أو الدفاع عن دار الإسلام مثلاً، إذا توقفت هذه المصلحة على هذا المال إن عيناً فعيناً وإن كفاية فكفاية.

7- أن لا تعطل حاجة خاصة كوجود فقير لا يجد القوت أو اللباس أو الدواء أو المأوى أو سوى ذلك من الضروريات التي تحفظ النفس.

8- أن لا يكون تحصيله بأخذ الفرصة من يد الآخرين بالقوة.

9- أن لا يكون ملكية عامة (اجتماعية).

10- أن لا يكون تحصيله باستثمار الآخرين بالإكراه ونحوه (فالمال في قبال خمسة أشياء: العمل الفكري، والجسدي، والمواد الأولية، وشرائط الزمان والمكان وما أشبه، والعلاقات الاجتماعية، فكل مال خارج عن هذا النطاق فهو ملك الآخرين، ويجري في الزائد قانون من أين لك هذا).

11- أن يخلو التصرف فيه من الإسراف والتبذير.

12- لا يملك السفيه ولو مال نفسه لقوله تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً) (15).

13- أن لا يكون التصرف في المال تصرفاً في حق الآخرين، فلا يحق للموصي الوصية بأكثر من الثلث، لأن ما زاد عن الثلث فهو من حق الورثة.

14- أن لا يكون في امتلاكه أو التصرف فيه إيذاء الآخرين، كما في قصة سمرة بن جندب في نخلته التي كانت داخل بستان غيره. إلى غير ذلك من الموارد التي يمكن أن يطلع عليها المتتبع)(16).

الكسب المحرم

تعرض الإمام (قده) في مواضع كثيرة من بحوثه الفقهية (المالية والاقتصادية) إلى الكسب المحرم وطرقه المتعددة التي منها:

1- بيع وشراء الأعيان النجسة وامتلاكها ومنها المسكرات، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) (17).

وقال رسول الله (ص):(لعنت الخمرة على سبعة أوجه: شاربها وعاصرها ومعتصرها وبائعها وناظرها وحاملها والمحمول إليه). ويستثنى من ذلك كلب الصيد وما فيه منفعة عقلائية.

2- بيع وشراء ما لا ملكية له.

3- امتلاك وبيع وشراء الأشياء التي لا يستفاد منها إلا في الحرام عادة كآلات القمار والغناء، وآنية الخمرة، والمنتجات التي تستخدم في الفساد الخلقي والانحراف الجنسي وما إلى ذلك.

4- امتلاك وشراء وبيع المغصوب، لقوله(ص): (من اغتصب شبراً من أرض طوقه الله به يوم القيامة إلى سبع أرضين).

5- الامتلاك عن طريق الغش لقوله (ص): (من غش فليس منا) وفي رواية (من غش مسلماً في بيع أو شراء فليس منا، من غش أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه)(18)، وكذلك الحال في الامتلاك عن طريق الرشوة والغناء والبغاء والضرائب والمكوس وما إلى ذلك.

6- امتلاك وبيع وشراء المسروق، لقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم) (19).

7- الكسب عن طريق الربا، لقوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم) (20) وقوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) (21).

8- الكسب عن طريق البغاء بكافة أشكاله وسبله وأدواته(22). ولا جدال في أن الفطرة البشرية مجبولة على التقيد بالمحرمات والواجبات بل وراغبة في الإتيان بالمستحبات وتجنب المكروهات، لكن الإفساد الخارجي هو الذي يدفع بالإنسان لأن يبتعد عن الفطرة الطاهرة وينغمس في المحرمات(23).

الحقوق المالية (موارد بيت المال)

فرض الإسلام في المال حقوقاً خمسة تدفع للدولة الإسلامية:

1- زكاة الأموال.

2- الخمس.

ولا يؤخذان إلا من المسلم دون الكافر.

3- الجزية: وتؤخذ من الكافر المقيم في دار الإسلام، مقابل الزكاة والخمس المفروضين على المسلم.

4- الخراج (المقاسمة): تأخذه الدولة ممن استأجر منها الأرض المفتوحة عنوة، والخراج والمقاسمة شيء واحد، فإن قدّرت الدولة الإسلامية مقداراً خاصاً على المستأجر سمي خراجاً لأنه خرج من المستأجر إلى الدولة، وإن قدّرت الدولة نسبة خاصة من الأرباح كالثلث أو الربع أو سوى ذلك سميت مقاسمة، لأن الدولة والمستأجر يقتسمان الأرباح بنسبة محددة.

5- زكاة الفطرة: وهي واجبة، والظاهر أن تشريعها لأجل انعاش الفقراء في أيام العيد فحسب، وهي نوع من التعاطف مع الفقراء لتتراص القلوب بالمحبة كما تتراص الأبدان في الصلاة(24).

ولا شيء على المال سوى ذلك، إلا ما كان من صاحب المال هبة أو صدقة أو نذراً أو وقفاً أو عهداً أو شرطاً أو وصية أو إرثاً أو كفارة أو ما فرض على الجاني للمجني عليه قصاصاً أو دية، وغير ذلك، أما المكوس والأعشار والضرائب الأخرى فحرام كلها ولا يجوز للدولة الإسلامية أخذها من أصحاب الأموال.

مسألتا الإنتاج والتوزيع

اهتم الإمام الشيرازي (قده) بمسألتي الإنتاج والتوزيع اهتماماً كبيراً، فعقد للأولى فصولاً متتالية عن الإنتاج الزراعي والصناعي وعن العمليات التجارية والتبادلية وخص الاكتفاء الذاتي والاستقلال عن كل أشكال الاستعمار والاستغلال والتبعية الاقتصادية بعناية بالغة، واعتبر أن توزيع البضائع المنتجة والخدمات هو الهدف الحقيقي من موضوع الاقتصاد علماً أو مذهباً، وأوضح أن للتوزيع في الإسلام ميزانين:

ميزان الإنتاج - وسماه الإمام (قده) ميزان التوليد -، وميزان الاحتياج.

1- ميزان التوليد(الإنتاج): فإذا كان هناك طبيبان وقريتان في كل قرية مائة إنسان، فإنه لا يحق لأحد الطبيبين أن يستغل قرية ونصفاً بينما الطبيب الآخر له نصف القرية فقط، وكذلك بالنسبة إلى بزازين (خياطين) يولدان الأقمشة.

2- ميزان الاحتياج: فإذا كان هناك ألف طبيب وأهل البلاد عشرون مليوناً، كان اللازم أن يكون لكل مليون خمسون طبيباً، لا أن تكدس الأطباء في العاصمة، ومائة قرية لا يكون فيها طبيب واحد. وكذلك إذا كان هناك ألف طن من القمح كان اللازم أن يوزع على كل مليون خمسون طناً، لا أن العاصمة تتخم والقرية تحرم وليس معنى هذا أن تجبر الدولة الطبيب وتاجر القمح والبزاز، إذ الناس مسلطون على أموالهم وأنفسهم(25). بل اللازم أن تنظم الدولة الشؤون حسب موازين العدل والقسط ومراعاة مصالح المسلمين، وأن لا يكون هناك ضرر ولا عسر ولا حرج. فإذا كان الطبيب موظفاً من قبل الدولة، وكان القمح والبضاعة المولدة للدولة الإسلامية، فواضح كيف توزع الدولة الأطباء لئلا يكون طبيبان لألف ولا طبيب لألف آخر، وكيف يوزع القمح مثلاً حتى لا تتخم بطون وتحرم بطون.

وأما إذا لم يكن الطبيب للدولة ولا القمح لها، فالدولة تعمل أمرين:

الأول: أن تكمل النقص من عندها.

الثاني: أن تقمع الإجحاف وتمنعه، فإن تسلط الناس على أموالهم وأنفسهم مقيد بعدم الإجحاف.

هذا بالإضافة إلى أن روح الإيمان التي تغذيها الدولة في الناس توجههم إلى حيث المصلحة العامة وإلى حب الناس وخدمتهم.

إلى غير ذلك من السبل الكفيلة بعدالة التوزيع للبضائع والخدمات(26).

حضارة المادة تمحق بركة الاقتصاد

ولا بد أن نشير إلى ما أكد عليه الإمام (قده) من مسألة قلة البركة في الأعمار والأولاد والسلع، وأن السبب علمي قبل أن يكون غيبياً؛ فالحضارة إذا لم تكن ممزوجة بالإيمان فلا بد أن تنعدم البركة فيها، مما يرجع على الإنسان بأكبر الضرر كما هو الحال في حضارة اليوم، ولذا قال سبحانه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً) (27). وقال تعالى في قصة نوح(ع): (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (28).

وللإمام (قده) تفصيل طريف لهذا الموضوع يقول:

(أ) عدم البركة في العمر:

1- من جهة بطء إمكانية المرور في الشوارع بسبب كثرة وسائل النقل، فالطريق التي تستوعب السير فيها مقدار عشر دقائق تستوعب مقدار ساعة (يقصد أن الطريق التي توصلك إلى مقصدك خلال عشر دقائق لولا الازدحام تحتاج إلى ساعة للوصول بسبب الازدحام)، فإذا فرض الاحتياج إلى ساعتين كل يوم للرواح والرجوع في أربعين سنة عمل، كان معنى ذلك أنه قد نقص من عمرك مقدار عشر سنوات من العمل بفرض أن الإنسان يعمل ثماني ساعات في كل يوم؛ وذلك لأن الحضارة الحديثة لم تلاحظ الإنسان كمحور للحياة، بل لاحظت المادة محوراً، وبذلك لم تهتم لراحة الإنسان بجعل الطرق بحيث لا تستنفذ وقت الإنسان في الحركة إلى المقصد ذهاباً وإياباً.

2- من جهة صرف الوقت في التجملات الكاذبة الفارغة، سواء في صنعها أو في تحصيل المال لأجل شرائها، والوقت إذا صرف في الهامشيات لم يبق منه ما يصرف في المهمات.

3- من جهة ضعف الجسم الناشئ من الأطعمة والأشربة وتداول المحرمات وغيرها مما لا يلائم الإنسان، وضعف الجسم يوجب عدم إمكان الاستفادة منه في الأهداف الرفيعة.

4- من جهة توتر الأعصاب الناشئ من تراكم الهموم والمشكلات، والإنسان ذو الأعصاب المتوترة، لا يقدر على الإنتاج بمثل ما يتمكن وهو هادئ الأعصاب.

ب) وعدم البركة في الأولاد:

1- من جهة أن أرحام النساء قد ضعفت، وكذلك أصلاب الرجال، فلا الرجل يتمكن من دفق منجب، ولا الرحم يتمكن من حفظ الجنين، والذي تحفظه لا يكون بالصحة العقلية والنفسية والجسمية المطلوبة؛ وذلك بسبب كثرة الأمراض الحديثة والتوترات النفسية الموجودة التي رافقت حضارة المادة.

2- من جهة صعوبة تربية الأولاد تربية سليمة بسبب الأجواء المسمومة بالأفكار والآراء غير المستقيمة؛ ولذا نرى جملة من الناس يمنعون الحمل وآخرين يكتفون بطفل واحد أو طفلين على الأكثر فراراً من مشاكل التربية.

3- من جهة الموانع من الزواج كالغلاء أو من الإنجاب مطلقاً أو بالعدد الممكن، والنتيجة قلة الأولاد، والموجود منهم ليسوا جميعاً أصحاء الجسم والنفس والعقل، والصحيح منهم لا ينال التربية الحسنة، وكل ذلك معناه عدم البركة في الأولاد.

4- من جهة ضعف الروابط بين الأبناء والآباء بسبب التربية المنحرفة والاتجاهات الفاسدة، فالولد في غير الحضارة المادية فيه بركة وهو شديد الارتباط بوالديه وأسرته مما يشكل أسرة سعيدة منسجمة متعاونة، وليس الأمر كذلك في الحضارة المادية.

ج) وعدم البركة في الأموال:

1- من جهة غلاء الأسعار، فبينما كان كد العامل والفلاح يكفي لمعيشته بل ويدخر منه، نرى أن كد العامل والفلاح في الحال الحاضر لا يكفي لمعيشته فيكون مديوناً دائماً، بالإضافة إلى عدم تمكنه من الزواج أو من تزويج ولده، وعدم تأمين السكن المناسب، والغذاء المناسب الكافي، ولا يتمكن المريض من تأمين الدواء لعلاج نفسه أو أسرته، إلى غير ذلك مما يعرفه الجميع رغم أن أجرته اليوم تصل أحياناً إلى مائة ضعف أجرته في السابق.

2- من جهة عدم فائدة المأكولات والفواكه الفائدة المطلوبة من أمثالها في السابق، لأنها كانت في السابق طبيعية تمنحها الطبيعة الفوائد المرجوة منها للإنسان، بينما تنمو الفواكه والثمار والحبوب وغيرها في الحاضر بواسطة المواد الكيميائية الاصطناعية وغيرها من أنواع الأسمدة الحديثة.

إلى غير ذلك من أسباب سلب البركة في الأموال والمأكولات وغيرها)(29).

قانون العرض والطلب ومسألة تثبيت الأسعار

ولا يفوت الإمام (قده) أن يتعرض لقانون العرض والطلب ولمواقف الاقتصاديين من مسألة تثبيت الأسعار.

فقانون العرض والطلب قانون اقتصادي يفسر انخفاض وارتفاع الأسعار، وفحوى هذا القانون أنه إذا تساوى عرض المنتج مع الطلب عليها اعتدلت الأسعار، لكن هذا لا يتحقق على أرض الواقع دائماً، فيزيد العرض على الطلب مما يسبب انخفاض الأسعار بنسبة ازدياد العرض على الطلب، أو يزيد الطلب على العرض فيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بنسبة ازدياد الطلب على السلع المعروضة.

ولكل من الحالتين أسباب ومبررات، فالتاجر الذي يخفض أسعار سلعته عند انخفاض الطلب، فإنما يفعل ذلك منافسة لعارضي نفس السلعة تصريفاً لها حتى لا تكسد من جهة ولكي لا تقل السيولة النقدية لديه من جهة أخرى، وعندما يرفع أسعار سلعته عند إقبال الناس على الشراء، فالدافع له إلى ذلك مادي استغلالي، ولكن الاقتصاديين يبررون له هذا بدعوى أن السعر إذا بقي منخفضاً في حال قلة السلع المعروضة، يؤدي إلى حصول القادرين على أكثر مما يحتاجون إليه وحرمان الآخرين من الحصول على حاجتهم من هذه السلع. وهو تبرير غير صحيح دائماً، لأن التجار الماديين لا يفكرون بهذه الطريقة ولا يبالون بمصالح الناس وحاجياتهم، وإنما يهدفون فقط إلى زيادة ثرواتهم وتضخيم رأس مالهم؛ فالأغنياء – دون الفقراء – هم القادرون على الشراء في الحالتين.

إلا أن الأسعار إذا ارتفعت لا تلبث أن تأخذ بالانخفاض من جديد، وإذا انخفضت تعود إلى الارتفاع ثانية لتبقى في أغلب الأحيان حول السعر المعتدل، وذلك لأن العرض إذا تدنى وارتفع الطلب بادر المنتجون إلى زيادة إنتاجهم لنيل ثمن أكبر ورأسمال أكبر فيزيد العرض وبذلك يقل الطلب فتنخفض القيمة، وبالعكس إذا ارتفع العرض وتدنى الطلب كف المنتجون عن الإنتاج الزائد حتى يتجنبوا البيع بسعر أدنى – أي حفاظاً على السعر الأعلى – وهكذا تأخذ القيمة بالارتفاع من جديد.

وقد يتدخل عامل خارجي للإخلال بقانون العرض والطلب أو للحد من دقته، كما إذا اتفق التجار على عدم تخفيض السعر ولو كانت البضاعة كثيرة، أو إذا تدخلت الحكومة لمنع رفع السعر إذا زاد الطلب على البضاعة المعروضة، وهناك عوامل أخرى كثيرة تتحكم في قانون العرض والطلب لا مجال لتفصيلها هنا في هذه الدراسة. لكن الملاحظ أن البضائع والسلع لا يمكن منع زيادتها أو نقصانها عند الحاجة مهما كان التخطيط دقيقاً، وذلك لأسباب خارجة عن إرادة البشر كالجوائح والكوارث والتبدلات الاقتصادية. أما مسألة تثبيت الأسعار، تجاوزاً لقانون العرض والطلب، فللاقتصاديين ثلاث نظريات حول هذا الموضوع:

النظرية الأولى: تثبيت الأسعار لمدة طويلة:

ويتطلب تنفيذ هذه النظرية في حال زيادة البضائع وقلة الطلب عليها، اللجوء إلى أحد أمرين:

- حرق المحاصيل الزائدة أو إلقاؤها في البحر، حتى لا يزيد العرض على الطلب.

- اتخاذ طريقة تؤدي إلى سرعة دوران النقد، ويتم ذلك عادة عن طريق زيادة الاستهلاك بنسبة زيادة البضائع كي لا يختل ميزان العرض والطلب.

ويأخذ الإمام(قده) على هذه النظرية أن الإنتاج الزائد يرفع إجمالي الكلفة الإنتاجية للمنتج، وإحراقه إزهاق للنعم بعد إنتاجها، وحرمان للطبقات الفقيرة من فرصة سد حاجاتها الضرورية من هذه السلع، كما أن زيادة الاستهلاك عن الحاجة – الذي تشجع عليه الحضارات المادية – إسراف وتبذير وضرره أكبر من نفعه.

النظرية الثانية: زيادة الأسعار زيادة قليلة مضطردة باستمرار؛ لأن هذه الزيادة القليلة في الأسعار وبشكل مستمر توجب إنعاش السوق، فهي تشويق للمنتجين وإغراء لهم بإنتاج أكثر، هذا من طرف، ومن طرف آخر فإنها تؤدي إلى تحرك من لا عمل له وتوجهه إلى العمل، وكلا هذين الأمرين يوجب رفع الإنتاج من جهة، ويزيد من القوة الشرائية لدى المستهلكين.

النظرية الثالثة: تخفيض الأسعار قليلاً مما يوجب رفاه العمال والفلاحين والموظفين، وهم أكثرية الشعب، دون أن يلحق أي ضرر بالمنتجين، لأن تمكين هذه الفئات من الإقبال على الاستهلاك سيؤدي بالمقابل إلى زيادة الإنتاج وتخفيض الكلفة، وهكذا ينتعش السوق ولا يتضرر المنتج.

يعقّب الإمام (قده) بعد شرحه لهذه النظريات الثلاث بالقول: (وعلى الدولة الإسلامية أن تلاحظ من هذه النظريات الأوفق مع حال الأمة والأكثر انسجاماً مع القواعد العامة)(30).

البنك الإسلامي (اللاربوي)

ولن نختم هذه الدراسة قبل التعرض لأطروحة الإمام (قده) حول البنك الإسلامي، الذي اهتم به الإمام اهتماماً خاصاً باعتبار أن (البنك أفضل مؤسسة اقتصادية لقضاء الحوائج المالية للناس، إذا كان بنكاً مشروعاً إسلامياً، أي لم يكن فيه الربا لا عطاء ولا أخذاً، وكانت كل معاملاته من الحوالة والوكالة والكفالة وغيرها حسب القوانين الإسلامية المدونة في الفقه... وفي مثل هذه الحالة فالبنك أفضل مؤسسة مالية، ولا يوجب زيادة ثروة الأغنياء على حساب الأمة)(31).

إن البنك الإسلامي لا يختلف في وظائفه عن سائر البنوك، فهو أولاً مؤسسة تجارية تقوم بأعمال الاستثمار، فمن وظائف البنك توخي الربح للمساهمين والمشتركين على أن يكون وفق الأحكام الشرعية، أي إن البنك يسعى للربح من خلال الطرق المشروعة كالمضاربة والحوالة والكفالة وما أشبه. أما القروض فإن نظرة البنك الإسلامي إليها ليست نظرة استثمارية، فالبنك لا ينتظر الربح من القروض التي يمنحها للمحتاجين(32).

والبنك الإسلامي يساهم بتنمية الاقتصاد، وذلك بسبب اهتمامه الزائد بأمور البلاد الاقتصادية، فهو يعمل على تطوير الحياة الصناعية والزراعية بما يكفل الازدهار والتقدم للبلاد، وذلك إضافة إلى قيامه بأعمال تخصصية أخرى كالأمور التجارية والعقارية وما أشبه.

على أن أهم وظيفتين للبنك الإسلامي هما:

الأولى: أن يقرض الأموال للمستثمرين بدون ربا وأن يقترض من المدخرين بدون ربا كذلك.

الثانية: أن لا يجمد أموال المدخرين بل يدفع بها إلى أيدي المستثمرين الصالحين ذوي الخبرة والممارسة عن طريق ما يسمى في الفقه الإسلامي بـ (المضاربة). ويقتسم صاحب المال والبنك الأرباح الناجمة عن المضاربة.

فإذا أعطى أحد مالاً للبنك بقصد الاسترباح كان للبنك حصة إدارة المال وللمعطي حصة من الربح، وإذا أخذ أحد مالاً من البنك للاسترباح، كان للبنك حصة الربح وللآخذ حصة العمل، وبذلك تتوزع أرباح الأموال بين المدخر والمستثمر والبنك فلا يكون للبنك ثراء على حساب الناس، ولا يكون تكديس فاحش للمال يتصرف في الأسواق وفي السياسة، ويولد الطبقية غير المشروعة(33).

ويشير سماحته إلى أنه لا حاجة إلى تأميم البنوك الخاصة ولا ضرورة لتأسيس بنوك تابعة للدولة، وإنما يجب إطلاق حريات الناس في تأسيس البنوك مع إلزامها قانونياً بإبطال كافة المعاملات الربوية ووضع الضوابط العادلة لاقتسام الأرباح اقتساماً عادلاً بين صاحب المال (المدخر) وبين العامل في المضاربة (المستثمر) وبين إدارة البنك فيكون لكل نصيبه العادل(34).

ولا يخفى أن للبنك الإسلامي – كأي بنك آخر – وظائف أخرى كثيرة، مثل تسهيل إيداع الأموال وتحويلها وسحبها، ويتميز عن بقية البنوك بأنه يخصص باباً للقرض الحسن للمحتاجين من ذوي الدخل المحدود وفق تنظيمات مخصوصة، وربما يكون طريقاً صالحاً لإيصال تبرعات وصدقات المحسنين إلى الفقراء والمعوزين، إضافة إلى وظائف أخرى لا سبيل للتعرض إليها في هذه الدراسة العجلى(35).

رحم الله الإمام الشيرازي وجعل مثواه في أعلى عليين مع الشهداء والأولياء والصالحين. والحمد لله رب العالمين.

الهوامش:

(1) السياسة ج2 ص88.

(2) البحار ج69 ص31.

(3) نفس المصدر السابق.

(4) الوسائل ج11 ص293.

(5) السياسة ج2 ص90.

(6) موسوعة الفقه م 107- كتاب الاقتصاد ج1 ص132.

(7) موسوعة الفقه – م 107 – كتاب الاقتصاد ج1 ص132- 138.

(8) موسوعة الفقه م108 – كتاب الاقتصاد ج2 ص134-135.

(9) سورة البقرة: 195.

(10) موسوعة الفقه م107 – كتاب الاقتصاد ج1ص11.

(11) المصدر ج1 ص11 – 12.

(12) الاقتصاد بين المشاكل والحلول ص101 – 102.

(13) المصدر ص103- 105.

(14) موسوعة الفقه م107 – كتاب الاقتصاد ج1 ص284.

(15) سورة النساء: 5.

(16) موسوعة الفقه م107 – كتاب الاقتصاد ج1 ص298- 301.

(17) سورة المائدة: 90- 91.

(18) وسائل الشيعة ج2 ص210.

(19) سورة المائدة: 38.

(20) سورة البقرة: 276.

(21) سورة البقرة: 278- 279.

(22) المسائل الإسلامية ص454.

(23) الاقتصاد بين المشاكل والحلول ص205 وأنظر كتاب المكاسب ففيه تفصيل.

(24) موسوعة الفقه الإسلامي م108- كتاب الاقتصاد ج2 ص35-49.

(25) بحار الأنوار: ج2 ص272.

(26) موسوعة الفقه م108 – كتاب الاقتصاد ج2 ص102- 104.

(27) سورة طه: 124.

(28) سورة نوح:10.

(29) موسوعة الفقه الإسلامي م108 – كتاب الاقتصاد ج2 ص120-125.

(30) موسوعة الفقه م108 – كتاب الاقتصاد – ج2 ص208- 214.

(31) موسوعة الفقه م 108 – كتاب الاقتصاد ج2 ص233.

(32) الاقتصاد بين المشاكل والحلول ص41.

(33) الاقتصاد بين المشاكل والحلول ص46 – 47.

(34) موسوعة الفقه م108 – كتاب الاقتصاد ج2 ص235- 236.

(35) هناك تفاصيل أخرى كثيرة حول البنك الإسلامي اللاربوي في كتاب الاقتصاد، وكتاب الاقتصاد بين المشاكل والحلول، للإمام الشيرازي(قده).