حليف الدواة

معتوق المعتوق

على حين إغفاءة من النجوم التي طالما سامرت عينيه، على حين غفلة من صرير القلم الذي طالما قبّل أنامله، وسط هدأة الفجر الذي طالما عانق تهجداته الخاشعة، مع إطلالة هلال العيد، مع إشراقه رعيف الشمس، بجانب الدواة الباكية... مات حليف الداوة. فجأة ودون مقدمات، صمتت شفتاه وأغمضت عيناه وسكنت أنفاسه. فجأةً جف اليراع وذبل القرطاس وانكفأت الدواة وانداف الحبر لتسيل مع مسيله دموع على شفاه كانت تبتسم للعيد فصارت ابتسامتها بكاءً وفرحتها وجوماً وعيدها مأتماً.

نم قرير العين يا أبا محمد رضا، نم قرير العين وخذ معك إلى مثواك الأخير ظلامات السنين التى كنت شاهداً عليها. خذ معك ظلامة الإنسانية التي قتلها الشر واستولى على خناقها الشيطان، خذ معك ظلامة الأحرار في سجنهم الكبير، خذ معك ظلامة العراق الحزين، خذ معك ظلامة العالم والأمة، خذ معك ظلامة القلم الغريب.. خذ معك بسمة محبيك التي فارقتهم بفراقك، خذ معك من القبلات المهداة الى جبينك الساكن بعدد نبض القلوب التي عشقتك... عشقتك مرجعاً عملاقا، عشقتك ثائراً حرا، عشقتك مفكراً مبدعا، عشقتك قائداً فذاً، وعشقتك قلباً رحيماً وأباً عطوفاً.

ستبقى ذكراك – وإن رحلت – حيةً في الضمائر، حيةً في ذاكرة الزمن الذي كان يلهث وراءك، حيةً في أسماع الأحرار، حيةً في قلوب عاشقيك، حيةً في أسفار الفكر. ستبقى حياً في ألف مؤلف خطّتها يمناك، ستبقى حياً فالجذر الدفين ليس يميته التراب.

ستبقى حياً فالليل لا يحلك إلا ليزداد ألق النجوم..

ستبقى حياً فالموت لم يولد ليقترن بالعطاء، الموت لا يقوى على اطفاء شمعة تتفانى في طريق الهداية، الموت لن يسكت صرير القلم الذي لم يكلّ عن رسم نبراس الفكر النيّر. الموت لمثلك خلودٌ وولادة تضجُّ من حولها ابتسامة رسمتها أناملك، وتتألق في ذكراها ابتسامةٌ ما فارقت محيّاك، وتذوب على طيفها قلوبٌ أحبتك حتى الثمالة فظلت من بعدك ترتجف وهي تبكيك مع المحراب والمصلّى والسبحة والمنبر والقرطاس والقلم والدواة... يا حليف الداوة.