منتخبات مما ينشر في الصحف والمجلات من رؤى وأفكار تسهم في عملية تفعيل الوعي الإنساني

الوجه السلمي هو الوجه الحقيقي للإسلام

إن كلمة (إسلام) والتي تعني الاستسلام لإرادة الله، تنتسب للجذر نفسه الذي تنتسب إليه مفردة السلام، وعندما حمل النبي لأكرم(ص) كلام الله الموحى إليه في القرآن، إلى العرب في مطالع القرن السابع الميلادي، كان المقصد الرئيسي لدعوته إنهاء النزاعات والمذابح الجماعية، فالجزيرة العربية قبل النبي(ص) كانت غارقة في صراعات الغزو والثأر والانتقام، والنبي (ص) نفسه نجا من عدة محاولات لاغتياله، كما أن الجماعة الإسلامية الأولى نجت بالكاد من الإبادة التي كانت تخطط لها قبيلة قريش القوية آنذاك بمكة، وقد اضطر النبي(ص) لخوض الحروب من أجل الدفاع عن الرسالة، لكنه ما أن شعر بالأمان النسبي حتى أقبل على بناء تحالف مع القبائل المتصالحة بعد صراع، واستطاع بعبقريته وشجاعته إقامة مجتمع السلم والأمن في سائر أنحاء الجزيرة التي كانت الحروب قد مزقتها لقرون.

ومن الطبيعي، ما دام القرآن قد أنزل في سياقات النزاعات ومناسباتها، أن يتضمن آيات تتعامل مع وقائع النزاعات المسلحة، فالحرب كانت صناعة اليأس والبؤس في الجزيرة العربية، وكان المنتظر من شيوخ القبائل وفرسانها أن لا يتركوا حياً من بين خصومهم إذا انتصروا، ويبدو بحسب الظاهر أن بعض نصوص القرآن توحي بذلك أيضاً، ففي بعض التوجيهات القرآنية أمر بقتل الأعداء، (فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم) (النساء:89)، ويعمد المتطرفون مثل أسامة بن لادن إلى الاستشهاد بآيات كهذه، لكنهم يفعلون ذلك بطريقة انتقائية، فهم لا يضعون في اعتبارهم الدعوة الملحاحة من جانب القرآن للسلام والتصالح، كما تشير إليه خاتمة الآية: (فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا) (النساء:90)، وعلى ذلك فالحرب الوحيدة المشروعة في القرآن هي الحرب الدفاعية.

لا يحب الإسلام الحرب ولا يدعو إليها، والجهاد ليس أحد أركانه أو ممارساته المفضلة، والمعنى الأول للجهاد ليس (الحرب المقدسة) بل الكفاح وبذل الجهد، الجهد المطلوب من أجل تحقيق إرادة الله في كل جوانب الحياة الشخصية والاجتماعية والسياسية، وهناك حديث مهم ومشهور مروي عن النبي(ص) يعلّم فيه أصحابه بعد عودته من إحدى المعارك، يقول فيه (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، جهاد النفس)، فالجهاد الأكثر إلحاحاً هو ذلك الذي يكافح الشر في الحياة الاجتماعية، وفي نفوس الأفراد، وما فرض الإسلام نفسه بالسيف، ففي آية واضحة وصريحة يقرر القرآن أنه (لا إكراه في الدين) (2- 256)، والمسلمون مأمورون دائماً باحترام اليهود والمسيحيين باعتبارهم من أهل الكتاب، ويعبدون الإله نفسه (العنكبوت:46)، وفي إحدى خطبه الأخيرة، يستشهد النبي(ص) بالآية القائلة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، أي لكي يعرف بعضكم بعضاً (الحجرات: 13)، وليس لغزو بعضهم بعضاً.

لكن خلال القرن العشرين، ظهر تيار سُمي بالأصولية في كل الأديان المعروفة، وكان ذلك احتجاجاً ورد فعل على الحداثة وتحدياتها، فالأصوليون المسلمون واليهود والمسيحيون الذين درستهم مقتنعون بأن المجتمع الليبرالي والعلماني عازم على إزالة الأديان، ولذلك فهم مقتنعون أيضاً بأن عليهم أن يخوضوا معركة بقاء ووجود، يتجاوزون خلالها – من دون أن يشعروا – المبادئ التي تنص عليها أديانهم التي يحاولون الحفاظ عليها، بيد أنهم وهم يسعون لتطبيق تفسيرات متطرفة لنصوص معينة موجودة في كل الأديان إنما ينتهكون التقاليد من طريق تشويه معالمها، وإعادة تأويلها لتوافق أغراضهم.

وسيكون على المسلمين الذين هالتهم أحداث 11 أيلول أن يستعيدوا دينهم من أولئك الذين اختطفوه وأساءوا إليه.

كارين أرمسترونج: المستقبل –7 تشرين الأول 2001م

الكراهية والغضب على الطريقة الأمريكية!

سأل المعلق الشهير بالتليفزيون الأمريكي – منذ أيام – طفلة عربية محجبة عن المستقبل.. فردت وهي تبكي (أنا مقتنعة بحجابي وزيي، لكن زملائي بالمدرسة يضربونني)!!.

وعندما سأل المقدم نفسه طفلاً مصرياً أمريكياً عن أمنيته قال: (أن أكون طياراً)، وحين توجه مقدم البرنامج لأحد المسؤولين الأمريكيين يسأله: (أتظن من الممكن تحقيق أمنية ذلك الطفل؟) رد المسؤول بحسم (لا أظن)!!.

إذا دققنا ملياً في وقائع الحياة الأميركية بعد أحداث 11 أيلول - سبتمبر، لأمكننا أن نتصور بسهولة ملامح مستقبل الجاليات العربية والإسلامية في العالم الجديد: أمريكا!.

وقد سجلت حوادث الكراهية رقماً يزيد على الثمانمائة حادثة خلال أسبوع، بما فيها مكالمات هاتفية مسجلة ورسائل تهديد وتحطيم وتشويه مساجد وكلمات نابية على واجهات المحال المتخصصة في بيع البضائع العربية أو الإسلامية أو اللحوم المذبوحة حسب الشريعة الإسلامية أو حتى المطاعم الشهيرة بالمأكولات العربية (اللبنانية خاصة)، ووصل الأمر إلى حد تحطيم محل للطعام الصيني الحلال (الإسلامي) في مونتري بارك بلوس أنجلوس مما اضطر كثيرين من أصحاب هذه المحال إلى تغيير لافتاتها إلى أسماء ترتبط بأماكن في الولاية أو لاسم أمريكي صميم أو لاسم أيرلندي أو حتى (يوناني) وخاصة محال المأكولات العربية.

الأغرب أن الأمر بلغ حد محاولة البعض تغيير اسمه الشخصي خاصة لو كان اسماً إسلامياً أو عربياً خالصاً – مثل محمد وأحمد ومصطفى – إلا أن هؤلاء عليهم الانتظار بعد ذلك للحصول على قرار من المحكمة بتغيير أسمائهم مما أصاب البعض منهم بالقلق حول ما إذا كان سيتم قبول طلباتهم أم لا، والبعض الآخر ذكر أنه بصدد تغيير أسماء أبنائه حتى لا يلحقهم الأذى، وينوي هؤلاء البعض نقل أبنائهم إلى مدرسة أخرى سيضطرون لتكبد مصاريفها ونفقاتها (لأنها مدرسة خاصة) وهم في الوقت نفسه لا يعلمون ما إذا كانوا سيقبلون في هذه المدارس أم سيرفضون!

وإذا كانت معظم المراكز الإسلامية قد شددت عليها الحراسة الأمنية فإن من الصعب وضع حراسة على كل مواطن من أصل عربي لحمايته من حوادث الكراهية هذه خاصة إذا اضطرته ظروف الحياة للاحتكاك مع مجتمع من نوعية المجتمعات الأمريكية غير المثقفة التي عادة ما تكون لديها مشاعر من عدم الود ضد هؤلاء فما بالك بتلك المشاعر بعد يوم 11 سبتمبر!.

ولعل أبرز ما يمكن رصده هنا من نتائج سلبية لحادثة الثلاثاء هو:

- إحجام الشركات وأصحاب الأعمال عن تشغيل من ينتمون إلى أصول عربية أو إسلامية.

- تغير طبيعة بعض الوظائف التي كانت تعتمد على كفاءة وأمانة العربي، ومنها على سبيل المثال أعمال الأمن والحراسة، فتم الاستغناء عن كثير منهم.

- ومحاولات تغيير الهوية سواء بتغيير الاسم أو اللقب.

- ابتعاد كثير من المسلمين عن دور العبادة خوفاً من التعرض للمراقبة أو للتحرش العرقي.

حنان البدوي: روز اليوسف، العدد 3826

لماذا يهاجم الغرب الحجاب؟!!

ربما يمكن القول أن حملة الكراهية ضد كل ما هو عربي أو مسلم والتي انفجرت في الولايات المتحدة ودول أخرى هي أبرز ما أسفرت عنه هجمات ثلاثاء الشهيرة، وقبل أن يستقر غبار أنقاض مركز التجارة العالمي على الأرض بعد الانفجار انطلقت المشاعر الصاخبة والتي كان من الصعب أن تظهر في غير هذه الظروف.

(الحجاب) كان من أبرز الرموز التي بدأ الغربيون في مهاجمتها بضراوة باعتبار أنه رمز واضح وصريح لكل ما يمثله الإسلام، وباعتبار أنه أبرز ما يميز المسلمات في الغرب، خاصة أنه - بعيداً عن العداء للدين ذاته - كان يمثل للأمريكيين والأوروبيين عنوان الثقافة الأخرى والغريبة والوافدة، وكان رمزاً متحركاً أمام الجميع عن عدم ذوبان هؤلاء الآخرين في ثقافة مجتمعاتهم الجديدة التي حملوا جنسيتها في أغلب الأحوال.

وتبدو الأزمة واضحة في المجتمعات الغربية العلمانية التي كان موقفها من (الحجاب) بشكل عام شديد التناقض، ويبرز هذا التناقض واضحاً في موقف اتحاد الحريات المدنية الأمريكية الذي يتغير موقفه عن الثوابت التي قام عليها، ويعتبر نشطاؤه أن ما يحدث هو شر لا بد منه، أو كما تقول: (راشيل كينج) المستشارة القانونية للاتحاد في واشنطن أن ما تغير فعلاً هو أن لدينا 19 شخصاً من عرق واحد قاموا بفعلة شنعاء، وهو ما أدى لكل التطورات في المجتمع!

وقصة (المحجبات) مع المضايقة في العالم الغربي طويلة خاصة أن المسلمات اللاتي يرتدين الحجاب في العالم الغربي يصبحن مميزات، وهو الأمر الذي كان وما زال يستلفت الانتباه في مثل هذه المجتمعات، ولذلك كانت معظم المحجبات يتعرضن لنقاشات مطولة من غرباء عن تفاصيل واجباتهن الدينية، وسبب ارتدائهن لهذا الزي (الغريب) وعن رؤيتهن لأتباع الديانات الأخرى، وبعد أحداث التفجيرات الأخيرة تطورت المضايقات لبعض حالات الإيذاء والجذب ومحاولة إجبار البعض على خلع الحجاب بالقوة، وهو الأمر الذي دعا بعض المراكز الإسلامية في الولايات المتحدة لنشر نصائح للفتيات المسلمات بعدم ارتداء الحجاب في هذه الفترة المشتعلة، وخاصة أن الأصل فيه هو منع الضرر وليس جلبه.

فكل من ترتدي (حجاباً) أيا كان نوعه وتوصيفه هي في عرف (الآخر) ذات الثقافة المغايرة والتي يجب النظر إليها بحيطة وحذر، فعلى سبيل المثال تعتبر قضية (الحجاب) من القضايا المشتعلة في فرنسا التي توجد بها أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ويعتبر الموقف الفرنسي محيراً خاصة أنها دولة قد ارتبطت بالعقلانية والتحرر منذ ثورتها الشهيرة، ولكن موقفها من الحجاب يعتبر هو الأكثر تشدداً من باقي الدول الأوروبية.

ويبدو الموقف الفرنسي أكثر تعصباً مقارنة بدول أخرى أوروبية مثل ألمانيا التي توجد بها جالية تركية مسلمة ضخمة ولا يعتبر ارتداء الحجاب في المدارس فيها علامة استفزاز خاصة أن القانون الألماني يضمن حرية الأديان ولا يوجد به نص قانوني يؤكد على العلامات الفارقة والظواهر المميزة لكل انتماء ديني، كما أن مسألة الفصل بين الكنيسة والدولة أقل مما هي عليه في فرنسا.

أما إنكلترا فيبدو موقفها هو الآخر مرتبكاً إزاء هذه القضية، ففي البداية لا توجد أية قوانين تنص على منع ارتداء الحجاب في المدارس، حيث أن الحرية مضمونة، بل أكثر من ذلك، فإن بعض المدارس تخصص زاوية معينة لممارسة الطلاب والطالبات المسلمين لصلاتهم، والأكثر من ذلك أن إدارة شرطة العاصمة لندن أصدرت في بداية هذا العام قراراً بالاعتراف بغطاء الرأس الإسلامي كزي اختياري للنساء المسلمات العاملات في دوائر الشرطة،

ولكن الغريب أنه بعد ظهور قانون مكافحة الإرهاب الإنجليزي بدأ البريطانيون ينظرون للنساء المحجبات نظرات ملؤها الشك والريبة وتصاعدت هذه النظرة بشكل كبير بعد الأحداث الأخيرة.

وفي النمسا أخذت القضية أبعاداً درامية بعد ازدياد عدد المحجبات في الجامعات والمدارس، وازدادت الأمور تعقيداً نتيجة شعور النمساويين بأن الحجاب شيء دخيل على حضارتهم وثقافتهم وتطور الإحساس بالرفض إلى حالة من العداء تجاه أية امرأة محجبة، ووصل الأمر إلى حد الهواجس المقلقة في المدارس الابتدائية، كما جاء في تحقيق نشرته جريدة (نيويورك تايمز) على لسان أحد النمساويين الذي قال إن الأمر تعدى الحدود ووصل إلى أن أبناءه يضطرون للاحتفال بالعيد بعد نهاية شهر رمضان!

وفي المدارس يبدو الأمر واضحاً تماماً برفض مجتمع المدرسة، وكذلك المعلمين، وجود أية فتيات يرتدين الحجاب أو حتى وجود مسلمين أصلاً!

وعلى الرغم من حالة العداء التي خلفتها الظروف الراهنة يظل الاستغراب وعدم الفهم هو العامل المسيطر على الأوروبيين من ظاهرة (الحجاب) وهو الأمر الذي دعا أحدهم للقول: نستطيع أن نقبل وجود الحجاب في المجتمع بشكل طبيعي إذا تم التعامل معه مثل القبعة التي يجب خلعها عند الدخول لأي مكان!.

إيهاب الزلاقي: روز اليوسف - العدد 3826

رعب التمييز العرقي

أظهر استطلاع للرأي أجرته (مؤسسة غالوب) لحساب محطة (سي. إن. إن. ) الأخبارية ومجلة (يو. إس. توداي. )، أن 58% من الأمريكيين يحبذون إخضاع المسلمين والعرب، بمن فيهم الذين يحملون الجنسية الأمريكية، لـ(إجراءات أمنية خاصة وأكثر تشدداً قبل ركوب الطائرات في الولايات المتحدة)، وقال 49% من الذين استُطلعت آراؤهم أن الأمريكيين المسلمين والعرب يجب أن يحملوا بطاقات هوية خاصة تميّزهم عن سائر المواطنين.

ما أن انجلى غبار الهجمات الإرهابية، وحامت الشكوك حول 19 رجلاً من أصول إسلامية وعربية، حتى بدأ (مكتب التحقيقات الفيدرالي) (إف. بي. آي)، المسؤول عن الأمن الداخلي في الولايات المتحدة، بملاحقة المسلمين والعرب المقيمين في البلاد، وقد شكا كثيرون من هؤلاء من سوء المعاملة أثناء التحقيق وأنهم تعرّضوا للشبهة بسبب لون بشرتهم الداكن، وقد تعرضت مساجد ومؤسسات إسلامية وعربية لاعتداءات، ولم ينج السيخ والهندوس من المعمعة بسبب لباسهم وسيماهم التي تذكّر بالمسلمين والعرب، ومع أن الاعتداءات على المسلمين والعرب لا يمكن حصرها بمنفذين معينين، يُعتقد أن الحركات اليمينية المتطرفة، ذات الميول العنصرية إزاء كل من ليس مسيحياً أبيض، هي العنصر الأساس في الاعتداءات، ولم يتورع بعض قباطنة الخطوط الجوية عن منع أمريكيين من أصول إسلامية وعربية من ركوب الطائرات لا لسبب سوى أن أسماءهم إسلامية وعربية، بل إن شركات الطيران، بعدما قرّرت طرد عدد من موظفيها بسبب الخسائر المادية الفادحة التي عانتها جراء الهجمات الإرهابية، وضعت موظفيها المسلمين والعرب في رأس لائحة المرشحين لخسارة وظائفهم، ويتّهم المسلمون والعرب في الولايات المتحدة وسائل الإعلام الأمريكية، لا سيما شبكة (سي. إن. إن. ) الكبيرة التأثير، بالتحيز ضدهم في تغطيتها لتداعيات الهجمات الإرهابية، يذكر أن عدداً من وسائل الإعلام الأمريكية لم تتردد في اعتبار السياسة الأمريكية الخارجية سبباً رئيسياً في تحوّل الولايات المتحدة هدفاً للإرهاب.

النقاد: العدد77

أفلام الحرب في هوليوود أغلبها كان توصيفاً يتغنى ببطولات وأمجاد الجيش الأمريكي

كان فيلم الحرب سلاحاً أيديولوجياً في ماكينة الدعاية، التي صورت بطولات الجندي الأمريكي وتضحياته دفاعاً عن العالم الحر وقيم الديمقراطية وكان فيلم (أطول يوم في التاريخ) للأمريكي (داريل زانوك) أحد أبرز الأفلام التي كرست لبطولات الجندي الأمريكي الذي لا يقهر في الحرب العالمية الثانية، وصنعت من فيلم الحرب – بعناصر الميلودراما - ملحمة أسطورية استبدلت بها صناعة السينما في هوليوود حكايات الأفلام الدينية التوراتية، كما في أفلام (بن هور) و(الوصايا العشر).

غير أن هوليوود لم تقدم عبر أفلام الحرب قراءة موضوعية للوقائع التاريخية ولم تدَّع يوماً بان ذلك كان قصدها – فهذا من عمل الكتاب المحققين والمؤرخين ولذلك لا يمكن هنا محاكمتها – بل قدمت أفلاماً استفادت من تلك الوقائع والأحداث لكي تحكي حكايات عن المعارك الحربية، وتتوصل من خلال عنصري الميلودراما MELODRAMA والاستعراض SHOW إلى فبركة بضاعة هوليوودية يمكن ترويجها بسهولة في أنحاء العالم.

تلك هي البضاعة التي أغرقت بها هوليوود أسواق العالم، التي كانت متلهفة على تلقم تلك الأفلام الأمريكية وبخاصة في أوروبا، نتيجة انغلاقها لفترة طويلة، كما في فرنسا تحت الاحتلال النازي، ولكن بمجرد تحرير باريس على يد القوات الأمريكية صارت أفلام الحرب الأمريكية تعرض في كل مكان، ويمكن أن نتخيل حجم الأسطورة التي شكلتها هذه الأفلام في أذهان الجمهور من المتفرجين في أوروبا والعالم، إذا عرفنا أن الإدارات الأمريكية السياسية المتعاقبة بعد انتصار الحلفاء كانت تدعم صناعة الفيلم الأمريكي بشتى الطرق القانونية لتفرد له السيطرة، على اعتبار أن الفيلم الأمريكي يروج عند عرضه لبضائع أمريكية حتى تلك التي بقيمة مائة دولار، ويشجع الإقبال على شرائها.

لذلك صارت أفلام الحرب سفيراً لأمريكا وأسلوب الحياة على الطريقة الأمريكية في العالم، واعتبر أحد المنتجين أن أحد أفلامه التي طبعت منها مائة وعشرون نسخة لتوزيعها في فرنسا بمثابة 120 سفيراً لأمريكا في البلاد.

لكن ظلت أفلام الحرب الأمريكية وطوال تلك الفترة، تكتفي بتصوير وتوصيف الحرب، وتدور حولها وتحكي عنها، ولم تقدم تلك الأفلام تجربة الحرب والرعب الحقيقي الذي يكتنفها، فلم تكن الحرب في تلك الأفلام إلا ديكوراً من صنع هوليوود، ولم يكن الدم الذي يجري في أفلامها سوى صبغة حمراء استبدلت بها هوليوود لون الموت الفظيع، ودمار الحرب ودوي الألم الطويل في خنادق القتال وجرح الحرب الذي يدمي في تاريخ الإنسانية.

صلاح هاشم: المجلة العدد 1130

المكارثية تدق أبواب المسلمين في أميركا

كل مسلم هو متهم حتى يثبت فعلاً أنه متهم، قيل إن الثلاثاء الأسود في نيويورك وواشنطن أدى إلى تغيير كل شيء، بطبيعة الحال، يفترض أن يتبدل القانون، حتى أن الباحث السوسيولوجي (روبرت والترز) يتحدث عن (السقوط الفلسفي)، ألم يسبقه بول كينيدي في الكلام عن انهيار الحضارة الغربية؟..

والترز يلاحظ أن المؤسسة قالت بـ(موت التاريخ)، على يد الياباني الأصل (فرنسيس فوكوياما)، فقط لكي لا يكون هناك شاهد، فالعقل في أمريكا هو عقل الأدغال وحين يحكي عن (حوار الحضارات) يضحك الأمريكيون وهم يقولون (نحن المثال، أنظروا كيف أن في بلادنا تُطهى كل الحضارات في طنجرة واحدة، والنتيجة، حضارة واحدة، هي الحضارة الأمريكية).

أحدهم كتب في (اللوموند) عن الأيديولوجيا الأمريكية التي يبدو أنها مستوحاة من نظرية الفيلسوف الإنكليزي (توماس هوبز 1588- 1679) التي تقول بأن (الجميع ذئاب الجميع)، إذاً، هل حقاً أنه في أساس البنية العقائدية للولايات المتحدة لا بد أن تكون هناك ضحية ما، كما القربان الذي كان يقدم للآلهة، من أجل أن تبقى أمريكا؟!.

إن مايلر هو الذي يعتبر أن الولايات المتحدة التي تمثل النموذج المثالي للدولة التي تفتح ذراعيها للآخر، قد تحطم هذا الآخر بذراعيها أيضاً، فالسلطة حين تكون جافة إلى هذا الحد يمكن أن تتحول إلى الداخل: المؤسسة صنعت حملة المناجل في أمريكا اللاتينية، وحولت الهند الصينية وشبه الجزيرة الكورية إلى مقبرة جماعية، كما أنها ألقت القنبلة الذرية على هيروشيما وناكازاكي.

ثمة جماعات يقال إن اللوبي اليهودي يعمل على تغذيتها تتولى تسويق معلومات مصنعة ومشبوهة عن الإسلام، تظهره ديانة البرابرة بما تعنيه الكلمة، إنها تلتقط صوراً للأفغان، ثم تقول: هذا ما فعله الإسلام في البشر، وإذ يتكاثر المسلمون بصورة مالتوسية، كما تقول تلك الجماعات، فلا بد من تحطيم الهمجية في عقر دارها، لا بل إن الحاخام اليهودي (ديفيد هانيمان) لا يتردد في القول إن (حزب الله) اللبناني والمنظمات الأصولية الإسلامية الأخرى إنما تريد (إرغام الله على التخلي عنا)، تصوروا أن يصل النفاق إلى هذا المستوى وأن يصدق الأمريكيون..

والطريف أنه عندما عمدت بعض وسائل الإعلام في الغرب إلى الحديث عن الإسلام، تحدثت عن (أصدقاء) في العالم الإسلامي، فيما كتب القليلون جداً عن الإنسان في الدين الإسلامي، وحيث التسامح والرحمة يشكلان العصب الأيديولوجي للإسلام، كل الأمور صورت هكذا:

هؤلاء الذين يقتلوننا، وبالطبع هؤلاء الذين يريدون تحطيم الاقتصاد الأمريكي من أجل إزالة أمريكا، لا بل إن أحدهم ظهر على شاشة تلفزيونية، وهو باحث في التاريخ ويدعى (هنري ماكلنتون)، دعا المسلمين في الولايات المتحدة، إذا كانوا جادين في الوقوف ضد الإرهاب، إلى اعتناق المسيحية أو اليهودية، فمثل هذه الخطوة تقودهم إلى الخلاص في الدنيا والآخرة!!.

كل الوسائل استخدمت للتشهير بالإسلام، ولقد قرأنا كيف نوصف بأننا (أحفاد ألف ليلة وليلة)، فالثروات تبدد على الملذات لا على بناء المجتمعات، وها كلنتون نفسه يقول بالفظاظة إياها إن مستوى الحرية الذي تتمتع به الأبقار في الولايات المتحدة قد يفوق مستوى الحرية (المعطى) في مجتمعات إسلامية عدة، والمشكلة في أنه يعتبر أن جوهر العقيدة يقوم على المجون والبطش، مع أنه ادعى على شاشة التلفزيون أنه ذهب بعيداً في تحليل النص القرآني وفهمه!!.

شبكة الانترنت استخدمت (على أفضل وجه) للترويج لتلك الأفكار، سخرية من (الإسراء والمعراج)، ودعوة إلى (مطرقة الله)، أي (شارل مارتل) الذي هزم المسلمين في فرنسا من أجل الخروج من القبر ودحر البرابرة ثانية، فأسامة بن لادن موجود تحت ثياب كل مسلم ولا بد أن يخرج في اللحظة المناسبة - بحسب زعمهم -.

المحرر العربي: العدد 316

الأميركيون.. غاضبون.. خائفون..

قال: (ايجل بيرجر) وزير الخارجية السابق، في حديث تلفزيوني هنا في أمريكا، (لا مفر من أن نقتل بعض الذين لم يعلنوا الحرب علينا، بالإضافة إلى الذين أعلنوا الحرب علينا) وهناك جانب آخر خطير لهذا الغضب الأميركي، وهو الاعتقاد أن اميركا دائماً على حق، وإن غيرها، دائماً، على خطأ، ذلك جزء من التراث الديني والحضاري القائم على الاعتقاد بأن مجرد تأسيس أميركا شيء عظيم.

وفي هذا قال الصحافي (رتش لاوري): (يجب أن لا نعلن الحرب فقط، لكن يجب أن نعلنها على أسس أخلاقية، نحن لا نحارب حباً في الحرب والقتل بل لنشر الفضيلة في العالم، ونحن لا نغضب لأن الأذى أصابنا بل لأنه أذى الجاهلين والضالين).

مثل هذا الغضب في التلفزيونات والصحف والإذاعات يصور المزاج الحقيقي للأميركيين هذه الأيام، وطبعاً، ينعكس على السياسة الحكومية.

هذا التركيز على الجانب الأخلاقي كان من أسباب الإحراج الذي أصاب جنرالات الجيش الأميركي وهم يحاولون إطلاق اسم على الحرب:

في البداية أطلقوا اسم (البحث الأبدي) عن الإرهابيين، لكنهم وجدوا أن ذلك يعني أن البحث ربما يستمر إلى الأبد من دون فائدة، فقرروا إلغاء الاسم.

ثم أعلنوا اسم (الصقر النبيل)، لكنهم وجدوا أن كلمة نبيل ربما معناها أن الآخرين أقل قيمة ومكانة، فقرروا إلغاء الاسم.

ثم أعلنوا اسم (العدالة الأبدية) وهذا أثار غضب المسلمين وغير المسلمين من الذين يؤمنون أن العدالة الأبدية لله سبحانه وتعالى، فقرروا إلغاء الاسم.

لكن كل هذا الإحراج لن يمنع الجنرالات الأميركيين من ادعاء صفة التعالي الأخلاقي في هذه الحرب، مهما كان الاسم. مع الحزن، والغضب، والرغبة في الانتقام، هناك الخوف، هل يخاف الأميركيون وكيف يخافون وهم أقوى شعب في العالم وممن يخافون؟

مؤسسة (بيو) للأبحاث نشرت نتائج استفتاء أوضح الآتي:

قال ثمانون في المائة إنهم يحسون بالقلق والتوتر، النساء أكثر خوفاً من الرجال، والأطفال أكثر خوفاً من الكبار، وسكان المدن أكثر خوفاً من سكان الريف. وربما هناك سببان: الأول: كثرة مشاهدة التلفزيون، خاصة أن بعض القنوات التلفزيونية كانت تغطي الانفجارات بلا توقف، وفي اليوم الخامس اوقفت بعض القنوات تكرار منظر الطائرة وهي تنفجر في المركز التجاري العالمي، بعد شكاوى من أن الأطفال (بل حتى بعض الكبار) لا ينامون بالليل.

السبب الثاني: عدم تعود الأميركيين على مثل هذه الحوادث، وفي هذا قال د. (نيكولاس ريزوبولس): الأستاذ في جامعة أدلفاي في ولاية ماريلاند: (اعتقدنا أننا أقوى شعب في العالم وقررنا أن نستمتع بالحياة ونسينا أن الشعوب الأخرى قد لا تقبل ذلك).

مجلة المجلة العدد 1130

أخطر أمراض العصر

اكتشف (دورينمات) أن التقدم العلمي التكنولوجي السريع لم يسايره تقدم أخلاقي، وما زال الإنسان يراوح في مكانه، من حيث المنظومات الأخلاقية، منذ آلاف السنين، وأنه من حيث الممارسة الأخلاقية أو السلوكية لم يزل كائناً بدائياً متخلفاً، يعيش بنفس العقلية التي كان يعيش عليها أجداده الأقدمون منذ العصر الحجري، من هنا جاء التناقض المدمر بين تقدمه العلمي والتكنولوجي الخطير، وبين تخلفه الأخلاقي السلوكي بحيث صار الطفل القاصر الذي يلهو بسر قادر على تدمير الكون، دون أن يدرك عواقب هذا اللهو ودلالاته.

والواقع أن المقاييس الأخلاقية التي تتحرك بها المجتمعات البشرية لم تزل هي نفس المقاييس التي كانت تتعامل بها المجتمعات القديمة حتى في العصور المظلمة، فما يزال هناك عجز اجتماعي عن التوفيق بين المصلحة الفردية والمصلحة الاجتماعية، بين مصالح دولة ومصالح المجتمع الدولي، وما زال مصدر (الحق) هو القوة الغالبة، لا القانون والعدل، وربما لهذا السبب أصبح السلاح من مسلتزمات الحياة حتى بالنسبة للأفراد، وإلى اليوم يعتبر الناس في الولايات المتحدة وغيرها السلاح حقاً من حقوق الإنسان، ولم تستطع إدارة الرئيس الأميركي السابق (بيل كلنتون) أن تلغي هذا الحق أو تحد منه على الأقل، وقد لا يكون في هذا التمسك بالسلاح جنون أو حب للقوة والبطش، ففي عالم غير مأمون تتحدد فيه الحقوق بالقوة ينبغي على الفرد العادي أن يتحصن بالسلاح، هذه حقيقة بسيطة تغيب عنا لفرط بساطتها، فهي دليل دامغ على أن حكم (القانون) لم يستتب بعد في أي بقعة على الأرض.

هل لهذا السبب نشأ التعصب الفكري؟ فحيث لا يكون التفكير الحر ممكناً، والاقتناع الحر صعب المنال، لا بد أن يتشبث الإنسان بيقين ما، باعتقاد مصمت لا يقبل الجدل، يلوذ به من حقل الألغام المبثوث في طريق التفكير والتعلم، وحين نتلقف نظرية أو إيديولوجية تتمتع بشيء من المنطق نلوذ بها، ونتمسك بها، ونتعصب لها، هرباً من ذلك العالم المرهق الغامض، ولذلك كان التعصب - في كل اتجاهات حياتنا – هو الظاهرة البارزة، فاليساريون لا يقلون تعصباً عن اليمينيين.

وفي هذا الجو المضطرب غير العقلاني الذي تلتبس فيه الحقائق والأوهام، لا يتوقع الإنسان أي تصرف عقلاني، ولذلك يعجب خطاب بن لادن الإثاري بعض الشرائح في الشارع المسلم، كما لاقت دعاوى العنف التي يمثلها شارون استجابة بين الأغلبية في الشارع الإسرائيلي، إنها سلسلة من التداعيات البالغة السوء التي تزداد فيها الالتباسات وتستثار فيها الانفعالات البدائية لدى جميع الأطراف.

أحمد عباس صالح: الشرق الأوسط العدد 8354