العدد62

قراءة في مبادئ المذاهب الاجتماعية والنظم السياسية

 

 

علي الشمري

يحفل التاريخ الإنساني، بأنواع مختلفة من الأنظمة التي حكمت الأمم والشعوب، وفق مذاهب ونظريات عدة، قامت على ضوء تشريعاتها ودساتيرها حضارات عريقة، استمدت الإنسانية من بعض مدارسها الكثير من جوانب العلم والمعرفة والتجربة، ولم تكن أنظمة تلك الحياة كلها ذات نمط واحد في التشابه والتساوي، وإنما اتسمت بالتنوع والاختلاف والتفاوت، بل والتناقض الذي نشأ في بنيان المجتمعات داخلياً تارة وخارجياً تارة أخرى، وكان من نتيجة ذلك نمو الصراع التاريخي الطويل والمتواصل إلى اليوم، بكل ما أسفر عنه من أزمات وإضرابات وحوادث عصيان وتمرد، اتسعت دائرتها وشدتها لتصل إلى مستوى الثورات المسلحة، التي قامت لكي تستخلص الشعوب حقوقها من مغتصبيها، وقد نجح الكثير منها في ذلك، حيث سجل التاريخ أن الدساتير والنظم ما صدرت إلا بعد ثورات شعبية أثمرها جهد طويل وكفاح مرير.

ولقد شهد التاريخ السياسي الإنساني اتجاهات سياسية مختلفة، منها ما كان يدعو إلى النظرية الثيوقراطية ذات الغطاء الديني، وقد اتسمت تلك بطابع الحكم الاستبدادي، ومنها النظرية الإسلامية التي قامت على أساس التشريع الإلهي العادل، وانتجت تلك الدولة والأمة العظيمتين منذ 14 قرناً، ومنها مجموعة النظريات الديمقراطية بصنفيها القديم والمعاصر.

وهذا البحث يستعرض أوجه المقارنة والفوارق بين تلك المذاهب الاجتماعية والنظريات السياسية.

تعدد النظريات السياسية:

إن نشوء الدولة يرتبط في الواقع بنشوء السلطة، التي تتشكل من حاكم ومحكوم، يرتبط كل منهما بالآخر وفق علاقة متبادلة، والتمايز السياسي بين طرفي هذه العلاقة يمثل جوهر السلطة السياسية، وتلك تمثل ظاهرة اجتماعية بالدرجة الأولى، بمعنى أنه لا يمكن تصور وجودها خارج نطاق المجتمع، لأنها لا يمكن أن تتحقق إلا عبر العلاقات الاجتماعية.

والسلطة ظاهرة طبيعية، ذات جذور عميقة في المجتمعات الإنسانية.

لقد ظهرت عدة نظريات حول مفهوم نشأة الدولة وعلاقة الحكام بالشعب، أهمها(1):

1) النظرية الثيوقراطية(نظرية الحق الإلهي للسلطة):

وتقوم هذه النظرية على أن الله يختار من يشاء لممارسة السلطة، فالحاكم يستمد سلطته من الله، لذلك تعلو إرادته إرادة المحكومين، وقد سادت هذه النظرية قديماً في كل من مصر والصين وفارس، حتى بعد ظهور المسيحية، ولكنها بدأت بالاندثار في العصور الوسطى بعد أن اشتد النزاع بين الكنيسة وملوك أوروبا، وظهور البروتستانتية على يد (مارتن لوثر) سنة 1520م.

2) النظرية الديمقراطية:

وتقوم على أساس أن الشعب هو مصدر السلطات، وقد تولدت عن هذه النظرية نظرية (العقد الاجتماعي) لكل من (توماس هوبز) و(جون لوك) و(جان جاك روسو)، فقد ذهب هوبز إلى أن الشعب أعطى السلطة المطلقة للحاكم، أما لوك فقد ذهب إلى أن السيادة للشعب، وعلى ذلك لا يتمتع الحاكم بالسلطات المطلقة، بل يلتزم باحترام القوانين، كما يجب الفصل بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية.

أما روسو الذي تأثر بدراسات هوبز ولوك فقد نادى بأن السيادة للشعب وليست للحاكم، فالشعب هو الذي يضع القوانين ويختار الحكومة التي تمثله، وإن الدين هو الحافز على أداء الواجب، كما نادى أيضاً بالفصل بين السلطات الثلاث، ورغم الانتقادات التي وجهت إلى هذه النظرية، إلا أنها ساعدت على انتشار المبادئ الديمقراطية وتقرير حقوق الأفراد وحرياتهم.

3) نظرية القوة:

وهذه تؤمن بأن السلطة أساسها القوة، والدولة تقوم على أساس حق الأقوى، كما يبين التاريخ السياسي للدول، ولكن السلطة التي تستند على القوة تعتبر سلطة غير مشروعة، لأنها فرضت على الشعب قسراً ولا تستطيع البقاء طويلاً.

4) نظرية تطور الأسرة:

تقوم هذه النظرية على كيفية تشكيل الإنسان البدائي لحياته في مجموعات؛ فمن الأسرة تكونت العشيرة، ثم القبيلة ثم المدينة ثم الدولة، وهذه النظرية تتفق إلى حد كبير مع ما ورد بالكتب السماوية عن آدم وحواء(ع)، ولكن هناك بعض الدول لم تتسلسل بتطور الأسرة كالولايات المتحدة الأمريكية.

كذلك تنتهي السلطة الأبوية بوفاة رب الأسرة، بينما تظل السلطة السياسية في الدولة حتى بعد زوال الأشخاص الذين يمارسونها.

5) نظرية التطور التاريخي (الطبيعي):

وهذه تؤمن بأن الدولة نشأت نتيجة عوامل مختلفة أدت إلى ترابط مجموعة من الأفراد والاستقرار في إقليم معين، فقد تكون هذه العوامل اجتماعية أو اقتصادية، واستطاع البعض منهم السيطرة على الآخرين سواء بقوته البدنية أو بقدرته الفكرية.

الأنظمة الدينية (الثيوقراطية):

المصدر الإلهي للسلطة: وهي أقدم النظريات التي تفسر أساس السلطة، وتقيمها على أساس الهي، فالسلطة مصدرها الله، وما دام الحاكم يستمد سلطته من مصدر علوي، فهو يسمو على غيره من البشر، وبالتالي تسمو إرادته على إرادة المحكومين.

وقد لعبت هذه الفكرة دوراً كبيراً في التاريخ، وقامت عليها السلطة في معظم الديانات القديمة والملكيات المطلقة الحديثة في أوروبا.

وتجلت النظرية في أشكال مختلفة وتطورت عبر التاريخ فاتخذت ثلاث صور رئيسية:

1- في الأصل كان الحاكم يعتبر من طبيعة إلهية؛ فهو لم يكن مختار الآلهة لأنه هو نفسه إله.

2- نظرية الحق الإلهي غير المباشر أو العناية الإلهية؛ ومع ظهور المسيحية تطورت النظرية، ولم يعد الحاكم إلهاً أو من طبيعة إلهية، ولكنه اصبح يستمد سلطته من الله، فالسلطة للكنيسة البابوية.. ومن أنصار هذه النظرية القديس (توما الاكويني) و (بونالد) و(وميستر) و(بوسيه).

وقد استخدمت النظرية بأشكال شتى منذ القرون الوسطى، وأثناء الصراع بين الكنيسة والإمبراطور، والكنيسة والملكيات الناشئة في أوروبا.

ففسرت على أن الله يرتب الحوادث بشكل معين، بحيث تقوم أسرة بذاتها في وقت معين بأعباء الحكم، وعلى هذا النحو تؤيد النظرية سلطان الملوك ضد تدخل الكنيسة أو الشعب.

3- نظرية الحق الإلهي المباشر؛ وهذه اتخذت شكلاً جديداً مؤداه أن الحاكم إنسان كبقية البشر، إلا أن الله يصطفيه ويودعه السلطة، وفي هذه المرحلة تسمى النظرية بنظرية الحق الإلهي المباشر، لأن الحاكم يستمد سلطته من الله مباشرة، دون وساطة إرادة أخرى في اختياره، ومن ثم فهو يحكم بمقتضى الحق الإلهي المباشر.

وقد عاشت هذه النظرية عصرها الذهبي في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي، فكان شعار ملوكها (ملك فرنسا لا يستمد ملكه إلا من الله وسيفه)، وكان لويس الرابع عشر يردد أنه يستمد قوته من الله، وأنه غير مسؤول أمام أحد غير الله(2).

الأنظمة الدكتاتورية:

يقصد بها النظم السياسية التي بمقتضاها يستولي فرد أو جماعة على السلطة المطلقة دون اشتراط موافقة الشعب.

ويصنف الباحثون الديكتاتورية أو الحكم الدكتاتوري إلى نموذجين، أحدهما يتولد عن عوامل اجتماعية، والآخر يتولد عن عوامل تقنية، وبتعبير أدق يمكن القول بأن النموذج الأول يتولد عن أزمات يتعرض لها البنيان الاجتماعي العقائدي، نتيجة تفاعل قوى وطاقات داخلية وذاتية، بينما يكون النموذج الثاني دخيلاً متولداً عن عوامل خارجية في المجتمع، أو أنها من داخل المجتمع، ولكنها معزولة عن تفاعله، حيث يأخذ نموها وتطورها صفات خاصة مستقلة وخارجية.

وغالباً ما تنشأ الدكتاتوريات عن طريق ما يمكن تسميته بـ(عقد الحرمان)، والواقع أن أغلب الطغاة عاشوا طفولة معذبة، ومراهقة صعبة، الأمر الذي من شأنه أن يمهد السبيل لخضوع شخصية الطاغية إلى مجموعة من العقد، والدكتاتوريات تظهر وتنشأ خلال حالات وشروط تاريخية معينة، إنها غالباً ما تكشر عن أنيابها خلال فترات تعرض البنيان الاجتماعي لأزمات مصحوبة بهزات في المعتقدات(3).

مساوئ النظام الدكتاتوري:

- يتسم بطابعه الاستبدادي، حيث يغرق المجتمع بدوامات العنف والقمع والتخلف.

- يحول بين الإنسان وعملية الإبداع نتيجة قتله الطاقات الكامنة في ذات وعقلية الإنسان، بفعل مصادرته لمجمل حرياته، وسجنه في دائرة مغلقة من الكبت والمعاناة.

- يتسبب في تمزيق أوصال المجتمع وتفكيك وحدته، جراء السياسات الخاطئة، والصراعات الداخلية الناشئة بسببها.

- التسبب في عزلة مجتمعه عن سائر تكوينات الأسرة الدولية وعموم المجتمع الإنساني.

الأنظمة الأوتوقراطية:

إنها ذات طابع عام في استبعاد حق الشعب في اختيار الحكام، فالحاكم يفرض نفسه بأية وسيلة من الوسائل، وقد استمر هذا سائداً عدة قرون في دول كثيرة نتيجة الاستيلاء على السلطة أو الوراثة، فالاستيلاء على السلطة يعتبر بلا نزاع أهم وسيلة لفرض الحاكم على الشعب، لذلك يجب أن نفرق بين:

1- الثورة التي تقوم بها قوى الشعب، وهي تعبير عن إرادته.

2- الانقلاب الذي يقوم به حزب سياسي أو مجموعة من أفراد الشعب.

والاستيلاء على السلطة يعتبر مسألة تقرير واقع، فهو ليس بالطريقة القانونية المتبعة لتعيين الحكام، ولكن بمجرد السيطرة الفعلية على السلطة يتولد حق جديد وهو عرض السلطة الجديدة برنامجها، والأهداف التي جاءت من أجلها.

أما الوراثة فهي تعبر بصفة عامة عن النظام الأكثر انتشاراً في الحكومات الاستبدادية لأن ضمان تولي الخلف بعد السلف، يجعل الحكام لا يكترثون بحقوق الشعب، ولا يسعون إلا إلى تنمية ثرواتهم، وقد يتولى الحكم قاصر يفرض عليه نظام الوصايا أو مريض أو عابث بالمصالح العامة(4).

الأنظمة الديمقراطية:

الديمقراطية تعني النظام الذي بمقتضاه يحكم الشعب نفسه بنفسه، أي بمعنى أن الحكومة من الشعب، وفي خدمته، وهي مسؤولة أمام الناس تجاههم، وهذا يستلزم حرية التفكير وحرية التعبير وحرية الاجتماع، أي عكس ما تستلزمه الدكتاتورية بمفهومها وسلطاتها القابضة على إدارة وحكم المجتمعات.

مبادئ النظام الديمقراطي:

لما كانت الديمقراطية تقر بأن النظام فيها يرتكز على أساس كون الأمة هي مصدر السلطات والديمقراطية، كالحرية والحق والخير، إذن لا بد من مبادئ أو أركان أساسية للنظام الديمقراطي، وهذه المبادئ هي(5):

1- الحرية.

2- المساواة.

3- المشاركة في العملية السياسية - الاجتماعية.

مزايا النظام الديمقراطي:

أ) تحقق التعدد التنظيمي المفتوح أي حرية تشكيل الأحزاب والمنظمات والجمعيات السياسية.

ب) تداول السلطة السياسية من خلال انتخابات حرة تنافسية نزيهة وعادلة.

ج) إطلاق منظومات الحقوق والحريات العامة، واحترام الرأي الآخر.

د) إشاعة التعايش السلمي بين المجموعات السياسية والفكرية المختلفة.

هـ) صيانة حق المعارضة ومشروعيتها.

و) الإيمان بحق المجتمع المدني في اختيار حكامه على مستوى كافة السلطات وممثلي مؤسساته.

وعلى العكس من الأنظمة الأوتوقراطية تقدم الأنظمة الديموقراطية جهداً كبيراً لاستيفاء الهيكل الحكومي وجميع مقوماته، وقد ظهر النظام الديمقراطي في المدن الإغريقية القديمة، وتكررت نماذجه في مراحل لاحقة من التاريخ الإنساني، وفي القرن الثامن عشر قامت الثورة الأمريكية سنة 1775، ثم قامت بعد ذلك الثورة الفرنسية سنة 1789، فظهر نوع جديد من الديمقراطية ممكن تطبيقه على أكبر الدول وأكثرها اتساعاً وعدداً في السكان، فإذا كان الشعب جميعه لا يستطيع التمثيل في الحكومة، فإن من حقه أن يختار من يمثله أمامها، وهذه هي ديمقراطية التمثيل، لذلك بدأت الديمقراطية تزحف على كل الدول المتقدمة حتى قامت الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وانتصرت فيها دول الحلفاء التي كانت من بينها فرنسا مهد الديمقراطية الحديثة.

وحديثاً أدخلت على الديمقراطية بعض التعديلات أهمها ظهور الأحزاب السياسية، واختيار الحكام من بعض أفراد الشعب وخاصة أكثرهم ثروة أو تأثيراً على اقتصاديات الدولة(6).

النظام الإسلامي:

النظام الإسلامي مصدره الله عز وجل، وهو مستمد من العقيدة الإسلامية التي جمعت العقائد السماوية على منهج جديد. ورسمت الشريعة الإسلامية تصورات وأصولاً فاصلة لاستشراف المستقبل.

وفي ثنايا النظام السياسي الإسلامي نظام عالمي إنساني أخلاقي، دنيوي وأخروي، يلاحق الجاني نفسه بنفسه حيث يقصر سلطان الدولة، وهكذا يتشكل المجتمع العقائدي.

والحكومة الإسلامية ليست ذات نظام مطلق فهي لا تشبه الأشكال الحكومية المتعارف عليها، كما أنها ليست حكومة دكتاتورية يستبد فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ومصائرهم، إنما هي حكومة دستورية، ولكن لا بالمعنى الدستوري المتعارف عليه والذي يتمثل في النظام البرلماني والرئاسي أو المجالس الشعبية، وإنما هي دستورية بمعنى أن القائمين على الأمر يتقيدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنة(7).

الطبيعة المميزة للفكر السياسي الإسلامي:

لم يعرف الإسلام النظام الملكي أو الأرستقراطي أو الديمقراطي بالوصف الذي ذهب إليه الفلاسفة الإغريق، ولم يعرف الأنظمة الملكية أو الجمهورية أو القيصرية التي صارت إليها البلاد الرومانية؛ هذا لأن الإسلام دين ودولة، دين ينادي بالتقوى وعبادة الله الواحد الذي لا شريك له.. يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، أي ينادي بالفضيلة والأخلاق والمحبة والإخاء والأمانة، ودولة لأنه وضع أصول المعاملات بين أفراد المجتمع وحقوق كل فرد وواجباته وعلاقة الفرد بالحاكم، وعلاقة الحاكم بالرعايا.

لقد أعطى الإسلام للديمقراطية أسمى معانيها الإنسانية والأخلاقية، وأرسى القواعد الأساسية لحقوق الإنسان وحرياته العامة، وأمر بالمساواة أمام القانون والقضاء، وفي الوظائف العامة، وفي أداء الضرائب وفي أداء الخدمة العسكرية، كما أمر بحرية التنقل والاتجار وحرية الرأي والفكر والعلم، والعقيدة وممارسة الشعائر الدينية وحق العمل وحق الملكية وحرمة السكن.

مبادئ النظام السياسي في الإسلام:

المبدأ الأول: إقامة حكم الله في الأرض: (ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(8).

المبدأ الثاني: تكوين دولة الإيمان المثال، وهذه تكفل تحقيق(9):

1- العدل.

2- المساواة في مستوى المعيشة وأمام القانون.

3- الشورى.

المبدأ الثالث: إنقاذ الجنس البشري كله: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)(10).

المبدأ الرابع: الرحمة، وهي بإكمال الغاية من الشريعة ومن الرسالة: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (11).

شريعة الدولة في النظام السياسي الإسلامي:

الشريعة هي القرآن الكريم والسنة الشريفة بفروعها الثلاثة (قول المعصوم وفعله وتقريره)، وهي القانون النافذ في الدولة الإسلامية ومميزات شريعة الدولة هي(12):

1- إنها قانون الهي؛ فالقرآن كلام الله، وسنة الرسول(ص) وحي من الله، وهو معصوم من الخطأ، وخضوع الإنسان لهذا القانون ليس خضوعاً لطبقة أو فرد، وإنما هو خضوع لله.

2- إنها قانون عالمي عام.

3- إنها قانون له صبغة دينية.

4- إنها قانون أبدي بعمر الحياة الإنسانية.

5- إنها شريعة لكل البشر.

شكل الحكم في النظام السياسي الإسلامي:

1- ليس نظاماً ملكياً؛ إذ الجيوش الإسلامية انطلقت لتحرير الإنسانية من عبودية الملوك، وتغيير أنظمة الطاغوت، ثم إن الملك لقب الهي؛ قال تعالى: (ملك الناس، اله الناس) (13) كما أن الإسلام لا يقر الوراثة الملكية.

2- ليس نظاماً استبدادياً؛ فالنظام الإسلامي نظام يقر العدل والمساواة، ويقوم على الشورى(وشاورهم في الأمر)، والحكم في الاسلام، هو مجرد وظيفة الولاة المحددة بالمسؤولية الشرعية والقانون الإلهي: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (14) وفي آية أخرى: (..هم الظالمون) (15) وفي ثالثة: (.. هم الفاسقون) (16).

3- ليس نظاماً ديمقراطياً؛ لا بالمفهوم الديمقراطي عند الاغريق، ولا بالمفهوم المعاصر، فالشعب عند اليونان هم طبقة الحكم، بينما الشعب في النظام الإسلامي هو كل الأمة، والشعب في الأنظمة الديمقراطية يضع قوانينه بنفسه بواسطة ممثليه، ولا معقب على إرادته بالأنظمة الديمقراطية الحقة.

بينما في النظام السياسي الإسلامي إرادة الشعب مقيدة بحكم الله ورسوله(ص)، لأن الشريعة هي صاحبة السلطان، ولا يملك الفرد أو الشعب أن يشرع، والنظام الديموقراطي يحدد مدة الرئيس، بينما في النظام الإسلامي يبقى الحاكم على رأس قيادة الدولة إذا ارتضته الأمة، إلا إذا فقد أحد الشروط المنصوص عليها في الشريعة المقدسة.

ثم إن أهداف الديمقراطية الغربية أهداف دنيوية- مادية ترمي لتحقيق سعادة أمة معينة أو شعب معين، بينما في النظام الإسلامي الأهداف الروحية ملازمة تماماً للأهداف المادية، وغاية هذا النظام تحقيق المصالح الدنيوية والأخروية معاً (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا) (17).

4- ليس نظاماً ثيوقراطياً؛ الملك بالنظام الديني الثيوقراطي يزعم بأنه يستمد سلطانه من الله، وهذا قول بلا دليل، فليس لدى الملك شريعة الهية، وليس لديه حجة على ذلك، وهو معرض للخطأ أو الصواب، بينما في النظام السياسي الإسلامي، النبي والولي معين من قبل الله تعالى، والنبي يأتيه الوحي ولديه دليله، وهو رئيس الدولة وهو معصوم عن الخطأ، والإمام في الإسلام خاضع للشريعة ومقيد بها ومسؤول عن جنايات الأنفس والأموال، وهو يدور مع الأمة في أفقين متداخلين ويهدفان إلى غاية واحدة وهي تنفيذ أحكام الدين المبررة بمصالح العباد طلباً لرضوان الله(18).

ومن واجب الرعية أن تنصح للإمام وتبحث معه وتسأله، لأن الأمة حرة ضمن الشرع، بينما في الأنظمة الثيوقراطية على عكس ذلك، فسلطة الملوك مستمدة من تفويض الخالق حسب زعمهم، وتنحصر مسؤولياتهم أمام الله عن كيفية استعمال هذه السلطة، كما يقول لويس الرابع عشر ملك فرنسا، ويقول لويس الخامس عشر في تبريره للقانون: (إننا لم نتلق التاج إلا من الله، ولنا وحدنا سلطة سن القوانين ولا نخضع في عملنا لأحد) (19).

وحول هذا النظام تتمركز طبقة من رجال الدين والنبلاء وأصحاب الحظوة يتنعمون لقاء الموافقة على هذا التصور، وتشقى بقية الرعية.

موقف الإسلام من الدكتاتورية:

الإسلام بمبادئه وركائزه الفكرية يناقض الدكتاتورية في جميع أشكالها وصورها، فهو يؤكد بشكل أساسي على أن الإنسان حر ومسؤول من جهة، وتقوم علاقاته الاجتماعية على أساس الأخوة العامة، ومنع الاستغلال والتسلط والاستبداد، حيث السيادة لله وحده من جهة ثانية.

يقول الإمام علي بن أبي طالب(ع): (أيها الناس إن آدم لم يلد عبداً ولا أمة، وإن الناس كلهم أحرار)، وقال: (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً) (20).

والى ذلك يشدد المرجع الديني الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي على القول بأنه: (ليس للحاكم حق الدكتاتورية إطلاقاً، وكل حاكم يستبد يعزل عن منصبه في نظر الإسلام تلقائياً، لأن من شروط الحاكم العدالة. والاستبداد الذي معناه التصرف خارج النطاق الإسلامي أو خارج نطاق رضى الأمة بتصرف الحاكم في شؤونها الشخصية، ظلم مسقط له عن العدالة) (21).

أبعاد الديمقراطية في الإسلام:

أولاً: ديمقراطية الحكم:

تظهر ديمقراطية الإسلام في الحكم في ضوء مجموعة من الأصول والقواعد التي تحترم الإنسان وتمنحه الحقوق الطبيعية في الحياة الحرة والمرفهة.

ثانياً: ديمقراطية الحاكم:

يقرر الإسلام ويؤكد ضرورة توفر الصفتين الآتيتين في الحاكم المسلم، وهما الشخصية الحقيقية بطابعها الإنساني والعقائدي الملتزم، والشخصية الحقوقية، أي التزامه بالحقوق والواجبات التي يقرها الشرع والنظام الإسلامي.

ثالثاً: ديمقراطية الشعب:

وهي المعيار الثالث في تشخيص ديمقراطية الامة، وتعني الحالة الاجتماعية والنفسية التي يعيشها الشعب مع مجموع فئاته وطبقاته(22).

الهـــوامـــش:

(1) النظم السياسية والحركات العامة: د. أبو اليزيد علي المتيت، ص23-24.

(2) مبادئ القانون الدستوري: د. كمال الغالي، ص71-75.

(3) في الدكتاتورية: موريس دوفرجيه، ص68.

(4) النظم السياسية: د. أبو اليزيد، ص74-75.

(5) المبادئ والنظم السياسية: د. محمد كامل ليله، ص252-253.

(6) النظم السياسية: د. أبو اليزيد، ص74-75.

(7) النظام السياسي في الإسلام: احمد حسين يعقوب، ص147-253.

(8) سورة القصص: الآية 5.

(9) النظام السياسي في الإسلام: أحمد حسين يعقوب، ص154-259.

(10) سورة البقرة: الآية 143.

(11) سورة الأنبياء: الآية 107.

(12) النظام السياسي في الإسلام: أحمد حسين يعقوب، ص260-261.

(13) سورة الناس: الآية 2و3.

(14) سورة المائدة: الآية 45.

(15) سورة المائدة: الآية 46.

(16) سورة المائدة: الآية 47.

(17) سورة القصص: الآية 77.

(18) النظام السياسي في الإسلام: أحمد حسين يعقوب، ص247-253.

(19) نفس المصدر السابق.

(20) نهج البلاغة: الكتاب 31.

(21) كتاب السياسة: الإمام السيد محمد الشيرازي، ص34.

(22) الحكومة الديمقراطية: فاضل الصفار، ص53.

المصــــادر:

(1) المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد الشيرازي، كتاب السياسة، 1987 بيروت-لبنان/ الطبعة السادسة.

(2) الدكتور كمال الغالي، مبادئ القانون الدستوري والنظم السياسية -1985 دمشق-سوريا.

(3) الدكتور أبو اليزيد علي المتيت،النظم السياسية والحريات العامة -1968 القاهرة-مصر.

(4) الدكتور محمد كامل ليله، النظم السياسية 1977، القاهرة-مصر.

(5) موريس دوفرجيه، في الدكتاتورية 1989، بيروت-لبنان/ الطبعة الثالثة.

(6) المحامي احمد حسين يعقوب، النظام السياسي في الإسلام، 1989، عمان- الأردن.

(7) فاضل الصفار، الحكومة الديمقراطية.. أصولها ومناهجها 1997، بيروت- لبنان/ الطبعة الأولى.