العدد62

تزايد أعداد المترددين بانتظام على المساجد في أمريكا

تمثل المساجد في أمريكا ملتقى لأعداد متزايدة من المؤمنين الذين تعتبر الروحانية مظهراً أساسياً في حياتهم وأماكن تتوفر فيها الخدمات الاجتماعية لهم، حسبما ذكر المشرف على أول مسح شامل حول الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان إحسان باجبي من جامعة (رالي)، (نورث كارولينا) قد أشرف على مشروع إجراء مقابلات مع 416 من أئمة المساجد الأمريكية البالغ عددها 1200 مسجد تقريباً خلال العام الماضي.

ونشرت نتائج المشروع في إبريل (نيسان) وطرحت للتحليل والنقاش أخيراً خلال مؤتمر نظم خصيصاً بعنوان (الإسلام في أمريكا) في إندونيسيا.

وتأتي أهمية هذا المسح في كشفه عن أولى الأرقام التي تعكس مدى انتشار الإسلام في أمريكا، فهناك اليوم نحو 6 ملايين أو 7ملايين أمريكي يعتبرون أنفسهم من المسلمين، كما أتاحت النتائج لباجبي طرح صورة خاطفة لحياة المساجد الأمريكية.

وأشار باجبي إلى أن 77 في المئة من أئمة المساجد الذين أجرى فريقه مقابلات معهم كشفوا عن زيادة عدد المترددين بانتظام على مساجدهم خلال السنوات الخمس الماضية، وأن 16 في المائة من المساجد تشهد نسبة نمو في المقبلين عليها تصل إلى 10 في المائة أو أكثر، وقال باجبي الذي تحول إلى الإسلام قبل 32 عاماً كان قبلها من اتباع الكنيسة (الميثودية): (إننا ربما كنا نشهد أقصى معدلات النمو من أصحاب أي معتقد أو دين في أمريكا).

في المقابل تراجعت أعداد المرتادين على خمسة في المائة من المساجد التي يصفها باجبي بأنها صغيرة الحجم وتقع في المناطق الداخلية للمدن وروادها من السود.

وتأتي الزيادة في أعداد المرتادين من مصادر ثلاثة: من تحول نحو 15 ألف شخص في العام عن الأديان الأخرى إلى الإسلام، ومن هجرة المسلمين إلى أمريكا، ومن شروع فئات من المسلمين المقيمين في ممارسة شعائر دينهم بارتياد المساجد لأول مرة غالباً بعد تحسين أماكن العبادة.

وأوضح باجبي أنه بعد توسعة مسجد الفجر الكائن في (انديانابوليس) ليتسع لحوالي 300 من المصلين بدل 75 منهم، احتشد المسجد بالمصلين في الأسبوع الثاني بعد توسعته، وذهب 79 في المائة منهم إلى أن مساجدهم تعمرها الروحانية والحيوية، وقال باجبي: (هناك تقاليد بعيدة تشعرك بضرورة الارتقاء بنفسك لتصل إلى مستواها من الروحانية، وكلما زاد اتباعك لتلك التقاليد شعرت بالراحة أكثر تجاه نفسك).

كما يوضح باجبي أن المساجد في الولايات المتحدة لا تحاول الوصول إلى المسلمين فحسب، ولكن إلى غير المسلمين أيضاً بطرق وأساليب تتجاوز مجرد تنظيم الصلوات اليومية، ويضيف أن ثلاثة أرباع الأئمة الذين شاركوا في مشروعه، قالوا بأن مساجدهم توفر حلقات للنقاش، ودروساً لتعليم العربية والإسلام، وبرامج للنساء والأطفال، أما في ما يخص الخدمات الاجتماعية فإن 60 في المائة على الأقل من هؤلاء قالوا بأنهم قدموا مساعدات نقدية لعائلات و أفراد أو بدل خدمات استشارية أو لبرامج السجون وخدمات أخرى تقدم للفقراء.

في ما يتعلق بجهود الاتصال بغير المسلمين فإن 60 في المائة من الأئمة قالوا بأنهم قاموا بزيارات إلى المدارس أو الكنائس لعرض برامج عن الإسلام، وكذلك أجروا اتصالات بوسائل الإعلام أو بزعماء سياسيين وشاركوا في حوارات حول الأديان، ويعلق باجبي في هذا السياق أن: (المساجد عموماً تبذل جهوداً جيدة في هذا المجال، وهي تقدم على ما تقدم عليه الكنائس) في ما يتعلق بالانخراط في المجتمع المحلي.

ولا توجد غير 7 في المائة التي يعتبر روادها من المتجانسين عرقياً، وتضم أغلب المساجد الأخرى مصلين من السود، حسبما يوضح باجبي، وبينما يصلي المسلمون في بقاع العالم الأخرى في مساجد تمتاز بالتجانس العرقي عموماً، فإن العكس هو الحاصل في الولايات المتحدة، كما قال سليمان نيانج الذي يدير مشروع المسلمين في (أميركا) بجامعة (جورج تاون) وأضاف: (ستجد هناك تحالفات متعددة وبألوان متنوعة مثل قوس قزح بين المسلمين).

غير أن (جيمي جون) المشارك في إحدى جلسات النقاش حول الانخراط في المجتمع المحلي، أشار إلى ضرورة توصل المسلمين إلى صيغة تمثيلية تتكلم باسمهم بصوت واحد إزاء المسائل السياسية، مضيفاً أنه عندما منحت بعض الدوائر الإسلامية أصواتها لجورج بوش في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أثار ذلك معارضة كثير من المسلمين السود.

أما (جونز) أستاذ الأديان في كلية (مانهاتنفايل) بنيويورك فقال: (إنه لأمر مؤسف ألا ينظم من يسمون بالمسلمين المهاجرين جهودهم على نحو أكبر مع من يوصفون بالمسلمين من السكان الأصليين).

رئيس جامعة روتردام الإسلامية:

(أعددنا أئمة وكوادر إسلامية لتنهض بالدعوة في المجتمع الأوروبي)

أعلن سليمان دمرا رئيس جامعة (روتردام) الإسلامية ومؤسسها أن الجامعة التي تعد الجامعة الإسلامية الوحيدة المعترف بها في أوروبا بصدد افتتاح أفرع وكليات لها في فرنسا وألمانيا وذلك اعتباراً من العام الدراسي 2002.

وقال دمرا: (ثمة تفكير لزيادة عدد الدارسين في الجامعة عن طريق إنشاء أفرع لها في بعض البلدان الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا).

وأشار إلى أن اتصالات بدأت مع هذين البلدين من اجل افتتاح كليات تتبع الجامعة التي يقع مقرها الأساسي في هولندا اعتباراً من عام 2002.

ولفت إلى أن الجامعة التي افتتحت في عام 1998 وتضم نحو 400 طالب وطالبة تمثل الإناث منهم نحو 55 في المائة ستخرج دفعتها الأولى في يوليو (تموز) 2002.

وأوضح دمرا أن الهدف من إنشاء الجامعة هو إعداد الأئمة والكوادر الإسلامية القادرة على عرض الصورة الحقيقية للإسلام في المجتمع الأوروبي والهولندي لا سيما أن كثيراً من البلدان الأوروبية منعت إحضار أئمة وخطباء من خارج بلدانها.

وقال أن نظرة الأوروبيين إلى الإسلام رغم ملايين المسلمين الذين يعيشون في بلدانهم تحتاج إلى تحسين، مشيراً إلى أن الصورة مشوهة وغير إيجابية في كثير من الأحيان، وأكد ضرورة وجود شخصيات إسلامية مختصة تنشر الدين الإسلامي، وتبين صورته الحقيقية في المجتمعات الأوروبية، وتظهر أنه دين سماوي مماثل للأديان الأخرى، حتى لا ينظر إلى الإسلام نظرة مخيفة طاردة.

وأشار إلى أنه في جامعة (روتردام) تم دمج بعض المواد الإسلامية بالمواد المطابقة للبيئة التي يعيش فيها المسلمون، مثل الثقافة الأوروبية وتاريخ أوروبا المعاصر والمقارنة بين الأديان، وذلك من أجل أن يتعرف الطالب على الأمور المتعلقة بالمجتمع الذي يعيش فيه.

وأشار إلى أن بعض الدوائر الهولندية تحتاج إلى متخصصين في الدين الإسلامي للعمل لديها كوعاظ في المستشفيات والسجون التي يوجد فيها نحو 112 ألف سجين 60 في المائة منهم من المسلمين وأغلبهم من المغاربة.

وأكد أن فرص العمل لخريجي الجامعة متاحة بشكل كبير جداً، بل إن بعض المؤسسات تطلب تدريب طلبة الجامعة لديها حتى إذا تخرجوا يأتون للعمل مباشرة، مشيراً إلى أن المؤسسات الهولندية في حاجة ماسة إلى خبراء إسلاميين في مجالات مختلفة.

وكشف أن عدد سكان هولندا يقدر بنحو 26 مليون نسمة منهم مليون مسلم يمثل الأتراك والمغاربة نحو 600 ألف نسمة منهم بالتساوي والبقية تشمل بلداناً مختلفة مثل الصومال وباكستان.

وأوضح أن سبب اعتراف أوروبا بجامعة (روتردام) من دون غيرها يعود إلى أنها التزمت عند إنشائها بالقانون الهولندي وأخذت موافقات الدوائر الهولندية في كل خطوات إنشائها، مشيراً إلى أن خريج الجامعة يستطيع معادلة شهادته مثل أي خريج آخر من الجامعات المعروفة.

وأكد أن الجامعة ينظر لها بعين الاحترام والتقدير في هولندا ورأيها يأخذ به لدى الحكومة، مشيراً إلى أنها طلبت أن يعلن عيد الأضحى عيداً رسمياً في هولندا وقرر رئيس الوزراء قبول هذا الرأي. وأشار إلى أنه تحدث في الإذاعة الهولندية الرسمية أكثر من 16 مرة وفي التلفزيون نحو 55 مرة في مواضيع تتعلق بالإسلام وقضاياه.

مسلمو بريطانيا بين الإنصاف والتضييق

طويلاً ما خضع الإسلام لتنميط عنصري في أوروبا والعالم الغربي عموماً، والقرب الجغرافي ما بين شمال البحر الأبيض المتوسط وجنوبه لم ينفع كثيراً.

فالاستعمار الأوروبي لعالم الإسلام خلف أثراً سلبياً لم تتغلب عليه الهجرة من بلدان المسلمين إلى أوروبا، كي لا نقول العكس.

الكثير من هذا التنميط العنصري مجرد جهل بالإسلام والمسلمين، يتساوى فيه المحافظون والليبراليون، اليمينيون واليساريون، فكثيرون منهم لا يعرفون مثلاً، أن الإلياذة والأوديسة وأفلاطون وأرسطو والطب اليوناني والقانون الروماني، أن كل هذه الأعمدة في حضارة الغرب، ما كانت لتصل إلى الغرب لولا أن الحضارة الإسلامية تولت ترجمتها إلى العربية، اللغة التي كانت يوم ذاك بمثابة الإنكليزية اليوم، وإن حركة الترجمة في العالم الإسلامي التي دمجت السرياني باليهودي باليوناني بالفارسي، إنما خلقت حركة حوار وتبادل فكري ضخمة ومبكرة.

القناة الثانية في تلفزيون (بي بي سي) البريطاني آلت على نفسها أن تبدأ مهمة التعريف بالإسلام والتصدي للخرافات في صدده، وفي هذا المعنى بدأت بث برنامج عن (إسلام المملكة المتحدة) بحلقة أولى عن الحج إلى مكة، وهو سيكون أول مسلسل من نوعه في تاريخ التلفزيونات الغربية، البرنامج يظهر الأسباب التي جعلت الإسلام دين حضارة، حضارة أنتجت فلسفة وأدباً وشعراً عميقاً وأنشدَّت حوافزها إلى المساواة بين البشر.

ويبدو أن البرنامج يركز على العداوة الأوروبية الإسلامية من زاوية (حاجة) الأوروبيين إلى عدو، ففي القرن الثاني عشر ومع البدايات المتعثرة لإقلاع الدول الأوروبية الصغرى، كان لا بد من محاولة التكاتف والتوحد عبر تضخيم (تهديدات) الخصم المقيم (هناك) والتشديد على (مخاطره)، وهذا في نظر القيمين على البرنامج، السبب الفعلي للحروب الصليبية وتعبئة مواطني أوروبا ضد المسلمين في ديارهم النائية.

وعلى هذا النحو الإيجابي والمنفتح يمضي الاستعراض وصولاً إلى السلطنة العثمانية ومنها إلى أيامنا الراهنة.

لكن المؤكد أن تزايد الحضور المسلم في بريطانيا (مليوناً) وبعض الإشكالات العنصرية التي ظهرت في الآونة الاخيرة، لا سيما في مدينة (برادفورد) الشمالية، لعبت كلها لمصلحة إطلاق برنامج كهذا، وكم كان ذا دلالة أن يطعن لاجئ كردي في مدينة (غلاسكو) الاسكتلندية أثناء فترة تحضير البرنامج.

والحق أن البيئة السياسية والثقافية البريطانية مهجوسة اليوم بأسئلة تتصل، في صورة أو اخرى، بهذا الموضوع: أولاً: كيف السبيل إلى تجنب أعمال عنف كالتي حصلت؟. وكيف العمل لضمان اندماج اكبر للمسلمين المتزايدي العدد في نسيج الحياة البريطانية؟. وكيف تتم حماية المواطنين والمهاجرين المسلمين من تحديات التنظيمات الفاشية والعنصرية، فيما تمضي عملية مكافحة الجيوب العنصرية في جهاز الشرطة؟. ثم ما هي الإجراءات العملية التي ينبغي اتخاذها على الجبهات الأربع: السكن - العمل - ازدهار الجماعات المحلية وتنشيطها - وأخيراً: الثقافة..