العدد62

الجلوزة والتجلوز..

 

 

محمد محسن العيد

 ● مقـــدمـــة..

جاء في القاموس المحيط تحت باب جَلَزَ: الجِلواز بالكسر، الشرطي، والجلوزة: الخفة في الذهاب والمجيء(1).

وجاء في (لسان العرب) لابن منظور: الجلواز، هو الثؤرور، وقيل هو الشرطي.. وجلوزته: خفته بين يدي العامل في ذهابه ومجيئه والجمع جلاوزة(2).

إذن فالجلواز هو الشرطي المتميز بالخفة في الحركة والسرعة في تحقيق أوامر السلطان، مع القوة في الاستجابة لرغباته بما يتطلبه ذلك من طاعة عمياء له، بسبب عدم الرؤية في الفهم أو اللازمة للفهم... فالخفة والفهم يتعارضان.. والرؤية والسرعة لا يجتمعان.

إن هذه الميزة في هذا النوع من الشرطة يحتاجها كل سلطان جائر، بل وكل متنفذ يريد أن يبني لذاته كياناً مرموقاً، أو شكلاً من أشكال السلطة.. لذا يبث المتسلطون ميزة الجلوزة في حواشيهم وبطاناتهم ليكونوا لهم جلاوزة حتى دون الحاجة إلى لباس الجلاوزة المتميز في التاريخ.

فالشرطة الجلاوزية، أو الحاشية المتجلوزة تحيط بالمتسلط أو المتنفذ فتحميه، وتسرع في تنفيذ أوامره وتحيطه بالأبهة والبهرجة، فيبدو المرء من خلال جلاوزته وكأنه مهاباً، والحقيقة أنه مخيف مرعب تتحقق أوامره بمجرد الاشارة، حيث يكون أمره نافذاً إلى أي مكان، مسيطراً على كل حيز تحت سلطانه، ممتداً بين ظهراني كل جماعة، فهو من خلال جلاوزته كرأس الأخطبوط، وهم أذرعه الخفية الرشيقة السريعة القوية المتناسقة الحركة، النافذة والمقتدرة.

إن الخفة والسرعة من سمات الجلوزة، ليس فقط مع القوة والطاعة العمياء، بل ومع كيل المديح والإطراء والتبجيل للسلطان وما يفعله وما يقوله من السب والشتم وإظهار العيوب لخصومه، عبر الإشاعات والخطابات وفي التزوير والكذب والمؤامرات والدسائس وفي النثر والشعر وفي حياكة الأساطير وفي اختراع الروايات... ولن يتورع الجلاوزة حتى عن التطاول على المقدسات من أجل سلطانهم ولمجرد أن يرضى عنهم.

وقد يبلغ الجلاوزة حداً من التجلوز يفوق ما يريده منهم أسيادهم، وهذا ما يخيف الناس والسلاطين معاً، فمثلاً شاع بين الناس أن يقولوا عن مثل هؤلاء الجلاوزة المبالغين بالجلوزة، أنهم (ملكيون أكثر من الملك) وكثير من السلاطين الذين يحتاطون لملكهم يحاولون اكتشاف هؤلاء المغالين في الجلوزة لإبعادهم عن الحاشية.

والحقيقة هي أن الإنسانية قد ابتليت بالجلاوزة أكثر مما ابتليت بأسيادهم، ولعل الجميع يتذكر ما فعله جلواز عبيد الله بن زياد عند قتله أطفال مسلم بن عقيل(ع) في قصتهم التي تدمي القلب.

بواعث الجلوزة في النفس الإنسانية:

إن في النفس الإنسانية إرادة للخير والحسن، مبعثها أصلاً الروح التي نفخها الله تعالى في الخلقة الطينية للبشر(3).. ذلك لأن الروح من أمر الله تعالى(4)، وأمر الله تعالى محض خير وحسن.

والسنن الكونية الحسنة هي في الواقع ترجمة لإرادة الله تعالى في خلق الكون... والإنسان جزء من هذا الكون انطوى فيه بوجوده المادي وبنظام حياته وبمضمون عقله، لذا فإن الإرادة الإنسانية هي متوجهات السنن التكوينية الحسنة في خلقه.

إلا أن الإنسان عندما يكون في نفسه دون مهام رسالته كأفضل مخلوق في هذا الكون أو يجهل الغاية من خلقه، كخليفة لله تعالى على ظهر كوكب الأرض، في هذا الحال يلجأ الإنسان لأي مجال يحقق له الدعة والعافية مع اليسر والسهولة، لأنه في انقطاع عن حبل الله المتين، ولذا يطلب أمير المؤمنين(ع) من أتباعه طاعته وإن كان في ذلك مشقة ومرارة.

قال(ع): (فمن استطاع عند ذلك أن يعتقل نفسه على الله عزّ وجل فليفعل، فإن أطعتموني، فإني حاملكم إن شاء الله على سبيل الجنة، وإن كان ذا مشقة شديدة ومذاقة مريرة)(5).

ولذا فإن الإنسان إذا افتقد رسالته وغاية خلقه، حتى وإن تعبد فإنما هو مقلد دون الطاعة لله تعالى، وحتى إن سلم بشيء فهو دون بلوغ علته، وحتى إن طرق اسماً أو ادعى علماً فإنما هو تابع، وإن قال حقاً فإنما يريد به باطلاً، وإن زعم أنه يؤمن بالله تعالى فهو مشرك(6).

وإن تظاهر بالحسن وطلبه فلن يهتدي إلى منبعه وقائده، لأن إدراك الإنسان لمهامه ورسالته على الأرض لا يأتي إلا من خلال عقيدة كاملة شاملة تستوفى في نفسه ويدين بها لله وحده رباً لا شريك له..

أما دون ذلك فإن النفس تكون متجلوزة حتماً لغير الله تعالى، أو أن فيها شيء من الجلوزة بمقدار بعدها عن الدين الحق.

وإن اعتقال النفس على دين الله والتمسك بدينه الحق ضابط النفس عن التجلوز.. قال أمير المؤمنين(ع): (فمن يتبع غير الإسلام ديناً تتحقق شقوته، وتنفصم عروته وتعظم كبوته، ويكون مآبه إلى الحزن الطويل والعذاب الوبيل)(7).

وفي أمر صريح من لدنه (ع) في كل ما يبعد الإنسان عن الجلوزة، قال أمير المؤمنين(ع): (لا يقيم أمر الله سبحانه وتعالى إلا من لا يصانع ولا يضارع ولا يتبع المطامع) (8).

والمضارعة هي المشابهة؛ والمعنى أنه لا يتشبه في عمله بالمبطلين، أما إتّباع المطامع فهو الميل معها وإن ضاع الحق كما يفعل الجلاوزة.

ولقد وضع أمير المؤمنين (ع) خطوطاً واضحة وأوصافاً دقيقة تحول دون الإيغال في السرف.. فقد قال: (إن من عزائم الله في الذكر الحكيم التي عليها يثيب ويعاقب ولها يرضى ويسخط، أنه لا ينفع عبداً -وإن أجهد نفسه وأخلص فعله- أن يخرج من الدنيا لاقياً ربه بخصلة من هذه الخصال لم يتب منها:

1- أن يشرك بالله فيما افترض عليه من عبادته.

2- أو يشفي غيظه بهلاك نفس.

3- أو يقر بما فعله غيره.

4- أو يستنجح حاجة إلى الناس بإظهار بدعة في دينه.

5- أو يلقى الناس بوجهين.

6- أو يمشي فيهم بلسانين).

ثم يقول(ع): (اعقل ذلك فإن المثل دليل على شبهه) (9)، والآدمي إذا أطاع وصية الإمام هذه تجنب صفات الجلاوزة وحاز دينه ودنياه.

ولقد قال أحدهم للإمام زين العابدين (ع): سيدي كنت مع جيش ابن زياد في واقعة الطف ولكني والله لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح ولم ارم بسهم...، فقال له الإمام(ع): أنت في النار... قال: ولم سيدي؟!. قال له(ع): لأنك كثَّرت السواد على والدي.

ومن وصايا أئمتنا(ع) في بيان صور الجلوزة والسبيل إلى منعها قال أمير المؤمنين(ع): (ألا فالحذر الحذر من طاعة سادتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم وترفعوا فوق نسبهم وألقوا الهجينة على ربّهم وجاهدوا الله ما صنع بهم مكابرة لقضائه ومقابلة لآلائه) (10).

ومعنى قوله (ألقوا الهجينة على ربهم) - والهجينة الفعل القبيح - أي نسبوا الفعل القبيح إلى ربهم تعالى علوا كبيراً؛ وذلك باحتقارهم غيرهم من الناس وهو فعل الجلاوزة.

بروز ظاهرة الجلوزة:

لا ينمو التجلوز في النفوس الإنسانية إلا في لمم الظلم ومجتمعات الشرك، وتحت عروش الطغاة بعيداً عن كل قيمة إنسانية، أو معنى لدين الله تعالى في النفوس، فالتجلوز يعني الانتماء لغير الله تعالى سواء كان ذلك الغير سلطاناً أو شخصية اعتبارية أو معنوية أو متنفذة، والتجلوز هو أن يصير الآدمي من الحاشية التي تدين لتلك الشخصية من دون الله تعالى.

والجلاوزة هم المحيطون بـ(ولي النعم) والملتصقون بشخصيته، المتطلعون إلى فتاته، منقادون إلى مشيئته، ومسرعون إلى إرضائه، فهم له حماية وحاشية، ومثال للطاعة العمياء يعتاشون على أفضال وليهم المتسلط ويتجلببون بميزة لباس شرطته الخاص، ويفترشون موضع قدميه وتحت سرير حكمه وفي بلاطه أو خارجه حيث مهام دوام ملكه وسلطانه أو حيز نفوذه.

والحقيقة هي أن العلة في بروز ظاهرة التجلوز، وقيام الجلاوزة، هي ظهور الاستكبار في النفوس البشرية أولاً، حيث الاستكبار هو السبيل لبروز الترف والمترفين في مجتمعات اللمة وغياب الدين والرحمة، والمترفون هم الذين يتخذون عباد الله خولاً وأموالهم دولاً.

قال الله تعالى: (فاستكبروا وكانوا مجرمين) (الأعراف: 123).

وإنما هم مجرمون لقسوتهم بسبب استغلال إخوانهم بالظلم والقهر، وهؤلاء المجرمون يتخذون ضعاف النفوس والهمج الرعاع، جلاوزة وحاشية ليشاركوهم في دوام حكمهم للناس بالسخف والبخس، نجد هذه المعاني واضحة في بيان قوله تعالى وهو يصف الجدال بين هؤلاء الضعاف والذين استغلوهم من المستكبرين في اليوم الآخر: (يقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء) (إبراهيم: 21).

وكذلك في قوله تعالى حين يتحاجج الخصماء بعد أن كانوا أولياء أودّاء: (وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنّا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار) (غافر: 47).

ألا إن هذا التحاج فيه بيان لنا، فقد حكم الله تعالى بين العباد وصار الجلاوزة وأسيادهم في عذاب الله وناره على حد سواء، فقد أبلغ الرسل(ع) أن المترفين دوماً هم أساس كل قبح وعلة كل سوء يتعرض له المجتمع البشري، والمترفون هم رأس الحربة في كل تصدي للرسل(ع) على مر تاريخ الناس.. قال أمير المؤمنين(ع): (الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم، وعلى كل داخل في باطل إثمان، إثم العمل به وإثم الرضا به) (11).

وكان المترفون وعلى مر التاريخ، هم المقدمة دوماً في التصدي للمرسلين بل ولكل خير ومصلح وصالح، وهذا واضح أيضاً في القرآن العظيم، فحيثما ترد لفظة ترف ومترفين يتكرر معنى كون المترفين سبباً لكل مهلكة، وجبهة باطل ضد كل فضيلة، وسبيلاً لكل جريمة، وبالتالي فالترف سبب أساسي لدخول النار والبوء بغضب الجبار سبحانه وتعالى، فالمترف إنما هو جلواز كبير للدنيا مغرم بحبها.

قال تعالى: (وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا، ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون) (المؤمنون: 33).

وبما أن القرآن يفسر بعضه بعضاً فلننظر في قوله تعالى: (واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين) (هود: 116)، بالمقارنة مع قوله تعالى: (فاستكبروا وكانوا مجرمين) (الأعراف: 123) المار ذكره، نجد أن المستكبرين هم الظلمة والمترفون، والجلاوزة والراضون بفعلهم والداخلون في باطلهم هم اليد الضاربة لهم؛ ولذا فهم مع أسيادهم على حد سواء عند الله تعالى في الفسق والجرم.

قال تعالى: (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراً) (الإسراء: 16).

فإرادة الله تعالى هي محض الخير والرحمة والحق والعدل والحسن، وقصدها تحقيق هذه المعاني ودوامها ضمن سنن نافذة في كل الكون، ومن أجل ذلك ولكي تتجسد هذه المعاني في الواقع إزاء المترفين المجرمين الظلمة الذين يعيثون في الأرض فساداً، فالله سبحانه وتعالى يطلق يد هؤلاء المترفين المجرمين لاختراق السنن النافذة في الخلق لإرادة الله تعالى الحسنة لتصدم إرادة المجرم بإرادة الجبار القاهرة، وتتحقق بديهية القول في تدمير الكيان الذي بناه المجرمون بيد مطلقة من قبل.. وهو بيان لمعنى أن إرادة الله تعالى لها مهام في منع إطلاق الشر والباطل في الخلق، وقد أطلق الله سبحانه وتعالى الإرادة عند المترفين كي تمحق تماماً بالمقارنة مع إرادة الله الحسنة النافذة في عملية تطهير لمعاني الإرادة الحسنة الربانية السرمدية، فهي أصلاً من لدن المحسن جل وعلا الذي يحول بين المرء وقلبه.

لماذا التجلوز؟!

يقول الإمام زين العابدين(ع): (إني لآنف أن اطلب الدنيا من خالقها فكيف من مخلوق مثلي؟!) (12).

لو قارنا ما قاله الإمام(ع) بما يعنيه من شموخ في الزهد ورسوخ في عز الله تعالى ومجده مع ما قاله أحد الجلاوزة الذي قدم رأس الحسين (ع) سبط المصطفى وسيد شباب أهل الجنة لابن الطلقاء: (املأ ركابي فضة وذهبا إني قتلت السيد المحجبا قتلت خير الناس أماً وأباً!!).

من هذه المقارنة نعلم سبب التجلوز وعلته في نفوس البشر، مثلما نعلم علة الشموخ والعزة والهيبة التي يكتسبها الآدمي، فإذا كان الإنسان لا يرى إلا الدنيا، وكانت هي مبلغ همه، وصار يسعى لحيازتها بأية وسيلة، صار من ذلك في عقله اتجاه واحد يبعده عن الآخرة ويمنيه كسب الدنيا، وهذا الآدمي وبهذه المواصفات لا بد أن يتجلوز لمواقع أصحاب الدنيا الكبار في النفوذ والسلطة، ويتخذهم أولياء... وكل حسب بيئته ومحيطه وظروفه، فتجد من الناس من يتجلوز للسلطان وآخر لمترف مستكبر وآخر لتجارته.. وقد تجد من يتجلوز لدينه إذا حقق له الدين نفعاً في دنياه، والفرق بين الجلواز والمتدين من هذه الناحية هو أن الجلواز يتنصل من دينه إن أضر به.. أما المتدين المخلص لدينه فقد يهب نفسه لدينه شهيداً، مختاراً الموت في سبيله.

والذي لا يرى في الوجود إلا الدنيا، يتبع هواه، وحيثما تحلو له الدنيا يصطاد فيها بغيته، وهنا يتجلوز الإنسان حيث يحب وينسى أن وراءه على الأقل الموت، فهو حتم لا ينكره أحد، لكن الجلاوزة يمتازون مع هذا بنسيان الموت مع حتميته وبطول الأمل.

يقول أمير المؤمنين(ع): (إن أخوف ما أخاف عليكم اثنان اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق وأما طول الأمل فينسي الآخرة) (13).

وهكذا يصبح أمامنا جواب سؤال: لماذا كان التجلوز واضحاً؟.

لكن في الواقع أن التجلوز يعم في الناس بسبب الارتزاق، فمعظم الجلاوزة مرتزقة لمن يتجلوزون له، وهذا بحد ذاته من الشرك الخفي بالرزاق الحي الذي لا يموت ولا ينقص ما عنده ولا تنفد خزائنه... وقد يزين الشيطان لهم أعمالهم فيصدهم عن سبيله.. حتى أن الإنسان إذا تجلوز جعله الشيطان يفقد صوابه فيحوله من مرتزق لبعض الجلاوزة إلى فدائي في سبيل الطاغوت، فهو عندما يتجلوز للسلطان ابتداء، إنما يتجلوز طلباً للعافية والارتزاق، لكن سرعان ما يزين له الشيطان سوء عمله هذا فيراه حسناً ويتقرب للسلطان الطاغي أكثر؛ طمعاً في مزيد من رضاه وعطاياه، حتى يبذل نفسه دونه، وفي مثل ذلك يقول الله تعالى: (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون) (فاطر: 8).

لا يتحقق الضلال بمعناه الكامل في الواقع إلا مع وجود النور في ذلك الواقع، وكذلك لا يتحقق الضلال في الإنسان إلا مع وجود العلم والمنهاج الحق والصراط القويم.

فمع الظلام لا هدى ولا ضلال؛ إذ كل الناس قابعون في الظلام، لا يعرف منهم المهتدي من الضال.

ومع الجهل كذلك، لا معنى للهدى ولا للضلال فكل الناس في الجهل سواء، ومع غياب المنهاج الحق في واقع الناس، فإننا لا يمكننا أن نشخص الضال من المهتدي حيث لا يمكننا المطابقة لعدم وجود معيار ضابط من ذلك المنهج غير الموجود أصلاً، وكذلك نقول بأن عدم وجود معاني لصراط قويم، فإن الناس سواسية في خياراتهم؛ إذ كيف نعرف الضال من المهتدي في غياب الصراط القويم.

لذلك فالله سبحانه وتعالى نور السموات والأرض به ومنه نعرف الضلال من الهدى؛ وبمشيئته كان بيان العلم وله الدين ومنهاج الحق وهو سبحانه شرع الصراط القويم ودل عليه ودعا الناس إليه.

إذن؛ فالذي يختار لنفسه من واقعه غير نور الله وعلمه ودينه وصراطه القويم، وخالف الله سبحانه وتعالى فيما دله عليه ودعاه إليه، فإنما أضله الله تعالى بمشيئته، فالله سبحانه وتعالى هو الذي شاء ما يعرف به الهدى من الضلال ومشيئة الله تعالى سابقة.

وهؤلاء الذين ضلوا بخيارهم غير مأسوفٍ عليهم، فهم دون جعل الله وخياره، حيث الحسن كله؛ ففقدوا الخير كله باختيارهم لصف الطغاة دون الله سبحانه وتعالى (وجعلوا لله شركاء قل سموهم أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض أم بظاهر من القول، بل زين للذين كفروا مكرهم وصدوا عن السبيل ومن يضلل الله فماله من هاد، لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما له من واق) (الرعد: 33-34).

وإن مثل الجلوزة مثل أية رذيلة، تبدأ بغريزة وتنتهي بخلق سيء، كالبخل مثلاً، يبدأ بغريزة الحاجة للمال، ولكنه يتحول إلى هواية لجمع المال ولؤم في الطبع... وكذلك رذيلة الجبن مثلاً تبدأ بغريزة حفظ النفس وحماية الكيان، ثم مع الوقت تتحول إلى طبع تضيع معه الحقوق والعرض والدين والأرض.

كذلك الجلوزة، فإنها تبدأ بطلب الارتزاق من أجل العافية مع الطغاة والجبابرة وأولياء النعم، ثم تتحول إلى طبع جامع لكل رذيلة؛ إذ مع الجلوزة تضيع في النفس الإنسانية كل مميزات الإنسانية، فيفقد الإنسان معها خير الدنيا والآخرة.

الجلوزة لازمة المستكبرين:

جاء في القرآن الكريم على لسان بلقيس ملكة سبأ: (قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون) (النمل: 34).

والظاهر أن ما قالته بلقيس، وهو قول يعرف بالحكمة من القديم فهي من الحكماء حقاً، فقد قال الله تعالى فيها: (وصدها ما كانت تعبد من دون الله).

وشيوع هذا الخلق عن الملوك في الإفساد وإذلال الناس يدل في كل الأحوال على انحراف عن الفطرة في نفوسهم وفي نفوس من يستعملونهم من الجلاوزة، ومثل هذا الخلق السيئ إنما شاع لا بما يفعله الملك وحده، إذ إن العمل الفردي قليل الضرر، إنما شاع بما يفعله هو وجلاوزته واتباعه وحاشيته وبطانته وتحت مسميات مختلفة في إذلال الناس وإعمال القوة والقهر فيهم.

أما اليوم فقد أخذت الجلوزة أشكالاً يحسن مظهرها ويدق خفائها ويعظم في الواقع قبح جوهرها؛ فتجد اليوم جلاوزه لأسفل السافلين المشهورين تحت عناوين (النجوم) مثلما نجد جلاوزة للمستكبرين، وهناك جلاوزة للأحزاب والجماعات المتسلطة والمتنفذين وذوي المهارات، والأنكى أن نجد جلاوزة لكل من لا دين له.

فالجلوزة لها موقع في نفس الآدمي يكون حيزها متناسباً عكسياً مع حجم عقيدته بدين الله تعالى، مثلها في ذلك مثل كل الاتجاهات المنحرفة في النفس البشرية، من قبيل الدونية والفوقية والنفعية والنفاق.

والجلوزة تنمو في أجواء الخوف والجوع والجهل، وتستشري في لمم الظلم ومجتمعات يسودها الشرك الخفي... حيث في تلك الأجواء يضطر الناس للدخول في أذرع الأخطبوط الذي وصفناه آنفاً مختارين أو مرغمين.

النظام الجلوازي الواقعي، والنظام الأفلاطوني المثالي:

مثلاً في نظام على رأسه سلطان دكتاتور غاشم ظالم طاغية، ليس له من ميزات الإنسانية والخلق الحسن نصيب، وهو جاء أصلاً إلى السلطة عن طريق الخداع والقهر والظلم، مثل هذا السلطان وهذا النظام لا يمكنه أن يتنفس الحياة والبقاء فيها إلا من خلال الجلاوزة، حيث هم بلا ميزة إنسانية أيضاً.

وبذلك صار هذا النظام جحيماً على كل من لم يتجلوز في صفوف جلاوزته وحزبه. وإن من غرائب الأمور أن يكون مثل هذا النظام واقعياً، وإن نظام أفلاطون في المدينة الفاضلة مثالي.

إن هذا النوع من الجلاوزة فيه قدر من الشذوذ عن ميزات الجلاوزة، لأنهم لم يأتوا إلى الجلوزة ارتزاقاً ولا حباً في الجلوزة بل أذلاء مقهورين.. في حين أن الجلاوزة مع انحرافهم يشعرون بالفرح والتفاخر حتى بقبيح فعلهم فـ(كل حزب بما لديهم فرحون) وإن أجواء الجلوزة والتجلوز من أغرب ما يوصف في الحياة الآدمية فعلى سبيل المثال لا الحصر نورد هذه اللقطة من أجواء الجلوزة والتجلوز، تظهر بتكرار على شاشة تلفزيون النظام الجلوازي الواقعي:

السلطان يجلس أمام الشاشة في لقاء متعمد معد بدقة ليريه للناس مع رموز من جلاوزته يحيطون به فرحين متفاخرين - كالعادة - وهم يضعون الرتب والنياشين التي من بها عليهم سيدهم.. وأمام الملايين من المشاهدين، تراهم يكذبون على سلطانهم بما يرضيه بخفة الجلاوزة الماهرين المدربين، وهو يعلم أنهم يكذبون، ثم يأتي دور رأسهم السلطان فيبدأ بالكذب هو الآخر.. ثم إن المشاهدين بملايينهم يعلمون أنه وجلاوزته يكذبون.. كما أن الجلاوزة وسيدهم يعلمون أن الناس يعلمون أنهم جميعاً يكذبون، فهل ترى مجتمعاً أغرب من هذا المجتمع في النظام الجلوازي الواقعي!.

وهكذا يشاهد الناس على المكشوف طبيعة النظام الجلوازي الكامل وما يتمتع به من عدم حياء من الكذب.. وبما هو عليه من جهل.. وبما يتفاخر به من عار ينكره العالم، وهو بكل هذا يطمح لتكريس هذا الواقع المر بالكذب وتكراره، وبالبطش وديمومته، فالويل لمن ينكر شيئاً من هذا الواقع أو يعترض عليه، وأنى لأحد أن يقول أو يتظاهر أو يعارض أو ينتقد، فهذه المظاهر المعروفة في العالم لا وجود لرائحتها في النظام الجلوازي الواقعي، وبهذا يدخل الناس مضطرين إلى أجواء الجلوزة.

يقول الإمام علي(ع): (صاحب السلطان كراكب الأسد يغبط بموقعه وهو أعلم بموضعه) (14) وهو غاية الوصف لحال الجلواز، فالناس ينظرون إليه وكأنه بطل متمرس وذو شأن متحمس، وهو بحال من الخوف والصفاقة؛ إذ هو أقرب إلى يد الأسد وبطشه وليس ببعيد عن فم الأسد وأنيابه، ذلك لأن السلطان لا يعبأ بالجلواز، بل أسهل له وأقرب لسطوته ليجعله عبرة لغيره ممن يبعد عن يده، وليس للجلواز عند سيده حبوة تمنع من أن يسحقه في أية لحظة.

وهذا مما يعذب الله تعالى به الجلاوزة الذين يرى الناس فيهم أنهم مرفهون في كنف سيدهم.. والله تعالى يقول: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) (طه: 124-126).

هذا في النظام الجلوازي القائم فعلاً اليوم، وبالمقابل لهذا النظام هناك النظام الذي لا يمكن إقامته، وهو نظام المدينة الفاضلة كما رآها أفلاطون أو كما يحلو للبعض أن يسميها بالجمهورية الأفلاطونية.. ترى هل الخلل في بني آدم أم الخلل في النظام؟ أم أن الإنسان رهن خياراته؟ وهل خلق الإنسان ليترك سدى؟ وهل إن لم يترك سدى ثمة خيار غير خيار من لم يخلق سدى؟!!.

إلى هنا ونحن بصدد الإجابة على هذه الأسئلة، نصل إلى حقيقة هي إن الجلوزة بميزاتها القبيحة ليست ذات ضرر كبير عندما تكون في النظام القبيح، كون الاثنان مصيبة إنسانية، لكن الذي لا يمكن قبوله مطلقاً في الجلوزة هو أن تتسرب الجلوزة إلى دين الآدمي وعقيدته في الله تعالى، لأنها في معاني وجود الإنسان وفي نظام حياته وفي توجهات عقله، حيث تصيب بالمسخ صميم رسالته المفترض في الدين أن يهيئ الآدمي لها.

فمثلاً لا يستطيع الآدمي أن يمتلك كل القيم بتمامها وكمالها ما عدا الأنبياء والرسل(ع) باعتبارهم المختارين المخلصين وكذا الأئمة المعصومين(ع)، كذلك هي مقابلات تلك القيم من عدمها.

فمثلاً: لا تكون تمام الطاعة إلا بتمام عدم العبودية لغير الله تعالى.. وكذلك لا يكون تمام الإيمان إلا بتمام عدم الشك، ولا تمام الوحدانية إلا بتمام عدم الشرك، ولا تمام الحسن إلا بتمام عدم القبح، كذا لا يكون الدين تاماً إلا بتمام عدم التجلوز.

وهكذا إن تسرب شيء من مميزات التجلوز إلى النفس، مثل الخفة في طلب الدنيا والرياء والفرح بما عنده والتفاخر بما أقدم عليه سيده ولو كان عاراً.. إن هذا يفقد المتدين هيبته وبهاءه.

وقد نجد شيئاً من مميزات التجلوز واضحة في بعض الموظفين الذين يعينهم الملك في الوظائف الدينية- وعاظ السلاطين-.

وإنك لتستطيع أن تتبين الهيبة والوقار في أي شخص مهما كان حينما تخلو نفسه من مميزات الجلوزة وسلوكه من ظواهرها، وعلى العكس فإنك لتجد الخفة والنزق والنفوس المهزوزة المهزولة حيثما تتسرب إليها ميزات الجلوزة ومظاهرها.

وإن الشموخ الذي لا يدانيه شموخ والذي لا يرقى إليه الطير والذي ندركه في سير أولياء الله وأحبائه، إنما هو تحصيل حاصل لنفوسهم العامرة بحب الله تعالى دون أي حب آخر والمستوفية لكل موجهات الدين لها فحسب، والذي يتجلى فيما عبر عنه الإمام زين العابدين(ع) بقوله الآنف الذكر: (إني لآنف أن أطلب الدنيا من خالقها فكيف أطلبها من مخلوق مثلي؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍) (19).

إن هذه السيرة التي تمثل تمام الدين لله وكماله في نفس الإمام، هي التي تدلنا على سر تمتعه بهيبة متميزة أبرزها التاريخ بحكايا مؤثرة.. فلقد كان السجاد (ع) حين يقدم البيت الحرام وفي شدة الزحام يصير الناس له سماطين ليستلم الحجر، في حين يعجز زعيم الجلاوزة في ذلك الوقت هشام بن عبد الملك مع كثرة جلاوزته من أن يستلم الحجر، وكان جالساً ينتظر خفة الزحام عندما رأى كيف يهاب الناس السجاد، والأمر معروف ما كان من أمر الفرزدق (رض) وقصيدته التي يرد بها على تساؤل هشام عن السجاد (ع) وهو يظهر تنكراً.. والواقع أنه كان يظهر تنكراً للحال التي هو عليها من زهد الناس به مع كثرة الأتباع والسلطة مقارنة بالحال التي عليها الإمام زين العابدين(ع) من الهيبة والمحبة مع خلوه من السلطة والجلاوزة.

إن الحديث عن الهيبة في معانيها الربانية، ليست لها مصاديق إلا فيمن خلت نفسه من حب الدنيا وزخارفها وقد باتت وهي للقاء الله أميل.

وها نحن نرى تلك المصاديق من خلال أئمتنا(ع)، حيث هم مثال الفطرة الإنسانية الصحيحة السليمة.. ولذا فإن الملتصق فيهم العامل بوصيتهم يتمتع بهيبة حبهم، سعيداً بترك ما يتعب الناس من حوله باللهات إلى ما لا طائل فيه، هانئاً بترك الجلوزة والبعد عن الجلاوزة..

هذا لمن تطلع لسيرة العترة الهادية من آل محمد(ص)، أما الذي يتطلع إلى هذا العالم، فيجد أن كل ما في هذا العالم، يدفع الناس إلى التجلوز وفي كل اتجاه فيه فقدان لميزاتهم الإنسانية وانحرافهم عن فطرتهم، وذلك من خلال الطروحات المدنية للحضارة الغربية سيدة العصر، وكذا من خلال الخطابات السياسية، ومن خلال ما تطرحه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، كلها تدفع الناس دفعاً للتجلوز ولسقم الفطرة في ذواتهم.. حتى العادات والتقاليد تسهم في دفع الناس للتجلوز.

حتى بعض أثرياء المتدينين يدفعون الفقراء من إخوانهم المؤمنين للتجلوز بما يقدمون عليه من عمل خير لا يخضع لناموس الشرع المقدس، أو ليس مضموناً بمنهج الإسلام القويم في البحث عن المستحق وإخفاء الصدقات، كما كان يعمل أئمتنا(ع) في البحث عن المحتاجين وإيصال حاجاتهم إليهم سراً.

ففي الشرع المقدس أسلوب معروف وقويم لا ثغرة فيه لاستيفاء الحقوق وتوزيعها على مستحقيها، وإن مخالفة هذا الأسلوب يؤدي إلى جلوزة الناس، حيث تصير عادة الحصول على تلك الحقوق من نوع المهارة والشطارة، وهما ميزتان للجلاوزة في العيش.

وقد كان الإمام الحسن المجتبى(ع)، يعطي المحتاج قبل سؤاله، فيقال له لِم لَم تنتظر حتى تعلم حاجته، فيرد (ع): (حتى أمنع نفسي عزة المسؤول وأمنعه ذلة السائل).

انظر إلى أي حد بلغ أئمتنا(ع)، يجهدون أنفسهم في معرفة المستحقين، ثم يخفون تماماً أسلوب إيصال الحقوق والصدقات لمستحقيها... لأنهم بحاجة إلى رضا الله تعالى وليس من أجل جمع الجلاوزة حولهم، حتى إذا مات الإمام (ع) عرفوه بانقطاع معروفه عنهم.

إن كل سيرتهم وأقوالهم ووصاياهم، حرب على التجلوز والجلاوزة لأن في الجلوزة ضياع القيم الإنسانية، وتحول النفوس المتجلوزة إلى كيانات ذليلة وهزيلة مثلما هي متوحشة وقاسية كالضباع، والجلواز مثلما هو منحرف عن الفطرة وخطر على المجتمع فهو خطر على نفسه، وأئمتنا عليهم السلام عندما يوصوننا باستيفاء تمام إنسانيتنا من خلال المنهج الرباني في الإسلام، إنما يمنعون علينا أن نكون مستغِلين أو مستغَلين.

فالجلاوزة في التاريخ هم الذين حاربوا الرسل(ع) مستغلين من قبل المستكبرين المترفين، كما يحكي ذلك القرآن العظيم في قصص أنبيائه(ع).

والجلاوزة هم الذين كانوا السبب في عزل الإمامة عن الخلافة... قالت فاطمة الزهراء(ع) في خطبتها في مسجد أبيها(ص): (ونكصتم بعد الإقدام؟ وأشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا بعد إيمانهم من بعد عهدهم.... ) ثم قالت: (ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة ونجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم الذي تسوغتم) (15) ومعنى (دسعتم الذي تسوغتم) هو أنكم منعتم أنفسكم مما ساغ لكم من دين الله تعالى، وإشارتها(ع) إلى الإخلاد والدعة والخفض، فذلك خلق الجلاوزة كما قدمنا الحديث.

والجلاوزة هم الذين احتوشوا الإمام الحسين (ع) سيد شباب أهل الجنة وريحانة المصطفى(ص) وسبطه، فقتلوه وسلبوه وتركوه جثة عارية، وهم الذين هجموا على خيام آل الرسول وبنات الوحي وسلبوهن وسبوهن، وقطعوا الرؤوس المقدسة وحملوها على الرماح، يطوفون بها في الأقاليم.

والجلاوزة، هم الذين شتموا أمير المؤمنين(ع) على 60 ألف منبر ولمدة ستين عاماً.

والجلاوزة، هم رأس الحربة في مجابهة الأئمة(ع) وعلماء الأمة ومراجعها.

واليوم نجد أن 95% من وسائل الإعلام يملكها الصهاينة أخوة الشيطان ومهندسو الجلوزة على مر العصور... بل وكل دور الفساد ونواديه يملكها ويوجهها الصهاينة، وكل النشاطات الخفية التي تحرك السياسة والثقافة والإعلام يسيطر عليها سلاطين الجلوزة، وكل الخطوط الحمراء والخضراء يضعها المستكبرون المترفون.. بل حتى المعاني يتلاعب بمصطلحاتها لصالح ثقافة التجلوز في الناس، وهذه فضائياتهم تعرض علينا يومياً مصاديق هذه الحقائق.

هذه هي صورة الجلوزة البشعة في الإنسان وتاريخه في مقابل صورة أخرى للإنسان يدعوه إليها ربه، قال الله عز وجل لعيسى (ع): (يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، واذكرني في ملأك أذكرك في ملأ خير من ملأ الآدميين، يا عيسى ألن لي قلبك وأكثر ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي وكن في ذلك حياً ولا تكن ميتاً).

المصــادر:

(1) القاموس المحيط: الفيروزآبادي ص698 باب جلز.

(2) لسان العرب: ابن منظور، الجزء الخامس (ر-ز) ص322.

(3) لقوله تعالى: (أني خالق بشراً من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي).

(4) لقوله تعالى: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي).

(5) نهج البلاغة: الجزء الثاني ص47.

(6) لقوله تعالى: (وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) (يوسف: الآية 106).

(7) نهج البلاغة: الجزء 2 -ص62.

(8) نهج البلاغة: الجزء 4-ص26.

(9) نهج البلاغة: الجزء الثاني ص42-43.

(10) نهج البلاغة: الجزء الثاني ص142.

(11) نهج البلاغة: الجزء الرابع - ص40.

(12) جاء في علل الشرائع: المجلد الأول باب 165، هذا الحديث وقال أنه العلة في تسمية علي بن الحسين بزين العابدين(ع).

(13) نهج البلاغة: الجزء الرابع - ص63.

(14) نهج البلاغة: ص263 ح619.

(15) من فقه الزهراء: ج2، الإمام الشيرازي، خطبتها في المسجد ص39-40.