مجلة النبأ - العدد61

 

شهادات

 

ضمن الشهادات التي أدلى بها عدد من الكتاب والباحثين والمفكرين ورجال الدين والعلماء الأعلام حول معرفتهم بالسيد الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي.. هذه الشهادة:

▪ أستاذنا الكريم حبذا لو تبدءون بإعطائنا موجز تعريفي عنكم؟.

أنا الصيدلي عبد الوهاب الخير، ابن الشيخ حبيب عيد الخير، جدي الشيخ عيد الخير كان أكبر مشايخ العلويين، علماً وشرعاً، وكان يتحلى بصفات لا توجد لمثله، فكان يؤمه جمع من مشايخ الشيعة من لبنان ومن العراق ومن إيران، وكانت تأتي إليه وفود من الأزهر الشريف، وله مقابلات علمية مع السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ومع كثير من علماء الشيعة.

والسيد حسن الشيرازي(رحمه الله) كان من خيرة الناس الذين قدموا إلى بيتنا في القرداحة، وكان دائم الصلة بنا وبآل الخير جميعاً، وأقرب الناس إليه كان عمي المرحوم الشيخ محمد عيد الخير.

وقد بقي أكثر من أربع أو خمس سنوات على تردد وتواصل دائم مع العائلة في اجتماعات ولقاءات فكرية ودينية، عرفت السيد حسن الشيرازي عالماً واسع الاطلاع، واسع العلم، عالم مؤمن، كثير الصلاة والعبادة، وكان له شمولية وعقلانية متميزة عن كثير ممن عرفتهم، لأنه كان عصرياً، يؤمن بالتطور وبالعمل وبالحداثة، وكان يتقن العلوم، يهتم بها كثيراً، مثل علم الفيزياء علم الكيمياء علم الرياضيات بالإضافة إلى العلوم الدينية وشرح القرآن، وكان يتقن شرح القرآن اتقاناً كبيراً، إذ يعطي المدلول الحقيقي للمفردة القرآنية التي تقرب الإسلام والقرآن إلى الأذهان.

أما على صعيد حياته الخاصة فقد كان كريماً وشهماً، وكان يأكل من الطعام أقلّه، ويكتفي بالقليل، رغم أن الموائد كانت زاخرة، وهذه معرفتنا فيه من حيث الطهارة ومن حيث المرجعية، حيث كان مرجعاً عالماً يحفظ القرآن جيدا ويحفظ الحديث، ويروي عن الرسول (ص) وعن آل البيت الكرام، وكان في روايته كثير الإسهاب وكثير الإطلاع.

لقد أصبحت علاقتنا معه علاقة عائلية حميمة، فقد كان يأتينا بشكل مفاجئ، يزورنا ويأكل وينام عندنا، وكان يبقى مع عمي أبو الفضل شهر وشهرين، يذهبان في زيارات إلى دمشق، وإلى لبنان، وكان (رحمه الله) صاحب مجموعة كبيرة من المريدين، على مستوى القطر العربي السوري، وكان له اتصالات مع الشيعة في حلب.

▪ أستاذنا الجليل من هم رجال الدين في سوريا ولبنان الذين كان الشهيد على اتصال بهم؟.

كان له علاقة مثلاً في سوريا مع الشيخ محمود صالح الزلو في بانياس، ومع الشيخ عبد اللطيف إبراهيم في صافيتا، ومع بيت الخير جميعهم، كان مع عبد الرحمن الخير في دمشق.

وبالنسبة لمنطقتنا فإن أغلب المشايخ كان يقوم بزيارتهم ويتواصل معهم ويقدم لهم كتب الفقه والرسائل الشرعية، مع الكثير من الهدايا التي كان يقدمها للمساجد، فقد قدم لمسجد الإمام جعفر الصادق (ع) أكثر من ثلاث سجادات كبيرة عجمية، قيمة الواحدة منها فوق المئة ألف ليرة في ذلك الوقت، يعني أنها ثمينة جداً، بالإضافة إلى مكتبة كبيرة من كتب الفكر الشيعي (الاثني عشري)، وكان على صلة كبيرة بالعلم وعلى صلة كبيرة بالمعرفة.

▪ هل تذكرون متى التقيتم بالشهيد لأول مرة وعند مَن من العلماء؟

التقيت فيه أول مرة عند جدي عيد الخير، في القرداحة، التقيت به هناك، وأذكر أن عمره كان من عمري، وكان جدي وأعمامي أكبر منه، ولكنه كان واسع الإطلاع وذكي، فلفت انتباههم بعبقريته وفهمه الحقيقي للدين، ومسؤوليته الكبيرة جداً.

▪ أستاذنا الجليل؛ هل تتذكرون حادثة أو موقفاً عن مدى علمه وسعة إطلاعه تلقي ضوءاً على شخصيته في هذا الصدد؟.

نعم؛ وسأروي لك هذه الحادثة:

في إحدى المناسبات كان هناك تعزية لشيخ فاضل في مزرعة الحنفية، قال له أحد الشباب: شيخي وسيدي لا تزعل مني أريد أن أقول لك شيئاً، أنا علماني، إيماني بالله ضعيف، أريد إثباتاً عن وجود الله بشكل منطقي، لا أن تقول لي: أنت كافر.. أنت ملحد كبقية المشايخ؟‍!.

عند ذلك قام السيد الشهيد وقال له: ماذا تعمل يا بني؟!.

فقال له: أنا مدير مدرسة.

قال الشهيد: ماذا تعني المدرسة؟.

فقال: المدرسة تعني الصفوف والطلاب والأستاذة.

قال الشهيد: يوجد فيها طلاب وأساتذة!، فلماذا أنت موجود؟.

أجاب: أنا أنسق ما بين عمل الطلاب والأساتذة وأحفظ النظام، وأمنع حدوث الفوضى بين الطلاب.

قال الشهيد: أأنت أعلى رب في هذه المدرسة، ألا يوجد غيرك؟.

فأجاب: لا، هناك أعلى مني مدير التربية.

قال: ألا يوجد من هو أعلى من مدير التربية؟.

فأجاب: بلى؛ المحافظ.

قال: والمحافظ؟.

قال: رئيس الجمهورية.

قال: ألا يمكن أن يتصرف رئيس الجمهورية على هواه، فيحدث حروباً ويقتل الناس؟.

فأجاب: كلا، هناك الأمم المتحدة توقفه عند حده.

فقال له: إن هذا الطالب الصغير الذي يدرس في المدرسة عندك يريد أمم متحدة، وهذا الكون الضخم الذي لا يحده حد، والعلاقة التي ربطها الله تعالى بين الكواكب والتي لولاها لارتطمت الكواكب بعضها ببعض، ونزل القمر على الشمس، والشمس على الأرض، ولنسفت الدنيا كلها، فالله رب هذا الكون له القدرة التي تحفظه، وتحفظ وجوده وتحفظ كيانه.

عند ذلك قال: صحيح، آمنت بالله.

وعلى أساس هذا الاستدلال القائم على التسلسل المنطقي آمن هذا الرجل بالله إيماناً علمياً مبنياً على أسس علمية.

▪ هل كان مقنعاً حين كان يتحدث في مجلس؟.

كان منطقياً بصورة كبيرة جداً، كان دوماً يستعمل المنطق، وحججه كانت كلها منطقية مبنية على أسس واستشهادات قرآنية، ولا يعطي أي حجة إلا بسند من القرآن أو حديث عن الرسول(ص) أو عن الأئمة الأطهار(ع)

▪ أستاذنا تفضلتم أنه كان واسع الإطلاع على العلوم غير الدينية، العلوم العصرية كما قلتم، ماذا تذكرون من أقواله في هذا المجال؟.

أنا بطبيعة عملي صيدلي وأفهم بالرياضيات والفيزياء، فناقشني في هذه المواضيع، وأثبت لي أنه مطلع اطلاعاً جيداً، وكل ذلك كان يسخره في خدمة الدين، حيث أنه كان يستعمل هذه المعلومات حتى لا يتناقض مع الشريعة ومع الاجتهاد، لأن كل عصر كان يأتي بالمتغيرات من مثل مشكلة السفر إلى الفضاء الخارجي، والدوران حول الأرض في أقمار صناعية، وتغير الوقت ومواقيت الصلاة، فكان يبحث هذه المواضيع ليضع لها اجتهادات، فكيفية الصلاة وهو في قمر صناعي، وليس هناك وقت فكيف تريد الصلاة أنت كإنسان؟ فكان له اجتهاد، أن هذا الوقت حسب ما تكون أنت أمريكي أم روسي أم سوري فتصلي حسب الوقت المعلوم في بلدك الأصلي، وعلى حسب ساعتك، فكان هذا من باب الاجتهاد.

فكان دوماً يبحث عن العلم، وأذكر أنه وقتها كان هناك اللقاح بالأنابيب، وهو اللقاح خارج رحم المرأة وما أشبه، وهذه الأشياء منافية للعلم منافية للطبيعة، فكان هو يطلع على هذه الأشياء ليوجد اجتهاداً علمياً يتماشى مع الحضارة ومع التقدم ولا يحدث تناقضاً بين العلم والدين، لأن الدين والعلم وجهان لعملة واحدة ولحدّ الآن رغم تقدم العلم لم يستطع أن ينفي كلمة واحدة في القرآن، فكل ما جاء به القرآن أثبته العلم بحرفيته وبالدليل العلمي، وليس هناك تناقض بين الدين والعلم.

▪ أستاذنا الفاضل على صعيد النقاش المذهبي، ماذا تذكر منها؟.

السيد الشهيد (رحمه الله) كان دوماً متواجداً في بيت الشيخ عيد الخير الذي هو ملتقى لجميع المشايخ من كافة المذاهب، من السنة أو الشيعة، فكان دوماً حاضراً في النقاشات والجدل الدائر في هذه اللقاءات، وكان مجلي الدين وكان دوماً بارزاً بحجته وبعلمه وإطلاعه.

▪ هل تذكرون أن الشهيد مثلاً كان يراسل أطرافاً معينة؛ علماء خارج حدود سورية ولبنان؟.

أعرف أنه دعا عمي أبو الفضل والشيخ أحمد دعيع إلى الكويت لزيارة السيد محمد الشيرازي، وهناك كان في استقبالهم، كان جيداً وترك انطباعاً رائعاً عن مدى علمه ومعرفته، حيث يكون هناك تآلف ما بين المسلمين، وبصورة خاصة الشيعة، من كل الأقطار، أو حتى يكون هناك صلة روحية بين بعضهم البعض بالإضافة إلى الصلة الفكرية التي ركز عليها.

▪ على صعيد التقريب بين المذاهب، ماذا تذكرون من النشاطات التي قام بها الشهيد؟.

كان من أصحاب التقريب بين المذاهب، كان يسعى بشكل دائم على أن تكون الحقيقة هي الأساس، وأن لا يكون هناك تعصب، ولا تطرف، بل على العكس أن يبقى الإسلام إسلام والاجتماع على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، هذا يجمع الإسلام كله ومن قال هذه الشهادة فهو مسلم، وهذا كان رأيه، وتبقى المذاهب طرق دينية وطرق خاصة ولكل واحد رأيه وطريقته وكل منها يتعبد فيها، وكلما كبرت معرفته كبر إيمانه، ومن كان بسيط في معرفته كان بسيط في إيمانه، فمنهم من يؤدي الفرائض ومنهم من لا يفهموا معنى الفرائض.

▪ على صعيد تأسيس المؤسسات الثقافية أو الخيرية، ما هي أبرز نشاطاته في هذا المجال؟.

كان دوماً يجلب الكتب ويوزعها على كل المساجد والمشايخ مجاناً، إضافة إلى تشجعيه لنشر الكتب ككتاب الميزان وكتاب الكافي والكتب الفقهية، وكان يوزعها بشكل رائع ولمستحقيها، يعني أنه لم يكن يضعها في الجامع ويكتفي بهذا، بل كان يعطيها للذي يفهمها ويقرأها ويعرف الاستفادة منها.

▪ ماذا تعلمون عن نشاطات بهذا الصدد، تأسيس المؤسسات الثقافية الإسلامية حصراً، خارج سورية ولبنان؟.

أنا معرفتي فقط ضمن سوريا ولبنان، لأنه كان نشيطاً في لبنان كما كان نشيطاً في سورية، كان مرجعاً كبيراً بالإضافة إلى أنه كان جميل الخلق والخلق.

▪ من المعروف أن الشهيد كان له جاذبية خاصة بحيث أن الذي يراه لا ينساه؟.

الذي يراه يحبه ويرتبط به ولا ينساه وحتى الآن له ذكرى حميدة في صدري ومن خيرة العلماء أو من أفضل العلماء الذين عرفتهم في حياتي، رأيت كثيراً من علماء الشيعة ورجالاتهم وعاشرتهم ومشيت معهم وتعاملت معهم ولم أر من هو بمستوى السيد الشيرازي، وكان مهيئاً ليكون من أكبر علماء الشيعة على الإطلاق لسعة إطلاعه وهو في سن مبكرة، ولكنه استشهد وهو صغير السن، فكيف إذا امتد به العمر؟!!.

▪ في رأيكم السبب الرئيسي في اغتياله هل كان يرجع في كونه سياسياً أم مفكراً.. خاف الآخرون من فكره؟.

برأيي أنه كان مفكراً له الكثير من النشاط السياسي؛ بمعنى السياسة المعاصرة، بمعنى السياسة أنه كان واسع الاطلاع وكان محباً لآل البيت(ع) وكان له تأثيراً جذاباً على جميع الطوائف، حتى السنة الذين كانوا يحضرون جلساته كانوا يحبون آل البيت ويمتزجون معه، وكثيرا ما يصبحوا قرباء كثيراً من الشيعة، إضافة لكثرة اطلاعه وكثرة علمه وكثرة أخلاقه.

▪ فعلى هذا يمكن أن نقول أن أطرافاً كان يهمها أن لا ينتشر المذهب أو لا يتوسع هي وراء اغتياله؟.

طبعاً - وراءها مقاصد عقائدية - وأذكر أن عمي نبه السيد الشهيد(رحمه الله) وقال له لا تكثر الرواح إلى لبنان أو لا تذهب إلى لبنان، وبالفعل قبل أن يسافر ودعه وقال له والله إني لست مرتاحاً لهذه السفرة، إن في لبنان مشاكل وأنت لست بعيداً عنها، ومع الأسف الشديد حصل بعدها ما حصل.

▪ ماذا تذكر من اللمسات الإنسانية للشهيد، بشكل عام؟.

كان يحب الأطفال كثيراً جداً، فتراه يأتي بالطفل ويداعبه ويعطي له كتابا صغيرا ويشعره بمودته ويعطيه بعض المال، ليجذب الطفل إليه كان يحب الأطفال كثيراً.

▪ على الصعيد الأدبي أستاذنا ماذا تذكرون؟.

كان الشهيد خطيباً بليغاً، كان فصيح اللسان جميل البيان، حسن الصورة، وكان يعطي الأمور حقها، وكان أثناء خطبته في صلاة الجمعة في مسجد الإمام جعفر الصادق (ع) يجذب كثيرا من الناس بفصاحته ولياقته وحسن إلقائه.

▪ أستاذنا على الصعيد السياسي، هل كم كنتم تجدونه مقنعا للآخرين، أو مستميلاً لهم سياسياً؟.

كان ضد الاستعمار وضد أمريكا وضد إسرائيل بشكل واضح، وكان منطقه جميلاً في عرض الموضوع، ويستعمل أمثلة من الانحرافات العديدة للحضارة الزائفة، وكان كثيراً ما ينصح الشباب بعدم الانجراف وراء هذه الانحرافات الاجتماعية والأخلاقية.

كان دوماً حريصاً على يكون إنساناً عقلانياً وموضوعياً في تعامله مع الآخرين.