مجلة النبأ - العدد61

 

   عبد الله الهاشمي

عرض: إبراهيم جواد

 

     مــــدخــــل..   

يتناول الكتاب بشيء من التفصيل شتى جوانب حياة الشهيد الشيرازي، تلك الشخصية الفذة النادرة، سواء على الصعيد العربي أو الإسلامي إلى جانب الشهيد السيد محمد باقر الصدر، اللذين استشهدا في سبيل قضية واحدة، ومن غرائب القدر أن سماحته قد اغتيل فيما كان ذاهباً للمشاركة في مجلس الفاتحة الذي أقامه بمناسبة شهادة السيد الصدر وشقيقته الفاضلة بنت الهدى.

يتحدث الكتاب عن مراحل حياة السيد الشهيد حسن الشيرازي(قد.س) من الولادة وإرهاصاتها وحتى الشهادة وامتداداتها، ضمن عناوين رئيسية: نقاط بارزة من حياة الشهيد - صفحات مشرقة من حياة الشهيد - المفكر الإسلامي تحت التعذيب الفاشي - النشاطات الفكرية والأدبية للشهيد الراحل - المؤسسات الدينية للشهيد - قضية الإمام موسى الصدر - الاغتيال والشهادة - أصداء الفاجعة - مراسم التشييع - مجالس الفاتحة - برقيات التعزية.. الخ.

كما ضمّنه صوراً لأغلفة بعض الكتب والمجلات والصحف التي تحدثت عن شخصية الشهيد أو أجرت لقاءات معه قبل استشهاده، أو غطت نبأ فاجعة الاغتيال ومراسم التشييع ونشرت برقيات التعزية.. الخ

وسنتناول في هذه القراءة بعض هذه العناوين، منوهين إلى أن الكتاب ترك الكثير لمن أراد أن يتحدث عن الشهيد من معارفه ومحبيه والمطلعين على أحواله ومراحل حياته.

   ♦  أســـرة الشهيـــد  ♦  

وغني عن البيان أن الشهيد حسن الشيرازي(قد.س) سليل أسرة عريقة في العلم والمرجعية، وفي التقوى والفضيلة، وفي الجهاد والتضحية، من هذه الأسرة المرحوم آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي، المجدد الكبير الذي هزم الاستعمار البريطاني في قضية (التنباك) المعروفة، ومنها المرحوم آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الشيرازي زعيم ثورة العشرين (1920م) في العراق، ومنها والد الشهيد المرحوم آية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي، ومنها أخوه المرجع الكبير الإمام السيد محمد الشيرازي حفظه الله.

إذن فليس غريباً أن تكون حياة الشهيد الشيرازي حافلة بالجهاد والكفاح، ضد الظالمين والطغاة، والعملاء، متحملاً أنواعاً شتى من الأذى والاضطهاد، والسجن والتعذيب، والتشريد والتبعيد، بإيمان ثابت وعزم راسخ، وقلب شجاع صامد، سواء في العهد الملكي أيام نوري السعيد رجل الاستعمار البريطاني، أو بعد ذلك مع عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وأمثالهما، وصولاً إلى حاكم العراق الحالي، مما اضطره أخيراً إلى الهجرة، فراراً بدينه، واستمراراً لثورته، فغادر العراق إلى سوريا ولبنان، محققاً وعد الله سبحانه ( ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) (النساء: 100).

    ♦  مـــؤسساتــــة  ♦   

أدرك الشهيد بخبرته أن السكون تأسُّن في الفكر، وفساد في الروح، وأن الحركة نماء للجسم ونقاء للنفس، فأشعل جمر همة لا تعرف الكلل، وأوقد نار حركة لا يتطرق إليها الملل، واستل سيف عمل دؤوب يحدوه الأمل، ولبث صامداً صابراً حتى أخضرّت الأوراق، وتأرجت الأزهار، وأينعت الثمار، فكان منها:

- مدرسة الإمام المهدي الدينية في بيروت.

- الحوزة العلمية الزينبية في دمشق - السيدة زينب(ع).

- مكتب (جماعة العلماء) في لبنان الذي كان يقوم بمختلف النشاطات الدينية والثقافية والسياسية وغيرها على الساحة اللبنانية والعالمية.

- اللجنة الأدبية لتعليم الكتابة الأدبية لطلاب العلوم الدينية.

- مجموعة كبيرة من المؤسسات الخيرية والدينية والتربوية والاجتماعية والتثقيفية والصحية في كل من العراق وسوريا ولبنان وأوروبا وأفريقيا.

- عدد كبير من المساجد والحسينيات والمكتبات العامة في بلدان كانت في أشد الحاجة إليها.

- مؤسسة (دار الصادق) للطبع والنشر والتوزيع في لبنان، هذه الدار التي استطاعت - وفي مدة قصيرة - أن تطبع الكثير من الكتب وتنشرها وتوزعها في الشرق والغرب وبأكثر من عشر لغات، محققة أهدافاً سامية، ونتائج حميدة.

- عدد لا يستهان به من المجلات والدوريات منها: مجلة الإيمان، مجلة الأخلاق والآداب - أجوبة المسائل الدينية - صوت المبلغين - نداء الإسلام - القرآن يهدي - صوت الإسلام - ذكريات المعصومين - مبادئ الإسلام (بالإنكليزية) - دورية أعلام الشيعة - دورية منابع الثقافة الإسلامية، اللتان تعتبران مؤسستين ثقافيتين ودينيتين على غاية من الأهمية، فكانت الأولى (دورية أعلام الشيعة) تصدر كراسات شهرية، تتحدث في كل منها عن أحد أعيان الشيعة وعلمائهم وشخصياتهم وعظمائهم، من أمثال الشيخ المفيد، والشيخ الصدوق، والسيد المرتضى، والعلامة المجلسي والمحقق الحلي والشيخ الطوسي وغيرهم، وكانت الثانية (منابع الثقافة الإسلامية) تصدر كل شهر كتاباً يتحدث عن أحد المواضيع الإسلامية، وقد طبعت ونشرت ما يقرب من مليون كتاب داخل العراق وخارجه.

   ♦  رحـــــلاتــــــة  ♦   

لقد كانت همة الشهيد أعلى من أن يحصرها مكان، وكانت طموحاته الكبيرة وآماله البعيدة لا تعرف الحدود، ولا تعترف بالجنسيات، بل كانت تحلق به إلى القارات البعيدة والبلدان النائية، فكان رحمه الله يقوم برحلات تبليغية إلى مختلف البلاد العربية والإسلامية وغيرها للتعرف على المسلمين، واستكشاف أحوالهم، ومساعدتهم فكرياً وثقافياً، ونشر الكتب الإسلامية، وتأسيس الجمعيات والندوات الدينية.

فبالإضافة إلى رحلاته لكل من السعودية ومصر والكويت والبحرين ولبنان وسوريا، هناك رحلاته الموفقة إلى أفريقيا، التي قابل خلالها المسؤولين، ومختلف شرائح المجتمعات الإفريقية، وعقد الندوات وألقى المحاضرات وأمّ الصلوات.

من هذه الرحلات على سبيل المثال لا الحصر:

1- رحلته إلى ساحل العاج: حيث حقق فيها الأرضية الجيدة لامتدادات الفكر الشيعي ومرجعيته الأصيلة، ووضع حجر الأساس لبناء المركز الإسلامي الكبير، الذي ضم المسجد والنادي الحسيني والمكتبة العامة وعين فضيلة السيد رشيد الموسوي عالماً دينياً مشرفاً على هذه المؤسسات وممثلاً للمرجعية الدينية هناك، وقبل أن يقفل راجعاً إلى لبنان، وزع على مختلف الفئات في ساحل العاج عدداً كبيراً جداً من الكتب الدينية المهمة التي حملها معه.

2- رحلته إلى سيراليون: وفي هذه الرحلة أسس (الجمعية الثقافية الإسلامية) ومكتبة إسلامية عامة زودها بالكتب والمصادر الدينية، وعين العلامة السيد نعمة الله الهاشمي عالماً دينياً ممثلاً للمرجعية الدينية هناك، حيث قام بخطوات دينية مهمة ونشاطات إسلامية كثيرة، منها: تأسيس المدرسة الزينبية الهاشمية - تدريس مادة الدين في عدد من المدارس الحكومية العصرية - إلقاء المحاضرات الدينية في الإذاعة والتلفزيون - إقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية - القيام بجولات دينية في مختلف المناطق والمدن السيراليونية.

3- زيارته لفرنسا: وفي طريق عودته من أفريقيا، زار باريس، والتقى بالجاليات الإسلامية هناك، وتفقد أحوالهم، وقدم لهم الإرشادات الدينية والمساعدات المادية.

4- على أن أهم رحلاته على الإطلاق، رحلاته المتكررة إلى جبال العلويين، يلتقي بعلمائهم وجماهيرهم، يبدد عنهم غيوم الظلام الفكري الذي خيم عليهم خلال العصور المظلمة، من الكبت والضغط والإرهاب الفكري من الحكومات الجائرة، وينفض عنهم غبار الإهمال والإغفال، ويبطل التهم الموجهة إليهم، ويرسل لهم الضوء الأخضر للإفصاح عن هويتهم الحقيقية والجهر بمذهبهم الأصيل.

وقد رحب العلويون بهذه الخطوة المباركة واستفادوا من الحرية التي أزاحت الظلم والظلام فأعلنوا أنهم شيعة إماميون إثنا عشريون، وهم على مذهب الإمام جعفر الصادق عليه السلام، وأصدروا بذلك بياناً ختموه بأسماء ثمانين من علمائهم ورجالهم وشخصياتهم.

ولقد كانت هذه الخطوة من الشهيد إحدى الأسباب المهمة لانتقاده واتهامه من قبل الذين لم يفهموه من الدعاة والعلماء، لكن الشهيد لم يكترث لسهام النقد والاتهام وحافظ على صلته الوثيقة بالعلويين حتى آخر أيام حياته، وقد أسس في مدنهم وقراهم العديد من المؤسسات الخيرية كالمساجد والحسينيات والمكتبات العامة، كما قام بنشر وتوزيع مجموعة كبيرة من الكتب الدينية يتجاوز عددها المائتي ألف كتاب منها المجلدات الضخمة من كتب التفسير والتاريخ كالميزان والغدير وسواهما.

    ♦  نتاجاته العلمية والأدبية  ♦   

نظر الشهيد إلى الناس فرآهم اثنين:

كافر ومؤمن

جاهل وعالم

ظالم ومظلوم

فرثى لحال الكافر وأسف لجهل الجاهل وآلى على نفسه الأخذ بيده، وحارب ظلم الظالم، وأنس بالمؤمن، واستوزر العالم واستروح بعلمه واستنصر به، وعمل جاهداً مجاهدا لنصرة المظلوم مشمراً في سبيل ذلك عن ساعد الجد راكباً كل صعب لرفع الظلم عنه .

لم يلهه هم عن هم ولم يقعده شأن عن شأن ولم يستغرق في أمر استغراقاً يغفله عن أمر آخر.. آنس في ظلمة الليل جُنّة واقية فسعى سعيه فيها قائماً وقاعداً وراكعاً وساجداً وداعياً وذاكراً وتالياً ومتفكراً.

ورأى في ضوء النهار فرصة… فجرد القلم يذكّر الغافل، ويبلّغ الجاهل، ويمد العالم، ويحرك الراكد، ويهزّ الجامد، ويوقظ النائم، ثم يقف بالجميع ثورة تنتصف للمظلوم، وتعصف بالطاغية الظالم.

ذلك أن الشهيد (رضوان الله تعالى) عليه رغم هجراته ورحلاته، وأيام السجن والتعذيب والملاحقة والتشريد التي تعرض لها، فإنه لم يغمد قلمه، ولم يكسف شمس فكره، فألف وكتب مجموعة كبيرة من الكتب الدينية والعلمية والأدبية والتوجيهية، التي تتميز بقوة التعبير، وجمال الأسلوب، وعمق المعنى، وأهمية الموضوع، ومن أبرز هذه الكتب والمؤلفات:

1- موسوعة الكلمة وقد اشتملت على سبعة عشر مجلداً، اتخذت العناوين التالية: كلمة الإسلام، كلمة الله، كلمة فاطمة الزهراء(ع)، كلمة الإمام الحسن(ع)، كلمة الإمام الحسين(ع)، كلمة الإمام زين العابدين(ع)، كلمة الإمام الباقر(ع)، كلمة الإمام الصادق(ع)، كلمة الإمام الكاظم(ع)، كلمة الإمام الرضا(ع)، كلمة الإمام الجواد(ع)، كلمة الإمام الهادي(ع)، كلمة الإمام العسكري(ع)، كلمة الإمام المهدي(ع)، كلمة السيدة زينب(ع)، كلمة الأنبياء(ع)، كلمة العلماء والحكماء.

2- إله الكون. 3- إنجازات الرسول (ص). 4- رسول الحياة. 5- حديث رمضان. 6- الاقتصاد الإسلامي. 7- التوجيه الديني. 8- العمل الأدبي. 9- الأدب الموجه. 10- الاشتقاق (في علم الصرف). 11- أكثر من (20) مجموعة شعرية سيتم جمعها في ديوان بعنوان (ديوان الشهيد حسن الشيرازي).

على أن أهم نتاجاته الفكرية على الإطلاق كتابه: (خواطري في القرآن) في ثلاث مجلدات، وهو نتاج علمي فكري أدبي فلسفي ضخم، يستحق أن تفرد له الدارسات العديدة...

ولأن الشهيد قد صاغ أفكاره في الكتب التي ألفها بأسلوب أدبي حديث، وبشكل بسيط يختلف عن الأساليب القديمة في الكتابة، فقد امتلكت كتبه جاذبية آسرة، فلقيت إقبالاً شديداً من الناس، وخاصة الطبقة المثقفة منهم، فطبعت عدة مرات.

    ♦  شـــاعـــريتــــه  ♦   

ومن الجوانب المهمة في حياة الشهيد، شاعريته الثائرة التي تحدث عنها الكتاب في أكثر من مجال، حيث كان الشهيد يبث قصائده عبر خطاباته في الاحتفالات والمهرجانات والمجالس والندوات.

حيث تميز بالصدق والعمق والواقعية والثورية، وجسد الأدب الملتزم الهادئ، والتزم الأدب الإسلامي بأسلوب حداثوي بديع، وعبارة رشيقة، وكلمة بليغة.

واستمع إليه يخاطب الإنسان.. يهزه ليصحو من غفلته، وينهض من كبوته، ويقوم بأعباء المهمة التي كلفه بها خالقه سبحانه وتعالى:

أيها الإنسان يـــا أصل الضياء
لــــك حـــالاتٌ تعـــادي ذاتهــــا
ورؤىً أسرعُ مــن رف الهوى
غــرةٌ كالفكر والسحــــر معـــاً
فـــــإذا شئـــتَ وقـــودٌ حـــارقٌ
فتحرر مــــن نـــداءات الهـوى
دجِّن الجوَّ وسخِّرْ كرة الشمس

 

أنت - في أصلك - من أصل السماءْ
كصـراعــــــــاتِ بقــــــاء وفنـــــــاءْ
وقــــوىً أثقلُ مـــن وقـــــع الهـواءْ
وضميرٌ مثــــــل نجــــــم الشعـــراءْ
وإذا شئــتَ .. ولـــــيَّ الأولـــــيـــاءْ
وتجردْ منــــك وافعـــل مـــا تشـــاءْ
واستنفــــــر مجـــــرات الفضـــــاءْ

وإذا كان جهاده السياسي داخل العراق قد أودى به إلى السجن، ووضعه تحت أنواع وألوان التعذيب الرهيبة، وانتهى به إلى الهجرة، فإن جهاده السياسي خارج العراق، أوصله إلى الشهادة، في صورة اغتيال غادر من مخابرات الحكم في العراق.