مجلة النبأ - العدد61

 

لافتات مضيئة من (خواطري عن القرآن )

 

 

 

للسيد الشهيد حسن الشيرازي (قدس سره)

مهمة القرآن هي تقنين اتجاه الإنسان إلى الله، بصرف اتجاهه عن المعبودات التي لم ينزل بها من سلطان، وتكريس اتجاهه العبادي إلى الله وحده، وتوسيع هذا الاتجاه بحيث يشمل كل الإنسان، حتى يتجه إلى الله في تفكيره، وفي تعامله مع الحياة، ابتداءً بتعامله مع نفسه وانتهاءً بآخر ما يمكنه التعامل معه من مواد الحياة..

إذا كان تذكر المتفوقين يثير في الإنسان ركائزه، فإن تذكر الله - وهو يعي ماذا يعني (الله) - لابد أن يؤهبه للانطلاق بأقصى قدراته..

فالابتداء باسم الله، تنشيط حيوي للإنسان، بالإضافة إلى ما فيه من بركة روحية ومعنوية.

إن لكل كلمة يقولها إنسان؛ موجة إيحاء تنحدر إلى أعماقه، وموجة تأثير يصدرها إلى غيره، ومن يردد في كل تقلباته (الرحمن الرحيم) لابد أن يستوحي منهما ولو بعض معاني الرحمة..

سلطوية الشخص المعتمدة على عقدة العظمة، نوع من الانحراف الفكري، الذي يصاب به بعض الناس نتيجة لأسباب نفسية واجتماعية، وهذا الانحراف هو الذي يدفعهم إلى مغامرة النفاق..

كل إنسان يتعامل مع نفسه من خلال تعامله مع الآخرين، مهما حاول التظاهر بغير ذلك، ويكشف هذه الحقيقة بوضوح؛ أنه لا يشعر بالتناقض بين نفسه وبين الآخرين إلا ويبتعد عنهم، استعداداً للهجوم عليهم والثأر منهم، وأنه لا يشعر بأن عدواً - من أعدائه التاريخيين - يساعده على تأمين شيء من هدفه، إلا ويقلب الصفحة معه ويتعلق به وكأنه ولي حميم.

لا يفجر الحق - من تحت ركام نداءات الجسد، والتفلسفات - ولا يمنحه الشرعية والسيادة، غير القوة القاهرة، التي ترفض وتفرض، وهي قوة (الموت)، الذي يتقيه البشر أكثر من أي شيء آخر؛ فمن كانت معه قوة (الموت) فهو صاحب الحق، مهما توغل في الباطل، ومن خانته قوة (الموت)، فهو صاحب الباطل مهما توغل في الحق.

هنالك معادلة لا يستطيع البشر التخلص منها، معادلة: الله - الطاغوت، وطالما البشر ليس إلهاً حتى يكون مطلقاً، فهو خاضع لسلطة عليا.. وهذه السلطة قد تكون حقاً وهو الإله، وقد تكون باطلاً وهو الطاغوت.

إن العظماء لا يختلفون عن غيرهم في كمية المواهب أو نوعيتها، وإنما يختلفون في هندسة أعمالهم: فالعظيم هو الذي يهندس قبل أن يضع اللبنة، وغيره يرمي اللبنة ثم ينتظر وقعها.. والفاشلون ليسوا هم الذين لم يجدوا المواد الكافية لبناء أنفسهم، وإنما هم الذين فرطوا فيها فلم يجدوا أنفسهم..

إن الوجدان الإنساني واحد ثابت، لا يتغير من جيل إلى جيل ولا يتبدل من مجتمع إلى مجتمع، سميته (الضمير) أو سميته (العقل)، فهو وديعة الله في البشر، والقيّم في سلوكه، وإشراقة النور على دربه..

الشهيد هو الذي تصدت إرادته لأعلى درجات الفعل، وهو الاقتتال في سبيل توجيه أسرته الكبيرة: شعبه أو أمته.. فهو حي بأعلى درجات الحياة، وإن كانت حياته مختلفة عن حياتنا، المحجوبة بحجب الجسم..

القيمة الإنسانية - في الحسابات العليا - واحدة لا تتجزأ، وإن كان يجسدها ويمثلها كل إنسان تجسيداً كاملاً وتمثلاً كاملاً؛ فالاعتداء على أي إنسان، اعتداء على القيمة الإنسانية العامة التي تضم الناس جميعاً، وقتل أي إنسان، قتل للقيمة الإنسانية المشاعة في الناس جميعاً، كما أن احترام أي إنسان، احترام للقيمة الإنسانية المنتشرة في الناس جميعاً، وإحياء أي إنسان - بإنقاذه من الهلاك - إحياء للقيمة الإنسانية الموزعة في الناس جميعاً.

الفكرة توجه الإنسان وتقوِّم منه، ولكن للمصلحة فعاليتها.. وإذا تصارعت الفكرة والمصلحة، فالأقوى منها يقرر مصير الإنسان الذي تصارعتا عليه؛ فمن كانت إرادته قوية، يشجع الفكرة على الانتصار، ومن كانت إرادته ضعيفة، تنتصر فيه المصلحة على الفكرة..

لو أن أهل الرأي والسلطة آمنوا بواقع الحياة، وتحاشوا تياراتها، لسخّروا طاقات السماء، ودجّنوا مواهب الأرض.. ولكنهم كذبوا واقع الحياة، فكانت أعمالهم ويلات تضعفهم، وعقوبات لا يجدون عنها مهرباً..

التفكير المتناسق يحتاج إلى الاستعانة باللسان أو بالكلم، حتى يكون تفكيراً تشترك فيه أدمغة عديدة.. فلكي ننجح في الحياة، دعنا نفكر، ولنفكر تفكيراً مشتركاً..

الإنسان؛ إما أن ينغلق، وإما أن ينفتح، ومن يغمض إحدى عينيه لا يستوعب ما حوله بالأخرى وحدها، والذي يضع على عينيه نظارة سوداء لا يرى بقية الألوان..

إن في غلق باب الحوار نوعاً من إخناع المقود، وسلب بعض صلاحياته الإنسانية كمخلوق زوده الله بالعقل ليحركه في تفهم مصالحه، وبالتالي يؤدي هذا النوع من الانقياد القيادي إلى إشعار المقود بأنه أشبه بالآلة المسيّرة منه إلى الإنسان المخيّر..

إن البشر معتاد على الاعتراف - وحتى الإيمان - بالقوة المهيمنة ولو بغير حق، وغير معتاد على الاعتراف - مجرد الاعتراف - بالحق إذا لم يكن مهيمناً..

الموت الفردي باب للحياة الجماعية، التي هي سنة الله للإنسان، فالظالم الذي يمارس تشويه آثار الله بالتخبط في نظام الكون، والظالم الذي يمارس محو آثار الله في الأرض، بإبادة الإنسان، هذا الظلم يقتل، لتأخذ عدالة الله مجراها في نظام الكون، وليبقى الإنسان الذي كرمه الله وسخر له ما في السماوات والأرض..

إذا كان الحق هو التحدي مع الرغبات التي هي أعنف ما في البشر، فبمقدار ما يكبر الحق تتسع الجبهة وتعنف المواجهة، وبمقدار ما يستمر الحق يتواصل الصراع وتتوالى التضحيات..

القائد القوي لا يكتفي بمجرد انتماء قاعدته إليه، لأن مجرد انتمائها إليه لا يوجه طاقاتها إلى الهدف بالزخم المطلوب لتحقيقه، فلا بد من تفريغ القاعدة - بكل نوازعها - في الخط المنتمي إلى الهدف..

إن الشريعة ممتدة - بعموماتها وإطلاقاتها - على كل تصرفات الإنسان وفي كل المجالات، فلا تدع حركة، ولا وقفة، ولا نبضة.. إلا وتصنفها بأحكامها الخمس، حتى لا يوجد تعامل مع النفس أو مع الغير، إلا وتجد الله طرفاً فيه، ويجعله مورداً لحكم شرعي..

المنصب، والشهرة، والرتبة، وكل ما يشجع أنانية الإنسان.. ليس ملكاً له، لأنه يقوي رغبة من رغبات الأرض من أجل تقليص دور السماء فيه.. والمثاليات الموغلة في التقشف ليست ملكاً له، لأنها تقوي فيه نفحة من نفحات السماء على حساب رغبة من رغبات الأرض من أجل تذويب الأرض فيه..

الذين استوعبوا فلسفة الكون والحياة والإنسان، وعرفوا خالقها، وانسجموا مع ما استوعبوه وما عرفوا.. واستوعبوا الحياة، وعرفوا ممارستها.. هم الذين يستطيعون تحديد موقع كل فرد، ومنطلقه، والأسلوب الذي يوفق به للتحرك المنسجم مع إرادة الحياة..

حضارة الفكرة كفكرة لا تعطي عطاءها المطلق، إذا تقلصت في زاوية الأفكار،ولم تنتشر في كيان الفرد كله، فتطهر نفسه من كل ما لا يليق به كعنصر صالح..

إن الإنسان - في كثير من الأحيان - يتردد في اتخاذ القرار، رغم استعداده للإتقان، وقدرته على السيطرة على أمره.. وكثيرون من الذين يجدون هذه القدرة، ولكنهم لا يجدون الإرادة التي تمكنهم من متابعة الخطوة..

رسالة القائد الأعلى للأمة هي: تجربة الإنسان بوضع محاولة الإصلاح إلى جانب محاولة الإفساد، وترك الإنسان متأرجحاً بين المحاولتين، حتى يمكنه التعبير الكامل عن واقعه بالترجيح إلى جانب إحدى المحاولتين، لتتم تجربة الإنسان..

الإنسان الذي ينمو ويتوسع إنما يأخذ من الحياة والأحياء، فهو مدين للحياة والأحياء بمقدار نموه واتساعه، فعليه أن يسدد ديونه للحياة، بتصعيدها وتطويرها إلى الأفضل، وأن يسدد ديونه للأحياء بتصعيدهم وتطويرهم إلى الأفضل، وإلا يكون ظالماً سرق الحياة والأحياء، وعاش على أكتافها وأكتافهم عالة ومخادعاً..

إن لكل أزمة زخماً لا يمكن أن تنتهي ما لم تستنفد فورة ذلك الزخم، فاشتداد الأزمة يدل على بلوغ الزخم فورته.. وهذا يعني أنه آخذ في الانحسار، فلكل أزمة ذروة لابد أن تبلغها حتى تنتهي..

ركيزة (الطغيان) المتأصلة في الإنسان، ركيزة لا يمكن كبحها إلا بالاضطرار.. ولذلك جاءت الأديان لتوجد شعوراً أقوى - في قرارة الإنسان - بحاجته المستمرة إلى الله، مهما بلغ من حول وقوة في الدنيا..