النبأ

 

 من فقة الزهراء

 

 

الكتاب: من فقه الزهراء (ع)/ج2

الكاتب: الإمام محمد الحسيني الشيرازي

عرض: إبراهيم جواد

 

تمهيد:

لن أدخل في تعريف عن شخصية المرجع الديني الكبير سماحة الإمام محمد الحسيني الشيرازي، فهو غني عن التعرف، إلا أن اكثر ما يلفت النظر في حياته أنه أعجوبة الدهر ونادرة التاريخ في التأليف.

ففي خلال نصف قرن من الزمان أمد المكتبة الإسلامية بما يقرب من (1100) كتاب وكراسة، تنوعت لتشمل العقائد والكلام والمنطق والفلسفة والسياسة والاجتماع والاقتصاد، ناهيك عن الفقه والأصول، منها مثلاً:

- موسوعة الفقه: التي ضمت (150) جزءاً.

- موسوعة الحديث (وسائل الشيعة ومستدركاتها): ضمت (40) مجلداً.

- تقريب القرآن إلى الأذهان: (30) جزءاً.

- إيصال الطالب إلى المكاسب: (16) مجلداً.

- الوصائل إلى الرسائل: (5) مجلدات.

- الوصول إلى كفاية الأصول: (5) مجلدات.

- الأصول: (8) أجزاء.

- دراسات في الأصول: (5) مجلدات.

هذا إضافة إلى كتب متنوعة، وكراسات صغيرة.

ولن أعرّف بالسيدة فاطمة الزهراء (ع)، فإنها أكثر غنى عن التعريف، ويكفي أنها بنت سيد الأنبياء محمد (ص)، وزوج سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (ع)، وأم سيدي شباب أهل الجنة وريحانتي رسول الله (ص)، الإمامين الجليلين الحسن والحسين (ع)، وهي في نفسها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.

وإنما سأتناول بالدراسة السريعة الجزء الثاني من الموسوعة الهامة (من فقه الزهراء(ع)) المؤلفة من (6) مجلدات ضمن موسوعة الفقه.

في هذا الجزء من الموسوعة، سجل الإمام خطبة الزهراء(ع) في مسجد المدينة المنورة كاملة، ثم يضعها على بساط البحث الفقهي، ويعرضها على طرق الاستدلال، والقواعد العامة للفقه وأصوله، ليخرج بعد ذلك بجملة كبيرة جداً من الأحكام الفقهية، والآداب السلوكية والأخلاقية، يعرضها على مدى خمسة مجلدات كاملة؛ مستنداً في كل ذلك إلى ما كان قد قرره في الجزء الأول من الموسوعة من أن كلام الزهراء (ع) حجة على العباد في حد ذاته، ودليله على حجيتها قول ابنها الإمام الحسين(ع): (أمي خير مني)، وقول الإمام الحسن العسكري (ع) عن جدته الزهراء (ع):(.. وهي حجة علينا)، وقول الإمام المهدي (ع) : (وفي ابنة رسول الله (ص) لي أسوة حسنة)، إضافة إلى ما قام الإجماع عليه لدى الشيعة الإمامية الاثني عشرية من عصمتها (ع) وحجية قولها وفعلها وتقريرها)(1).

أحكام تتعلق بالنساء:

بعد هذا التمهيد الضروري نلج إلى استنباطات الإمام والأحكام والاداب الشرعية المستخرجة من خطبة الزهراء (ع)، فنجد أن الإمام - بادئ ذي بدئ - قد ساق مجموعة من الأحكام تتعلق بالنساء عامة، يقرر فيها:

- استحباب الرواية من النساء كما تستحب من الرجال؛ أولاً للإطلاقات في هذا الباب، وثانياً لأن من جملة رواة هذه الخطبة السيدة زينب بنت علي (ع)، ونقل هذه الرواية عنها المعصوم (ع).

وحيث أن السيدة زينب كانت في سن التميز (دون البلوغ) يوم سمعت الخطبة من أمها الزهراء، فقد استفاد الإمام من ذلك صحة تحمل المميز للرواية، وجواز الاعتماد عليه إذا رواها بعد البلوغ، كما لا يستبعد القول بالحجية أيضاً فيما لو روى قبل البلوغ(2).

- لا فرق بين الرجل والمرأة في جواز المطالبة بالحق، جوازاً بالمعنى الأعم الشامل للوجوب والاستحباب والإباحة.

وإن للمرأة - كما للرجل - أن تحضر مجلس القضاء، وترفع الشكوى للقاضي، وأن تدلي بالحجة اللازمة أمامه لبيان حقها أو ظلامتها وكذلك للدفاع عن نفسها(3).

- بل ويجوز - بالمعنى الأعم - خروج المرأة من البيت سواء كانت متزوجة أو لم تكن، لكن المتزوجة تستأذن زوجها في الخروج في غير الواجب منه(4).

- على أنه (ينبغي للمرأة أن تخرج مع غيرها - لا بمفردها - فإنه أكثر ستراً وحفظاً وصوناً لها من المخاطر، وينبغي أن يكون هذا الغير ممن تعرفهم المرأة دون من لا تعرفهم) (5).

- جواز دخول المرأة المسجد للصلاة والقضاء وسوى ذلك من الحاجات.

- وجواز دخول المرأة في مكان قد اجتمع فيه الرجال، مع الحفاظ على الحجاب وسائر الشرائط الأخرى، إذ الأصل في ذلك الإباحة ولا دليل على الحرمة(6).

- يجوز للمرأة أن تسمع صوتها للرجل إذا حفظت الموازين الشرعية من عدم الخضوع في القول، وعدم خوف الفتنة، وعليه فيجوز للنساء إلقاء الخطب وقراءة القرآن الكريم، ومجالس العزاء وما إلى ذلك في مجالس النساء، وإن وصلت أصواتهن إلى أسماع الرجال، كما يجوز تسجيل قراءتهن مع مراعاة الموازين الشرعية، بل ويجوز للرجال أن يسمعوا صوت النساء مع مراعاة الموازين الشرعية، وذلك كله لأصالة الحل، والإطلاقات، والسيرة المتصلة(7).

- كما لا بأس أن ترفع المرأة صوتها بالبكاء، ولا بأس في سماع الرجال الأجانب بكاء المرأة(8).

وبسبب شدة اهتمام الزهراء (ع) ببيان ملكيتها لفدك وأحقيتها لها، واهتمام الأئمة من بنيها(ع) برواية خطبة الزهراء، يقرر الإمام وجوب الاعتقاد بملكية الزهراء لفدك ولزوم بيان ذلك، والجهر به إحقاقاً للحق وإبطالاً للباطل(9).

- ويشفع ذلك بحرمة الاجتماع على الباطل، وحرمة تكثير سوادج جبهة الباطل، وحرمة إيذاء أهل البيت (ع)، ومنعهم من حقوقهم، بل وحرمة التمهيد لذلك والإعانة عليه، وحرمة الغصب ومصادرة الأموال والأراضي والعقارات والمزارع وغيرها، لا فرق في ذلك بين الدولة والأفراد، بالصفة الفردية أو المؤسساتية؛ كالجمعيات والأحزاب والشركات وسواها، ومن غير فرق أن يكون الغاصب - أو المغصوب منه - رجلاً أو امرأة، كبيراً أو صغيراً(10).

آداب الحديث:

بعد ذلك ينتقل الإمام - تبعاً لفقرات الخطبة - إلى بيان بعض آداب الحديث مثل:

- استحباب أن يفتتح المتكلم أو الخطيب حديثه بما يهيئ النفوس ويعد الأذهان لتقبل الكلام.

- استحباب افتتاح كل أمر بذكر الله وحمده جهراً، وتقديم الحمد بعد البسملة بلا فاصل ثم الثناء الجميل على الله سبحانه والصلاة على الرسول (ص)، وعلى آله الأطهار (ع).

- مراعاة حال المستمع ومدى تهيئه للاستماع إلى الحديث.

- استحباب شكر الله تعالى بعد ذكره وحمده والثناء عليه وخاصة عند اشتداد البلاء وهجوم المصائب على الإنسان.

- استحباب أن يتوجه المظلوم إلى الله تعالى بقلبه، وأن يذكره بلسانه، في كل حال، وفي حال تمهيد الأسباب لرفع الظلم والضيم عنه.

بحث حول التوحيد:

ثم يدخل الإمام بعد ذلك في بحوث عقائدية يبدؤها ببحث حول التوحيد فعن كلمة التوحيد (أشهد أن لا إله إلا الله) يقول:

)التعبير بـ(أشهد) دون (اقرأ) أو (أعترف) أو ما أشبه ذلك، نظراً لأن (الشهادة) و(الشهود) هو أعلى مراحل الإدراك، ووجوده تعالى ووحدانيته من الوجدانيات والفطريات، فهو معلوم للإنسان بأجلى أنحاء المعرفة.. وكلمة التوحيد مركبة من عقد سلب وعقد إيجاب، فنفي الباطل والغير أولاً، ثم إثبات الحق المحض المطلق) (11).

وذكر الزهراء (ع) لكلمة التوحيد في الخطبة مستحب بقصد التعليم والتزكية والتأكيد والتذكير وإتمام الحجة(12).

ثم يعقب الإمام على ذلك بوجوب الاعتقاد وجوباً فطرياً وعقلياً بوحدانيته تعالى وبأحديته، أما النطق بلفظ الشهادة فمستحب إلا في مثل التشهد في الصلاة حيث قام الدليل على الوجوب(13).

ويقرر الإمام وجوب الاعتقاد بأن الله تبارك وتعالى ليس بجسم ولا يحل في جسم، وليس في جهة، ولذلك فإن رؤيته ممتنعة على (الأبصار) لا على (البصائر) (لا تدركه العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان)، كما هو مروي عن الإمام علي (ع)، مصداقاً لقوله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار).

وكما أن العين لا تحيط بالله سبحانه، فكذلك اللسان لا يمكنه وصف الله سبحانه حق الوصف، لأن مفردات اللغة محدودة، واللسان أيضاً محدود كماً وكيفاً، وصفاته تعالى غير محدودة، والمحدود لا يمكنه أن يستوعب غير المحدود(14).

وعلى ذلك فإنه يكره التفكر في ذاته تعالى، وقد يحرم كما ورد في الروايات، لأن ذلك كثيرا ما يسوق الإنسان إلى الافتراء على الله وإلى أنواع من الانحراف العقائدي(15)، وإنما يستحب التفكير في أفعال الخالق جل وعلا، وفي مخلوقاته، وفي شؤونه سبحانه في الجملة؛ في الإطار الذي بينته الآيات والروايات، وعلى ضوء المنهج الذي رسمه القرآن والعترة (ع).

ويستطرد الإمام في موضوع التوحيد فيقرر وجوب الاعتقاد بقدرته تعالى ومشيئته وإرداته، وأنه الفاعل المختار والغني المطلق الحكيم، الذي تجب عبادته والامتثال لأوامره ونواهيه، ويستحب إظهار العبودية له تعالى، لما في ذلك الإظهار من تقوية لقلوب الناس ودعوتهم بالأفعال ووقائع الأحوال للارتباط بالله سبحانه وتعالى، وحرمة عبادة غير الله تعالى(16).

بحث في النبوة:

وبعد استرسال طويل في التوحيد وقضاياه ينعطف الإمام - تبعاً لخطبة الزهراء (ع) - إلى قضايا النبوة، فيوجب الاعتقاد بنبوة النبي الأعظم محمد (ص) ورسالته، لأن من لم يعتقد بنبوته كان كافراً وإن اعتقد بنبوة جميع الأنبياء السابقين، أما التلفظ بالشهادة الثانية (أشهد أن محمداً رسول الله) فهو مستحب في مختلف الأحوال في الخطاب والخطبة وحين التفرد والخلوة، لكنه في الأصل واجب كما في الصلاة، وبالمقدار الذي يحقق الغرض من قول الرسول (ص) - كما في الروايات -: (الإيمان تصديق بالجنان - القلب - وإقرار باللسان، وعمل بالأركان).

كما يجب الاعتقاد بأن النبي (ص) عبد لله تعالى وكذلك غيره من الأنبياء والأئمة (ع) ويحرم الغلوّ فيهم في قبال من يتوهم أنهم (ع) شركاء لله سبحانه أو أبناؤه، فيما يستحب التلفظ بالشهاد ة أنه وسائر الأنبياء والأئمة عبيد الله سبحانه وتعالى، وقد يجب كما يستحب أو يجب - كل في مورده - بيان فضائل الرسول (ص) كما بينت الزهراء (ع) فضائله في خطبتها.

ويفيض الإمام في مباحث النبوة - تبعاً لفقرات خطبة الزهراء (ع)- فالرسول معين ومختار - اختياراً وجوبياً - من قبل الله سبحانه، وذلك لما يحمل من مواصفات تؤهله لكي يكون رسولاً لرب العالمين وحجة على الناس أجمعين، وكذلك الإمام، ومن جملة تلك الصفات العصمة اللازمة عقلاً وشرعاً في النبي والإمام (ع)(17).

ويستحب - أو يجب - تأسياً بفعل الرسول صص، وتخلقاً بأخلاق الله تعالى أن يكون المسلم كالمصباح المنير للمجتمع ينير له سبيل الرشاد، ويكشف البُهَم عن قلوب العباد، ويزيح الستائر عن بصائرهم، وكذلك فإن هداية الناس إلى الواجبات واجبة، وإلى المستحبات مستحبة وكذلك فيما يتعلق بالمحرمات والمكروهات، إنقاذاً للناس من الغواية، وتبصيراً لهم من العماية، وهداية لهم إلى الدين القويم وانتهاج الطريق المستقيم(18).

ثم يرشد الإمام إلى استحباب الصلاة على النبي وآله بعد ذكر اسمه الشريف، فإن الصلاة على النبي وآله أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة، وهي أفضل أعمال يوم الجمعة، لأنها تهدم الذنوب هدماً كما جاء في الروايات الصحيحة(19).

ويذكر - كما فعلت الزهراء - العباد بمسؤولياتهم: امتثال الأوامر والنواهي، حمل راية الدين والوحي، وقاية النفس والائتمان عليها (ومن ذلك وجوب حفظ النفس، وحرمة الانتحار، بل وحرمة الإضرار البالغ بالجسم أو الروح)، تبليغ وهداية الأمم جيلاً بعد جيل، وقبيلاً بعد قبيل(20).

مع القرآن الكريم:

ثم يخص القرآن الكريم بمساحة واسعة في بحثه الهام عن فقه الزهراء (ع)، فيوجب جعل القرآن زعيماً في كافة شؤون الحياة؛ لأنه حبل الله المتين ونوره المبين، وهو عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن تبعه، ويوجب الاعتقاد بأن القرآن الحكيم عهد إلهي منزل من الله سبحانه ومحفوظ من قبله من أي تحريف أو زيادة أو نقصان، وأنه خليفة الله في الأرض وثقله الأكبر، حيث أن العترة الطاهرة هي الثقل الآخر الملازم له، والذي لا يفترق عنه في أي مرحلة من المراحل أو زمن من الأزمان، وأن القرآن هو الصادق المصدق، والنور الذي تجب الاستنارة به في ظلمات الحياة، وأن ظواهر القرآن حجة على الناس مطلقاً، وأن تعاليمه واجبة الاتباع بحيث يحرم اتباع ما يخالف القرآن، وأنه تستحب تلاوة القرآن والاستماع إلى تلاوته، وإذا تزاحمت التلاوة مع الاستماع، قدم الاستماع على التلاوة، ويكره التشاغل عن الاستماع إلا لضرورة أو أمر مهم، كما يستحب التدبر في الآيات القرآنية(21).

بحث حول الإمامة:

وبعد بحوث شيقة وهامة عن القرآن الكريم وأحكامه الشرعية، ينتقل سماحة الإمام الشيرازي إلى موضوع الإمامة، فيقرر ابتداءً وجوب الاعتقاد بإمامة أهل البيت (ع)، لأن ذلك نجاة للأمة وأمان من الفرقة، وكذلك وجوب طاعتهم حفظاً للنظام وضماناً لاستقراره.

كما يجب السعي لتحقيق فعلية سلطتهم وحاكميتهم باعتبارها أماناً من الفرقة، وذلك يستدعي وجوب إيجاد الشروط والظروف الموضوعية التي توفر الدعم والحماية لهم، فإن حمايتهم حماية للشريعة، ومن تلك الشروط الجهاد معهم في سبيل الله، والصبر على أداء الواجبات وعن المحرمات، والصبر في النوازل والمصائب، فإنه لا يتقدم متقدم في أي بعد من أبعاد الحياة - سواءً كان فرداً أم جماعة أم أمة - إلا بالصبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومراعاة المصلحة العامة، وما إلى ذلك من الشروط الموضوعية(22).

أحكام وآداب سلوكية:

بعد ذلك يستنبط الإمام مجموعة من الآداب السلوكية والأحكام الشرعية من خطبة السيدة الزهراء (ع)، كوجوب بر الوالدين وحرمة إسخاطهما، لأن رضاهما من رضى الله سبحانه وسخطهما من سخطه، ووجوب صلة الأرحام لأن صلة الرحم تنسئ في الآجال وتزكي الأعمال وتنمي الأموال، (وكما تجب صلة الرحم يحرم قطعها كذلك)، ومنها استحباب أن يأتي الإنسان بما يؤدي إلى طول عمره، من الأسباب والعوامل الجسمانية والنفسانية والغيبية، واستحباب تكثير النسل لقول الرسول (ص): (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، وجواز القصاص (عدم وجوبه)، وضرورة بيان وتوضيح فلسفة العقوبات في الإسلام للناس، حتى لا يتهموا الإسلام بالغلظة والقساوة، ووجوب حقن الدماء وحرمة إراقتها بل مطلق صيانة النفس وعدم إزهاقها، ولو بحرق أو غرق أو سم أو ما شابه ذلك، وكذلك بالنسبة إلى إسقاط عضو من أعضاء جسم الإنسان عن الفعالية وإذهاب قوته، ووجوب الوفاء بالنذر إذا اجتمعت فيه شروطه والعهد كذلك والوعد مثلهما، ولزوم أن يجعل الإنسان نفسه في معرض مغفرة الله، وأن يتجنب المواطن التي تجعله في معرض غضبه تعالى، ووجوب توفية المكيال والميزان وحرمة مطلق بخس الناس أشياءهم، وحرمة شرب الخمر واستعمال المخدرات ومقارفة الميسر والاستقسام بالأزلام والذبح أمام الأنصاب والأصنام، لأنها جميعاً رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابه والانتهاء عنه، بل واجتناب كل رجس عموماً، وحرمة القذف والسب، واجتناب المواطن التي توجب اللعن كالكفر والشرك والكهانة والتنجيم ونكاح البهيمة واليد وأذى الناس وسب الوالدين وسوى ذلك من المصاديق الكثيرة المذكورة في الروايات.

وكذلك حرمة السرقة والزنا ووجوب التحلي بالعفاف، وحرمةالشرك الجلي منه والخفي(23).

مع التقوى:

وتبعاً لمقاطع خطبة الزهراء (ع) يعرج الإمام على التقوى متحدثاً عن معانيها ومراتبها، وأن التقوى حق التقوى إنما تتحقق بالعبودية المطلقة لله سبحانه وتعالى، أي العبودية التي لا تشوبها شائبة من رياء أو سمعة أو عجب، أو أي نوع من أنواع الأنانية، وهي التي تتحقق بالرضى بقضاء الله على النحو الأتم، وبذكر الله دوماً بحيث لا يغيب عن القلب والفكر أبداً.

وحق التقوى له مراتب متصاعدة لا تحد بحد، ويتعذر على غالب الناس الوصول إليه - عدا المعصومين (ع) - ولذلك قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) (التغابن: 16)، فذلك هو الحد الأدنى الذي على الإنسان أن يحققه، وأن يسعى بعد ذلك إلى تحقيق قوله تعالى: (واتقوا الله حق تقاته)، فالتقوى إذن غير محدودة كماً ولا كيفاً(24).

ويختم الإمام المجلد الثاني من موسوعته (من فقه الزهراء(ع)) بمسألة الموت على الإسلام؛ بمعنى الحرص الدائم على التقوى، ووجوب الاستمرار في الاعتقاد الحق إلى آخر لحظة من لحظات العمر، ليكون الموت في نهاية المطاف على حالة الإسلام المطلق تحقيقاً للأمر الإلهي في القرآن الكريم: (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) ، فالموت أمر غير اختياري لا يملك أي إنسان دفعه عن نفسه أو تأخيره أو تحديد زمن وقوعه، لكن الموت على حالة معينة وصفة مخصوصة متروك لاختيار الإنسان فهو إما أن يختار الموت مسلماً أو يختار سوى ذلك.

وعموماً فكل ما يؤدي إلى حسن عاقبة الإنسان فهو راجح ومطلوب، اللهم إنا نسألك حسن الختام، وأن تجعل عاقبة أمورنا إلى غفرانك ورحمتك يا أرحم الراحمين، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المنتجبين الأخيار النجباء....

الهـــوامـــش:

(1) من فقه الزهراء (ع): المجلد الأول ص10-11.

(2) من فقه الزهراء (ع): م2/ص59-61.

(3) المصدر: 2/70.

(4) المصدر: 2/79.

(5) المصدر: 2/80-81.

(6) المصدر: 2/86-91.

(7) المصدر: 2/98.

(8) المصدر: 2/99.

(9) المصدر: 2/63.

(10) المصدر: 2/64-66.

(11) المصدر: 2/138.

(12) المصدر: 2/139.

(13) المصدر: 2/140-141.

(14) المصدر: 2/151-152.

(15) المصدر: 2/153.

(16) المصدر: 2/138-186.

(17) المصدر: 2/187-197.

(18) المصدر: 2/222-238.

(19) المصدر: 2/255-256.

(20) المصدر: 2/274-287.

(21) المصدر: 2/288-321.

(22) المصدر: 2/278-400.

(23) المصدر: 2/401-445.

(24) المصدر: 2/446-450.