النبأ

 

من هدي المرجعية

 

 

 

 حدود حقوق المرأة وواجباتها في الشريعة المقدسة

الإسلام؛ بما هو دين سماوي مصدره الباري عز وجل الذي خلق الخلق طراً، فإن تعاليمه وأحكامه التامة، معنى ومبنى وموضوعاً، تتجه لعالم المخلوق أينما حل، زمانياً ومكانياً، على وجه الإطلاق، وعلى نحو يلوي الأعناق على حقيقة كون صاحب الشيء يعرف كل شيء؛ وكذلك فإن هذا الدين القويم - بما هو نظام عالمي - قوامه التقدير والتدبير الإلهي، قد ضم قواعد وأحكاماً متوجهة إلى الإنسان، ومستمرة عليه مطلقاً، من حيث هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وهو أمر لا حدّ زمانياً أو مكانياً له.

وكما هو واضح وثابت، فإن الدين هو مجمل التعاليم والأحكام السماوية التي تسبب التوازن الكامل في جميع حلقات ومقاطع المجتمع الإنساني، على صعيد الواقع المعاش، في سائر جهاته، فضلاً عن شأنها فيما يربط الإنسان بعالم الغيب؛ فكان لهذه التعاليم الشأن والقدرة على انتشال الإنسان من واقعه الذي ران على قلبه وفطرته السليمة، عبر إعطائه الحلول المناسبة التي تعيد له التوازن المطلوب في جميع

شؤونه.. وكان لها أيضاً القدرة على الاستمرار مع الواقع المعاش، حتى يصل هذا الإنسان إلى الهدف المنشود، ويحصل على سعادة الدنيا وحسن المآب في الآخرة التي هي حتمٌ لا ريب فيه.

وبهذا فقد أعطى الإسلام حلاً بلغ شأواً بعيداً تخلفت واختلفت عنه جميع الحلول الوضعية التي لا تنسجم مع فطرة هذا المخلوق الذي تأبى روحه - وهي من أمر الله تعالى - أن تعلق بتراب الأرض وتتلبث فيه، وهو من السعة والشمول بحيث استوعب كل تفاصيل حياة الإنسان، من جهاتها المادية والمعنوية، كما أنه ناظر إلى صلاح معاشه ومعاده..

وهنا لابد أن نذكر الأزمة الاجتماعية التي باتت تعصف اليوم بالإنسان المعاصر، والتي صارت تتوسع مع التوسع الحضاري المادي؛ ولعلّ من أبرز معالم هذه الأزمة المتفاقمة، انشداد الحس الإنساني - في الغالب الأكثري - إلى عظمة المادي، وانصرافه عن عظمة المعنوي، وعدم الموازنة بين الجوانب الحقوقية والجوانب الأخلاقية، وهو أمر واضح وظاهر في حياة المجتمعات المبهورة أنفاسها من قطع أشواط ومراحل طويلة، وخوض ثورات وانقلابات واستحالات، حتى ظفرت بقدر يذكر من التقدم في مجال الحقوق دون الأخلاق، ونعني بتلك المجتمعات مجتمعات العالم (الأول)، التي ما فتئت تتردى في وهاد الانحطاط الأخلاقي والانهيار المعنوي..

المشكلة الاجتماعية سببت آثاراً وخيمة، انفلتت من العقال، على جميع أفراد المجتمع بكلا شطريه، الرجل والمرأة، وخصوصاً المرأة، حيث لم تجد غير الإسلام أنصف مكانتها وبث فيها روح الاعتزاز، والثقة بالنفس، ورسم لها حدود الحقوق والواجبات، لها وعليها.

ولم لا؟ فهي الأم والأخت والزوجة، شكلت نصف المجتمع، وربما أكثر من النصف، وهي لبنة الأجيال الممتدة على ممر الدهر.

وخير ما يرسم حدود حقوق المرأة هو القرآن الكريم، حيث قال سبحانه وتعالى: (ولهنّ مثل الذي عليهنّ) (البقرة: 228).

وقال سبحانه: (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) (الملك: 3).

وقال عزّ من قائل: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالا كثيراً ونساءً) (النساء: 1).

وقال تعالى: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما) (البقرة: 35).

إلى غيرها من الآيات الشريفة، مضافاً إلى الكثير من الروايات الدالة على حقوق المرأة ولزوم احترامها وحفظ كرامتها.

دعاة الحرية والمساواة..

غالب الكلام في موضوع (الحرية والمساواة) في عالم اليوم يدور حول حرية المرأة وحقوقها، والمساواة بينها وبين الرجل.. ودعاة المساواة وحقوق المرأة الغربيون هم أول من ظلموا حقّها، ولتعاسة أغلب النساء في عالم اليوم، تراهن يتمنين لو أنهن لم يسمعن بهذه الدعاوى ولم يستمعن إليها..

نعم؛ هناك من انتفع بهذه الدعاوى من النساء، لكن ذلك اقتصر على شريحة معينة منهن، ويمكن أن نقول: إن الطبقة التي انتفعت من هذه الدعاوى هي بعض الطبقة (المترفة) أو قسم من الطبقة الغنية، أما الطبقات المسحوقة فكان نصيبها المزيد من السحق والاضطهاد.

ثم إن دعاة المساواة وحقوق المرأة، لما دعوا إلى نزول المرأة إلى ميدان العمل لمشاركة أخيها الرجل - كما يدّعون - بحجة المساهمة في البناء، لم يحددوا نوع العمل الذي يجب أن يسند إليها، ليتلائم مع طبيعتها النسوية؛ مما استدعى ظهور إشكالات أخرى، فعندما تخرج المرأة للعمل - وغالباً ما يكون عملها في الميادين التي لا يمكنها اصطحاب أولادها فيها - فإنها تترك وراءها بيتاً فيه أطفال صغار بحاجة إلى خدمة ورعاية، وليس هناك من يرعاهم؛ لأن الأب هو الآخر يكون مشغولاً بالعمل خارج البيت.. إذاً من سيقوم برعاية هؤلاء الأطفال؟ ومن سيسدّ فراغ الأم؟.

هنا يبرز الرّق مرة أخرى؛ لأن الذي سيقوم بخدمة ورعاية الأطفال، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية الأخرى، بدلاً عن ربّة البيت، هي امرأة أخرى تأتي لتنوب منابها بصفة (خادمة) أو ما أشبه، على حين ستنعم الأولى باسم (سيدة)؛ إذاً فما الذي فعله دعاة حقوق المرأة؟ أم هل إن دعاوى حقوق المرأة تختص (بالسيدات) دون (الخادمات)؟!.

هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى نرى التفاوت في سوح العمل واضحاً، حيث اقتصار الميادين السهلة على شريحة معينة من (المترفات)، واكتظاظ الميادين الشاقة بشريحة عريضة من النساء (المسحوقات)..

فهل من الإنصاف المطالبة برفع الحيف عن المرأة عبر تكليفها بما لا يطاق؛ لتصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار؟!.

شعار تحرير المرأة ماركة تجارية..

مما سبق نعرف أن دوافع إطلاق مثل هذه الشعارات المزيفة كثيرة، منها ما خفي، ومنها ما ظهر..

لكن الدافع الأقوى، كان دافعاً اقتصادياً بحتاً؛ حيث أن إطلاق تلك الدعاوى برز إثر الثورة الصناعية في الغرب، وما نجم عنها من توسع في الدوائر الإنتاجية ووسائلها، وتزايد رؤوس الأموالِ، ونفوذ أصحابها في مراكز القرار ومواطن الدعاية والإعلام؛ حيث أن مؤسساتهم الإنتاجية الواسعة بحاجة إلى أيدي عاملة رخيصة، فبهذه الدعاوى حصلوا على كم هائل من الأيدي العاملة الرخيصة لديمومة إنتاجهم وزيادته بكلفة أقل؛ وذلك عن طريق استخدام النساء.

مضافاً إلى ذلك، فإنهم - لترويج بضاعتهم والدعاية لها - جعلوا من المرأة آلة رخيصة للإعلان؛ فهتكوا عزها وسترها، كما جرّوها إلى الفساد والدعارة، بغية تحقيق الأرباح الطائلة.. وهكذا كان الهدف من هذه الشعارات والدعاوى، هو الاستثمار الاقتصادي، بواسطة المرأة المسكينة.

أي المجتمعين أفضل للمرأة؟..

لو خيرنا المرأة العاقلة بين العيش في ظل المجتمع الغربي، والعيش في ظل المجتمع الإسلامي، فماذا ستختار بعد أن تطلع على كل ما لها وما عليها في المجتمعين؟.

فهي بين أمرين؛ إما أن تختار الحشمة والوقار والعفة والكرامة والفضيلة والعزة والأخلاق والتقدم، وكل الصفات الحسنة التي تزيدها فخراً وشموخاً..

وإما أن تختار الفساد والانحلال والانهيار والوقاحة والهوان والرذيلة والخداع والغش، وكل الصفات السيئة التي تحطّ من قدرها، وتجعلها لعبة دنيئة يعبث بها من أراد، ثم ينبذها بعد أن يملّها.

وقطعاً إن المرأة العاقلة ستختار الفضيلة، أما غيرها فستفضل الرذيلة، وتنغمس فيها دون الالتفات للهوان الذي ينزل بها، فيسهل عليها ذلك، فهي كما قال الشاعر:

من يَهن يسهل الهوان عليه مالجرح بميت إيلام

فهل أفضل لها أن تعيش في ظل مجتمع يجعلها بائسة تلهث وراء لقمة العيش، وتلاقي ما تلاقيه من تعب ونصب وإهانة وازدراء، وهدر لكرامة، وتعرض للآلام، وانغماس في المزالق؟.

أم خيرٌ لها أن تعيش في ظل مجتمع يكفل لها عيشها، ويضمن لها حريتها، ويصون كرامتها، ويدعها تعيش في بحبوحة من الرفاه والعيش الرغيد بفخر واعتزاز؟.

وهل خير لها العيش في مجتمع يحرمها من حقها الطبيعي في الحياة، وهو الأمومة التي هي حلم كل فتاة، ليجعلها سلعة تعرض في سوق المستهلكين، أو ليجعلها كرة يتلقفها الصولجان ليرميها إلى آخر؟!.

أم خير لها أن تعيش في مجتمع يمنحها دستوره الكريم كل شيء، فيقول: (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن) (البقرة: 187).

أين هي المساواة؟!..

كثيراً ما أطلق شعار المساواة بين المرأة والرجل من قبل التقدميين - حسب ادعائهم- حتى بلغ درجة الضجيج، فهل المساواة هي تشبّه المرأة بالرجل، والرجل بالمرأة، والاختلاط المبتذل؟ وأين هذه المساواة التي أصبحت في الغرب علامة تجارية، من المساواة التي يصرح بها القرآن الكريم بقوله: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) (النساء: 1).

وكذلك قوله تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدّ الله لهم مغفرةً وأجراً عظيماً) (الأحزاب: 35).

فالمرأة إلى الآن لم تحصل على أقل حقوقها في الغرب، وكل ما حصلت عليه من المساواة هو ابتذالها، وجعلها في متناول الأيدي لأغراض دنيئة، حالها في ذلك حال بقية المعروضات، بل قد تفضلها بعض تلك المعروضات، لما تجده من صيانة واضحة أثناء العرض، أو ما توسم به من ثمن باهظ!.

فغاية ما حصلت عليه هو إهانتها؛ حيث تستخدم - تارةً - كعارضة أزياء، وتارة للدعاية التجارية الرخيصة، من قبيل استخدام صورتها على أغلفة الصابون، وأخرى للترويج، من مثل توظيفها في المحلات التجارية، كبائعة أو خادمة في مطعم، وإلى كثير من الحالات التي تحط من قدر المرأة، وتجعلها سلعة تباع وتشترى، بغض النظر عن الأشغال الشاقة التي تقوم المرأة بأدائها، وهي خارجة عن طاقتها، وغير مناسبة للطافتها؛ إذ إن (المرأة ريحانة وليست قهرمانة) (1) .

التساوي في الشرع الإسلامي..

قال سبحانه وتعالى: (ولهن مثل الذي عليهنّ بالمعروف) (البقرة: 228).

إن المرأة لها مكانة في الإسلام مساوية لمكانة الرجل، في جميع الحقوق والواجبات، والأصل هو التساوي في ذلك، إلاّ بعض المستثنيات التي هي في مصلحة الرجل والمرأة كليهما؛ فالرجل هو الأب، والمرأة هي الأم، وهذا لا يعني الظلم بحق أحدهما، بل هو المناسب لخلقتهما وعواطفهما، وكذلك في درجة القوامة، حيث قال تعالى: (وللرجال عليهنّ درجة) (البقرة: 228)، وقال أيضاً: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) (النساء: 34)، ودرجة القوامة هذه ليست نقصاً في المرأة مطلقاً، بل القوامة (القيادة أو الإمارة) شيء لابد منه لتسيير الحياة بصورة منتظمة، حيث أنه (.. لابد للناس من أمير بر أو فاجر) (2)، أي إن القوامة مفروضة حتى على الرجل نفسه، فهل الرجال يرفضون تنصيب قائد عليهم؟.

والمفروض أن مجموعة من الرجال إذا سافروا - مثلاً - فعليهم أن يرشحوا أحدهم للإمارة عليهم في سفرهم، فكيف إذا كان ذلك في بيت واحد يضم ذكراً وأنثى وأولاداً وبنات.. وكان ذلك في الغالب مدى الحياة، أفلا يرشح أحدهما للإمارة أو القوامة؟ وفي الحقيقة أن كل القوانين ترشح الذكر، وليس الحال هذا خاصاً بالإنسان وحده، بل إن ذلك يصدق على الحيوانات والطيور أيضاً؛ فنرى أن الذكر هو المتقدم على الأنثى في السير، أو أن الذكر هو الذي يسعى للحصول على الطعام وتوفير الأمن والحماية، في حين أن الأنثى وظيفتها الحضانة والرعاية، ولعلّ ذلك سنة الله عز وجل في مخلوقاته جميعاً.

غاية القول فإن المرأة في الإسلام ليست مفرطة ولا مفرّط بها، كما هو الحال في الشرق والغرب، فإنهما قد أفرطا في المرأة أو فرّطا فيها.

فمثلاً، في الصين كانت المرأة تضطهد أكبر اضطهاد حتى إن بعضهم كان يجعل رجليها في أحذية من حديد، لكي لا تكبر؛ استخفافاً بها وتحقيراً لها..

وفي الغرب.. قد فرّطوا في حقها من جهة الخلاعة والسفور والاستهتار، وجعلوها إعلاناً للبضائع، وجروها إلى مواقع الفساد كالمواخير وغيرها..

بينما نرى الإسلام - بفضل المعصومين (ع) - سبّب أن تنال المرأة كامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها؛ فللمرأة أن تتدخل في كل الشؤون التي لا تختلط بالفساد والمحرمات.. نعم يستثنى من هذه الشؤون الإمارة والقضاء ونحوهما لأدلة خاصة، عقلية ونقلية، على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.

فوارق بين الرجل والمرأة..

جذور الإنسان إلى أبيه وأمه، تولد له حالة وجدانية متوسطة بين (الوجدان الأصولي) و(الوجدان العاطفي)، حيث أن كلاً منهما ضروري في الحياة، لكن هذين الوجدانين في داخل الرجل يختلفان عنهما في داخل المرأة؛ حيث أنه في داخل الرجل يترجح الوجدان الذكوري، بينما في داخل المرأة يترجح الوجدان الأنثوي؛ كما نجد عند الأمهات أيضاً بعض القوانين والضوابط.

وتبعاً لوجدان الأم العاطفي، لم يجعل الإسلام للمرأة منصب (القضاء) و(الإمارة) و(الولاية) ونحوها، بينما جعل هذه الوظائف للرجل، وقد أثبتت المرأة بنفسها عدم انسجامها مع هذه الوظائف؛ ولذا نشاهد في عالم اليوم أن المرأة لم تخترق حواجز الرئاسات والوزارات والإمارات ودور القضاء وما أشبه، إلا نادراً، مع أن غالب البلدان عاندت قوانين السماء وقررت المساواة بين الرجل والمرأة في كل الشؤون، وليس السبب أن هناك حائلاً قانونياً يحول دون تسلّم المرأة لتلك المناصب، وإنما الحائل نفسي طبيعي مودع في داخل المرأة؛ فهي غير منسجمة مع مثل هذه الأعمال؛ كالسيارة الصغيرة التي هي كاملة في حد ذاتها لكنها لا تطيق حمل الحديد والإسمنت وما أشبه.. بينما السيارة الكبيرة تطيق ذلك، علماً بأنها ليست صالحة لنقل المسافرين، لا من جهة نفسها، وإنما من جهة المسافرين، حيث أن ركوبها يسبب لهم أذى وصعوبات؛ فكل واحدة من السيارتين كاملة في جهاتها، لكن كمال هذه يلائم نقل المسافرين، وكمال تلك يلائم حمل الحديد وما أشبه.

الولاية للأب..

وحيث أن الأب لا يلد ولادة كولادة الأم، وأنه مشرف وقوّام، كما في الآية الكريمة: (الرجال قوامون على النساء) (النساء: 34)، لذلك فإن جذور الإنسان بالنسبة إلى أبيه جذور قانونية، وهذه الجذور القانونية تقتضي:

أولاً: ولاية الأب.

ثانياً: لا يكون الولد والبنت متساويين من جهة الإرث، حيث يلاحظ القانون، والقانون يرجّح الذكر على الأنثى، لأن التكاليف تكون على الذكر.

ثالثاً: لوازم الحياة العائلية من المأكل والمشرب والمسكن وما أشبه - سواء للأم أو للولد - على الأب، كما قال سبحانه وتعالى: (وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهن بالمعروف) (البقرة/: 233).

رابعاً: تكون الدية على أقارب الأب في الخطأ، مما يسمى بـ(العاقلة) في الشريعة الإسلامية.

أما الأم فحيث أنها تحمل وتلد ولادة صعبة، وترضع، تكون الجذور بالنسبة إليها جذوراً عاطفية، والجذور العاطفية تقتضي:

أولاً: عدم الولاية لها؛ لأن الولاية تقتضي نوعاً من الخشونة، والخشونة لا تناسب العاطفة.

ثانياً: يكون برها آكد؛ حيث ورد أن رجلاً سأل رسول الله (ص) وقال: يا رسول الله (ص) من أبر؟ قال: أمك.

ثم قال له ثانياً: من أبر؟ قال: أمك.

ثم قال له ثالثاً: من أبر؟ قال: أمك.

ثم قال له رابعاً: من أبر؟ قال: أباك.

ثالثاً: يكون الإرث متساوياً، لتساوي العاطفة بين الابن والبنت؛ ولذا يكون الإرث متساوياً في الشريعة الإسلامية بالنسبة إلى من يرتبط بالأم كالخال والخالة ومن أشبه.

رابعاً: لوازم الحياة ليست عليها.

خامساً: العاقلة ليست من طرفها.

وما ذكرناه، إنما هو من الناحية القانونية، والقانون لا يلاحظ العلل وإنما الحكمة (على الاصطلاح الأصولي)؛ حيث لا يلزم (الاطراد) و(الانعكاس) في (الحكمة)، وإنما تلاحظ الأغلبية، بينا يلاحظ في (العلة) كل فرد فرد؛ فإن ضرب القانون يجب أن يكون على نحو العموم، وإلا لزم الانفراط في القانون، فحيث تكون الحكمة العامة يكون القانون، وإذا خرج من الحكمة إيجاباً أو سلباً، فرد أو أفراد، فإن القانون يجري عليه؛ مثلاً:

قانون (التأشيرة) عند الخروج من البلد في العالم الغربي، إنما وضع لأجل التنسيق العام والإحصاء وعدم التهريب وما أشبه، لكن هذا القانون يشمل رئيس الدولة أيضاً، إذا أراد الخروج؛ فإن اللازم عليه أن يحصل على التأشيرة، مع العلم بأن تلك الحكم غير موجودة في رئيس الدولة مثلاً، وإنما يشمله القانون، لأنه يجب أن يكون عاماً، فلا ينخرم حتى يتمكن كل أحد من خرق القانون، بدعوى أنه خارج عن (العلة) التي وضع القانون بسببها.

وقد روي أن رجلاً قال للإمام علي (ع): هل يتنجس بدن رسول الله بالموت كما يتنجس بدن سائر الناس؟ فقال علي(ع): لا، فقال له الرجل: فلماذا غسلتموه؟ فأجاب الإمام (ع): لجريان السنة.

وكيف كان؛ فمن عقلانية الأب وقيمومته، وعاطفية الأم ورحمتها، تنشأ في الإنسان هاتان الصفتان: صفة (الآمرية والزاجرية)، وصفة (العطف والحنان)؛ فالأب يقول للأولاد: يجب أن تعملوا هذا العمل وتتركوا ذاك، وإذا خالفتم حق عليكم العقاب.. أما الأم فإنها تعطف على أبنائها، أطاعوا أو عصوا، وإن لم تكن بعض الأمهات كذلك، كما أن بعض الآباء لا يمتلكون الحزم والصرامة؛ فإن الأم في هذه الحالة قد تستأسد، والأب قد ينقلب إلى حمل وديع!، بيد أن الشواذ لا توجب إلغاءً للقانون.

وهنا يأتي سؤال فلسفي هو: لماذا خلق الله الكفاءات المختلفة؟؛ فهذا أكثر استعداداً، وذاك أقوى بنية، والثالث أكثر فطنة وذكاءً، وهلمّ جراً.. ألم يكن من الأفضل أن يخلق الله سبحانه وتعالى الأشياء متساوية، حتى لا تكون هذه الامتيازات الكفائية أيضاً؟.

والجواب: إنما خلق الله الكفاءات المختلفة لأمرين نشعر بهما نحن.. ولعل هناك أموراً أخرى:

أولاً: لأنه جمال الكون؛ فالجمال إنما هو بالتنوع، لا باللون الواحد، فالحديقة ذات الأزهار الحمراء أو الصفراء أو البيضاء أو الزرقاء فقط لا ترضي الشعور الجمالي للإنسان، بقدر ما ترضيه حديقة ذات أزهار مختلفة، وألوان متنوعة، وعطور مختلفة.. فإن الأولى لوحظ فيها التساوي، لكن لم يلاحظ فيها الجمال؛ فإن الجمال بالكبر والصغر والألوان المختلفة والأحجام المتباينة والروائح المتنوعة.

ثانياً: لأن كل شيء - مما يعبّر عنه في لسان الفلسفة بـ(الماهية) - يطلب إفاضة الجود بلسان الحال، ومن جود الفياض المطلق أن يفيض على كل ما يتطلب الفيض، فيما لم يكن هناك محذور يصادم ذلك؛ فطلب الجود من (الماهيات) يقتضي إعطاء كل ماهية حقها، ومثال ذلك: أفراد يأتون إلى ساقي الماء، وكل يطلب الماء، لكن هذا إناءه صغير، وذلك إناءه كبير.. إلى غير ذلك من الاختلافات؛ فالماهيات - بلسان الحال - تطلب من الله سبحانه وتعالى إفاضة الجود، والله يفيض الجود على الجميع؛ لأنه هو الجواد الكريم، كما ألمع إليه في الآية الكريمة: (أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها) (الرعد: 17)، فالأودية يحتمل كل واحد منها بقدره من الماء النازل من السماء، وهكذا حال ماء الجود المفاض على الماهيات المختلفة التي هي مثل أودية الماء المختلفة، وعليه؛ فهل من الصحيح عدم إعطاء كل ذي حق حقه؟ أو عدم التنويع الموجب للجمال؟!.

الإسلام رفع شأن المرأة..

تعيش المرأة في ظل الإسلام ولها من الحقوق والواجبات مثل ما للرجل من الحقوق والواجبات؛ فهي شق له في كل شيء.. إلا بعض الأمور التي استثنيت من جهة عدم المقتضي أو وجود المانع؛ فهي تشارك الرجل في:

الصلاة والصيام والخمس والزكاة والحج و... الخ، ولكن حيث أن لها وظائف بيتية، بالإضافة إلى خشونة الجهاد التي لا تناسب ضعفها ودقة جهازها ووفرة مشاعرها الرقيقة، لا يحمّلها الإسلام الجهاد على الإطلاق، بل في صورة الضرورة فقط.

كما تشاركه في: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وولاية الصالحين، والبراءة من المجرمين.. هذا بالنسبة للعبادة.

أما المعاملة بمعناها الواسع، فلها: التجارة والرهن والضمان والوديعة والمزارعة والمساقاة والمضاربة والشركة والصلح والعارية والإجارة والوكالة والوقف والهبة والوصية، كما يجري عليها الحجر والفلس.

ولها النكاح والطلاق - إذا اشترطت - والنذر والحلف والعهد والعتق والتدبير والمكاتبة والإقرار والجعالة والصيد والذباحة والشفعة وإحياء الموات واللقطة والشهادة والديات والقصاص والإرث.. وغير ذلك.

نعم لها بعض الأحكام الخاصة في بعض الأبواب لأمور خارجة؛ مثلاً: في الإرث لها أقل من حق الرجل، لأن حق القيمومة للرجل؛ ذلك لأن إدارة البيت لابد وأن توكل إلى واحد، وحزم الرجل أكثر من المرأة، ولذا جعلت إليه، وفي قبال هذا الواجب جعل حق الطلاق لتكافؤ الحقوق والواجبات.

وهكذا كانت المرأة في ظل الإسلام تعيش آمنة سعيدة مرفهة، لها حقوقها وعليها واجباتها، حتى جاء الغرب فرآها محرومة من حقوقها!! فدافع بكل ما أوتي من حول وطول لإرجاع الحقوق إليها!! وجنّد لذلك كل عميل وذنب بإمكانياته المنتفخة، فشوقها للذهاب إلى المراقص والملاهي والمدارس والمسابح المختلطة، كما جعل من حقها التبرج والسفور، واتخاذ الأخدان والحضور في الحفلات الساهرة، وتعاطي اللذة البريئة؛ النظر والكلام المتكسر والملامسة والأمر الأخير!! واعتبر كل دعوة إلى الحشمة والوقار والحياء والعفاف والفضيلة والأخلاق دعوة رجعية تنافي الحرية!.

فإلى أين وصلت حالة المرأة في ظل النظم الغربية بعدما كان لها كل تجلّة واحترام في ظل النظم الإسلامية؟ لنر كيف انهارت المرأة، وانهارت معها الحياة العائلية من جرّاء الدساتير الكافرة التي لا تدين لله واليوم الآخر.

وبعد هذا نسأل حماة الغرب! هل المرأة في ظل أنظمتكم أرفه حالاً وأهنأ عيشاً وأكثر سعادة، أم في ظل الإسلام؟.

ولقد شهد المنصفون من الأجانب بما للإسلام من فضل على المرأة:

يقول (سيديو): (والقرآن - وهو دستور المسلمين - رفع شأن المرأة بدلاً من خفضها، فقد جعل محمد حصة البنت في الميراث تعدل نصف حصة أخيها، مع إن البنات كن لا يرثن في زمن الجاهلية، ومحمد - وإن جعل الرجال قوامين على النساء - بيّن أن للمرأة حق الرعاية والحماية على زوجها).

ويقول (غوستاف لوبون): (والإسلام قد رفع حال المرأة الاجتماعي وشأنها رفعاً عظيماً، بدلاً من خفضها، خلافاً للمزاعم المكررة على غير هدى، والقرآن قد منح المرأة حقوقاً إرثية أحسن مما في أكثر قوانيننا الأوروبية).

ويضيف: (هنا نستطيع أن نكرر- إذن - قولنا: إن الإسلام الذي رفع المرأة كثيراً، بعيد عن خفضها، ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل مثل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا: إن جميع أديان الأمم التي جاءت قبل الإسلام أساءت إلى المرأة).

واقع المرأة في المجتمع الغربي..

وهنا مقتطفات من كتاب (الحجاب) للمودودي، للبرهنة على مدى انحطاط المرأة في ظل الكفر، وما يسمى بالديمقراطية، ونكتفي هنا بالنقل، من دون ذكر المصادر التي نقل الكتاب عنها.. وإليك النصوص:

(وجاء قوم، فمهدوا الأسباب لإكراه النساء، وتقدموا بحرفة البغاء، إلى أن أصبحت تجارة دولية منظمة).

(أمر الإجهاض.. ليس هناك قطر من الأقطار إلا وتقترف فيه هذه الشنيعة علناً وعلى نطاق واسع، فهذه إنكلترا يسقط فيها تسعون ألف حمل في كل سنة على أقل تقدير، وتكون في كل مائة من المتزوجات، خمس وعشرون - على الأقل - إما يباشرن الإسقاط بأيديهن أو يستعن عليه بالمتخصصين، وترتفع هذه النسبة فوق هذا في غير المتزوجات، فقد أنشئت في بعض المدن هناك نوادٍ منظمة للإسقاط.. ويكثر في لندن عدد دور التمريض التي تكون معظم المريضات فيها من المسقطات).

(وفي فرنسا نشر قائد بعض الفرق العسكرية إعلاناً للجنود التابعين له، جاء فيه:

قد بلغنا أن عامة الرجالة والخيّالة يشتكون من تزاحم رجال البنادق على دور بغاء الجندية.. وأن مكتب القيادة لا يزال يسعى لزيادة عدد النساء حتى يكفين لجميع الجنود، ولكن قبل أن يتم ذلك، نوصي رجال البنادق أن لا يطيلوا مكثهم داخل تلك الدور ويتعجلوا في قضاء شهواتهم ما استطاعوا).

(وفي فرنسا ليس على كل من يريد الاتصال بآنسة من الآنسات إلا أن يعلم الوكالة (وكالة البغاء) بعنوان تلك الآنسة، وعلى الوكالة بعد ذلك أن تراود الآنسة على الأمر، ودلت سجلات هذه الوكالة على أنه لم تكن طبقة من طبقات المجتمع الفرنسي إلا وعامل كثير من أناسها هذه الوكالة وتمتعوا بخدماتها).

(لم يعد الآن من الغريب الشاذ وجود العلاقات الجنسية بين الأقارب في النسب؛ كالأب والبنت، والأخ والأخت، في بعض الأقاليم الفرنسية).

(ولقد كان عدد النساء اللواتي كن يحترفن البغاء قبل الحرب العالمية الأولى نصف مليون امرأة).

وصرح (مسيو فردينان دريفوس) أحد أعضاء المجلس الفرنسي، منذ بضع سنوات بأن: (حرفة البغاء لم تعد الآن عملاً شخصياً، بل قد أصبحت تجارة رئيسية، وحرفة منظمة، بفضل ما تجلب وكالاتها من الأرباح الغزيرة، فلها في هذه الأيام وكلاء يهيئون (المواد الخام) وآخرون يتجولون في البلاد، ولها أسواق منظمة تستورد إليها وتصدر منها الفتيات والصبيان كالأموال التجارية، وأكثر ما يطلب في هذه الأسواق من الأموال بنات دون العاشرة).

وجاءت الحرب العالمية الأولى، فابتدعت بدعة (البغاء المتطوع) علاوة على (البغاء التجاري).. فجعلت هؤلاء النسوة يتعاطين البغاء بصورة منظمة، وأصبح تشجيعهن وإعانتهن فضيلة خلقية عند أولي الدعارة والفجور، وعنيت الجرائد اليومية الكبرى عناية بالغة باستمالة رجال العمل إليهن.. وقد نشرت جريدة واحدة في عدد واحد (199) أعلاناً عن أمرهن.

يقول (بول بيورو): (إن جميع الأزواج المتزوجين في مجتمعاتنا قوم خونة متجردون من الوفاء اللازم للعشرة الزوجية).

وقد نجم عن هذه الموبقات الأمراض السرية الفتاكة، فقد أعفت الحكومة الفرنسية في السنتين الأوليين من الحرب العالمية الأولى خمسة وسبعين ألفاً، لكونهم مصابين بمرض الزهري، وابتلي بهذا المرض وحده 242 جندياً في آن واحد في ثكنة عسكرية متوسطة.

ويقول الدكتور الفرنسي (ليريد): (يموت في فرنسا ثلاثون ألف نسمة بالزهري وما يتبعه من الأمراض الكثيرة في كل سنة).

ولهذه الأمور رغب الرجال عن الزواج، فبقي الرجال والنساء - على حدٍ سواء - يتعاطون البغاء، وفسد النظام العائلي.

وكثر الطلاق كثرة مدهشة حتى إن محكمة الحقوق بمدينة (سين) فسخت 294 نكاحاً في يوم واحد.. إلى كثير.. وكثير.. من أمثال هذه المآسي التي حلت على البشرية، من جراء إعطاء المرأة هذه الحرية!.

فهل في ذلك خدمة للمرأة، أو للرجل، أو للمجتمع؟!.

كلا! فالمرأة سائبة - في ظل تلك النظم - لا تجد لقمة الخبز إلا بالبغاء - كثيراً ما - وهي مع ذلك تتعب وتنصب، وتهان وتزدرى، وتهدر لها كل كرامة وحق، والرجل لا يجد القلب الحنون، والشق الرؤوف، كما لا يجد الأم الرؤوم لأولادها.

والمجتمع لا يجد الفتيان والفتيات الصالحين والصالحات، بل يخيم في طول البلاد وعرضها الأمراض الفتاكة والأجسام العليلة والأخلاق السيئة.

وهكذا الحال في كل مجتمع أعطى للمرأة (الحرية المزعومة) من غير فرق بين فرنسا وأميركا وروسيا وانكلترا والسويد وألمانيا.. كما تشهد بذلك الوثائق الكثيرة.. ولم تنجُ من هذه المفاسد إلا البلاد الإسلامية.

فهل المرأة في ظل الإسلام أكثر كرامة وأحسن حالاً وأحفظ حقاً وحرية أم في ظل الكفر الذي أخذ اليوم بزمام العالم؟.

ولا نجاة للمرأة والمجتمع من هذه الويلات، إلا بالتمسك بتعاليم الإسلام.

إلى جانب كل عظيم امرأة..

قالوا: إلى جانب كل رجل عظيم امرأة!.

ولنبدأ بأعظم خلق الله محمد (ص).. فهناك نساء عدة في حياته؛ فمن هي المرأة العظيمة التي وقفت إلى جانبه؟.

تلك هي خديجة الكبرى (رض)، هذه المرأة العظيمة التي كانت من أوسط قريش نسباً، وأعظمهم شرفاً، وأكثرهم مالاً، وكل واحد من أبناء قومها كان حريصاً على الاقتران بها، لو يقدر عليه، إلا أنها فضلت رسول الله (ص) قبل بعثته، على كل الأشراف من قومها.. على الرغم من كونه مقلاً في المال.. وذكر المحققون أن خديجة الكبرى (رض) كانت أول من آمن من النساء، بالله ورسوله، وصدقت بما جاء من عند الله، وآزرته على أمره؛ فخفف الله بذلك عن رسول الله (ص)، وكان لا يسمع شيئاً يكرهه، من ردّ عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرّج الله ذلك عن رسوله الكريم (ص) بها، فكان (ص) إذا رجع إليها، خففت عنه، وهونت عليه أمر الناس، حتى ماتت رحمها الله(3).

نعم، لقد كانت تصبّره، فطالما قالت له: (يا بن عم أثبت وأبشر) (4).

وقد أنفقت كل أموالها في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، وكانت معاناتها في حياتها تفوق التصور؛ من أجل مساندة دعوة زوجها رسول الله (ص)، إلى أن ماتت بعد الحصار الذي فرضه المشركون على بني هاشم في شعب أبي طالب، بعد وفاة أبي طالب بثلاثة أيام.. وسمي ذلك العام بـ(عام الحزن) تأبيناً لتلك المرأة العظيمة واعتزازاً بها.

 خير أسوة للمرأة الصالحة..

إن فاطمة الزهراء (ع) كانت وستكون إلى يوم القيامة، خير أسوة للمرأة الصالحة، في أعمالها، في عباداتها، في فضائلها، في تقواها، في تربيتها، في حجابها، وفي كل شؤونها.

وكان الرسول (ص) بنفسه الشريفة، يعتني بابنته الطاهرة، ويربيها تربية صالحة، حتى ورد أن رسول الله (ص) جاء ذات مرة إلى بيت فاطمة (ع) فرأى على باب بيتها ستراً.. ورأى بيد الحسن والحسين أسورة من فضة، فلم يدخل البيت، وذهب إلى المسجد..

فعرفت فاطمة(ع) أن الرسول (ص) يحب أن يكون المسلمون كفاطمة (ع)، وفاطمة كالمسلمين في مستوى واحد من المعيشة، وأن هذا الستر لا يليق بالبيت.. وأن هذه الأسورة الفضية لا تليق بولديها؛ حيث أن بعض المسلمين في شدة من العيش.

فنزعت فاطمة (ع) السوارين من يد الولدين الطاهرين، ولفتهما بالستر المذكور، بعد أن أخذت الستر من الباب، وأرسلته إلى رسول الله (ص)، فلما رأى رسول الله (ص) الأسورة والستر فرح وقال: (فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها) (5).

ولا يخفى أن القصة، لعلها كانت لأجل التعليم؛ يعني أن فاطمة الزهراء (ع) كانت تعلم أنه لا ينبغي هذا النوع من الستر، وهذا السوار، وإنما أقدمت على ذلك لمصلحة أهم، وهو ما صدر عن رسول الله (ص)، وما عملته فاطمة (ع) بعد ذلك، ليكونا أسوة ونموذجاً للأمة الإسلامية.

كما أن الأمر تعليمي في أشباه ذلك؛ مثل قصة وضوء الحسنين  أمام ذلك الأعرابي الذي لم يكن يعرف الوضوء فتوضئا بقصد تعليمه.

ثم إن خير أسوة للمرأة الصالحة في حجابها وتعاملها مع الرجل الأجنبي، هي فاطمة الزهراء (ع)، وقد أكدت قولاً وفعلاً على ضرورة الحجاب للمرأة المسلمة..

روي أنه لما سئلت (ع): (أي شيء خير للمرأة)؟ قالت: (أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل) (6).

والمقصود بطبيعة الحال، الرؤية للجسم، أو الرؤية التي نهى عنها الشرع المقدس، وأما الرؤية من وراء الحجاب، مع رعاية الموازين الشرعية، فلا بأس بها، ويدل على ذلك ذهاب فاطمة (ع) إلى أُحد وذهابها إلى الحج مع رسول الله (ص) وما أشبه ذلك.

من هدي القرآن الكريم والسنة المطهّرة..

قال الله تعالى: (إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين) (آل عمران: 42)

وقال سبحانه: (فقل تعالوا ندعُ أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم) (آل عمران: 61).

وقال عز وجل: (وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون) (التحريم: 11).

وقال عزّ من قائل: (ومن يعمل من الصالحات من ذكرٍ أو أثنى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة.. ) (النساء: 124).

وقال سبحانه: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ.. ) (الأحزاب: 59).

وقال تبارك وتعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً) (النساء: 1).

وقال رسول الله (ص): (إن الله تعالى يوصيكم بالنساء خيراً فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم) (7).

وقال مقاتل بن حيان: ( لما رجعت أسماء بنت عميس من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب (ع)، دخلت على نساء رسول الله (ص) فقالت: هل فينا شيء من القرآن؟ قلن: لا. فأتت رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله، إن النساء لفي خيبة وخسار!، فقال (ص): ومم ذلك؟ قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال، فأنزل الله تعالى هذه الآية: (إن المسلمين والمسلمات.. ) أي المخلصين الطاعة لله والمخلصات) (8).

وعن رسول الله (ص) قال: (إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى يوم القيامة) (9).

المصــــادر:

(1) الإمام الشيرازي، المرأة في ظل الإسلام، الطبعة الأولى، 1422هـ/2001م، مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر بيروت - لبنان.

(2) الإمام الشيرازي، الحجاب الدرع الواقي، الطبعة الأولى 1418هـ/1998م، مركز الرسول الأعظم (ص) للتحقيق والنشر، بيروت - لبنان.

(3) آية الله العظمى الإمام الشيرازي، فاطمة الزهراء أفضل أسوة للنساء، الطبعة الأولى 1421هـ/2001م، مؤسسة المجتبى للتحقيق والنشر بيروت - لبنان.

(4) آية الله العظمى الإمام الشيرازي، موسوعة الفقه، ج110 - كتاب الاجتماع، الطبعة السادسة 1408هـ/1987م، دار العلوم بيروت - لبنان.

(5) آية الله العظمى الإمام الشيرازي، الصياغة الجديدة، الطبعة الأولى 1405هـ/1985م، مركز نشر الفكر الإسلامي.

الهـــوامـــش:

(1) غرر الحكم ودرر الكلم: ص408، الفصل السابع، في النساء، ح9380.

(2) نهج البلاغة: الخطبة 40.

(3) بحار الأنوار: ج16، ص11، ب5 ح12.

(4) كشف الغمة: ج1، ص511، فصل في مناقب خديجة بنت خويلد (ع).

(5) مناقب ابن شهر آشوب: ج3، ص119، فصل في سيرتها(ع).

(6) أمالي الصدوق: ص234، ح7، المجلس 41، والمناقب: ج2 ص343، وروضة الواعظين: ص443.

(7) نهج الفصاحة: ص159، ح779.

(8) مجمع البيان: ج8، ص357، في تفسير سورة الأحزاب: 35.

(9) الكافي: ج6 ص6 باب فضل البنات ح7.