النبأ

 

 

 

مساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية

 

 

محمد آدم

تعد الاستفادة القصوى والمثلى من الموارد البشرية هدفاً من أهداف الدول في بناء اقتصادها، إذا وعى الجميع ما للعنصر البشري من أهمية في الإنتاج والتنمية والتطور، وبما أن المجتمع طائر ذو جناحين (المرأة والرجل) فإن التنمية تعتمد على تطوير ودمج وإسهام كلا الجنسين في خططها وبرامجها، كما أن إهمال أحدهما يعني بكل تأكيد هدراً للموارد البشرية، أو على الأقل عدم حصول الاستفادة المثلى منها.

وقد برهنت تجارب جميع الدول على أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تتحقق ما لم يُخطط لها، كما أن التخطيط الفعّال في أي مجال من المجالات لا يتحقق ما لم تتوفر للمخططين المعلومات والمعطيات الإحصائية الأساسية التي تعطيهم مسحاً كاملاً للفئة المدروسة، وتصور لهم واقع هذه الفئة واحتياجاتها وإمكاناتها المتاحة، كي يتمكن هؤلاء من توجيه هذه الإمكانات والموارد في الطريق الأفضل والأمثل.

أولاً- هدف التخطيط.. المرأة

في كل عملية تخطيطية يجب تحديد الهدف بكل دقة؛ وهدفنا هنا هو التخطيط لمساهمة المرأة في التنمية الاقتصادية، بمعنى أن اهتمامنا سينصب على دور المرأة في هذا المجال.

وقضية المرأة هي بالحقيقة قضية نصف المجتمع من الناحية الكمية، إذ إن نسبة الذكور إلى الإناث قريبة من التساوي في كل المجتمعات، وهي في نفس الوقت قضية المجتمع كله من الناحية الكيفية؛ ذلك أن مساهمة المرأة الفعّالة في المجتمع إنما تضيف مورداً بشرياً هاماً لمواجهة تحديات التقدم والتطور والنمو، ومن

ثم فإن الإيمان بضرورة تمكين المرأة من الإسهام في حياة مجتمعها عطاءً وأخذاً، قد استقرّ كضرورة من ضرورات التنمية هدفاً ووسيلة، وقد أصبح من شبه المسلّمات لدرجة أنه تولدت لدى الجميع شبه قناعة بأن للمرأة دوراً اجتماعياً وإنسانياً وتربوياً واقتصادياً عليها أن تؤديه وعلينا أن نخطط له.

لكن الخلاف ينشأ عندما ننتقل إلى كيفية أداء هذا الدور، والاتجاه الذي يجب أن نسلكه في عملية التخطيط هذه؛ فالبعض يرى بأن المرأة الأم والزوجة خُلقت لتربية الأطفال والاعتناء بزوجها فقط، ولم تخلق للعمل خارج المنزل لأن هذا العمل يمنعها من أداء وظيفتها الأساسية ويؤدي إلى ضعضعة الأسرة وتهلهل المجتمع، وعلينا أن نخطط في هذا الاتجاه فقط، أي أن: (تقوم المرأة فقط بدورها كأم وزوجة) (1).

هذه النظرة كانت سبباً في تدهور مكانة المرأة الاجتماعية وإلى ضعف دورها الاجتماعي والاقتصادي، وتعود إلى اعتبارات تتعلق بالعادات والتقاليد القديمة، ومن هذا المنطلق فحصول المرأة على التعليم يعتبر رفاهية، وامتهانها عملاً ما خروجاً على تقاليد المجتمع، وحصولها على الاكتفاء والاستقلال المادي شيئاً غير مرغوب فيه، وتحقيق الذات وتكوين شخصيتها كلاماً ليس له أي معنى أو مدلول - وفق هذه النظرة-.

فريق آخر يركّز على كون أهمية الدور الذي تلعبه المرأة لا ينبع فقط من (كونها أماً ومربية جيل، بل من كونها عنصراً فعالاً وقادراً على العمل والإنتاج، ويجب علينا أن نفسح لها مجال العمل الإنتاجي داخل وخارج المنزل) (2).

علماً أن العمل المنزلي الأسري رغم أنه في النظريات الحديثة عمل إنتاجي (بدون أجر) إلا أنه غير قادر في جميع الأحوال على امتصاص الأيدي العاملة النسائية بالكامل، فيتوجب على الفائض من هذه الأيدي العاملة الخروج من المنزل للاستفادة من هذه الطاقات غير المستغلة.

وقسم كبير من هذا الفريق يركّز أولوية عمل المرأة داخل المنزل وتربية الأطفال والجيل، والسماح لها في الخروج فقط عند انعتاقها من المسؤوليات وفي حال وجود أسباب اقتصادية مادية تدعو إلى ذلك.

الفريق الثالث يذهب إلى أبعد من هذا بطرح فكرة كون المرأة والرجل متساويين (المساواة الحسابية المطلقة) (3)، بل المساواة في الإمكانيات والقدرات وخاصةً في الحقوق، وهذا يعني أن المرأة تساوي الرجل عقلياً وفكرياً، وقادرة على العطاء والعمل والإنتاج والإبداع، علماً أن مجالات العمل والإبداع قد تكون مختلفة لكل من الرجل والمرأة، كما أنها تتمتع بالصفات الخلقية والنفسية والفكرية والجسدية التي تؤهلها للمساهمة في جميع الفعاليات الاجتماعية والاقتصادية، وتبوّء المناصب في مختلف المستويات، وأنه من غير المنطق والعدل والحكمة والفائدة الوطنية إبعادها قسراً (مباشرة أو غير مباشرة) عن العمل وتخصيصها فقط بالمنزل، لأننا نكون بذلك قد حرمنا المجتمع من عناصر قد تكون مبدعة ومنتجة في ميادين شتى، والمفروض علينا أن نؤمن للمرأة كما الرجل فرص التعليم والحياة والاختيار بدون أي قسر أو إكراه (مادي أو معنوي، فكري أو اجتماعي عام أو حتى نفسي)، وتأمين فرص الاختيار هذا يشعر المرأة كالرجل أنها عنصر مسؤول يسعى إلى تأمين مستقبله بالشكل الذي يرغب وبالأسلوب الذي يحقق شخصيته وينمي ذاته ويجعل منه عنصراً مميزاً، ويجب أن تشعر المرأة أن قوانين وعادات وإمكانيات المجتمع توفر وتؤمن لها هذا الاختيار وتساعد في تحقيقه تماماً كالرجل، وهنا يتجلى بوضوح مبدأ المساواة.

هذه المسؤولية تترتب عليها بالطبع حقوق وواجبات؛ فعليها أن تعي هذه الحقوق وتسعى إلى القيام بواجباتها، بهذا الشكل تأخذ المرأة مكانها الطبيعي (في المنزل والعمل، كأم وكزوجة، وكأخت) وتكون قادرة على أن تعكس صورة واضحة للأمة في تقدمها وفي تخلفها؛ فالأمة التي تكون عنصراً ذا شخصية متكاملة نفسياً وعقلياً وثقافياً هي أمة متقدمة متطورة، وعندما يضيّق على المرأة وتتخلف يكون ذلك أحد المظاهر الواضحة لتخلف الأمة وتراجعها، إذ من غير الممكن إذا كان نصف أعضاء المجتمع غير مكتملي الشخصية والتكوين الفكري والعلمي أن يكون مثل هذا المجتمع سليماً؛ لأن النساء والرجال هم أعضاء لمجتمع واحد؛ لذا يجب التركيز عند الدعوة لإسهام المرأة في التنمية النظر للموضوع في إطاره العام الشامل وليس من زاوية اقتصادية بحتة، فكم من النساء العاملات تهضم حقوقهن ويعطين أزواجهن كامل دخلهن دون أن يكون لهن حتى حق إبداء الرأي.

وبرامج التنمية يجب أن تتضمن برامج تغيير للبنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والإعلامية لتحتل المرأة مكانتها وتنال حقوقها (قانونياً - ثقافياً - علمياً - إعلامياً) ولتشعر هي بنفسها أن هذا ليس عطاءً من المجتمع أو من الذي حولها، بل هو أساس وجودها كفرد من أفراد المجتمع وككائن حي كامل الأهلية والحقوق، وإن هذا يحقق خير المجتمع كله لا النساء فحسب، وعلى أسس الشريعة الإسلامية.

ثانياً: أهمية التخطيط وأدواته (البحث العلمي.. المعلومات الإحصائية)

يتجلى بوضوح من الآراء السابقة المتباينة أن مساهمة المرأة في التنمية لا تتم وسوف لن تتم بالشكل العفوي، كما أنها لا تواكب تطور المجتمع بشكل طبيعي بل لها مقوّماتها الخاصة وأوضاعها المختلفة، وإذا افترضنا جدلاً أن المجتمع قد تقبل طوعاً فكرة خروج المرأة إلى العمل ومشاركتها مشاركة فعّالة في التنمية وبناء مجتمعها، فهل يمكن أن يتم ذلك بين ليلة وضحاها؟!.

كلا إن ذلك يحتاج إلى اتخاذ كثير من الإجراءات وإلى تحديد السياسات المختلفة في جميع المجالات والاستراتيجيات، إنه بكلمة مختصرة يحتاج إلى تخطيط قصير ومتوسط وطويل الأجل، وإن فترة الانتقال (انتقال المرأة من وضعها التقليدي إلى امرأة مسؤولة عاملة)(4) هي فترة انتقالية حساسة جداً، تحتاج إلى تدابير خاصة؛ إذ يجب أن لا يغرب عن بالنا أن الأسرة تبقى الخلية الأولى والمهمة في أي مجتمع سليم، وإن بناءها المتكامل هو الأساس في صرح البناء المتين للمجتمع بكامله، كما أن الأطفال هم نواة المجتمع وجيل المستقبل فلا يجوز أن يكونوا هم الضحية لتغيير مفاجئ في المجتمع، فالتنمية هدفها الأول والأخير الإنسان وتحقيق سعادته (رجلاً وامرأة، طفلاً أو شيخاً، أبيضاً أو أسوداً).

من هذا المنطلق فالتخطيط لإسهام المرأة في التنمية الاقتصادية التي هي جزء من كل في التنمية العامة الشاملة - اجتماعية، ثقافية.. الخ، يتم برسم السياسات التي تعتمد على المنطق السليم والبحث العلمي.

البحث العلمي:

كان البحث العلمي فيما مضى أكثر ما يهتم بالعلاقات السببية لدراسة الواقع وملاحظته، أما الآن فإن اهتمام الباحث الحقيقي العلمي ينصب على نواح أخرى غير السببية؛ إذ أصبح الهدف الرئيسي له الحصول على علاقات تربط الظواهر الطبيعية الملاحظة وغيرها ببعضها البعض.

ومهما تعددت أساليب البحث فلا يمكن أن يسمى البحث علمياً إلا إذا سار تبعاً لمراحل معينة متميزة صراحة أو ضمناً، وهذه المراحل تكاد لا تختلف في شيء عن المراحل التي يتّبعها الشخص العادي في تفكيره عندما تصادفه مشكلة من مشاكل الحياة اليومية ويمكن تلخيصها كما يلي:

1- الشعور بوجود مشكلة أو مجال يحتاج إلى دراسة أو بحث.

2- تحديد إطار الدراسة أو البحث.

3- وضع فرضيات معينة تتعلق بهذه الدراسة.

4- جمع المعطيات الإحصائية وترتيبها وتصنيفها وعرضها بشكل تسهل الإفادة منها.

5- تفسير المعطيات الإحصائية واستخلاص النتائج وتعميمها إذا أمكن التعميم بعد اختبار دقتها وجودتها لننطلق منها إلى التنبؤ بالمستقبل والتخطيط له.

كما نلاحظ أنه بعد تحديد المشكلة وإطارها بشكل دقيق فإن المعطيات الإحصائية تعتبر من أدوات البحث العلمي ومن مستلزماته الأساسية، أي أننا نسعى عن طريق جمع الأدلة والبيانات إلى ترجمة المشكلة الغامضة إلى أرقام والاعتماد على التعبيرات الكمية بدلاً من التعبيرات الكيفية.

فمثلاً: إن رسم سياسة تعليمية للمرأة من حيث توفر المدارس اللازمة وعدد المدرسين فيها يعتمد على بيانات وأرقام توضح عدد التلميذات المحتاجات لكل نوع من أنواع التعليم في كل منطقة من المناطق، وبدون هذه المعطيات الإحصائية نجد أنفسنا نتصرف دون هدى أو إرشاد، فنكثر من المدارس في جهة لا تحتاج إليها بينما نقلل منها في جهة أخرى هي في أمس الحاجة إليها، أو ننشئ معاهد لنوع معين من التعليم في منطقة تحتاج إلى نوع آخر من المعاهد.

وفي الميادين الصحية نجد أنه لا يمكننا توزيع خدمات صحية تهتم بالأمومة والطفولة مثلاً توزيعاً سليماً يؤدي إلى الدرجة القصوى من الاستفادة، إلا على أساس معطيات إحصائية عن عدد النساء المتزوجات ودرجة الخصوبة ومدى انتشار الأمراض، وفي الميادين الاجتماعية نجد أنفسنا أمام ظواهر معقدة متشابكة كالزواج والطلاق، ولدراسة هذه الظواهر نحتاج إلى مقاييس رقمية تبين مدى انتشارها في المجتمع ومدى تأثيرها وتأثرها بالعوامل الأخرى؛ وبدون هذه المقاييس يستحيل علينا تفهّم أوضاع المرأة على حقيقتها ويصعب جداً بالتالي إعداد خطة سليمة للإصلاح حين تدعو الحاجة إليها، ولكي نصل إلى ما نريده من أرقام ومقاييس كمية وحقائق علمية نجد أنه يلزمنا عادةً إجراء ثلاث عمليات متشابكة وهي:

أ) جمع البيانات الأولية اللازمة؛ أي جمع الإحصاءات من:

1- مصادرها الأساسية (ميدانياً).

2- من مصادرها الثانوية.

ب) عرض الإحصاءات:

1- عرض ضمن الكتابة.

2- عرض جدولي.

3- عرض بياني.

ج) تحليل الإحصاءات لحساب:

1- النسب والمعدلات

2- القيم المركزية (المتوسط).

3- قيم التشتت وعلاقات الارتباط بين المتغيرات.

تفسير الإحصاءات واستنباط التقديرات والتنبؤات؛ وتدعى هذه الطريقة في العمل بالطريقة الإحصائية، ويمكن تعريفها كالتالي:

(الطريقة الإحصائية: هي إحدى طرق وصف ومقارنة المجموعات والظواهر المتغيرة وإثبات الحقائق العلمية المتصلة بها، شأنها في ذلك شأن أية طريقة من طرق الاستنتاج المنطقي؛ كالطريقة التجريبية مثلاً غير أنها تختلف عن طرق الإثبات الأخرى في أنها تعتمد اعتماداً كلياً على التعبير الرقمي عن الظواهر) (5).

ويمكن القول إن عمل أي باحث اجتماعي إحصائي اقتصادي يستخدم الطريقة الإحصائية كإحدى طرق الإثبات العلمي لا ينتهي بجمع البيانات، بل بالعكس إن عمله هذا يبتدئ بجمع البيانات ولا ينتهي إلا بعد أن يقوم بتنقيح هذه البيانات، وتحقيق الهدف من جمعها، فالبيانات الإحصائية (أو أيضاً المعطيات الإحصائية) للباحث العلمي هي بمثابة المواد الأولية لأية عملية إنتاجية لا يستطيع الصانع أن يستفيد من هذه المواد ما لم يحوّلها إلى سلع صالحة قابلة للاستعمال وقادرة على إشباع حاجات معينة لدى الإنسان.

حدود المعطيات الإحصائية واستعمالاتها السيئة:

كما إن المواد الأولية تختلف في جودتها وتختلف قيمة السلع المنتجة منها تبعاً لذلك؛ فإن المعطيات الإحصائية تختلف أيضاً في دقة تمثيلها للظواهر الخاضعة للبحث، وتختلف تبعاً لذلك قيمة النتائج التي نحصل عليها منها، ومهما بلغت هذه المواد الأولية من الجودة فإنه لا يمكن استعمالها ما لم نحوّلها إلى أشكال مختلفة عن شكلها الأصلي لتصبح صالحة للاستعمال وإشباع الحاجات، وبالمثل فإن المعطيات الإحصائية لا تستطيع إبراز أية حقيقة علمية ما لم نجر عليها التحويلات اللازمة، وتعيين الحدود المنطقية التي تجيز لنا استنتاج الآراء والعلاقات المناسبة.

فالمعطيات الإحصائية لا يمكن أن تتعدى حدود إمكانياتها، فهي ليست بالوسيلة التي تستطيع أن تعطينا البرهان القاطع لكل الظواهر، كما أن التفسير الناتج عن هذه المعطيات لا يمكن أن يتعدّى حدود المعطيات العددية.

قد يكون التغيير الرقمي عن هذه الظواهر من أقوى وسائل الإقناع والإثبات؛ لأن منطق الأرقام بصورة عامة منطق موضوعي مستقل عن الاعتقاد أو الميل الفردي، غير أنه قد يكون أيضاً من أشد وسائل التضليل إذا أُسيء استعماله، ومع الأسف فإن سوء استعمال المعطيات الإحصائية شائع لدرجة تدعو إلى الأسف، لاسيما وأنه قلما نجد بحثاً اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو طبياً يخلو منها، ويرجع ذلك إلى عدم فهم طبيعة الطرق الإحصائية أو إلى معرفة القليل المضلل عنها.

إن طرق الإحصاء هي بمثابة الأدوات والآلات للصانع، فهل ننتظر من الصانع أن يؤدي عملاً منتجاً إلا إذا فهم طبيعة الأدوات والآلات التي يستخدمها؟، ويجب أن لا يغيب عن ذهننا أيضاً أن كل طريقة أو أداة مهما كانت فعالة وقوية، لا بدّ لمن يستعملها أن يلتزم الدقة والحكمة والحس السليم كي يصل إلى الهدف ويحقق الغاية من استعمال تلك الطريقة؛ لذلك يجب على الإحصائي أن يتسلح إلى جانب معرفته بالأدوات الإحصائية بحس سليم وتفهم صحيح لواقع المشكلة التي يريد دراستها؛ إذ إنه غالباً ما يتعرض لخطر الإكثار والمغالاة في جمع المعلومات الإحصائية والى خطر الانغمار في المجالات الفنية للأصول والمبادئ الإحصائية وإعطائها الأولوية في البحث.

ولعلّ من أخطر وسائل التضليل هو محاولة التوصل إلى نتائج علمية من واقع البيانات الأولية مباشرة، كما لو حاول الصانع تقديم المواد الأولية للمستهلك في شكلها الأصلي، ومع هذا فكثيراً ما نجد مثل تلك الإحصاءات والأبحاث.

جدول العراق

توزع إناث حسب الريف والحضر وفئات السن بالآلاف(6)

تقدير 1980

تقدير 1978

 

حضريات

ريفيات

حضريات

ريفيات

894

186

497

165

97

1003

210

670

185

109

794

126

487

121

109

944

150

579

144

129

0-14

15-18

19-44

45-59

60 فأكثر

1939

2177

1637

1946

المجموع

فتقديم هذه الأرقام على علاّتها دون تحليلها بأية طريقة إحصائية والاستنتاج منها أنه نظراً لكون العمر القانوني للعمل هو (19-60 سنة) فمجموع القوى العاملة المتاحة هو (855000) في الريف و(762000) أنثى في المدينة، وبما أن المرأة تعمل في هذا البلد بشكل منتج في الحقل، فلا يمكننا اعتبار الريفيات في سن العمل عاطلات عن العمل مهما كانت نتيجة التعداد الإحصائي؛ هذا الاستنتاج قد يكون مضللاً في بعض الأحيان حسب اعتقادنا.

هناك أمثلة أخرى يمكن أن تدلّ على سوء استعمال المعطيات الإحصائية غير أنه يكفي أن نشير هنا بإيجاز إلى أهم الأخطاء الشائعة في هذا المجال:

1- التحيز: يقول الأستاذ (بول): (أنه قلما يخلو إنسان من الميل الطبيعي نحو التحيز في صوره المختلفة في اختيار البيانات الإحصائية، وإن هذه الصفة الإنسانية متأصلة إلى درجة تجعل من المستحيل التغلب عليها حتى بالمران أو الحذر الشديد) (7).

2- استعمال بيانات غير كافية أو إغفال بعض العناصر المهمة في الظاهرة المدروسة؛ فمثلاً لا يمكننا تحديد معدلات التسجيل في المدارس الابتدائية استناداً إلى نشرات المدارس الرسمية فقط فيما إذا كان هنالك قطاع خاص للتعليم الابتدائي.

3- عمل مقارنة بين بيانات لا تصح المقارنة بينها نتيجة وجود اختلاف إما في التعاريف المستعملة أو في التركيب الهيكلي؛ مثلاً: مفهوم العاطل عن العمل يختلف من بلد إلى آخر.

ويمكننا القول بأن جميع الإحصاءات مع منتهى حسن النية تتضمن دائماً أخطاء، وبعض الأخطاء مثل التي تنتج عن التقريب تكون عادة غير هامة، أما الأخطاء التي تكون نتيجة المشاهدة الخاطئة أو التسجيل الخاطئ أو أيضاً التفسير الخاطئ فقد تكون خطيرة وينبغي بالتأكيد تجنبها أو تصحيحها ما أمكن ذلك، ولكن مهما كانت الأخطاء التي قد تظهر في الإحصاءات فإنها تبقى أداة قوية ومقنعة وأقل تحيزاً من غيرها من الوسائل، وكل طريقة علمية، مهما بلغت من الدقة والموضوعية، قابلة للتعرض لنفس الأخطاء؛ لذلك يجب عدم الخوف من استعمال المعطيات الإحصائية بسبب الخشية من الأخطاء؛ فالإحصاء يحتلّ مكان الصدارة في تطور ونمو كثير من العلوم، والمعلومات الإحصائية تبقى الدعامة في النظريات الاجتماعية والاقتصادية الحديثة، والأساس في السياسات والعمليات الاقتصادية الاجتماعية، واستعمالها يبدو إلزامياً لمن يريد تحليل وتفسير العلوم الإنسانية الاجتماعية والاقتصادية، لأنها تحقق وظيفتين هامتين:

أ) وظيفة تصويرية: وتتحقق هذه الوظيفة عن طريق الدراسات التي تسعى إلى تصوير بعض الظواهر في مجموعة من الأفراد، عن طريق إيجاد مقاييس تكون في مجموعها صورة لهذه الظواهر.

ومن أمثلة هذا النوع تعداد السكان الذي يعطينا صوراً معينة لحالة المجتمع في لحظة معينة؛ إحدى هذه الصور تبين لنا الحالة الزواجية في المجتمع بواسطة مجموعة من الأرقام أولها يبين عدد المتزوجين، والثاني يبين عدد المطلقين، والثالث يبين عدد الأرامل... الخ.

ويمكننا تحديد صورة أخرى للمجتمع تبين حالته العلمية عن طريق مجموعة أخرى من الأرقام.. وهكذا.

وقد سميت هذه الوظيفة بالتصويرية؛ لأنها كالتصوير الضوئي تسعى إلى تصوير الوضع الراهن من عدة جوانب.

ب) وظيفة تحليلية: تتحقق هذه الوظيفة عن طريق البحوث التي تدرس تأثير عدة مؤثرات وتحلل أسباب ظواهر معينة، وتدرس العلاقة بين مجموعة من الظواهر، كأن تدرس مثلاً أثر تعليم المرأة على معدلات الخصوبة، أو دراسة أسباب الطلاق.

وغني عن البيان أن هذين النوعين من البحوث (بحوث تصويرية - بحوث تحليلية) غير مستقلين عن بعضهما؛ فالبحوث التصويرية إنما تهدف في الواقع إلى إعداد البيانات وتحديد العمليات الإحصائية حتى يتمكن الباحثون من استخدامها في بحوثهم التحليلية، والبحوث التحليلية إما أن تكون من عملية جمع البيانات ثم تحليلها، وإما أن تعتمد على بيانات ومعطيات إحصائية سبق إجراؤها.

ثالثاً: دور الإحصاء في مجال التخطيط لإسهام المرأة في التنمية

بينّا فيما سبق كيف يمكن للمعطيات الإحصائية أن تصور واقع أية ظاهرة اقتصادية أو اجتماعية، وإننا نحاول من خلال التطبيق الإحصائي تصوير واقع المرأة.

واقع المرأة كعنصر بشري:

إن أهم صفة من صفات أي مجتمع إحصائي سكاني هو تقارب الجنسين - وإن ظهرت بعض الاضطرابات في بعض الفئات - فالتعادل هو سمة لاستمرارية المجتمعات الإنسانية واستقرارها، وأود واستناداً لاطلاعي على جداول التركيب العمري لسنوات منصرمة أن أشير إلى الحقائق التالية:

1- نسبة الذكور إلى الإناث في العراق - مثلاً - هي تقريباً (105) أي كل (105) من الذكور تقابلهم (100) أنثى وهذا يعني أن هناك تقارباً في أعداد الذكور والإناث.

2- إن الفئة العمرية القادرة على العمل بين العمر (15-64) سنة تتميز بارتفاع نسبة الإناث عن الذكور حسب التعداد التسعيني (في العراق) حيث بلغت على التوالي (47,8) للذكور (50.3) للإناث، وهذا يعني أن نصف قوة العمل مؤلفة من النساء.

3- إن المجتمع العراقي يتميز ببنية سكانية فتية؛ إذ بلغت نسبة الفئة العمرية (0 - 4) سنوات حوالي نصف مجموع السكان، وهذا يعني أن معدلات الإعالة مرتفعة جداً.

هذه الحقائق تدفعنا إلى القول بأنه يجب أن تكون هناك سياسة حكيمة تزج بالطاقات النسائية في العمل، وإلا فسوف يكون هنالك هدر قوة بشرية لا يستهان بها، ويعتبر هدر القوى الإنسانية من أسوأ أنواع الهدر الاقتصادي.

واقع المرأة في التعليم:

إن أهم مظهر من مظاهر رقي الأمم وتقدمها في البلدان النامية هو مستوى التعليم عامة (ذكر وأنثى) ومستوى تعليم المرأة خاصة، وإن آثار التعليم المباشرة وغير المباشرة غير قابلة للحصر، فبالعلم ترتفع الأمم، وبالعلم يتسامى الإنسان ويرقى، وإن المردود المادي للعلم يتبلور في زيادة الإنتاجية والإبداع في العمل والابتكار، وهذا لا يضاهي مردوده الاجتماعي والمعنوي عبر خلق أجيال واعية ذات فكر نيّر خلاق وتفكير منطقي وعلمي، فما هو إذاً وضع المرأة إذا حرمت من هذا السلاح البنّاء؟، وكيف يمكن لها أن تعمل وتنتج ما لم نؤمّن لها هذا الشرط اللازم (العلم) لإثبات ذاتها؟.

وللأسف فإن واقع المرأة في التعليم في غالبية الدول العربية والدول النامية هو واقعٌ أليم رغم الجهود التي تقوم بها معظم هذه الدول في هذا المجال، وتدلّ الأرقام الإحصائية على تأخر المرأة عن الرجل في مجال التعليم، وإن نسبة الأمية لدى الإناث تفوق ضعف نسبة الأمية لدى الذكور، ففي العراق - مثلاً - معدل الأمية بين الإناث - وفق إحصاء 1985م - من الفئة العمرية (10-14) بلغ (50.8 %) ويرتفع في فئة العمر (20-24) إلى (68.1%) ويصل إلى (81.7%) في فئة العمر (30-34) وإلى (90.7%) في فئة العمر (45-49) وإلى (94%) في فئة العمر (55-59)، أما معدلات الأمية عند إناث الريف فقد بلغت (88.3% ) في حين أن المعدل عند إناث الحضر لم يتجاوز (53.8%).

وإن هذا الواقع في الحقيقة لا يختلف في بقية البلدان العربية عنه في العراق، والجدول الآتي يعطينا صورة عن هذا الواقع لبعض البلدان العربية:

النسبة المئوية للذكور والإناث لسكان بعض الدول العربية (15 سنة فما فوق) لسنة 1985م (8)

البلد

ذكور

إناث

البحرين

مصر

العراق

الأردن

الكويت

لبنان

سوريا

الإمارات

63.9

42

64.4

49.9

36.6

25.1

46.5

73

81.8

64.6

87.2

84.8

58.1

47.9

83.2

92.1

هذا النقص في تعليم المرأة يتفاقم في المستويات العليا من التعليم، وقلما تتوجه المرأة إلى المجالات العلمية والاختصاصات التطبيقية، بل تكتفي في أكثر الأحيان بالاختصاصات النظرية.

مما سبق نستطيع أن نستخلص النتائج التالية:

1- إن معدلات الأمية رغم ارتفاعها لدى الذكور والإناث في البلدان العربية ككل، فإن ارتفاع نسبتها في البلدان العربية بالنسبة للإناث هو أعلى بكثير.

2- إن الإقبال على الدراسات المتخصصة الجامعية والعليا قليل جداً من قبل الإناث بالمقارنة مع الذكور.

3- هنالك اتجاه نحو تطور التعليم بين الإناث ولكنه دون الطموح، وإن هذا التطور غير كاف وذلك بالمقارنة مع التطور الحاصل في الدول المتقدمة.

إن الضرورة تقتضي قيام دراسة تبين العلاقة الوثيقة الموجودة بين مستويات التعليم وآثاره الإيجابية في جميع ميادين الحياة، وهذا يحتاج إلى بحث خاص حول أثر التعليم والعلاقة بينه وبين العمل، إلا أننا ننوّه إلى هذا الأثر نظراً لآثاره الاجتماعية والفكرية وتغيير العادات الاستهلاكية والاعتماد على الطرق الحديثة في إدارة المنزل وتربية الأطفال وبناء جيل مفكّر مبدع.

واقع المرأة في العمل:

للمرأة خصائص اجتماعية وبيولوجية تؤهلها للقيام ببعض الوظائف والتخصّص في بعض المجالات التي تنتج بها وتؤدي فيها دوراً فعالاً؛ لذلك فإن عمالة المرأة تعتبر مهمة جداً لتحسين الإنتاج وتسريع وتائر النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما أنه يزج في المجتمع طاقات كبيرة من الأيدي غير المنتجة.. ومع ذلك فإن نسبة قوة العمل النسائية من مجموع الإناث في البلدان العربية لا تزال ضعيفة، ولم تدخل المرأة بعد في مجال العمل الذي يلائم خصائصها وطاقاتها، وهذا التناسب بين الطاقات والخصائص من جهة ونوع العمل من جهة أخرى ضروري جداً؛ إذ إن المطالبة بحق العمل دون النظر إلى إمكانياتها وأوضاعها الخاصة مطالبة في غير محلها، وهذا لا يقف أبداً عائقاً في مساهمتها، فالمهندس لا يستطيع أن يقوم بعمل القاضي والعكس صحيح فالتخصص وارد في جميع مجالات الحياة، إلا أن هذا التخصص يتطلب وضع سياسات حكيمة ومخططة لدراسة واقع المرأة في العمل وتطلعاتها ومجالات شيوعها أكثر ما يمكن.

وتتجلى أهمية مساهمة المرأة في البناء الاقتصادي والاجتماعي لتحقيق التنمية في:

1- ازدياد الدخل الوطني؛ وبالتالي زيادة تراكم رأس المال الضروري لإنجاح برامج التنمية.

2- التقليل إلى حد كبير من نسبة السكان الذين يعيشون كمستهلكين فقط، أي عالة على المنتجين، وبذلك تزداد نسبة رأس المال الموجه إلى البناء على حساب رأس المال المستهلك من الدخل القومي.

3- رفع إنتاجية العمل الاجتماعي؛ وهو الركن الأساسي لتحقيق التنمية، وقد تنبهت إلى هذه الحقيقة جميع البلدان المتقدمة وراحت تزج بالنساء في العمل، كما إن الدول النامية تسعى إلى زج الطاقة النسائية في العمل المنتج، ولكن يجب أن تدرك أن هذا الأمر يستلزم بيانات إحصائية دقيقة للتعرف على الطاقات البشرية المتوفرة لاستخدامها استخداماً صحيحاً وبصورة عقلانية دون إحداث خلل أو عدم توازن في تركيب المجتمع؛ إذ لا نستطيع نقل المرأة من المنزل إلى العمل دون التخطيط لذلك من عدة جهات:

أ) تهيئة المرأة عملياً وإعلامياً؛ فالعمل قبل كل شيء مسؤولية يجب أن تحرر المرأة من تبعيتها لكل ما هو بال؛ عادات قديمة، أو أيضاً ظواهر مدنية حديثة زائفة (السلوك الاستهلاكي غير الواعي، التقليد في اللباس والعادات.. الخ) ويخلق (العمل) منها شخصية متكاملة منتجة متميزة قادرة على تحدي مشاكل الحياة مع الحفاظ على كرامتها وزيادة تمسكها بالعائلة والمنزل والأولاد، لاسيما وأنها تشعر أنها تشارك في عملية البناء هذه.

ج) تهيئة الظروف العائلية المؤاتية بشكل نحافظ فيه على التركيب العائلي السليم ونضمن الاستقرار والرعاية للأولاد.

تهيئة ظروف العمل المناسبة للمرأة:

إن دخول المرأة معترك العمل بأسس علمية صحيحة سوف يكون له أثر حضاري وثقافي ينتقل من خلالها إلى الأجيال القادمة التي هي عماد البلاد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية لأنها سوف تعلّم الأجيال القادمة أنماطاً جديدة للحياة.

إن مساهمة المرأة في العمل في معظم الدول العربية شبه منخفضة مقارنة بالذكور، وإن هذه النسبة المنخفضة هي من سمات الدول النامية بصورة عامة والعربية بصورة خاصة مقارنة مع بقية دول العالم.

و إذا أردنا أن نحلل أسباب هذا التقصير في مواكبة التطور الطبيعي نرى أن هنالك عوامل عديدة تتحكم في موضوع مساهمة المرأة في الأنشطة الاقتصادية المختلفة، فالبيئة المحافظة والأعراف التي تحيط بالمرأة يجعلها أقل إقداماً على العمل في مجتمعنا الذي لا تتوفر فيه الشروط الكافية التي تخفف عن المرأة بعض الواجبات البيتية، مثل مراكز رعاية الأطفال ودور الحضانة والخدمات المنزلية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإحصائيات التي تبين مدى العلاقة الموجودة بين توفير هذه الخدمات وإمكانية زيادة مساهمة النساء في العمل خارج المنزل غير متوفرة، كما أنه لا توجد أية دراسة تقوم على حصر النساء العاملات في هذه الخدمات؛ فدور الحضانة أنشئت بعد أن شعر الجميع بالحاجة الماسة إليها، ومع ذلك فإننا نعلم أن أعدادها غير كافية، فالتخطيط المسبق لهذه الخدمات غير متوفر كما أن البيانات والإحصائيات في هذا المجال قاصرة جداً..

لهذه الأسباب نرى أن مساهمة المرأة تتأثر بعاملين رئيسين من جملة العوامل الأخرى، وهما الحالة الزوجية والحالة التعليمية.

إن تعلم المرأة يدفعها إلى ميدان العمل؛ فكلما ارتفعت درجة تعليمها أدى ذلك إلى جعلها عنصراً فعالاً في المجتمع نتيجة لزيادة وعيها.

إن هذه الحقيقة على درجة بالغة من الأهمية؛ فالحل الوحيد لزج النساء في ميدان العمل هو التعليم الذي يرفع من درجة كفاءتهن وعطائهن ومردودهن.

إن المعطيات الإحصائية قادرة على أن تظهر لنا أيضاً مدى مساهمة المرأة في كل قطاع من القطاعات المختلفة للنشاطات الاقتصادية وتحدد لنا بذلك أنواع الأعمال التي تستهوي المرأة أكثر من غيرها، فمثلاً في العراق يتركز عمل المرأة بصورة رئيسية في مجال التعليم والخدمات ومن ثم الزراعة، والأعمال المكتبية، وهذا التخصص يساعدنا في رسم الخطط المستقبلية.

قبل أن نختم هذه الفقرة لواقع المرأة في العمل يجب التنويه إلى نقطتين هامتين في هذا المجال:

1- إن العمل رغم أهميته القصوى بالنسبة للمرأة ومردوده بالنسبة للاقتصاد، قد لا يعود بالنفع المادي على صاحبه كما هو العمل بالريف، نظراً لسيادة بعض العادات الاجتماعية التي لا تعتقها من واقعها الاجتماعي ولا تحررها من تبعيتها الاقتصادية.

2- إن خروج الزوجة إلى العمل ولّد بعض المشكلات، ولكن هناك أيضاً قصوراً كبيرا في المعطيات الإحصائية لتصوير هذا الواقع وتحديد المشكلات بالأرقام ليتسنى للمخططين معالجتها؛ إذ حسب رأينا أن الغاية من عمل المرأة هو النمو والتطور من جميع أوجهه، ومن غير المنطقي أن يكون عمل المرأة سبباً في تفكيك رباط الأسرة أو إهمال تربية الأطفال أو حتى على حساب صحة الزوجين أو أوقات فراغهم.

لقد أثبتت دراسة اجتماعية ميدانية في العراق بأن نزول المرأة إلى معترك العمل والمساهمة بالنشاط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والعام قد حقق مكسباً كبيراً في تكوين اتجاهات جديدة في تحرير نصف المجتمع من الجمود، ودفعه في طريق الإنتاج والمشاركة، لكن مجموعة كبيرة من المشكلات أخذت تدخل إلى معظم البيوت من خلال إرهاق المرأة بعملين معاً، ولعدم توفر الخدمات التي تعتق المرأة من بعض مسؤولياتها من جهة، ولعدم قبول الأزواج بمساعدة زوجاتهن من جهة أخرى؛ إذ لم تتولد بعد قناعة لدى الجميع بأن الحياة أساسها المشاركة.

وقد حددت أغراض البحث بـ:

1- الكشف عن المشكلات الأسرية، وتحديد أبعادها وآثارها على حياة الأسرة واستقرارها من خلال ما يعطيه البحث من معلومات وبيانات ومعطيات إحصائية.

2- الوصول إلى نتائج وإعلان مقترحات؛ وفي الحقيقة أننا نفتقر لمثل هذه الدراسات رغم أهميتها؛ إذ هي تلقي أضواءاً على مقومات جديدة لعمل المرأة، نذكر على سبيل المثال لا الحصر المعطيات التالية:

- 68,57 % من الزوجات العاملات يقضين العطل في البيت للقيام بالأعمال المنزلية.

- 54,81 % من الأسر التي لديها أولاد تغطي الزوجة غيابها عن العمل بسبب مرض طفلها بإجازات إدارية و10,04 % بإجازة بدون راتب.

- 29,82 % من العاملات التي جرت الدراسة عليهن ينفردن بكافة الخدمات المنزلية داخل الأسرة، وهذا يعني أن ثلث الزوجات العاملات تقريباً مسؤولات عن تأمين كافة الخدمات المنزلية بمفردهن دون أية مساعدة.

- 47,5 % من الأزواج يساعدون زوجاتهن العاملات بالأعمال المنزلية التي تعتبر من اختصاص رب الأسرة (شراء الحاجيات، ومساعدة الأولاد في مسؤولياتهم المدرسية)(9).

النتائج الممكن استخلاصها من دراسة واقع المرأة في العمل تنحصر في النقاط التالية:

- إن مساهمة المرأة في العمل يبقى ضعيفاً رغم الجهود المبذولة وإذا أردنا زيادة مساهمتها فيجب التخطيط من أجل تحقيق ذلك في ثلاثة اتجاهات:

1- زيادة تعليم المرأة.

2- تأمين فرص العمل التي تتناسب وإمكانياتها وظروفها.

3- العمل على تأمين الخدمات التي تحرر المرأة من أعبائها المتراكمة في المنزل.

واقع المرأة الريفية:

إن المعطيات الإحصائية تظهر أهميتها خاصة في دراسة فئة لها أوضاعها الخاصة وظروفها الشاقة والصعبة ولا سيما أن لها تأثيراً كبيراً على التنمية الاقتصادية، هذه الفئة هي عبارة عن فئة النساء الريفيات، إننا إذ نريد أن نظهر واقعها الذي هو بصورة عامة واقع أليم، فإننا نهدف من هذا، إلى التأكيد على أهمية دراسة أوضاعها بالأرقام، والتخطيط لتطويرها، وتنمية القطاع الزراعي الذي يعتبر من أهم جميع القطاعات في الأقطار العربية واليكم بعض الأرقام كما وردت في بحث عن العراق:

أ) التركيب السكاني: (78% من النساء في الريف هن في أعمار تتراوح بين 15-59 سنة بينما اللواتي تزيد أعمارهن عن 60% فأكثرهن لا يشكلن سوى 4% وهذا معناه أن المرأة الريفية قوة بشرية فعالة تسهم في العمل والإنتاج معاً وقد أثبتت مجالات التعليم والعمل والتشريع والخدمات عام 1980 أن 93% من القوة العاملة النسائية في الريف هن مشتغلات وغالباً ما يكون العمل في المجال الزراعي).

ب) التركيب التعليمي: إن نسبة الأمية في الأوساط النسائية الريفية تبلغ 76% بشكل عام وهي 61% في فئة السن 15-19 و91% في كل من فئات السن 30-34-35-39 ونؤكد على ما جاء في البحث بأن هذه النسبة مؤشر خطر لأوضاع المرأة الريفية وتظهر آثاره واضحة في جميع المجالات؛ الأمر الذي يدفع المسؤولين إلى الاهتمام الجدي بمحو الأمية للنساء الريفيات عبر وضع برامج تنفيذية تتناسب والواقع وتتفق مع الاحتياجات.

ج) التركيب الزواجي: يتميز الزواج في الريف بظاهرتين أساسيتين:

1- ظاهرة الزواج المبكر: 3% من المتزوجات تتراوح أعمارهن بين 10-14 سنة

2- غلاء المهور: 81% من الفتيات بين العمر 15-19 سنة و37% من الفتيات بين العمر 20-22 سنة غير متزوجات بسبب غلاء المهور.

د) المرأة الريفية والعمل:إن العمل الزراعي للمرأة الريفية هو جزء لا يتجزأ من عملها اليومي كربة منزل فـ 96,87 % من نساء الريف المشتغلات بعملهن بالزراعة والرعي ولكن قلما تستقل المرأة الريفية مادياً إذ هنالك 82,19 % من النساء الريفيات ليس لديهن أي إطلاع على الوسائل الصحية الخدمات ووسائل الترفيه والتسلية.

النتائج الممكن أن نستخلصها عن وضع المرأة الريفية تتلخص في النقاط التالية:

1- إن المرأة الريفية تساهم في التنمية بشكل ملموس.

2- مردود مساهمة المرأة الريفية يبقى منخفضاً نتيجة مستواها العلمي والعملي.

3- قلما تعمل المرأة الريفية بأجر إلا إذا كانت تعمل في الوظائف الإدارية كمعلمة أو غير ذلك، وفي بعض الأحيان لدى مزارع الدولة أو الجمعيات التعاونية والتي في الحقيقة لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من عموم العاملات.

حدود المعطيات الإحصائية في مجال التخطيط لمساهمة المرأة في التنمية

سبق وأن قلنا بأن أهمية المعطيات الإحصائية تتحقق في تصوير الواقع ولكن ما فائدة تصوير الواقع إذا لم يساعدنا على الانطلاق نحو المستقبل والتخطيط له؟، وعلى ما نظن أنه لن نكون متشائمين إذا قلنا أن العقبات وقصور المعطيات في هذا المجال كثيرة جداً؛ فقلما سعت دراسة أو بحث إلى وضع تقديرات وتنبؤات خاصة بالمرأة، وهنالك بعض التهديدات المتعلقة بنمو السكان عامة، كما أن هنالك بعض التوقعات لتطور قوة العمل بشكل إجمالي وعام ولكن هل يكفي هذا؟.

إن صورة المرأة التي تعكسها المعطيات الإحصائية الموجودة قد عبرت عن واقع معين للمرأة تريد تغييره وتطويره لتتحكم في سيره واتجاهه، ولكن هل يمكننا ذلك إذا لم يكن لدينا صورة للمرأة كما تريد أن تكون، وكما نريدها أن تكون في المستقبل، ولنتساءل: ما هي الإمكانيات المتوفرة في هذا المجال؟ وما هو السبيل إلى ذلك؟.

وهنا يظهر بوضوح النقص في البيانات والقصور في المعطيات الإحصائية، وقد سبق أن ذكرنا في نهاية كل فقرة ماهية المعطيات الإحصائية غير المتوفرة؛ فالسعي إلى إيجادها يعتبر ضرورة نتمنى تحقيقها بالإضافة إلى الملاحظات والمقدمات التالية:

1- إن الأجهزة والأدوات قلما تسعى إلى تصنيف إحصائياتها في مختلف المستويات والقطاعات على أساس النوع (ذكوراً وإناثاً) ولو فعلت لساعدت كثيراً في تأمين الوسائل لتخطيط أفضل في مجال قوة العمل النسائية.

2- نقص البيانات الصحية والطبية الخاصة بالمرأة بالرغم من أهميتها وضرورتها.

3- ليس لدينا أية صورة رقمية لوضع المرأة في المستقبل وليس هنالك خطط مستقبلية عن أهدافنا المحددة بشكل دقيق.

4- ليس هنالك مسح يحدد المشاريع والبدائل والمجالات الجديدة التي يمكن إيجادها لزيادة معدلات مشاركة المرأة في قوة العمل.

المصـــادر والمـــراجـــع:

(1) المرأة المعاصرة: عبد الرسول عبد الغفار.

(2) الإسلام والمرأة المعاصرة: الخولي.

(3) المرأة والمجتمع: د. سلوى الخماش.

(4) مسؤولية المرأة: حسن الصفّار.

(5) موضوعات التخطيط: د. محمد محمود الإمام.

(6) القوى العاملة: د. محمد سلمان حسن.

(7) مقدمة لنظرية الاقتصاد: بول كندل.

(8) التخطيط: عصام محمد جبار.

(9) الإحصاء الاقتصادي: قاسم حسن.

(10) السكان والنمو الاقتصادي: حسين مهدي أحمد.