النبأ

 

 

 

حسن آل حمادة

النية الصادقة في العمل الإسلامي

(وأعنِّي على صالح النية، ومرضيَّ القول، ومستحسن العمل..).

                                      الإمام السجاد(ع)

قد يتساءل البعض: هل هناك داعٍ للحديث في موضوع كهذا؟‍.

أليس من المهم أن يعمل المسلمون لأجل دينهم، وقرآنهم، وقبلتهم.. وكفى؟‍.

هل من اللازم أن نشق قلوب المسلمين؛ لنتأكد من نواياهم؟!.

قد ترد أسئلة كثيرة كهذه على صفحة الذهن، لكن ما يحفزنا على طرق هذا الباب هو علمنا بأن (القلب مبعث الخير والشر؛ ولذا قال سبحانه: (آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة: 283)، حتى إن العمل الصالح الصادر من الإنسان بدون قصد نيّةٍ، لا يُعد حسناً فاعلياً، وإن كان حُسْناً بذاته، وكذلك العمل السيئ الصادر من الشخص بدون نيّة وعزم، لا يُعدّ قبيحاً فاعلياً، وإن كان في نفسه قبيح) (1).

من هنا تتضح لنا مسألة أولية، وهي ضرورة الإهتمام الكبير بأمر القلب، بما يمثله من مرجعية للخير أو للشر جميعاً(2)، فالنيّة الصادقة أثناء ممارسة الإنسان - المسلم - للعمل الإسلامي، تبقى مطلباً مهماً؛ بل قد تكون الأهم، كما سيتضح لنا ذلك أثناء البحث.

قبل الدخول في صلب الموضوع، نود أن نناقش بشيءٍ من الإيجاز مقصودنا من النيّة، ومقصودنا من العمل الإسلامي في هذه المقالة.

النيّة: بمعنى القصد؛ ونقصد بها هنا: الدافع الذي يدفع الإنسان المسلم نحو العمل والتحرك، ومحلها القلب، وأردفناها بكلمة (الصادقة)؛ لنقول: هل الإنسان المسلم في حركته، يتحرك لله؟ وهل في عمله يعمل لله، لتكون نيتّه صادقة؟ أم هو يعمل ويتحرك لشيءٍ آخر؟.

(والنيّة في كلام العلماء تقع بمعنيين:

أحدهما تمييز العبادات بعضها عن بعض، كتمييز صلاة الظهر من صلاة العصر مثلاً... وهذه النيّة هي التي توجد في كلام الفقهاء في كتبهم.

والمعنى الثاني بمعنى تمييز المقصود من العمل، وهل هو لله وحده لا شريك له، أو لله وغيره. وهذه هي النيّة التي يتكلم فيها العارفون في كتبهم على الإخلاص وتوابعه) (3).

العمل الإسلامي: ونقصد به كل نشاط خيرٍ يمارسه الإنسان في مجتمعه، شريطة أن يكون ذلك النشاط، من الأنشطة التي تتماهى وتعاليم الإسلام، كما تهدف إلى خدمة أبناء المجتمع الإنساني كافة؛ فالعمل الإسلامي إذا كان منبثقاً من نوايا صادقة، حقق الخير والفلاح للجميع، وهذا ما نرجوه ونأمل تحققه من أبناء المدرسة الإسلامية.

الأعمـــــــال بالنيّــــــــات:

فللناس في أي عملٍ يقومون به، مراتب ودرجات مختلفة (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 132)، (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) (الأحقاف: 19)، فنفس العمل الذي قد يثاب عليه زيدٌ، ويتحصل على أثره الدرجات العُلى، قد لا يثاب عليه عمرو، وذلك لاختلاف النيّة لدى كل منهما؛ ولتوضيح هذا المطلب لنقرأ معاً هذا الحديث المروي عن سيد الكائنات، حيث يقول(ص): (إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكلّ امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) (4).

عند تناول الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي لهذه الكلمة الذهبية، قال: (إنها إكليلٌ على رأس كل من يعمل عمل الآخرة؛ من تعلّم العلم إلى التبليغ لرسالات السماء، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى إعانة الضعفاء والمعوزين، إلى تأسيس المؤسسات وتكوين المشاريع، إلى غير ذلك. فإن كانت أعماله لله ولرسوله، أثابه الله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وإن كانت أعماله لشهرة أو صرف وجوه الدنيا إلى نفسه فعمله لما عمل له... وشر الناس من عمل باسم الله وهو يريد غير الله) (5).

إذن، تبقى ثمة أسئلة: لماذا يقاتل المقاتل؟ لماذا يكتب الكاتب؟ لماذا يؤلف المؤلف؟ لماذا يخطب الخطيب؟ لماذا يؤذن المؤذن؟ وألف لماذا ولماذا؟.. والإجابة تحددها نيّة المرء، التي هي خيرٌ من عمله! يقول رسول الله(ص): (إذا التقى الصفان، نزلت الملائكة تكتب الخلق على مراتبهم، فلان يقاتل للدنيا، فلان يقاتل حمية، فلان يقاتل عصبية، ألا فلا تقولوا: قتل فلان في سبيل الله، إلا لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا) (6).

(وفي التقوى يرتبط العمل بالنيّة، فكلّما كانت النيّة خالصة لله تعالى خالية عن الأغراض الدنيوية، ازدادت قيمة العمل، وقرب إلى القبول، وصلح للجزاء الأوفى)؛ فالإسلام (يربط بين العمل والنيّة، فلا يمكن التفكيك بينهما، فيعتبر العمل بلا نيّة، لا قيمة له، كما أنّ النيّة الخالية عن أي عمل، لا ثمرة لها) (7).

الـــتأكيد على النية الصادقة لمـــاذا؟!:

يجيب على سؤالنا هذا الإمام محمد الباقر(ع) بقوله الشريف: لأن (نيّة المؤمن أفضل من عمله؛ وذلك لأنّه ينوي من الخير ما لا يدركه) (8)، فمن الضرورة بمكان أن تكون نية الإنسان المؤمن عند إقدامه على أي عملٍ كان، نيّة حسنة، بل أعظم من ذلك؛ إذ يقول الإمام زين العابدين(ع):(وانتهِ بنيّتي إلى أحسن النيّات) (9)، و(أحسن النيّات هي حالة تكاملية في الإنسان تنمو إلى جانب العناصر الأخرى لتصل بالفرد إلى درجة الكمال الإنساني) (10). ولن يتأتى لأحدٍ الفوز برضوان الله؛ إلا إذا أخلص عمله لله وحده، وأفرغ قلبه مما سواه، لذا يحبذ أن ندعو الله - ونحن نسعى في المسارعة بعمل الخيرات - بدعاء الإمام زين العابدين (ع): (وأخلِص نِيَّاتِنا في مُعاملتِك) (11).

من منّا لم يسمع بـ(قتيل الحمار)؟ الذي قاتل مع جيش المسلمين - فقُتل - ونيته أن يستولي على حمار من أحد المشركين!! ومن منّا لم يسمع عن (مُهاجر أم قيس)؟ الذي هاجر مع جيش المسلمين، ونيته أن يغنم بأم قيس! التي اشترطت عليه الهجرة؛ كشرطٍ من شروط الزواج، وكان له ما أراد!! لكن، لا يُخدع الله عن جنته! وإنه لا ينظر إلى مقدار العمل وحجمه، وإنما ينظر إلى مقدار الإخلاص فيه. فإن أخلص المرء النيّة لله وحده وإن لم يدرك تمام عمله الذي أراد، كُتب له الأجر والثواب.

ولذا ليس بمستغرب أن يروى عن رسول الله (ص) قوله بأن: (أفضل العمل النيّة الصادقة) (كنزالعمال: ح7238)، وها هو حفيده الإمام الصادق (ع)، فيما يروى عنه، يقول: (صاحب النيّة الصادقة صاحب القلب السليم، لأنّ سلامة القلب من هواجس المحذورات، بتخليص النيّة لله في الأمور كلّها).

فالنيّة الصادقة لا تصدر إلاّ ممن كان له قلبٌ سليمٌ، خالٍ من العقد والأهواء الفاسدة.

والنيّة هي ضرورة من ضروريات العمل - أياً كان نوعه - فلا طهارة بلا نيّة، ولا صلاة بلا نيّة، إذاً لا بد من النيّة الخالصة من شوائب الرياء، حسب تعبير الفقهاء.

ومن الأمور الباعثة على التأمل بخصوص موضوع النية، هذا الحديث المروي عن رسول الله (ص): (نيّة المؤمن خير من عمله، وإنّ الله عزّ وجلّ ليعطي العبد على نيّته ما لا يعطيه على عمله، وذلك أنّ النيّة لارياء فيها، والعمل يخالطه الرياء) (12). وهذه مسألة من البداهة بمكان.

ولا يخفى أن (الإيمان هو أصل كل فضيلة، وكل عمل صالح. والعمل الذي لا يصدر عن إيمان، لا يتقبل؛ بل ليس بعمل صالح، لأن النيّة (والهدف المبتغى من الفعل) جزء لا يتجزأ من العمل؛ إنها صبغته وروحه ومحتواه. كما أن العمل الصالح يفيض من الإيمان، كما يفيض الماء من النبع، والضوء من المصباح. وهكذا نستدل على الإيمان بالعمل الصالح، وعلى العمل الصالح بالإيمان، ولعله لذلك نجدهما يذكران معاً في آيات الذكر الحكيم، ولعل هذا يهدينا إلى مدى انبعاث المؤمن إلى العمل الصالح بدافع إيمانه) (13).

الــــعمل على قدر النيّــــة:

مما يبعث على الأسى والحسرة أن نجد في أعدائنا أسوة حسنة لنا، من حيث العمل والفاعلية والإنجاز، ويبقى السؤال: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ بلا إجابة عملية تذكر؛ فالآخرون وفي مقدمتهم (إسرائيل) هذا الكيان المصطنع اللقيط، يُصنف ضمن الدول المتقدمة من ناحية: العلم والصناعة والإنتاج، بل ها هو يرهب دول المنطقة، ويعربد فيها كيفما شاء!! ونحن أمة (اقرأ)، أمة العلم، أمة تعيش في نهاية النفق! حيث العتمة والظلام، وصدق القائل:

إني لأفتح عيني حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا

فالنيّة التي هي (أساس العمل)، أين وَّلت؟!.

لماذا هذا الضعف، ولماذا هذا الهوان، يا أمة ضحكت من جهلها الأمم؟.

هل حلَّ بنا هذا البلاء لفساد نيّاتنا؟.

هكذا هو الحال حسبما يبدو؛ فـ(من حسنت نيّته أمدّه الله بالتوفيق) (14)، و(قدر الرجل على قدر همّته، وعمله على قدر نيّته) كما روي ذلك عن الإمام علي(ع).

و(ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة)، و(إنّما قدّر الله عون العباد على قدر نيّتهم، فمن صحّت نيّته تمّ عون الله له، ومن قصرت نيّته قصر عنه العون بقدر الذي قصر) (15)، كما قال الصادق(ع).

وتبقى حاجتنا إلى النيّة الصادقة حاجة ماسة، إذ بدونها تحصل الغفلة، فـفي حديثٍ يروى عن الإمام الصادق (ع) جاء فيه: (لا بدّ للعبد من خالص النيّة في كلّ حركة وسكون؛ لأنّه إذا لم يكن هذا المعنى يكون غافلاً) (16).

فلكي ننأى بأنفسنا بعيداً عن عالم الغفلة؛ ينبغي أن نتحصن بحصن الخشية والخوف من الله؛ ليعيننا على (صالح النيّة، ومرضي القول، ومستحسن العمل) (17).

الإمـــام علي (ع) نموذجاً للنيّة الصادقــــة:

حياة أئمة أهل البيت وسيرتهم (ع) تمثل أروع الأمثلة للنيّة الصادقة، أثناء ممارستهم للعمل والحركة، ضمن دائرة الإسلام، فقد نزل قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) (المائدة: 55)، كرامةً وفضلاً للإمام علي (ع) عندما تصدق بخاتمه وهو راكعٌ يصلي، بينما قام غيره بتوزيع العديد منها (الخواتيم) ولم ينزل في حقه ولا حتى حرف واحد من حروف القرآن الكريم!!.

وقد كانت ضربة علي (ع) يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين!!.

يا ترى.. لماذا كان ذلك لعلي (ع) ولم يكن لغيره؟.

بالتأكيد وبدون أدنى شك، لأن الإمام (ع) كان يعمل لله.. ولله وحده.

فقد كان الإمام (ع) يهدف من خلال عمله الأول إلى مساعدة المحتاج؛ فلَّوح له بخاتمه وهو في حالة الركوع - وأي ركوع هذا! -، بينما الآخرون لم يأبهوا بوجود محتاجٍ تكففهم، إضافةً لصدق الإمام (ع) في نيتّه وإخلاصه. وهو القائل - ما مضمونه - : (ما هممت بأمرٍ؛ إلا ورأيت الله: قبله، ومعه، وبعده، وفيه) (18). وبتعبير الإمام الحسين (ع) - في دعائه يوم عرفة -: (تعرّفت إليّ في كلّ شيءٍ، فرأيتكُ ظاهراً في كلّ شيءٍ، وأنت الظاهرُ لكلّ شيءٍ) (19).

وعندما نتمعن في هدفيته - الإمام علي (ع) - من خلال عمله الآخر، نطمئن إلى أنه كان يهدف إلى نصرة رسالة السماء؛ ليتحصل على رضا الله، ورضا رسوله الكريم (ص)، فهو (ع) لم يكن يعمل - يوماً - للآخرين، أو لهواه. وقد أجاب بنفسه (ع) على ذلك عندما سئل: لماذا أبطأت في قتل عمرو بن عبد ودّ العامري؟ فقال (ع): (لقد بصق في وجهي فأثار غيظي وغضبي، فلم أُرِدْ أن أُسارعه بالقتل حتى لا يُقال إني قتلته حميّةً لنفسي، فتباطأت إلى أن سكن غضبي فقتلته لله وحده(( يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الأنعام: 52)(20).

فالإمام علي (ع) كان يريد من خلال عمله هذا - بل من كل أعماله - وجه الله؛ وكلنا يعلم بأنه إذا فُقِدَ الإخلاص من نيّة الإنسان فلن يُتَقَبَلْ منه؛ لأنه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) (المائدة: 27). فهل نتعلم هذا المنطق القرآني، من على لسانِ هابيل (ع)؟.

اعـــملوا في غير ريــــاءٍ:

في وصيةٍ منه لأبناء المدرسة الإسلامية، يقول الإمام علي (ع): (واعملوا في غير رياءٍ ولا سُمعةٍ؛ فإنهُ من يعمل لغير الله يكله الله لمن عمل له).

في توضيحه لنهج البلاغة، يقول الإمام الشيرازي، عن هذه الكلمة: ( (واعملوا في غير رياء ولا سمعة) فلا يكن إتيانكم بالعمل الصالح لأجل أن يرى الناس عملكم أو يسمعون بما عملتم فيحسّنون عملكم، فإن الرياء والسمعة يبطلان الأعمال الصالحة (فإنه من يعمل لغير الله) أي يأتي بالأعمال الصالحة، لكن بدون أن يكون قصده الله سبحانه بل قصده تحسين الناس له (يكله الله إلى من عمل له) أي أن الله لا يعطيه أجر عمله، وإنما ينبغي أن يطلب ثواب عمله ممن راءى لأجله، مثل لو أعطى المال لفقير لأجل تحسين الناس له، كان ثواب إنفاقه على الناس لا على الله؛ إذ كيف يعمل الإنسان لشخص ويريد جزاءه وأجره من آخر؟) (21).

عن نيّة إرضاء الناس أو (الرياء)، وعن مصير من يسلك هذا المنعطف، تمّعن معي هذه الكلمات: (يؤمر برجال إلى النار، فيقول الله جل جلاله لمالك (خازن النار): قُل للنار لا تحرق لهم أقداماً فقد كانوا يمشون إلى المساجد، ولا تحرق لهم فروجاً فقد كانوا يُسبغون الوضوء، ولا تحرق لهم أيدياً فقد كانوا يرفعونها بالدعاء، ولا تحرق لهم ألسُناً فقد كانوا يُكثرون تلاوة القرآن. فيقول لهم خازن النار: ما كان حالكم؟ فيقولون: كنّا نعمل لغير الله تعالى، فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممن عملتم له) (22).

نعم.. يجب أن تكون أعمالنا خالصة لله وحده؛ فمعيار قبول العمل النيّة الصادقة.

نعم.. يجب أن تكون نيّتنا من العمل الإسلامي؛ نيّةً حسنة نبتغي من خلالها الفوز بجنةٍ عرضها كعرض السماوات والأرض (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133)، ولا يجب أن تكون أعمالنا ردة فعلٍ لإثارةٍ معينة!! أو لأن الآخرين يعملون؛ فيجب أن نعمل، حتى لو كان في ذلك تجاوزاًَ للحدود الشرعية!! أو لكي نحصل على مكاسب دنيوية، سرعان ما تزول!!.

فـ(النيّة أفضل من العمل، ألا وأن النيّة هي العمل) (23)، كما يقول إمامنا الصادق (ع): (واحتمل بعض أن هذا المعنى مبالغة، ولكنه ليس بشيء من المبالغة، بل مبني على الحقيقة، لأن النيّة هي الصورة الكاملة للعمل، والفصل المحصّل له، وصحة العمل وفساده وكماله ونقصه، مرتبطة بالنيّة) (24).

(وليس في العبادات شيءٌ ذو أهمية مثل النيّة وخلوصها، لأن نسبة النيّات إلى الأعمال كنسبة الأرواح إلى الأبدان والنفوس إلى الأجساد) (25).

تأمل معي هذه النفحات المحمدية، من دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة: (إلهي إنّك تعلم أني وإن لم تدم الطاعة منّي فعلاً جزماً فقد دامت محبّةً وعزماً) (26).

كــــلمة أخيــــرة:

غاية القول فإن هناك علاقة وثيقة، بين النيّة، والعمل الإسلامي الهادف. فإذا كانت النيّة صادقة، والعمل خالصاً لوجه الله تعالى؛ فإن العاملين في الساحة الإسلامية، سوف يتلافون التضارب في الأعمال، وسيكون توقيتهم للعمل، توقيتاً سليماً. أما في حالِ كون النيّة غير حسنةً؛ فستكون النتيجة تضارب في الأعمال والمشاريع، وسينسى الكل مشيته - مبتغاه - كما حدث ذلك يوماً للغراب!!.

(فعلى الإنسان العاقل أن: 1- يعمل الخير، 2- ويكثر من عمل الخير، 3- وينوي الخير، 4- ويكثر من نيّة الخير، كأن ينوي إنه لو كان بإمكانه هدي العالم إلى الإيمان والعمل الصالح، وما أشبه، ليكون من أوفى البرية عند الله سبحانه في الحسنات يوم يلقاه).

فإلى مزيدٍ من العمل الإسلامي الصادق، الهادف إلى الرقي بمجتمعنا، وأمتنا الإسلامية الواحدة، وفقاً لمنهج الرسول الأكرم (ص) وأهل بيته الطيبين الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين)(27).

الهـــوامـــش:

(1) السيد محمد الشيرازي. الفضيلة الإسلامية، ط3، (الكويت: مكتبة العرفان، 1408هـ)، ص 409.

(2) يقول تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) (الشمس: 7-10).

(3) وهبة الزحيلي. الفقه الإسلامي وأدلته، مج1، ط4، (بيروت: دار الفكر، 1418هـ)، ص 152-153.

(4) المتقي الهندي، كنز العمال، ح7272.

(5) السيد محمد الشيرازي، مصدر سابق، ص 410.

(6) نفس المصدر، ص 413.

(7) السيد عبد الأعلى السبزواري. مواهب الرحمن في تفسير القرآن، مج2، ط3، (قم: دفتر سماحة آية الله العظمى السبزواري، 1414هـ)، ص 355.

(8) نفس المصدر، ص 354.

(9) الصحيفة السجادية: دعاء 20.

(10) مُحسن الباقري. مقومات الشخصية الإسلامية، ط1، (بيروت: دار البيان العربي، 1411هـ)، ص 30.

(11) الإمام زين العابدين (ع). الصحيفة السجادية الكاملة، مصدر سابق، ص 311.

(12) كنز العمال/ مصدر سابق، ح7270.

(13) السيد محمد تقي المدرسي. التشريع الإسلامي: مناهجه ومقاصده، مج7، ط1، (طهران: دار محبي الحسين (ع)، 1999م)، ص 415.

(14) غرر الحكم، حكمة 9186.

(15) بحار الأنوار، المجلسي/ج70 ص211 ح34.

(16) البحار، ج70 ص210 ح32.

(17) الإمام زين العابدين (ع). الصحيفة السجادية الكاملة، مصدر سابق، ص 222.

(18) الكلمة بمضمونها للإمام علي(ع)، ولم أجدها في أيٍ من المصادر المتوافرة بحوزتي؛ لذا كتبتها من الذاكرة.

(19) السيد حسن الشيرازي. كلمة الإمام الحسين (ع)، ط2، (بيروت: دار العلوم، 1421هـ)، ص 196.

(20) عبد الحميد المهاجر. الإمام علي (ع) سيرته الذّاتية وفكره الحضاري، مج2، ط1، (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1412هـ)، ص379.

(21) السيد محمد الشيرازي. توضيح نهج البلاغة، ج1-2، ط2، (قم: مؤسسة الفكر الإسلامي، 1410هـ)، ص 133-134.

(22) السيد حسن الشيرازي. كلمة الله، د.ط، (بيروت: مؤسسة الوفاء، 1405هـ)، ص 248.

(23) تفسير الميزان/ الطباطبائي، ج13 ص212.

(24) السيد الخميني. الأربعون حديثاً، تعريب: محمد الغروي، ط6، (بيروت: دار التعارف، 1419هـ)، ص 380.

(25) نفس المصدر، ص 373.

(26) السيد حسن الشيرازي. كلمة الإمام الحسين (ع)، مصدر سابق، ص 194.

(27) السيد محمد الشيرازي. الفضيلة الإسلامية، مصدر سابق، ص 414.