مجلة النبأ

أسواق الأوراق المالية واقتصاديات الدول النامية

 

 

 

 

محمد آدم


  المقـــدمـــة: 

تُعتبر البورصة بمثابة مقياس لدرجة حرارة الاقتصاد؛ فلقد أثبتت التجارة أن حالة سوق البورصة تشير بشكل عام إلى التطور والى حالة قطاع الإنتاج في الاقتصاد المعني.

ومن الآن فصاعداً تسمح سرعة وسائل الاتصال العصرية للمستثمرين بأن يتخذوا قراراتهم فور حصول أي تغيير في حالة العرض والطلب على المستوى العالمي.

في الحقيقة؛ لقد بات من غير الممكن التفكير بموضوع التنمية الصناعية خاصةً، والاقتصادية عامة، دون وجود شركات مساهمة ونظام خاص بالبورصة، إذ إن المرور عن طريق هذه الأخيرة (البورصة) بات أمراً ضرورياً لا يمكن تفاديه للعديد من المنشآت والشركات لجمع رؤوس الأموال اللازمة للاستثمار المطلوب، أو لتوسيع عملية استثمارية قائمة أصلاً.

إلا أنه من جهة أخرى، تتضمن العمليات والصفقات المعقودة في البورصة هامشاً من المخاطرة لا يستهان به. فعلى سبيل المثال تُعتبر أسهم الشركات العامة والحكومية بأنها – غالباً – مقدّرة بأقل من قيمتها الحقيقية، ولهذا تشكل (فريسة) جيدة لما يُدعى بـ(صيادي الشركات والفرص الجيدة) خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، أو للمنافسين الراغبين في ابتلاعها.

وفي الواقع، يمكن أن تحقق عملية شراء الأسهم من قبل المضارب أو من قبل الفرد العادي الراغب بالدخول إلى البورصة أرباحاً جيدة، كما يمكن أن تحقق خسارة كبيرة، إذ إن البورصة تتأثر بالذبذبات والتموّجات الحاصلة في الأحوال والأوضاع الاقتصادية وكذلك بالآثار المترتبة عن عمليات المضاربة، وبالأحداث السياسية إضافة للعوامل النفسية المرتبطة بحالة المستثمر ذاته.

منذ بداية عام 1980م يمكننا القول بأن تركيبة الثروة المالية للقطاع العائلي في أوربا قد تغيرت بشكل عميق جداً، إذ تراجعت الأهمية النسبية للسيولة النقدية - على سبيل المثال- من 60% عام 1980م إلى40% عام 1989م، ولا تزال في تراجع بطيء لكنه مستمر في فرنسا مثلاً. كما تراجع موضوع الاحتفاظ بالأوراق النقدية والإيداعات قصيرة الأجل من17% إلى 11,5% للفترة ذاتها، ودفاتر الادخار إلى 7% بعد أن كانت تُمثل 23% في عام 1980م. وبهدف تفعيل البورصة قامت أغلب البلدان الأوربية ومن قبلها الولايات المتحدة الأمريكية واليابان بعملية توجيه ودفع الادخار باتجاه السوق المالية وذلك بتبني سياسات تخفيض ضريبي انتقائي، ولهذا السبب ارتفعت الأهمية النسبية للقيم المنقولة (الأسهم والسندات) بشكل مستمر في المحافظ الاستثمارية لأفراد القطاع العائلي في أوربا مثلاً.

وفي الحقيقة لا يمكننا أن نتجاهل الدور الكبير والمتزايد الذي تلعبه المصارف وشركات التأمين في السوق المالية، فمن المعروف أن مصارف التسليف تلعب دوراً رئيسياً في تطوير الاقتصاد، إذ توجّه الأموال المدخرة المودعة لديها باتجاه الإقراض والتسليف لمن يرغب في تحقيق الاستثمارات الحقيقية في البلاد.

وتتدخل المصارف - أكثر فأكثر - في القطاعات المالية الأخرى، عن طريق تطوير أنظمة التأمين بمختلف أنواعها أو عمليات الادخار الموجهة للحصول على العقارات مثلاً، وفي الواقع إن تعدد وتداخل وتشابك الوظائف المصرفية ودورها المتزايد في الاقتصاد الوطني ومساهماتها الكبيرة في الأسواق المالية، ستقود إلى عمليات اندماج وابتلاع وشراء وغزو فيما بينها، كي تتمكن من مواجهة المتطلبات المتزايدة لزبائنها حالياً.

ومن جهة أخرى تتنافس يومياً كلٌّ من بورصة نيويورك وبورصة طوكيو على احتلال الركن الأوّل في العالم من وجهة نظر حجم الرساميل والصفقات المبرمة فيهما منذ نهاية عقد السبعينات، إلاّ أنه ومنذ بداية عقد التسعينات (وبالتحديد منذ حرب الخليج الثانية 1990-1991م) تراجعت بورصة طوكيو إلى المركز الثاني بعد بورصة نيويورك وذلك بسبب انخفاض القيمة السلعية للمنشآت اليابانية، الذي يعود لأسباب متعددة جداً، نذكر منها: انهيار أربعة من أهم وأكبر بيوت الوساطة المالية في اليابان، وتبني سياسة قصيرة أو (تقشفية) لمنح القروض والعمليات التسليفية من قبل المصرف المركزي الياباني، وحصول العديد من الفضائح المالية بين رجال السياسة ورجال المال في قلب بورصة طوكيو، وانهيار الأسعار في سوق العقارات وأخيراً تراجع النشاط الصناعي وتباطؤ الاستثمار.

وتأتي بورصة لندن دائماً بالمرتبة الثالثة عالمياً والأولى أوروبياً منذ أكثر من عشرين عاماً خلت، مخلّفة وراءها فرانكفورت وباريس وميلانو.. الخ.

وهذا دون أن ننسى الأهمية المتزايدة لبورصات بلدان جنوب شرق آسيا على الرغم من الكوارث المالية التي حصلت فيها بدءاً من النصف الثاني من عقد التسعينات. وأخيراً لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى الانتشار المتزايد لمثل هذه الأسواق المالية في بلدان العالم النامي، نظراً لأهميتها القصوى في تمويل جزء كبير من عملية التنمية الاقتصادية فيها.

  تاريخية البورصة: 

لا بدّ في البداية من الرجوع إلى فكرة تعددية النقد التي أدت إلى ولادة مهنة جديدة هي الصرافة؛ فلقد كلّف حكام اليونان القديمة الصرافين في عام 527 قبل الميلاد بتبديل عملات الزائرين للمدن التي يوجدون فيها، وانتشرت هذه المهنة وتطوّرت بشكل سريع طوال الفترة الهيلينية في اليونان وبعد ذلك في الإمبراطورية الرومانية.

وفي السنوات الأولى بعد الميلاد، دخلت تلك المهنة مرحلة سكون، لا بل غياب كامل - باستثناء المنطقة العربية- دام 550 عاماً، حيث عادت وظهرت في شمال إيطاليا، عندما قرّر المشرعون الرومانيون في حينه وضع عدد كبير من القوانين والتشريعات المتعلقة بعمليات الإيداع وتبادل النقود، بعد ذلك احتلت الجمهوريات الإيطالية كـ(جنوة) و(فينيسيا) و(فلورنسا) بفضل تجارتها مع الشرق مركزاً مرموقاً على صعيد الاقتصاد الدولي، وبدأت رؤوس الأموال تصل إليها بكثافة بالغة، مما استدعى إعادة ظهور مهنة الصرافة، ولُقب الأشخاص العاملون في تلك المهنة ما يعني بالإيطالية (المصرفيون) بعد ذلك احتلت مدينة (بروج) البلجيكية في بداية القرن الرابع عشر المركز الأول فيما يتعلق بالسوق النقدية؛ فلقد جرت العادة في تلك الفترة أن تجتمع العائلات الست الأكبر العاملة في مجال (الصرافة) في منزل الرئيس من أجل دراسة عمليات بيع وشراء السلع، ومن ثم كتابة بوالص التأمين، إضافة إلى كل ما يمتّ بصلة لعمليات بيع وشراء النقود.

أما الرئيس الذي كان يستقبل تلك العائلات في منزله، فكان يُدعى (فاندر بورز) ومنه أتى اسم المكان الذي يتم فيه تبادل البضائع والخدمات بالإضافة لعمليات بيع وشراء العملة.. اسم (بورز) بالفرنسية أي سوق الأوراق المالية، في اللغة العربية أو (البورصة).

يعتبر المؤرخون عام 1339م بمثابة العام الذي وُلد فيه مفهوم البورصة نسبة إلى اسم عائلة الشخص السابق الذكر الذي كان يستقبل رجال الأعمال وخاصةً ممثلي رجال المصارف الإيطالية، الذين كانت تنحصر وظيفتهم في تلك الفترة بقبول الإيداعات ومنح القروض.

ومن أجل تسهيل عمليات الاتصال بين البائع والشاري، ازداد عدد الوسطاء بشكل كبير، وتحددت أسعار العملات وفقاً لغزارتها أو ندرتها (وفقاً لعرضها وطلبها)، وكذلك وفقاً للتغيرات الحاصلة أو الطارئة على العملات المحلية والأجنبية.

وبعد أن بدأ يضمحل الدور الهام الذي لعبته مدينة بروج ومرفأها في مجال التبادلات التجارية والمالية مع نهاية القرن الرابع عشر انتقل هذا الدور العظيم لمدينة أخرى تقع في شمال بلجيكا أيضاً هي (آنفرس) (بالفرنسية)؛ ويعتبر مؤرخو علم الاقتصاد (آنفرس) بأنها أول سوق نقدية في أوربا بكل ما في الكلمة من معنى، كما ينسب هؤلاء المؤرخون ظهور موضوع أو فكرة الحسم لتجار تلك المدينة، ومما زاد في أهميتها اعتبارها من قبل البرتغاليين بمثابة المركز الرئيس لكافة أنواع التجارة الدولية، وخاصة تجارة التوابل بين شرق العالم وغربه.

وفي عام 1595م ظهرت بورصة (ليون) الفرنسية الأقدم والأكثر أهمية لمدة طويلة في فرنسا؛ إذ إن بورصة باريس لم تحظ بالأهمية القصوى إلا بدءاً من عام 1639م عندما ظهر إلى الوجود عملاء الصرف الذين تخصصوا في موضوع حسم الكمبيالات التجارية، وتأكد هذا النجاح بعد مائة عام تقريباً (1774م) عند إصدار التنظيم الملكي لبورصة باريس.

أما بورصة لندن فلقد وُجدت منذ بداية القرن السابع عشر، حيث ارتبطت عضوياً مع الظهور المبكر للرأسمالية البريطانية، أما فيما يتعلق بالبورصات الأوروبية الأخرى وكذلك بورصة (وول ستريت) الأمريكية، فلم تظهر إلا في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر.. ولمدة طويلة، بقيت بورصة باريس في المركز الثاني عالمياً بعد بورصة لندن.

بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789م والانقلابات الجذرية على أغلب الأصعدة، أدّى اقتصاد الحرب لخلق حالة من التضخم القوي وانهيار العملة الوطنية وبالتالي أغلقت البورصة ولم تتمكن السلطات الحكومية من تسديد ديونها العامة إلا جزئياً وبعملة منخفضة القيمة إلى حدٍّ كبير.

ولقد ساعد مثل هذا الأمر كل من الطبقة الأرستقراطية والبرجوازية التقليدية على زيادة حذرهم من موضوع الادخار، وزاد من رغبتهم لتركيز أموالهم وثرواتهم في المجال العقاري، وفي الوقت ذاته تمكنت الطبقة البورجوازية الصناعية والتجارية من خلق ثرواتها عن طريق المضاربة وبيع الممتلكات والتجهيزات وتمويل صفقات الأسلحة، وأهم من كل ذلك استغلالها للبلدان المستعمرة.

في الحقيقة أنه بحلول العام 1830م استثمرت رؤوس أموال هامة في شراء الأسهم.. ويُعتبر المثال الأهم شراء أسهم الشركات الضخمة المتخصصة في بناء خطوط السكك الحديدية، التي تجمع بين التمويل الكبير والفوائد الصناعية الضخمة والادخار الخاص وكذلك رؤوس الأموال الأجنبية (الإنكليزية خاصة).

وبحسب (لابروس) ارتفعت القيمة الإجمالية للمحفظة الفرنسية في البورصة – المقدّرة بـ 4 مليارات فرنك عام 1850م أي أقل من 6% من إجمالي ثروة القطاع العائلي الفرنسي -إلى 35 مليار فرنك في عام 1880م، أي ما يقارب 22% من ثروة القطاع الفرنسي المذكور.

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر أدّى الازدهار المتحقق في قطاع البناء (في باريس خاصة) وظهور الشركات المتخصصة بهذا القطاع، وكذلك التطور الكبير في الخدمات العامة (شركات القطاع العام) وكذلك ظهور أعداد كبيرة ومتزايدة من المصارف، كلّ ذلك أدّى لتوسع كبير في البورصة.

ومع بداية القرن العشرين، أمكننا ملاحظة زيادة الوزن النسبي للشركات الصناعية المسّجلة في البورصة مقارنة مع الأنواع الأخرى من الشركات، ليس فقط في باريس وإنما في كافة البورصات الدولية أيضاً. ففي الحقيقة ساعدت غزارة الادخار المتحقق في القطاع العائلي في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة واليابان إلى انطلاقة قوية في موضوع الإصدارات الأجنبية الجديدة وبالطبع عادت وانخفضت هذه الأخيرة في فترة ما بين الحربين العالميتين، لتظهر بقوة فائقة منذ بداية عقد الخمسينيات.

وأخيراً؛ ومع نهاية عقد الثمانينات يمكننا أن نلاحظ بأن ترتيب البورصات الدولية قد تغير لصالح الولايات المتحدة واليابان من حيث حجم رؤوس الأموال المتداولة فيها، وتعود المرتبة الأولى من فترة لأخرى بالتناوب إما لبورصة نيويورك أو لبورصة طوكيو تاركة وراءها البورصات الأوربية لندن – فراكفورت – باريس.. الخ.

وإن الرساميل في البورصات الدولية بلغت مليارات الدولارات بنهاية كانون الأول ديسمبر 1995م:3779 مليار نيويورك، 3884مليار فرانكفورت، 430 مليار باريس.

  آلية عمل البورصة: 

على كل من يرغب باستثمار أمواله في البورصة أن يقوم بإحدى العمليتين التاليتين:

* إما أن يفتح - مباشرة - حساباً في إحدى الشركات المسجّلة في البورصة؛ وهذا يتطلّب فقط تقديم ما يُثبت حالته المدنية (الهوية الشخصية) وتوقيعه وتقديم أو دفع المبالغ الضرورية.

* أو أن يمرّ إلى البورصة عن طريق المصرف الذي يتعامل معه. وذلك بفتح حساب ملحق بحسابه العادي، وبطبيعة الحال سيستخدم هذا المصرف - بشكل إلزامي- خدمات إحدى الشركات المسجّلة في البورصة.

في الواقع يتم نقل الأوامر من وإلى البورصة بكل بساطة وسهولة إذا كان بهدف شراء الأسهم والسندات أو بهدف بيعها بسعر معين أو (بأفضل سعر) أو (بسعر السوق) منذ تعميم التسجيل المستمر للأسعار عن طريق الكومبيوتر (الحاسوب)، وعن طريق الهاتف قبل أو أثناء العمل (الدوام) في البورصة، وهذا لا يتطلب إلاّ تأكيداً مكتوباً مؤرخاً وموقعاً من قبل الشخص المعني (الزبون). وفي الحقيقة تتطلب هذه الآلية القديمة المستخدمة منذ عدة قرون – على الرغم من بساطتها - توفر هيكل أو بنية تحتية متينة وقوية

  بُنية السوق المالية: 

تعمل السوق المالية تحت رقابة إدارة الخزينة التابعة لوزارة الاقتصاد أو المالية وتقوم هذه الأخيرة عادة بمنح موافقتها على الإصدارات الخاصة بالأسهم والسندات (في الحقيقة يملك حامل السهم جزءاً من الشركة ويخضع - بالطبع - إلى خطر الخسارة وكذلك إلى إمكانية الربح، أما حامل السند فعلى العكس، يقدم الأموال للشركة وله الحق في الحصول على فائدة معينة محددة في العقد الكامل فترة السند، وكذلك استرداد كامل المبلغ في نهاية الفترة).

وتنظم الجداول الزمنية لها وتنشر المعلومات في نشرة خاصة بالإعلانات الرسمية، كما تراقب السلطات المعنية بهذه السوق مجلس بورصات القيم، وتنتقي الأعضاء الرئيسيين للجنة العمليات في البورصة.

1- آليات إصدار الأسهم: يتم عرض وتقديم أسهم الشركات المسجّلة في البورصة الرسمية لعامة الناس، إما في لحظة دخولها إلى البورصة أو بمناسبة زيادة رأس مال الشركة.

ويحصل تسجيل أسهم الشركات في السجلات الرسمية -عادة - بناءً على طلب الشركة المعنية وبعد موافقة الإدارة المختصة بهذه الشؤون في البورصة، التي تمنح تأشيرة الدخول للملف المعدّ من قبل الشركة، والذي يتضمن عقد وثبوتيات التأسيس وتركيبة مجلس الإدارة وقائمة بأسماء المساهمين ووصف أنشطة وفعاليات الشركة وكذلك المعلومات الضرورية عن الفروع التابعة لها وحساباتها المصرفية والمالية، وأخيراً مبررات سعر البدء أو الدخول.

تُقّدم الإدارة المسؤولة عن رفض أو قبول طلب الشركة عدداً من الشروط، منها على سبيل المثال لا الحصر: (على الشركة المتقدمة بطلبها أن تكون قد حققت أرباحاً خلال السنوات (أو المواسم) الثلاث الفائتة، وأن تقدم عرضاً لوضعها المالي بدقة، وأن تضع لعامة الناس 25% من الأسهم على الأقل).

يبدو - في العادة - أن السعر الأولي بشكل عام هو أكبر من سعر العرض، وذلك بسبب الإعجاب الكبير للمستثمرين الأوليين لمثل هذه الشركة الجديدة.. ولكن يشهد العديد منها فيما بعد تطورات وتحولات في أسعار أسهمها نحو الانخفاض (والأمثلة كثيرة ومتعددة في البورصات العالمية كافة) إذ غالباً ما يكون التقدير الأولي متفائلاً بشكل مبالغ به وبالتالي يحصل الانخفاض.. الخ .

ويوجد عادة إلى جانب السوق الرسمية في المناطق الأخرى غير العاصمة سوق أخرى (خارج التسجيل الرسمي)، تمكن الشركات الأخرى من رؤية وتحديد أسعار أسهمها دون أن تحقق الشروط المفروضة من إدارة البورصة الرسمية. وفي الواقع عرفت هذه السوق الثانية (غير الرسمية) في كثير من البلدان نجاحاً كبيراً منذ بداية الثمانينات - خاصة للشركات الكبيرة والمتوسطة الحجم - عندما كان يرغب عدد قليل من المساهمين ببيع أسهمهم، أو عندما كانت ترغب الشركة بفتح فرع جديد إضافي. فعلى سبيل المثال، تضم مثل هذه السوق الثانية في فرنسا أسماءً شهيرة من الشركات وبقدرات رأسمالية كبيرة نذكر منها (مانوكيان - بنتي - باتور- كونفوراما للتوزيع - المحطة التلفزيونية الأولىTF1).

وتتطلب عملية رفع أو زيادة رأس مال شركة ما مسجّلة في البورصة رسمياً موافقة الإدارة المعنية بهذا الموضوع، التي تعطي موافقتها على الملف الذي يتضمن تفاصيل وهدف العملية. وتشير الشركة المعنية بالأمر إلى المبلغ المطلوب تحصيله من الناس وإلى عدد الأسهم الجديدة المطروحة، وبالنتيجة تشير أيضاً إلى سعر الإصدار للسهم، ويتحدّد هذا الأخير عادة بأقل من السعر الجاري في البورصة بهدف جذب المكتتبين، إلاّ أنه لا يمكن أن يكون أدنى من القيمة الاسمية للسهم.

وفي الحقيقة، يتمتع حاملو الأسهم القديمة بميزة الأحقية في الاكتتاب على الأسهم الجديدة، ويتوجب على المكتتبين الجدد شراء هذه الحقوق ليتمكنوا من المساهمة في الإصدار. وفي البلدان (الانغلوساكسونية) يمكن أن يتم الاكتتاب على جزء من الكم المطروح، وحتى يمكن إلغاء العملية بالكامل، فيما لو لم يتوفر مكتتبون لهذه الأسهم، أما في فرنسا، فالنظام أكثر قسوة أو شدّة بسبب الدور الهام الذي تلعبه المصارف في مثل هذا الموضوع؛ إذ تقوم تلك الأخيرة بفلترة (دراسة وتمحيص المشاريع المتقدمة لهذه الزيادة في رأس مالها) وبعد ذلك تقوم بدعم وتأييد تلك التي تعتقد بنجاحها شبه المؤكد.

وفي أغلب الأحيان، تضمن المصارف نجاح العملية وتحفظ في محفظتها الاستثمارية بالأسهم التي لم يُكتتب عليها، مما يبرر- من وجهة نظرها- العمولة المرتفعة التي تطلبها، والتي تتراوح بين 2% و5% من رؤوس الأموال المكتتب عليها بحسب الحالة، فعلى سبيل المثال: حصلت المصارف الفرنسية على عمولة بلغت 20 مليون فرنك فرنسي عام 1986م نتيجة زيادة رأس مال شركة (فاليو) بمبلغ 700 مليون فرنك مكتتب عليها، بدلاً من أن يذهب هذا المبلغ لخدمة الحاجات المالية للشركة.

من جهة أخرى، صدرت قوانين متعددة في أغلب دول العالم تفيد بتقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية للشركات التي ترغب بزيادة رأس مالها كقانون (جاك دولر) الصادر عام 1982م. في الواقع منحت مثل هذه القوانين الشركات المعنية من إمكانية التنزيل من أرباحها الخاضعة للضريبة، الفوائد الذاهبة لحاملي الأسهم الجديدة، إلا انه اعتباراً من عام 1986م تطورت عملية الإصدارات الدولية للأسهم، بحيث بدأ يتم جزء من التوظيف (أو بالكامل) خارج البلد الأصلي للإصدار، وهناك العديد من الأمثلة نذكر منها الشركات التالية: (لافارج - رون بولانك - تومسون - لوريال - بيجو - ميشلان..) الخ. إذ إنها (أي هذه الشركات) استخدمت الوسطاء الانغلوساكسونيين والسويسريين والألمان واليابانيين.

2- آليات إصدار السندات: يتم - في العادة - توظيف الأموال في شراء السندات عن طريق دعوة الادخار الخاص لشراء ما نسبته20% على الأغلب، والمؤسسات أو الشركات الكبرى لباقي النسبة، أي حوالي 80% .. وعلى الأغلب، تقوم مؤسسات التأمين وصناديق التقاعد والإيداعات بتوظيف أموالها في شراء مثل هذه السندات. وفي الحقيقة يُعتبر موضوع تقدير سعر السند بشكل يومي، وحتى بيعه وشراؤه، عبارة عن ميزة كبيرة للمدخر الفردي وكذلك للمؤسسة أو للشركة التي بحاجة كبيرة لمعرفة وضعها المالي بشكل يومي، وأما فيما يتعلق بتوظيف أو باستثمار الأموال في الخارج (أي في البورصات الدولية) فلفرنسا تجربة خاصة بها منذ عام 1985م عندما أصدرت قانوناً تحصر فيه مثل هذه العمليات بنقابة أو تجمع المصارف التي تقوم بمثل هذه التوظيفات وتحاول ضمان نهاية ونجاح مثل هذه التوظيفات.

الجهة المصدرة للسند:

* الدولة * منشآت القطاع العام * المصارف * المنشآت الخاصة * تجمعات أخرى..

بحسب التجربة الفرنسية؛ فالنقابة المصرفية للتوظيف تضم:

المصارف المُكلفة بتحديد (مع الجهة المصدرة للسند) خصائص القرض، وبضمان توظيفه (بيعه وشراؤه) لدى المكتتبين.

* وسطاء آخرون.

يساهم عملاء الصرف ومحاسبو الخزينة.. الخ. بتوظيف القرض لدى المكتتبين.

* مكتتبون أفراد.

يكتتب الأفراد بالمتوسط على20% من قيمة السندات.

* مكتتبون مؤسسات.

تكتتب المؤسسات بالمتوسط على 80% من قيمة السندات.

وتجدر الإشارة إلى العمولة التي يحصل عليها الوسطاء من جرّاء هذه العملية، والتي تتراوح بين1% و3% بحسب نوعية الجهة المصدرة للسند وكذلك لأسباب أخرى تتعلق بصفات السند نفسه.

وبالطبع يختلف موضوع تحقيق مثل هذه السندات من بلد إلى آخر من حيث تفاصيل الإصدار وتقدير القيمة وإيصاله إلى المكتتب الأخير، إلاّ أنه في أغلب الدول توجد منظمات تتدخّل من أجل مراقبة مثل هذه العمليات بهدف السهر على صحة وقانونية الإصدار وبالتالي ضمان الحدّ الأدنى لحقوق المكتتبين النهائيين وخصوصاً الأفراد.

3- الأشكال أو النماذج المختلفة للسندات: وفي الحقيقة تمتلك السندات - علاوة على حق حاملها بالحصول على فائدة معينة وعلى إعادة تحصيل كامل المبلغ أو رأس المال في نهاية الفترة المحددة – خصائص متعددة أخرى منها:

- تقدم السندات التقليدية فائدة قريبة من تلك الموجودة في سوق البورصة، حيث يتم تبادل السندات القديمة، وفي الواقع يقاس الفارق البسيط بين هذه الفوائد النوعية ومدى ملائمتها للمدين بحسب انتمائه إلى القطاع العام أو القطاع الخاص.

- تهدف السندات المرتبطة بالمستوى العام للأسعار بالأصل، لحماية المدخر من التضخم. ويمكن لعملية الربط هذه أن تكون مع الفائدة أو مع رأس المال أو الاثنين معاً في آن واحد.. وتشير التجارب السابقة إلى أن هذا النوع من الإصدارات قد كان لصالح المُقرض، وعلى العكس تماماً لم يكن لصالح المقترض، وهذا بسبب اختفاءه منذ عام 1977م.

أما السندات ذات الفائدة المتغيرة، فهي تصدر مع فائدة سنوية أو فصلية تبعاً للمعدل المتوسط لإصدارات السندات أو لمعدل الفائدة الوسطي في السوق النقدية. وتضمن هذه السندات غالباً حداً أدنى من الفائدة، ويمكن أن تقدم في بعض الأحيان جوائز أو (مكافآت) بالنسبة للمعدلات المعمول بها في السوق، ولقد تطور هذا النوع من السندات اعتباراً من عام 1976م وبشكل أكبر اعتبارً من عام 1981م عندما ازدادت حدة ارتفاع معدلات الفائدة العالمية والفرنسية أيضاً حيث ازدادت خشية المكتتبين من حصول انخفاض مستمر في قيمة دخلهم وخاصة رؤوس أموالهم. ولقد حقق هذا النوع من السندات انتصاراً عظيماً في فرنسا، وبالتحديد في عام 1982م، عندما قررت السلطات العامة استعمال هذا النوع من السندات الصادرة عن الصندوق الوطني للمصارف والصندوق الوطني للصناعة الذين تأسسا بهذه المناسبة من أجل مكافأة وتخفيض الضرر اللاحق بالمكتتبين على المنشآت والمصارف المؤممة.

تسمح السندات المغطاة أو القابلة للتبادل بأسهم بأن يتحول المكتتب على السند إلى مكتتب على أسهم – بحسب رغبته – في الحال أو بعد فترة معينة بحسب الحالة، وتقوم مصلحة أو فائدة المكتتب على هذا النوع بتأمين أو بضمان التوظيف الذي قام به مع امتلاك إمكانية المساهمة والاستفادة من حصول ازدهار مالي محتمل في البورصة للمنشأة المعنية.

ومن أجل إكمال هذه القائمة الطويلة، يتوجب علينا ذكر:

- السندات التي تُخول أصحابها أو حامليها المساهمة بنشاطات المنشآت التي تصدرها، وهي غالباً منشآت القطاع العام التي بدأت بإصدارها منذ عام 1983م في فرنسا والتي تقدم مردوداً تابعاً لجزء من الفائدة ومردوداً آخر متغيراً تابعاً للنتائج الاقتصادية أو المالية (قد تصل إلى نسبة 40% من الإجمالي)، وفي هذا السياق لابدّ من أن نذكر القانون الذي صدر في 11 تموز(يوليو) من عام 1985م، وبدأ العمل به في شباط من عام 1986م، والمتعلق بما يُدعى بـ(سوق الأدوات المالية على المدى الطويل) والذي يسمح للمستثمرين بحماية أنفسهم ضد المخاطر التي تحيط بالأسعار أو المعدلات، عن طريق هذه السوق على المدى الطويل كبقية الأسواق المالية الكبيرة الأخرى.

وتضمنت هذه السوق مؤسستين كبيرتين:

* مجلس السوق على المدى الطويل: الذي يجمع المصارف والشركات المسجّلة في البورصة، ويراقب السوق طبعاً.

* غرفة الأدوات المالية في باريس: التي تسجل العمليات وتُثبت قواعد التسجيل وتكفل مراقبة الأحوال والأوضاع، وتدعو لايداعات الضمان أو الكفالة والهامش. وفي الواقع سجلّت السوق المفتوحة للمصارف هذه - والتي كسرت احتكار عملاء المصرف - نجاحاً كبيراً ضد تأسيسها، إذ حققت حجم فعالية مرتفعاً جداً وصل إلى 15 مليون عقد في عام 1988م مما أعطاها المرتبة الثالثة عالمياً بعد شيكاغو وطوكيو. وسمحت هذه السوق بتخفيض حدة المواجهة بين المضاربين وبزيادة المعدلات وكذلك عدد المؤسسات المالية الراغبة بتغطية أوضاعها وحماية ذاتها .. الخ.

كما يجدر بنا طالما نتحدث عن التجربة الفرنسية المفيدة جداً في هذا المضمار، والتي يمكن لبلدان العالم الثالث النامي أن تستفيد منها نظراً لتدخل الدول بما يكفل حماية المساهمين في البورصة في كثير من الأحيان، أن نذكر التغيير القانوني الذي حصل في 18 حزيران وطُبق في أيلول من عام 1987م والذي نتج عنه خلق سوق للاختيارات قابلة للتفاوض والمساومة، تسمح للمستثمرين بحماية محافظهم الاستثمارية ضد مخاطر تغير الأسعار.

وأخيراً؛ لا بد لنا من أن نذكر أنه فقط في عام 1988م - وبالتحديد في نهايته - قد بدأ العمل بمؤشر(المراكز التنافسية) وكذلك بخيارات البيع والشراء على هذا المؤشر.. وهذا يعني بأنه توجد أداة إضافية لتغطية المحافظ الاستثمارية المؤسساتية.

  بورصة القيم المنقولة: 

لقد كان الاتجاه في كافة دول العالم المتقدم – باستثناء الولايات المتحدة إلى حدّ ما - نحو الاختفاء أو الزوال التدريجي للبورصات المنتشرة في المدن الأخرى غير العواصم.. وهذا ما ظهر بشكل واضح وجلي في فرنسا أولاً وفي ألمانيا ثانياً، إذ توحّد المؤشر في كل منها وكذلك التسجيل في البورصة، وباتت بورصة باريس أو فرانكفورت تملك نوعاً من المراكز في المدن والمناطق الأخرى.

بمعنى آخر؛ باتت عملية مركزة الرساميل واضحة جداً في كافة دول العالم، وخاصة في فرنسا (بورصة باريس) فعلى سبيل المثال تمثل الأربعون شركة ذات الرساميل الأكبر حوالي 60% من إجمالي أسهم البورصة في باريس بحسب إحصائيات عام 1996م، ويبلغ عدد الشركات الآن أكثر من 600 شركة وحتى أن الشركات العشر الأكبر تصل إلى أكثر من ثلث الأسهم الإجمالي. ويشير المراقبون إلى أن هذه المركزة قد ازدادت حدّة مع دخول الاتحاد الأوربي في المرحلة الثالثة من الاتحاد الاقتصادي والنقدي، أي مع بداية عام 1999م، فعمليتا الدمج والشراء والإلحاق التي تعيشها أوربا منذ بداية عقد التسعينات لم تنتهِ بعد، وإنما ازدادت حدّة ودخلت في طور جديد من حياتها، تهدف وتصبو للسيطرة على حصص إضافية ومتزايدة في السوق العالمية، وفي الواقع تُمثل عمليات الشراء والدمج والضم التي حصلت في مجال شركات الطيران الأوربية والأمريكية أفضل مثال على ما سبق وعلى ضرورة دخول القرن الحادي والعشرين عن طريق عمالقة الاقتصاد الكوني، وعن طريق كسب وجمع أكبر قسط من أموال المدخرين المكتتبين الكبار والصغار منهم.

وتجدر الإشارة أيضاً إلى مدى مساهمة القطاعات المختلفة في البورصة، فبينما ترتفع نسبة القطاع الصناعي إلى 52% في بورصة باريس تاركة الباقي 48% إلى القطاع المالي وقطاع الخدمات، نرى أن النسبة أكثر من معكوسة في بورصة (زيوريخ) السويسرية - على سبيل المثال - وكذلك في بلدان أخرى.. وفي الواقع يزداد يوماً بعد يوم في كافة بورصات العالم حجم وقيمة الصفقات المتخصصة في هذه القيم المنقولة، وترتفع النسبة في مجال السندات بتواتر أكبر مما هو متحقق في مجال الأسهم وكذلك القيم المنقولة الأجنبية، ويتم تفسير ذلك عن طريق الارتفاع الكبير بعدد هذه الأصول والأوراق المالية (الخاصة بالسندات) المسجّلة في البورصة، وعن طريق ارتفاع أسعارها أيضاً.

كما أنه يمكن أن نعزو هذا التزايد في عدد الصفقات أيضاً إلى زيادة وارتفاع مستوى التقنيات المستخدمة في مثل هذه الأسواق، والى الدفع الكبير المتأتي مما يُدعى بالمستثمرين المؤسساتيين والمحترفين، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى عمليات تغطية (أي الشراء نقداً والبيع في اللحظة ذاتها لأجل، أو العكس). أما ما يتعلق بالذهب، فمن المعروف أن تجارته وحيازته هي حرّة في أغلب الدول المتقدمة ذات الاقتصاد الحرّ، والبورصة لا تتمتع بأي احتكار في هذا المجال خلافاً لما هو حاصل في موضوع القيم المنقولة، فالصفقات (البيع والشراء) وكذلك المصارف لا تخضع إلاّ لبعض القيود المتعلقة - غالباً - بدفع ضريبة تتراوح بين1 و6% من قيمة الصفقة بحسب البلد المدروس.

وعلى الرغم مما سبق، تقوم أغلب بورصات العالم يومياً بتنظيم ما يُدعى بـ(السوق الرسمية في الذهب) حيث يتم تحديد السعر عن طريق العرض والطلب، ونشره في لائحة التسجيل الرسمية الخاصة بالأسعار، وتفيد الصفقات الرسمية المتحققة بضمانة مطابقة المنتج الذي تم شراؤه، وخاصة للقطع الذهبية، حيث الغش والتقليد ليس بالأمر النادر.

وتتركز عمليات المضاربة على الذهب - في أغلب بورصات العالم - على المناجم والقروض المرتبطة بمعدلات التضخم، وقليلاً جداً على المعدن نفسه؛ إذ يغلب على أكثر الناس المدخرين – وخاصة في الصين والمجتمعات التقليدية الأخرى - حب اقتناء الذهب، المعدن الثمين ذاته، وتشير التقديرات المقدمة من قبل الخبراء في هذا المجال إلى أن ربع المخزون العالمي هو في أيدي المدخرين أو (المكتنزين) الأفراد على شكل (تحف وقطع ذهبية) محفوظة في الصناديق الموضوعة في المصارف أو في المنازل. ولا يمكننا القول بأن هذا النوع من الادخار لا ينتقل أو لا يجري كالادخار التقليدي، إذ أنه يتحرك في أوقات انتقال الإرث ضمن العائلة الواحدة، أو مناسبات الزواج والهدايا الكبرى.

أما أسعار الصرف الخاصة بالعملات الأجنبية فيتم تحديدها يومياً من قبل الوسطاء المقبولين أو المعتمدين من قبل البورصة المعنية، أي المصارف بما فيها المصرف المركزي أيضاً، الذي غالباً ما يحتفظ لنفسه بالحق في إدارة الاحتياطيات من النقد الأجنبي في البلد المعني.

وبالطبع يتم نشر أسعار صرف العملات الأجنبية يومياً بعد الظهر في اللائحة الرسمية الصادرة في البورصة. وفي الحقيقة إن عملية مناقشة الأسعار والمفاوضة عليها يجب أن تتم بشكل إجباري، عن طريق المصارف التي تستخدم سوق البورصة من أجل مجموع صفقاتها وتثبيت أسعارها الرسمية.

أخيراً ؛ لا بد لنا من أن نذكر اللجان والهيئات المسؤولة عن مراقبة سير وتنفيذ العمليات في البورصة في أغلب البلدان، إذ تهتم بمراقبة المعلومات الصادرة والمتعلقة بحاملي هذه القيم المنقولة وبالشركات التي تنشر علناً طلبها من أجل الحصول على السيولة اللازمة وعلى القيم الصادرة (الأسهم والسندات) من قبل هذه الشركات، وكذلك ضرورة السهر على الآلية الحسنة والجيدة لعمل بورصة القيم.

وتتضمن -عادة - مثل هذه الهيئات أو اللجان رئيساً يتم انتخابه من قبل مجلس الوزراء كل أربع سنوات بحسب أغلب التجارب الأوربية، وعدد من الأعضاء (بين ستة وتسعة) يتم انتقاؤهم من قبل وزير الاقتصاد يمثلون المصارف وشركات التأمين ورجال قانون، إضافة لممثل عن الحكومة منتدب من وزارة الاقتصاد طبعاً، وتجتمع مثل هذه الهيئات أو اللجان أسبوعياً وتُعدّ تقريرا سنوياً يقدّم لرئيس الدولة أو لرئيس مجلس الوزراء، أو للمستشار بحسب النظام الألماني.

وفي الواقع تراقب هذه اللجان أية معلومة تمر أو تُقدّم لعامة الناس سواء كانت متعلقة بالسندات والأسهم أو مرتبطة بأحداث استثنائية – كالتأميم والصراعات التي قد تحصل في البورصة بين مجموعات مالية... الخ – قد تؤثر على المنشأة أو الشركة، وبالتالي على قيمة أوراقها المالية طبعاً، فعلى سبيل المثال تعتبر الموافقة المسبقة للجنة أو الهيئة على أية دعوة عامة للادخار ضرورة، إن كانت مثل هذه الدعوة ستتم على شكل زيادة لرأس المال أو على شكل إصدار لسندات جديدة.

إلاّ أنه يجب التنويه من جهة أخرى إلى محدودية دور هذه اللجان لعدم تمتعها بالقدرة على فرض العقوبات أو اتخاذ الإجراءات والتدابير الرادعة في حق الشركات المخالفة، وهذا ما يجعلنا نسمع في كل عام طلبها المتزايد لمنحها مثل هذا الحق على الرغم من قيامها المستمر بفتح تحقيقات حول الأفراد الذي يحصلون على معلومات إضافية تفيدهم في إجراء صفقاتهم قبل الآخرين، كما تتدخل في الشكاوى المقدمة من قبل الزبائن فيما يتعلّق بنزاهة العمليات والصفقات الجارية من قبل الوسطاء الماليين، خاصة عند وجود اعتراضات حول طريقة تنفيذ أوامر الزبائن من قبل هؤلاء الوسطاء الماليين، ومن ثم تقوم بتحويل هذه الملفات إلى الجهات المعنية (المسؤولون المباشرون أو المحاكم المختصة).

  البورصة أداة لجمع الادخارات: 

تتراوح نسبة ادخار المواطنين في الدول المتقدمة بين 10 و15% من دخولهم، علماً بأن المتوسط العالمي هو 13%.. ويتوجه هذا الادخار الوطني في الاتجاهين التاليين:

- الأصول المادية، كالأراضي والعقارات... الخ.

- الأصول المالية، التي تتضمن أساساً التوظيفات السائلة ، كدفاتر الادخار والايداعات على المدى الطويل..، وكذلك في القيم المنقولة كالأسهم والسندات التي تختلف فيما بينها بحسب توجهها للمدى المتوسط أو للمدى البعيد، ومن خلال توظيف المدخرات وجمعها ومقارنة المردودية لأنواع مختلفة من الادخارات الفردية أو الجماعية أو المؤسسات المالية أو الدولة أو النشاط الأجنبي.

  البورصة.. أداة لدوران وانتقال رؤوس الأموال: 

على الرغم من أن ثروات الطبقات البرجوازية الوسطى والكبرى في أوربا تتضمن الكثير من التوظيفات غير الإنتاجية، إلا أنه لا أحد ينكر أن هناك رأس مال عائلي هام جداً في القطاعات الصناعية والتجارية والمالية حيث تُشكّل البورصة بالنسبة لها أداة ضرورية وهامة جداً لدورانها وانتقالها.

  أهمية البورصة للاقتصاديات النامية عامة: 

في الحقيقة؛ مع الانتشار السريع لظاهرة العولمة – خصوصاً منذ بداية عقد التسعينيات – ومع التطورات الكبيرة التي شهدتها الأسواق المالية ومع انتشار وتعميم المفاهيم المتعلقة بالانفتاح الاقتصادي، ظهر دور رأس المال بشكل جليّ كعنصر جوهري وفعّال تتمحور حوله كافة مفاهيم العولمة والانفتاح الاقتصادي، حتى بات من غير الممكن التفكير والتخطيط لعملية التنمية الاقتصادية في البلدان النامية عامة، دون الأخذ بعين الاعتبار- أو حتى اقتناء – هذا العنصر الهام.

وطالما أن جزءاً كبيراً من الاقتصاديات النامية تتمتع بثروات ضخمة جداً، والجزء الآخر لا يمكن الاستغناء عنه عالمياً، على الأقل من وجهة نظر أسواق التصريف، فإن أية استراتيجية عالمية تتعلق بالتجارة وبحركة وتمركز رأس المال، لا يمكنها مطلقاً إهمال الدور الظاهر والضمني الذي من الممكن أن تلعبه هذه الاقتصاديات في المستقبل، لاسيما في صياغة مبادئ العولمة المطروحة التي لا تزال ضد التشكل.

إن غياب هذه الاقتصاديات قد يؤدي إلى صياغة مختلفة من ناحية المفاهيم وقواعد العولمة التي تحمل في طياتها دوراً مفيداً لها بكل الآثار السلبية المحتملة، مما يضعف من إمكانياتها على حماية اقتصادياتها من التطورات والمتغيرات والأحداث الدولية.

وبما أن الأسواق المالية (باتت السوق– من الآن فصاعداً – المنظم الفعلي للحياة، فبعد قانون الطبيعة، ومن ثمّ قوانين التاريخ، تأتي قوانين السوق لتشرح تطور المجتمعات.. وتأتي السوق المالية لتمثل الموديل الذي تسير وستسير عليه أو وفقه كافة القطاعات الفاعلة الأخرى. أخيراً تمثل قيم التبادلات في الأسواق المالية حوالي خمسين ضعفاً بالمقارنة مع القيمة الحالية للتبادلات التجارية الدولية) أصبحت أداة اقتصادية فعّالة في التكيف مع المتغيرات الاقتصادية والسياسية في عالمنا اليوم، لذا بات اشتراك هذه الدول في هذه الأسواق أمراً ضرورياً وحيوياً لتقليص الآثار السلبية المحتملة والناتجة عن التقلبات والصدمات التي تتعرض لها المراكز الاقتصادية العالمية، ناهيك عمّا تقدمه هذه الأسواق من فرص ممتازة لحماية الثروات الطبيعية التي تتمتع بها هذه الدول.

وستشكل هذه المشاركة - المحدودة والمتواضعة في البداية - حجر الأساس في مواجهة ومعايشة التطورات الدولية المالية، وستساعد على توفير المناخ الملائم للاستفادة من الفرص المتاحة، لا بل إن حتمية المشاركة في هذه الأسواق باتت أمراً لا غنى عنه وواقعاً لا يمكن تجاهله، وقد يطيب للبعض إطلاق عبارات وتكوين انطباعات في هذه الأسواق ووصفها بالمغامرة والمضاربة، ولكن يجب أن لا يغيب عن بالنا حقيقة أن عدم فعل أي شيء هو بحد ذاته نوع من أنواع المضاربة غير المجدية.

ويتطلب وجود سوق فعّالة للأوراق مناخاً سياسياً واقتصادياً يتميز بوجود أو توفر عدد كبير من العناصر، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

- الإيمان بآلية عمل نظام السوق.

- حرية التجارة والصناعة إلى حد كبير.

- حرية حركة رؤوس الأموال.

- استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية.

- الرغبة والإصرار على الحداثة والتطوير.

- مصداقية صانعي القرار على كافة المستويات.. الخ

في الحقيقة وبالاستناد لهذه العناصر يمكننا القول بأن هناك العديد من الدول النامية التي تحقق – أو في طريقها لتحقيق – هذه الشروط إن سمحنا لنفسنا بتسميتها هكذا. كما يمكننا – من جهة أخرى – أن نذكر العديد من الفوائد الآنية والاستراتيجية التي يمكن أن يحققها اقتصاد دولة نامية معينة بسبب إنشاء سوق للأوراق المالية منها:

1- تجميع واستقطاب المدخرات الوطنية؛ إذ لطالما وُصفت البلدان النامية والفقيرة خاصة بأنها تعاني من ضعف في ادخاراتها الوطنية المطلوبة لنجاح عملية التنمية الاقتصادية.

2- حماية المدخرات الوطنية من قناصي الفرص المحلية أو حتى هروبها نحو الخارج، وذلك عن طريق النظام المصرفي الفعّال الواجب إحداثه إلى جانب السوق المالية.

3- استقطاب رؤوس الأموال المجاورة الأجنبية إضافة لتلك المحلية.

4- توفير إمكانية الاستثمار في مشاريع كبيرة وأساسية لعملية التنمية، وبالتالي تشغيل أكبر عدد من اليد العاملة المحلية.

5- التخفيف من الآثار السلبية المحتملة للسوق الحالية غير الرسمية وذلك من خلال:

- التخفيف من حدة المضاربة؛ عن طريق وضع قوانين واتخاذ تدابير وإجراءات صارمة، مع وجود هيئة مختصة لتطبيقها وبالتالي حماية الفرد المستثمر، والاقتصاد ككل من الآثار السلبية للمضاربة.

- توفير المعلومات الصحيحة والدقيقة وإمكانية الحصول عليها من قبل المستثمر في الوقت المناسب وبطرق فعالة.

- إمكانية التحقق من الصدمات المالية والاقتصادية الخارجية، وذلك عن طريق ورود المعلومات الدقيقة وتوفر الأدوات الاستثمارية التي تسهل من عملية التحوط ضد هذه المخاطر.

6- تسهيل عملية اتخاذ وتفعيل القرار الاقتصادي من قبل الحكومة بسبب ارتفاع مستوى استجابة السوق.

7- أخيراً، استخدام مؤشرات حالة السوق وأداة للتنبؤ بالوضع الاقتصادي، وبالتالي تهيئة القرارات الاقتصادية اللازمة للتخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية..

المـــراجـــع والمصــادر:

(1) المالية العامة: د.حسن عواضة.

(2) نظام النقد الدولي: ايمنجر - دبز - وفيكيت.

(3) دراسات في اقتصاديات المال: د. جورج قرم.

(4) تيارات رئيسية في الاقتصاد: أجناسي شاكس.

(5) نحو اقتصاد عالمي: غي ويلي شمليتس

(6) الاقتصاد العالمي المعاصر: أوسكار لانجه.

(7) نظام بريتون رودز: غي ويلي.

(8) أسواق الصرف العالمية: بنتلي جورج.

(9) البورصة: برنت رولاندز.

(10) اقتصاديات البورصة: فرانس دوفيه.

(11) جريدة الديار الاقتصادية: ص21-22 في 3/3/1999.

(12) أسواق البورصة في أوربا: مورجان ستانلي.