1
 
 

عبد الكـريـم الحـائـري

ما عسانا أن نتكلم عن الغدير حيث الحقيقة أكبر من الاسم، وإذا كان الغدير اسماً للماء المجتمع في مكان منخفض، فهو يروي ظمأ العالم أجمع، كيف لا!! وصاحبه ساقي العطاشى وها نحن نتكلم عن كتاب الغدير الذي تكلم عن موضع الولاية الإلهية الكبرى التي بها كمال الدين وتمام النعمة ورضى الرب، ولسنا بصدد تقييم هذا الخضم العظيم، بل نرى بعض الآراء التي قيلت حوله وننظر إلى مجمل ما جاء فيه وبالله نستعين.

في ظــلال الغديــر

وهذا العنوان جاء لكتاب من الأديب الألمعي محمد عبد الغني حسن بتاريخ 7 ربيع الأول 1372هـ، الموافق لـ25 نوفمبر 1952م.

منه: سيدي الأستاذ العلامة الكبير عبد الحسين أحمد الأميني، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد فلقد أسعفتني لحظات قصار من الصحة التي تروح وتجيء بكلمات ضئيلة قليلة عن كتابكم (الغدير) الذي يتضائل أمامه كل كلام مهما كان.. والله يجزيكم أحسن الجزاء ويوفّقكم إلى إتمام هذا العمل الذي تنوء به العصبة أولو القوة.

الغدير هو الحقيقة المطلوبة

وجاء في ضمن مقالته: ليس في هذا العنوان أثر لروح شاعرية أو جنوح إلى عاطفة من عواطف الخيال المقتنص أو ميل إلى شوارد التعبير عما يجول في الخاطر الكليل.. وإنما هي حقيقة ناصعة الوجه واليد واللسان حين نقرر أن القارئ لـ(الغدير) يفيء منه إلى ظل ظليل ويلتمس منه راحة الاطمئنان وحلاوة القرار ورضى الثقة بما يجده المرء حين يأوي إلى الواحة المخضرّة بعد وعثاء السفر وبيداء واسعة المتلامات فيجد في ظلالها أنس الاستقرار وسلامة المقام ودعة المصير.

الغدير أعمق من البحار

ولن أكون بهذه الكلمة جانحاً إلى خيال أو محلقاً إلى جواء من التصور الحالم أو الوهم الهائم ولكنني سأجتاز هذا الغدير عابراً مفكراً مقلّباً النظر في صفحاته الرجراجة بكل فكر، المتوجة بكل مبحث مستخرجاً من أصفى لآلئه وأكرم عناصره..

الغدير يزيد الحب والولاء

ولكن الحق الذي يجب أن يجهر به أن العلامة الأستاذ عبد الحسين الأميني لم يكن محباً متعصباً ولا هو متطرف جموح وإنما كان عالماً وضع علمه بجانب محبته لعلي وشيعته وكان باحثا وضع أمانة العلم ونزاهة البحث فوق اعتبار العاطفة ولا يلام المرء حين يحب فيسرف في حبه أو حين يهوى فيشتدّ به الهوى ولكن اللوم يقع حين تميل دواعي الهوى بالمرء عن صحيح وجه الحق..

حديث الغدير شمس في رابعة النهار

ولما كانت وقعة الغدير - غدير خم - من الحقائق الثابتة التي لا تقبل الجدل وكان الحديث - حديث الغدير - مما ينعقد إجماع الأمة الإسلامية - سنة وشيعة - على صحته فقد حدث الحجاج به، ومناشدته بين الصحابة والتابعين، ولهذا عقد العلامة عبد الحسين فصلاً في المناشدة والاحتجاج بحديث الغدير، وممن احتجّ به فاطمة بنت الرسول والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمر بن عبد العزيز والخليفة المأمون العباسي.

حديث الغدير صحيح متواتر

ولما كان حديث الغدير بلغ من الصحة والتواتر وقوة السند مبلغاً لا يحتاج معه إلى إثبات مثبت أو تأييد مؤيد فقد كان المؤلف الجليل في غنىً عن أن يخص صحة إسناد الحديث بفصل فإنه لا يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل.. ولكنه جرى في المنهج العلمي على سنن الجادة واستقامة القصد فذكر في الصفحة 266 وما بعدها كلمات الرواة والحفّاظ حول سند الحديث:

فالترمذي يقول في صحيحه: (إن هذا حديث حسن صحيح والحافظ ابن عبد البر القرطبي يقول بعد ذكر حديث المؤاخاة وحديثي الراية والغدير هذه كلها آثار ثابتة..).

كتاب الغدير أثبت الولاية للإمام علي (عليه السلام)

ولو أن كتاب (الغدير) كان احتجاجاً لحديث غدير خم وتأييداً لصحته وتبياناً لرواته وطرق روايته على مرّ العصور وإثباتاً لما يستفاد منه من معنى الولاية للإمام علي لكان بذلك كافياً..

آخره اعتذار

وفي آخر كتابه يقول: هذا هو الغدير في نظرة عاجلة أعجلني بها أمر الزمان وشغل الحدثان ما كنت أود أن تطول معه الوقفة وتعمق النظرة ولكن علاّمتنا الكبير الأستاذ عبد الحسين أحمد الأميني حريّ أن يغفر لصديقه السنيّ المصري ما لم يسعفه به زمانه.

وفي الخاتمة دعاء ودعوة للتمسك بالغدير

وأسأل الله أن يجعل من هذا الغدير الصافي صفاءً لما بين السنة والشيعة من أخوّة إسلامية يتجهون بها في كتلة واحدة وبناء مرصوص إلى الحياة الحرة الكريمة التي يعتز بها الإسلام ويعلو له بها في العالم المقام.

أول كتاب الغدير ج1 ص ب

محمد عبد الغني حسن

ونأخذ تقييم العلامة خطيب الجمعة وإمام الجماعة من حلب محمد سعيد دحدوح، فقد جاء كتابه بتاريخ 24 ربيع الآخر 1372هـ الموافق لـ21 /12/1952م جاء في أوله بعد الحمد والصلاة والتحية والسلام...

الغدير خلافة وإمامة

كلمة عذبة ولفظ جميل أطلق على مؤلف ضخم جمع ما قيل عن تلك الوقفة التي وقفها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد انصرافه من حجة الوداع يعلن لذلك الجم الغفير والجمع المحتشد ما لعلي (عليه السلام) من مكانة عنده بعد أن ربّاه وأنشأه، وما هو عليه من فضائل ومحامد أهلته أن يكون وصيّاً وجعلته إماماً بعد الرسول وخليفة هادياً مهدياً يأخذ بالناس إلى الطريق المستقيم والمهيع الحق.

الغدير تنبيه للغافلين وتذكرة للناسين

والغدير يحدّث حول ما قيل في هذا البحث، وكشف للناس عن أمور كانوا عنها غافلين - وإن كانت في الكتب - وعن أنباء أصبحت نسياً منسياً فأظهر صورها من كتاب الله - دامت قدسيته - وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى، وقول المحدثين والمفسرين وكلام أهل السير والتاريخ ونثر الأدباء وقصائد الشعراء.

ولم يكتب بما قيل سابقاً عن هذا ولم يقنع بما سطرته أقلام القرون الأولى حتى صال وجال وتوسّع بتراجم الرجال وامتد إلى كل بحث يمتّ بصلة ما إليه وينسب بوشيجة مضارعة ومشابهة بوجه من الوجوه معه.

الغدير موسوعة تدحض الباطل وتظهر الحقائق

فهو موسوعة تذكر كلام المادح والقادح والمحكم والمتشابه ثم تدحض كل حديث مفترى وقول مشين واعتقاد فاسد ولفظ دخيل وجملة نكراء أريد بها إلصاق تهم باطلة وآراء فاسدة بالمرتضى علي (عليه السلام) وبوالده شيخ الأبطح أبي طالب وأهله وذريته وأبنائه وأحفاده وذريته وعترته وأشياعه وأتباعه الأموات والأحياء، وهم براء منها وبيّن ما للإمام علي (عليه السلام) من خصائص وما للأوصياء من مزايا بكلام مسهب وسياق رصين وسباق متين.

فالغدير دعم أموراً وأزال أوهاماً وأقرّ حقائق وأثبت أشياء كنا نجهلها ودحض أقوالاً مضت عليها قرون عديدة..

والحوادث يجب أن تعطينا أخباراً تجعلنا نبني عليها صرحاً متيناً من التفكير والتعمق بما جرى وما وقع.

الغدير لا يثير خلافاً

وكل ذلك أصبح من الضروري للباحث أن يفقهه لا ليثير خلافاً ولا لينشي أحقاداً وإنما ليبين للناس ما هو الحق؟! ومن هم شيعة المرتضى ومن أين أتاهم ذلك الحب للبيت الطاهر النبوي؟! وما منشأ العاطفة وما هي الأشياء التي نسبت إليهم إفكاً وزوراً.

نعم للباحث أن يعلم هذا ويسير وراء الوعي ويدع العاطفة جانباً ويأخذ من أخطاء الماضي درساً للحاضر ووصايا لأبناء هذا الجيل تكلمهم: إن الخلاف منشأ التفرقة وإن التباغض معول يهدم الوحدة..

وفي الختام شكر ودعاء ودعوة

وإنني لا يسعني قبل أن يجف القلم إلا أن أقوم بما يجب عليّ من تقديم الشكر والثناء على جهود مؤلفه العلامة الحجة سماحة الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي على ما أسداه للعصر والأجيال في مؤلفه مما يدل على غزارة علم ووفرة فهم واستطلاع واسع واستقراء بعيد المدى وسبك بارع فجزاه الله الخير وجعل مؤلفه يدعو إلى الحقيقة وإلى الوحدة معاً ويشير ورداءه الاتحاد وبغيته جمع الكلمة والاعتصام بالثقلين الكتاب الكريم والعترة الذين طهرهم الله من الرجس والآثام تطهيرا.

محمد سعيد دحدوج

أول كتاب الغدير: ج2 ص ب

أهمية الغدير في التاريخ

وبما أن حديث الغدير لا مغمز فيه سنداً ومتناً حيث لم يختلف فيه اثنان من أهل العلم والإطلاع؛ فقد ذكره من أئمة المؤرخين ممن نقل عنهم العلامة الأميني، سبعة وعشرون مؤرخاً - راجع ص6 ج1 - وليست القضية صرفة بل جازت ذلك ودخلت علم الحديث؛ فقد نقله من المحدثين تسعة وعشرون من أئمة المحدثين بمن فيهم من أئمة المذهب الشافعي والحنبلي وغيرهم من أصحاب الصحاح والمسانيد، بل فقد ناسب ذكر حديث الغدير في التفاسير لمناسبة آيات من الكتاب الكريم أكثر من عشرة من أئمة المفسرين حتى أن اللغويين لم يتركوا الغدير فقد ذكروه في أكثر من مناسبة كما ذكروه في مناسبة كلمة الغدير وكلمة الولي والمولى وخم وجاء في خمسة معاجم لغوية قديمة من كتب أئمة اللغة.

شهادة أكثر من مئة صحابي

وقد أجهد المرحوم العلامة الأميني نفسه في تتبع الآثار والتراجم والتواريخ وكتب الحديث والسير والتواريخ بل حتى كتب اللغة وعلم الكلام والتفسير حتى نقب أكثر من ثلاثة آلاف كتاب في مختلف العلوم الإسلامية حتى أحصى مئة وعشرة من أعاظم الصحابة الذين وجد رواياتهم لحديث الغدير ورتبها العلامة الأميني على حروف المعجم مع الكتب التي توجد تلك الأحاديث فيها، ونقل ذلك عنهم أربعة وثمانون من التابعين وقد اهتمت طبقات الرواة بنقل الحديث اعتباراً من القرن الأول إلى القرن الرابع عشر حتى بلغ عدد الناقلين له ثلاثمائة وستين شخصاً وإن شئت التفصيل في كل ما ذكرناه راجع الجزء الأول من الغدير.

وما ذكرناه كان لمحة وإشارة إلى قدرة المؤلف وسعة باعه وتأييده من قبل الله تعالى وقد نقل لنا عمّن كتب عن الغدير حيث قد بلغ اهتمام العلماء بهذا الحديث بحيث دوّنوه في كتاب خاص وربما أورده بعضهم في ضمن كتاب آخر لكن أولاه اهتماماً خاصاً، وجاءت الكتب بلغات مختلفة واهتم بهذا الأمر أكثر من عشرين من فطاحل العلماء المنصفين والمنقبين ولم يكتف العلامة الأميني بهذا المقدار بل تفحّص كتب الأدب والشعر باعتبار أن الأدب كان يشكل الإعلام في ذلك الزمان فاهتم بنقل الشعراء المعروفين وشعرهم من خلال ما وصله من كتب واستطاع الإحاطة بها، ومن كل ذلك تعرف أن كتاب الغدير كتاب حديث وتفسير وكلام وأدب ولغة وأخلاق وتاريخ، فهو كتاب علمي ديني اجتهادي يناقش الروايات سنداً ودلالة مع الإستعانة بكتاب الله وكتب اللغة والأدب، فلله درّه وعليه أجره وبما أن العلامة الأميني وشحّ موسوعته باسم الغدير فلا نترك أصل الحديث عن الغدير مع ملاحظة شدة الاهتمام بنقل سفر النبي لحجة الوداع وإليك نص ما نقله العلامة الأميني عن كتب التاريخ والتفسير والحديث كما في ج1 ص9 من الغدير

واقعة الغدير

أجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجته تلك التي يقال لها حجة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام(1). ولم يحج غيرها منذ هاجر إلى أن توفاه الله، فخرج (صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة مغتسلاً متدهّناً مترجّلاً متجرّداً في ثوبين صحاريين إزار ورداء، وذلك يوم السبت لخمس ليال أو ست بقين من ذي القعدة، وأخرج معه نساءه كلهن في الهوادج، وسار معه أهل بيته، وعامة المهاجرين والأنصار، ومن شاء الله من قبائل العرب وأفناء الناس(2).

وعند خروجه (صلى الله عليه وآله وسلم) أصاب الناس بالمدينة جدري (بضم الجيم وفتح الدال وبفتحهما) أو حصبة منعت كثيراً من الناس من الحج معه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومع ذلك كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى، وقد يقال: خرج معه تسعون ألف، ويقال: مائة ألف وأربعة عشر ألفاً، وقيل: مائة ألف وعشرون ألفاً، وقيل: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدّة من خرج معه، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي (أمير المؤمنين) وأبي موسى(3).

أصبح (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الأحد بيلملم، ثم راح فتعشّى بشرف السيالة، وصلى هناك المغرب والعشاء، ثم صلى الصبح بعرق الظبية، ثم نزل الروحاء، ثم سار من الروحاء فصلى العصر بالمنصرف، وصلى المغرب والعشاء بالمتعشّى وتعشّى به، وصلى الصبح بالأثابة، وأصبح يوم الثلاثاء بالعرج واحتجم بلحى جمل (وهو عقبة الجحفة) ونزل السقياء يوم الأربعاء، وأصبح بالأبواء، وصلّى هناك ثم راح من الأبواء ونزل يوم الجمعة الجحفة، ومنها إلى قديد وسبت فيه، وكان يوم الأحد بسعفان، ثم سار فلما كان بالغميم إعترض المشاة فصفّوا صفوفاً فشكوا إليه المشي، فقال: استعينوا بالنسلان (مشي سريع دون العدو) ففعلوا فوجدوا لذلك راحة، وكان يوم الاثنين بمرّ الظهران فلم يبرح حتى أمسى وغربت له الشمس بسرف فلم يصل المغرب حتى دخل مكة، ولما انتهى إلى الثنيّتين بات بينهما فدخل مكة نهار الثلاثاء(4).

فلما قضى مناسكه وانصرف راجعاً إلى المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورات وصل إلى غدير خم من الجحفة التي تتشعّب فيها طرق المدنيّين والمصرييّن والعراقيّين، وذلك يوم الخميس(5) الثامن عشر من ذي الحجة نزل إليه جبرئيل الأمين عن الله بقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ..) الآية، وأمره أن يقيم عليّاً علماً للناس ويبلّغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان ونهى عن سمرات خمس متقاربات دوحات عظام أن لا ينزل تحتهن أحد حتى أخذ القوم منازلهم فقمّ ما تحتهنّ حتى إذا نودي بالصلاة صلاة الظهر عمد إليهنّ فصلى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض رداءه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء، وظلّل لرسول الله بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاته قام خطيباً وسط القوم(6) على أقتاب الإبل(7) وأسمع الجميع رافعاً عقيرته:

(الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن ضلّ، ولا مضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله - أما بعد-: أيها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله، وإني أوشك أن أُدعى فأجيب، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق وناره حق وأن الموت حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد، ثم قال: أيها الناس ألا تسمعون؟ قالوا: نعم. قال: فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإن عرضه ما بين صنعاء وبصرى(8) فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلّفوني في الثقلين(9) فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله طرف بيد الله عز وجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبّأني أنهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض فسألت ذلك لهما ربي، فلا تقدّ موهماً فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا. ثم أخذ بيد عليّ فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه، يقولها ثلاث مرات).

وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة: أربع مرات ثم قال: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب.

ثم لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي..) الآية. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي من بعدي،. ثم طفق القوم يهنّئون أمير المؤمنين (عليه السلام) وممن هنأه في مقدّم الصحابة الشيخان أبو بكر وعمر كلٌّ يقول: بخ بخ لك يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)، وابن عباس: وجبت والله في أعناق القوم، فقال حسان: إئذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهن، فقال: قل على بركة الله، فقام حسان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله في الولاية ماضية ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ فاسمع بالرسول مناديا(10)

هذا مجمل القول في واقعة الغدير وسيوافيك تفصيل ألفاظها، وقد أصفقت الأمة على هذا وليست في العالم كله وعلى مستوى البسيط واقعةٌ إسلامية غديرية غيرها، ولو أطلق يومه فلا ينصرف إلا إليه وإن قيل محله فهو هذا المحل المعروف على أمم من الجحفة ولم يعرف أحد من البحاثة والمنقبين سواه، نعم شذّ عنهم الدكتور ملحم إبراهيم الأسود في تعليقه على ديوان أبي تمام فإنه قال هي واقعة حرب معروفة ولنا بحث ثان تجده في ترجمة أبي تمام من الجزء الثاني إنشاء الله..

حديث التهنئة

جاءت المصادر المتواترة تحمل عنواناً لحديث التهنئة وهي مرتبطة بواقعة الغدير حيث جاءت التهنئة بعد خطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير، وقد نقل العلامة الأميني عن ستين من المؤرخين وأئمة الحديث أن أبا بكر وعمر صافحا علياً وبايعاه، وهذا اللفظ القريب من المجمع عليه حيث الأحاديث فيها اختلاف يسير..

1- نقل حجة الإسلام الغزالي المتوفى (505هـ) في تأليفه (سرّ العالمين) ص9: أجمعت الجماهير على متن الحديث من خطبته (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعليّ مولاه. فقال عمر: بخ بخ لك يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

2- ونقل الحافظ أبو سعيد النيسابوري المتوفى (407هـ) رواه من تأليفه (شرف المصطفى) بإسناده عن البراء بن عازب بلفظ أحمد بن حنبل وبإسناد آخر عن أبي سعيد الخدري ولفظه: ثم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): هنئوني هنئوني إن الله تعالى خصني بالنبوة وخص أهل بيتي بالإمامة فلقي عمر بن الخطاب أمير المؤمنين فقال: طوبى لك يا أبا الحسن أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

3- ونقل أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى (1122هـ) في (شرح المواهب) ج7 ص13: روى الدارقطني عن سعد قال: لما سمع أبو بكر وعمر ذلك قالا أمسيت يا بن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.

في معنى المولى

ولقد أجاد العلامة الأميني في مفاد الحديث ودفع كل ما استطاع المغرضون في تأويل الحديث ودفعه عن معناه الواقعي فبيّن معناه المناسب لحجم الواقعة رغم التضليل الإعلامي القوي فساق الشواهد اللغوية والأدبية من أشعار العرب والقرائن الداخلية والخارجية المحاطة بالكلام والأحاديث الأخرى التي تصلح أن تكون مفسّرة وشاهدة لهذا الحديث فذكر اكثر من عشرين قرينة لتعيين المولى في معنى الولاية الإلهية والخلافة والإمامة بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

بل ذكر أكثر من عشرة محدثين من أئمة الحديث قالوا بهذا المفاد رغم اعتراف أكثر من ستين محدثاً بأن الشيخين قالا لعلي: بخ بخ لك يا علي أصبحت.. وفي بعضها وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة.

ووجه نقداً علمياً وأديباً للذين قالوا بخلاف ذلك مثل الفخر الرازي وابن حزم الأندلسي وغيرهم ولأجل توضيح الفكرة وتقريبها نعلّق على كلامه الشريف: بعد وضوح كون حديث الغدير متواتراً ولا غبار على سنده بل حتى وضوح معناه فكيف للعاقل اللبيب أن يغفل عن أهمية الحركة التاريخية التي حدثت في السنة الأخيرة من حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتى أعلن سفره الأخير وانتشر إعلانه في الآفاق فقصد الناس مكة المكرمة من قريب وبعيد ليأخذوا مناسكهم عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وكأنهم فهموا أن ذلك آخر سفر للنبي من قرائنه، فهمّوا أن ينالوا حظهم من لقائه الشريف فلذا خرجت الآلاف المؤلفة إلى مكة كما عرفت تفاصيل السفر الشريف إلى أن كان يوم عرفة - كما نقل بعض المحدثين والمؤرخين والمفسرين - فنزلت الآية: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك.. ) حتى إذا كان اليوم الثامن عشر من ذي الحجة من رجوع النبي ووصوله إلى مفترق الطرق في قرب الجحفة فأعلن حينذاك وصدع بالأمر الإلهي وجمع الناس - كما مرّ عليك في الحديث - ونصب علياً إماماً وهادياً وخليفة من بعده وهذا كان بلاغه. ولابد أن نقف ونتأمل فيما يحمله الخطاب الإلهي فالآية (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (الأنعام: 67).

تضمنت أربعة مطالب:

الأول: الخطاب بالرسالة مع بلاغ ما أنزل؛ فأما الخطاب بالرسالة فمشعر بل دال على وظيفة الرسول وأداء الرسالة بما أنزل، فما هو الذي أنزل؟.

الثاني: إن عدم بلاغ هذا الأمر مساو لعدم الرسالة كلاً، فبدونه لا تتم الرسالة بل لم يبلغ الرسالة الإلهية التي لأجلها أرسل.

الثالث: حملت له الضمان والعصمة من الناس وهذا يشير إلى ما في نفسه الشريفة في تبليغ هذا الأمر من الخشية دون بقية أمور الرسالة فما هو ذاك؟.

الرابع: إن عدم قبول هذا الأمر مساوٍ للكفر وإن الله تعالى لا يهدي القوم الكافرين لكفرهم بهذا الأمر.

والتأمل في الأمر الأول والثاني وفي زمان نزول الآية، فإنها نزلت بإتفاق المفسرين في حجة الوداع يعني قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بسبعين أو تسع وسبعين يوماً ففي 23 سنة من البعثة قد أدى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الرسالة وصدع بها ولم يخش إلا الله تعالى وكان في كل ذلك مؤيداً ومسدداً بالروح الإلهي فقد حاربه قومه وأخرج من دياره وهاجر من وطنه الذي عاش فيه (53) سنة فعاش بعد بعثته (13) سنة وتحمّل ما تحمّل لأجل الرسالة المقدسة حتى وردنا من قوله المشهور (ما أوذي نبي مثلما أوذيت) وسكن بعد هجرته المدينة (10) سنوات فعلّم الأمة أحكامها ومكارم الأخلاق ورباها على العلاقات الفردية والاجتماعية بل حتى العلاقة مع الله تعالى وبقي من حياته (79) يوماً فينزل الخطاب (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ.. ) فما عسى بقي من الرسالة حتى يبلغهم فقد دعاهم للحج وعلمهم الحج وأقامه، وهو آخر ما تبقى من العبادات والأعمال ونزلت الآية إلا آيات متعددة بقيت فنزلت في المدة المتبقية من أيامه الشريفة فما عساه أن يبلغ وما بقي من أمر الرسالة الذي كان يساوي التوحيد والنبوة والمعاد وبدونه لا رسالة مقبولة ولا توحيد ونبوّة ومعاد مقبول؟ فانتفاء هذا الأمر يساوي انتفاء الدين كله. وماذا عمل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد هذا الأمر الإلهي فقد اتفق المفسرون والمؤرخون وأصحاب السير والمحدثون على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع الناس في يوم غدير خم في الثامن عشر من ذي الحجة عند رجوعه من مكة ووصوله إلى قريب الجحفة ونبئهم بهذا الأمر الإلهي وخطبهم الخطبة المعروفة التي نقلنا شيئاً منها ونصب علياً (عليه السلام) ولياً وإماماً وخليفة من بعده وبعدها نزلت الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) (المائدة: 39)، باتفاق المفسرين فبأمر الإمامة تستمر النبوة (إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) فالإمامة تكون حسب هذه الآية من أصول الدين وكما أن التوحيد والمعاد والنبوة أمر إلهي لا تتدخل فيه أهواء الناس بل عليهم اتباعه حسب ما دلّ عليه الدليل، فكذلك أمر الخلافة والإمامة عليهم اتباعه كالنبوة باختيار إلهي، وقد أشار الحديث المتفق عليه بين علماء الأمة إلى هذا المعنى، وهو قول عبد الله بن عمر وغيره عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). فعدم معرفة الإمامة مساو لعدم التوحيد والنبوة والمعاد بل مساو للموت على الجاهلية قبل الإسلام، فمن مات ولم يعرف إمام زمانه مات على ما مات عليه أهل الجاهلية قبل الإسلام. وهكذا شخص معرفته تساوي التوحيد والنبوة والمعاد ألا يكون القول بإمامته من الأصول؟ حيث إن معنى الأصل: الذي يبنى عليه غيره، والإمامة تبنى عليها الأصول الثلاثة الأخرى، فلا تكون أقل أهمية من تلك الأصول فبالآية والحديث تعرف أهمية الإمامة، فبها يتم الدين وبدونها لا دين.

لمثل هذا الأمر المهم جداً خشي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأمة، بل خشي منهم الكفر والتفرق عنه وأشفق عليهم من تبليغ هذا الأمر حتى تكرر الأمر الإلهي. فقام وصدع به، وبهذا تبيّن لك الأمر الأول والثاني، بل والأمر الثالث والرابع حيث حملت له الضمان (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ) وبالفعل قد وقع ما كان يترقب من المنافقين حيث فصل في طريقه، دحرج المنافقون عليه دباب من الجبل، وأرادوا أن تنفر به الدابة حتى يسقط في الوادي، ولكن أمر الله فوق ما يتصور البشر، وتحقق الوعد الإلهي، ونجى منها سالماً.. فراجع في ذلك الحوادث التي وقعت في سنة عشرة للهجرة في رجوع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حجة الوداع، تعرف ذلك مضافاً إلى أنه سمى هؤلاء المنافقين المتظاهرين بالإسلام، الذين يكيدون للإسلام والمسلمين المكائد سماهم كفاراً وعاقبتهم الضلال والنار (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فاتضح لك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع الناس لا لكي يقول لهم علي ابن عمي أو يقول علي محب لي وأنا أحبه أو ناصري وأنا ناصره أو غير ذلك من التأويلات التي ارتكبها أهل التعسف، فكيف يمكن أن يقال ذلك والآية تعلن بكل صراحة عن أمر مهم لولاه لا يكون الدين والرسالة؟ ومن ذلك تعرف أهمية هذا الأمر الذي أجهد العلامة الأميني نفسه لأجل إثباته وتوضيح المراد منه وما حف المقام من وقائع وما نزل من آيات وما قيل من أحاديث وما قاله الصحابة هناك؛ في كل ذلك دلائل وقرائن على صحة ومتانة ما ذهب إليه صاحب الغدير.

ومما وضح هذا المعنى ما فهمه الصحابة حين أنشدهم حسان شعراً جاء فيه:

يــناديهم يوم الغدير نبيّهم بخمّ واسمع بالنبي مناديا

وقد جاءه جبريل عن أمر ربه بأنك معصوم فلا تك وانيا

وبلّغهم ما أنزل الله ربهم إليك ولا تخش هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافع كفّه بكف علي معلن الصوت عاليا

فقال: فمن مولاكم ووليكم فقالوا ولم يبدوا هناك تعاميا

إلهك مولانا وأنت ولينا ولن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا

فيا ربّ انصر ناصريه لنصرهم إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

الغدير: ج2 ص39

وقريب منها قالها سيد الخزرج قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري:

وعلي إمامنا وإمام لسوانا أتى به التنزيل

يوم قال النبي من كنت مولا هُ فهذا مولاه خطب جليل

إن ما قاله النبي على الأمة حتم ما فيه قال وقيلُ

الغدير: ج2 ص67

ولقد أجاد الشعراء عبر القرون الماضية حيث جسدوا الوقائع التاريخية بأشعارهم وألبسوا أشعارهم حلل الولاية ووشحوها بمدح المستحق للمدح، ويظهر من تلك الأشعار لمن تابعها نزول الآية وأحاديث النبي وأقواله في تلك الواقعة، وما فعله الصحابة بعد ذلك، وما فهمه أولئك القوم فهي أشعار بل تاريخ وتفسير وحديث، ولقد نقّب العلامة الأميني آلاف الكتب لإثبات هذه الحقائق مضافاً إلى التاريخ والتفسير والحديث في الأدب العربي حتى زين كتابه (موسوعة الغدير) بأفخر تلك الأشعار وأحلاها وألذّها مرتباً إياها عبر القرون؛ من الأول إلى القرن الرابع عشر، فلله دره وعليه أجره ويبتدئ بذكر الأشعار التاريخية في الجزء الثاني، من القرن الأول، وسار على وفق نهجه في الأجزاء التالية له، ولم يكتف العلامة الأميني بالنقل بل قد كشف زيف أشعار كانت تنسب لجماعة، بل وأحاديث وقصص أشبه بالخرافات قد تشين الدين وأهله، فراجع في ذلك الجزء السادس والسابع من الموسوعة، ودافع عن أهل الحق والإيمان وذب عنهم السهام والسيوف الصارمة التي جردت ضد الحقيقة، كما دافع في ذلك عن أبي طالب في الجزء السابع وأظهر الحقائق بدفاعه عن بعض الشعراء الذي وقعوا غرضاً للسهام العادية، كما دافع عن الشيخ رجب البرسي وغيره ودحض التهم الباطلة ضدهم ولقد صدق محمد عبد الغني حسن أستاذ القاهرة وشاعر الأهرام بوصفه للغدير أنه بحر مليء باللئالي، ولقد أجاد وأفاد دون تملّق أو انحياز.

ولو قلنا مزيداً على ما قالوا، أن كتاب الغدير فيه المواعظ والزواجر والعبر، لكان حقاً وصدقا، ولقد صدق الفيلسوف الشهير الدكتور محمد غلاّب أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين في الجامع الأزهر بوصف الكتاب الذي يدعو الشباب إلى قراءته والنيل من ثماره بقوله: ( (الغدير) الذي شابه الغدير حقاً في صفائه ونفعه والذي يلقى الباحث فيه أمنيته على نحو ما يجد المسافر الظامئ في الغدير ما ينفع غلته والذي عنيتم فيه بجانب هام من جوانب التراث الإسلامي متوخين الحقائق متبعين الآثار الصادقة متعقبين مواطن الشبه بالتصحيح والنقد.

ونحن على يقين من أن الشباب العصري الإسلامي سيستفيد من هذه الثمار الشهية لاسيما أن أكثر ما يكتب فيه اليوم غث خفيف الوزن تافه القيمة وإن الحركتين العلمية والأدبية قد تحولتا إلى حركة تجارية بحتة..).

الغدير: ج4 ص أ

العالم الإسلامي يحتاج إلى كتاب الغدير

هذا العنوان من مقتطفات كلمة بطل الجهاد أحد رجالات الأسرة الكريمة الرفاعية صاحب الحسب والنسب والعلم والكرامة صاحب المعالي الدكتور عبد الرحمن الكيالي الحلبي ونأخذ من كلماته تأكيده لأهمية كتاب (الغدير) فقال ضمن ما قال: (والذين كتبوا التاريخ الإسلامي في عهود الأمويين والعباسيين لم يخل أكثرهم من شبهات الميل والعاطفة والانحياز عن الحق فلم يستطع المتأخرون النقادون استخراج الوقائع والحقائق والأحداث وربطها ببعضها البعض..

إن العالم الإسلامي لا يزال في حاجة ماسة إلى مثل هذه الدراسات ويهمه ولا شك أن يعلم تطور الحكم قبل الإسلام وبعده وأسباب الأحداث التي رافقت قضية الخلافة والخلفاء وما جرى في أيامهم ويهمه أن يعلم لماذا تعددت دول الإسلام وتفرقت.. ويهمه أن يعلم ما هي عوامل السرعة في الفتوحات واتساعها وانتشار الإسلام بيد الأمم والشعوب على اختلاف مللهم ونحلهم..؟

إنني لأرى - وأنا الواثق بأن مثل هذه الدراسة وهذا النهج القويم هو خير ما يجب على رجالات العلم والدين والإصلاح السعي لتحقيقه وإبرازه إلى حيز الوجود - أن في كتابكم (الغدير) الذي أخرجتموه إلى العالم الإسلامي ما يبث لنا فائدة هذه الدراسة على الطراز العلمي، وفيه ما يحقق لنا حقيقة تاريخية لم ينصف المؤرخون في روايتها بإجماع - كما حدثت - بل تناولها بعضهم بالنفي وهناك من رواها بالزيادة والنقصان ومنهم من نقلها محرفة ومنهم من ذكرها دون اهتمام كأنها قضية لا تتوقف على صحتها والعمل بها سلامة البداية وخلود النهاية فمرّ بها مرور الغافل أو الجاهل أو المغرض.

وفي كل ما حدث بقي العالم الإسلامي بعيداً عن فهم الحقيقة؛ حقيقة الحدث التاريخي الذي لو عمل به صحابة العهد النبوي ونفّذ ما جاء في الوصية حسبما أراده الرسول الأمين والمؤسس الأعظم ما وقع ما وقع وأصاب المسلمين ما أصابهم من بلاء الشقاق وشقاء الاختلاف ولبقيت وحدة المسلمين متماسكة الحلقات..

وصية للمسلمين

فإن كتاب (الغدير) وما فيه من سنة وأدب وعلم وفن وتاريخ وأخلاق وحقائق وأقوال لحري بالإطلاع عليه والإحاطة به، وخليق بكل مسلم اقتناؤه، فيعلم كيف قصّر المؤرخون وأين هي الحقيقة، وبذلك نتفادى نتائج التقصير والإهمال، وننال الأجر والثواب في إقرار الحقائق واتباع الأوامر وجمع الكلمة وتوحيد العقائد والمذاهب لعلنا ننهض وينهض من آلمهم ما وصل إليه المسلمون، ويستيقظ الجميع وقد عاد إليهم رشدهم وعزّهم وقوتهم وما ذلك على الله بعزيز).

الدكتور عبد الرحمن الكيالي

حلب في18/محرم الحرام/ 1373هـ

المصادف لـ 26/أيلول/1953م

الغدير: ج4 ص ج فما بعدها

الغدير دائرة المعارف

جاء هذا العنوان في ضمن تقييم لكتاب الغدير، من البحاثة الكبير والكاتب القدير الأستاذ المحامي توفيق الفكيكي البغدادي، ومنه:

(أمعنت النظر فيما نقله صاحب الغدير من الآراء العلمية السديدة في التفسير والتأويل لنصوص الذكر الحكيم والحكمة المحمدية العالية، تلك الآراء والنظريات الصائبة التي كشفت الغطاء وأزاحت الستار عن كثير من الحقائق المطموسة والأسرار المحجوبة في شأن يوم الغدير وقد كان فضيلته في كل ذلك موفقاً أعظم التوفيق في تنبيه الأفكار وتنوير الأذهان وإرشاد الحائر إلى معرفة تلك الحقائق التاريخية وإدراك كنه الحكمة التشريعية في قصة الغدير وما يتصل بها من مقدمات خطيرة محزنة ونتائج كبيرة مؤلمة لا تزال مدعاة للتأمل العميق والعبرة البالغة في التاريخ الإسلامي وسجل القومية العربية..

لا أغالي في القول إذا قلت أن كتاب (الغدير) ما هو إلا موسوعة نادرة في العلم والفن والتاريخ والتراجم، وروضة بهية بهيجة أنيقة ساحرة بالطرف الأدبية الزاهرة، وهو فوق ذلك دائرة معارف جليلة مهمة حافلة بالكثير من الآراء الدينية السديدة التي تطمئن إليها النفوس الزائفة الحائرة الغارقة في حنادس الجهالة وغياهب الشك ودياجير الضلال، والحق أن هذا الأثر النفيس الخالد مما يعجز عن تحقيقه وتخليده أكبر الجمعيات العلمية في عصرنا الحاضر وعليه فإن هذا المجهود الجبار أعظم مفخرة خالدة للعلامة البحاثة عبد الحسين أحمد الأميني النجفي في ميدان العلم والفن، وهو أكبر خدمة أسداها للمكتبة العربية وهي تستحق الإعجاب والتقدير).

بغداد

توفيق الفكيكي المحامي

الغدير: ج4 ص ز

كتاب (الغدير) أمنية كل مؤمن ودستور خالد لكل موحد

هذا العنوان جاء في ضمن كتاب يقيّم فيه كتاب الغدير، للعلامة الأوحد والبحاثة الفاضل صاحب التصانيف الطيبة التي يفوح شذاها حتى كأنها المسك الأذفر حاملاً فيها هموم الأمة، الإمام المصلح والمجاهد الكبير الشيخ محمد سعيد العرفي ومنه:

(إذن لا لوم عليّ إذا قلت أن المؤلف قد جمع في هذه الأجزاء من العلوم والآداب ما صيّر (الغدير) عيداً شاملاً لكل مؤمن لأنه يجد أمنيته فيه من علم غزير وفقه واسع وأدب جم فكان المجمع الأقوى لكل طلاب العلوم مهما اختلفت آراؤهم وتباينت عقائدهم وتغيّرت أفكارهم فإن كل واحد منهم يجد ضالته المنشودة بحيث يعجز اللسان عن تبيان ما يدور في خلد كل واحد من أهل العلم؛ حتى يصلح هذا الكتاب الجسيم أن يكون مقصداً لأرباب الأفكار السامية والغايات المختلفة بحيث يستطيع كل واحد منهم أن يجد ضالته المنشودة حتى يكون رمزاً حقيقياً للمؤمن الصادق لما يجده فيه من سرور متواصل ونعيم لا يمكن الإحاطة به إحاطة تامة، ووجود فرح تام عند قراءة تلك المواضيع السامية بحيث يمكن أن تكون مرجعاً تاماً لكل طالب علم أو عالم متضلع مهما تكن آراؤه مختلفة وعقائده متباينة لأن ما يحصل من السرور بتلاوة ما كتبه الأفاضل في هذا الموضوع النبيل يصلح أن يكون دستوراً خالداً لدى جميع الموحّدين.. إني أودّ أن أتكلم عن كل ما يحصل في صدري أو يختلج به فؤادي ولكن المقام مقام إيجاز لا إطناب؛ فلا تلمني إذا دوّنت شيئاً قليلاً مما حصل لي من سرور بهذا الكتاب النبيل الذي جمع علم المتقدمين وأفكار المتأخرين.. ).

25/ربيع الأول/1373هـ

الداعي محمد سعيد العرفي

مفتي محافظة دير الزور

وعضو المجمع العلمي العربي

الغدير: ج6 ص ج

الغدير ميزان عادل فاصل بين الحق والباطل

اخترنا هذا العنوان من تقدير لكتاب (الغدير) جاء من الكاتب المصري صاحب الثقافة الراقية والدراية العالية والروح الشاعرة والشعور الحي والعادل في القضاء البحاثة صاحب كتاب (الإمام علي (عليه السلام)) الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود، ومن كتابه:

(ومن هنا بدا لنا علم (الأميني) عالماً فسيحاً يضل فيه وعي القراء كما يضل وعي النقاد فلقد جاء كتابه (موسوعة) زاخرة تفيض بالممتع والمحكم وتلمّ من كل فن من فنون المعارف بأطراف حتى ليعسر على النخبة المختارة من ذوي الأقلام أن يأتوا بنظيرها إلا على حذر وبعد بحث مغرق طويل..

ولقد وفق الرجل في كلا العرض والدفاع حتى فرّت أمام حججه ذرائع المبطلين ولم يكن في دفاعه مسوقاً فحسب بفرط شغفه بالإمام ولكنه كان أيضا كالحكم العدل يزن في كفتين ثم يسجل لأيتهما الرجحان، ولعل نظرة عابرة يلقيها غير ذي الهوى على صفحات سفره وخاصة تلك التي أفردها لسلاسل (الوضاعين والموضوعات) كفيلة بأن تريه (الأميني) بحاثة أميناً يتبع في استخلاص آرائه أدق أساليب البحث المنزه الصحيح.).

المخلص عبد الفتاح عبد المقصود

الاسكندرية

ذو الحجة/1367هـ

الغدير: ج6 ص هـ

الغدير وثائق صحيحة وتاريخ مبهر محيّر

هذه العبارة تستفاد من كلمات قيّمة أرسلها أديب العالم المسيحي صاحب النضج في الرأي والنصفة في الحكم والمنقب عن الحقائق التاريخية الذي يفيض قلمه بالدّرر والغرر والسبائك المنضدة الأستاذ بولس سلامة البيروتي وجاء في أوله:

(تلقيت الجزء الخامس من الغدير بعد أن حظيت بالأجزاء الأربعة التي تقدمته وكان عليّ أن أسرع في الشكر وفاءً لبعض حقك على أدباء العرب بل على التاريخ..

وإنما أعتذر إليك عن تأخير الجواب اعتذاراً يسرّك حتى لتؤثره على أداء الواجب، ذلك إني كنت في الآونة الأخيرة اختلس الفترات التي يهادنني فيها المرض لأنظم (يوم الغدير) في ملحمة تناولت فيها أهل البيت منذ الجاهلية حتى ختام مأساة كربلاء، وقد أربى عدد أبياتها على ثلاثة آلاف وخمسمائة وجعلت عنوانها (عيد الغدير) وعما قريب سأدفعها إلى المطبعة ومما قلته في شرح مقطع (حديث الغدير): وعندي أن أفضل المؤمنين بالغدير وأقدرهم على جمع الوثائق الصحيحة وأوسعهم نظراً هو العالم الفاضل الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي وهو آية في التنقيب وعمق الإطلاع وطول الأناة.

وهذا يا سيدي الشيخ أقل القليل بجانب فضلك ومقابل ما أفدت من مؤلفاتك ولقد أشرتُ في الهامش إلى ما أخذته عنك عند الكلام على ابن العاص، ولو استنسبت أن آخذ عن المصادر الشيعية لجعلتك المرجع الأوحد لأن أسفارك النفيسة ليست فقط مجمع أحاديث بل دائرة معارف يقر فيها البيان ويطمئن التاريخ وتنفتح آفاق المعرفة ويخضوضر الشعر حتى لتغمر القارئ موجة من الغبطة فلا يشعر إلا وشفتاه تهتفان بلفظين خفيفين على اللسان ثقيلين في الميزان: (الله أكبر).. ).

المخلص بولس سلامة

بيروت 22/أيلول/1948م

الغدير: ج6 ص ط

دهشة ومعرفة ودفاع

هذا ما حصل للعلامة الأريب الأستاذ الكبير خريج الأزهر ومن علمائها علاء الدين خرّوفه حيث قال:

(أيها الأستاذ الأجل! في غفلة من تحكم سلطان الدروس الأزهرية، وفي وقت لست أدري كيف سمح؟ وكيف استطعت أن أتغلب عليه؟ قرأت ستة أجزاء من كتابكم (الغدير) فاعترتني دهشة لم تزل آثارها بادية علي، ولن تزال إذ ما كنت أظن أن عصرنا هذا يجود بمحقق علامة يستطيع أن يجرّد همة قعساء، وعزيمة لها مضاء السيف، فيدفع عن مذهبه سهاماً مقرية وتهماً متتابعة وجهت إليه منذ القدم.

أجل ما كنت أظن أن هذا العصر الذي طغت عليه المادة، واتسم بالسرعة في التأليف، والسطحية في البحث والتنقيب، ينهض فيه رجل كأنه أمة في نفسه، فيأتي بهذا السفر الجليل الذي لا تأتي بمثله عصبة مجتمعة من الأعلام الراسخين في العلم.. حقاً إن الإعجاب بالمجهود الذي بذلتموه في هذا الكتاب الفريد، وما حوى من تحقيق علمي رائع، وبحث في بطون الكتب، لا يزال آخذاً مني كل مأخذ..

ولقد كان بي ظمأ شديد، وشغف زائد، وشوق لا يوصف لمعرفة فقه الشيعة وأصول مذهبهم، فلما قرأت تلك الأجزاء الستة من كتابكم ساعدتني على معرفة الحقائق التي كانت محوّرة في الكتب التي رددتم عليها في الجزء الثالث، وكانت تلك الأجزاء الأخيرة خير عون لي على كتابة مقالات انتصرت فيها للشيعة ورددت فيها على مجلة الأزهر، وقد نشرت في مجلة السعد التي تصدر بالقاهرة، وفي صحيفة الأهرام كبرى الصحف المصرية، ولقد لقيت بعد نشرها بعض ما يلقاه كل منصف وكل مدافع عن الحق أو عامل على وحدة المسلمين).

المخلص علاء الدين خرّوفة

من علماء الأزهر

13/ربيع الأول/ 1357هـ

الغدير: ج11 ص و

الأبحر السبعة في الغدير

من كلام العلامة الخطيب الفاضل نزيل دمشق الشيخ محمد تيسير المخزومي:

(فنظرت الكتاب وتصفحته وسبرت غور ما فيه بقدر ما اتسع ذلك عندي، وإذا بي أرى كتاباً لا كالكتب، وعقل مؤلفه لا كالعقول، وأيم الله لقد أكبرت فيه كل شيء: من سعة الإطلاع، وترتيب الأبواب لحسن الانتقاء، وفصل الخطاب من قول متزن، وقلم سيّال للتدقيق، ووضوح في العبارة وصدق في المقال، من إصابة الكشف عن الحق بأوضح دليل لقوة في رد الخصم وإنارة السبيل. فإذا بي أردّد قول الله تعالى: (مَا شَاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ) ورأيت لولا التيمن والبركة بتسمية الغدير لكان خليقاً أن يسمى بالأبحر السبعة وهو جدير لأنني رأيت أن من أتاه يحسبه غديراً فيرغب في وروده فإذا خاضه يجده بحراً زاخرا فيخرج منه لحماً طرياً وحلية يتحلى بها.. ) .

محمد تيسير المحزومي

20/ربيع الثاني/1375هـ

الغدير: ج11 ص ح

الغدير نَور ونُور وبهجة وسرور

حصل هذا المعنى للكاتب الألمعي صاحب التصانيف الفخمة الباحث المفضال المسيحي الأستاذ يوسف أسعد داغر البيروتي، فقد جاء ضمن كتابه: وكنت قبل إطلاعي على كتابك هذا سيدي، وعلى ما فيه من وفرة المصادر وكثرة المراجع والأصول، أعتقد بشيء من الغرور بأنه قلّ بين المتأخرين من خدمة التاريخ الإسلامي والثقافة العربية من قاربني بكثرة الاستشهاد بمصادرهما، فإذا بي بعد أن وقع نظري على ما في سفينتكم من بحر علمكم، أطرق بنظري إلى الأرض جسيّاً خجلاً مأخوذاً بما وجدت في (الغدير) من خصب وغنى وافر، نعم هي لمحة أجلتها لماحاً في (الغدير) وارتسمت معها على صفحات الغدير ما في غديركم من صفاء ورواء وما في جنباته من نَور ونُور، فإذا به بهجة للعين ومتعة للقلب وغذاء للروح، يمثّل كله، في هذا الأثر الطيب الخالد، تتحفون به الثقافة العربية درّة من دررها الغوالي..

فقد جددت في كتابك هذا وراء الحقيقة الناصعة، وبحثت في شعابه عمّا يكشف النقاب للراغب فيها لتبدوا صبيحة الوجه واضحة المعالم..

يوسف أسعد داغر

الغدير ج11 ص ي

(الغدير) دائرة المعارف الكبرى

ولعل خير ما نختم به هذه الباقة العطرة من أقوال أهل العلم، ليكون الدليل الأوضح إلى الطريق المهيع، والنور إلى النور، رسالة المرجع الديني الأعلى الإمام السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله):

بسم الله الرحمن الرحيم

(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)

لم أفتأ تجيش نفسي بأن أكتب شكري وخالص ودادي إلى شيخي العلامة المفضال الحجة المجاهد نابغة العصر (الأميني) الأمين أعزّ الله به المسلمين، رافعاً إليه آيات الإطراء والثناء المتواصل، فعاقني عن البدار إلى ذلك علمي بالقصور عن أداء تلك الوظيفة تلقاء بطل العلم والفضيلة.

لا يدرك الواصف المطري خصايصه وإن يكن سابقاً في كل ما وصفا

لكن حداني إلى ذلك ثقتي بجميل لطفه، وكريم أخلاقه، وها أنا ذا أعالج يراعي بكل حيلة لعلّه يسعفني بحاجتي، وأكثر استمدادي من فكرتي، فلا أراه يغني عنّي ويعرب عما في خلدي - رغم شوقي إليه - تجاه ذلك الحبر العلم الأوحد.

سيدي! لقد سبرت سفرك الكريم القيم، الذي كلما نجم منه جزء هفت إليه القلوب، وحنت إليه الأفئدة، وانشرحت له الصدور بشوق فادح ورغبة لا يدرك مداها، فيُلتقى بابتهاج وارتياح، فألفيته فذّاً في بابه في جودة السّرد، ورصافة البيان، حسن السبك، بديع الموضوع، غزير العلم الناجع، رائع الأسلوب، فائق النظام، خالياً عن التعقيد والإبهام، عليه رشاش الحق، ومظاهر الصدق، أعلامه قائمة، وآياته واضحة، ومعالمه لايحة، قويّ الحجة، سديد المحجة، فهو للطائفة الحقة برهان الحجاج، وسناد النضال، وسلم الرقي، ووسام التقدم، وصحيفة الشرف، جئت فيه بمحكم الآيات وقيّم البينات، فشدت به في العالم الإسلامي حضارة لها المكانة والخلود ما دامت السماوات والأرض، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، لله درّك يراعك الثبت درّت حلوبته ولله بلاؤك في نزالك في ميادين الحق، ومناهج الرشاد، وسبل الدين الحنيف.

فقد أوضحت الطريق المهيع، واستأصلت أصول الباطل، وقطعت جزازته، وأفضحت أحدوثة أهله، ووطئت صماخهم، وكذّبت أنباءهم، ولا غرو من ذلك وأنت أنت، قطنت في الوادي المقدس، وعكفت على باب مدينة العلم علم الرسول الأسمى (صلى الله عليه وآله وسلم) (صلى الله عليه وآله وسلم) تغدو إليه وتروح، وتستقي من منهل العلم الفضفاض النمير الذي تطفح به ضفّتاه، ولا يترنّق جانباه ولا يدع ممن ضرب مراعف الخلق حتى قالوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله أن يربّي في مدرسته الكبرى وكليته العالمية وجامعة الأزهر من يجاهد بيراعه وشيظ النفاق حتى يشهدوا بأن علياً أمير المؤمنين ولي الله، ولا عجب ممن كان يحامي عن حرم المسلمين أن ينصب في ثغور حصنه المنيع مرابطاً يناضل أهل الباطل، ويقيّظ لحبالهم وعصيّهم التي يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى من يلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى.

فلله درّك يا شيخنا الأجل، وعليه جزيل أجرك.

وليس ما أبدعته من الكتاب المقدس مقصوراً على الدفاع عن النبي الأقدس وأهل بيت الرسالة ومهبط الوحي الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، بل دائرة معارف كبرى تحوي علماً جمّاً، وحقائق ناصعة، ودقائق ورقايق، وأدباً موصوفاً.

وهو موسوعة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين، وكان المجتمع الديني في حاجة ماسة إلى هذا الكتاب الناطق بالحق في هذا القرن المطبق جهلاً وضلالاً، لا زلت مؤيداً بروح القدس، داعياً إلى الصلاح سراجاً منيراً للأمة المسلمة، فقد طبت نفساً وقلماً، وخدمت الإسلام والمسلمين، وفقت وفاق كتابك العزيز على ماضي الكتب وحاضرها، والحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

غرة جمادى الثانية 1373

كربلاء المقدسة

محمد بن مهدي الحسيني الشيرازي

وهكذا فإن ما نقل في شأن (الغدير) إنما هو غيض من فيض، فحتى تتم المعرفة به، ويستكمل الدليل، فما عليك إلا الوقوف عليه ومطالعة متونه.. والله المستعان

الهـــوامـــش :

(1) الذي نظنه (وظن الألمعي يقين) أن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى:(يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربك)، الآية كما أن الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه:(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي..) الآية.

(2) الطبقات لابن سعد: ج3 ص225، أمتاع المقريزي: ص510، إرشاد الساري: ج6 ص429.

(3) السيرة الحلبية: ج3 ص283، سيرة أحمد زيني دحلان: ج3 ص3، تاريخ الخلفاء لابن الجوزي في الجزء الرابع، تذكرة خواص الأمة: ص18، دائرة المعارف لفريد وجدي: ج3 ص542.

(4) الإمتاع للمقريزي: ص513 - 517.

(5) هو المنصوص عليه في لفظ البراء بن عازب وبعض آخر من رواة حديث الغدير وسيوافيك كلامنا فيه ص41.

(6) جاء في لفظ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: ج9 ص156 وغيره..

(7) ثمار القلوب: ص511 ومصادر أخرى كما مرت ص8.

(8) الصنعاء: عاصمة اليمن اليوم، وبصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.

(9) الثقل، بفتح المثلثة والمثناة: كل شيء خطير نفيس.

(10) إلى آخر الأبيات الآتية في ترجمة حسان في شعراء القرن الأول في الجزء الثاني.