1

منتخبات مما ينشر في الصحف والمجلات من رؤى وأفكار تسهم في عملية تفعيل الوعي الإنساني

 حــداثــة الحــرب

 نــظريــة التحــديــث ومشــكلة العنـــف

إن فكرة كون الحرب حقيقة في العصر الحديث وتفسيرات المثقفين لها تستخدم في هذا المقال كأداة لتقصّي ومناقشة مدى صلاحية نظرية التحديث لفهم التطورات الاجتماعية لعصرنا. ويطرح المؤلف الخطوط العريضة لحلم عصر التنوير الليبرالي بإقامة مجتمع عصري متحرر من العنف. ثم يستكشف باختصار، خطوات نقدية لهذا الرأي، من خلال مناقشة دور التحديث الدفاعي وبحث العلاقة بين التحديث والحرب والثورة، وانبثاق الفاشية من روح الحرب، ودور الحرب في بزوغ الحداثة، وأثر الحرب والحرب الأهلية على جوهر الحداثة. وينتهي المقال بعدد من النتائج تتعلق بمراجعة نظرية التحديث، واكتشاف مضامينها النسبية.

بادئ ذي بدء تفترض نظرية التحديث، على نحو متضمن، أن الحداثة مسالمة. فمن العناصر الجوهرية لتعريف المجتمعات الحديثة، الانتقال من أشكال الصراعات العنيفة إلى وسائل سلمية للتعامل مع الخلافات والنزاعات في المجتمع. وبهذا التعريف فإن التوصل إلى حلول سلمية للنزاعات الكبيرة بأساليب سياسية تخلو من العنف ليست وحدها تندرج تحت هذا المفهوم، بل يقال أيضا إن الجرائم الفردية قد تغيرت من التجاء للعنف العفوي، لأشكال أخرى تكبح فيها الاندفاعات العاطفية، ومن أمثلة ذلك الجرائم المتعلقة بالملكية. ويتعرض لهذا الموضوع نوربرت إلياس في نظريته عن المدنية، التي ذهب فيها إلى أن تعاظم التحكم في العواطف يتزامن مع تزايد العلاقات الاجتماعية تشابكاً.

هذا بينما نرى أنه، فيما يتعلق بدور العنف بين الدول، فإن كثيراً من دعاة نظرية التحديث لم يقولوا إلا قليلاً.

وإن جاز أن نفترض استمرارية نظرية التحديث، ليس فقط في تساوق مع بعض الكلاسيكيات السوسيولوجية، بل ومع التقاليد الكلاسيكية لليبرالية في الفلسفة الاجتماعية إن جاز هذا، فإننا يمكن أن نقول إن نظرية التحديث لا تزال تتعلق بحلم عصر حديث خال من العنف. ففي فلسفة الليبرالية يتوجب تفسير الحروب والنزاعات التي يستخدم فيها العنف كجوانب من مرحلة (ما قبل تاريخ) البشرية المتمدنة، وإن تفجرت مثل هذه الحروب والنزاعات، فيتوجب اعتبارها من مخلفات عصر زائل لم تشرق عليه بعد أضواء التنوير. وفي بواكير الليبرالية، كان ينظر للحروب كنتاج لعقلية أرستقراطية نزاعة للحرب، أو هي نتاج لنزوات الطغاة. وما كان الاستبداد والعقلية الأرستقراطية النزاعة للحرب نفسها، لتعتبر إلا مخلفات لبعض المراحل البدائية السابقة في تاريخ الجنس البشري. كذلك كان يفترض أن الحياة المتمدنة هي حياة المدينة، حيث سمات النزوع للحرب والحاجة إليها لم تكن فقط محظورة من منطلقي الدين والأخلاق، وإنما يمكن أيضا تهذيبها وإعلاؤها بممارسة الرياضة والمنافسة الاقتصادية (التبادل التجاري السمح). وعلى الرغم من أننا لم نشهد بعد تحقق عصر مسالم مبرأ من العنف، إلا أن الليبراليين المتنوّرين استقرّ في وجدانهم أنهم يعرفون الطريق، والخطوات اللازمة التي يجب السير على هديها لاستكمال وإحكام بناء مثل هذا النظام الذي يمليه العقل السليم. وافترضوا أن التجارة الحرة، ومشاركة المواطنين في السياسة الخارجية، وحكم القانون، والاتفاقات والمعاهدات، كوسيلة لصياغة العلاقات بين الدول افترضوا أن تلك هي المفاهيم الليبرالية للسلام، وكما استبعدت أعمال التنكيل العلني والتعذيب من الإجراءات العقابية القانونية، كذلك أصبح يتوجب منع الحرب وجميع أشكال العنف ضد البشر والأشياء في المجتمع العصري، أي المجتمع المدني، المتمدن. هكذا يتواجد رفض قاطع للعنف تتضمنه هذه الرؤية للعالم، جنباً إلى جنب مع نوع من التجاهل لوجوده. والنظرة المتفائلة للمستقبل تضيق ذرعاً بالوسائل والأساليب القديمة الشنيعة، وإن بغير اهتمام حقيقي.

وبناء على كل ذلك، يمكن استخلاص أربع نتائج أساسية فيما يتعلق بنظرية التحديث:

أولاً: لموضوع الحرب دلالات على أنه ليس بكاف النظر إلى التحديث ككل متجانس يتضمن تطوراً في خطوط متوازية لكل من الثقافة والاقتصاد والسياسة. فالارتباط المحكم بين الأنظمة المجتمعية الثانوية في نظرية التحديث أحدثت تغييراً في طبيعتها ليحولها من إنجاز فكري إلى عجز.

ثانياً: إن الأفكار المعبر عنها في هذا المقال تزيد إحساسنا بضرورة تبرير المقدمات المعيارية التي تقوم عليها نظرية الحداثة. فإذا تخلت نظرية الحداثة عن ادعاءاتها بالتطور الخطي والغائية والحديث عن الحتمية التاريخية، فإن الأهداف المعيارية - كالتحول الديمقراطي - يصبح لا مجال لتبريرها استناداً إلى ميزاتها الوظيفية.

ثالثاً: تكشف البحوث الجارية حول دور الحرب في التغيير الاجتماعي عن أثر الكوكبات الدولية على فرص عمليات التحديث. والوقوع في دائرة مساجلات ومحاورات تدور في حدود فعل العوامل الداخلية وحدها هو على نحو ما، العيب الخلقي الذي ولد به علم الاجتماع، سواء كان هذا الاقتراب من المشكلات من مداخل ثقافية أو مادية. وهذا العيب الخلقي الذي ولد به العلم يمكن أن يفقد العلم مصداقيته، بل وأن يكون قاتلاً.

رابعاً: تذكرنا الأهمية الثقافية الحضارية للحرب، تذكرنا إلى أي حد تتسم الثقافة الحديثة بأنها حمالة أوجه. فزيادة العقلانية يمكن أن تعني أموراً شديدة الاختلاف، والأفكار المضادة (الممكنة) للعقلانية شديدة التنوع. والحداثة ليست هي المرحلة الأخيرة التي تتوقف عندها عملية خلق القيم، وعلينا أن نتفهم أصول القيم الحديثة وشجرة عائلتها، والتوترات الحادثة بين القيم الجديدة والمؤسسات القائمة. ويتعين علينا الربط بين منجزات عمليات بناء الفكر الاجتماعي المجرد، وألفة المؤرخين مع الوقائع الحقيقية للحالات الفردية، وحساسية عالية للاتصال والانفصال الثقافي، هذا إذا قدر لنظرية التحديث أن تمدنا بأفكار مقنعة عن زماننا، وأصوله، وتطوره.

هانز جواس/ مجلة الثقافة العالمية: العدد 104

الأمريكيون ؟....كيف ينظــرون الى الدين

على الرغم من الأهمية التي يتسم بها دور الدين في بناء ونشأة واستمرار وتقدم الحضارة الإنسانية، فإن طبيعة العلاقة بين الدين والتغير الاجتماعي والسياسي، تختلف من مجتمع إلى آخر، بل وأحياناً من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى داخل المجتمع نفسه، وذلك تبعاً للموقع الاجتماعي للدين، وخصوصية هذا المجتمع وأوضاعه السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة.. وفي الحياة الأمريكية شكل الدين واحدة من أهم القضايا في المجتمع الأمريكي عبر مختلف مراحل تطوره، ورغم أن الدستور الأمريكي وتعديلاته تؤكد على العلمانية والفصل بين الدين والدولة، فإن الدين ظل يمثل عنصراً أساسياً من عناصر خصوصية الحياة الأمريكية، والتي تخضع لنظام من القيم تتفاعل داخله العديد من الأديان، ولكن بدرجات مختلفة وتفصل بينها مسافات اجتماعية واتجاهات فكرية ومذهبية تؤكد على هذه التعددية.. وأهمية دور الدين في الحياة الأمريكية ليست وليدة اليوم، ولكنها ترجع إلى البدايات الأولى لتكوين المجتمع، فاصل المجتمع الأمريكي يعود إلى تلك المستعمرات التي أسسها (البيوريتان) الفارون من الاضطهاد الديني في أوروبا الغربية حتى يعبدوا الله على طريقتهم الخاصة التي كانوا يحلمون بها..

ولكن هذه الرغبة لم تمنع هؤلاء المهاجرين من ممارسة درجات من الاضطهاد الديني والسياسي ضد المذاهب والطوائف الأخرى، وهو ما ترتب عليه الحيلولة دون تحقيق الاندماج بين مختلف الاقليات، كما قاد إلى التعدد في القيم والثقافات والسلوكيات، وإلى تبنّي العلمانية في الدستور حيث ارتأى واضعوه في هذه العلمانية ضرورة يمليها هذا التعدد لمنع اضطهاد الأغلبية الدينية للاقليات التي تختلف لاعتبارات عدة من بينها:

1 - تزايد قوة المؤسسات الدينية في المجتمع الأمريكي أمام ما تتمتع به من إمكانات ضخمة ودرجة عالية من التعليم..

2 - الأساس الهش للنصرانية الحديثة وغموض مفاهيمها، فأصبح الفرد خاوياً تتقاذفه الأفكار والتيارات أمام غياب نظام متكامل لجوانب الحياة المختلفة.

3 - على الرغم من تعدد الإحصاءات التي تؤكد أن الشعب الأمريكي من أكثر الشعوب تديناً، فإن الأمريكيين لا يعلمون إلا القليل جداً عن عقيدة الكنيسة، كما أنهم موزعون بين المئات من الملل والنحل المتصارعة والتي أحياناً ما يلجأ بعضها إلى السلاح لتصفية عناصر المعارضين لها..

4 - ما تشهده الحياة الأمريكية في السنوات الأخيرة من حركة إحياء ديني واسعة النطاق تنتشر بين الشباب وخاصة من وصلوا إلى مراحل عالية من التعليم، ومن أبرز المظاهر التي أتخذتها هذه الحركة في العقدين الأخيرين، تعدد الحركات الأصولية المسيحية والتي من أبرزها (الغالبية الأخلاقية) و (اتحاد الحرية) و (التحالف الأمريكي للقيم الموروثة) و (اتحاد المحافظين الأمريكيين)... وكذلك نجاح منظمة (أمة الإسلام الأمريكية) التي يقودها (لويس فرقان) في تنظيم أضخم مسيرة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية في 16 أكتوبر 1995 والذي عرف بيوم الخلاص والتطهير، وشارك فيها أكثر من مليون أفروأمريكي، وفي خطبة في هذه المسيرة قال فرقان: (أيها الأخوة: إن النهضة الروحية ضرورة، على كل منكم حين يعود إلى بيته يذهب إلى كنيسة، إلى هيكل، إلى جامع، حيث يتعلم الارتقاء الروحي، ليس هناك أناس في الكنائس أو في المساجد، الناس في الشوارع، علينا أن نعود إلى بيوت الله، علينا أن نحيي الدين في الشوارع، علينا أن نحيي بيوت الله، إنها ليست ملكاً للمبشرين فيها، علينا أن نقتدي بموسى، بعيسى، بمحمد، وان نتحول إلى خدّام للناس ملبين حاجاتهم..).

5 - زيادة تأثير الدين في الحياة السياسية في المجتمع الأمريكي، هذا التأثير الذي ينبع من جانبين، الأول سيطرة القيم البروتستانتية، والثاني تركيب المجتمع من العديد من الأقليات الدينية والعرقية، ويأخذ هذا التأثير العديد من المظاهر من بينها: التأثير في ملامح الاتجاهات الرئاسية في وعي الناخب الأمريكي، وانتماء معظم الرؤساء الأمريكيين إلى الحزب الجمهوري الذي يدعمه البروتستانت، ومن ناحية ثانية، أن تعدد الاقليات الدينية كان سبباً في انتشار الصراع السياسي في المجتمع الأمريكي، حيث تحاول كل جماعة فرض القيم والأخلاقيات على ملامح الاتجاهات الأساسية والأنماط السلوكية في المجتمع ومن ناحية ثالثة، تحول الكنائس إلى المشاركة بكفاءة وفعالية في عملية صنع القرار السياسي، ومن ناحية رابعة، زيادة درجة الارتباط بين السلوك السياسي الفردي والدوافع والمطالب الدينية، فهناك العديد من الأفراد الذين يرفضون بعض مظاهر المشاركة الفردية إذا تعارضت مع المعتقدات أو الالتزامات الدينية التي يؤمنون بها..

وفي ظل هذه الاعتبارات، وأمام هذه المظاهر والسمات التي تحكم دور الدين في الحياة الأمريكية يمكن القول أن الدين يوجه عادات الجماعة وينظم الدولة عن طريق العديد من المؤسسات الاجتماعية.

عصام محمد عبد الشافي/ مجلة العربي العدد 506

الإعــلام الإســلامي و التبعيـــة الى الغــرب

التبعية الإعلامية هي الانعكاس المنطقي لحالة التبعية العامة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية إزاء الهيمنة الغربية بزعامة الولايات المتحدة، ومواجهة هذه التبعية الإعلامية والثقافية هي التحدي الأول والأساس أمام العاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي..

وقد أدرك الاستعمار التقليدي أهمية المساندة الإعلامية للزحف العسكري لاحتلال بلاد المسلمين، وكانت نشأة وكالة أنباء رويتر البريطانية ووكالات الأنباء الغربية مصاحبة للحملة الاستعمارية لهاتين الدولتين في القرن التاسع عشر.

إن صناعة الإعلام نمت بصورة ضخمة ومعقدة داخل بلدان الغرب نفسها، لإحكام السيطرة على الشعوب الغربية نفسها، ثم لإدارة العالم بأسره، وفي سنة 1980م بلغ مجموع الإنتاج الصناعي والتجاري في قطاع المعلومات 200 مليار دولار على مستوى العالم. وفي سنة 1987م بلغ المجموع 400 مليار دولار.

في أميركا وحدها 60% من الدخل القومي يأتي من قطاع المعلومات ووسائل الاتصال والإعلام والخدمات.

نحن بالفعل أمام ظاهرة من الانفجار الإعلامي؛ أو الطغيان والغزو الثقافي بكل وسائل التقدم التكنولوجي، وأيضاً أمام ثورة من المعلومات، تتضمن اهتمام الغرب بامتلاك أسباب القوة الكفيلة بضمان استمرار سيطرته على العالم.

إن حجم المنشورات العلمية فاق في العام 1985م وحده كل ما نشر أثناء الفترة الممتدة من العصور الوسطى حتى عام 1976.

وإن الفرد العادي معرض لاستيعاب 80 ألف معلومة يومياً في الوقت الحاضر.

مخاطر الاحتكار الإعلامي:

1) أن تصبح المساحة الإعلامية في الصحف الإسلامية مخصصة بشكل أساسي لأخبار الولايات المتحدة وغرب أوربا، ويصبح المواطن في البلدان الإسلامية يعرف حقائق وخبايا ومعلومات العالم الغربي أكثر مما يعرف عن بلده أو البلدان الإسلامية الشقيقة بصورة لا يمكن مقارنتها.

2) إن الطاقة الإعلامية المسلطة على الشعوب في الغرب لا تتضمن إلا معلومات قليلة عن بلدان العالم الإسلامي هي في أغلبها معلومات مشوهة.. بهدف ضمان تعبئة الشعوب الغربية خلف حكوماتها في عدائها السافر ضد الإسلام.

3) الأخطر من ذلك أن ما تنشره وسائل الإعلام في أية دولة إسلامية عن أية دولة إسلامية أخرى يستند بنسبة تتراوح ما بين 80 - 100% على وكالات الأنباء الغربية، وهذه أخطر وسيلة لتفتيت الأمة الإسلامية.

الإذاعات:

تسيطر بلدان الغرب على حوالي 90% من أصل الطيف الخاص بالذبذبات، وعلى مستوى المساحة الإعلامية (ساعات الإرسال) تتصدر الولايات المتحدة دول العالم في مجال الإذاعات الموجهة، حيث تبث قرابة ألفي ساعة أسبوعياً تليها الصين الشعبية ثم بريطانيا.

وهناك قرابة 28ألف جهاز إرسال إذاعي في العالم، منها 20800 جهاز إرسال في الدول الغربية أي بنسبة 75% مقابل 25% لبقية العالم (الجنوب).

التلفزيون:

وفقاً لإحصاءات اليونسكو تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول المصدرة للإنتاج التلفزيوني، إذ أنها تصدر أكثر من 200 ألف ساعة تلفزيونية سنوياً للخارج خصوصا لدول الجنوب، وتستورد الدول العربية ما يمثل 30 - 70% من مجموع ما تبثه من برامج تلفزيونية.

ويمتلك الغرب 94.5% من عدد أجهزة الإرسال التلفزيوني في العالم، وتوجد 15 شركة غربية تسيطر بطرق مختلفة على الجزء الأكبر من عمليات صناعة التلفزيون (إنتاج - إرسال - استقبال) وهي تتمركز في أمريكا وألمانيا وهولندا واليابان وفرنسا..

الأفلام السينمائية:

بلغ إجمالي عدد الأفلام المنتجة في الدول الغربية سنوياً قرابة 1720 فيلماً، بما يوازي 48% من الإنتاج العالمي، ويتم تصدير معظم هذا الإنتاج للعالم الإسلامي حيث تشغل مساحة زمنية كبيرة، وفي المرتبة الأولى في معظم الدول الإسلامية (84% من الأفلام التي تعرضها دور العرض السينمائية في القاهرة واردة من أميركا)..

هذه صورة سريعة لحالة التبعية في المجال الإعلامي، وهي كلها شروط معاكسة للعاملين في حقل الإعلام الإسلامي. دون أن تكون هناك استجابة للتغلب عليها، بل على العكس هناك شروط مؤاتية متزايدة لمقاومة هذا الوضع المتردي، على رأسها وجود ركائز إسلامية في أكثر من دولة إسلامية يمكن أن تكون بداية الانطلاق لتعديل هذا الوضع الظالم للنظام الإعلامي العالمي..

مجدي أحمد حسين / صوت الخليج: العدد 1359.

عصــر الوحــدانيــة الأميــركيـــة

منذ نهاية الحرب الباردة والسياسة الأميركية تهتز بين السياسة التعددية multilateralisme والأحادية unilateralisme، الإرادة بتعزيز المؤسسات الدولية والحفاظ على التفوق العسكري للولايات المتحدة، وهذان التياران يظهر أنهما باتجاه التوازن، فكل حركة من الأولى تبدو في اتجاه الأخرى، والعكس بالعكس. فالقادة الأميركيون يعانون من الشك بما يتعلق بالدور الذي ينبغي لهم أن يلعبوه في النظام الدولي، وإذا لم يضعوا أبداً موضع السؤال ضرورة الحفاظ على التفوق العسكري للولايات المتحدة، فإنهم يتساءلون بأي معنى ستعمل قوتهم في خدمة (الجماعة الدولية)؟ البعض ينادي بتعزيز المؤسسات الدولية تحت السلطة العليا لمجلس الأمن (الأمم المتحدة) والبعض الآخر يعارض هذا الاتجاه. وبالرغم من عدم وجود خطر مماثل للاتحاد السوفياتي فإن الولايات المتحدة ما تزال عازمة على الحفاظ على تفوقها العسكري، في مواجهة كل القوى العسكرية (المتخيلة)، وبتكريسها ميزانية أكثر أهمية للدفاع فإنها تستهدف التهيؤ بأن تكون القوة العسكرية مستعدة لمواجهة التحديات في القرن المقبل بالبقاء اكثر قدرة على الفعالية الأدائية (كما يقول السكرتير الصحافي للبيت الأبيض في بيان أذيع في 19 كانون الأول 1999). وإذا كان البعض من هذه الاعتمادات الإضافية سيخصص لزيادة مرتبات العسكريين والتدريب، فإن الجزء الجوهري منها سيخصص لتحديث الأسلحة العسكرية، والنفقات المخصصة للحصول على مواد تسليحية زادت من 49 مليار دولار في العام 1999 إلى 75 مليار دولار في العام 2005 (حسب تقارير دائرة الدفاع الأميركي وميزانيتها).

وبالرغم من انهيار الاتحاد السوفياتي فما زالت استراتيجية التسلح تعتبر روسيا والصين كخصمين أساسيين في سلم الأولويات العسكرية فسياسة التسليح الأميركية تهدف إلى التيقظ إلى كل عمل عسكري في مجال التقنية المتطورة لهذه البلدان العظمى من جهة، والاعتماد على القوى العسكرية الأميركية وحدها بدلاً من المؤسسات الدولية للدفاع عن المصالح في الخارج، ومن هنا جاء القرار ببناء شبكة مضادة للصواريخ ورفض بيع الصين تكنولوجيا متطورة.

الأمة المتفوقة

وهذا التصور لعلاقات القوى أصبح في الولايات المتحدة معتمداً في المذهب العسكري الأميركي، وفيما كانت الاستراتيجية العسكرية تقوم على مبدأ (حرب التحالف) أي الاعتماد على القيام بعمليات عسكرية متعددة الأوجه، فإنها حالياً تتركز على اللجوء إلى وحدانية القوة العسكرية الأميركية. وقد أوضحت دائرة الدفاع الأميركية في تقريرها السنوي للعام 1999: (حيث إنها الأمة الوحيدة القادرة على شن عمليات عسكرية على نطاق واسع مندمج (أي متعدد المهارات) على مسارات متباعدة عن حدودها، فإن الولايات المتحدة تحتل مركزاً فريداً (..) وللحفاظ على تفوقها فعلى الولايات المتحدة المحافظة على قوى مهيأة دائماً للتدخل، متعددة المهارات polyvalent ولشن سلسلة من العمليات والنشاطات العسكرية).

وبالنسبة للبنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) بما أن واشنطن لا تستطيع الاعتماد على حلفاء محليين للحفاظ على مصالحها في الخارج، فعلى الولايات المتحدة أن تكون قادرة على نشر قواها العسكرية في مناطق النزاع وتجاوز كل مقاومة، وهذه القدرة من شأنها ضمان سيطرة الولايات المتحدة على (الأزمات الخارجية) لا بل التعاطي مع مناطق (الأزمات المحتملة) وهي في طور (البنية التحتية المحدودة)؛ فهل دخلنا والحال هذه عصر الوحدانية الأميركية؟؟!

مجلة الشاهد: العدد 185

عصــر الوحــدانيــة الأميــركيـــة

قد تكون العولمة بالنسبة إلى المرأة الأوربية أمراً ينطوي على بعض التشوش والفوضى، ولكنها أخذت تتيح فرصاً جديدة لمجموعة ديناميكية من صاحبات المشروعات الشابات. ولن يظل موقع العمل على ما كان عليه من قبل.

إن آثار العولمة على نساء أوربا أكثر مواربة وتورية.

تمعّن في المناظر التالية؛ مسؤولة تنفيذية مشدودة الأعصاب تستعطف الحاضنة التي تعتني بأطفالها في غيابها لكي تتأخر في البقاء مرة أخرى، لقطة صورية على طريق مؤد إلى روما، حيث تعرض فتيات بملابس مكشوفة من أوربا الشرقية الجنس مقابل المال، أو صورة زوجة يونانية في سن 38 وهي أم لطفلين، تتعرض للضرب على يد زوجها، وذات يوم تفتح السيدة المذكورة فاتورة من المنظمة اليونانية للاتصالات البعيدة، التي تضمنت استراتيجية التحديث لديها حملة للتوعية الاجتماعية. ومع الفاتورة أرفقت الشركة منشوراً يحتوي على رقم هاتف ساخن لملجأ النساء في أثينا، وتذهب المرأة إلى الملجأ طلباً للعون. (الروك آند رول) قالت المرأة لنيوزويك: جاء من الخارج، والجريمة جاءت من الخارج، ومن أين جاءت الحرية الأخلاقية؟ من الخارج.

العولمة، بما تنطوي عليه من حواجز تجارية منهارة وحدود دولية ضبابية وتكنولوجيا جديدة، جلبت للمرأة الأوربية أبدع الأزمنة وأسوأها. لقد خلقت حرية الحركة داخل الاتحاد الأوربي مزيداً من فرص العمل والتجارة، ولكنها زادت من درجة التنافس، وبالتالي توتر الأعصاب، الهواتف النقالة والبريد الإلكتروني باتت تسمح للمرأة بالعمل من منزلها، ولكنها أيضا تجعل من الأصعب عليها أن تخلف مكتب العمل وراءها. وأخذت حركة الأمركة الزاحفة تهز المواقف العتيقة في مجالس الإدارات، ولكنها جلبت معها أيضا جدول عمل يتكون من سبعة أيام و24 ساعة في اليوم. حجم الشركات يجعل من الأسهل على المرأة التفاوض على وظيفة جزئية، ولكنه في الوقت ذاته يجعل من الأصعب عليها الحصول على إجازة ولادة مدفوعة أو على تقاعد سنوي. الازدهار الاقتصادي يعني أن المرأة لا تجد صعوبة تذكر في الحصول على وظيفة، ولكن مع الاقتطاع من ميزانيات التعليم والرعاية الصحية قد تجد المرأة صعوبة في تلقي التدريب على وظائف جيدة، أو العثور على رعاية لأطفالها أثناء التدريب. في أوربا الشرقية أدى انهيار الشيوعية إلى إطلاق سبيل الحريات السياسية، وفتح الأسواق وتوفير طائفة خلابة من السلع الاستهلاكية. ولكن أيضاً بسبب إعادة التنظيم فقدت آلاف النساء وظائفهن، أما في أوربا الغربية فإن الإحصائيات من بروكسل تفصح عن رسالة مختلطة: ملأت النساء 70 في المائة من الأربعة ملايين وظيفة جديدة التي نشأت في الاتحاد الأوربي في السنتين الماضيتين. وفي الوقت ذاته فإن 80 بالمائة من الفقراء في الاتحاد الأوربي هم من النساء والأطفال. وعليه فإن تقرير الأمم المتحدة عن (تقدم المرأة في العالم عام 2000) يحذر قائلاً: (تحرر السوق يوفر فرصاً لانتشار المجاعة إلى جانب فرص تحصيل دخول مستقلة). غير أن حرية الحركة والتنقل أقل إيجابية بالنسبة إلى كثير من النساء في أوربا الشرقية، اللواتي فقدن خلال العقود الأخيرة حصصاً في البرلمانات والحماية الوظيفية أيضا عندما تقلص القطاع العام ليفسح المجال أمام الرأسمالية. وأدى التراخي في القيود على الحدود، وسوء الأحوال الاقتصادية إلى خلق صناعة جديدة، هي تهريب البغايا من آسيا الوسطى وأوربا الشرقية إلى أوربا الغربية، يذهب المهربون إلى القرى الفقيرة في بلدان الكتلة السوفييتية السابقة، مثل أوكرانيا ومولدوفا، واعدين الفتيات بوظائف مكتبية تدفع لهن أجوراً تكفي لإطعام أسر بكاملها. إيرني بينكينا وهي فتاة روسية تبلغ 20 عاماً صدقت الوعود التي سمعتها وذهبت إلى اليونان، وهناك وجدت نفسها محشورة في شقة بغاء تقع في مدينة سالونيكي الساحلية، وهرباً من واقعها، أقدمت بينكينا على شنق نفسها، من دون أن تترك رسالة انتحار، تقول جيورجيا دوسيا عضوة هيئة شكلت حديثاً لمعارضة البغاء القسري: (انهيار الشيوعية كان خيراً على (مروجي) شبكات البغاء في اليونان) قبل سقوط الستار الحديدي لم يكن في اليونان أكثر من 2000 مومس مرخصة، كما تقول مصادر الشرطة، أما الآن فيوجد فيها نحو 20000 مومس.

ولكن مع ظهور الاقتصاد الجديد وتبدل المواقف إزاء تربية الأطفال، لم يعد تنوّع ساعات العمل حكراً على المرأة فقط. فالجيل الذي تربى على إرسال فاكسات إلى بكين في الصباح، والمشاركة في مكالمة جماعية مع سيليكون فالي في منتصف الليل هو الجيل نفسه الذي أخذ يغير مسودة الأبوة. الأمهات يردن العمل، والآباء يريدون المساعدة في تربية الأطفال. تقول جولي ميلور رئيسة هيئة الفرص المتكافئة في بريطانيا: (في الماضي كانت الاستجابة للنساء في سوق العمالة هي وضعهن على هوامش ما كان نموذجاً عملياً للرجال، لكن ماضي المرأة (في الحياة العملية) يصبح بشكل متزايد مستقبل الرجال).

أخذت بعض الحكومات وبعض الشركات تدرك أنه في بيئة عملية من العمل على مدار الساعة، فإن المرونة في ساعات العمل أمر معقول. وفي العام الماضي قرر بنك الاستثمار البريطاني (لويدز تي أس بي) أن يعيد هيكلة يوم العمل التقليدي، وعرض على موظفية طائفة من الخيارات في جداول العمل. وكما اتضح فإن النساء لم يكن الوحيدات في نفورهن من العمل من التاسعة حتى الخامسة يومياً. فقد كان هناك 50 رجلاً من بين 200 موظف في البنك قبلوا عرض لويدز بتغيير ساعات العمل.

نيوزويك: كارلا باور 9/1/2001