1

الشيــخ الأمينـي

فــارس الغـــديــــر المقــــدام

1320 - 1392هـ / 1902 - 1971م

فائق محمد حسين

في الحق، أن علوّ شأن أية أمة من الأمم، يتوقف على مدى احترامها للعلم ومنازل العلماء.. وعلى قدر اكتسابها وخوضها في مضامير الفكر والمعرفة، يكون استحقاقها للحياة الزاخرة بالماء والازدهار في شتى الميادين الأخرى، وبالجملة فإن حياة الأمم هي بالعلم وطلب المعارف، وهي تحقق أقصى درجات السعادة والرقي، إذا ما بلغت غاية سلم المعرفة، وبخلافه فإن الجهل مصاره أن يميت الأفراد والأمم ويلقي بها في كل مأزق، ويبعدها عن كل مطلوب ومرغوب.

وبديهي أن مخازن العلوم والمعارف هي الكتب، فيا حبذا أمة تعطي الكتاب حقه، بحيث يكون عندها بمنزلة رغيف الخبز؛ فهي بذلك تأمن في مسيرها وإرسائها، من الوقوع فريسة بين مخالب الجهل والفقر والفاقة، وتستكمل حلقات مسلسل التطور والارتقاء الحضاري دونما توقف. ثم ينبغي هنا التذكير بنقطة جوهرية؛ وهي أننا أبناء شرعة مقدسة تأمرنا بطلب العلم، بحيث جعلته فريضة علينا (طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة)، فكيف ندع أمماً أخرى كانت في مرحلة من مراحل التاريخ تقتبس من حضارتنا الشيء الكثير، تتقدم علينا بأشواط بعيدة في هذا المضمار، حتى صارت تبهر الكثير منا بإبداعاتها ومكتشفاتها العلمية.

فكم يجدر بنا - شعوباً وحكومات - أن نسهر على عدم تراجع القراءة، خاصة في أوساط الشباب، حيث أنه بغياب هذه الظاهرة الحياتية، تغيب كل قدرة على الإبداع والتطور.

وبناءً على ما تقدم يلزمنا شد الانتباه إلى مسألة المطالعة والكتاب ولعل مراجعة رموزنا في حقول العلم والمعرفة، تسعفنا كثيراً لاستئناف نشاطنا وتجديد همتنا في هذا الشأن.

ومن هذه الرموز العلامة الشيخ الأميني (رحمه الله) صاحب التصانيف والمؤلفات الكثيرة، والتي منها موسوعته المعروفة بموسوعة الغدير، التي تصلح بحق أن تكون بعثاً جديداً للأمة، وتجديداً لحيويتها، من حيث أن هذه الموسوعة توضح بضوء كاشف وحجة كافية، أهم حلقة من حلقات التاريخ الإسلامي، وتسوّي أهم قضية خلافية أثارت لغطاً وجدلاً عريضاً في أوساط الأمة الواحدة، عبر أدلة وشواهد دامغة تأخذ بالأعناق إلى الحقيقة الثابتة، والحق الصراح..

ولادتــــه ودراستـــه:

ولد الشيخ عبد الحسين بن أحمد الأميني في مدينة تبريز الإيرانية في 25 صفر من سنة 1320م.

وبدأ دراسته مبكراً في أروقة المساجد وعلى يد نخبة من الشيوخ الأفاضل، فتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ثم أتقن اللغة العربية وأجاد فيها.. شرع بعدها في دراسة علوم النحو والصرف والفقه والتفسير.. حتى وجد في نفسه القدرة وهو ابن العشرين سنة على تفسير الآيات القرآنية بثقة وإحكام، ونشرها. وعلى هذا قام بتفسير آية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) (الأعراف: 172).. برؤى جديدة عصرية نالت الإعجاب والتقدير.. (بدأ فيه بمقدمة علمية مسلّمة، ثم تكلم عن عالم الذّر، وإثبات الميثاق الأول بدلالة آيات الكتاب إضافة إلى تسعة عشر ومائة وثلاثين حديثاً. وبوصف أربعين منها بالصحة - الاصطلاحية - وأردفها بأقوال العلماء المختصين، وختمها بأشعار الأدباء العارفين، تبلغ مائة وخمسين صفحة..)(1).

تفـــــاسيـــــره:

وإذ أثار تفسيره الدقيق اهتمام المفسرين والعلماء ونال استحسانهم ومباركتهم، مضى قدماً في مشروعه الهادف لتفسير ما غمض على الناس.. فأغنى المكتبة بعد ذلك بتفسير دقيق لآية (رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) (غافر: 11). (وهو تفسير رائع لمؤلف شهداء الفضيلة) (2) ، وأعقب ذلك بتفسيرين شاملين ومهمين هما تفسير آية (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً) (الواقعة: 7)، (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)..(3).

كتـبـــــه:

بعد هذا المشوار عرّج الأميني على تأليف الكتب.. فشرع في أولها وكان بعنوان (رياض الأنس) في التفسير، حيث جمع فيه كل جهده المبذول سابقاً..

وبعد الانتهاء من كتابه الأول انهمك في تأليف كتاب يضم أسماء شهداء علماء الشيعة ونبذة من حياتهم ومؤلفاتهم، وذلك إثر استشهاد أحد أساتذته على أيدي مرتزقة النظام..

ولقد بذل الأميني جهوداً جبارة في إكماله وجمع مادته.. لكنه لم يستطع طباعته في إيران بسبب الرقابة الأمنية المشددة على دور المطابع. ومن أجل أن يرى كتابه النور، ومن أجل متابعة دراسته العلمية سافر إلى العراق وأقام في النجف الأشرف (وأخذ يحضر الدروس على السيد محمد الفيروز آبادي والسيد أبو تراب الخونساري وميرزا علي الشيرازي وغيرهم)(4).

حيـاتـــــه في النجـــف:

وحين استقرّ به المقام في النجف قدّم كتابه (شهداء الفضيلة) إلى المطبعة سنة (1936م) الموافق لـ(1355هـ) بعد أن قدمه للعلامة الكبير آغا بزرك الطهراني للإطلاع عليه، وأفادته بملاحظاته القيمة.. وعن ذلك يقول آغا بزرك: (كتاب (شهداء الفضيلة) للفاضل العلامة الميرزا عبد الحسين ابن الشيخ أحمد الأميني التبريزي طبع سنة 1355هـ في النجف الأشرف وقد قرظته سنة 1352هـ، وكان يومئذٍ يسميه صرعى الحقائق.. كما صرحت بهذا الاسم له في إجازتي له التي سميتها بمسند الأمين في المشايخ الرجاليين، لاقتصاري فيه بذكر المصنفين في الرجال دون غيرهم من مشايخي. وقد فصلت هذه الإجازة في مشيختي التي سميتها بـ(الإسناد المصفى) المستخرج من مصنفي المقال وكلاهما مطبوعان) (5).

وكتاب (شهداء الفضيلة) أحد الكتب التاريخية الأدبية. وهو مبتكر في موضوعه ويتضمن تراجم شهداء علمائنا الأعلام من القرن الرابع الهجري إلى القرن الرابع عشر وهم مائة وثلاثون شهيداً.

يقول الشيخ الأميني عن كتابه هذا: (بذلت في جمع شتاته الجهد وصرفت في سبيل ترصيفه الأوقات الثمينة من تأريخ الشهداء من علماء المسلمين الذين بذلوا مهجهم في سبيل الحقائق الدينية، أقدمه لطلاب الفضائل ورواد الكمال إحياءً لذكرى أولئك الكرام.. ولما كان العلماء المستشهدون في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة المقدسة قد دونت أخبارهم في المعاجم الكثيرة لأصحابنا وغيرهم.. ابتدأت في كتابنا هذا من شهداء القرن الرابع إلى العصر الحاضر.. وذيلت غير واحد من القرون ببعض مشاهير شهدائنا من الأعيان والسادة الفضلاء من لم يكن له شهرة علمية، ورأيت لذكرهم أهمية.. ) (6).

وبعد النجاح الذي حالف كتابه هذا أصدر الأميني في النجف بعد سنة واحدة أي في سنة (1356هـ) كتاب (كامل الزيارة) لمؤلفه جعفر محمد مولوية المتوفى (367هـ).. تصحيحاً وتعليقاً..

يقول خير الدين الزركلي عن الأميني: (مؤرخ أديب من فقهاء الإمامية مولده ووفاته بإيران.. نشأ وأقام بالنجف وأسس فيها مكتبة (الإمام أمير المؤمنين) العامة.. وصنف كتباً مطبوعة منها (شهداء الفضيلة) و(الغدير) و(أدب الزائر) و(رياض الأنس) في التفسير و(سيرتنا وسنتنا) (7)، له الفضل في تأسيس مكتبة أمير المؤمنين العامة في النجف)(8).

المكتبــــة الـعـــامـــة:

لقد وجد الشيخ الأميني حاجة النجف مدينة الأدب والعلم والثقافة والدين لمكتبة عامة، ليستفيد منها طلبة الحوزة الدينية والدراسات العليا والباحثين والعلماء.. فسعى لإنشاء مكتبة أمير المؤمنين العامة.. صرف عليها من ريع كتبه وبالتعاون مع بعض العلماء الأفاضل، الذين باركوا عمله الإنساني الثقافي، وشجعوه على ذلك وأخذوا بيده.. ومدّوه بالمال والكتب، حتى كوّن بعد وقت قصير مكتبة ضخمة تفخر بها المدينة.. (من مآثر الأميني إنشاؤه المكتبة الكبرى في النجف الأشرف التي سماها مكتبة أمير المؤمنين، جمع فيها ما يقارب من أربعين ألف كتاب بينها مئات المخطوطات.. وجعلها مكتبة عامة وقد صادرها النظام العراقي فيما صادر من دماء الناس وحرياتهم وكراماتهم ومكتباتهم وأموالهم) (9).

ومع انشغاله في إنشاء المكتبة العامة وتجهيزها وإعدادها لاستقبال الزوار.. لم ينقطع الشيخ الأميني عن التحقيق والتأليف والبحث.. فأصدر عام (1362هـ) المصادف لـ(1943م) كتاب (أدب الزائر لمن يمّم الحائر) في النجف الأشرف..

كتـــاب الغــديــــر:

وفي تلك الأثناء اختمرت في رأسه فكرة (المشروع الكبير) ( وهو كتاب الغدير في عدة مجلدات جمع فيها كل ما يتعلق بيوم غدير خم من حديث وشعر، وترجم فيه لشعراء الغدير.. وكتاب (شهداء الفضيلة) وقد نقل الكتابين إلى اللغة الفارسية) (10).

وذكر كوركيس عوّاد: (الغدير في الكتاب والسنة بأحد عشر جزءاً بدأ الأميني في إصداره من سنة (1364-1372هـ) (1945-1953م) ) (11).

يعتبر كتاب (الغدير) سفراً قيماً أنجزه الشيخ الأميني، وكلمة عذبة أطلقها ولفظاً جميلاً عبر به عن الحق الساطع.. تناول فيه وقفة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الخالدة بعد حجة الوداع..

لقد قام الأميني بأكبر جهد علمي في تأليف موسوعته العلمية الفنية والأدبية والتاريخية والحقيقة الخالصة المجردة من الشوائب والأكاذيب والنفاق والدجل.. فهو لم يكتف بإثبات حديث الغدير سنداً ودلالة، كتاباً وسنة وأدباً.. ولم يقصر بحثه على ذكر الصحابة والتابعين الذين رووا هذا الحديث، والعلماء الذين تناقلوه في مجاميعهم الحديثة، وعلى مر القرون والشعراء الذين حامت أشعارهم حول هذا الموضوع، بل ضمنه تراجم لحياة أمة كبيرة من رجالات العلم والدين والأدب (تراجم مفصلة تفصيلاً كاملاً وافياً حتى يمكن اعتبار الترجمة الواحدة كتاباً كاملاً قائماً بذاته عن هذا الشاعر أو ذاك) (12).

ليس هذا فحسب؛ وإنما أودع موسوعته الكبرى تحقيقات علمية نادرة وسبراً في أغوار التاريخ، وكشفاً لزيف كثير من المؤرخين، مما جعل أنظار الباحثين، توجّه إلى هذا السفر العظيم، ونفوس العطاشى تتوق إلى هذا الغدير العذب، تنهل منه وترتوي..

(كثيرون هم الذين كتبوا في (الإمامة) و(المذهب) لكن من حلّق منهم في أعلى المستويات نادرون.. ومن كتب له الخلود ولأفكاره وكتاباته الجدّة والمجد رغم مرور الأيام والأعوام قليلون..

من هؤلاء النادرين السيد عبد الحسين شرف الدين الذي كان بحق إماماً في الإمامة.. ومنهم السيد حامد حسين في (عبقاته) والشيخ الأميني في (غديره) ) (13).

طوال خمسة عشر عاماً من العناء والشقاء والبحث والتنقيب ظل الشيخ الأميني يدوّن كل شاردة وواردة عن الغدير.. عانى الكثير خلال هذه الفترة الطويلة من حياته وفي خضم مهمته دون أن يصيبه الجزع والملل.. ولقد عانى خلالها الويلات والعذاب وذهب في البحث وراء كل مذهب وجاوز في تعمق الدرس والتقصي كل حد معروف عن المؤلفين والباحثين (لقد مضى الشيخ الأميني في البحث على طريق وعر المسالك متشعّب النواحي كثير المسائل، ولم يزده السير في الطريق إلا إصراراً على مواصلة السير.. لم يكن محباً متعصباً ولا ذا هوى متطرف جموح، وإنما كان عالماً، وضع علمه بجانب محبته لعلي وشيعته، وكان باحثاً وضع أمانة العلم ونزاهة البحث فوق اعتبار العاطفة) (14).

إلـــى كــــربــــلاء:

يروي الشيخ الأميني هذه القصة كدليل على ما عاناه وما صادفه أثناء تأليف كتابه الغدير (حينما كنت أكتب (الغدير) احتجت إلى كتاب (الصراط المستقيم) تأليف زين الدين أبي محمد علي بن يونس العاملي البياضي، وكان كتاباً مخطوطاً بأيدي أشخاص معدودين، فسمعت أن نسخة منه موجودة عند أحد الأشخاص في النجف، ذات ليلة وفي أول وقت المغرب رأيته واقفاً مع بعض أصدقائه في صحن الحرم الشريف، دنوت منه وبعد السلام والاحترام ذكرت له حاجتي للكتاب مجرّد مطالعة لأنقل منه في كتابنا (الغدير) ما ذكره المؤلف من فضائل الإمام علي (عليه السلام).

والعجيب أن الرجل فاجأني بالاعتذار! وهو أمر لم أكن أتوقعه!.

قلت: إن لم تعطني إياه إستعارة اسمح لي أن آتيك منزلك كل يوم في ساعة معينة، أجلس في غرفة الضيوف وأطالع في الكتاب.. ولكنه رفض وأبى!.

قلت: أجلس على الأرض في الممر أو خارج المنزل بحضورك إن خفت على الكتاب أو المزاحمة..

إلا أنه قال بصلافة أكثر: غير ممكن، وهيهات أن يقع نظرك على الكتاب.

فتأثرت بشدة ولكن ليس لتصرفه الجاهلي، بل كان تأثري لشدة مظلومية سيدي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث أن مثل هؤلاء الجهلة بؤر التخلف والرذيلة يدّعون التشيّع لمثل علي إمام المتقين!.

تركته ذاهباً إلى الحرم فوقفت أمام الضريح الشريف مجهشاً بالبكاء، حتى كان يهتز جسمي لشدة البكاء الذي انطلق من غير إرادة مني وبينما أحدث الإمام (عليه السلام) مع نفسي بتألم إذ خطر في قلبي: أذهب إلى كربلاء غداً في الصباح..

وعلى الأثر انحسرت دموعي وشعرت بحالة من الفرح والنشاط، عدت إلى البيت وأخبرت زوجتي بنيتي الذهاب إلى كربلاء ورجوتها أن تهيئ لي فطور الصباح مبكراً.

قالت مستغربة: في العادة تذهب ليلة الجمعة لا وسط الأسبوع، ما الأمر؟.

قلت: عندي مهمة.

وهكذا وصلت إلى كربلاء فذهبت إلى حرم الإمام الحسين (عليه السلام)، رأيت هناك أحد العلماء المحترمين، تصافحنا بحرارة ثم قال: ما سبب مجيئك إلى كربلاء وسط الأسبوع.. خيراً إن شاء الله؟.

قلت: جئت لحاجة.

فإذا به يقول برجاء: أريد أن أطلب منك أمراً؟.

قلت: تفضل.

قال: ورثت من المرحوم والدي كمية من الكتب النفيسة. لا أستفيد منها في الوقت الحاضر.. شرّفنا إلى المنزل وخذ ما ينفعك منها إلى أي وقت تشاء..

وعندما قصدته في صباح اليوم الثاني وضع الكتب بين يدي وكان في طليعتها نسخة من كتاب (الصراط المستقيم)! ما إن وقع نظري عليه وأخذته بيدي حتى انهمرت دموعي بغزارة، فسألني عن سبب بكائي.. فحكيت له القصة، فبكى هو الآخر.. هكذا أخذت الكتاب واستفدت منه.. وأرجعته إليه بعد ثلاث سنوات) (15).

جـهــــــوده:

لقد بذل الشيخ الأميني جهوداً جبارة في سبيل تأليف كتابه (الغدير) إذ سافر إلى بلدان عديدة ومدناً كثيرة.. وبلغ عدد المصادر التي اعتمدها وأسند إليها نصوص (الحديث) والوقائع التاريخية ومسائل الشعر والأدب آلاف الكتب خطية ومطبوعة مما جعل كتابه مرجعاً ضخماً وهاماً يسهل للباحث الوصول بكل يسر إلى ما يحتاجه في مجال التأليف والدراسات والأبحاث..

كان الشيخ الأميني يرى ضرورة انتشار العلماء في أرجاء الدنيا، باعتبار ذلك مسألة حضارية لابد منها فبعد عودته من سفره إلى بلاد الهند من أجل كتاب الغدير قال: (لو كنت مرجعاً تأتيني أموال الحقوق الشرعية (الزكاة وغيرها) لكنت أعطيها لعلماء الدين وأقول لهم: تحركوا، هذه تكاليف سفركم، اذهبوا وانتشروا لتعرفوا الإنسان والعالم) (16).

دلّ كتاب الغدير الواسع على صبر المؤلف ودقته في أصول البحث والدراسة والتقصي.. ذلك الصبر والجلد والدأب الذي جعل الموسوعة تتسع حتى تشمل كل ما قيل وما ورد عن حديث الرسول الشريف، لتشمل أخيراً ما يقارب خمسة آلاف صفحة، لتكون عنواناً ورمزاً لأمانة العلم ونزاهة البحث بعيداً بعداً كاملاً عن التعصب والتطرف (أدّب أمير المؤمنين، الشيعة، أدّب الأميني. قال مولانا أمير المؤمنين لحجر بن عدي وعمرو بن الحمق: كرهت لكم أن تكونوا لعّانين شتّامين، تشتمون وتبرؤن ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم: إن سيرتهم كذا وكذا، ومن أعمالهم كذا وكذا، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم: اللهم أحقن دماءهم ودماءنا وأصلح ذات بينهم وبيننا، وأهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لهج به، لكان أحب إلي وخيراً لكم..

فقالا: يا أمير المؤمنين، نقبل عظتك ونتأدب بأدبك) (17).

(وقال الأميني مثل ما قالا، وهو مقال الشيعة جمعاء) (18).

وفــــاتـــــه:

توفي الشيخ الأميني (رحمه الله) في طهران سنة (1392هـ) وحسب وصيته نقل إلى العراق ودفن في النجف الأشرف، المدينة التي أحبها وعشق أهلها..

تاركاً وراءه تراثاً لن ينسى..

آثــــــاره:

(1) رياض الأنس. 

(2) شهداء الفضيلة.

(3) أدب الزائر لمن يمم الحائر.

(4) الغدير في الكتاب والسنة. 

(5) سيرتنا وسنتنا، سيرة نبينا وسنته. النجف (1385هـ) (1965م).

 (6) المقاصد العليا في المطالب السنية.

وغيرها...

خــاتمـــة :

بهذه النبذة اليسيرة من سيرة عَلَم من أعلام الفكر الإسلامي الأصيل، ربما أثيرت لدى المطّلع بعض الحوافز إلى إتقان البحث في صفحات هذا السفر الخالد (الموسوعة الغديرية) والغوص على درره، وتقصي حقائقه، وجني عظيم فوائده، وهو خليقٌ بأكثر من هذا؛ لا سيما أن مؤلفه الشيخ الأميني (رحمه الله) قد استغرق من عمره الشريف نحو خمسة عشر عاماً من العناء والشقاء والبحث المضني، حتى دوّن كل شاردة وواردة عن هذا المنعطف التاريخي العظيم في مسيرة الإسلام الخالد، كما قد سافر لأجل استكمال مصادر موسوعته، إلى عدة مدن وبلدان، متحملاً أشدّ التكاليف، ذاهباً في تعمق البحث وطلب الحق وراء كل مذهب، متجاوزاً في التقصي والاستقصاء كل حد متعارف عند المؤلفين والباحثين، هذا فضلاً عن أن صاحب الموسوعة الغديرية (رحمه الله) هو رمز الأمانة العلمية، والنزاهة وعدم المغالاة في البحث والدرس والتنقيب، مما يقضي بضرورة استفراغ الوسع والجد في طلب كنوز ولآلئ (موسوعة الغدير) ممن قبل نشّاد الحق والحقيقة..

الهـــوامـــش

(1) الذريعة في تصانيف الشيعة: آغا بزرك 4/323.

(2) الذريعة: 4/327.

(3) الذريعة: 4/331.

(4) مستدرك أعيان الشيعة: 1/82.

(5) الذريعة: 14/259.

(6) من مقدمة كتاب (شهداء الفضيلة).

(7) الأعلام للزركلي: 3/278.

(8) معجم الأعلام لبسام عبد الوهاب.

(9) مستدرك أعيان الشيعة: 1/82.

(10) المستدرك: 1/82.

(11)معجم المؤلفين العراقيين: 2/226.

(12) الغدير: 1/ج مقدمة الناشر.

(13) على ضفاف الغدير لعبد الله محمدي 7.

(14) في ظلال الغدير محمد عبد الغني حسن ج.

(15) قصص وخواطر: عبد العظيم البحراني 607-608.

(16) حماسة غدير لمحمد رضا الحكيمي، وقصص وخواطر 346.

(17) كتاب صفين لنصر بن مزاحم 115.

(18) الغدير: 8/396.