محمد آدم


القلق عامل رئيسي في توجيه نظرنا للمستقبل ونحن نعيش عصر التحولات المتسارعة التي لا تكاد تمنحنا الوقت الكافي لتأسيس تصورات ذهنية معمقة للعالم من حولنا تمكننا من التعامل معه بقدر عال من الكفاءة ومن هذا المنظور يبدو الاهتمام بالحرب النقدية المحتملة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي. مسألة مبررة باعتبار أن إقامة الوحدة النقدية الأوربية ليست محض مسألة داخلية أوربية بل إن آثارها المحتملة تمتد لتشمل بلداننا الإسلامية والعربية ومصائرها الاقتصادية

الـــيــــورو والتـــــحدي الأمريكــي

إن ولادة عملة أوربية موحدة (اليورو) مرشحة لتحدي الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رئيسية في العالم يحمل في طياته تنازعاً شديداً للمصالح الأوربية والأمريكية يصعب معه إيجاد صيغة توفيقية ترضي الطرفين. فالدور المزدوج الذي يلعبه الدولار الأمريكي كعملة وطنية أمريكية وعملة احتياطية عالمية وكعملة العملات، مكن الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية أن تستثمر أكثر مما تدخر وتستهلك أكثر مما تدخر وتستهلك أكثر مما تنتج وجعلها لا تعرف مشكلة اسمها المديونية أو توفير العملات الصعبة ومكنها أن تكيف الاقتصاد العالمي وفق متغيرات السياسة الاقتصادية الأمريكية، وقد اعترف الأمريكيون بهذه المزايا التي يتمتعون بها على حساب العالم أجمع، في وقت مبكر ففي أوائل الستينات قال مدير الخزانة الأمريكي الأسبق (دوجلاس): (إننا نتمتع بميزة حقيقية تماماً عندما يسمح لنا بتمويل ما يلحق ميزاننا من عجز بواسطة زيادة كمية الدولارات المقتناة في الخارج فإذا لم يكن الدولار عملة احتياطية وإذا لم نكن مصرف العالم لما أمكن حدوث ذلك، إننا سنتعرض عندئذ لذات الموقف الذي تواجهه البلدان الأخرى) (1).

وبناء على ذلك فإن أي انتقاص من دور الدولار كعملة عالمية يعتبر من وجهة النظر الأمريكية اعتداءاً على المصالح الحيوية

للولايات المتحدة الأمريكية فإذا ما قيض لليورو أن تحقق آفاق التصورات الأوربية فإنها بكل تأكيد ستشكل تحدياً واضحاً لتلك المصالح الأمريكية فالاتحاد الأوربي يبحث عن دور أكبر على الصعيد الدولي وقد عبر عن ذلك وزير التجارة الفرنسي بقوله: (لا يمكن أن يستمر الدور الاقتصادي الأوربي من دون دور سياسي فالاتحاد الأوربي عملاق وليس قزماً سياسياً)(2).

التصميــــم على إنجـــــاز الوحــــدة الاقتصاديـــة

الأوربيون مصممون على إنجاز وحدتهم الاقتصادية والنقدية ولهم مبرراتهم القوية التي لخص المستشار الألماني السابق هيلموت كول أهمها بقوله: (إن عدم قيام وحدة أوربية سيؤدي إلى عودة أوربا إلى عصر القوميات والحروب) (3).

كما إن الرغبة الأوربية في تحدي الدولار قد خرجت للعلن دبلوماسياً على لسان الزعيم الفرنسي في مقابلة مع رجال الأعمال في طوكيو في عام 1998 إذ قال: (نحن بحاجة لعملة يورو قوية بدرجة تسمح لنا أن نقاوم التذبذبات الشاذة في الدولار والتي لا تعكس دائماً الواقع الاقتصادي) (4).

وهكذا يبدو السؤال المطروح هو: هل ستتحدى اليورو الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم؟ إن إدراك الأوربيين لما يحققه الدولار للولايات المتحدة الأمريكية من مزايا على حساب العالم أجمع كان أحد بواعث الصحوة النقدية الأوربية الأولى لما بعد الحرب العالمية الثانية والتي انطلقت من فرنسا وتصدى لوضع أساس نظري لها عدد من الاقتصاديين الفرنسيين مثل شارل ريست وجاك رويف الذين دعوا لجعل الذهب الشكل الرئيسي للاحتياطيات النقدية الدولية وأن يستخدم بشكل مكثف بين البلدان بدلاً من الدولار الأمريكي، كما أن شارل ديغول الزعيم الفرنسي الأسبق الذي تربى على أفكار عظمة فرنسا كان يربط هذه العظمة بالنقود الذهبية وقد تصدى لهذه المسألة أيضاً علانية فقد صرح في شباط عام 1965 قائلاً: (نرى من الضروري أن يقوم التبادل الدولي كما كان قبل المصائب الكبرى التي حلت بالعالم على أساس لا جدال فيه ولا يحمل طابع بلد معين، فعلى أي أساس يصعب تصور نظام آخر غير الذهب، أجل الذهب لا يغير طباعه وليس لديه قومية معينة) (5).

الذهـــــــــــــب والــــــــــدولار

دأبت فرنسا في الستينات على إعادة ما تراكم بحوزتها من الدولارات إلى الولايات المتحدة واستبدالها بالذهب بسعر 35 دولاراً للأونصة، وبسبب المضاربات على الدولار التي ظهرت في تلك الفترة مهددة بانخفاض قيمته فقد حذت دول أخرى حذو فرنسا مما أخذ يهدد المخزون الأمريكي من الذهب بالذوبان وهو أكبر مخزون في العالم ويهدد أيضاً الدولار ويشجع الجميع على التفكير بالتخلص منه، مما دفع الولايات المتحدة الأمريكية للرد على ذلك بثلاثة اتجاهات كان أولها تحطيم الدور النقدي للذهب بدءاً من خلق سوق مزدوجة للذهب عام 1968 ومروراً بقرار الولايات المتحدة المنفرد في عام 1971 بإلغاء قابلية إبدال الدولار بالذهب، وقد نجحت في هذا بأقل من ثماني سنوات وذلك حتى تقضي على إغراء التخلص من الدولار واستبداله بالذهب، أما الاتجاه الثاني فكان إحداث وحدة نقدية دولية هي حقوق السحب الخاصة وذلك عبر صندوق النقد الدولي لتكون أداة نقدية احتياطية إلى جانب الدولار ولكن هذه الأداة لم تكن سوى نوع من المسكن لتهدئة الأزمة فحجم الوحدات المخلوقة منها عبر صندوق النقد الدولي لا يشكل سوى نسبة ضئيلة جداً بالمقارنة مع حجم المبادلات التجارية العالمية مما جعلها لا تشكل أي خطر على الدولار الأمريكي.

وكان الاتجاه الثالث تصفية نظام الصرف بالذهب والدولار الذي جاءت به اتفاقية بريتون وودز خلال اتخاذ قرار أمريكي منفرد من جهة بإلغاء قابلية إبدال الدولار بالذهب في عام 1971 ومن جهة ثانية تخفيض الدولار الأمريكي بشكل مفاجئ مرتين في عام 1971 وعام 1973 مما دفع العملات الرئيسية في العالم نحو التعويم في مطلع السبعينات وتحول العالم إلى مرحلة يمكن أن نطلق عليها مرحلة القياس الدولاري أو نظام الصرف بالدولار كما أن رأس الحربة في مواجهة الدولار وهو الجنرال ديغول كان قد انتهى حكمه في عام 1969 واتى بعده عدد من الزعماء الفرنسيين أكثر استعداداً للمساومة كما أنهم اختاروا مكافحة الدولار عبر إطار أوربي جماعي وهكذا حسمت المعركة النقدية لما بعد الحرب العالمية الثانية لصالح الدولار ولكن أوربا ظلت مصممة على مواصلة الحرب النقدية ولكن بأقل قدر من الضجيج فأنشأت المجموعة الأوربية النظام النقدي الأوربي في آذار 1979 آلية أسعار الصرف الأوربية بهدف تثبيت أسعار الصرف بين العملات الأوربية كتمهيد لتوحيد العملات الأوربية في مواجهة الدولار وبعد حوالي 13 سنة من الهدنة النقدية حتى عام 1992 عادت الولايات المتحدة للمجابهة ولكن هذه المرة عبر وسائل مختلفة وذلك من خلال المضاربة على العملات الأوربية، دون إعلان ذلك ومن خلال وسائل خفية مستغلة ظروفاً مؤاتية على الساحة الأوربية.

فالمفترض أن المضارب على العملة حيادي أي تدفعه دوافع الربح الخاص وليس الدوافع السياسية المتعمدة التي تجعله مضارباً متقبلاً للخسارة لتحقيق أغراض أخرى...

المـضــــــــاربــــة وأسعــــــــار الصـــرف

شهدت أوربا هجوماً مضاربياً حاداً على آلية أسعار الصرف الأوربية في عام 1992 و1993 وقد تركز ذلك الهجوم في أيلول عام 1992 على الفرنك الفرنسي والجنيه الاسترليني واللير الإيطالي وكان كثيفاً لدرجة أن السلطات النقدية لم تعد قادرة على الدفاع عن أسعار صرف الجنيه واللير مما دفع الجنيه واللير للخروج من آلية أسعار الصرف الأوربية ولم يعد لها سوى اللير الإيطالي في تشرين الثاني عام 1996أي بعد أربع سنوات وكذلك تعرض الفرنك الفرنسي لهجوم مضاربي آخر حاد في تموز وآب عام 1993 ترافق مع دعوات أمريكية إلى فرنسا للتخلي عن آلية أسعار الصرف الأوربية بذريعة أن البطالة دليل على عقم سياسات الصرف والسياسات النقدية الأوربية وبحجة أن فرنسا لا تشكو التضخم فقد دعوها أيضاً لتعويم عملتها مقابل العملات الأوربية وجاءت هذه الدعوة على لسان ستة من أبرز الاقتصاديين الأمريكيين ثلاثة منهم حصلوا على جائزة نوبل في الاقتصاد وقد اتهمت فرنسا علانية الأنجلو ساكسون أنهم يضاربون ضدها وضد الوحدة النقدية الأوربية(6).

وصرح رئيس الوزراء الفرنسي بلادور في 30 \7\ 1993 قائلاً: (لن تسمح فرنسا بفرض أي شيء عليها وإنني أفضل الاستقالة على خفض قيمة الفرنك) (7).

وقد تبين للأوربيين بشكل واضح المنافع التي جنوها من النظام النقدي الأوربي والتي من أهمها: تخفيف تقلبات أسعار الصرف ومصداقية مكافحة التضخم لدى فرنسا وإيطاليا والمحافظة على القدرة التنافسية لدى ألمانيا، مما دفعهم للمضي قدماً في توحيد أوربا نقدياً وجعلها أكثر قدرة على مواجهة الدولار الأمريكي ففي حزيران عام 1988 قامت المجموعة الأوربية بإحداث لجنة ديلور (المفوضية) لوضع خطة جديدة لإنشاء الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوربي واقترحت تلك اللجنة عملة أوربية موحدة.

وفي كانون الأول 1991 وقعت المجموعة الأوربية في مدينة ماستر يخت الهولندية معاهدة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوربية وحددت برنامجاً زمنياً لذلك وكذلك وضعت معايير للمشاركة في الوحدة النقدية وكان سقف البرنامج الزمني هو 1999 لولادة وحدة نقد أوربية واحدة تحل محل جميع العملات الأوربية المؤهلة وشملت معايير ماستر يخت للدخول في الوحدة النقدية أن لا يزيد عجز الموازنة العامة عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي وأن لا تزيد نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلي عن 60% وان يكون معدل التضخم منخفضاً وان تكون أسعار الفائدة على الأموال طويلة الأجل منخفضة.

نجـــــــاح معاهــــــدة ماستــــــريـخــــت

وقد أحرز الأوربيون تقدماً خلال الأعوام الماضية منذ توقيع معاهدة ماستر يخت فحسب تصريحات المفوضية الأوربية في عام 1996 فإن معدلات التضخم انخفضت في 10 دول دون المستوى المرجح عام 1996 وتراجعت معدلات الفائدة طويلة الأجل في 11 دولة دون 7% وفي عام 1997 سجلت المفوضية أن 12 دولة عضو في الاتحاد الأوربي شهدت مستوى عجز للموازنة أقل من 3%، وقد أقر زعماء الاتحاد الأوربي في تشرين 1996 ميثاق الاستقرار النقدي بشأن تطبيق معايير ماستريخت. إن كل ما سبق يبين التصميم الأوربي الشديد على تحقيق الوحدة النقدية الأوربية التي تشكل أكبر خطر يواجه الدولار ويهدد بتحجيم دوره العالمي.

فماذا تعني العملة الواحدة (اليورو) بالنسبة للأوربيين؟!

إنها رمز شعبي لحالة فوق وطنية إنها ضرورية لتحقيق الوحدة السياسية وسوف تعجل بلا شك في توحيد أوربا سياسياً فالمؤيدون لها ينظرون إليها كنموذج خاص للاتحاد السياسي، هذا الاتحاد الذي سيترك أثراً عميقاً على الاستقرار العالمي وعلى توازنات القوى الدولية وسيكون له دور مهم في تحديد الملامح الأساسية للقرن الحادي والعشرين وإن العملة الأوربية الواحدة سوف تعطي الأوربيين مزيداً من الإحساس أنهم جزء من بلد واحد مع أنهم يتكلمون لغات مختلفة، الوحدة النقدية الأوربية مسألة عاطفية وليست فقط لتحقيق أغراض سياسية إنما هي في صلب المصالح الاقتصادية الأوربية فالمؤيدون لها يرون أنها ضرورية للدفاع عن التجارة الحرة بالسلع والخدمات في السوق الأوربية الموحدة وأن إزالة تقلب أسعار الصرف ضمن أوربا يزيد حجم التجارة بين أعضاء الاتحاد الأوربي. وأن اليورو تستطيع المساعدة على خلق سوق مالية اكبر عبر خفض تكاليف المعاملات، ويرون أن أتقاء الخسارة الناجمة عن تقلبات أسعار الصرف من خلال أسواق الصرف الآجلة عملية مكلفة ويستحضرون التاريخ للدفاع عن وجهة نظرهم بالقول أن العالم في ظل أسعار صرف ثابتة أمكنه زيادة حجم التجارة العالمية.

التــــــــردد والاسـتجــــابــــة

في طريقنا للإجابة على السؤال المهم وهو هل ستتمكن اليورو فعلاً من تحدي الدولار؟ وهو إطار لاهتمامنا المستقبلي لأن الإجابة عليه تحدد أبعاد تأثير ما يجري على الدول العربية، لا بد أن نجيب على سؤال آخر يشكل مقدمة منطقية لذلك السؤال وهو ما مدى ثبات اليورو في تصاعدها تجاه الدولار؟

تواجه الوحدة النقدية الأوربية مجموعة متنوعة من المشاكل والمسائل المعلقة والتي يتوقف على حلها احتمال تصاعد اليورو واستمرارها ومن المشاكل؛ المعارضة البريطانية، فرغم أن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوربي ليست موضع نقاش إذ إن بريطانيا الآن لا تزال موزعة بين رغبتها في أن تكون جزءاً من أوربا وبين إبقاء تحالفها مع الولايات المتحدة ويغلب على سياساتها إعطاء الأولوية لتحالفها مع الولايات المتحدة فمن هذا المنطلق وقفت على المستوى الرسمي موقف الرافض عملياً لإقامة الوحدة النقدية الأوربية بحجة أن الوحدة النقدية ستقلص دور لندن كمركز مالي عالمي وأن قبولها يعني فقدان القرار السياسي والوطني البريطاني بتحديد مسار الاقتصاد البريطاني، وصعوبة تخليها عن الجنيه البريطاني كرمز اقترن بعظمة بريطانيا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كما أن معايير ماستر يخت للدخول في الوحدة النقدية المتمثلة أساساً بتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة وتخفيض معدلات التضخم لا بد أن تقترن بالنسبة لبعض البلدان في الاتحاد الأوربي بسياسة تقشف صارمة قد تثير توترات اجتماعية يمكن أن تعرقل الوحدة النقدية إذا ما وجدت الفرصة لتعبر عن نفسها كقوة سياسية ضاغطة، وخاصة في البلدان الأفقر داخل الاتحاد الأوربي التي تعاني من مشكلات زيادة الإنفاق العام وارتفاع معدلات التضخم مما يتطلب منها تعديلات عميقة أو جذرية قد تتعارض مع أوضاعها الاجتماعية وتدفع باتجاه عدم الاستقرار السياسي كما أن هناك مخاوف حقيقية لدى الألمان من شبح التضخم الذي لا زال عالقاً بذاكرتهم منذ التضخم الجامح الذي عانت منه ألمانيا في عام 1920 ويدل على هذا دفاعهم عن ضوابط صارمة للدخول في الوحدة النقدية، مما قد يتعارض مع ما هو ممكن تحقيقه بالنسبة لعدد من الأعضاء وفي ذات الوقت فإن لوجود اليورو تكاليف مباشرة لأنها ستسبب تخفيض عائدات البنوك من أعمال الصرف الأجنبي وكذلك من معاملات أسواق النقد والسندات بسبب تخفيض أسعار الفائدة وأيضاً تكاليف تكيف البنوك مع نظام العملة المزدوج في مرحلة التحول حيث ستتعايش اليورو لفترة من الزمن مع العملات الأوربية الموجودة قبل إلغاء هذه العملات نهائياً.

هناك مجموعة من المسائل التي لا زالت إلى الآن معلقة ويمكن أن تكون موضع خلاف، منها مشكلة البطالة في أوربا ومسألة التوترات داخل عدد من دول الاتحاد على سبيل المثال مشكلة الباسك لإسبانيا ومشكلة إيرلندا بالنسبة لبريطانيا والتي تعتبر مرشحة لتكون مصادر عنف وكذلك المافيا التي تعاني منها إيطاليا وعدم استقرار أوضاعها السياسية إذ تبدل عليها ما يزيد على 42 حكومة منذ الحرب العالمية الثانية حتى الآن، وهذه المشاكل يمكن أن تكون لها انعكاسات سلبية على الوحدة النقدية الأوربية ولكن تجربة الاتحاد الأوربي كشفت على الأرجح تلك النزعة التوفيقية لدى دول الاتحاد التي تنزع لإيجاد قواسم مشتركة وتبادل التنازلات للحفاظ على الغاية الجوهرية وهي تحقيق الاتحاد الاقتصادي والنقدي وقد استخدمت هذه النزعة في تذليل عدد كبير من المشكلات وليس هناك مؤشرات جدية على تغيير البنية السياسية الأوربية بما يغير هذا النمط من التعامل في المدى المنظور مما يؤكد أرجحية أن يتم التعامل مع المشكلات المتوقعة من نفس المنظور ومن هنا يمكن اعتبارها قابلة للحل ثم إن هناك عنصراً حاسماً لصالح وجود اليورو وهو توفر قدر كبير من الإرادة السياسية لدى معظم القادة السياسيين الأوربيين لتحقيق الوحدة النقدية والاقتصادية، وقد عبر عن ذلك هيلموت كول المستشار الألماني السابق بقوله في قمة دبلن للاتحاد الأوربي عام 1999: (آمل أن يكون الجميع قد أدركوا الآن أن القافلة تسير للأمام ولا بديل لوحدة أوربا) (8).

إن هناك الكثير من المبررات التي تدفعنا للاقتناع بما قاله جاك سانتير رئيس المفوضية الأوربية: (العملة الأوربية الموحدة في طريقها لأن تصبح واقعاً ملموساً) (9).

إن هذه النتيجة تمثل جواباً استقرائياً للسؤال حول احتمالية وجود اليورو. وهذه النتيجة تدفعنا للبحث عن إجابة للسؤال الأساسي وهو هل ستتمكن اليورو من تحدي الدولار الأمريكي؟.

الـــيــورو ... كتلـــــــة نقديــــــة واعــــدة

لقد كان اسم الوحدة النقدية الأوربية فيما سبق 15/2/1995 هو الإيكو وبدءاً من هذا التاريخ أطلق عليها (اليورو) بدل (الإيكو) وقد جاء هذا باقتراح من المستشار الألماني السابق هيلموت كول نظراً لأن اسم (الإيكو) يذكر الأوربيين بسلسلة عملات ضعيفة الأداء تعرض من خلالها المارك للخفض بمعدل 30% أما يورو فإنها تمثل الحروف الأربعة الأولى من اللفظ اللاتيني (أوربا) ولهذا التغيير دلالة معنوية باتجاهين هما تأكيد الهوية الأوربية للعملة والتأكيد على أنها ستكون عملة قوية موثوقة فالإيكو لم تكن سوى وحدة حسابية تتحدد قيمتها بمتوسط الوزن الترجيحي لقيمة عملات الدول الأعضاء ولكل منها سعر مركزي مقابل الإيكو وهدفها الأساسي هو القيام بدور الوسيط في معاملات التدخل التي تقوم بها البنوك المركزية الأوربية في سوق الصرف للحفاظ على السعر المركزي عدا عن كونها وسيلة لتصفية الحسابات بين البنوك المركزية الأوربية ولم يكن لها كيان ملموس وبذلك كانت محدودة التأثير ولم تشكل تحدياً للدولار الأمريكي بحد ذاته.

أما اليورو فإنه يراد لها أن تكون عملة كاملة بمعنى أن تؤدي وظائف النقد سواء كوحدة حسابية أو كمخزن للقيم أو كوسيلة تداول وهي للآن لازالت تلعب هذا الدور وقد بدأ إعداد الأوروبيين نفسياً لقبولها منذ عام 1996.

وقد بدأ تداول اليورو في عام 1999 على أساس اتفاق قمة دبلن للاتحاد الأوربي على تأسيس آلية جديدة لأسعار الصرف تربط يورو بعملات الاتحاد الأوربي الباقية خارج الوحدة على سبيل المثال اللير الإيطالي الذي سيظل خارجها في المرحلة الأولى، والجنيه البريطاني الذي لن يشترك في الوحدة في المدى المنظور، إن هذا المخطط له أهميته لأنه يمكن أن يكشف بعض التصورات.

احتماليـــــــــة الــــرد الأمريكــــي

عن الرد الأمريكي المحتمل على اليورو، في مراحله الأولى ومن أجل معرفة طبيعة المعركة النقدية القادمة بين اليورو والدولار لابدّ من بعض المقارنة في حين أن الدولار كان موجوداً منذ أكثر من 200 عام فإن اليورو ستكون حديثة العهد، وعلى الرغم من موجات التضخم والانكماش التي مر بها الاقتصاد الأمريكي فقد اكتسب الدولار سمعة طيبة كمخزن للقيمة موثوق نسبياً وكذلك كوحدة مستقرة للحساب. أما اليورو فإنها سوف تبدأ بلا سمعة مسبقة وليس لديها أي ميزة كخزان للقيمة أو كوحدة حسابية ويرعى أمورها بنك مركزي أوربي غير مجرب وإن وجودها سوف يستوجب التخلي عن عملات موثوقة ومستقرة مثل المارك ولكن لها موثوقيتها واستقرارها. في حين أن الدولار عملة احتياطية عالمية اكتسب صفته هذه عبر التجربة الملموسة وليس من خلال قرار رسمي فإن التجربة وحدها ستحكم بالمحصلة ما إذا كانت اليورو ستصبح عملة احتياطية عالمية قوية مثل الدولار، وبمعنى آخر تبدو مقارنة اليورو بالدولار كالمقارنة بين شيخ أكسبته التجربة الطويلة خبرة وصلابة وبين جنين لم تتكون ملامحه بعد بصورة واضحة ولا زال مستقبله غامضاً.

إن هناك عوامل عديدة ساعدت الدولار ليكون عملة احتياطية منها كون اقتصاد الولايات المتحدة اقتصاداً مستقراً، وأنها أكبر منتج في العالم تمنح أكبر نسبة من القروض الدولية وتملك أكبر طاقة مالية في العالم وهناك إمكانية لتوظيف الدولار في الأجل القصير، وسهولة تبادله بالعملات الأخرى، وفي حال النظر للاتحاد الأوربي مجتمعاً ومقارنته بالولايات المتحدة فإنه سيتفوق عليها في بعض الجوانب المذكورة، فمساهمة الولايات المتحدة 17% وكذلك حصة الولايات المتحدة بلغت 27% في عام 1999(10).

مما يعني أن الحجم النسبي الكبير لاقتصاد الاتحاد الأوربي ومساهمته في التجارة الدولية يسمحان لليورو بأن تكون عملة احتياطية دولية منافسة للدولار ولكن تبقى الطاقة المالية للولايات المتحدة أكبر من الطاقة المالية للاتحاد الأوربي مع أن الفجوة بينهما مرشحة للتقلص بعد أن يستكمل التكامل بين أسواق المال الأوربية، وهناك من يرى أن جزءاً مهماً من الجاذبية الدولية للدولار تعود إلى حجم وعمق وسيولة أسواق رأس المال الأمريكية، فسوق الأسهم الأمريكية أكبر مرتين من أسواق الأسهم الأوربية الموحدة(11).

ومن هنا يصعب على وجه اليقين تحديد حجم التحدي الذي تمثله اليورو للدولار الأمريكي ولكن مما لا خلاف عليه أن تدعيم اليورو بسياسة نقدية موثوقة ومعقولة سيجعلها تلعب في آخر الأمر دوراً عالمياً أكبر من دور العملات المكونة لها الموجودة اليوم، وقد عبر عن ذلك وزير المالية البلجيكي الذي قال في منتدى دافوس: (إن العملة الأوربية ستكون عملة ثابتة لكنها لن تحل محل الدولار بين ليلة وضحاها في المبادلات التجارية والكتل النقدية) (12).

احتماليـــة اليورو كـقوة نقد ثابتــــة فـي العالـم

وهناك ترجيحات حول قوة اليورو تنطلق من كون البنك المركزي الأوربي سيحرص على قوتها وسوف يرسم السياسة النقدية بطريقة مستقلة كشكل من إثبات وتعميق مصداقيته ومن المتوقع أن البنوك المركزية ستكون راغبة في امتلاك جزء من احتياطياتها باليورو، وأن الأسواق المالية سوف تنجز قدراً كبيراً من صفاقاتها باليورو نظراً للحجم الكبير للاتحاد الأوربي ودوره العالمي اقتصادياً وسياسياً إن كل التغيرات المذكورة على حساب الدولار حتى وإن كانت بعض التقديرات مبالغاً فيها وقد تكون وجهة نظر مدير معهد الاقتصاد الدولي في واشنطن فريد بيد مقبولة على نطاق واسع والتي يقول فيها: ( إن اليورو كحد أدنى ستصبح العملة الرئيسية الثانية في العالم) (13).

وإننا نميل لترجيح هذا الرأي وفي جميع الأحوال ووفق مختلف التطورات فإن أي دور عالمي لليورو سيكون على حساب الدولار وهو من هذه الزاوية تهديد حقيقي للمصالح الحيوية الأمريكية.

وبناء على ما سبق فإنه من غير المستبعد أن تشن الولايات المتحدة حرباً نقدية لا تقل ضراوة عن معاركها النقدية السابقة ضد أي طرف يشكل تهديداً للدولار وهو هنا الاتحاد الأوربي، ولكن من الصعب التكهن بتوسع تلك الحرب النقدية لتشمل جوانب أخرى نظراً لوجود مصالح مشتركة متبادلة عديدة وكبيرة فهناك استثمارات متبادلة هائلة الحجم كما أن الشركات متعددة الجنسية التي تمثل إحدى السمات الأبرز للاقتصاد المعاصر تجعل التشابكات الاقتصادية أكثر عمقاً وهذه الترابطات تفترض منطقياً أن النمو الاقتصادي الأميركي لا يمكن أن يستديم إلا باستدامة نمو الاقتصاديات الأخرى الرئيسية في العالم. ولذلك فإن الولايات المتحدة سوف تحتاج بالضرورة لأساليب غير اعتيادية في حربها للحفاظ على ما تراه مصالحها الحيوية وخاصة عندما يكون الخصم هو دول متطورة صناعياً وحجمها الاقتصادي لا يستهان به.

ليس بإمكاننا التنبؤ الدقيق بالوسائل التي سوف تتبعها الولايات المتحدة لمواجهة اليورو ولكن يمكننا تحديد الاتجاهات المحتملة لتلك الحرب النقدية كأحد السيناريوهات الممكنة.

الاتـــــجاهـــات المـحتملــــة

أ - رفع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي في بداية إنشاء اليورو كمحاولة لإضعاف قيمة اليورو وإعطائها دفعة من عدم الثقة مما يمكن أن يكون له انعكاس سلبي على مستقبلها.

ب - تغذية موجة من المضاربات على اليورو وبأحجام كبيرة قد يجد البنك المركزي الأوربي نفسه عاجزاً أمامها عن الدفاع عن قيمة اليورو وبالطبع في إطار خفي ودون إعلان ذلك صراحة كسياسة متبناة أمريكياً.

جـ - محاولة اجتذاب بعض الدول الأوربية عبر مغريات اقتصادية وسياسية من أجل تقسيم الاتحاد الأوربي كمقدمة أولى لإضعافه وتشكل الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية والتوترات في بعض البلدان الأوربية مناخاً ملائماً تتركز حوله الجهود الأمريكية، لتعميق التباينات بين دول الاتحاد الأوربي مما يجعل إمكانية اندماجها التام في هذا الاتحاد عملية صعبة.

د - قيام أمريكا بتغيير سياستها نحو مراكز الاقتصاد العالمي عبر إنشاء تحالفات جديدة خاصة مع اليابان والصين وبلدان أمريكا الشمالية مثل كندا كشكل من أشكال احتواء الامتداد والتوسع الأوربي.

الخــــاتمــــــــة

وانطلاقاً مما سبق فإننا نتوقع أن يكون الأسلوب الأميركي في مواجهة الاتحاد الأوربي من الداخل غير تقليدي ويعتمد على تحالفات غير مرئية على السطح مع قوى داخل أوربا وتغذية كل أشكال التوترات داخل أوربا بأساليب أمنية وعبر استغلال الأبواب المفتوحة اقتصادياً بحيث تبدو التوترات مسائل داخلية محضة وإذا بدت واضحة المصلحة الأمريكية فيها فمن الصعب إيجاد دليل واضح على التورط الأمريكي فيها وهذا الأسلوب يبدو أكثر تطوراً وفعالية من الأساليب المباشرة التي تجعل الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للولايات المتحدة الأمريكية معلنة وواضحة تماماً وهذا النمط من التعامل الذي يمكن أن نطلق عليه الفعالية العميقة تحت الأرض مرشح أكثر من غيره من وجهة نظرنا لصياغة ردود الفعل الأمريكية وهذا لا يعني الافتراض أن أوربا ستكون عاجزة عن التعامل مع هذا النمط الجديد المحتمل من السلوك الأمريكي.

الدول الإسلامية والعملات العالمية الدولار واليورو

وجد النقد في سياق تطور الإنتاج البضاعي ونتيجة لتطور التبادل خلال فترة طويلة من الزمن، كما أن تطور أشكال القيمة من الشكل البسيط، هو الذي أدى إلى ظهور النقد، ومع تطور التبادل كان دور النقد ينتقل من بعض البضائع إلى بعضها الآخر وقد قامت فراء الوحوش والمواشي، والجلود والحبوب والملح والسمك والأصداف، وغيرها من السلع بدور النقد عند مختلف الشعوب وفي مختلف الأزمنة.

وأخذت النقود وبخاصة المعادن الثمينة (الذهب والفضة) تلعب دور المعادل العام للقيمة. وأصبحت النقود وسيلة تقانية للمبادلة وأداة للاستثمار، ووسيلة لدفع الأجور، بيد أن النقود في حد ذاتها ليست رأسمالاً وأن جوهر النقود هو من خلال الوظائف التي يقوم بها النقد:

1- مقياس لتحديد القيمة.

 2- وسيط للدفع.

3- وسيلة للاكتناز ومخزن للثروة.

 4- وسيلة للدفع.

5- النقد العالمي.

وقد ارتبط دور النقد بالمعدنين الثمينين الذهب والفضة، وذلك بسبب الخصائص الطبيعية التي يتميز بها كل منهما وأهمها التجانس والتماثل، وقابلية الانقسام والتجزئة، وسهولة الحفظ والمتانة، وثبات قيمتها نسبياً.

لكل دولة عملتها الوطنية الخاصة بها وهي مثل قيمة معينة تختلف عن قيمة النقد المحدد في الدول الأخرى، ونتيجة لتطور التبادل السلعي بين الدول المختلفة، ظهرت الحاجة إلى وجود نقد واحد يعد مقياساً للتبادل بين هذه الدول، وبذلك أصبح دور النقود لا ينحصر في حدود الدولة الواحدة وإنما تجاوز حدود هذه الدولة ليقوم بوظيفته الخامسة كنقد عالمي، ونظراً لاختلاف طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية عن العلاقات الاقتصادية السائدة في المجتمع ضمن الدولة الواحدة فقد عد النقد الذهبي أو ما يماثله من قيمة فعلية مقياس التبادل ووسيلة للدفع لتسهيل المبادلات التجارية الدولية.

إن المدفوعات الدولية تتطلب عمل النقد في شكله الطبيعي، في شكل سبائك المعادن الثمينة إنه هو النقد العالمي فالذهب يعمل في السوق العالمية من حيث هو وسيلة الدفع العمومية وأداة الثراء العمومية كونه تجسيداً مطلقاً للثروة، يمكن تحويلها من بلد إلى آخر، وتختلف عملية تداول النقود، كما أن للدورة النقدية بعض الصفات تختلف بها عن الدورة السلعية، فالسلعة عندما تدخل عملية التداول (بيعاً أو شراء) غالباً ما تخرج من عملية التداول، بينما يبقى النقد في مجال التداول يمارس وظائفه الخاصة به، فعندما يشتري المرء سلعة استهلاكية (حذاء مثلاً) فإن هذه السلعة تخرج من الدورة السلعية لتدخل عملية الاستهلاك بينما تستثمر كمية النقود في الدورة النقدية إذ يستعملها البائع لشراء سلع وبضائع أخرى وهكذا يبقى النقد في مجال التداول وتخرج السلعة من التداول. فإذا استمرت هذه الكمية من النقود في الدوران والتداول وقامت بعدد من الدورات فإن ذلك يؤدي إلى زيادة القيمة الإجمالية للنقد المتبادل نفسه.

أي أن كمية النقود اللازمة للتبادل تساوي مجموع أثمان السلع قيد التداول مقسومة على سرعة دوران النقود.

وكلما ازدادت سرعة تداول النقد انخفضت كمية النقود الضرورية للتداول وكلما انخفضت سرعة تداول النقود ازدادت كمية النقود الضرورية للتداول.

قيــــــاس القيمـــــة:

إن قياس القيمة في وظيفة النقد الأولى والرئيسة يعني إمكان المقارنة بين مختلف السلع كمياً وفي سبيل التعبير عن قيمة أي سلعة أو قياسها لا حاجة لتوافر النقد الجاهز - الذهب مثلاً. فالنقد ينجز وظيفة مقياس القيمة من حيث هو صورة ذهنية. إن قيمة السلعة المعبر عنها بالنقد هي سعر هذه السلعة. ولا يقابل السعر قيمة السلعة إلا في حال تطابق العرض مع الطلب، وإلا فإن السعر ينحرف عن القيمة بصورة أكيدة.

يتم تحديد قيمة البضاعة (السلعة) بكمية محدودة من الذهب أو الفضة (5غرامات من الذهب مثلاً) وهذه الكمية من المادة النقدية يجب قياسها.

إن وزناً معيناً من الذهب أو الفضة كنقد هو الوحدة القياسية النقدية، وتم تحديد الوحدة القياسية النقدية هذه في مختلف أنحاء العالم؛ الدولار في الولايات المتحدة الأمريكية الجنيه الاسترليني في بريطانيا والين الياباني في اليابان وتسهيلاً للقياس، يتم تقسيم الوحدة النقدية القياسية إلى أجزاء متساوية: الدولار = 100سنت، والجنيه = 100بنس. وتكون الوحدة النقدية وأقسامها عبارة عن مقياس للأسعار ومن الواضح أن وجود مقياس مشترك للقيم يسهل عمليات التبادل، كما يسهل عمليات المحاسبة.

وتستطيع التعبير بوحدات نقدية عن قيم الأصول بأنواعها والخصوم على تباينها. وكذلك الدخول والمصروفات على اختلافها وكيف يستطيع الاقتصاد الوطني أو الاقتصاد العالمي أن يؤدي وظائفه دون وجود مقياس مشترك للقيم؟ إن هذا الأمر غير ممكن. إن السلع جميعاً بما فيها الذهب، قابلة للقياس بذاتها، لأنها جميعاً حصيلة العمل الاجتماعي ويبرز الذهب كتجسيد للعمل الاجتماعي. أي أنه يحمل قيمة وهذا ما يمكننا من مقارنة قيم جميع البضائع بمقياس نوعي واحد وبذلك نلاحظ أن قياس قيمة السلع والبضائع والخدمات هي الوظيفة الأولى والرئيسة للنقد. وأن الثروات التي لها قيمة استبدالية واستخدامية هي رصيد للعملة كما تقدم.

ولما تملكه الدول الإسلامية من ثروات وإمكانات هائلة وكبيرة وتحكم بالأسعار وخاصة بالنسبة للنفط إضافة إلى العوامل التي تساعد على قيام وحدة عملة خاصة بها فلو أنها اتخذت قرارها السياسي بقيام السوق الإسلامية المشتركة وتحديد عملة منافسة للعملات الأخرى وفق المعايير والموازين والقياسات الدولية والتي تتمتع بها الدول الإسلامية لوجدنا ذلك عامل موازنة واستقرار لقيمة العملات سيما وأن أحكام الشريعة الإسلامية تقوم على العدل والإنصاف وعدم الاستغلال وبذلك أيضاً قوة للدين الإسلامي وهو دين المحبة والتسامح والأخاء إننا نتطلع إلى قيام سوق مشتركة إسلامية وأن تكون للدول الإسلامية العملة العالمية للتداول في العالم.

(إن إقامة الحكومة الإسلامية الواحدة هو الحلم الذي كان يرفرف على أذهان جماهير الأمة الإسلامية على مرّ التاريخ، وهو الهدف السامي العظيم) (14).

نعم إنه الهدف المشروع لصالح جميع الإنسانية..

المصـــــادر  :

(1) (التاريخ النقدي للتخلف) د. رمزي زكي.

(2) الحياة (صحيفة يومية) العدد 12315 في 13/11/1996.

(3) الأهرام (صحيفة يومية) العدد 2 آذار 1997.

(4) تشرين (صحيفة يومية) العدد 6672 في 20/11/1996.

(5) (الشيطان الأصفر الذهب والرأسمالية) انيكين.

(6) الشرق الأوسط (صحيفة يومية) العدد 5367 في 8/8/1993.

(7) القبس (صحيفة يومية) العدد 7228 في 1/8/1993.

(8) الشرق الأوسط (صحيفة يومية) 6593 في 16/12/1999.

(9) نفس المصدر السابق.

(10) نفس المصدر السابق.

(11) الحوادث (مجلة أسبوعية) العدد 102 في 84/2/1993.

(12) نفس المصدر السابق.

(13) الشرق الأوسط (صحيفة يومية) العدد 6593 في 16/12/1999.

(14) سماحة آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) كتاب (السبيل إلى إنهاض المسلمين ص11).