عــلم هنــدسـة الحــامض النــووي DNA

الجينوم البشري Human Genome Project

محمد محسن العيد


جاءني ولدي الصغير يحمل أحد أسنانه اللبنية بيده، وهو يقول بانفعال بريء:

- أبي لقد سقط سني هذا، فهل سيخرج غيره ليسد مكانه؟.

فقلت له وأنا أحاول تطييب خاطره:

- نعم بالتأكيد سيخرج آخر بدلاً عنه، فلا تأس يا بني.

فردّ الصغير وكأنه صار اكثر هدوءاً:

- أكيد يا أبي؟.. متى؟

فقلت له مطمئناً:

- أكيد يا ولدي إنشاء الله تعالى وعن قريب جداً.

الحقيقة أن قولي (أكيد)، استدرجني للتفكير بكل معاني الحياة الأخرى الأكيدة، فما هي إلا أوامر موقوتة ومرتبة في معاني الحياة وخصائصها لكل نوع من أنواع الكائنات الحية.

فالإنسان مثلاً: تحمله أمه تسعة أشهر في قرار مكين، وحين ولادته تلفظه.. عندها يتقلص الرحم الذي وسعه طيلة مدة الحمل تقلصات قوية جداً ليخرج على إثرها من الضيق.. ثم حين خروجه يلتقط الثدي ويرتضعه وكأنه معلَّم لتلك الممارسة.. ثم بعد ستة أشهر يأخذ بالجلوس، ثم بعدها بقليل يحبو ثم ينتصب قائماً استعداداً للمشي لكي يمشي بعدها.. وبعد ست سنوات تبدأ أسنانه اللبنية بالتساقط لتحلّ محلها أسنان دائمة.. وبعد الخامسة عشرة من عمره ينبت له شعر في مناطق معينة وحسب جنسه وتحصل له تغيرات استعداداً لبيان الجنس وفعله..

وهكذا كل معاني الحياة.. فما هي إلا أوامر موقوتة نافذة وأكيدة.. مثلها

كثير جداً من معاني الحياة وخصائصها في الإنسان وفي الكائنات الأخرى من حيوان ونبات.

إذن فالحياة في معناها الكلي هي أوامر تلقائية وموقوتة موجهة فهي حتماً مخبوءة في شفرة يحتفظ بها كل كائن في كيانه وتصميم بنائه المادي الكيميائي والفيزيائي.. وهذه الشفرة خاصة بكل كائن، تحدد له صفاته وأفعاله منذ أن يكون إلى أن يموت، بل وتجعله لا يشابه حتى أقرب المقربين إليه.

إن مهمتي في هذا البحث تتركز على ما هو ممكن من هذه الأوامر الموقوتة التي تعطي معنى الحياة وشكلها في كل كائن. أين موقع هذا الممكن من أجزاء الكائن الحي؟.. وما هي آفاق العلم في هذا المجال؟.. وما فائدة دراسة شفرة الحياة، والخريطة التي تضم بداخلها تلك الشفرة؟.

شفرة الحياة أو معاني الحياة والخلية

إن أصغر وحدة بنائية في قيام الكائن الحي، وبروز معنى الحياة، هي الخلية.. والخلية تتكون في أبسط أحوالها من أجزاء بالغة التعقيد لا يوازيها شيء مما صنع عقل الإنسان من (كومبيوترات) معقدة وبرامج هائلة، بل وما تحويه كل مصانع العالم ومختبراته.

وعليه صار علم الخلية تخصصاً قائماً بذاته، فهو متشعّب ودقيق جداً، وصارت الجامعات ومراكز البحوث المتخصصة تقيم المؤتمرات لمناقشة التعقيد في كل أجزاء الخلية ووظائف كل جزء منها.

إن ما يهمنا هنا من الخلية الحية، هو سر حياتها ومعناه، من أين يأتيان؟ وأين هو مكمنهما؟.

أما لماذا اخترنا الخلية؟. فذلك لاعتبارها وحدة بناء الحياة الصغرى والبسيطة، فالذي يهمنا هو الابتعاد عن التعقيد لتكون لنا القدرة على البيان وتبسيط هذا العلم المعقد الضخم.

ولكي نعطي فكرة عن علم الخلية علينا أن نتصور أن الخلية الواحدة في نشاطها الحيوي تساوي التعقيد في حوالي (800) مصنع معقد مما يركبه الإنسان لمصالحه وإنتاج حاجاته.

الخلية الحية؛ وبدرجة كبيرة من التبسيط والإيجاز، هي عبارة عن نواة يحيط بها سائل يسمونه »سيتوبلازم« تسبح به عدة تراكيب ويحيط به جدار يسمونه جدار الخلية.

إن شفرة الحياة تكمن في النواة؛ فهي المركز والعقل المبرمج والمسيطر على جميع فعاليات الخلية.

تقع النواة في مركز الخلية وتحتوي على عدد معين من »الكروموسومات« خاص بكل كائن.. فالإنسان مثلاً تحتوي نوى خلاياه على (23) زوجاً من الكروموسومات - ما عدا كريات دمه الحمراء - ولا يوجد كائن آخر على وجه الأرض يشاركه هذا العدد من الكروموسومات. لاحظ الشكل رقم (1) السابق.

ولكن ما هو الكروموسوم هذا؟!

الكروموسوم يتكوّن من ظفيرة طويلة من الحامض النووي الذي يسمونه (دي أوكسي ريبو نيوكلك أسيد De oxyribo neuclic acid) ويشيع بأوائل حروفه المكوّنة لاسمه اختصاراً بـ(DNA). ويلاحظ ذلك واضحاً بعد تكبيره في صورة، الشكل رقم(1).

صفات الـ(DNA) مكمن شفرة الحياة

اكتشفت ظفيرة الـ(DNA) المزدوجة من قبل (واطسون وكريك)، وبالتعاون مع (فرانكلين وويلكنز) في العام 1953م. وهو جزيء هائل الوزن الجزيئي الغرامي، يتكون من عدد كبير من الجينات يحدده نوع الكائن الحي.. والجين الواحد يتكون من أربع من القواعد النتروجينية مرتبة بشكل متسلسل ومتقابل ومنسجم، وكل ثلاث منها يمكن أن يعطي حامضاً أمينياً واحداً.. كما أن عدداً معيناً من الأحماض الأمينية يمكن أن يكوّن بروتيناً معيناً.. وهذا البروتين المعين له وظيفة محددة في معاني الحياة، ويبدو ذلك من خلال عدد الأحماض المكوّنة له ومن حيث طريقة تسلسلها في بنائه.

إن خلايا جسم الإنسان تبلغ حوالي 100 تريليون خلية، وفي كل خلية توجد نواة واحدة.. وفي كل نواة يوجد (64 كروموسوم) مرتبة على شكل أزواج (23) زوجاً، وفي كل كروموسوم واحد توجد ظفيرة (حلزون) الـ(DNA) وفي كل جزء من هذه الظفيرة توجد عدة جينات.. والجين الواحد مؤلف من أربع من القواعد النتروجينية مرتبة بشكل متسلسل ومتقابل ومنسجم (أي أن هناك 3 بلايين قاعدة نتروجينية في الخلية الواحدة) كل ثلاث منها تكوّن حامضاً أمينياً .. والأحماض الأمينية هي التي يتكون منها البروتين الذي تتحدد به وعنه الوظائف الحياتية.

الشكل رقم (2)

صبغي chromosmoe وحلزون الـDNA لاحظ ارتزام جزيء الـDNA في الصبغي، ووجود ثلاث روابط هيدروجينية بين الغوانين والسيتوزين، ورابطين بين الأدنين والثمينين، يبلغ طول البنية المتكررة (اللفة) على طول الحلزون (34 أنغستروماً) وتتألف من عشر قواعد، فتبلغ المسافة بين قاعدتين متتاليتين (3.4 أنغسترومات) - أو 0.34 نانومتر -، يبلغ عمق الميزابة الكبرى (10 أنغسترومات)، لاحظ المحور الوهمي للحلزون المزدوج ، وتضاد التوازي بين شريطتي الحلزون، إذ تقرأ إحدى الشريطتين من اليسار إلى اليمين، أي نزلا (مع التيار، أي من 5 إلى 3)، في حين تقرأ الشريطة الثانية من اليمين إلى اليسار، أي صعدا (عكس التيار، أي من 3 إلى 5 فيما يتعلق بأرقام جزيئات كربون الريبوز المنزوع الأوكسجين)، ترمز S إلى السكر وP إلى الفوسفات وA.G.T.C إلى القواعد الأربع.

يصل طول التعليمات التي تحتويها ظفيرة الـDNA إلى حوالي مترين.. وكل جزيئة من هذا الحامض النووي الريبوزي تحتوي على عدد كبير من الجينات.

ولكي نتصور مقدار المعلومات المخبوءة في جزيئات الـDNA الموجودة في جسم إنسان واحد ومن خلال هذه الأرقام.. فإن جزيئات الـDNA الموجودة في خلايا جسم الإنسان كلها لو ربطت تعليماتها مع بعضها البعض لوصلت إلى سطح القمر ورجعت منه ثمانية آلاف مرة.

وإن غراماً واحداً من الـDNA يختزن معلومات بقدر ما يختزنه ألف مليار (10 12) قرص كومبيوتري(1).

ويستطيع محلول الـDNA أن ينجز 2 ×10 19 عملية ربط بالجول الواحد في درجة حرارة الغرفة علماً بأن أفضل الحواسيب العملاقة الحالية ينجز 10 9 عملية فقط بالجول الواحد وإن الحد الأقصى الذي لا يمكن تجاوزه ترموديناميكياً هو 34 × 10 19 عملية في الجول الواحد.

الجيـــــــــــن (المــــــــورّث)

الجين (gen) كلمة لاتينية معناها (المولّد) أو الأصل.. ثم اصطلح عليها في علم الوراثة بأنها المورّث، إذ هي الأصل في كل صفة حية متوارثة.. وحقيقة الجين هنا هي مجموعة المركبات التي تتكون من ثلاث قواعد نتروجينية من أصل أربع لكل أنواع الجين، وهي:

1) الأدنين Adenin: ويرمز له بالحرف A وصيغته الكيمياوية هي: C5N5H5

2) الثايمين Thymine: ويرمز له بالحرف T وصيغته الكيمياوية هي: C4O2H5

3) السيتوسين Cytocine: ويرمز له بالحرف C وصيغته الكيمياوية هي: C4H7N3O

4) الغوانين Guanin: ويرمز له بالحرف G وصيغته الكيمياوية هي: C4H5N6O

هذه هي القواعد الأربع التي تكتب بها لغة الحياة بشكل شفرة، وتكون هذه الشفرة من كلمات تتكون كل واحدة منها من ثلاث قواعد من هذه القواعد التي أشرنا إليها، وتسمى اصطلاحاً لغة الجينات.

والجين هو أصل المورّثات ومصدرها، تضم خارطة الجين من الـDNA البشري ثلاثة مليارات قاعدة نتروجينية، يشار إليها بـ(ثلاثة مليارات حرف) هي: A.C.T.G

وهي تتركب ضمن (800) ألف جين عُرف منها حتى 25/ حزيران/ 2000م حوالي (7700) مرض وراثي، وكل جين يُعرف بالحروف الخاصة به.

إن كل كائن حي إنما يتميز عن غيره من الأحياء بما تتميز به شفرته الجينية التي يتضمنها الـ(DNA) في نواة خلاياه. فهناك تصميم لجينات كل كائن في خريطة الـ(DNA) الخاصة بذلك الكائن لا يشابهه بها أحد مطلقاً، إلا أن هناك ميزات في البناء المادي الكيماوي لكل جين تتكرر دوماً، فالجين هو مجموعة أحماض أمينية تترتب وتتكامل مع بعضها، فمثلاً نجد T دائماً يقابل A كما نجد دوماً أن G تقابل C. وبناءً على هذا التكامل والترتيب والتسلسل يتم في النواة نسخ ما يطلق عليه اسم الشفرة الوراثية بواسطة المرسل mRNA.

اشتقاق البروتين (protein synthesis)

gene (small segment)

الشكل رقم (3)

يوضح الشكل مقطعاً في بنية الـDNA وكيفية نسخ شفرة RNA المطابقة للقواعد النتيروجينية في الـDNA كما يوضح عملية تشكّل الأحماض الأمينية من كل ثلاث قواعد من الشفرة، ويبين أن تسلسل عدد من الأحماض الأمينية هو الذي يصنع البروتين المعين.

أخذ الشكل من كتاب(The RNA World) لمؤلفيه: Gestland T.R Cech and J.F.atkins والمطبوع في نيويورك سنة 1999م.

RNA المراسل الذي ينقل صورة الشفرة

للـ(DNA) عامل ينفّذ أوامره في الخلية حامض نووي آخر أقدم منه تكويناً هو الـRadio Neuclic Acid، تؤخذ منه الحروف الأولى من الكلمات التي تعينه ليكتب اختصاراً (RNA).

والشفرة التي يحملها هذا الجزيء RNA هي عبارة عن مجموعة معلومات تنسخ Transcription عن الـDNA بشكل مطابق وترسل إلى داخل الخلية عبر جدار النواة، وبموجب هذه الشفرة تقوم الخلية بتركيب الحوامض الأمينية وتسلسلها طبقاً لتسلسل القواعد الموجودة على ظفيرة الـDNA في النواة. ومن ثم يتم بناء البروتين المنجز لوظيفة معينة تنم عنها الشفرة. لاحظ آلية هذا في الشكل السابق رقم (3).

إن كل ثلاث من القواعد النتروجينية آنفة الذكر تحدد حامضاً أمينياً واحداً.. أي أن الظفيرة في جزيء الـDNA وشفرة المعلومات المنتسخة منها تقرأ على شكل مجموعة من ثلاث قواعد.

مثلاً TGT هي شفرة الحامض الأميني Thrinine، وكذا يكون GTG هي شفرة الحامض الأميني Histidine .. وقد تتجمع مجموعة من أمثال هذه الشفرات لتكون بروتيناً معيناً تتحقق به وظيفة خاصة تنم عن مجموعة صفات.

وعليه تكون احتمالات تشكيل حامض أميني من القواعد النتروجينية الأربع ثلاثاً فثلاثاً في وقت واحد هي:

4 × 4 × 4 = 64 قراءة محتملة للأحماض الأمينية.. وهذا العدد أكثر مما يوجد في الأحماض الأمينية المهمة المكونة للبروتين وهي (21) حامضاً أمينياً فقط.

ويمكن توضيح هذه العملية المعقدة بالشكل التالي:

إن الشفرة التي تختبئ بها معاني الحياة وتوقيتاتها داخل الـDNA ومراسله الحامل لها الـٌRNA، إنما تكتب بلغة تتكون من أربعة حروف، والتي هي القواعد النتروجينية التي أشرنا إليها بالاسم والصيغة الكيمياوية والحرف. وهذه اللغة هي لغة الجينات، فالأحرف اللغوية تصطف مع بعضها لتكوّن الكلمات. ومجموعة الكلمات تكوّن الجمل، ومجموعة الجمل تؤلف فقرة، ومجموعة الفقرات ربما تكون بحثاً. ومجموعة البحوث تكون كتاباً، ومجموعة الكتب تؤلف مكتبة.

هكذا بالضبط تتشكل شفرة الحياة في البناء المادي الجيني للـDNA، ثم يأتي مراسله الـRNA لينقل منها التعليمات إلى الأجزاء المختصة بميزات الحياة وضمن وقتها المحدد بدقة وصرامة متناهية، إلا ما شاء الله تعالى المصمم لهذا الـDNA نوعاً وجنساً.

ولغة الجينات ثلاثية الأحرف في كلماتها.. فإذا نظرنا إلى خارطة الجين لنقرأها نجدها تتألف من أربع قواعد نتروجينية، كل ثلاث تتركب لتكون حامضاً أمينياً، ومجموعة الحوامض الأمينية حسب عددها ونوعها وتسلسلها تؤلف بروتيناً معيناً، ومجموعة البروتينات حسب نوعها وعددها وتسلسلها أيضاً تشكل نسيجاً.. وكذا فإن مجموعة أنسجة تكون عضواً، ومثله فإن مجموعة أعضاء تشكل جهازاً من أجهزة الحياة كالجهاز التنفسي أو الجهاز الهضمي.. ومجموعة الأجهزة تكوّن الجسد الحي للنبات أو الحيوان أو الإنسان.

وعليه فإن لغة الحياة واحدة، وأحرفها أربعة ثابتة، وكل معاني الحياة، تأتي من شفرة مخبوءة في تصميم الـDNA في النواة في خلايا المخلوق الحي إنساناً كان أو حيواناً أو نباتاً، والفرق هو في الترتيب والعدد والتسلسل. فسبحان الله الملك الخلاق الذي أحصى كل شيء في إمام مبين.

التغيرات المحتملة في تركيب الجين

قد يحصل تغير في بعد الشفرة الحياتية لكائن ما؛ سواء بمؤثر خارجي أو داخلي أو لأي سبب آخر.. والتغير الذي نقصده هو حصول إما إضافة أو حذف أو إعادة تركيب قاعدة نتروجينية واحدة أو مجموعة قواعد في جزيئة الـDNA.

إن أي تغير ولو بسيط يطرأ على الشفرة الوراثية يؤدي إلى تغير الحامض الأميني، وبالتالي تغير البروتين المصنّع منه، حيث هناك مجموعة أحرف لغوية في شفرة الحياة إذا فصلت طبقاً للغة الشفرة الحياتية - ثلاثاً ثلاثاً - فإنها قد تكون كلمات ذات معنى مثلاً، ومجموعة هذه الكلمات قد تكون جملة مفيدة كما في المثال التالي:

هذه الشفرة تؤلف جملة مفيدة ترجمتها بالعربية هي: (القطة جلست وأكلت الفأرة ثم هربت).

ولو افترضنا أن حرفاً واحداً زائداً أدخل على أحرف هذه الشفرات في لغة هذا الجين لسبب من الأسباب، فماذا يحدث؟

الجواب: بعدان تُعزل هذه الحروف ثلاثة فثلاثة.. كشفرة وراثية، فإننا نجد أن الكلمات المكتوبة من هذه الحروف لا يكون لها معنى، فهي لا تؤدي وظيفتها المطلوبة منها، فنحن نرى أن الجملة المكونة من هذه الكلمات لا يكون لها معنى أيضاً.

وهذا ما يحدث بالضبط على مستوى الجينات، حيث لو دخلت قاعدة نيتروجينية واحدة نتيجة لسبب ما في تركيب الحامض الأميني ثم في تركيب البروتين الموجه لعمل حيوي ما، فإنه يؤدي إلى خلل في العمليات الحيوية للخلية، فقد يؤدي إلى بروز صفة حياتية جديدة وقد يؤدي إلى الموت.

مثال: لو دخل الحرف A الذي يمثل قاعدة الأدنين (Adinine) في المثال السابق على لغة الجين في المثال السابق هكذا:

من كل ما سبق يظهر أن في الإنسان ثلاثة مليارات قاعدة نيتروجينية في الخلية الواحدة من جسده.. أي أن لغة الإنسان الجينية تتكون من ثلاثة مليارات حرف، مكتوبة بكلمات ثلاثية الأحرف.. ولو أن حرفاً واحداً قد تغير في هذه المليارات، لأدّى ذلك إلى أحد الأمراض الوراثية. كما 

يحصل في مرض الدم الوراثي (فقر الدم المنجلي).

علم هندسة الجينات Genetic Engneering

بعد أن اكتشفت جزيئة الـDNA بظفيرته المزدوجة التي تبدو بشكل حلزون سنة 1953م، وبعد أن اتضح أنها جزيئة ثابتة كيميائياً خلاف البروتينات، ويمكن استخلاصه مخبرياً، أدّى ذلك إلى نشوء علم الهندسة الوراثية والتي هي هندسة الجينات (المورّثات).

وهذا العلم يعتمد على تقنية إعادة صياغة الـDNA، التي يسمّونها بالإنجليزية (Recombinant).. وفي هذه التقنية يتم:

خلط قطعة (Segment) من الـDNA. أو جزء منه (Fragment) أو غرزة (Insert)، أو تسلسل (Sequence) منه مع قطعة أخرى منه أو من DNA آخر.

ويرجع تاريخ الهندسة الوراثية إلى مطلع السبعينات. وذلك عندما اكتشف كل من »بول برغ« و»هربرت بوير« و»ستانلي كوهين« تقنية إعادة صياغة الـDNA، حيث أمكن بهذه التقنية نقل جين من كائن حي بعيد جداً من صنفه إلى كائن حي آخر، وتجاوز الحواجز الطبيعية بين الأنواع (Species)، والأجناس (Genus)، والفصائل (Families)، والرتب (Order)، والصفوف (Classes)، بل وتجاوزت هذه التقنية إلى النقل بين الشعب (Phyal)، كما أمكن تكثير الجين المعادة صياغته (Cloning) وتنسيله عدداً كبيراً من المرات بغرزه في البكتريا.

وبواسطة علم الهندسة الوراثية أمكن قطع تسلسل الـDNA بأحد الأنزيمات وغرزه في جزيء آخر من الـDNA أزيل منه تسلسل مقابل الأنزيم نفسه، وبهذا حصلوا على مواد دوائية نادرة وكانت باهظة الثمن من أمثال:

(الأنترفيرون، الأنسولين البشري، هرمون النمو، العامل المضاد للتربسين إلفا، والعامل ـ 1x المضاد لتخثر الدم)، وبكميات كبيرة جداً تفوق حدود التصوّر إذ تزيد ملايين ملايين المرات على تراكيزها في الطبيعة.

كما إن تقنيات الهندسة الوراثية كانت وراء تسريع العمل في مشروع الجينوم البشري (HGP)، أي: (Human Genume project).

الجينوم Genome

الجينوم: هو علم يعمل على وضع الخرائط الأربع للإنسان في معاني حياته في الـDNA، وهي الجينية (الوراثية) والفيزيائية، والكيميائية الحيوية، والفيزيولوجية.

الجينوم؛ وكما عرضنا فيما تقدم من البحث، يتمثل بعدد الصبغيات (الكروموسومات) التي توجد في نواة كل خلية من خلايا جسمنا، وتتألف الكروموسومات من DNA وبروتينات الهستونات ذات الأنواع الخمسة، وتؤلف جينات نمطنا الجيني جزءاً لا يزيد عن 25 في المائة من كامل الـDNA للخلية.

 

شكل رقم (4)

مأخوذ عن Biochemistry By: Stryer, L, W.H.Freedman and company, New York (1995)

وإذا أخذنا الإنسان البالغ كمثال، فإن جسمه يتألف من ستين ألف مليار خلية

(أي 60 × 10 12) تتوزع في قرابة (800) نسيج، وتحتوي كل خلية 44 كروموسوماً جسمياً حيوياً وكروموسومين جنسيين هما الكروموسوم (XX) في الأنثى وكروموسوم (XY) في الذكر. نرث نصفها من الأم (أي 22 كروموسوماً جسمياً حيوياً وكروموسوماً جنسياً واحداً هو الصبغي (X) دائماً ، ونرث من الأب 22 كروموسوماً جسمياً حيوياً وكروموسوماً جنسياً واحداً هو (X) في الابنة والكروموسوم (Y) في حالة الابن).

وتشتمل الصبغيات (الكروموسومات) التي نرثها من أحد الأبوين على 3.5 ×10 9 نكليوتيد. فإذا كان طول النكليوتيد الواحد يساوي 3.4 انغستروماً وكان وزن الكروموسومات المورثة من أحد الأبوين يساوي 10-12غ. إذن فإن جسم الإنسان البالغ الذي يتألف من (60 ×10 12) خلية يحتوي على 6 × 2 × 10-12 × 60 × 10 12= 720 غرام.

ويبلغ طول أشرطة ظفائر الـ DNA في نواة كل خلية من خلايا جسمنا 2.4م تقريباً = (3.4 × 10-1 × 3.5 × 10 9 × 2).

وهكذا فإن طول أشرطة كامل DNA لجسمنا = 144 مليار كيلو متر، أي يساوي 2.4 × 10-3 × 60 × 10 12 = 144 × 10 9-متر.

إن هذا الطول يزيد على قطر المجموعة الشمسية بـ(12) ضعفاً.

هذه الأرقام تعطينا صوراً عن ماهية الـDNA الذي نريد أن نعرف خريطته في عالم الجينوم؛ مع هذا علينا أن نعرف أن نمطنا الظاهري، ونقصد به (أنواع أنسجة جسمنا التي يزيد عددها على 800، وأشكال أعضائنا وقسمات وجهنا، وطول جسمنا، ولون الشعر..) كلها مرمّزة في كمية الـDNA للخلايا التي يتألف منها جسمنا فيما بين 9 – 27% من كامل الجينوم (الذي يتكون من 24 كروموسوماً 22 حيوي و2 جنسي هما X وY) . وإن عدد نكليوتيدات الجينوم هي 3.5 مليار نكليوتيد؛ وإذن بمقارنة هذه المعلومات مع علمنا أن كل خلية في جسمنا تحوي كامل الجينوم، ومن ثم كامل الجينات التي يمكن أن تعبر عن نفسها: (ويبلغ عددها قرابة 10 5 جين وتشكل نمطنا الجيني).. في هذه المعلومات كلها علينا أن نتصور إذن كيف يتم اشتقاق (800) نسيج يتألف منها جسمنا.

إنه لغز حيّر العلماء عشرات السنين؛ ولكن ما ذكرناه عن الـRNA المراسل في آليته (التنسخ) (Transcription) حل اللغز وقد تكون لنا فرصة أخرى للحديث عن هذا، بالتفصيل.

هندسة النسيج Tissues Engneerring

يبرز عن الهندسة الجينية؛ علم اللقاحات الجينية، وعلم المعالجة الجينية((2)

وإن أخطر ما يمكن أن تتمخّض عنه تقنية الهندسة الوراثية هو تكوين كائنات محوّرة جنينياً Genetically Modifid Organisms. ذلك لأن هذا الفعل غير موجه وغير محسوب، فقد يأتي بكائن لا يبقي ولا يذر لأنه أصلاً جاء معاكساً لطبيعة الحياة بفعل غير موجّه.

إن هندسة النسيج؛ هي علم حديث بدأ لتوّه ويعوّل عليه كثيراً في إمكان زرع أعضاء جديدة مكان أعضاء تالفة أو معتلّة (مثل المثانة والأوعية الدموية، وربما القلب والكبد والبنكرياس وأعضاء أخرى).

وتعتمد هذه التقنية على زرع خلايا جنينية غير متمايزة تعرف بالخلايا الجذعية الجنينية Embroynic Stem Cell. حيث تزرع هذه الخلايا الجذعية على قالب شبكي البنية له شكل العضو المعني، وتتألف (أسلاك) هذا القالب من مادة قابلة للتفكك بأيدولوجياً Biodegradable. فتوضع الخلايا الجذعية الجنينية على سطوح القالب الخارجية والداخلية في عيون الشبكة وتبني العضو المعني.

أما الخلايا الجذعية الجنينية، فتؤخذ حيث يكون الجنين في أسبوعه الثاني، وقبل أن تبدأ الخلايا في التباين، فهي لم تزل لم يكتب عليها أي اتجاه، ويمكن توجيهها في أي مسار تمايزي منشود فتدخلها على تركيب وسط الزرع، وذلك لأن ظفيرة الـDNA في هذه الخلايا الساذجة لم تمتلك نمطاً محدداً.

وعلى الرغم من الفوائد التي تأتي بها هندسة النسيج حيث يمكن صناعة الأعضاء المعتلّة، إلا أن ذلك قد يكون على حساب الاتجار بالأجنة مستقبلاً.

الاستنساخ Cloning

كما سمعنا وشاهدنا فإن الإعلان عن ولادة النعجة (دولي) كان دليلاً على أنه يمكن للفكر البشري غير الملتزم بدين الله أن يتحوّل إلى أداة تتلاعب بها وسائل الإعلام المغرض.

 

فمن تلك الوسائل من نادت باستنساخ آينشتين، وغيره ممن بلغ حد الخلود في حين يقف العلماء حيارى في ألغاز الـDNA، بل وسمّى أحدهم (دولي) بأنها سيئة الطالع لأنها تسببت في موت آلاف الأجنة التي لم يكتب لتجاربها النجاح.. فلقد كان المبدأ النظري والتجريبي للاستنساخ موجوداً من مطلع هذا القرن.

ولنطلع الآن على ما تم من الناحية التجريبية في عملية استنساخ النعجة (دولي).. فلقد اتبعت الخطوات التالية:

1) الحصول على خلية بيضة غير ناضجة من مبيض إحدى النعاج.

2) إخراج نواة هذه البيضة غير الناضجة بواسطة المص.

3) أخذ خلية هاجعة من ضرع نعجة حامل، ووضعها مكان نواة الخلية للبيضة غير الناضجة. وكانت هذه الخلية قد زرعت لفترة من الزمن وجوّعت للتأهب بالدخول في الدورة الخلوية الانقسامية، فلا تكوّن الـRNA المراسل وبالتالي لا يحصل فيها تغير.

4) دمج الخلية الضرعية الهاجعة المجوّعة بالخلية البيضية المنزعة النواة، بواسطة تيار كهربائي.

5) تفعيل البيضة (المخصبة) صنعياً بواسطة الصدم الكهربائي أيضاً فتشرع عندئذٍ بالانقسام.

6) عند وصول البيضة المتشطرة مرحلة الأريمة يتم غرسها في رحم أم بديلة هيئت خصيصاً للحمل بحقنها مسبقاً بالبروجسترون، وإثر فترة حمل سوية ظاهرياً ولدت النعجة دولي.

إن علم الجينوم لا يزال في الخطوة الأولى من الشوط ذي الألف ميل، وإن كل علم له في وجوه الخير والشر صروف، ولقد قال الإمام علي(ع): (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك) ذلك لأن العلم إن لم يرافقه دين فإنه لا يؤمن شره الخطير الكبير.

المصـــــادر  :

1) د. حامد أحمد (وقفة تأمل وتفكر في حقيقة نظرية التطور) مجلة الثقافة الإسلامية، العدد 86 تشرين الثاني – 2000م دمشق.

2) د. هاني رزق (الدنا DNA والتطور الموجّه في القرن العشرين) مجلة عالم الفكر – المجلد التاسع والعشرون – العدد الثاني – اكتوبر / ديسمبر 2000 الكويت.

3) Styer L. (Biochemistry) New York (1995).

4) Koster H. (Nature Biochemistry) 14 (1996).

5) Pedersen (sciense American) April (1999).

6) solter D. and J.Gearhart (Science) 283 (1999).

7) Feber D (science) 284 (1999).

8) Strauss E (science) 283 (1999).