آليــــات

المشـــروع الثـقــــافي 

[email protected] 


السيد مصطفى السادة

تفعيل آليات المشروع الثقافي

أهمية المشروع الثقافي

الممارسة والمشكلة الثقافية

مع ظهور الغزو الاستعماري للبلاد الإسلامية في القرن التاسع عشر وبروز حركات النهضة ضد الاستعمار وقيام الحركة الدينية بتفعيل دورها المتمثل في القدرة على التأثير ودفع عجلة الأمة نحو التصدي والوقوف أمام حركة المد الأجنبي منذ ذلك الحين والمواجهة الفكرية والثقافية تدور رحاها حول العامل الديني وقدرته على الارتباط بالواقع وتفعيله، بحيث بات من الممكن أن يرصد الباحث في هذا الشأن عدة أدبيات وبحوث ونشريات ودراسات حتى تتقاطع في فكرتها مع الفكر الغربي والموقف الاستعماري من الدين وعدم قدرة العامل الديني الأيديولوجي – الماورائي – على التعاطي مع الواقع بالنظرة الواقعية التي يتمكن بواسطتها مسايرة الواقع والتعايش معه.

وعند النظر الدقيق في هذه الفكرة نجد أنها من الدعوة الكنسيّة التي صدرت في أوربا بعد إسقاط دور الكنيسة وإقصائها عن ساحة الواقع، الأمر الذي أدى إلى حدوث خلل وصراع بين الظاهر والباطن من حياة الإنسان.

بيد أن هذا الصراع الجدلي عقيم يهدف إلى خلق حالة من عدم التكامل في الشؤون الاجتماعية والإدارية بين المشروع الديني من جهة وبين الحالة الاجتماعية التي يعتقد هؤلاء أنها ليست من خصوصيات الكنيسة من جهة أخرى.

وبات من الطبيعي قراءة هذه الأفكار - خصوصاً في الأدبيات التي يشرف عليها المنهزمون من أصحاب الفكر الاغترابي المادي – والتركيز عليها أثناء عملية عرض المشاريع الأخرى تركيزاً كلاسيكياً لم تعد تخفى الغاية الاستراتيجية التي يهدفها القيّمون على هذا الفكر والمتمثلة في إيجاد قناعة لدى الرأي العام بوجود علاقة الامتناع وعدم القدرة على تفعيل دور العامل الديني في الحياة الاجتماعية.

وهذا النوع من الطرح الثقافي يعمّق مسؤولية الكتاب والمفكرين المهتمين بالشأن الديني وبمحاولة إيجاد علاقة تثاقف وتفاعل بين العاملين الأمر الذي يتطلب أن تكون ممارساتنا الثقافية وأثناء طرح الخطاب الثقافي ممزوجة بروح المسؤولية الواعية للخطر الذي يتهدد واقعنا الاجتماعي عند سيطرة مثل هذه الأفكار المستوردة من الغرب والقائمة على الانطواء السلبي.

ومن هنا تنبع ضرورة التوعية الشاملة لأبناء الأمة والأجيال المستقبلية وهذا أمر تفرضه عدة مفردات:

1) طبيعة المرحلة الراهنة التي يعيشها الإنسان المسلم والمتمثلة في الصحوة الدينية والتي ارتقت من كونها ظاهرة انفعالية آنية مبعثها الحماس المؤقت إلى صيرورتها حالة ولازماً من اللوازم المصاحبة لجيل النهضة الإسلامية.

ويؤكد ذلك العديد من الدراسات والبحوث العاكفة على دراسة أسباب نشوء هذه الحالة، وإن اختلفت الرؤية لدى أصحاب الدراسات من حيث التأثر السلبي بما توصف به الصحوة الإسلامية التي تمثل عمق المشروع الثقافي.

وطبيعة المرحلة لابد أن تدفع القيمين على موارد التوجيه الثقافية والمشتغلين بالبحث الفكري خصوصاً نحو دراسة جادة وملحة لمعرفة الآليات القادرة على خلق التفاعل بين الواقع الاجتماعي والثقافة الإسلامية.

2) ولأن ثقافة الأمة – أيّة أمة – هي المظهر الأبرز الدال على قوة مبادئ ومعتقدات وحضارات الشعوب فالثقافة هي أساس بناء الحضارات وهي عنصر هام في عملية التنمية الشاملة والبناء الحضاري فبمقدار شمولية الثقافة وتوازنها واستقراراها وصحة متبنياتها يرتفع عمود الحضارة، وتترسخ أركانها في المجتمع، وليس لقوة مهما بلغت أن تهزم أو تهدم حضارة قائمة على ثقافة صحيحة سليمة جامعة(1) لأن الثقافة هي جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل، وضع يواكب المشاكل والظروف الخاصة التي تواجه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الأساسية(2).

هذا مع مراعاة أن مصطلح الثقافة مصطلح زماني أثني ليس خاضعاً لوحدة وجود تعريفية، ويمكن أن يتوسع أو يضيق من خلال عطاءات القائمين، وتفاعلهم مع عملية البناء والتنمية الشاملة ومعرفتهم أن الثقافة هي الركيزة الملهمة للشعوب وعملية القدرة على الصمود أمام كل تحدٍ يتهدد ثقافة هذه الاثنية أو الجماعة.

وثمة أمر هنا من حيث إشراقية الثقافة وقياس رجالات الأمم فهي البنية التحتية لأي معتقد ودين.

3) ولأن الثقافة اليوم أصبحت من لوازم العصر وتحدياته المختلفة فالحرب اليوم لم تعد عسكرية أو اقتصادية أولاً وبالذات، إنما هي حرب ثقافية بالدرجة الأولى يسعى فيها الطرف المستعمر إلى الغزو الثقافي أولاً عن طريق إرسال البعثات التبشيرية مقدمة للعمل على تهيئة الأرض والشعب لقبول المستعمر القادم.

وبذلك تعمل على السيطرة على العقول وحرف عملية التفكير بشتى السبل والوسائل المتاحة التي تختلف أيضاً باختلاف البلدان والأزمان وتحت شعارات مختلفة، مرة يتفوق فيها عنصر التعليم ومرة عنصر التحرير وثالثة عنصر حقوق الإنسان ومساعدة الشعوب على التخلص من الأمراض والأوبئة، وتحت ستار العلمنة التي تعني الإيمان بشعار العلم والمعرفة وتطوير الإنسان في الظاهر ولكن جوهرها وحقيقتها طمس معالم الدين وربط الإنسان بالفكر المادي الأجوف بحيث يكون للحس كل الأثر على الإيمان وعدمه.

فهي تعني اللادينية أو الدنيوية وهي أول عناصر الاتجاه الليبرالي الديمقراطي الذي ساد حياة المسلمين بتأثير الاستعمار، والعلمانية شعار أوجده اليهود للقضاء على نفوذ الكنيسة في أوربا ونجحوا في تطبيق سياسة التعليم العلماني في الدول الغربية وثم فصل الدين عن الدولة في الغرب ثم امتد إلى البلاد الإسلامية عن طريق التعليم والإعلام..(3) الذي يعد أخطر وسائل الاستعمار الفتاكة في الترويج للفكر المادي ونشر ما يزعزع العقيدة في نفوس الشباب المسلم وتحطيم سلسلة القيم والأعراف الدينية، وإسقاط معادلة الأخلاق التي هي أساس البناء الإسلامي كما يقرر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

فالصحافة لا توجه الرأي العام فقط، أو تهيئه لقبول ما ينشر عليه بل هي تخلق الرأي العام(4).

وكلما توسعت الرقعة الاستخدامية لشبكات الاتصال وقنوات الإعلام بصورة غير مدروسة فإن عملية التأثير السلبي تتحقق بدرجة أعلى، ومن هنا نجد هذا التسليط الإعلامي، والغزو الفضائي عن طريق تسليط المئات من القنوات الفضائية الموجهة لضرب القيم الأخلاقية وتفكيك القيم الأسرية والعائلية والأعراف الاجتماعية الإسلامية التي ركز عليها القرآن والسنة النبوية الشريفة كمفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومفهوم الأسرة المسلمة، ومفهوم البنوّة والأخوّة واحترام القيم والعناوين الاجتماعية التي عمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) طيلة عقود من الزمن لإرساء دعائمها.

وفي حال صيرورة أفكارهم واقعاً يتعايش معه الإنسان المسلم فإن ذلك يعني نشوء جيل مترهل من الناحية الفكرية والثقافية والعقيدية ومن هنا تتأتى ضرورة تحصين الجيل المسلم بما يتوافق مع المعتقدات الدينية حتى لا تتسلل عدوى هذه الأفكار الهدّامة إلى عقول ووجدان الإنسان المسلم.

أهمية المشروع الثقافي

أولاً- مشروع تفاعل:

فمن الملاحظ أن الثقافة الإسلامية وبالرغم من قدرتها على ضرب الآخر وإقصائه ولكنها أثناء ممارستها الدعائية لمشروعها التبليغي ومع قوة خطابها فهي لا تلغي الآخر من حيث المبدأ، إنما تحاول التفاعل مع المشاريع الأخرى- ما لم تتصادم تلك المشاريع مع قيم ومعتقدات الإنسان المسلم – بقدر من الجدية المقصودة.

وهذا ما يؤكده القرآن في عرضه لأفكاره والتعرض لأفكار الآخر كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )(5)، حيث القرآن هنا يعترف بالثقافات الأخرى وبفرضها واقعاً له أنصاره ولا يتعدى على حرماتها.

بل الإسلام يرفض إكراه الناس على الإيمان بمعتقد أو ثقافة معينة ويعتبر هذا خروجاً عن خطه العام كما في قوله تعالى: -(لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ. ) (6)، ويرفض حتى مجرد الانقطاع عن الآخر.

بيد أنه ثمة ممارسات قد تنسب إلى الثقافة الإسلامية بطريق الخطأ يتفاعل معها البعض من المتصدين للشأن الإسلامي التبليغي حيث يحاول هؤلاء وبكل قواهم وإمكاناتهم إقصاء الآخر ليس فقط المخالف لهم، بل والمختلف معهم أيضاً.

وهذه الممارسات تشكل انطباعاً مغلوطاً عن الثقافة الإسلامية وطريقة تعاطي المسلم مع الخطاب الإسلامي الموجه إلى الذات والآخر مما يدفع بالبعض ممن لا يفهمون حقيقة الثقافة الإسلامية وجوهر الإسلام وأساليبه التبليغية بإلقاء التهم جزافاً واتهام الإسلام بعدم القدرة على التواصل والتعايش مع الآخر، مع أن القرآن أقرّ الآخر ومبدأ التعايش معه وفسح المجال له للتحرك وإبداء الرأي.

ففي قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ) (7)، والقرآن يقرر ما هو أعمق فكراً حيث قدرة الثقافات الأخرى على إبداء الرأي كما في حوار القرآن مع إبليس في قضية رفض الخضوع للأمر الإلهي بالسجود لأدم (عليه السلام) (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (8)، وقوله تعالى: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (9)، وكذلك حوارات الأنبياء (عليهم السلام) مع أقوامهم فإنها تتضمن الإقرار بوجودهم أولاً ثم التحاور معهم كما في قضية النبي إبراهيم مع قومه في الحوارات العقائدية حيث ورد قوله تعالى على لسان إبراهيم (عليه السلام): (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِي فِي اللهِ وَقَدْ هَدَانِ) (10).

وهكذا يمكن أن نجد في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) ما يدلل على إقرارهم بالرأي الآخر فقد ورد في كلام الإمام علي (عليه السلام) عند بيان حقوق الرأي الآخر: (إن لكم علينا أن لا نبدأكم بقتال وأن لا نقطع عنكم الفيء وأن لا نمنعكم مساجد الله).

فقد أوضح الإمام هنا أموراً ثلاثة:

1- إعطاء الثقافة الأخرى حق بيان الرأي.

2- أن لا يقطع الحقوق المختصة لهم.

3- حرية التحرك في الساحة الاجتماعية(11).

ثانياً - الثقافة الإسلامية ومشروع الحل:

العالم المعاصر يعيش المشكلات الصعبة وفي مختلف الأبعاد، فهو يعيش الأزمات الاقتصادية الخانقة، والمشكلات الأخلاقية مما سبب نشوء عدة أزمات خطيرة على رأسها الأزمة الاجتماعية والتي أصبحت من أبرز المعالم التي يتسم بها العالم المادي المعاصر والتي عادت على المجتمعات بنتائج سلبية وخطيرة مما سبب عدم الاستقرار النفسي المفضي إلى عدم الاستقرار الأمني.

كل هذا وغيره أيضاً يدعونا إلى القول بضرورة إبراز المشروع الثقافي الإسلامي بلباسه الجميل وكحل حضاري قادر على تفعيل هذه الجوانب في أبعادها الإيجابية وإخراج إنسان العصر من دوامة الحيرة والاستفزازات النفسية.

فهو يركز على الجوانب التي تغفلها غالباً – إن لم نقل دائماً – الثقافات الوضعية المادية كزرع الاطمئنان القلبي المنبعث من العروج الروحي إلى الله تعالى الحاصل بالمداومة على الارتباط بالمنابع الأصيلة وكما يعبر القرآن الكريم في قوله تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (12)، والقلب منشأ الأزمات النفسية التي يعشها الإنسان.

فالقرآن يركز على إلفات نظر الإنسان إلى طريق الخلاص.

ومن هنا يتأتى لنا القول – وبضرس قاطع – بضرورة تفعيل آليات الدعوة إلى المشروع الثقافي الديني.

تفعيل آليات المشروع الثقافي

يمتلك المشروع الثقافي من القوة الذاتية ما يستطيع عن طريقها الصمود أمام كل التحديات والمؤامرات التي تهدف إلى القضاء على فجر هذا المشروع بل واستطاع توسيع الرقعة الإسلامية وإسقاط المبادئ الرخيصة وقد بقيت هذه القوة الذاتية رغم ظهور الأفكار المادية التي حاولت إيفاد نفسها إلى العالم الإسلامي بهدف التغلغل فيه والسيطرة على عقول المسلمين وإبعادهم عن مبادئهم وقيمهم الحقيقية وقد ثبت فشلها في نهاية المطاف، وظهور عهد الصحوة الإسلامية الممتدة في العالم الإسلامي، وسهل الهجرة المعاكسة نحو الدين، بيد أنه نحتاج إلى تفعيل آليات الدعوة والتبليغ للوصول إلى توعية شاملة للجيل الإسلامي القادم.

وعي المشروع الثقافي أولاً

بمعنى أن يعي القائمون والمعنيون بهذا الشأن الشخصية الإسلامية وهويتها وخصوصياتها كما أرادها القرآن الكريم في خطاباته للمسلمين بعيداً عن التلبس بشخصية الغير وثقافته، وهذا الأمر له دلالاته التي يمكن أن تستشف من خلال الممارسة والتعاطي مع المفاهيم الإسلامية التي تتقوم بها الثقافة الإسلامية.

ومن أهم هذه المفاهيم وعي الانتماء المسؤول للدين وبمقدار تعمق هذا الشعور في شخصية الإنسان الداعية يمكن أن يتحمل مسؤوليته التبليغية.

ومن هنا نحن بحاجة إلى كثير من الجهد الفكري والنقدي لتقويم الفهم السطحي والناقص للمفاهيم الإسلامية المرتبطة بالخصوصية الثقافية والمرتبطة بالطريقة السقيمة التي تتم بها الممارسة الثقافية التي أدت إلى أن يحكم البعض بالسقم والقصور على الثقافة الإسلامية انطلاقاً من قراءته للفهم السقيم.

والحال أن سقم الوسيلة أو الفهم لا يدل على سقم الثقافة، لأن صحة المبادئ شيء وتطبيق الحالة الخارجية وتلك المبادئ شيء آخر(13).

ومسألة الوعي من المسائل المهمة الواجب توفرها في شخصية الداعية والمهتم بالشأن التبليغي لتصبح لازماً لا ينفك عنه، فالقرآن يقول في سياق الوعي (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ) (14)، وفي آية أخرى (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ)(15).

الممارسة والمشكلة الثقافية

تنمية المجتمع هي القضية الجوهرية التي يجب أن يتحمل مسؤوليتها المثقفون الواعون من أبناء الأمة، وينبغي أن يكون الخطاب خطاب توعية وتنمية ثقافية ولا نقصد بالخطاب خصوص الكلمة، وإنما هو مفردة لها مدلولاتها وعمقها المفهومي لتشمل كل الوسائل المختلفة. ففي العصر الراهن توجد وسائل عديدة وقادرة على خدمة المشروع، ويمكن الاستفادة منها والتوسل بها للوصول إلى التوعية الشاملة.

فهي قادرة على مخاطبة الوجدان البشري والنفاذ إلى قلبه بغرض تعميق الشعور بالخصوصية الإسلامية لدى الفرد المسلم.

وإذا ما سلمنا بأن الخطاب هو كل وسيلة قادرة على التأثير والتعبير الجاد والرصين، سواء كان الخطاب يتمثل في الكلمة الطيبة أو القلم أو الفكرة، أو عرض تلفزيوني لتراجيديا تاريخية، فهذا يعني ضرورة الانفتاح للخطاب – المفهوم – على الوسائل العصرية في سبيل تفعيلها لخدمة برنامج الدعوة الإسلامية وهذا هو الفهم الحضاري لمفهوم المعاصرة فهي التكيف مع الواقع والتطورات والأحوال المستجدة في الفروع والجزئيات لا الأصول. والتعايش معها بالأسلوب المناسب وتحقيق الغاية حقاً ولكن على أسس شرعية مقبولة.(16)

ومن الخطأ التمحور حول آلية أو نمط واحد في ممارسة العمل الدعوي وينبغي الانطلاق في الممارسة بالانسجام مع الوسائل والآليات العصرية المتمثلة في شبكات الانترنيت والاتصالات والأقراص المدمجة التي من شأنها نقل فكر المشروع إلى العالم.

ومن الإجحاف إبقاء هذا الفكر حبيساً للسياجات الحدودية، والأعراق والألوان والاثنيات والجهات التي تنطلق من كون الواقع ملكاً عضوضاً لها وينبغي تحقيق النفع على أكتاف الواقع للجهة المعنية فيكون الانتماء للمشروع انتماءاً نفعياً ضيقاً في حين أن التنمية الثقافية تحتاج إلى نظرة منفتحة على الواقع المعاصر بمختلف أصنافه واثنياته بعيداً عن الأغراض النفعية الشخصية أو الجهوية، وبعيداً عن الشعارات الظاهرية ورغبة التسلط وبسط النفوذ أو التفوق والسيطرة وإقصاء الثقافات الأخرى..

الهوامش:

(1) النبأ: العدد 44 ص95.

(2) معالم على طريق تحديث الفكر العربي: د. معن زياد بشور ص31.

(3) مواجهة الغزو الثقافي: ص25 د. وهب الزحيلي.

(4) التبشير والاستعمار: ص213.

(5) سبأ: 24.

(6) البقرة: 256.

(7) البقرة: 34.

(8) ص: 75.

(9) الحجر: 32.

(10) الأنعام: 80.

(11) أخلاقيات أمير المؤمنين (بتصرف).

(12) الرعد: 12.

(13) الفقه طريق النجاة، الإمام الشيرازي.

(14) الحاقة: 12.

(15) العنكبوت: 20.

(16) الدعوة الإسلامية وغير المسلمين، د. وهب الزحيلي ص31.