2000  تشرين الثاني

1421  شعبان 

51  العدد

مجلة  

المشروع الحضاري الإسلامي

والدليل إلى إصلاح أوضاع الأمة

أحمد البغدادي

نحو حكومة واحدة وشاملة

واجب تنظيم الحالة الإسلامية

ضرورة استثارة عوامل القوة

دور الغرب في تفتيت البلاد الإسلامية

ضرورة العودة إلى حكم الله لحل مشاكل الأمة

لا شك أن التصدعات وعوامل الوهن التي تعتري الأمة الإسلامية، تثير في قلب المراقب المؤمن الهلع، وليس أهون من ذاك تشتت وتفرق المسلمين في النواحي والآفاق طرائق وأيادي، بعد أن كانوا أمة وسطاً، وأصحاب الموقف والكلمة العليا، تهابهم الأمم وتجعلهم في صلب اهتماماتها، لا تملك أن تتجاوزهم في أي شأن أو خطة تتعدى حدودها، إذ كانوا سداً منيعاً ودولة موحدة قوية مترامية الأطراف، وفوق ذلك كانوا أصحاب رسالة عظيمة غطت الخافقين، وانطلقت منها حضارة إنسانية ثرّة، تلقت منها الأمم العلوم والفنون المختلفة، وابصرت بها النور، بعد أن كانت حائزة أسيرة الضياع والضلال، تدور في فراغ حضاري، وليست على شيء يذكر، حتى اغترفت من مناهل الحضارة الإسلامية الغنية ما جعلها تهتدي إلى سبل التطور والنمو الحضاري، والتجارب السالفة والحوادث الكثيرة التي ثبتها التأريخ تدل بوضوح تام على هذه الحقيقة التي لم تجد الأمم الأخرى بداً من الإقرار بها عفوا أو قصدا، الأمر الذي يأخذ بالأعناق إلى حقيقة مفادها أنه عندما كان المسلمون يحملون الإسلام وليس يحملهم هو، كانت الأمة الإسلامية اقوى وامنع الأمم، تنفتح لها الآفاق وتذل أمامها الصعاب، والنجاح حليفها في مسيرها وإرسائها، ذلك لأنها كانت تبنى رسالة سمحاء تضمن سعادة الدارين، فيها الدواء من جميع الأدواء، كما استوعبت تجارب الأقوام والأمم السالفة، وفيها علم ما كان وما لم يكن، إذا ما انقادت لها الأمم سلكت بها مسالك النجاة، وسبل السعادة الدنيوية والأخروية، وهكذا فقد كانت عافية الأمة في أنها اتبعت الرسالة وحملتها مشاعل نور وهداية في الظلام، فأمنت المزالق والمطبات، وتحصنت بها من وساوس المعادين والمعاندين.. ثم ما أن غفلت وتكاسلت عن مواصلة السير في دربها الرسالي، حتى اعتلّت وانتكست وطمعت بها الجهات المتربصة والمتأبطة شرا تجاهها..غاية ما في الأمر أن الحالة الإسلامية الراهنة، حالة تسر الأعداء، ويفترض أن تثير حفيظة المسلمين، وتنبه عقولهم لمواطن الخطر التي تكمن - على الأكثر - فيهم قبل غيرهم، وتستدعي منهم أن يبحثوا عن الدليل الذي يهتدون به إلى سواء السبيل، ويعيدهم إلى هويتهم الأصيلة، ومنابعهم الرسالية الثرّة، ويبصرهم بخطورة الحال والمآل، ويتداركهم في مرحلة التداعي والوهن، وانما نقصد بالدليل القائد الكفء ذا التجربة الميدانية الغنية والدرجات العلمية الرفيعة، التي تؤهله لاستيعاب جميع المتغيرات والعوامل الجمة التي طرأت على أوضاع العالم بصفة عامة، والمسلمين بوجه خاص، ذلك القائد الذي يكون - في الحق - ملاذا لهم إذ قد هجمت عليهم اللوابس وطوقتهم المحن، وصيرتهم فرائس بين أنياب الذل والظفر، حيث مست الحاجة إلى من يجمعون فيه أنفسهم، ويلمون أطرافهم، فيجعلهم على (المحجة البيضاء) التي ليس فيها عوج أو زيغ، يحضهم على الهداية ويمنعهم من الضلال، بما آتاه الله من حكمة وتدبير، وبما توفر على علم كاف بحقائق زمانه، يلتمس لهم أسباب النجاة، ويتدرج بهم في مدارج النور والهداية، حتى يتنبهوا إلى يومهم وغدهم، ويستعيدوا المكانة التي أرادها الله لهم، كأمة وسط، أو حتى ينطبق عليهم قوله سبحانه وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر..) آل عمران، 110.

ضرورة استثارة عوامل القوة في الأمة

وأولى مراتب الصلاح، والقوة بعد الضعف، والهيبة بعد الخيبة، ربما تتمثل في نظم الأمر والاحتكام إلى الدليل، والاصطفاف خلفه وهذا الاحتكام على درجة كبيرة من الأهمية والخطر، بحيث يكون بفواته، فوات الأمر برمته بل فيه الضياع والتوهان المطلق، بحسب مقتضى القاعدة الشهيرة: (إذا لم يهتد الدليل سواء السبيل فغاية الركب الضلال).. إذن على الأمة أن تسهر قلبها وتوقظ رأيها، لتعيد انتظام أمرها، وانسجام سيرها مع السنة الإلهية التي لا تبديل فيها ولا تحويل، ولا سبيل إلى ذلك كما هو ثابت،إلا بالصحوة اثر الكبوة، والنشاط بعد السبات، وان تستثير عوامل القوة فيها، وتتحرى منطلقاتها ومبادئها الأولى التي رسمها الإسلام والنبي الأكرم(ص) الأمر الذي لا يستلزم عناء كثيرا، إذ الأمة مطلبها تحت جنحها، وما عليها سوى أن تشحذهمتها، وتشمر عن ساعدها، وتجتهد أن تصير حيث تستطيع أن تبصر أول المسلك الانحرافي الذي أدى بها إلى ما نرى اليوم من أوضاع هي في مجملها سلبية، لترى - من بعد - ما انتهت أليه تلك الخطوات العملاقة التي خطاها الإسلام بقيادة النبي الأكرم(ص) والأئمة المعصومين من أهل بيته الطاهرين، لكيما تنهض الأمة على نفس تلك المبادئ والدعائم المتينة التي حددتها الرسالة المحمدية(ص) وفي هذا - دون غيره - عافية الأمة وصلاحها..

ومهما يكن من أمر، فان الملاك هو النظام الذي أوجده رسول الإسلام(ص) خاتم النبيين، وابن عمه ووصيه علي بن أبي طالب(ع) والأئمة الأطهار من ولده، إذ هم معدن الرسالة وسفن نجاة الأمة، ونجومها المزهرة التي بهم تهتدي إليه ولا تضل أبدا، وذلك على حسب قاعدة: (أهل البيت أدرى بالذي فيه)..

وبهذا فان عنصر النظام، الذي نعني به نظم الأمر لا غير هو رأس الأمور في وقتنا الراهن، إذ بغيابه غاب عنا النصر الذي وعد الله، وصرنا منه على مبعدة تزداد يوما اثر يوم، إذ الأمة - في الغالب - أضحت تلهو بكل ما هو غير ضروري عن كل ما هو ضروري بالنسبة إلى مصيرها، على المدى القريب والبعيد، هذا فضلا عن أن جميع الأسس والمبادئ التنظيمية متوافرة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تفي بالمطلوب والمرغوب، وتكفي عما سواها في كثير مما هو مطلوب لإصلاح شأن المسلمين وجمع كلمتهم، وتوظيف جهودهم لاجل الغاية المثلى والمطلب الذي يداعب آمال كل مسلم غيور، ويسكن ضمير كل مؤمن، ألا وهو حلم إقامة الحكومة الإسلامية الشاملة، حكومة المليار مسلم..

واجب تنظيم الحالة الإسلامية

 هذا الأمر العظيم، أي تنظيم الحالة الإسلامية وتقويمها باتجاه الحكومة الإسلامية الشاملة، يعوزه قائد عظيم مطلع وملم بعلوم القرآن وتفاصيل السنة النبوية الشريفة، عالم بالظروف والشروط الزمانية، ومتوفر على مؤهلات ومواهب، تجعله في مصاف القادة الميدانيين، الذين يستطيعون وضع الأمور في نصابها، والعدول بالحالة الإسلامية الراهنة إلى الطريق الذي يأمر به الله ورسوله المصطفى(ص) إذن على الأمة أن لا تحيد - طرفة عين - عن الجد نحو هذا الأمر الهام الذي ينطوي على فوائد جمة بالنسبة لمصالحها وأهدافها على المديات القريبة والبعيدة، وهو تخويل قيادة ذكية واعية لها خبرة ببواطن القضايا الحساسة والمعهودة في عالمنا الذي يعج بالحركة والتغييرات والتحولات المتسارعة، تكون عينها وقلبها النابض بالشجاعة والحيوية، لتتصدى لمهمة تنظيم الشأن، وادارة الأمور بحنكة وحذاقة دون أن تتغيب أو تغفل عن متابعتها على الدوام، أو تبخل عليها بالرأي والحضور الذهني في جميع الحلقات أو المستويات الإدارية، لكيما لا يصيب أياً من هذه الحلقات جمود أو تراخي في أداء الوظائف المطلوبة في تحريك ماكنة الدولة، وادارة المصالح والمنافع العمومية على الوجه المرغوب، وعند ذلك فقط يرجى لهذه الأمة أن ترتقي سلم النجاح، وتحرز صوابية المسير وتسلك كما تريد بين الأمم والمجتمعات الإنسانية..

نحو حكومة واحدة وشاملة

أما هدف تحقيق حكومة واحدة وشاملة فقد بات حلما يداعب مخيلة كل مسلم يعتز بإسلامه، ويحمل بين دفتيه دينا وليس وثنا ولكن انى لنا تحقيقه في زمن تكالب فيه الأعداء من كل لون، وعبر شبكة معقدة من وسائل الاختراق وغسيل المخ، وإمكانات هائلة لحرف الأذهان وغواية النفوس ؟ ثم أليس هذا المطلب السني والرائق بل قل الطبيعي - من حيث أن هناك في شتى أصقاع الأرض ما ينوف على المليار مسلم كلهم جميعا يدينون بدين واحد، ويتوجهون يوميا خمس مرات صوب قبلة واحدة، ويشهدون أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله(ص) - فهو أمر طبيعي أن يحتكم المسلمون إلى حكومة إسلامية تحترمهم وترعاهم وتنظم مصالحهم، على سنة الله ورسوله(ص) أو ليس هذا المطلب يحتاج إلى من يجيب عليه بوعي واطلاع، ثم يلقى هذا المجيب قلبا واعيا وأذنا صاغية؟

إذ (يجب علينا أن نعيد الحكومة الإسلامية الواحدة التي أسسها رسول الله(ص)، فقد ذكر المؤرخون أن النبي(ص) استطاع في زمان حياته الشريفة أن يوحد بين حكومات الجزيرة العربية (مكة، يثرب، والطائف) وما أشبه، ثم اليمنين والبحرين واخيرا الكويت والخليج)(1).

ثم أن المسلمين بعد الرسول(ص) التزموا جانب الحكومة الواحدة، فكان في ذلك اجتماع أمرهم وتوحد كلمتهم (وقد سار المسلمون بعد رسول الله(ص) على هذا المسير نفسه فكانت الدولة الإسلامية في أيام الحكام الأوائل وفي أيام الإمام أمير المؤمنين(ع) حكومة واحدة،.. وقد كان تحت نفوذ الإمام أمير المؤمنين(ع) اكثر من خمسين دولة من هذه الدول الموجودة على الخارطة اليوم - على ما ذكره البعض -)(2).

وبعد فان ما يصدم البصر اليوم، ويصدم النفوس هو ما نرى من حدود جغرافية هي ليست من وحي واح من السماء وانما هي من تخطيط مخطط فحسب، من حيث (أن هذه الحدود الجغرافية الحالية حدود مصطنعة كونها الجهل الداخلي والاستعمار الخارجي، فأي معنى لان توضع الحدود أمام المسلم وهو في بلده الوطن الإسلامي الكبير؟ أليس هذا خلاف قول الله تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة)(3) وإلى ذلك، فما ابلغ الحجة التي يمكن أن نستخلصها بسهولة ويسر من تجربة الصين الشيوعية وحين نقابلها بالواقع المؤلم، وما أحراها من حجة بان تحرك مشاعر المسلمين في كل مكان، وتحملهم على التفكير والتأمل، وطلب ما هو حق وواجب تمليه الفطرة، فيقول سماحة الأمام الشيرازي في هذه الشعبة من الموضوع: (ففي الصين الشيوعية كانت هناك حكومات عديدة لكنها تمكنت - وتحت قوانين وضعية - أن توحد بلادها في دولة واحدة ذات ألف مليون نسمة، أما نحن فنريد توحيد البلاد الإسلامية تحت ظل القوانين الإلهية حتى تكون بلدا واحدا، فيسير المسلم من طنجة إلى جاكرتا ومن دكا إلى طرابلس وهكذا، ويشعر بأنه في بلده ولا ترفع أمامه في كل بلد حدود استعمارية وقوانين جاهلية وضعية(4).

ثم إذا انتقلنا إلى بيان ملامح المأساة التي تحيط المسلمين نجد انه: (منذ قرن ونحن نقتل ونسجن وتهتك أعراضنا لماذا ؟ لاحظوا البلاد الأوربية الشاسعة والتي يبلغ تعداد نفوسها ما يقارب الستمائة وخمسين مليون نسمة، فمنذ أربعين سنة لا توجد فيها حروب ولا انقلابات عسكرية والحروب والانقلابات تقع بكثرة في البلاد الإسلامية وهي ليست إلا أحابيل المستعمرين والمستكبرين، فقد جاءوا إلى بلادنا لتقطيعنا وتمزيقنا ونهب خيراتنا وسفك دمائنا وتعذيبنا في السجون والمعتقلات)(5).

ضرورة العودة إلى حكم الله لحل مشاكل الأمة

وعلى هذا الأساس فان كل الاعتلالات والاختلالات التي تعتري كيان الأمة إنما مردها تخطيط دقيق من قبل المراكز والدوائر المشبوهة المرتبطة بالاستعمار والاستكبار الذي أرسل ذيله في جميع نواحي العالم، بغية حفظ مصالحه الأنانية وتحقيق أطماعه في البلاد الإسلامية الغنية بالثروات، بمنأى عن أي سدود أو موانع وفي الحق فقد صادف الاستكبار جملة عوامل أعانته على ما هو في صدده، حيث (إن إعراضنا عن الله وعن قوانين الله وعن توحيد المسلمين سبب هذه المشاكل)(6).. أما عن العلاج فانه: (لا علاج إلا أن نرجع إلى حكم الله سبحانه وتعالى، لتوحيد المسلمين واقامة حكومة ألف مليون مسلم، لا حدود بينها ولا سدود ولا قيود ولا شروط)(7).

هذا ويرسم سماحة الأمام الشيرازي معالم طريق الوحدة باجلى صورة واوضح بيان، حيث يقول: (يجب أن تكون البلاد الإسلامية موحدة، والوحدة الإسلامية لا تتحقق في الواقع الخارجي إلا بعد شعور وحدوي في أعماق نفوس المسلمين، فالأمة واحدة والرب واحد والكتاب واحد والنبي واحد والشريعة الإسلامية قائمة على الكتاب والسنة، وعلينا أن نتبعها حق الاتباع، وليس الإسلام منحصرا في الصلاة والصيام وتعمير المساجد وما أشبه فقط بل هذه أجزاء من الإسلام، وهناك أجزاء أخرى منها توحيد البلاد الإسلامية تحت لواء واحد)(8)

ومن ناحية أخرى فلابد من التأكيد على ضرورة نشر وانماء الوعي الإسلامي كمقدمة أساسية لإزالة الحدود الجغرافية واللغوية والقومية في طول البلاد الإسلامية الشاسعة وعرضها حتى نصير إلى وضع لا فرق فيه البتة بين العراقي والإيراني والباكستاني والكويتي، والبنغالي والكشميري، يعني أن تتحقق في وضعنا حاكمية المبدأ القرآني (إن أكرمكم عند الله اتقاكم..) أما كيف ذلك، فمن جملة طرائقه المتيسرة (إننا لو طبعنا ألف مليون كتاب ووزعنا هذه الكتب في كل البلاد الإسلامية فستكون حصة كل فرد مسلم كتابا واحدا، وهذا اقل الواجب فاللازم علينا أن نشمر عن سواعدنا لطبع مثل هذا القدر من الكتب - على اقل تقدير - في سبيل التوعية)(9).

هذا على حين إذا نظرنا إلى حال غير المسلمين في هذا الجانب الحيوي الذي لا يقل شأنه عن شأن الخبز الذي به تقيم الشعوب أودها إذ بالعلم والتثقيف تبصر المجتمعات النور وتتخلص من غياهب الجهل وبراثنه، أو قل بواسطته تتعبد الأمم والجوامع البشرية لله سبحانه، وما اكثر ما شدد الإسلام وحض على طلب العلم،بحيث جعله فريضة على كل مسلم ومسلمة، كما حذر بنفس الشدة من مغبة الاستسلام للجهل، وقد صدع الرسول الأكرم(ص) بالقول (الجهل رأس كل شر).

ولكن مما يبعث على الغصص والتألم أن نرى مجتمعات غير مسلمة توفر مجهودات وميزانيات ضخمة في حقل تأليف ونشر الكتب، فقد (أذاع راديو إسرائيل بان الكتب التي وزعت داخل إسرائيل بلغت ما يقارب الخمسة عشر مليون كتاب في سنة واحدة، ومعنى ذلك أن كل إسرائيلي حصل على ما يقارب الخمسة كتب من الطفل أو الشيخ الكبير، فإسرائيل تعطي لشعبها الفكر المنحرف الظالم، وتكرس الجهود للمزيد من التسميم الفكري والثقافي فلماذا لا نفعل مثل ذلك بالفكر الواعي لاجل ألف مليون مسلم ونحن أصحاب حق ؟)(10).

فلابد من الالتفات بقوة إلى حالة الضعف والتأخر الملحوظ في جانب نشر الفكر الإسلامي والوعي القرآني في عالمنا الإسلامي، بنحو يبعث المرء على الشعور بالمسؤولية الجسيمة حيال أمته المكدودة في هذا الجانب، إذ (قبل عدة سنوات كتبت بعض المجلات: إن الاتحاد السوفيتي (سابقا) طبع ووزع في سنة واحدة فقط واحدا وعشرين مليارا من الكتب، وكانت نفوس العالم آنذاك أربع مليارات ولقد ترجم كتاب ماوتسي تونغ (الكتاب الأحمر) إلى أربعمائة لغة رغم عدم مرور حتى نصف قرن على تاريخ انتشار (الماركسية المادية) وفي المقابل نرى أن القرآن الكريم ورغم مرور زهاء خمسة عشر قرنا على نزوله على نبي الإسلام(ص) لم تتجاوز ترجماته الـ(230) ترجمة! كما ذكره بعض المطلعين، فلماذا تركنا التوعية في حين تمسك بها الآخرون؟)(11).

غاية القول أن المؤمن مطلبه تحت جنحه، وان من أولى مهامه أن يهتم بشؤون المسلمين، ويبذل غاية جهده في سبيل تصحيح أوضاع المسلمين عبر الوعي الديني من الطرق الكثيرة الميسرة، وان يجتهد خلال حياته التي حباه الله بها، في أداء الأمانة، وممارسة المسؤولية الشرعية، وان لا يخرج من الدنيا حتى يترك بصمة على المشروع الإسلامي العالمي، الذي هو أمل الشعوب المسلمة، وهدف قادتنا وعلمائنا الربانيين.

ولعل أقرب سبب إلى النجاحات العملية في إجراء المشروع الإسلامي الكبير هو جهاد القلم وان ننشط بالبيان والتبليغ عبر مختلف النوافذ الإعلامية الواسعة لنشر الكلمة وتنمية الفكر وتجديد الوعي الإسلامي، حتى تنبعث الحضارة الإسلامية القرآنية من جديد ويعود الإسلام كما بدأ عزيزا نابضا بالجدة والحيوية.. يقول الأمام الشيرازي: (وفي سبيل إعطاء الرشد الفكري للمسلمين علينا بالجهاد، الجهاد بالقلم واللسان وبمختلف وسائل الإعلام العصرية المؤثرة، وهذا افضل من الجهاد في المعركة، ولذا نجد الحديث الشريف يقول: (مداد العلماء افضل من دماء الشهداء...)(12).

دور الغرب في تفتيت البلاد الإسلامية

وانما كل ذلك هو لاجل إصلاح شأن المسلمين وتوحيد كلمتهم، ولم شعثهم، لكيما يصيروا كتلة واحدة صلدة تتلاشى فيها الحدود المصطنعة، وتنعدم العصبيات غير الضرورية وكل ما من شأنه تفريق مواقفهم على القضية الواحدة، والهم المشترك، ولا يكون ذلك إلا عبر الاشتغال المتواصل والمتحد في هدم جميع ما بناه الاستعمار وبثه من السموم والآفات في حياة المسلمين التي كانت في أحقاب معروفة مزدهرة رصينة لا مجال فيها للنزعات المنحرفة، والنزاعات الجانبية بسبب الجنس أو اللون أو اللغة، أو ما شاكل سوى أن القانون الإلهي الواضح هو الذي كان يحكم ويصادف رضا وسعة في النفوس.. ولكن - أسفا - حين بدأت النزاعات غير المبررة والعصبيات البغيضة، تمتص طاقات الأمة، وتهدر وقتها، ضعفت حتى صارت أطراف وجهات غريبة تطمع فيها وترسل مخالبها أنى شاءت في كيانها، مصادفة عوامل وارضية مساعدة لتحقيق مآربها الشيطانية، فقد (رأى الغرب أن أهم ما يتمكن به من تمزيق أوصال البلاد الإسلامية، ونهب خيراتها، واستبعاد أهلها، أن يفرقها بالقوميات، والإقليميات، واللغات، وان يضع القانون الوضعي مكان القانون الإلهي وان يوصل إلى الحكم عملاءه الذين يطيعون أوامره في ضرب الإسلام والمسلمين)(13).

هذا وينبغي التأكيد على أن المخطط الاستعماري والنزعة التسلطية لدى الغرب، لا يقف عند هذه الحدود، إذ هو يريد السيطرة على جميع مقدرات وإمكانات الأمة، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق أذنابه وادواته - كما لا يخفى - وهو لما يزل يمارس ذات النهج، ولكن عبر قنوات وأشكال مغلفة بالخدع والحيل الدبلوماسية - إن صح التعبير - أو عبر اختلاق وابتداع ظواهر جديدة معلومة المقاصد، من قبيل العولمة التي هي ليست آخر ابتكارات الغرب، والتي يريد منها لم أطراف العالم تحت جنحه (!!) واستدرار ثرواته ومقدراته ليس غير...

إن أوضاع الأمة - حالياً - مجرد أعراض طارئة لإعتلالات فرضتها عوامل خارجية لاتمتّ إلى جوهر الرسالة الإسلامية السمحاء بأدنى صلة، فهي مجرد توهان فكري مما يترتب عليه القول بأن على الأمة تعود إلى شخصيتها التي صاغتها الرسالة المحمدية(ص) وتنهي حالة التصدع والتشتت والخمول، وتعير رسنها إلى قائد كفوء بالمواصفات التي سبق ذكرها، يجمع أمرا وينظم شأنها باتجاه الحكومة الإسلامية الواحدة الشاملة، لكيما يضبط حركة المشروع الإسلامي الحضاري بما يحقق الانسجام والمواءمة مع أهداف الرسالة السمحاء. الأمر الذي يتطلب تركيز العناية وتكريس الاهتمام بجانب نشر الوعي الإسلامي بشكل متحد ومتوازن مع كل مرحلة من مراحل تفعيل وتطوير المشروع الإسلامي العالمي.



1- السبيل إلى إنهاض المسلمين /ص11 / الأمام الشيرازي.

2- نفس المصدر /ص11.

3- نفس المصدر /ص12.

4- نفس المصدر / ص12/ص14.

5- نفس المصدر /ص14.

6- نفس المصدر /ص15.

7- نفس المصدر /ص15.

8- نفس المصدر /ص15.

9- نفس المصدر /ص16.

10- نفس المصدر /ص17.

11- نفس المصدر /ص17.

12- نفس المصدر /ص18.

13- السياسة ج2 ،ص82 / الأمام الشيرازي.