2000  تشرين الاول

1421  رجب  

  العدد

مجلة  

     

منتدى النبأ

     

الطالب الجامعي..  والمسؤولية الفكرية

نحن لا ندعو إلى تعارض وتضاد بين عمل علماء الدين وعمل (الطلبة والمثقفون عموماً)، وإنما هي دعوة للتكامل بينهما ولتوزيع الأدوار ليكون بالتالي الكل مسؤول عن رعيته.

حسن آل حمادة(1)

الثقة بالنفس ضرورة

ندرة الإنتاج الفكري لماذا؟

من المسؤول

تمهيد

وفي الختام

الكتابة والنشر

إشاعة العلم

تشجيع الطاقات والكفاءات

تمهيد

يمكن إرجاع الكثير من المشاكل التي تعاني منها الأمة الإسلامية إلى نوعية الثقافة المستشرية والمتغلغلة في نفوس أبناء الأمة، والإنسان كما هو معروف ابن بيئته؛ فإذا أردنا النهوض والانطلاق إلى الأمام فإن علينا انتهاج ثقافة العطاء والتحدي؛ فالحضارة كما يقال نتاج للتحدي. وعلينا أيضا التخلي عن الثقافات التي تقف حائلاً امام ذلك النهوض.

وهنا يكمن الدور الهام الذي يتحتم على العناصر الفاعلة والمثقفة وخصوصاً خريجي الجامعات الاكاديمية القيام به على أكمل وجه وأحسن صورة، فهم معنيون بعملية نشر الثقافة الناهضة التي تسهم في رفع مستوى الوعي في الأمة وتبشر في الوقت نفسه بالفكر الرسالي الخلاّق من منطلق "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته".

لكن، هل بإمكانهم القيام بهذا الدور في عملية تكامل مع علماء الدين؟

هذه الإشكاليات التي أرغب في الإجابة عن بعضها لعلّ المتتبع لواقع ومنهجية الطلبة الجامعيين في مجتمعنا يلاحظ أن الكثير منهم قد اعتاد الانسحاب من ميادين الحياة، فالأغلب لا يفكر إلا في معيشته ودنياه سواء الطلبة الذين لا يزالون في مرحلة الدراسة، أو المتخرجون الذين أصبح بعضهم يشغل وظائف تعليمية في المدارس، أو أعمالاً حكومية أخرى.. إن جُل أولئك ليس لديهم اهتمام بعمل الدراسات والبحوث التي تخدم أهداف الأمة وتطلعاتها، في حين يفترض أن يكون الطالب الجامعي صاحب رسالة وباحثاً يسعى لخدمة المجتمع!

وقد يكتفي بعضهم بالبحوث (النقلية !!) التي يقدمها لأستاذ المادة خلال دراسته الجامعية، وبعد التخرج لا يهمه شيئ اسمه (بحث علمي !!)، وكأن الطالب الجامعي ليس معنيا في عملية النهوض والرقي التي تسعى اليها الأمة الإسلامية.

وهذا يعتبر نوعاً من اللامبالاة الاجتماعية من قبيل: "عدم الاهتمام بالبحث العلمي، العزوف عن طلب مادته، أو تقبل نتائجه إذ يحتاج مجتمعنا الآن إلى قيم العلم عطاء وتقبلاً، أمام سطوة القيم المادية، قيم الامتلاك والاستهلاك، والانفتاح ومحاولات الإثراء السريع، ويتحول التنافس إلى تنافس على الوظائف والمال والأعمال وليس العلم والإنتاج والإنجاز (وليس من النادر أن نجد من يتفاخر بالقول، مثلاً "الحمد الله على قلة العلم!" أو" الشهادة اليوم لا تطعم صاحبها خبزاً") ويتظافر ذلك الاعتقاد مع مواقف وسلوكيات مماثلة تجاه العلم في المجتمع.

وهذه بالطبع بعض مكونات الثقافة المجتمعية العامة التي تتغذى منها، وتغذيها في الوقت ذاته، في إعاقتها للعلم أو معاداته" (2).

من المسؤول

فعلى من تقع مسؤولية انتشال الأمة الإسلامية من هذا الواقع وغربلة الثقافة الإسلامية مما علق بها من الثقافات الجاهلية التي امتزجت بها، حتى أصبح البعض لا يستطيع أن يفرق بين ما هو من الدين وما هو مخالف للدين؟!!

قد يظن البعض أن هذه المسؤولية تقع على عاتق علماء الدين الأفاضل فحسب، إلا أن هذا ليس دقيقاً؛ فالمسؤولية تقع على طلبة الجامعات أيضا، فطالب الجامعة هو كذلك مسؤول عن تلك الأوضاع في حدوده، ووفقاً لطاقاته، وإمكاناته المتاحة.

وفي حالات كثيرة ربما يكون الأستاذ أو طالب الجامعة قريباً من الحدث أو المشكلة أكثر من غيره، بحكم قربه من الطلبة في المدارس أو في الجامعات حيث كان طالباً هناك، فتقع بالتالي عليه المسؤولية بصورة أكبر، فيكون مسؤولاً عن إيجاد الحل والعلاج لتلك المشاكل.

فمثلاً، عندما يلاحظ الطالب الجامعي، وهو يُدّرِس في مدرسته أن البعض من الطلبة لا توجد عندهم الرغبة في القراءة والمطالعة، فهو مطالب حينها بالبحث عن الأسباب والعوامل التي تمنعهم عن القراءة، وبالتالي يسعى لحل تلك المشكلة من خلال إيجاد الطرق الملائمة التي تحفزهم وترغبهم في القراءة.

ومثال آخر: على الطلبة الجامعيين البحث في مسألة السلوكيات والأخلاقيات الفاسدة التي نلمحها في بعض طلبة المدارس وهم الفئة الذين تعقد عليها الآمال.

فمن هو-كما يفترض- الأقدر على تشخيص المرض هنا ليقترح العلاج لهذه المشاكل، والتي تختص عادة بعالم المدرسة، أهو (عالم الدين) فقط، وفي جميع الأحيان، ومختلف الحالات!! أم (المدرس) الذي يعيش بين طلابه ومشاكلهم؟!.

وهناك الكثير من القضايا والأمور.. الثقافية والإجتماعية... بحاجة إلى من يبحث لها عن حلول ومعالجات، فلا يجب أن يغفل عنها الطلبة وكأنهم غير مسؤولين؛ خاصة إذا كانوا هم الأقرب إليها والأقدر على معالجتها.

ندرة الإنتاج الفكري لماذا؟

الراصد لحركة التأليف والنشر في مجتمعنا يلاحظ قلة إن لم نقل عدم وجود اهتمام لدى الطلبة في مجال (الكتابة والتأليف) من قبل الأكثرية. فالإنتاج الفكري يكاد أن يكون شبه معدوم، اللهم إلا محاولات محدودة تعد بإصابع اليد الواحدة.

فهل ذلك لضعف في المستوى الثقافي والفكري؟

أم لعدم الثقة بالنفس، والخوف من الفشل حين الإقدام على العمل؟

وللإجابة، أقول: صحيح أن الكثير من الطلبة لا ينمون في أنفسهم كفاءة العطاء والإنتاج الثقافي والفكري.. فهم أساساً لا يمارسون القراءة التي أمر بها الشرع المقدس، ليمارسوا بالتالي عملية الكتابة التي هي الابن الشرعي (للقراءة)، ففاقد الشيء لا يعطيه!

بالرغم من وجود تلك المشاهد الغير مبالية من قبل البعض إلا "أن الطلبة الذين يدرسون في الجامعات والكليات يبلغون سن الرشد، ويتمتعون بالنضوج والوعي، ويستطيعون أن يميزوا الخبيث من الطيب، والخير من الشر. وأن التعليم الذي يحصلون عليه يمكّنهم كذلك من معرفة شخصياتهم إن أرادوا، ويشقون الطريق إلى الأمام إن نهضوا"(3).

فمن خلال معايشتي للوضع القائم في الجامعات ولقائي بشريحة من الطلبة، رأيتُ مجموعة تتمتع بمستوى ثقافي ونضج فكري؛ فلا تنقصهم الكفاءة العلمية، إلا أن بعضهم يفتقر للثقة بنفسه وقدراته العلمية، خوف الفشل حين الإقدام على العمل!!

فالبعض منهم يكتب المقالات والبحوث الجيدة إلا أنه إما يحتفظ بها لنفسه! أو يوزعها على بعض معارفه، ولا يفكر في طباعتها ونشرها! ليستفيد منها أبناء المجتمع، وربما يكون من جملة الأسباب الخوف من (الانتقاد لا النقد) الذي سوف يتعرض له من قبل بعض رجالات المجتمع الذين أبدعوا في فن التثبيط!

وهذه في الواقع حالة غير صحية، فـ(إذا هبت أمراً فقع فيه!) كما يقول الإمام علي(ع). فيفترض أن يكون لدى الطالب إقدام وشجاعة ولا يحسن فيه أبداً التردد والخوف وعدم الثقة بالنفس. وليتساءل: هل أن الآخرين أفضل منه ؟ أم أنهم يمتلكون عقولاً تختلف عن عقله؟

فإننا على الصعيد العربي والإسلامي نلاحظ أن الكثير ممن تخرجوا من الجامعات قد أثروا المكتبات بإنتاجهم الثقافي والفكري، وهي مزدحمة بكتبهم وإنتاجهم المتواصل، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر:

(1) مالك بن نبي: مفكر إسلامي مشهور، عاش في الفترة ما بين 1905 - 1973م في الجزائر، ولقناعته الراسخة وإحساسه العميق بأهمية وفاعلية العمل الفكري استقال في عام 1967م من منصبه، حيث كان مديراً للتعليم ليتفرغ للعمل الفكري، ويعطي من جهده الخلاّق خدمة لهذا الحقل ذي الأثر الواضح في نهضة أي أمة من الأمم في بناء الحضارة(4).

(2) محمد إقبال: "ولد في البنجاب شمال الهند سنة 1873م، ووافاه الأجل في 21 أبريل من عام 1937م، وقد تميز بموهبة عالية في الأدب والشعر وولع بالفلسفة وكرّس عمله في الميدان الثقافي اعتقاداً منه بضرورة التجديد الثقافي والتركيز على الفكر، فيقول: إننا نحن المسلمين نواجه عملاً ضخماً، إن واجبنا أن ننظر في الإسلام من جديد بصفته نظاماً فكرياً من غير أن نقطع صلتنا عن الماضي " (5).

وغيرهم الكثير.

الثقة بالنفس ضرورة

لكي يكون الإنسان منتجاً معطاءً مبدعاً، عليه أن يثق بنفسه، وما رام امرؤ شيئاً إلا ناله أو ما دونه. فعلى الطالب أن لا يستهين بمستواه وقدراته الجبارة، فلو أزال الغبار عنها لأعطى لنفسه ولأمته الكثير، وعليه أن يتذكر أنه يمتلك أعظم نعمة في الوجود، وهي نعمة العقل، الذي ما خُلق خَلق أحب للرحمن منه، وكما نسب للإمام علي(ع) قوله:

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

والكل يعلم بأن (مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة)، فإذا عزم الطالب على الخوض في غمار هذا الطريق (طريق الكتابة والتأليف)، فليبدأ خطوة خطوة، والحكمة العربية تقول: (لكل شيء آفة وللعلم آفات، وعلى المتعلم أن يتحدى كل الآفات)؛ فالطالب إذا كان جاداً ومثابراً فإنه سيصل إلى مبتغاه حتماً، خاصة إذا تذكر وهو في مسيره أن الكثير من الكتّاب الكبار إن لم يكن أكثرهم قد ساروا في طرق مليئة بالأشواك في بداية حياتهم، إلا أنهم اجتازوا ذلك بعزم وإصرار وإن خيل للبعض أنهم قد كانوا يسيرون في طرق مليئة بالورود(6).

فإن أراد الطالب الجامعي أن يخدم أمته ويقدم لها الكثير من العطاء، فيجب عليه أن لايبخل بوقته بل يكثف من ساعات قراءاته ومطالعاته في مختلف الجوانب والحقول، حتى تتكون لديه حصيلة ثقافية وفكرية، ومن ثم يستطيع أن يكتب وبكل سهولة.

وفي هذا الشأن أتذكر أبياتاً للشاعر (أحمد الصافي النجفي) يقول فيها:

لقد كان بي في الأمس نهم قراءة كأني ظمآن إلى المنهل الجاري

فأصبحت خصماً للكتاب كأننــي رويت وهذا يوم إعطــاء أثماري

فيمكن للطالب في بداية الأمر كتابة المقالات الصغيرة - وهو حتماً قد درس كيفية إنجازها - حتى يشارك بعد ذلك في كتابة البحوث والدراسات الهامة التي تخدم أهداف الأمة وتطلعاتها، وهذا ليس حلماً أو خيالاً (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (النجم/39)، وقد سمعنا وقرأنا عن البعض وكيف كانت محاولاتهم الأولى، وكيف أصبحوا بعد ذلك.

واستطراداً أقول: ينبغي أن يكون هناك تفكير جاد من قبل أبناء المجتمع بهذا الخصوص، ولو كنت أمتلك الجرأة لقلت هنا: حرام أن يمضي الواحد منا عن هذه الحياة الدنيا دون أن يخلف وراءه (ورقة علم) ينتفع بها بعده! مع أن الحديث الشريف برواية أنس بن مالك عن رسول الله(ص) يقول : "المؤمن إذا مات وترك ورقة واحدة عليها علم تكون تلك الورقة يوم القيامة ستراً فيما بينه وبين النار" (7).

وقد ورد نفس المعنى في كلمة للإمام علي(ع) يقول فيها: "إذا مات مؤمن وترك ورقة واحدة، عليها علم كانت تلك الورقة ستراً بينه وبين النار" (8).

نعم، يلزم على الإنسان أن يثق بنفسه ويباشر نشاطاته وينزل للحلبة وسيجد من يشجعه على التقدم في هذا الحقل، ولن يقبل منه أن يكون بعيداً عن الميدان!

من الأشياء اللطيفة التي وجدتها أثناء كتابتي لهذه الأسطر ما ذكره سماحة الشيخ (حسن موسى الصفار)، في أحد بحوثه، حيث يقول: "لقد عاصرت في سن مبكرة من حياتي عالماً تقياً في بلادي القطيف، هو المرحوم الشيخ فرج العمران (1321/ 1398هـ) وكنت أسمعه يوجه اللوم والعتاب على أي عالم تنقضي حياته دون أن يترك أثراً أو مؤلفاً!! حتى أنه كتب ترجمة لأحد علماء بلادنا الماضين هو المجتهد المرحوم الشيخ محمد النمر (1277/1348هـ) كان كفيف البصر، وضّمن عتابه على الشيخ النمر لأنه لم يخلف أثراً علمياً، مع أن حياته كانت عامرة بالنشاط الاجتماعي" (9).

ألا يجد القارىء في ما ذكر تشجيعاً على الكتابة والتأليف وهو يمتلك عيوناً تخترق الجبال!!

"بالطبع فإن القيام بدور التوجيه الفكري للأمة يستلزم الرصد والمواجهة، للأفكار والتيارات المضادة والمنحرفة والتي قد تغزو الأمة من الخـــارج، أو التي تنـــشأ في أوساط المجتمع نتــــيجة جهل أو سوء فهم أو نزعات مغرضة" (10).

فالأعداء - أعداء الإسلام - قد سخروا كل ما يملكون من إمكانات هائلة من أجل نصب شباكهم لاصطياد شبابنا عبر الأقمار الصناعية والإنترنت، وغيرها من وسائل الإعلام التي تبادر مسرعة في نشر الميوعة والانحلال والضلالة!

إن انقاذ الشباب وابناء الامة من الانحراف مع ذلك التيار يستدعي برامج عملٍ وتثقيف ونشرٍ للمعرفة والوعي وذلك على أوسع نطاق ممكن، من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فلكي تتم عملية احتواء هؤلاء الشباب، على أبناء المجتمع وخاصة طلبة الجامعات الذين هم محل بحثنا؛ أن يتمسكوا بـ(رسالة القلم)، تلك الرسالة العظيمة التي أقسم الله بها في كتابه الكريم حيث يقول تعالى: (ن والقلم وما يسطرون ) (القلم/1)..فلماذا يبخل الطلبة الجامعيون في مجتمعنا عن إيصال الثقافة الإسلامية إلى جماهير الأمة المتعطشة إلى أقلامهم، والمتلهفة لاستماع أحاديثهم.

تشجيع الطاقات والكفاءات

يزخر مجتمعنا كغيره من المجتمعات بكفاءات وقدرات عالية، قادرة على العطاء والإنتاج، لذا يتحتم علينا تشجيع هذه الكفاءات ودعمها، ولو بالكلمة الطيبة التي تعتبر بمثابة الصدقة، كأضعف الإيمان، وذلك من أجل أن تعمل هذه الطاقات على خدمة أمتنا عن طريق الكتابة والتأليف، ونشر الكتاب الإسلامي الهادف الذي يبشر بالفكر الرسالي الخلاّق.

"وعلى كل فرد أن يساهم بالقدر الممكن، فهذا بطبع مزيد من الكتب والآخر بإصدار جريدة أو مجلة ذات مستوى جيد، وهكذا " (11).

فالمطلوب نشر 3 مليارات من الكتب، كما يرى المرجع الديني المعاصر الإمام (السيد محمد الحسيني الشيرازي) في أطروحةٍ جديدة له وذلك أضعف الإيمان حسب قوله! بحيث تتنوع هذه الكتب كما يقول من مجال لآخر في مختلف الجوانب الإسلامية، وبمختلف المستويات واللغات ، فإن الإسلام قد اختفى تحت ضباب كثيف من الجهل والغموض والإثارات ضده، ولا يمكن إخراجه إلا بتعميم العلم به، ومن طرق تعميم العلم به، الكتب المبينة لمختلف جوانبه، فإن أعداء الإسلام والجاهلين به، نشروا أضعاف هذا العدد من الكتب لمحاربته والانتقاص منه" (12).

وأمامي الآن بعض الأرقام والإحصائيات التي نقلها فضيلة الدكتور الشيخ (حسن موسى الصفار) عن الداعية المعروف الشيخ (أحمد حسن ديدات)، أقتطع منها ما يلي:

- هناك مجلة مسيحية تبشيرية اسمها (الثمرة الجلية The Plain Fruit) تصدر في الولايات المتحدة الأمريكية ، وتوزع منها ثمانية ملايين وثمانمائة ألف نسخة شهرياً، وهي مجانية، ولا تصدر عن دائرة حكومية، بل إن ناشرها شخص واحد، ولديه محطات تلفاز واستديوهات فيديو.

- وتوجد في الولايات المتحدة الأمريكية جماعة يطلقون على أنفسهم (شهود يهوه) يبلغ عدد أعضائهم في العالم حوالي مليوني عضو، وإذا نشروا كتاباً يطبعون منه أربعة وثمانين مليون نسخة، ويترجمونه إلى حوالي خمس وتسعين لغة.

- وإحدى مجلاتهم تطبع وتوزع منها ثمانية ملايين وتسعمائة ألف نسخة، وتطبع في أربع وخمسين لغة!(13).

وهناك الكثير من الإحصائيات التي تذهل الألباب!! والتي لا نريد أن نكثر من اقتباسها هنا.

إذاً، نحن نرى أن أعداء الإسلام يعملون بقوة، ويراهنون على نشر ثقافتهم وأفكارهم بكل ما أوتوا من جهد وطاقة، فهم يقومون بنشر وتوزيع الكتب والدوريات من (جرائد ومجلات) وغيرها، وبصورة ضخمة حتى وصل عدد ما تنتجه (إسرائيل) المغتصبة لقدسنا الجريح من الدوريات سواء كانت عامة أو متخصصة، يزيد على ما تنتجه كل الدول العربية مجتمعة!! حيث يربو ما تنتجه إسرائيل على الألف! بينها أمهات الجرائد العالمية، وذلك أحد أسباب تمكنها من كسب الرأي العام الغربي بل والعالمي إلى جانبها رغم كونهم غاصبين ومحتلين، ورغم أن عددهم لا يتجاوز العشرين مليون نسمة" (14).

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن التاجر اليهودي مرودوخ يمتلك 63% من الصحف اليومية الصادرة في استراليا وبريطانيا وأمريكا، ويملك 59% من ملاحق يوم الأحد في البلدان المذكورة(15).

أما نحن فللأسف الشديد ما زلنا حتى الآن نجهل أهمية القراءة وفوائدها الكبرى، وليس غريباً أن نسمع من أبناء أمتنا من يقول إننا أمة لا تقرأ، وأبرز مثال على ذلك أن الناشر العربي لا يطبع أكثر من 3000نسخة للكتاب الواحد في أمة يتجاوز عدد أفرادها 200 مليون نسمة!

ترى هل يمكننا بعد ذلك أن نقارن بين مستوى العمل التثقيفي الذي تقوم به الجهات الإسلامية، وبين الأعمال التي يقوم بها الآخرون !! ألا نعتبر عند المقارنة؟!

نعم، لقلة ما نقدم بالنسبة إلى غيرنا قد نشعر بالحياء، إلا أن المنطق السليم يقول: (لا تستحِ من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقل منه)، فبتظافر الجهود نستطيع أن نسهم في تغيير الواقع؛ فالسيول تتكون من قطرات الماء! ولنتذكر قول الشاعر: " لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى".

إشاعة العلم

أكد الإسلام في الكثير من كلماته على ضرورة بث واشاعة العلم والمعرفة خصوصاً في الأوساط الاجتماعية التي يعيش فيها الإنسان. فرفع مستوى إدراك العامة من الناس يتوقف على ذلك.

فقد جاء في أحد الأحاديث النبوية: "زكاة العلم تعليمه لمن لا يعلمه"، وهناك بعض المأثورات التي تؤكد على أهمية نشر العلم خاصة بين العوام، وذلك عندما تظهر البدع وتتفشى الخرافة والجهل.

فقد روي عن النبي(ص) قوله: "إذا ظهرت البدع في أمتـــي فليظهر العــــالم علمه، فمن لم يـــفعل فعليه لعنة الله" (16).

ونود أن نلفت النظر هنا إلى أن كلمة (البدع) "لا تنحصر فيما يرجع إلى العقائد والمسائل الذهنية، بل تتعداها إلى شؤون الحياة عامة، كالآداب والملابس والتقاليد... فالبدعة لها مصاديق، كما تومي إليه كلمة "البِدَع" بصيغة الجمع"(17).

ولهذا السبب نؤكد دائماً وأبداً على أن مسؤولية نشر العلم والتفرغ للعمل الفكري والثقافي، ليست مسؤولية علماء الدين فحسب، كما قد يتوهم البعض، بل هي مسؤولية الجميع وواجب الجميع، كما أن طلب العلم فريضة على الجميع، خصوصاً في هذا الزمان الذي كثرت فيه التخصصات.

وجميعنا قد سمع بالحديث النبوي الذي يقول: "طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة". لكن، هل طلب العلم هنا مطلوب لذاته فحسب، أم هو مطلوب أيضاً لفائدة الإنسان والآخرين من بني جنسه ليكون لهم بمثابة السفينة التي يبحرون بها لتوصلهم إلى ساحل النجاة؟

فالإسلام بقدر ما أكد على طلب العلم "بقدر ما أكد على نشره وإشاعته فكل من اكتسب علماً أصبح مسؤولاً على إشاعة هذا العلم... وكم هي حالة متطورة أن تتحول إشاعة العلم إلى سلوك اجتماعي عام يلتزم به كل أفراد وفئات المجتمع، السلوك الذي يفتح على المجتمع آفاق التقدم والبناء الحضاري" (18).

ومن كلمات الإمام علي(ع) الرائعة التي يتحدث فيها عن ضرورة نشر العلم قوله: "ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا" (19).

ومن كلماته أيضاً(ع): "من كتم علماً فكأنه جاهل" (20).. فهل نرضى لأنفسنا أن نكون جهّالاً!

أنقل حديثاً قدسياً في هذا الخصوص، فقد أوحى الله إلى نبيه موسى(ع): "تعلم الخير وعلمه من لا يعلمه، فإني منور لمعلمي الخير ومتعلميه قبورهم، حتى لا يستوحشوا بمكانهم" (21).

ونحن الآن قد تعلمنا الخير، فمتى سوف نقوم بتعليمه؟!

الكتابة والنشر

"أكتب وبث علمك في إخوانك، فإن مت فورث كتبك بنيك، فإنه يأتي على الناس زمان هرج، ما يأنسون فيه، إلا بكتبهم" (22).

بهذه الكلمات تحدث الإمام جعفر الصادق(ع) مبتدئاً كلمته بفعل أمر، وفعل الأمر كما هو معلوم خطاب من العالي إلى الداني؛ فهو يفيد الوجوب، كما يقول الأصوليون، فهل نلتزم الأمر الذي كلفنا به إمامنا الصادق؟

من كل ما سبق نعلم أن "الإسلام يفرض على كل واحد أن يقوم بتعليم غيره، وأن يخرج الناس - بقدر ما يمكنه - من ظلمات الجهل إلى نور العلم. أضف إلى ذلك أن قيمة العلم في الإسلام تتوقف على إيجابيته وكونه نوراً يضيء للناس وينير سبيلهم. ولأجل ذلك يعد كتمانه مذموماً، والتأبي عن تعليمه منهياً، فعلى العالم أن لا يدع الجهّال يعيشون الجهل، بل عليه أن يبث علمه بين الناس، وأن ينـــشره في المجتمع، ليملأ نور الـــعلم جميع آفــــاق الأرض" (23).

ولتعلم أخي القارئ بأن "مخاطبة الناس عبر السطور هي من صميم متطلبات عملية الإصلاح، فالشخصية الرسالية مطالبة بأن تنمي قدرتها الكتابية حتى تستطيع أن تنشر الفكر الرسالي على أوسع نطاق وحتى تستطيع أن تخاطب كل الناس" (24).

"فكم من أشخاص وفئات كانوا أولي أفكار وأنظار يُجيلونها في أدمغتهم، غير أنهم لم يسعوا لإخراجها إلى عالم الوجود، فلم يترتب عليها أثر، ولم ينتفع منها أحد، وكم من فئة قليلة ليست لهم تلك الأفكار، غير أنهم قد أخرجوا ما كان لديهم من الفكر إلى الوجود، فبقيت منهم آثار خيرة فاضلة" (25).

وفي الختام

نحن لا نريد أن يفهم البعض من كلامنا هذا بأننا ندعو كل من كان قادراً على مسك القلم؛ أن يكتب كل ما يحلو له عن (الدين والإسلام والمجتمع... الخ)، حتى لو كانت كتابته تسيء للدين والمجتمع، أكثر مما تنفع! بل العكس نحن نريد أولئك الرجال (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وكفى بالله حسيباً) (الأحزاب/39).

نريد من ينشر فكر الإصلاح قبال فكر الإفساد.. فكر التعاون قبال فكر التطاحن.. فكر التعايش قبال فكر الإلغاء.. فكر التسامح قبال فكر التعصب.. ذلك "أن الثقافة ليست محرمة على أحد في كل صورها بما فيها ثقافة الدين، ولا يحق لأحد مهما كان تخصصه أن يمنع غيره من التخصص والبحث، فالفقيه مثلاً ليس من صلاحياته فرض قوانين على الناس كي لا يتعاملوا مع الثقافة الدينية مكتفين بقوله، وكذلك الفيلسوف وعالم الاجتماع وما إلى ذلك. لكن من حق هؤلاء أن يرفضوا العبثية في التخصصات، ويطالبوا كل راغب للإثارة أو التحقيق أن يتشبّع بالأسس الخاصة بكل علم قبل الخوض فيه" (26).

فـ"هموم المجتمع ومشاكله كثيرة جداً، ومهما كَثُر الدعاة والمصلحون فإنه يتعذّر عليهم السيطرة عليها وتلبية كل احتياجاتها. ثم ان تلك الهموم ليست من نوع واحد، ففيها ما يستطيع السياسي التصدي إليه، وفيها ما يستطيع عالم الدين الاهتمام به، وفيها ما يستطيعه المثقف وهكذا غيره" (27).

فهل لنا بعد ذلك أن نشمر عن سواعدنا بالجد والاجتهاد والعمل والتحرك لخدمة ديننا الكريم وأمتنا الإسلامية، وتكون إحدى وسائلنا في ذلك نشر الثقافة الرسالية الحقة بين أبناء الأمة، عن طريق ما نقدمه من إنتاج فكري.. (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) (التوبة/105).

قائمة المصادر والهوامش

1 - كاتب، من القطيف المملكة العربية السعودية.

2- ساري، سالم . "أزمة النشر.. أزمة مجتمع: آليات إنتاج العلم واستهلاكه في المجتمع العربي"، مجلة شؤون اجتماعية . ع 46 (صيف 1416هـ) ص 74.

3- المودودي، أبو الأعلى. دور الطلبة في بناء مستقبل العالم الإسلامي - ط 1 - (الكويت: الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية ، د.ت) ص 12 - 13.

4- الميلاد، زكي. مالك بن نبي ومشكلات الحضارة: دراسة تحليلية - ط 1 - (بيروت: دار الصفوة ، 1413هـ) ص 50.

5- الميلاد، زكي. الحركة الإسلامية ومعالم المنهج الحضاري - ط 1 - (بيروت: دار البيان العربي، 1411هـ) ص 50.

6- حول هذا المعنى يحلو لي أن أقتطف كلمة للروائي (حنا مينه) كان قد ألقاها في مهرجان شعري ثقافي فكري تكريماً للراحل الشاعر (محمد مهدي الجواهري).. من ضمن ما جاء فيها: "ولهذا نكون، غالباً، في الأشقياء، حين يحسبنا القراء في السعداء، ويحسبون أن ما ننشئ شعراً ونثراً، جاء عفو الخاطر، كما النهار، كما الليل، كما النبع في خاصرة الجبل، وكما المرجان في قاع البحر، وان الكتابة هي الحبر يسيل على الورق، أو أنها الورق يتلقى ما يسيل عليه من الحبر، وان ذلك كله تم في يسر شديد، مثلما القراءة في كتاب مسل يمتلك عنصري التشويق والإيقاع.

...إنني، في هذا الذي تسمعونه مني، لست بالمثل الذي يضرب، ليكون كيلاً به يكال، فقد ولدت بالخطأ، ونشأت بالخطأ، وكتبت بالخطأ أيضاً، ولا غرابة في هذا، لمن قرأني، ولا غرابة فيه، لمن قرأتهم أنا نفسي، أولئك الذين كان عليهم، كي يبلغوا ما يريدون، أن يسيروا حفاة في حقل من المسامير، فإذا بي، في غباء المطالعة الأولى، كنت أحسبهم يسيرون في حقل من الورود".

مقال بعنوان: "لمن يبكي الفرات؟" مجلة الطريق. ع 6 السنة السادسة والخمسون (نوفمبر / ديسمبر 1997م) ص 85 - 86.

7- الصفار، حسن. "العلماء ومسئولية تثقيف الأمة"، مجلة البصائر. ع 10 (ربيع 1413هـ) ص 71، نقلاً عن المجلسي / بحار الأنوار ج 1 ص 198 .

8- الشيرازي، السيد محمد الحسيني. الفضيلة الإسلامية - ط 3 - (الكويت: مكتبة العرفان، 1408هـ) ص 17.

9- الصفار، حسن. مصدر سابق. ص 72.

10- نفس المصدر، ص 67.

11- الشيرازي، السيد محمد الحسيني. السبيل إلى إنهاض المسلمين - ط 3 - (بيروت: دار المنهل، 1413هـ) ص 49.

12- الشيرازي، السيد محمد الحسيني. نحو يقظة إسلامية - ط 1 - (بيروت: دار العلوم، 1407هـ) ص 34.

13- الصفار، حسن. مصدر سابق. ص 70.

14- الشيرازي، السيد محمد الحسيني. السبيل إلى إنهاض المسلمين. مصدر سابق. ص 30.

15- الشيرازي، السيد محمد الحسيني.شهر رمضان شهر البناء والتقدم - ط 1 - (بيروت: مؤسسة الوعي الإسلامي،1415هـ) ص 55 من الهامش.

16- الحكيمي، محمد رضا. موسوعة الحياة. مج 2 - ط 6 - (بيروت: الدار الإسلامية، 1409هـ) ص 304.

17- نفس المصدر. ص305.

18- الميلاد، زكي. "التنمية الثقافية من منظور إسلامي: محاولة للاستكشاف"، مجلة الكلمة.ع 10 (1416هـ) ص 42 - 43.

19- نهج البلاغة (بيروت: دار المعارف، 1416هـ) ص 789.

20- موسوعة الحياة. مج 2. مصدر سابق. ص 344.

21- الشيرازي، السيد حسن. كلمة الله - د.ط - ( بيروت : مؤسسة الوفاء ، 1405هـ) ص 157 .

22- المجلسي/ بحار الانوار/ ج2، ص150.

23- موسوعة الحياة. مج 1. مصدر سابق. ص 213 - 214.

24- الملاّ، أحمد. سر النجاح في شخصيتك - ط 1 - (بيروت : دار الصفوة ، 1413هـ) ص 127 - 128.

25- موسوعة الحياة. مج 1. مصدر سابق. ص 372.

26- العوامي، فيصل. المثقف وقضايا الدين والمجتمع. ط1. (سلسلة آفاق في البناء الحضاري)، بيروت: منتدى الكلمة للدراسات والنشر، 1999م. ص 178.

27- نفس المصدر. ص152.

هل لديك مناقشة او سؤال او رد حول هذا الموضوع ؟