2000  تشرين الاول

1421  رجب  

  العدد

مجلة  

ماهية الموارد الاقتصادية وأنواعها

 
 

 

محمد آدم

أنواع الموارد

ماهية الموارد

مقدمة

علاقة الموارد الاقتصادية بعلمي الاقتصاد والجغرافيا

لماذا ندرس الموارد الاقتصادية

 

مقدمة

قبل أن يودع العالم عام 1984، اهتز ضمير البشرية كلها من حلول مأساة (الجفاف والموت) في أفريقيا وهي المأساة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء في إثيوبيا وغيرها من بلاد القارة السوداء.

وقبيل ذلك في خلال العام نفسه، روع العالم أيضا بكارثة مصنع المبيدات الحشرية في مدينة (بوهوبال) الهندية والتي شكلت مأساة آسيوية راح ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء بفعل (تلوث جو) تلك المدية كنتيجة لتسرب بعض الغازات السامة من ذلك المصنع.

ومع مشارف 1985، تأتينا الأنباء من أوربا والأمريكيتين ناعية مصرع عشرات المئات من الأبرياء بفعل (الصقيع والجو القارس) الذي ساد غالبية دول تلك القارات، وفي سنة 1990 تصدع مصنع تشرونوبل النووي في روسيا والآن أزمة المياه في العالم وخاصة الشرق الأوسط وكذلك ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد في جزيرة كرينلاد بأكثر من معدله الاعتيادي ومعنى ذلك حدوث طوفان ماء عند ذوبان الجليد وتضرر خاصة المدن المحاذية للسواحل.

وهكذا... تعددت الأسباب والموت واحد! وقد يبدو الأمر - للوهلة الأولى - كما لو كان ظرفاً استثنائياً، أو مصادفة سيئة لمجموعة أحداث متفرقة لا رابط بينها. ومع ذلك، فالنظرة الثاقبة للأمور التي تستقرئ التاريخ - قريبة وبعيدة - لابد وأن تلمح (خيطاً مشتركاً) يربط بينها جميعاً، وتكراراً متواتراً ينفي عنها صفة الاستثنائية ويضفي عليها طابع (الظاهرة).

فأما الخيط الذي ينتظمها معاً، فهو الموت بفعل عوامل (البيئة) التي يعيش فيها الإنسان...

أما لضحالة مواردها الطبيعية أو لسوء استخدام الإنسان لهذه الموارد، أو لعدم مواتاة بعض عناصرها لحياته احياناً.

وأما الظاهرة فهي تفاعل الإنسان مع الطبيعة أو صراعه الدائم لقواها وعناصرها المختلفة، وهو الصراع الذي شكل تاريخ البشرية... ولا يزال ورغم ما قد يبدو من قسوة الطبيعة في بعض الاحيان، فالثابت أنه ما من (معين) ساهم في سد حاجات الإنسان المتعددة المتجددة - وبالتالي كان سبباً في بقاء الجنس البشري واستمراره على امتداد تاريخه الطويل - إلا ما كان (مصدره) الطبيعة. فالانسان هو المخلوق الوحيد على وجه الأرض الذي ميزه الله بعقل خلاق مكنه من أن ينهل من معين عناصر الطبيعة ومصادرها المختلفة - والتي سخرها الرحمن له - مطوعاً إياه لما فيه خيره ومنفعته (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) البقرة 164.

فمنذ ذلك اليوم البعيد الذي وطأت فيه قدم الانسان، سطح الارض، للمرة الأولى وهو يأخذ بما وهبه الخالق من قدرات وبما زوده من طاقات وامكانات في اختيار ما يشاء من عناصر البيئة التي يعيش فيها ويقوم بتطويعها واستغلالها وابتكار منافع منها توفر له حاجاته وتشبع رغباته. والمشاهد أن الإنسان لم يقنع ابداً بمجرد العيش بل كان يطمع دائماً في حياة أفضل ولذلك لم يعمل على سد احتياجاته الأساسية فحسب، وإنما أخذ يعمل على إحتياجاته الحضارية أيضا. غير أن الأمر المؤسف هو ما نراه اليوم في العالم بعد كل هذه القرون التي عاشها الإنسان وكل ما حققه من انجازات وما توافر له من معارف وخبرات - من انقسامه مادياً وفلسفيا إلى عالمين مختلفين... كوكبين منفصلين... مجموعتين غير متكافئتين من البشر: مجموعة غنية إلى حد يثير الخجل، وأخرى فقيرة إلى حد اليأس... ولقد اختلفت وجهات النظر في تفسير ذلك وتعددت وتباينت، غير أن معظمها يلقي اللوم على ذلك التزايد الهائل في عدد سكان المعمورة خصوصاً في دول ما يسمى بالعالم الثالث الفقيرة المتخلفة بمعدلات تفوق كثيراً معدلات النمو في مواردها الاقتصادية بحيث يبدو كما لو أن شبح (مالتوسية جديدة) (نسبة إلى الاقتصادي الانجليزي الشهير (مالتس) الذي يعد واحداً من ابرز كتاب المدرسة الكلاسيكية ولقد دانت الشهرة له كنتيجة لكتاباته في المسألة السكانية والتي ادعى فيها أن العالم لابد أن يشهد كل ربع قرن ما يشبه المجاعة وذلك نتيجة تزايد سكانه وفق متوالية هندسية بينما تتزايد موارده وفق متوالية عددية).

بدأ يخيم بظلاله القاتمة على العالم من جديد مهدداً بعودة (اعوام الجوع) التي قاسى منها في اربعينات القرن الماضي - كثير من المتخمين بالوفرة والغنى من الوقت الحاضر. ولذلك يخش هؤلاء المتشائمون من قرب اجتياح (مد الفوضوية المشبع بالدم) الذي لابد وأن يسوق إليه يأس ملايين الجياع (الجدد) تحت اعتقادهم بأن العدل يقتضي أن يشرب الكل من كاس (الحنظل) طالما لا يوجد من (الشهد) ما يروي ظمأ الجميع!..

ومع ذلك، ففي نفس الوقت الذي يصرخ فيه الكثيرون في مواجهة ماساة ندرة الموارد وانفجار السكان، وتكثف وسائل الإعلام برامجها للحث على تحديد النسل والتحذير من الموت جوعاً،تبرز وجهة نظر مخالفة تبشر باقتراب إشراقة (الفجر)... الذي طوبى لمن يشهده!... ويؤمن انصار هذه النظرة بأن الندرة خرافة... والجوع صناعة... وكل تلك المخاوف إن هي إلا خزعبلات يروج لها المستفيدون من الأغنياء في الدول المتقدمة حتى تنتعش هذه (الصفوة) على حساب ازدياد الفقر في العالم الثالث فقراً... ويتبنى هؤلاء المتفائلون فلسفة خاصة بالموارد هي الوفرة والكفاية. وإن موارد العالم حالياً تزيد عن حاجته وأن النقص فيها إنما يرجع إلى سوء التوزيع أولاً، وإلى تخلف الخبرات والمهارات وفنون التقنية ثانياً فرغم أنه يولد في كل عام مئات الآلاف من البشر.. فيضيق العالم على سعته بهم، إلا أنه في الوقت نفسه تولد كل عام مئات الأفكار والمخترعات ويزيد أفق المعرفة (أم الموارد كلها... فيتسع العالم على ضيقه لهم!...)

وهكذا سواء أكان الخوف أم الأمل هو الذي يحرك أعماق النفوس، فالذي لا شك فيه أن مشاكل البيئة وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على الانسان، قد أضحت قضية العصر التي تشغل اهتمام دول العالم قاطبة... شماله الغني الذي يخشى انحسار تيار الرفاهية والرخاء الذي ينعم فيه... وجنوبه الفقير الذي يحاول في استماتة أن يحقق احلامه وطموحاته وتوقعاته العالية على الأقل أن يفلت من براثن اخطبوط التخلف الذي يكبله إلى دوائر - من الفقر - خبيثة.. يتردى فيها منحدراً إلى سفح هاوية لا يعلم مداها إلا الله!..

إنها قضية العصر بحق، لأنها تقف وراء كل مشكلة يعاني منها ابن آدم وكل هدف يصبو إلى تحقيقه فمهما اختلفت التفاصيل... وتعددت الأغراض... وتباينت المظاهر، فالداء واحد وسببه ما يعرف بالمشكلة الاقتصادية التي تواجه الإنسان منذ بدء الخليفة وستظل تلازمه حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً... فرغبات الإنسان وحاجاته متعددة.. متجددة ومتزايدة.. غير أن وسائل اشباع هذه الحاجات من سلع وخدمات استهلاكية نهائية، جدّ محدودة. وهي محدودة لأن (المستخدمات) التي تدخل في انتاجها محدودة بدورها. وهذه المستخدمات الإنتاجية محدودة لان العناصر التي تم اعدادها لتوفير هذه المستخدمات هي الأخرى محدودة. وعناصر الانتاج محدودة لأن الموارد الاقتصادية، التي منها تهيأ عوالم الانتاج لتصبح مستعدة فعلاً للمساهمة في علمية الانتاج، محدودة هي الأخرى. والموارد الاقتصادية محدودة لأن مصادرها - على الأقل المعروف منها - نادرة ومحدودة بدورها. وفي الحقيقة فإن هناك مصدرين رئيسيين لكافة الموارد هما: الإنسان والطبيعة وهما يوفران كل على حدة - بعض الموارد، كما أن تفاعلها معاً يوفر البعض الآخر فالطبيعة وحدها مصدر ما يعرف بالموارد الطبيعية بينما الإنسان وحده مصدر الموارد البشرية. غير أن تفاعل الإنسان مع الطبيعة إنما ينتج عنه نوع آخر من الموارد هو ما يعرف بالموارد المصنعة أو الحضارية.

وعلى ذلك، فبيت الداء بالفعل هو الإنسان والطبيعة وذلك الصراع المستمر بينهما... وهو صراع كثيراً ما كان الإنسان يعتقد في أحيان مختلفة انه حسمه نهائياً لصالحه... غير انه سرعان ما يكتشف أن بينه وبين ذلك بون شاسع ورحلة شاقة طويلة!... انه الصراع الخالد الذي يشكل تاريخ البشرية وقصة الحضارة الإنسانية...

ولكن... عفواً.. يبدو أننا بدأنا من النهاية! فلم لا نضع الجياد أمام العربة ونبدأ القصة من أولها...

ماهية الموارد

تكرر استخدامنا في القسم السابق لعدد من الاصطلاحات مثل (المصادر) و(الموارد) عناصر أو عوامل الإنتاج واخيراً (المدخلات) وتشير هذه الاصطلاحات - ابتداءاً إلى قضية تعريفه تتمثل في محاولة الاتفاق على مدلول محدد يكتسبه كل منها ليشير إلى معنى واضح مستقر لا يتغير طيلة الدراسة.

ورغم أننا نحاول الآن - في هذا القسم تعريف - الموارد كمحتوى أو ماهية، وليس (كعلم) فثمة تحفظ هام يتعين أن نضعه نصب اعيننا من البداية وهو أن (الكلمات والتغيرات) كمفردات لغوية - تصيغ (مادة أو محتوى) أي علم (أو حتى أي جزء من المعرفة الإنسانية عامة، غير أن علاقة ذات الكلمات بالمعاني، إنما تمثل (اصطلاحات) تختلف دلالاتها من علم لآخر، فضلاً عن كونها تفرض نوعية (المنهج) الذي يتخذه كل علم منها وصولاً إلى غايته النهائية وهي: التفسير والتنبؤ.

والتعبيرات التي طرحناها في صدر هذا القسم - كغيرها من التعبيرات - يشيع استخدامها في العديد من العلوم الطبيعية والاجتماعية، غير أن اكثر العلوم استخداماً لها وانتفاعاً بها هما الجغرافية والاقتصاد. وبالطبع لابد أن نتوقع - كما ذكرنا منذ قليل - أن يختلف المدلول الاصطلاحي لكثير من تلك التغيرات من وجهة نظر الاقتصادي عنه من وجهة نظر الجغرافي مع السماح بوجود (منطقة رمادية) ربما يتفقان فيها على بعض منها، وحيث أن الدراسة الحالية - كعلم - تنتمي إلى أحد فروع علم الاقتصاد وهو (الاقتصاد التطبيقي) فإننا عند تحديد المدلول الاصطلاحي لهذه التعبيرات سوف نتبنى وجهة النظر الاقتصادية. وحتى إذا اقتضى الأمر التعرض لأبعاد جغرافية، فإنما سيتم ذلك بالقدر الذي يخدم التحليل الاقتصادي ويبلور الهدف منه. وتاسيساً على ما تقدم، نحاول فيما يلي إلقاء الضوء على المدلول الاصطلاحي للتعبيرات السابقة موضحين مدى التشابه والاختلاف بينها.

فإذا بدأنا (بالمصادر) نجد أن المصدر هو (معين) لثروة كامنة لم يعرف الإنسان أهميتها بعد، ولا كيفية تطويعها واستغلالها لما فيه نفعه، بل ربما لا يكون الإنسان على علم بوجودها اصلاً. أما (المورد) فهو مصدر معروف لثروة اكتشف الإنسان أهميتها وتثقف ذهنه عن تطوير أساليب فنية تمكنه من استغلالها لنفعه.

وعلى ذلك، يمكن أن نميز بين نوعين من المصادر استطاع الإنسان حتى الآن أن يتعرف عليها، وهما الطبيعة والإنسان نفسه.

فالطبيعة هو معين لثروة هائلة استطاع الإنسان أن يكتشف - على امتداد تاريخه الطويل - قيمة واهمية الكثير من عناصرها عند تطويعها للاستغلال في اشباع رغباته، وبالتالي كانت هذه العناصر تدخل تباعاً في عداد ما نسميه (بالموارد الطبيعية) وبالتأكيد - رغم - كل هذا الكم من الموارد الطبيعية التي تعرف الإنسان عليها على مر العصور منذ ايامه الأولى على سطح الأرض وإلى الآن - لا يزال هناك الكثير من عناصر الطبيعة التي لم يتعرف عليها الإنسان بعد، أو لم يعرف أهميتها أو كيفية استغلالها أو ماهية الحاجات التي يمكن أن تشبعها وبالتالي فان مثل تلك العناصر تظل معيناً لثروة كامنة في حالة سكون ولا تدخل في عداد الموارد الطبيعية كذلك فالانسان نفسه يعد معيناً لثروة هائلة يمكن أن تحقق المعجزات لكل ما اودعه الخالق فيه من امكانات جسمانية وذهنية رائعة. وعندما يتعرف الإنسان على قيمة هذه الامكانات ويدرك كيفية استغلالها لتحقيق نفعه، ينطلق المارد من حالة السكون التي يكون عليها (كمصدر) ليصبح مورداً بشرياً واعداً بالكثير!

ولعل أحد انجازات هذا المارد البشري، إنما تتمثل في (استحداث) معين جديد من الثروة كناتج لتفاعله المستمر مع قوى وعناصر الطبيعة، الأمر الذي يشكل نوعاً ثالثاً من الموارد هو ما سنسميه (بالموارد المصطنعة) والتي تتمثل اساساً في رأس المال العيني) بكل أشكاله، كما سنوضح فيما بعد.

وإذا كانت الموارد بالمعنى السابق تشير إلى كل ما يمكن أن يعد للدخول في دائرة الاستغلال الاقتصادي، فان (عوامل الإنتاج) إنما تمثل ذلك الجزء من الموارد الاقتصادية الذي تم اعداده فعلاً للمساهمة في علمية الإنتاج. أما الجزء الذي استخدم فعلاً من عوامل الإنتاج في العملية الانتاجية فيسمى (بالمدخلات) معنى ذلك أن اقصى ما يمكن المشاركة به فعلاً في علمية الإنتاج (المدخلات) لا يمكن أن يتعدى بأي حال من الأحوال حجم عوامل الإنتاج. أما إذا كان حجم المدخلات أقل من حجم عوامل الانتاج، فإن الفرق بينهما يمثل عوامل انتاج في حالة بطالة. وقياساً على ذلك فإن اقصى ما يمكن الحصول عليه من عوامل الإنتاج لا يتعدى الحجم المتاح من الموارد الاقتصادية. وبالتالي فإذا كانت عوامل الإنتاج اقل من الموارد فإن الفرق بينهما يمثل موارد غير مستغلة ويمكن التعبير عما سبق بالمتباينة التالية:

(حجم الموارد الاقتصادية المتاحة) ====> (حجم عوامل الإنتاج) ====> (حجم المدخلات)

فبالنسبة للموارد الطبيعية مثلاً، فإن الأرض (وما عليها وما في باطنها) التي يمكن (اعدادها) للدخول في دائرة الاستغلال الاقتصادي تعتبر مورداً اقتصادياً. أما ذلك الجزء من الأرض الذي تم إعداده فعلاً للمساهمة في عملية الإنتاج فيعتبر عاملاً انتاجياً والفرق بين ما يمكن إعداده وما تم إعداده فعلاً من الأرض يعتبر مورداً اقتصادياً غير مستغل ومثال ذلك بعض الأراضي الصحراويّة. أما الأراضي التي تستخدم مباشرة في الزراعة والرعي واقامة مباني المصانع والطرق وتشييد المدن وغير ذلك مما يساهم في عملية الإنتاج فتعتبر من المدخلات والفرق بين ما تم إعداده فعلاً من الأرض وما استخدم منها كمدخلات. يعتبر عاملاً انتاجياً في حالة بطالة. وبالمثل فالغلاف الجوي يعتبر مورداً طبيعياً صالحاً للاستخدام الاقتصادي يجب المحافظة عليه من التلوث، إذ انه يستخدم في النقل الجوي والاتصالات اللاسلكية والإرسال والاستقبال الاذاعي والتلفزيوني والأقمار الصناعية... الخ كما أن بعض مكوناته مثل الأكسجين تدخل في بعض الاغراض الصناعية والطبية وما يمكن إعداده من بعض هذه المكونات للمساهمة في عملية الإنتاج هو ما يعتبر من المدخلات.

وإذا كنا قد حاولنا التفرقة بين الموارد وعوامل الإنتاج والمدخلات فيما يتعلق ببعض مكونات الغلاف الجوي فانه من الصعب إبراز هذه التفرقة فيما يختص بالاستخدامات الأخرى لهذا الغلاف وذلك يرجع إلى الطبيعة الخاصة به، حيث انه بقدر ما يتحقق من تقدم تكنولوجي يمكن تطويعه لزيادة الاستفادة منه اقتصادياً. فحين اكتشاف امكانية استخدام الغلاف الجوي للارسال الاذاعي لم يكن معلوماً وقتها امكانية استخدامه للإرسال التلفزيوني (ابيض وأسود ثم ملون بعد ذلك) وقد تكون هناك امكانيات أخرى لاستخدام الغلاف الجوي غير معروفة حالياً وباضطراد التقدم العلمي والتكنولوجي يمكن اكتشافها فيما بعد.

أما بالنسبة للموارد البشرية، والتي تشمل جميع السكان الذين يمكن اعدادهم للدخول فــي دائرة الاستغلال الاقتصادي بدءاً من الأطفال الرضع حتى الشيوخ المسنين، فهي تعد مورداً اقتصادياً. أما ذلك الجزء المعد فعلاً للمساهمة في علمية الإنتاج فيعتبر من عوامل الإنتاج. وذلك الجزء الذي يساهم فعلاً في العملية الانتاجية يعتبر مدخلات، وعلى ذلك فالاطفال الذين تقل اعمارهم عن سن معينة، ولا يسمح لهم قانوناً بالدخول إلى سوق العمل، وكذلك الطلبة الذين لم يتموا بعد مراحل تعليمهم المختلفة، ليسوا اعضاء في القوى العاملة ولكنهم يشكلون جزءا من الموارد البشرية، ولا يمكن اعتبارهم من عوامل الإنتاج إلا بعد اعدادهم للمشاركة في الإنتاج أما ذلك الجزء من هذه الموارد الذي يشترك فعلاً في الإنتاج فهو الذي يعد من المدخلات.

نخلص مما سبق إلى أن كل المدخلات هي عوامل انتاج وكل عوامل الإنتاج هي موارد اقتصادية، وعكس ذلك ليس صحيحاً بمعنى أن الموارد الاقتصادية لا تعد عوامل انتاج طالما لم تهيأ بعد للمساهمة في الإنتاج كما أن عوامل الإنتاج التي لم تسهم بالفعل في العملية الإنتاجية لا تعتبر من المدخلات.

لماذا ندرس الموارد الاقتصادية

يتزايد اهتمام معظم (أن لم يكن جميع) الدول في الوقت الحاضر بدراسة الموارد الاقتصادية، حيث أنه بقدر ما يتاح من موارد لمجتمع ما، يتجدد مستوى الرفاهية الاقتصادية، ناهيك عن أن غنى وفقرالدول في الوقت الحاضر يقاس ليس فقط بما في حوزتها من موارد، ولكن أيضا بمقدرتها على استغلالها بكفاءة.

وعموماً فهناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى دراسة الموارد الاقتصادية لعل من أهمها:

أ. ندرة الموارد وتعدد الحاجات:

تواجه كافة المجتمعات مشكلة اقتصادية تتمثل في ندرة المتاح لديها من الموارد، في الوقت الذي تتعدد حاجات سكانها وتتزايد بصفة مستمرة وتبدو خطورة هذه المشكلة عندما نعرف أن هذه الموارد، حتى في حالة زيادتها تنمو بمعدل يقل كثيراً عن معدل زيادة السكان وحاجاتهم. وهذه الحقيقة معروفة منذ القدم، فقد نبه إليها (مالتس) منذ القرن الثامن عشر حيث قدر ما معناه أنه في الوقت الذي تتخذ فيه الزيادة في السكان شكل المتوالية الهندسية، فإن الزيادة في الموارد تتخذ شكل المتوالية العددية.

وعلى ذلك فان لم تقم هذه المجتمعات بالتصدي لمشكلة ندرة مواردها وقصورها عن تلبية حاجاتها فقد يأتي وقت تتدهور فيه القدرة الإنتاجية لبعض هذه الموارد. بل وقد يكف بعضها عن العطاء، ولذلك لا مفر أمام هذه الدول من بذل قصارى جهدها في محاولة البحث عن موارد جديدة تستطيع أن تسهم في الارتفاع بمستويات اشباعها أو على الأقل تحافظ عليها. ليس هذا فحسب، وإنما يتعين عليها اولاً وقبل كل شيء أن تحاول استخدام المتاح لديها من الموارد بأكثر الطرق كفاءة من الناحية الاقتصادية بمعنى وصولها إلى التخصيص الأمثل لمواردها يعني تخصيص الموارد، عموماً، تلك الطريقة التي يتم بها توزيعها على استخداماتها البديلة المختلفة بحيث يتحقق في النهاية قدر معين من الإنتاج.

إذا افترضنا مبدئياً أن هناك نمطاً توزيعياً (تخصيصاً) معيناً للموارد يؤدي إلى تحقيق حجم معين من الإنتاج، وأمكن مع ذلك اعادة تخصيص نفس هذا القدر من الموارد بطريقة مختلفة تولد عنها قدر اكبر من الإنتاج فمعنى ذلك أن هذا التخصيص المبدئي لم يكن يمثل أفضل طريقة لاستخدام هذه الموارد ومن هنا يتضح انه من الممكن تخصيص نفس القدر من الموارد بطرق مختلفة يحقق كل منها حجماً مختلفاً من الإنتاج. فإذا ما وجد ثمة تخصيص معين يحقق اكبر قدر ممكن من الإنتاج، فإن أي تخصيص آخر غيره لابد وأن يؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج. ومن ثم يمكن تعريف التخصيص الأمثل للموارد بأنه تلك الطريقة التي يتم بها استخدام الموارد المتاحة بحيث يتولد عن هذا الاستخدام اكبر قدر ممكن من الإنتاج. وبتعبير اكثر دقة، فإن التخصيص الأمثل للموارد هو ذلك الاستخدام الذي يترتب على أي تغير فيه انخفاض حجم الإنتاج.

ب. التنمية الاقتصادية:

يعيش العالم اليوم عصراً يطلق عليه عصر التنمية الاقتصادية حيث تحاول جميع الدول قاطبة، المتخلف منها والمتقدم، أن تقوم بتنمية اقتصاداتها (لعل من شواهد ذلك أن اطلقت هيئة الأمم المتحدة على العقد الماضي (الثمانينيات العقد الأول للتنمية).

وترتبط عملية التنمية، في الواقع (بحجم المتاح من الموارد وطريقة استخدامها. حيث أن زيادة المتاح في هذه الموارد وحسن استخدامه يعجل بلا شك بعملية التنمية وتختلف الدول المتقدمة عن المتخلفة من حيث حجم الموارد المتاحة في كل منها، وذلك في حد ذاته يفرض على الدول المتخلفة ضرورة التعرف على مواردها وحصرها والشروع في وضعها في دائرة الاستغلال بطريقة كفء حتى تتمكن من وضع وتنفيذ برامجها التنموية الطموحة التي تساعدها على الأخذ بأسباب التقدم وتسرع بها قدماً عن طريق الرخاء.

ومن الجدير بالذكر أن هناك عاملاً اضافياً يعرقل مسار التنمية الاقتصادية في الدول المتخلفة ويضع عبئاً اضافياً على استخدامها لمواردها وهو ما يطلق عليه (أثر المحاكاة) أو ثورة التوقعات العالية، ويتمثل هذا العامل في أن سكان الدول المتخلفة، نتيجة تقدم وسائل الاتصال والمواصلات، تتعرف بسرعة وتحاول - بصرف النظر عن جدوى ذلك - تقليد هذه الانماط ومحاكاتها. ويتطلب ذلك ضرورة توفير المزيد من السلع والخدمات المستخدمة التي لم تكن الموارد المتاحة مطالبة أصلاً بتوفيرها لو لم يمارس أثر المحاكاة ضغوطه، وهذا في حد ذاته يزيد من حدة مشاكل الموارد في هذه الدول ويستدعي معالجتها بمزيد من الحكمية والرشادة. 

ج. حماية الموارد والمحافظة عليها:

يتميز أي مجتمع انساني بأنه مجتمع حركي وليس ساكناً. وحيث أن الموارد الاقتصادية في أي مجتمع كما عرفنا سلفاً، هي اصلاً نادرة ومحدودة، فضلاً عن أنها ليست حكراً على جيل واحد بل هي ملك لكافة الأجيال المتعاقبة، لذلك يلزم استخدام المتاح منها بطريقة لا تؤدي إلى تبديدها بل وتضمن حمايتها وزيادتها كلما امكن ذلك حتى يستمر عطاؤها من جيل إلى جيل.

وحماية الموارد والمحافظة عليها يتطلب حصرها حصراً كاملاً وشاملاً لتحديد امكانات استغلالها حالياً ومستقبلاً ووضع الخطط والبرامج التي تتضمن عدم الاسراف في استخداماتها.

وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، ففي بعض المجتمعات التي تتمثل مواردها الطبيعية في غابات واشجار كثيراً ما تسن الدولة تشريعات تحرم قطع الأشجار في مناطق معينة ولفترات معينة خوفاً من تبديد هذه الموارد. وكذلك فان هناك بعض الدول التي قد تحرم صيد بعض الحيوانات أو الاسماك في سن معينة وفي مناطق معينة ولفصول محددة. وقد تحرم دول أخرى أو تحد من استخراج معادن معينة من مناجم معينة في أوقات معينة وكل ذلك هو بهدف المحافظة على الموارد وضمان عدم استنفاد قدراتها الإنتاجية.

ومن ناحية اخرى، قد تقوم بعض الدول - منفردة أو مجتمعة - بالعديد من الاجراءات التي تهدف إلى حماية البيئة من التلوث منها مؤتمر ستوكهولم الذي عقد في يونيو 1972 وكان غرضه الرئيسي جذب الانتباه إلى المخاطر المتولدة عن التلوث. 

د. آثار الحروب:

تمثل الحروب عامة سواء كانت دوافعها الحصول على الأرض مباشرة (الحروب العربية الاسرائيلية) أو من أجل السيطرة على الموارد (الحروب الاستعمارية) عبئاً على الموارد الاقتصادية المتاحة البشرية منها وغير البشرية.

فبالنسبة للموارد البشرية، يتمثل هذا العبء في فقدان كامل لجزء من القوى البشرية متمثلاً في شهداء الحروب أو في ظهور قوة عاملة غير منتجة مثل مشوهي الحروب الذين يتعين على المجتمع أن يضمن لهم حياة كريمة نظير ما قدموه له من خدمات. وبالنسبة للموارد غير البشرية، تؤدي الحروب إلى استخدام جزء منها في الإنتاج الحربي، مما يعني تحول هذه الموارد بعيداً عن الإنتاج المدني، بالإضافة إلى تخصيص جزء من الإنتاج المدني وتوجيهه لخدمة مطالب القوات المسلحة. وهذا يعني انخفاضاً في مستوى الرفاهة الاقتصادية للمجتمع متمثلاً في انخفاض حجم السلع المدنية الذي كان يمكن أن يتحقق لو أن هذا الجزء من الموارد لم يخصص لخدمة الأغراض العسكرية. بالإضافة إلى ذلك فللحرب أثر مباشر يتمثل في الدمار الذي يلحق بالكثير من المنشآت القائمة وتوقف بعض أوجه النشاط الاقتصادي كلياً أو جزئياً وهي أمور تمثل بلا شك ضياعاً لجزء كبير من موارد المجتمع واستنزافاً لها.

وبسبب توقف، أو التهديد بتوقف، طرق المواصلات نتيجة الحروب فقد تضطر بعض الدول إلى استغلال جزء من مواردها استغلالاً غير اقتصادي، وذلك بتوجيهها إلى انتاج سلع لم تكن لتنتجها في الظروف العادية. مثال ذلك ما فعلته انجلترا خلال فترة الحربين العالميتين، حيث اقتضتها ظروف الحرب إلى التوسع في الإنتاج الزراعي فاستغلت أراضي لم تكن مهيئأة للاستغلال الزراعي من قبل.

بالإضافة إلى ذلك، فإن سوء توزيع الموارد بين دول العالم ادى إلى تسابق بعض الدول الكبرى في محاولة لفرض سيطرتها على المصادر الأولية في بعض الدول الاخرى، الأمر الذي أدى إلى انقسام العالم إلى كتل واحلاف يسعى كل منها إلى تحقيق اكتفاء ذاتي فيما بينها.

أنواع الموارد

تتبنى معظم الكتابات التقليدية اتجاهاً مؤداه تقسيم الموارد استناداً إلى ثلاثة معايير، وهي: 

أ. معيار التوزيع الجغرافي:

وعلى اساسه يكون المورد إما متوافراً في جميع الأماكن كالأوكسجين في الهواء، أو في اماكن متعددة كالأراضي الصالحة للزراعة، أو في أماكن محدودة كالمعادن التي في جوف الأرض، أو متمركزاً في مكان واحد مثل النيكل في كندا.

ب. معيار القدرة على التجرد:

وتبعاً له يكون المورد إما متجدداً، كالأشجار والغابات والثروة الحيوانية، أو فانياً مثل زيت البترول والفحم والغاز الطبيعي.

ج. معيار الأصل:

ووفقاً له يكون المورد إما طبيعياً أو بشرياً، أو مصنعاً.

وفي الواقع فإن هذه المعايير الثلاثة ليست مانعة بالتبادل، بمعنى أن الأخذ ببعضها لا يتعارض مع الأخذ بغيره، فضلاً عن أنها تتكامل معاً في توصيف المورد محل البحث. فقد يكون مورد ما، طبيعياً (من حيث أصله)، فانياً (من حيث قدرته على التجدد)، ومتوافراً في أماكن محدودة (من حيث توزيعه الجغرافي) كما هو الحال بالنسبة للبترول مثلاً. ومن هنا يوجد، في رأينا، ثمة تقسيم واحد - عريض - للموارد - هو الذي يميز بينها من حيث الأصل، أما التقسيمات الأخرى فلا تعدو أن تكون مجرد تقسيمات جزئية مشتركة في داخل كل فرع من فروع هذا التقسيم الأساسي.

وعلى هذا (نتناول فيما يلي أنواع الموارد من حيث أصلها، موضحين بالنسبة لكل نوع طبيعة توزيعه الجغرافي وقدرته على التجدد - كلما كان ذلك ممكناً: 

أولاً - الموارد الطبيعية:

كانت الموارد الطبيعية تعني عند معظم الاقتصاديين القدامى (سطح الأرض) ولذلك ركزوا على أنها اصيلة لا تهلك، غير أن الفكر الاقتصادي المعاصر ينظر إلى الموارد الطبيعية نظرة اكثر عمومية وشمولاً، فيعرفها بأنها أية أشياء مادية لها قيمة اقتصادية ليس للإنسان دخل - مباشر - في ايجادها. فمثلاً، المخزون الطبيعي من المعادن، ومدى توافر المصايد والغابات، وكذلك المناخ والتضاريس والمساقط المائية والموقع الجغرافي، كلها أشياء لها تأثير على الثروة القومية، وذلك دون أن يكون للإنسان دخل مباشر في ايجادها، وعلى ذلك يمكن القول بأن سطح الأرض وما عليه وما حوله، وما في داخله، هو ما نقصده بالموارد الطبيعية. فسطح الأرض من يابس وماء، وما يتميز به من تضاريس ومناطق مناخية متباينة يؤثر بطريقة مباشرة على نوعية النشاط الاقتصادي الذي يمارسه سكان كل منطقة فعلى سبيل المثال، نجد أن سكان المناطق الساحلية والمناطق المشتملة على مسطحات مائية كبيرة، يتميز نشاطهم الاقتصادي اساساً بالتجارة (النقل البحري) والصيد كما أن المناخ الذي تتميز به المناطق المختلفة - بالإضافة إلى نوعية التربة الموجودة - يؤثر بطريقه مباشرة في تحديد نوعية النشاط الزراعي الذي يمارسه سكان كل منطقة، بالإضافة إلى تحديد طول الموسم الزراعي نفسه.

كذلك، فيما يحتويه باطن الأرض (القشرة الارضية) من ثروات معدنية كالحديد والفحم والنحاس والبترول... الخ. يعتبر من الموارد الطبيعية التي يحدد مدى توافرها، طبيعة النشاط الاقتصادي الرئيسي لسكان المناطق التي يتوافر فيها.

أما ما يحيط بالأرض من موارد طبيعية، فتتمثل في الغلاف الجوي الذي يحيط بالكرة الأرضية. وإذا كان الغلاف الجوي يعتبر من الموارد الطبيعية التي لا تزال بكراً لم تستغل كما يجب حتى الآن - بالرغم من أنها تعد بامكانات كبيرة مستقبلاً - فان اضطراد التقدم الاقتصادي (والتقني) في المجالات المختلفة كثيراً ما يترتب عليه تلوث هذا الغلاف. ومن هنا ظهرت مشكلة تلوث البيئة، ولهذا السبب بدأ حديثاً الاهتمام بالمحافظة على الموارد من خلال المحافظة على البيئة المحيطة بالانسان، حتى تظل خالية من التلوث بقدر الامكان.

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي للموارد الطبيعية، فإن بعضها قد يكون متوفراً في جميع الأماكن بحيث لا يواجه الإنسان أية صعوبات في سبيل الحصول عليه، ومن ثم لا يصاحب عملية انتاجه أو توزيعه أية مشكلة اقتصادية. ومن أمثلة ذلك غاز الأوكسجين الموجود في الهواء حيث يحصل كل كائن حي على احتياجاته من دون مقابل على انه يجب الإشارة هنا، إلى أن ذلك ليس صحيحاً على إطلاقه فإن في بعض الأحيان يطلب الأوكسجين معبأً في صورة خاصة لمواجهة احتياجات طبية أو صناعية مختلفة، وعندئذ يكون له مقابل مباشر، وحديثاً، اصبح على الإنسان - لكي يحصل على الأوكسجين الذي يكون مصدره الهواء، أن يدفع في سبيل ذلك مقابلاً غير مباشر، يتمثل في تكاليف تنقية الهواء الجوي من التلوث المصاحب للتقدم الصناعي، كذلك قد تكون بعض الموارد الطبيعية متوافرة في أماكن متعددة، وهذه الموارد تتفاوت درجة توافرها أو ندرتها من أقليم لآخر وبالتالي يكون لها سعر يتعين أداؤه في مقابل الحصول عليها. ويتحدد هذا السعر كما هو الحال بالنسبة لأي سلعة من السلع بتفاعل قوى العرض والطلب. ومثال ذلك الأراضي الصالحة لمختلف أغراض الاستغلال الاقتصادي كالزراعة والرعي واقامة المصانع والمساكن والطرق... الخ أيضا قد تتوافر بعض الموارد الطبيعية في أماكن محدودة. وهذه الموارد تتوافر في أماكن دون أخرى، الأمر الذي تنجم عنه مشاكل اقتصادية تتعلق بتسعيرها نظراً لاختلاف ظروف الطلب عليها والعرض منها، ومثال ذلك المعادن التي يتركز وجودها في أماكن محدودة. فالبيترول، مثلاً، يتركز معظم انتاجه في منطقة الشرق الأوسط، ويتركز انتاج التصدير في ماليزيا وبوليفيا واندونيسيا وتايلاند. كما تقوم المانيا وفرنسا والولايات المتحدة بانتاج ما يزيد على (90%) من الإنتاج العالمي للبوتاس. ومن الجدير بالذكر هنا، أنه إلى جانب المشاكل الاقتصادية التي تثيرها ندرة هذه الموار فهناك العديد من المشاكل السياسية - بل والعسكرية - تتعلق بالمنطق القليلة التي توجد فيها هذه الموارد الطبيعية التي تتركز في مكان واحد مثل النيكل الذي تنفرد كندا بانتاج معظمه، كما تتركز مادة (الكربوليت) التي تستخدم في استخلاص الألومنيوم، في الساحل الغربي لجزيرة (جرينلاند).

أما بالنسبة لمقدرة الموارد الطبيعية على التجدد فنجد أن بعضها يعتبر موارد متجددة حين يمكن أن تستمر في العطاء، بشرط أن يستمر الإنسان في الحفاظ عليها وعدم اجهادها. فالتربة الزراعية إذا امكن الحفاظ على خصائصها وعدم اجهادها، فإنها تظل مستمرة في العطاء أما إذا أسيء استغلالها فقد يترتب على ذلك انخفاظ انتاجيتها وضعف معدلات عطائها. ومثال الأرض الزراعية في مصر غير بعيد، فقد انتشرت ظاهرة تجريفها للحصول على الطين اللازم لعمل طوب البناء. ولا يخفى ما في ذلك من خطورة تؤثر على الإنتاجية الزراعية للأرض فتضعفها، خاصة بعد إقامة مشروع السد العالي والذي ترتب عليه احتجاز كميات الطمي التي كانت ترد سنوياً لتضيف قوة إنتاجية جديدة للأرض الزراعية على ضفاف وادي النيل الدائم دون إقامة مشروعات للصرف، ارتفاع نسبة منسوب المياه فيها مما أدى إلى اضمحلال انتاجيتها ومن ناحية أخرى تعتبر بعض الموارد الطبيعية فانية أو غير متجددة. ومثال ذلك الموارد المعدنية والنفط وحيث أن هذه الموارد قد تفنى في يوم ما، فعلى الإنسان أن ينظم استغلالها ويحافظ على الرصيد المتاح منها مراعاة لمصالح الأجيال القادمة.

ثانياً: الموارد البشرية:

تتمثل هذه الموارد في حجم ونوعية القوى البشرية المتاحة، عاملة وغير عاملة. وفي دراستنا للموارد البشرية، أو ما يعرف براس المال البشري، لا ينحصر اهتمامنا في دراسة مشاكل السكان، واعدادهم ومعدل تزايدهم فقط، بل نهتم إلى جانب ذلك بدراسة العوامل التي تؤثر في نوعية العنصر البشري. وفيما يتعلق بنوعية العنصر البشري. يمكن أن نميز اساساً، بين النوعية المكتسبة وغير المكتسبة (أو الذاتية) والنوعية المكتسبة تتمثل في مجموعة من الصفات والخبرات والمهارات والكفاءة، التي لا يولد الإنسان بها بل يكتسبها عن طريق التعليم والتدريب والرعاية الصحية. أما النوعية الذاتية فنقصد بها المواهب الخاصة الفنية أو الابتكارية التي يخص به الله سبحانه فئة قليلة من البشر يولدون بها. وهذه النعم لا يستطيع الإنسان أن يكتسبها بأي ثمن أو تحت أي ظروف ، وإن كان من الممكن تنمية المواهب وصقلها وتهيئة الظروف اللازمة لاستمراريتها وإثرائها. وعموماً، نظراً لأهمية المورد البشري، بدأ حديثاً خلال العقدين - الماضيين وبالتحديد مع بداية الستينيات - الاهتمام جدياً بدراسة (اقتصاديات الموارد البشرية) كفرع مستقل من فروع علم الاقتصاد. وفي الواقع، فإن دراسة اقتصاديات الموارد البشرية تركز اساساً على ثلاثة عوامل تؤثر في نوعية وتوزيع القوى البشرية، فاقتصاديات التعليم واقتصاديات الصحة تؤثر في نوعية المورد البشري، بينما تؤثر اقتصاديات الهجرة في توزيع الموارد البشرية. أما من ناحية الكمية، فيلزم دراسة حجم السكان ومعدل تزايدهم والمشاكل التي قد تنجم عن ذلك مثل مشكلات الغذاء والإسكان والنقل والمواصلات. وترتبط هذه المشاكل كلها بالحجم المتاح من الموارد الطبيعية والمصنعة والقوى العاملة من ناحية، وحجم الموارد البشرية (السكان) كمستهلك للإنتاج من ناحية أخرى.

ومن ناحية التوزيع الجغرافي للموارد البشرية، نذكر اساساً أن العنصر البشري ليس مورداً متوافراً في كل مكان (أي ليس سلعة حرة) حيث يلزم نظراً لطبيعته الخاصة - ككائن حي - وجود حد أدنى من الظروف التي تسمح له بالكينونة، فالإنسان لا يعيش إلا على سطح اليابسة، ليس هذا فحسب بل أن كثيراً من المناطق على سطح اليابسة - لا تسمح - لظروفها غير الملائمة بحياة البشر مثال ذلك ثلاجات المناطق القطبية المتحدة الشمالية والجنوبية، بعض أحراش أفريقيا الاستوائية، بل وفي بعض بقاع الأقاليم المدارية ذاتها. كذلك نجد هناك مناطق تتمتع بالكثافة السكانية ومناطق أخرى تتميز بالخفة السكانية. فالهند والصين ومصر من الدول التي تعاني من مشاكل التزايد السكاني الرهيب واضطراد زيادة معدل النمو السكاني أيضا. بينما استراليا وكندا وبعض دول أوروبا خصوصاً الدول الاسكندنافية (شمال أوربا لا تزال تمر بمرحلة الخفة السكانية، ومن الجدير بالملاحظة. أن الدول التي تكتظ بالسكان، معظمها من الدول المتخلفة، حتى ليختلط الأمر على المرء فيما إذا كان التزايد السكاني بهذه الدول سبباً في التخلف أم نتيجة له هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا جاز لنا أن نتكلم عن فئات نوعية للمورد البشري كمصدر لعنصري العمل والتنظيم لأمكن أن نقول أن العمل غير الماهر هو عنصر متوفر في أماكن عديدة بل في كل مكان مأهول بالبشر. أما العمل نصف الماهر والماهر وعنصر التنظيم، فهي من قبيل الموارد النادرة التي لا تتوافر إلا في أماكن محدودة. ومن المهم أن نذكر أن هذا لا يعني أن الأماكن التي لا يتوافر فيها العمل الماهر أو التنظيم ستظل محرومة منها دائماً لأن عامل الهجرة يمارس تأثيره الملحوظ في اعادة تشكيل نمط التوزيع الجغرافي لهذين العنصرين بين الدول المختلفة، وبذلك يعمل على تحقيق قدر من التوازن النسبي بين العمل وعوامل الإنتاج الأخرى.

أما من حيث قدرة الموارد البشرية على التجدد، فإنها تنقسم بالاستمرارية طالما يتم المحافظة عليها ورعايتها وعدم اجهادها. فالعمل غير الماهر يمكن أن يتحول إلى عمل ما هر عن طريق تهيئة الظروف المناسبة مثل تصميم البرامج التعليمية وإعداد مراكز التدريب ومنح الفرص للمواهب الشابة لتبوّء المراكز القيادية في المشروعات. فضلاً عن ضرورة تبني نظم للحوافز والدوافع التي تعمل على خلق مثل هذه الموارد النادرة في المناطق التي تفتقر إليها، ناهيك عن عدم هجرة الموجود منها إلى مناطق أخرى، وليس يخفى أن كثيراً من دول العالم المتخلفة - ومن بينها مصر - التي تفتقر إلى هذين العنصرين (العمل الماهر والتنظيم) تعاني من مشكلة (هجرة العقول) إلى الخارج، سواء كان الدافع إلى ذلك هو الحصول على فرص حياة أفضل أو سعياً إلى ما قد يوفر لهم إمكانيات التقدم أو هرباً من مشاكل اجتماعية أو سياسية أو غيرها. بالإضافة إلى ذلك يجب الاهتمام بالبرامج الصحية، فبجانب أنها تؤدي إلى تحقيق زيادة كمية في حجم العنصر البشري عن طريق تخفيض معدلات الصرفيات، إلا أنها من الناحية النوعية ثبت وجودها بالنسبة إلى قدرة العنصر البشري على التجدد، حيث أن التحسينات في المستويات الصحية تؤدي إلى تحسين نوعية العنصر البشري بزيادة قدرته الإنتاجية. 

ثالثاً: الموارد المصنعة:

وهذه الموارد هي نتاج تفاعل الإنسان مع الطبيعة وتعرف اساساً برأس المال المادي. ويضم رأس المال المادي مكونات عديدة مثل الموارد الطبيعية المستخرجة من الأرض بعد معالجتها صناعياً وتحويلها إلى معدات وآلات إنتاجية (كالحديد والألومنيوم) وجميع التجهيزات الأساسية من مباني وخلافه والتي تسبق النشاط الصناعي، كذلك فالمنتجات الزراعية التي تدخل كمواد أولية في بعض الصناعات (كالقمح والقطن والصوف) هي شكل من أشكال رأس المال المادي. والموارد المصنعة لا تنصب فقط على رأس المال المادي بأشكاله المختلفة، بل تنسحب أيضا إلى نوع آخر من رأس المال يطلق عليه البعض (رأس المال الاجتماعي) أو ما يعرف باسم (البنية الاقتصادية الأساسية) والذي يتمثل في مجموعة الطرق والانشاءات والجسور وخطوط السكك الحديدية وبعض المجاري والمحطات المائية التي استحدثها الإنسان مثل قناة السويس وقناة بنما وبحيرة ناصر ونفق أحمد حمدي الذي يمر من تحت قناة السويس رابطاً صحراء سيناء بمصر الأم.

ويمثل رأس المال الاجتماعي ضرورة اساسية لمزاولة النشاط الصناعي لما لوجوده من أهمية قصوى فيما يتعلق بربط مواطن وجود المواد الأولية بأماكن الإنتاج ثم بأماكن الاستهلاك. وحديثاً، فإن هناك بعداً جديداً يضاف إلى تعريف رأس المال وهو مستوى (المعرفة التقنية) لما لذلك من آثار مباشرة وملموسة على مستوى الإنتاج خصوصاً مع استمرار التقدم والتغير التقني وفي رأينا أن هناك شكلا آخر من أشكال الموارد المصنعة زادت أهميته النسبية في الآونة الأخيرة - ولا تزال - وهو ما يمكن أن نسميه بالمعالم الأثرية. ويمكن أن نعتبر المعالم الأثرية أحد مكونات رأس المال المادي حيث أنها تساهم في خلق وتنشيط صناعة جديدة هي صناعة السياحة. وهذه الصناعة لها العديد من الآثار المباشرة وغير المباشرة على مستوى العمالة والانتاج والدخل في المجتمعات التي لا توجد بها. ومن ناحية التوزيع الجغرافي، فإن الموارد المصنعة بعضها موجود في أماكن عديدة مثل المنتجات الزراعية التي تدخل كمواد أولية في بعض الصناعات كالقمح والقطن والصوف وبعضها يوجد في أماكن محدودة كالحديد والألومونيوم والمعالم الأثرية.

أما من حيث القدرة على التجدد فإن بعض الموارد المصنعة يمكن أن يستمر الإنسان في الحفاظ عليها مثل راس المال الاجتماعي والمعالم الأثرية. بينما بعض الموارد المصنعة يعتبر من قبيل الموارد الفانية مثل المنتجات الزراعية الأولية - أو الموارد الطبيعية المعالجة صناعياً.

علاقة الموارد الاقتصادية بعلمي الاقتصاد والجغرافيا

المعرفة العلمية بناء متماسك متصل الحلقات فما علم من العلوم خصوصاً العلوم الاجتماعية - تكون له حدود قاطعة فاصلة، بل عادة ما يرتبط - بشكل أو بآخر - ببعض العلوم القريبة منه سواء في مادتها (محتواها) أو منهجها (ادواتها التحليلية) والموارد الاقتصادية كعلم، يتصف ايضابهذه السمة. ويقف علماء الاقتصاد والجغرافيا على راس العلوم التي تربطها بعلم الموارد الاقتصادية وشائج صلة قوية ومرجع هذه الصلة أن الإنسان يواجه مشكلة ثنائية الأبعاد. فالاحتياجات الإنسانية تمثل أصل المشاكل العديدة التي يواجهها الإنسان ويحاول التغلب عليها منذ بدء الخليفة وإلى يومنا هذا وفي محاولته لاشباع هذه الاحتياجات، كان على الإنسان أن ينتج العديد من السلع والخدمات المختلفة، وهو أمر لا يتحقق له بدون توافر الموارد الاقتصادية. ومن هنا بدأ الإنسان الاهتمام بالبحث عن مصادر تلك الموارد.

وخلال رحلة عمره عبر حقب عديدة من الزمان، تأكد له أن هذه الموارد نادرة، فضلاً عن أن حاجاته متزايدة ولا تنتهي. وهكذا تظهر ثنائية المشكلة حيث يتمثل بعدها الأول في البحث عن الموارد، وبعدها الثاني في كيفية استخدام هذه الموارد. وفيما يتعلق بالبعد الأول من المشكلة - وهو البحث عن الموارد، نذكر انه كان على الإنسان أن يحدد أنسب المناطق التي تتوافر فيها الظروف الملائمة لتحقيق منتجات معينة يستهدفها لاشباع حاجاته.

وهنا تظهر أهمية علم الجغرافيا وصلته بعلم الموارد فالجغرافية تهتم بتحليل المتغيرات المكانية بدلالة المناطق والأقاليم الموجودة فيها، فضلاً عن تحليل العلاقات التي تنشأ بين هذه المتغيرات المكانية وبين الظواهر الطبيعية لسطح الأرض من ناحية وبين الظواهر البشرية وحياة الإنسان من ناحية أخرى وهكذا تتضح علاقة علم الجغرافيا بعلم الموارد الاقتصادية فكثير من المنتجات لا يمكن تحقيقها إلا بتوافر صفات جغرافية معينة (كالتضاريس ونوع التربة والمناخ) وبالطبع، فإن علم الجغرافيا، باهتمامه بالتوزيع الطبيعي للحياة النباتية - من حيث ملائمة المناطق المختلفة لكل نوع منها، يقدم يد العون في محاولة الإنسان حل مشكلة تحديد أنسب الأماكن لممارسة النشاط الانتاجي الملائم لها. ولعل هذا هو السبب الذي من أجله جرى العرف التقليدي عند دراسة الموارد الاقتصادية أن يقوم بدراسة المنتجات الزراعية كالقمح والرز والسكر والبن... الخ... وفي الواقع لا تعدو مثل هذه الدراسة أن تكون مجرد دراسة لجغرافيا المنتجات من حيث تحديد انسب أماكن انتاجها، وهو أمر يحصرها في مجال ما يسمى بالجغرافيا الاقتصادية: ومن الجدير بالذكر أن العرف التقليدي - كان يعتبر - إلى فترة قريبة - أن الجغرافيا الاقتصادية والموارد الاقتصادية مترادفان، الأمر الذي يختلف معه كثيراً، والذي تتضح مبرراته من مناقشتنا التالية للبعد الثاني من المشكلة والخاص بكيفية استخدام الموارد الاقتصادية أن دراسة كيفية استخدام الموارد الاقتصادية والحفاظ عليها وتنميتها هو الذي يضعنا في قلب الدراسة الاقتصادية للموارد المتاحة. فحجم الموارد المتاحة لدولة ما يؤثر - كما سبق أن ذكرنا - على مستوى المعيشة لسكان هذه الدولة، وعلى درجة التقدم الاقتصادي التي وصلت إليها. فالدول الفقيرة والمتخلفة (دول العالم الثالث) هي تلك التي تعاني من نقص الموارد الاقتصادية المتاحة وسوء استخدامها. أما الدول الغنية المتقدمة اقتصادياً، فهي التي حباها الله سبحانه وتعالى بقدر اكبر من الموارد الاقتصادية والتي نجحت في استغلالها بأفضل الطرق الممكنة. هذا يوضح، باقصر الطرق، العلاقة المباشرة بين مستوى الرفاهة الاقتصادية وحجم الموارد المتاحة. فمستوى الرفاهة الاقتصادية يعتمد مباشرة على حجم المنتجات الممكن تحقيقها وهذه بدورها تعتمد على حجم الموارد المتاحة. ولذلك يمكن القول بأن مستوى الرفاهة هو دالة في حجم الموارد المتاحة. ولما كان علم الاقتصاد يحاول، في نهاية الأمر، العمل على زيادة مستوى الرفاهة الاقتصادية، للإنسان، وهو أمر محكوم بالقدر المتاح من الموارد، فقد اصبح من المحتم الاهتمام بطريقة استخدام هذه الموارد بأكبر قدر ممكن من الرشد والكفاءة. ومن هنا تظهر بوضوح أهمية الربط عند دراستنا للموارد بين البعدين الجغرافي والاقتصادي.

هل لديك مناقشة او سؤال او رد حول هذا الموضوع ؟