2000  تشرين الاول

1421  رجب  

  العدد

مجلة  

المتعة

 والسنة

والكتاب

 اللغة

في

عبدالكريم الحائري

البحث على ضوء الكتاب الكريم والتفاسير

البحث على ضوء اللغة

المقدمة

ادعاء الآيات الناسخة وعدم دلالتها

نتيجة البحث في التفاسير

المقدمة

قد ضجت عواصف حملت في طياتها غبار الفتن منذ اربعة عشر قرناً إلى يومنا هذا حول مسألة قد كثر الجدال فيها بشكل تبدلت معه من عنوانها الفرعي إلى أن احتلت مكاناً في صدارة الأصول مع أن واقعها خارج عنه وقد ملئت المكتبات والصحف والمجلات بها حتى إذا تصفحت أسماء المؤلفين أو أسماء الكتب في مكتبات مصر القديمة والأزهر وكذلك مكتبات تركيا بل حتى مكتبات البلاد الأجنبية فضلاً عن البلاد العربية ترى العشرات بل المئات من الرسائل التي كتبت حول هذه المسألة التي لا تعدو عن كونها فكرية وان ارتبطت بالواقع العملي لمن أراد الالتزام بها ألا وهي مسألة متعة الزواج أي الزواج الموقت.

فكما نرى اختلافاً في بقية مسائل الحلال والحرام والنجاسة والطهارة وغيرها من المسائل التي لا يوجب الاختلاف فيها انكاراً لضرورة من ضرورات الإسلام.

فكذلك النكاح الموقت واحد منها إذ كل اختلاف حاصل هو نتيجة الاختلاف في المقدمات والدليل فإذا كان قد ثبت الدليل فهو مبرئ للذمة وها نحن نشرع في بحث المتعة (الزواج الموقت) من الناحية العلمية وما يدل عليه من الكتاب والسنة مراعين في ذلك فهم ادلة القائلين (بالحرمة) ثم تلخيصها ثم النقاش إذا كان له مجال وبعدها الخروج بنتيجة البحث وراعينا في البحث ضوابط المناقشة والاجتهاد في الادلة مهما امكن أخذاً بنظر الاعتبار الضوابط الكلية من الكتاب الكريم مثل قوله تعالى (آلله أذن لكم) وقوله تعالى (ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمن ولقطعنا منه الوتين) وقوله تعالى (ولا تقولوا لما تصف السنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام...) فما يمكن فيه الاجتهاد من فهم الدليل نتبعه وما لم يسمح لنا فيه نتوقف عنه مع ملاحظة أن الله تعالى هو المشرع فقط وان المبلغ عنه هو النبي(ص) بصدق وأمانة. وبالله تعالى نستعين وهو خير معين.

البحث على ضوء اللغة

جاء في لسان العرب لابن منظور مادة (متع) وقد ذكر الله تعالى المتاع والتمتع والاستمتاع والتمتيع في مواضع من كتابه ومعانيها وإن اختلفت راجعة إلى اصل واحد قال الازهري فأما المتاع في الاصل فكل شيء ينتفع به ويتبلّغ به ويتزود والفناء يأتي عليه في الدنيا ثم قال بعد ذلك فلذلك تمتعه بالعمرة إلى الحج أي انتفاعه وتبلّغه بما انتفع به من حلاقة وطيب وتنظيف وقضاء وطر والمام بأهله (ثم ينشأ بعد ذلك احراماً جديداً) والمتعة التمتع بالمرأة لا تريد ادامتها لنفسك ومتعة التزويج بمكة منه.

وبعد ذلك نقل عن الزجاج كلاماً في حرمة المتعة وانه لا يفهم التحليل من الآية ثم قال نقلاً عن الزجاج فان احتج محتج من الروافض بما يروى عن ابن عباس انه كان يراها حلالاً وإنه كان يقرؤها (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى) فالثابت عندنا أن ابن عباس كان يراها حلالاً ثم لما وقف على نهي النبي رجع عن احلالها وقال عطاء سمعت ابن عباس يقول ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد(ص) فلو لا نهيه عنها ما احتاج إلى الزنا أحد إلا شقي.

قال عطاء فهي التي في سورة النساء فما استمتعتم به منهن إلى كذا وكذا من الاجل على كذا وكذا شيئاً مسمى فان بدا لهما أن يتراضيا بعد الأجل وان تفرقا فهو ليس بنكاح قال الازهري وهذا حديث صحيح وهو الذي يبيّن أن ابن عباس صح له نهي النبي(ص) عن المتعة الشرطية وانه رجع عن احلالها إلى تحريمها.

ويقول بعد كلام له وهي المتعة كان ينتفع بها إلى أمد معلوم وقد كان مباحاً في أول الإسلام ثم حرّم وهو الآن جائز عند الشيعة.

ومتع النهار متوعاً ارتفع وبلغ غاية ارتفاعه قبل الزوال.

وفي التنزيل (وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى اجل مسمى) معناه أي يبقيكم بقاءً في عافية إلى وقت وفاتكم.

المتعة الزاد القليل وجمعها متع

قال الازهري وكذلك قوله تعالى: (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع) أي بلغة يتبلّغ بها لابقاء لها.

وفي تاج العروس مادة متع: ومن المجاز المتعة بالضم (أن تتزوج امرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها) وان ذلك بمكة حرسها الله تعالى ثلاثة أيام حين حجوا مع النبي(ص) ثم يخلي سبيلها من غير تزويج ولا طلاق كما في العباب (ملاحظة لعل مقصود من غير تزويج) أي دائم ولا طلاق ولا حاجة إلى الطلاق مع انتهاء الأجل) ونقل كثيراً مما نقله لسان العرب.

وفي القاموس المحيط: متع النهار كمنع متوعاً ارتفع قبل الزوال والمتعة بالضم والكسر للتمتيع كالمتاع وان تتزوج امرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها. ونقل مثله بعض ما جاء في الكتابين.

وفي معجم مقاييس اللغة في مادة (متع) الميم والتاء والعين اصل صحيح يدل على منفعة وامتداده مدة في خير.

ثم قال: قال أبو بكر والمتعة ما تمتعت به ونكاح المتعة التي كرهت احسبها من هذا (وفي الجمهرة ونكاح المتعة الذي ذكر احسبها من هذا).

ثم قال وذهب من أهل التحقيق بعضهم إلى أن الأصل في الباب التلذذ والمتاع الانتفاع بما فيه لذة عاجلة وذهب منهم آخر إلى أن الأصل الامتداد والارتفاع.


خلاصة ما جاء في اللغة وتقييم لبعض الأقوال المنقولة فيها


خلاصة ما في لسان العرب:

1) إن مادة متع بمختلف المشتقات راجعة إلى اصل واحد وأخذ فيه الانتفاع والانتهاء والفناء.

2) المتعة التمتع بالمرأة لا تريد ادامتها ومنه متعة التزويج بمكة.

3) نقل عن الزجاج لا دلالة للآية في تحليلها.

4) إن ابن عباس رجع عن حليتها لما وقف على نهي النبي(ص)

5) عن عطا عن ابن عباس قال ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد(ص) فلو لا نهيه عنها ما احتاج الزنا أحد إلا شقي (وفسّر بالنادر).

6) وفي آخر كلامه كان ينتفع بها إلى أمد معلوم وقد كان مباحاً في أول الإسلام ثم حرّم وهو الآن جائز عند الشيعة.

ونعقب على ذلك في نقاط:

1) إن اللغوي عليه أن يذكر موارد استعمال اللفظ ويتتبع مواردها ويبيّن الحقيقة من المجاز منها مع ذكر الشواهد وفعل ذلك فذكر أن من موارد الاستعمال أن المتعة تستعمل في التزويج ومنه الذي كان بمكة ومنه نعرف صحة تسمية المتعة بالزواج حسب نصه المنقول.

2) إن اللغوي إذا رأى اختلافاً في الدلالة عليه أن يذكر ذلك بموارد أما النزاع الطويل واهتمامه بنقل الخلاف فهذا ليس من دأب اللغوي بل لادخل له بذلك ومنه نعرف أن المسألة دخلت في العقائد اكثر من دخولها في الفروع حتى يبيّن النكير فيها على القول الثاني.

3) كيف يقبل من الزجاج عدم دلالة الآية دون رد مع دلالتها لغة وهذا من الوظيفة اللغوية حيث اصل الدلالة موجود. نعم له أن يستدل بوجود قرائن على دلالتها على غير ذلك فكان عليه بعنوانه اللغوي أن يشير إلى توضيح القرائن لا الاختلاف الفقهي.

4) لم يستند الروافض على زعمه إلى التحليل بقول ابن عباس بل ذلك موجود في الصحاح فكيف غفل وهل كتب الصحاح للروافض فما حمله على ذلك الجهل أم ماذا؟

5) ألم تر كيف حصل التناقض بين نهي النبي ورجوع ابن عباس إليه وبين كونها رحمة رحم الله بها أمة محمد(ص).

6) كيف يتلائم التحريم مع قوله (فلو لا نهيه ما زنى إلا شقي) فمن الذي نهى فهل نهى النبي عنها كما يظهر من كلامه فهل رفع النبي هذه الرحمة ولماذا يريد أن يوقع الأمة في الزنا حيث لو كانت موجودة ما زنا إلا القليل النادر من الناس.

خلاصة التاج:

1) من المجاز المتعة بالضم (أن تتزوج المرأة تتمتع بها أياماً ثم تخلي سبيلها وكان ذلك بمكة ثلاثة أيام حين الحج).

2) قال ثم يخلي سبيلها من غير تزويج ولا طلاق.

3) وقريب منه ما في القاموس المحيط.

4) في معجم مقاييس اللغة: والمتعة ما تمتعت به ونكاح المتعة من هذا.

ونعقب على ذلك:

ما المراد من المجازية وقوله كان ذلك بمكة فهل كان عملهم مجازاً أم ماذا!! وكيف يجمع بين قوله (أن يتزوج المرأة) مع قوله (من غير تزويج ولا طلاق) نعم يمكن توجيهه ذلك من غير تزويج دائم وحينئذ يطلق عليها اسم التزويج غير الدائم وقوله (من غير طلاق) إذ لا حاجة للطلاق وإذا فعلها الأصحاب فلا يمكن الاعابة عليهم بشيء من هذه الكلمات.

البحث على ضوء الكتاب الكريم والتفاسير

تفسير القرطبي:

قال القرطبي في تفسيره في سورة النساء آية 24 قال: الثامنة: قوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن فريضة) الاستمتاع التلذذ. والاجور المهور، وسميّ المهر أجراً لأنه اجر الاستمتاع وهنا نص على أن المهر يسمى أجراً...

التاسعة: واختلف العلماء في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما المعنى فما استمتعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الصحيح فآتوهن أجورهن أي مهورهن إلى أن يقول: قال ابن خُوَيزِ منداد: ولا يجوز أن تحمل الآية على جواز المتعة. لأن رسول الله(ص) نهى عن نكاح المتعة وحرمه ثم استدل على ذلك.

ثم قال القرطبي وقال الجمهور المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام وقرأ ابن عباس وأبيّ وابن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوا أجورهن) ثم نهى عنها النبي(ص) وقال سعيد بن المسيّب نسختها آية الميراث إذ كانت المتعة لا ميراث فيها وقالت عائشة والقاسم بن محمد تحريمها ونسخها في القرآن وذلك في قوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فانهم غير ملومين) وليست المتعة نكاحاً ولا ملك يمين وعن ابن مسعود قال المتعة منسوخة نسخها الطلاق والعدة والميراث وروى عطا عن ابن عباس قال ما كانت المتعة إلا رحمة من الله تعالى رحم به عباده ولولا نهي عمر لما زنى إلا شقي.

ثم قال القرطبي العاشرة: واختلف العلماء كم مرة ابيحت ونسخت ففي صحيح مسلم ساق الرواية إلى أن قال: ثم حرّمها بعد ثلاث. وقال ابن العربي وأما متعة النساء.. إلى أن يقول لان النسخ طرأ عليها مرتين ثم استقرت بعد ذلك.

وقال غيره ممن جمع طرق الأحاديث فيها: إنها تقتضي التحليل والتحريم سبع مرات فروى ابن أبي عمرة إنها كانت في صدر الإسلام وروى سلمة بن الاكوع إنها كانت في عام اوطاس ومن رواية عليّ تحريمها يوم خيبر ومن رواية الربيع بن سبرة ابحاتها يوم الفتح.

ثم ذكر الموارد التي كان فيها التحليل والتحريم وقال في آخر كلامه ويحتمل انه لما كانت عادة النبي(ص) تكرير مثل هذا في مغازيه وفي المواضع الجامعة ذكر تحريمها في حجة الوداع لاجتماع الناس حتى يسمعه من لم يكن سمعه فأكد ذلك حتى لا تبقى شبهة لاحد يدعي تحليلها ولأن أهل مكة كانوا يستعملونها كثيراً.

ثم قال القرطبي الحادية عشرة روى الليث بن سعد بن بكير بن الأشجّ عن عمار مولى الشريد قال سألت بن عباس عن المتعة أسفاح هي أم نكاح؟ قال: لا سفاح ولا نكاح. قلت: فما هي؟ قال: كما قال الله تعالى، قلت هل عليها عدة قال نعم حيضة قلت يتوارثان قال لا قال أبو عمر لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى اجل لا ميراث فيه والفرقة عند انقضاء الأجل من غير طلاق وقال ابن عطية (وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى اجل مسمى وعلى أن لا ميراث بينهما ويعطيهما ما اتفقا عليه وإذا انقضت المدة فليس عليها سبيل ويستبرء رحمها لأن الولد لاحق فيه بلا شك فان لم تحمل حلت لغيره وفي كتاب النحاس في هذا خطأ وأن الولد لاحق فيه بلا شك فإن لم تحمل حلت لغيره وفي كتاب النحاس في هذا خطأ وأن الولد لا يلحق في نكاح المتعة. قال القرطبي قلت هذا هو المفهوم من عبارة النحاس فانه قال وإنما المتعة أن يقول لها اتزوجك يوماً أو ما أشبه ذلك على انه لا عدة عليك ولا ميراث بيننا ولا طلاق ولا شاهد يشهد على ذلك وهذا هو الزنى بعينه ولم يبح قط في الإسلام ولذلك قال عمر لا اوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة.

انتهى ما نقلناه عن القرطبي.

خلاصة وتقييم:

يمكن أن يلخص ما ذكره القرطبي بما نقله من الأقوال والآراء في الآية وفي المتعة في نقاط.

1) الاختلاف في الآية إنها في المتعة أو النكاح الدائم.

2) نسب القول إلى الجمهور أن المراد من الآية نكاح المتعة.

3) قراءة ابن عباس وابيّ وابن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى) ولعلهم يقصدون تفسير الآية وانها نزلت في المتعة من هذه القراءة مع نصهم أنها نزلت في المتعة.

4) إن المتعة نسخت والاختلاف في نسخها على أقوال أن النسخ بالآيات أو بالسنة حيث نقل عن بعضهم أن بعض الآيات نسختها وعن بعض أن النبي(ص) نهى عنها والأقوال في ذلك وصلت إلى سبع مرات في التحليل والنسخ.

5) إنها تسمى نكاحاً كما في قوله رخص لهم أن ينكحوا المرأة بالثوب إلى اجل.

6) قال أن النبي(ص) ذكر تحريمها في حجة الوداع لاجتماع الناس.

7) نقل عن ابن عباس أنها لا نكاح ولا سفاح.

8) نقل عن أبي عمر انه قال لم يختلف العلماء من السلف والخلف أن المتعة نكاح إلى أجل.

9) نقل عن ابن عطية أنها تسمى زواجاً حيث قال قال ابن عطية (وكانت المتعة أن يتزوج الرجل المرأة بشاهدين وإذن الولي إلى اجل مسمى.. الخ)

10) نقل عن النحاس أن المتعة هو الزنا بعينه ولم يبح في الإسلام قط ولذا قال عمر لا أوتى برجل تزوج متعة إلا غيبته تحت الحجارة.

ونعقب على كلامه في نقاط:

1) إن النحاس الذي قال عنها أنها الزنا بعينه ولم يبح في الإسلام فهذا اولاً جهل منه بإباحتها بالاتفاق الذي نقله في عدم اختلاف السلف والخلف.

وثانياً يلزم من قوله نسبة الزنا إلى فاعله وقد فعله جمع من أصحاب رسول الله(ص) كما سيتضح ذلك اكثر في نقل الأحاديث الشريفة.

2) إن الذين انكروا كونها نكاحاً فهو خلاف ما ورد في نقله أنها نكاح بأجل مع نقل الاتفاق عليه وأنها زواج أيضا فمع اطلاق الزواج والنكاح عليها لا مجال لانكار ذلك فلابد على المنكر أن يراجع الأحاديث ثم يتكلم وقد قال الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) فكيف يكون البت أو الإفتاء بدون علم.

3) ثبت بذلك أن الآية وقعت للاستدلال على حلية المتعة حتى من قبل بعض الأصحاب والتابعين من قبل الجمهور الذين نسب القرطبي القول إليهم.

4) أما مسألة النسخ فيأتي البحث عنها في نهاية المطاف.

التفسير الكبير للفخر الرازي:

قال الفخر الرازي في تفسيره الكبير في تفسير هذه الآية:

المسألة الثالثة: في هذه الآية قولان أحدهما: وهو قول اكثر علماء الأمة أن قوله (أن تبتغوا بأموالكم) المراد منه ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح وقوله (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) فإن استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام وإن استمتع يعقد النكاح آتاها نصف المهر.

والقول الثاني: إن المراد بهذه الآية حكم المتعة وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى اجل معين فيجامعها. واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ثم استعرض الفخر الرازي الأقوال وقال أما ابن عباس فعنه ثلاث روايات وخلاصة كلامه الأولى بالاباحة مطلقاً الثانية بالاباحة لا على الاطلاق بل الاضطرار والثالثة التحريم والنسخ. ثم قال واما عمران بن الحصين فانه قال نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول الله(ص) وتمتعنا ومات ولم ينهنا عنه ثم قال رجل برأيه ما شاء.

وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فالشيعة يروون عنه اباحة المتعة وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب انه قال لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنى إلا شقي.

ثم قال واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه الأول أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على ازواجهم أو ما ملكت ايمانهم) وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكة ولسيت أيضا زوجة ويدل عليه وجوه أحدها لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى (ولكم نصف ما ترك ازواجكم) وبالاتفاق لا توارث بينهما. وثانيها ولثبت النسب لقوله عليه السلام الولد للفراش وبالاتفاق لا يثبت. وثالثها لوجبت العدة لقوله تعالى (والذين يتوفون منكم ويذرون ازواجاً يتربصن بأنفسهن اربعة اشهر وعشرا). ثم قال واعلم أن هذه الحجة كلام حسن مقرر.

ثم قال الحجة الثانية ما روى عن عمر رضي ا... عنه انه قال في خطبته متعتان كانتا على عهد رسول الله(ص) أنا أنهى عنهما واعاقب عليهما ذكر هذا الكلام في مجمع الصحابة وما انكر عليه أحد فالحال هنا لا يخلو أما أن يقال انهم كانوا عالمين بحرمة المتعة فسكتوا أو كانوا عالمين بانها مباحة ولكنهم سكتوا على سبيل المداهنة أو ما عرفوا اباحتها وحرمتها فسكتوا لكونهم متوقفين في ذلك والأول هو المطلوب والثاني يوجب تكفير عمر وتكفير الصحابة لان من علم أن النبي(ص) حكم باباحة المتعة ثم قال أنها محرمة محظورة من غير نسخ لها فهو كافر ومن صدقه عليه مع علمه يكونه مخطئاً كافراً، كان كافراً أيضا وهذا يقتضي تكفير الأمة والثالث وهو انهم ما كانوا عالمين بكون المتعة مباحة أو محظورة فلهذا سكتوا فهذا أيضا باطل لان المتعة بتقدير كونها مباحة تكون كالنكاح واحتياج الناس إلى معرفة الحال في كل واحد منهما عام في حق الكل ومثل هذا يمنع أن يبقى مخفياً بل يجب أن يشتهر العلم به فكما أن الكل كانوا عارفين بان النكاح مباح وان اباحته غير منسوخة وجب أن يكون الحال في المتعة كذلك ولما بطل هذا القسمان ثبت أن الصحابة إنما سكتوا عن الانكار على عمر رض ا... لانهم كانوا عالمين بان المتعة صارت منسوخة في الإسلام ثم قال الحجة الثالثة على أن المتعة حرام - ونقل ثلاث روايات عن الواحدي في البسيط منها وروى عنه(ص) انه قال (متعة النساء حرام) ثم قال وظاهر أن النكاح لا يسمى استمتاعاً لأنا بيّنّا أن الاستمتاع هو التلذذ ومجرد النكاح ليس كذلك.

خلاصة وتقييم لما قاله الفخر الرازي:

وخلاصة ما نستفيده من كلامه:

1) أن في الآية قولين: الأول المراد بالآية النكاح الدائم وهو قول الأكثر. القول الثاني: المراد بهذه الآية حكم المتعة.

2) نقل الاتفاق على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام.

3) نقل عن ابن عباس ثلاثة أقوال فيها (أ) الاباحة المطلقة (ب) الاباحة لا على الاطلاق بل الاضطرار (ج) التحريم والنسخ.

4) نقل عن عمران بن الحصين أن الآية نزلت في المتعة ولم تنسخ في كتاب الله ومات النبي ولم ينه عنها وانه قال رجل برأيه ما شاء.

5) نقل عن الطبري في تفسيره قول علي رضي الله عنه لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما زنا إلا شقي.

6) احتج عن الجمهور على الحرمة بوجوه: (أ) لا يحل الوطئ إلا في الزوجة والمملوكة للآية وهي ليست زوجه (ب) نقل الاتفاق على عدم النسب وقال(ص) الولد للفراش (ج) عدم وجوب العدة وقد نزلت في عدة الزوجة آية.

7) حسّن الحجج المذكورة آنفاً.

8) نقل نهي عمر عنها وانه قاله في مجمع الصحابة وسكتوا عليه اقراراً منهم لا مداهنة ولا جاهلين ومتوقفين وإلا لوجب الجهل عليهم وهو باطل لأنهم كانوا عالمين بها مع معاشرتهم للنبي(ص) أو يستلزم تكفيرهم مع عمر وهو باطل.

ونعقب على كلامه في نقاط:

1) مع ملاحظة ما قاله عمران بن الحصين وابن عباس وغيرهم في أن الآية نزلت في المتعة ومع ما لاحظت من تفسير القرطبي أن المتعة تسمى زواجاً ونكاحاً فلا مجال لانكار كون الوطء فيها في غير الزوجة وانه محرم بل الوطء وطء الزوجة وإلا فهل كان الأصحاب في زمن النبي(ص) حينما كانوا يتمتعون يفعلون حراماً، كلا وحاشاهم فإن قلت أنها كانت حلالاً ثم نسخت نقول سيأتي حول بحث النسخ أن هذه الآية مكية وآية المتعة مدنية ولا يعقل تعلق النسخ بها بل يكون الأمر بالعكس حيث ضيّق في الآية المكية ووسع في الآية المدنية فادعاء أن الوطء فيها محرم وفي غير الزوجة ادعاء باطل نشأ من عدم دقة النظر في لسان الأدلة الشريفة.

2) ما نقله من الاتفاق على عدم النسب باطل لأمرين الأول للإتفاق على انه يثبت النسب لكل من قال بالحلية قال بالنسب فراجع في ذلك وهذا إما قول مع الجهل افتراء وتمويه والثاني قد ولد لبعض الأصحاب أولاد من المتعة وثبت نسبهم فكان عليه أن يحتاط في الكلام لئلا يلزم منه النيل من أصحاب النبي(ص).

3) ما نقله من عدم العدة حاله كالسابق فأنه فيه عدة بالاجماع من الذين يقولون بالحلية ومدتها حيضتان فهل جهل الفخر بالحال فوقع منه الافتراء دون علم.

4) أما قوله بان الأصحاب سكتوا: أولاً لم يسكت كلهم بل تكلم البعض وسكت آخرون وسيأتي في نقل الأحاديث الشريفة. وثانياً ما ذكره من كفر عمر أو الأصحاب إذا سكتوا وكانت حلالاً فغير لازم وغير صحيح وسيوافيك عن بعض الأمور الأخرى التي سكتوا عنها والأمة على خلافها الآن ولم يحكم أحد بالكفر بل لم يخطر ببال أحد ذلك فما ذكره صرف تهويل لا استدلال نشأ من عدم المعرفة بتاريخ الخلفاء والقضايا المعاصرة لهم.

تفسير الكشاف:

قال الزمخشري في الكشاف في تفسير الآية (فما استمتعتم به منهن) فما استنفعتم به من المنكوحات من جماع أو خلوه صحيحة أو عقد عليهن (فآتوهن أجورهن) عليه إلى أن يقول وقيل في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتح الله مكة على رسول الله(ص) ثم نسخت كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً ليلة أو ليلتين أو اسبوعاً بثوب أو غير ذلك ويقضي منها وطره ثم يسرّحها سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها. وعن عمر لا أوتى برجل تزوج امرأة إلى اجل إلا رجمتهما بالحجارة. وعن النبي(ص) انه اباحها ثم اصبح يقول (أيها الناس إن كنت امرتكم بالاستمتاع من هذه النساء الا أن الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة) وقيل ابيح مرتين وحرم مرتين وعن ابن عباس إنها محكمة يعني لم تنسخ وكان يقرأ (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى) ويروى انه رجع عن ذلك عند موته وقال اللهم إني اتوب إليك من قولي بالمتعة.

خلاصة وتقييم لما قاله الزمخشري:

1) الآية فيها قولان: الأول النكاح الدائم مع الخلوة أو العقد.

الثاني: في المتعة التي كانت حين فتح مكة ثلاثة أيام.

2) إنها نسخت.

3) تسمية المتعة بالنكاح حيث قال كان الرجل ينكح المرأة وقتاً معلوماً... ثم يسرحها.

4) نقل قول عمر انه يرجم عليها إذا أوتي برجل تزوج امرأة إلى اجل فسماها زواجاً.

5) حرمها النبي إلى يوم القيامة.

6) قال قيل ابيح مرتين وحرم مرتين.

7) نقل عن ابن عباس أنها محكمة يعني لم تنسخ.

8) روى عنه انه رجع عنها عند موته وتاب إلى الله من قوله.

ونعقب على قوله في نقاط:

1) ذكر أقوالاً متضاربة ولم يذكر القول الفاصل فيها لحل التعارض.

2) كيف يجمع بين قوله محكمة يعني لم تنسخ وبين قوله رجع. فهل يعني رجوعه الكذب الذي صدر منه وهل يمكن نسبة الكذب لابن عباس حبر الأمة.

3) إن قلت لعله لم يطلع على الناسخ ثم عرفه كما يفهم من بعض الأقوال قلت توبته إلى الله تفهم على انه كان خاطئاً فكان عليه أن نبه أن قوله السابق أنها محكمة خطأ فلم ينبه وهذا خطأ آخر وسيأتي الصواب من قول ابن عباس والظرف الذي كان يعيشه فكيف كان يعلن في زمن عمر أنها حلال وفي آخر حياته رجع فلم لما ذكره عمر لم يرجع عن قوله فهذه الأقوال لابد من التدقيق فيها حتى تظهر الحقيقة وسيأتي بحثها إنشاء الله.

تفسير الشوكاني:

وقال الشوكاني في فتح القدير في الآية الشريفة (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) ما موصولة فيها معنى الشرط والفاء في قوله (فآتوهن) لتضمن الموصول معنى الشرط والعائد محذوف أي فآتوهن أجورهن عليه وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي (فآتوهن اجورهن) أي مهورهن وقال الجمهور أن المراد بهذه الآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ويؤيد ذلك قراءة أبي ابن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن اجورهن) ثم نهى عنها النبي(ص) إلى آخر كلامه.

خلاصة وتقييم لقول الشوكاني:

1) نقل اختلاف أهل العلم في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد وغيرهما المراد الاستمتاع بالنكاح أي الدائم.

2) قال قال الجمهور أن المراد بالآية نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام.

3) ايّد هذا القول بقراءة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير.

4) قال ثم نهى عنها النبي(ص).

تعقيب على قوله:

لم يذكر الشوكاني كيف نهى النبي عنها فهل كان نهيه نسخاً لها وهل السنة تنسخ القرآن وحيث أنه لم يدعي أن الآية مع دلالتها على ذلك نسخت بآية أخرى خصوصاً مع تأييده بقراءة أبي وابن عباس وسعيد حيث يظهر أن القراءة تدل على اصرارهم بالقول بالمتعة فكيف لم يأخذوا قول النبي(ص) حتى وصل الأمر إلى التابعين فمع وجود هذا الاضطراب في الأقوال لم يكن البحث عنها موضوعياً مستوفياً لان كل واحد من أصحاب الآراء يأخذ قولاً ويستند إلى مجموعة من الأحاديث ويترك بقية الأقوال والأحاديث ولم يجد حلاً لها إلا الانكار على القول الآخر والافتراء إذن فلابد أن يكون البحث مستوفياً وموضوعياً وسيوافيك إنشاء الله تعالى.

تفسير المراغي:

ويقول المراغي في تفسيره في الآية الشريفة وملخص كلامه أن نكاح المتعة كان مرخصاً في بدء الإسلام ثم نهي عنه نهياً مؤبداً. ثم يقول بعد اتمام كلامه ومنع نكاح المتعة يقتضي نهي منع النكاح بنية الطلاق ولكن الفقهاء اجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه في العقد وإن كان كتمانه يعد خداعاً وغشاً وعبثاً بهذه الرابطة العظيمة التي هي من أعظم الروابط البشرية.. الخ.

خلاصة وتقييم قول المراغي:

1) كان نكاح المتعة مرخصاً في بدء الإسلام.

2) نهي عنه نهياً مؤبداً.

3) قال منع نكاح المتعة يقتضي منع النكاح بنية الطلاق ولكن الفقهاء اجازوه إذا نواه الرجل ولم يشترطه في العقد.

4) إن هذه النيّة وكتمانها يعد خداعا وغشاً وعبثاً بهذه الرابطة العظيمة.

تعقيب على كلامه:

إنه أثار غبرة وتركها فما هو الحل؟ هل يأخذ بالخداع ويصح ويبنى عليه حتى لو كان غشاً وعبثاً أم لا يؤخذ به فلا يصح النكاح بنية الطلاق وقد صححه القوم مع وجود الغش والخداع فهل إذا صح ذلك يصح القول بالمتعة أم لابد من بطلان المتعة ببطلان هذا القول فإذا رأى المراغي الملازمة موجودة ويمكن السير من تصحيح الفقهاء للنكاح بنية الطلاق إلى تصحيح المتعة فكيف تفعل بنهي النبي(ص) المؤبد؟

وسيوافيك الحل بعونه تعالى.

تفسير الطبري:

قال الإمام أبو جعفر الطبري في جامع البيان، ج4، ت(310هـ)، ص9، في الآية (فما استمتعتم...) هو النكاح إلى أن يقول وقال آخرون بل معنى ذلك فما تمتعتم به منهن باجر تمتع اللذة لا بنكاح مطلق على وجه النكاح الذي يكون به ولي وشهود ومهر ذكر من قال ذلك حدثناً ثم يسرد الأحاديث في ذلك منها:

1) بسنده عن السدي (فما استمعتم به منهن إلى اجل مسمى فآتوهن اجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيم به من بعد الفريضة) فهذه المتعة، الرجل ينكح المرأة بشرط إلى اجل مسمى ويشهد شاهدين وينكح باذن وليها وإذا انقضت المدة فليس له عليها سبيل وهي منه برية وعليها ان تستبرئ ما في رحمها وليس بينهما ميراث ليس يرث منهما واحد صاحبه.

2) وبسنده عن مجاهد بعد ذكر الآية قال يعني المتعة.

3) وبسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن ابيه قال اعطاني ابن عباس مصحفاً فقال هذا على قراءة أبيّ قال أبو بكر قال يحيى فرأيت المصحف عند نصير فيه فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى.

4) وبسنده عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن متعة النساء قال أما تقرأ سورة النساء قال قلت بلى قال فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن إلى اجل مسمى) قلت لولا قرأتها هكذا ما سألتك قال فإنها كذا.

5) وبسنده عن شعبة عن الحكم قال سألته (أي سأل شعبة الحكم) عن هذه الآية والمحصنات من النساء إلا ما ملكت ايمانكم إلى هذا الموضع فما استمتعتم به منهن. أمنسوخة؟ قال لا. قال الحكم وقال علي رضى الله عنه (لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي).

وقال الطبري في آخر تفسير الآية لقيام الحجة بتحريم متعة النساء على لسان رسول الله(ص).

خلاصة وتقييم ما قاله الطبري:

1) في الآية قولان الأول هو النكاح أي الدائم.

الثاني أنها في المتعة.

2) نقل عن السدي أنها المتعة فيها اجل وشاهدان مع إذن وليها وتستبرء ما في رحمها ولا ميراث ولا سبيل له عليها بعد المدة وهي منه بريئة.

3) نقل عن مجاهد أن الآية في المتعة.

4) نقل في قراءة ابن عباس وابي (إلى اجل) وعن ابن عباس أيضا أنها متعة النساء.

5) عن الحكم أن الآية ليست منسوخة وقال الحكم قال علي رضي الله عنه لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي.

6) وقال الطبري اخيراً إنها محرمة على لسان النبي(ص).

ونعقب على ذلك في نقاط:

1) كيف يجمع الطبري بين عدم نسخها وبين تحريم النبي وهل معنى قوله إلا أن يقال عدم وجود النسخ من كتاب الله وان نهي النبي يعتبر نسخاً لها ثم البحث هل هذا ممكن أم لا؟

2) لماذا لم يرد على تلك الأقوال ويخطئها بعنوان مفسر للآية وهل تلك الآراء يمكن الأخذ بها فإذن لماذا تشنع على الآخرين بها فهل هم إلا اخذوا بقول بعض الصحابة أو التابعين.

نتيجة البحث في التفاسير

لا شك ولا خلاف أن الآية (فما استمتعتم به منهن فآتوهن اجورهن) نازلة في سورة النساء آية 24 وقد نزلت في النصف الأول من عهد النبي(ص) بعد الهجرة على ما يشهد به معظم آياتها وقد عرفت دلالة اللغة على هذا النكاح والزواج في لفظ المتعة من البحث اللغوي وكذلك عرفت نقل المفسرين اقوالاً تدل على أن الآية نزلت في متعة النساء وعلى ذلك جمع من مفسري الصحابة والتابعين منهم ابن عباس وابن مسعود وابي بن كعب وقتادة ومجاهد والسدي وابن جبير وغيرهم. وعمران بن الحصين والذي يظهر للمتتبع انه لا أشكال في دلالتها على متعة النساء من خلال ما كثر فيها من الكلام والنقض والابرام في أن أية آية نسخت آية المتعة ويظهر لك بنحو اليقين أن لم ؟؟؟ إليه من الابحاث الماضية من البحث في السنة المطهرة فانتظر وكن معنا في سير البحث.

ادعاء الآيات الناسخة وعدم دلالتها

وقد اختلفوا في الناسخ لها واليك الأقوال في ذلك

1) إن الآية منسوخة بآية رقم7 من سورة المؤمنون (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم فانهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) ولا يخفى عليك لا تصلح هذه الآية المكية لنسخ الآية المدنية المتأخرة ولا شك كانت المتعة حلالاً بعد هذه الآية فالقول بالنسخ بها ناشئ من عدم الدقة في تحليلها وتحريمها. مضافاً إلى انه لا يصدق عليها الابتغاء ما وراء ذلك لصدق عنوان الزوجة والنكاح فيها كما مرّ عليك في اللغة والتفاسير ويؤيده ما سيأتي من رواية الترمذي عن ابن عباس فكن معنا وعليه يمكن القول أن الآية المدنية وسعت عنوان الزوجة من الدائم إلى المتمتع بها.

2) إنها منسوخة بآية العدة (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن) سورة الطلاق1 وقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) البقرة 228 وان الانفصال يكون بالطلاق والعدة ولا يصلح ذلك للنسخ أيضا لأنه اولاً أن المتعة لها عدة وخصصت العدة بقرئين وثانياً إنها غير متوقفة على الطلاق لعمل الأصحاب بها دون طلاق ولو كان لها طلاق دون تخلية السبيل لذكر لهم النبي(ص) ذلك ولعملوا به ؟؟؟ العدة والطلاق خارجان عنها لاختصاصهما بالدائم والمتعة لها أحكام ولا تقاس باحكام الدائم وان سميت نكاحاً وزواجاً مع أن آية المتعة في سورة النساء وهي متأخرة عن سورة البقرة إذ سورة البقرة أول سورة نزلت ونزل فيها مقدار العدة فلما حلت المتعة وعمل بها الأصحاب إلى عام الفتح أو حجة الوداعه ولم يكن فيها طلاق مع اختلاف مقدار العدة.

3) إنها منسوخة بآية الميراث (ولكم نصف ما ترك ازواجكم) النساء12 وحيث لا ارث في المتعة فتدل هذه الآية إذا صدق الزواج والزوجة فلابد من الميراث فتكون ناسخة بالملازمة للمتعة. ولا دلالة لها على ذلك إذ الآية اولاً نزلت قبل آية المتعة حيث دل السياق أن نزولها مترتب حتى آية المتعة فالمتقدم لا يدل على نسخ المتأخر وثانياً أن الآية اثبتت الإرث للزوجة فشمل المتعة لأنها زوجة غاية الأمر خرجت بالدليل المخصص الذي كان عليه عمل الأصحاب بعد نزول هذه الآية إلى أواخر البعثة فلا تكون ناسخة لها.

4) إنها منسوخة بآية التحريم (حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم...) النساء23 ولا دلالة للنسخ فيها لأنها اولاً تعرضت للنساء المحرمات على الرجال في النكاح وثانياً جاءت الآيات متناسقة فكيف يدل الصدر على نسخ العجز مع أن الناسخ على هذا القول في آية 23 والمنسوخ في آية 24 وقد نزلتا معاً إذ الآية 24 بقية كلام آية 23 والاستثناء منها. وثالثاً لا مباينة بين الآيتين حتى تكون ناسخة. إن قيل فلم لم تتعرض الآية للنكاح الدائم قلنا قد تعرضت الآيات التي قبل هذه الآية في أول السورة حيث بين بقوله تعالى (فانكحوا ما طالب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) النساء3 في آية 23توضيح عدم جواز النكاح في هذه الطوائف من النساء. وحيث ذكر في آية 3 في أول السورة النكاح الدائم ومقدار العدد الجائز منه فلا داعي لتكراره مرة ثانية في آية 24 والمتتبع يرى أن سورة النساء من أول آية إلى عشرين آية حول النساء ونكاحهن الدائم وما يترتب عليه من ميراث وطلاق وغير ذلك ففي آية 24 تعرض لنكاح المتعة وملك اليمين وبالتدبر والتأمل في الآيات المذكورة من الآية الأولى إلى الآية 24 يرى أن الآية تتكلم حول المتعة مع الاستعانة بما ورد من تفسير يحصل القطع واليقين بذلك دون شك وريب.

5) إنها منسوخة بآية العدد آية4 من النساء قوله تعالى (فانكحوا ما طالب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) ولا دلالة لها على النسخ لأنها أولاً بيّنت العدد في النكاح الدائم وليس فيها تعرض للمنقطع وثانياً لا مباينة بينهما حتى يوجب النسخ مع أن آية المتعة متأخرة عنها حسب ما يظهر من السياق هذا اعرف واظهر ما جاء في التفاسير حول نسخ الآية بالآيات. نعم قد قيل أنها منسوخة بالسنة في عام خيبر أو عام الفتح أو حجة الوداع فسيأتي البحث عنه في السنة المطهرة إنشاء الله تعالى وبهذا تبيّن لك تمامية دلالة الآية المباركة على المتعة ولا غبار على ذلك سوى ما تثيره العصبيات وانها محكمة في الدلالة على ذلك كما قاله عمران بن الحصين والحكم وغيرهما دون نسخ بآية أخرى. ومن احب المزيد من الاطلاع على حقيقة الأمر وصحة دلالة الآية فليراجع تفاسير القدامى ولينظر إليها بدقة وتأمل فسوف يجد طلبته إن لم تصده عن ذلك عواصف العصبية (أو ألقى السمع وهو شهيد). هذا نهاية البحث على ضوء الكتاب الكريم والتفاسير الشريفة.