2000   آيلول

1421  جمادي الثاني 

49   العدد

مجلة   النبأ

بحث قرآني..

تنزيه الأنبياء من الإسرائيليات

كليم الله نموذجاً

إبراهيم محمد جواد

(وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم؟…) الصف:5.

(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى من قبل فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً) الأحزاب:69.

كثيرة صور الأذى التي صبّها بنو إسرائيل على نبيهم الكليم موسى(ع)، وهو الذي بعثه الله سبحانه وتعالى لخلاصهم ورفع نير الظلم والاستعباد والتسلط عنهم ونشر نور الهداية والإيمان في قلوبهم.

ولقد تعددت هذه الصور وتكررت على مدى العمر المديد الذي عاشه موسى(ع) بينهم، وحاول من خلاله أن يقودهم في دروب الهداية والكمال والعروج بهم نحو سمو الروح وصفاء النفس ونقاء القلب والسير بهم في أنظف مسالك الممارسة والسلوك.

لكن قلوبهم المتحجرة، ومشاعرهم المتبلدة أبت إلا أن تقابله بالجحود والعناد ونكران الجميل وعدم الانصياع لتعاليمه الربانية والتمسك بالتقاليد البالية والعادات المنحطة.

ولقد سجل القرآن الكريم عليهم مواقفهم المتعنتة تلك ووصف صور الإيذاء الكثيرة التي كانوا يقابلون بها نبيّهم موسى(ع)، وفيما يلي بعض من تلك الصور والمواقف:

(وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون) الأعراف: 138.

(ولقد جاءكم موسى بالبينات، ثم اتخذتم العجل من بعده وانتم ظالمون، وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور، خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا، قالوا سمعنا وعصينا، وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم) البقرة: 92-93.

(وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) البقرة: 55.

(يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلوا خاسرين، قالوا يا موسى إن فيها قوماً جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) المائدة: 21-22.

(قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) المائدة: 24.

على أنهم لم يكونوا يكتفون بهذه الصور من الإيذاء بل كانوا كثيراً ما يتآمرون للإساءة لموسى وتشويه سمعته وتدبير قتله وما أكثر ما رموه وأخاه هارون بالجنون ونسبوا إليهما الكذب ونسبوهما إلى السحر وما إلى ذلك من صور الإيذاء الكثيرة.

ـ خرج هارون مرة مع أخيه موسى(ع) إلى بعض الكهوف فمات هناك فدفنه موسى وانصرف. فسأله بنو إسرائيل عن هارون فأخبرهم الخبر، قالوا: كذبت وإنما قتلته لحبنا إياه. فانطلق بهم إلى موضع قبر هارون وناداه فخرج هارون من قبره ينفض رأسه. قال موسى: أنا قتلتك يا هارون؟! قال لا والله ولكني مت. ثم عاد إلى مضجعه في قبره(1).

ـ وفيما موسى قائم ذات يوم يعظ قومه ويتلو عليهم كتاب الله تعالى قامت إليه بغية من بغايا بني إسرائيل فقالت له: تعظ يا موسى كأنك قديس وقد فعلت بي بالأمس كذا وكذا؟!

فلما ناشدها موسى بالله تعالى وغلظ عليها الإيمان اعترفت أن قارون استأجرها وأغراها بالمال الكثير وأن بني إسرائيل قد دفعوها وزينوا لها أن تقول هذا عن موسى. ثم استغفرت وتابت(2).

وحاول موسى أن يهز مشاعر بني إسرائيل وأن يحرك وجدانهم وأن يستنصرهم على قارون والسامري ومن كان على شاكلتهما من بني إسرائيل ليكفوا عن أذاه فتوجه إليهم يخاطبهم، كما حكى الله سبحانه وتعالى عنه:

(يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم؟.) الصف: 5.

إلا أن بني إسرائيل لم يكفوا عن إيذاء نبيهم موسى(ع) في حياته وبعد مماته وليس هذا بمستغرب من اليهود.

لكن الغريب حقاً هو موقف بعض المسلمين من نبيهم محمد(ص) ومن الأنبياء(ع) قبله. فرغم التحذير الخاص الموجه إليهم دون غيرهم والمتمثل في قول الباري عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى من قبل فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً) الأحزاب: 69.

أقول رغم هذا التحذير فانهم انطلقوا ـ أثناء تفسيرهم وتحليلهم لهذا التحذير ـ ينسبون إلى رسول الله(ص) روايات توراتية باطلة يؤذون بها نبي الله موسى(ع) ونبيهم محمداً(ص) من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون.

وهذه صور من هذا الإيذاء الكبير:

فعن أبى هريرة أن رسول الله(ص) قال:

(كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده. فقالوا والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه آدر(3). فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه فخرج موسى في أثره يقول: ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر، ثوبي يا حجر. حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقالوا: والله ما بموسى من بأس، وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً)(4).

وفي تفسير القمي عن أبى بصير عن الإمام الصادق(ع) أن بني إسرائيل كانوا يقولون: ليس لموسى ما للرجال. وكان موسى إذا أراد الاغتسال ذهب إلى موضع لا يراه فيه أحد. فكان يوماً يغتسل على شط نهر وقد وضع ثيابه على صخرة فأمر الله الصخرة فتباعدت عنه حتى نظرت بنو إسرائيل إليه فعلموا أنه ليس كما قالوا. فأنزل الله تعالى: فبرأه الله مما قالوا.. الآية)(5).

وعن أبى هريرة أنه قال:

أرسل ملك الموت إلى موسى(ع) فلما جاءه صكّه، فرجع إلى ربه فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت؟..)(6)

وفي رواية همام عن أبى هريرة:

(جاء ملك الموت إلى موسى(ع) فقال له: أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها..)(7).

وفي رواية عمار عن أبى هريرة:

(كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتى موسى فلطمه ففقأ عينه.. فكان - أي بعد ذلك - يأتي الناس خفية)(8).

يا سبحان الله!! آذى بنو إسرائيل موسى(ع) في حياته وبعد مماته، وكم قتلوا بعد موسى من أنبياء لهم جاؤوهم يحملون لهم الهداية والنور ويدعونهم إلى سواء السبيل فسخروا منهم وعذبوهم وآذوهم ثم قتلوهم.

أولئك بنو إسرائيل، فما بال هؤلاء المسلمين من أمة محمد(ص) يقتفون آثارهم ويدخلون مداخلهم ويضاهئون أفعالهم وأقوالهم فيؤذون الأنبياء ويؤذون نبيهم محمد(ص) بروايات توراتية كاذبة يروونها عن يهود وينسبونها إلى خاتم الرسل والأنبياء، وقد نهوا عن ذلك وتلا عليهم رسول الله ذلك التحذير الخاص الموجه إليهم: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى من قبل).

وشفع ذلك التحذير الخاص بنذير شديد:

(من كذب عليّ عامداً فليتبوأ مقعده من النار)(9).

أما إن ذلك لعجيب.

لنتأمل ونفكر في هذه الروايات:

(1)

لقد كان موسى(ع) نبياً رسولاً أي ذا شريعة، وكانت شريعته(ع) التمهيد الأخير والأرضية الواسعة لشريعة خاتم الرسل والأنبياء سيدنا محمد(ص)، فلنسأل أنفسنا: أفلم يكن في شريعة موسى(ع) - لا في جانبها القانوني ولا في جانبها الأخلاقي - ما يحرم كشف السوأة ويدعو إلى سترها؟ أكان دين موسى(ع) إباحياً يبيح العري بين النساء والرجال أو بين أفراد كل جنس من هذين الجنسين؟ فكيف يروي أبو هريرة: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟!

(2)

لنفرض أن معظم بني إسرائيل كانوا يفعلون ذلك في زمن نبيهم موسى كما يفعلونه اليوم - ليس لأن دين موسى يبيحه لهم ولكن لفسقهم وعدم التزامهم بالدين، كما هو شأن الكثير من الناس اليوم - حتى المسلمين - فلابد والحال هذه أن بعض المؤمنين الملتزمين - مهما قل عددهم - لم يكونوا يفعلون ذلك مثل بقية بني إسرائيل، فلم لم يرموهم بعيوب جسدية أو نفسية أو ما شابه ذلك كما رموا موسى؟! ولماذا أغفلت الرواية ذكر هؤلاء وخصت موسى وحده بهذه الالتزام الديني أو الأخلاقي؟

(3)

لنذهب أبعد من ذلك فنفرض - جدلاً - أن شريعة موسى قد سكتت عن أمر العري وكشف السوأة أمام الغير، فلم تحرم ولم تبح وتركت ذلك للعرف العام والعادات السائدة، ولنفرض - جدلاً أيضاً - أن كل الأديان السابقة كانت إباحية فلم تُقِمْ للأخلاق بناءً ولم تُعِرْ هذا الأمر أهميةً، فقام العرف على العري وتأسست العادات على كشف السوءات واغتسال الناس أمام بعضهم عراةً، وأن موسى(ع) إنما كان يلتزم الستر أخلاقياً من دون قومه من بني إسرائيل، فهل أخوه ووزيره النبي هارون(ع) كان بلا أخلاق وكان يغتسل عرياناً مع بني إسرائيل أم كان حييّاً ستّيراً كأخيه موسى؟! وإذا كان - كما هو المفروض واللازم - كأخيه موسى فلم أفرد بنو إسرائيل موسى بالغمز واللمز دون أخيه هارون؟!

(4)

لعل هناك من تدفعه الجرأة - أو التعصب - إلى القول بأن هارون(ع) ربما لم يكن حيياً ستيراً ملتزماً آداب الحشمة والستر متمسكاً بالأخلاق وإنما كان إباحياً يفعل ما يفعله عامة بني إسرائيل - كما هو ظاهر الروايات - لعدم حرمة ذلك في شرعة موسى ولا فيما قبلها من ديانات وشرائع الأنبياء، ولذلك خص بنو إسرائيل موسى بأنه أبرص أو آدر أو ليس له ما للرجال أو ما إلى ذلك، فما خطر هذا الغمز واللمز لموسى؟! وما أثره على شخصيته؟!

إنه غمز ولمز.. نعم، وهو إيذاء لموسى(ع)، أيضا، ومجال للتندر والتفكه بين الناس!! لا نشك في ذلك كله أبداً، ولكنه ليس من الخطر وكبير الأثر بحيث يبادر رب العزة سبحانه إلى تبرئة نبيه موسى من هذا الاتهام الخطير ولو بما يُخلّ بالشرائع والأخلاق والآداب الإنسانية الفطرية العامة، مما ينفر منه الناس أو عقلاؤهم وأصحاب الفطرة السوية فيهم على الأقل، وخاصة إذا صدر ممن عرف عنه الالتزام الكامل بالشرائع والتمسك الدائم بالحشمة والعفة والأخلاق، فما بالك فيمن جاء يبني هذه الشرائع والآداب ويرسخ أسسها وقواعدها ويرفع عالياً بنيانها لأنها من فطرة الله في الإنسان ورثها من أبوي البشر آدم وحواء منذ كانا في الجنة:

(فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) الأعراف: 22.

(فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) طه: 121.

على أن ذلك يخلّ بالمسلمات العقلية كذلك، فهذا الحجر الذي فر بثياب موسى(ع) إما هو جماد لا يعقل ولا يدرك فكيف يصح في العقول والإفهام أن يتوجه إليه موسى بالخطاب وأن يناديه: ثوبي يا حجر أو ثوبي حجر. أي قف أيها الحجر وردّ عليّ ثوبي، أو أوقفوا هذا الحجر أيها القوم وردوا عليّ ثوبي.وإما هو - الحجر - مخلوق عاقل مدرك قد فر بثوب موسى بأمر من الله تعالى كيما يمر موسى عارياً تماماً أمام أعين بني إسرائيل فيروا بأم أعينهم أن موسى تام الخلقة سليم البدن كامل الأعضاء معافي من أي عاهة، وأنه ليس كما قالوا عنه، وحينئذ يكون هذا المخلوق الحجر سبباً لتبرئة موسى مما قال عنه بنو إسرائيل، فكيف يضربه موسى وكأنه مجرم؟! أما كان من حق هذا المخلوق الحجر على موسى أن يثيبه وأن يشكره لأنه كان سبباً لتبرئته مما كان يرميه به بنو إسرائيل؟! وعلى هذا فأن موسى(ع) إما كان يخاطب ما لا يعقل ولا يدرك! أو كان يوقع العقاب على بريء لم يقارف ذنباً ولم يرتكب إثماً!! أو كان يقابل الإحسان بالاساءة ويقدم العقاب بدل الثواب!! وهذا ما لا يمكن أن يكون في نبي رسول كونه منافياً لعصمتهم(ع)؟!

(5)

على أن تفسير الآيتين اللتين توجنا بهما هذا البحث لا يستدعي اللجوء ـ حصراً ـ إلى هذه الروايات التوراتية، ولا يتطلب قبولها إلى جانب الروايات الأخرى، فثمة صنوف كثيرة من أذى بني إسرائيل، لنبيهم موسى(ع)، وقد برأه الله تعالى منها جميعاً، ومنها، رميه بالكذب والجنون ونسبته إلى السحر واتهامه بقتل أخيه هارون(ع) وقذفه بالزنا إلى كثير من صنوف الأذى الأخرى التي قدمنا بعضها في هذا البحث.

(6)

ولا يكاد ينقضي العجب من أولئك الرواة الذين رووا على لسان رسول الله(ص) أن سيدنا موسى(ع) قد تمرد على أمر الله سبحانه وتعالى واعتدى على ملك الموت دونما ذنب جناه أو جريرة اقترفها فلطمه على عينه ففقأها!!

إن أعتى العتاة وأشد البغاة وأغلظ الجبابرة لا يجرؤ على تلك الفعلة ولا يقدم عليها فما بالك بنبيّ من أنبياء الله يعلم أن أمر الله تعالى كائن لا محالة وأن الموت حق لا مفر منه وأن ملك الموت مأمور لا ذنب له ومقهور لا خيار أمامه، فكيف يفعل موسى(ع) ذلك؟! أم يريد أولئك الرواة أن نصدق على سيدنا موسى قول ذلك القبطي ـ كما حكاه القرآن الكريم ـ:

(إن تريد إلا أن تكون جبّاراً في الأرض، وما تريد أن تكون من المصلحين) القصص: 109.

نحن أمام افتراضين اثنين لا ثالث لهما: فموسى إما هو جبّارٌ مفسد في الأرض أو هو نبيّ رحيم يحمل للناس رسالة الهدى والنور والإصلاح!! والله سبحانه وتعالى يقول: (وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدىً لبني إسرائيل) الإسراء: 2.

(واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً) مريم: 51.

لقد كان بنو إسرائيل يكرهون نبيهم موسى وأخاه هارون(ع)، بل إن بني إسرائيل لم يكونوا ليحبوا نبياً من الأنبياء على الإطلاق.

لقد طغت عليهم المادية حتى أعمت أبصارهم وبصائرهم وأزاغت قلوبهم وأفئدتهم، وحجّرت أحاسيسهم ومشاعرهم وأفسدت أذواقهم وطبائعهم، وانحرفت بهم عن الفطرة السليمة والأخلاق القويمة، فقتلوا من الأنبياء من قتلوا وصلبوا منهم من صلبوا ونالوا بالأذى منهم من نالوا وشوهوا سمعتهم في حياتهم وبعد مماتهم وأساءوا إلى سيرتهم على مر العصور وكر الدهور، وقلبوا حقائق التاريخ وحرّفوا كتب الله المنزلة إليهم وأساءوا إلى الأمم واعتدوا على الشعوب. ولا زال هذا ديدنهم إلى وقتنا الحاضر.

لكن ما بالنا نحن، والله سبحانه وتعالى ينادينا ويحذرنا ويخاطبنا ويؤدبنا وينهانا أن نكون مثلهم؟! ما بالنا لم يمنعنا ذلك الخطاب ولم يحجزنا ذلك التحذير عن اتباع اليهود فيما آذوا به نبيّ الله موسى(ع)، فآذيناه كما آذوه وزدنا عليهم أن آذينا معه نبينا ورسولنا محمداً(ص) بالكذب عليه والحديث نيابة عنه والتكلم باسمه بما لا يليق به؟!

سبحان الله!! أهي الغفلة؟! أم هنالك من خطط الدس والتشويه ومؤامرات الطمس والتدليس؟!

إن كانت الغفلة فقط فاللهم اجعلنا من اليقظين الفطنين، ولا تجعلنا من الغافلين. وإن كان غير ذلك فاللهم إنا نبرأ إليك من كل تزييف وتحريف، ودسٍ وطمس، وتشويه وتدليس فكل إمرءٍ بما كسب رهين، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

ووقفة أخيرة مع الأستاذ الشيخ عمر أحمد عمر في كتابه: أولوا العزم من الرسل ـ المجلد الأول، إذ ختم فصله عن صفات موسى ومنزلته بكلام عن طباعه(ع) فقال:

(أما طباعه فكان فيها شيء من الحدّة وسرعة الانفعال بدليل موقفه حين استغاثه الذي هو من شيعته على الذي هو من عدوه (فوكزه موسى فقضى عليه) ثم سرعان ما استغفر وتاب. وفي اليوم الثاني (أصبح في المدينة خائفاً يترقب) فلا يخاف في هذه المدينة التي يتوفر فيها الانس والأمن إلا من كان بهذا الطبع. وحين رأى (الذي استنصره بالأمس يستصرخه، قال له موسى: إنك لغوي مبين) ومع ذلك (أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما). وحين نصحه الرجل بالخروج (خرج منها خائفاً يترقب) دون أن يتحرى عن صدقه أو يفكر في ملجأ أو وسيلة أخرى لنجاته. وهذا الطبع بقي مع موسى في كهولته كما كان في شبابه، فما أن رأى عصاه تهتز كأنها جانّ حتى ولى مدبراً ولم يعقب، ولم يمنعه من ذلك أنه في رحاب المولى سبحانه وتعالى. ولم تخف حدّته في شيخوخته، فحين رجع من ميقات ربه ورأى قومه يعبدون العجل )ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه( ألقاها وفيها كلام رب العزة، وعنّف أخاه وهو شيخ وقور قد جاوز الثمانين من عمره، لكنه حين علم بعذره عفا عنه واستغفر له)(10).

عفا الله عنك وغفر لك أيها الأستاذ الشيخ، فإن في كلامك هذا تجاوزاً كبيراً على مقام النبوة وتطاولاً على مقام سيدنا موسى(ع) وحطاً من قدره وطعناً في شخصه الكريم وذاته النبوية المعصومة، ولعلّ منشأ ذلك هو القصور في فهم النبوة وما تضفيه من العصمة على النبي الذي تشرف بتلقي الوحي الإلهي وأصبح محلاً للاصطفاء الرباني وأسوة للناس وقدوة لهم بما بلغه من الحلم والعلم والحكمة والسمو والكمال في كل شيء، كما ينبئ عن القصور في فهم الآيات القرآنية التي استدل بها صديقنا على حدّة طبع موسى(ع).

ولو كان المؤلف الكريم يعتقد حقاً بعصمة الأنبياء(ع) وينزههم عن كل ما يحط من قدر الإنسان العادي ـ فضلاً عن الأنبياء ـ لما قال عن سيدنا موسى ما قال، ولما ذهب إلى ما ذهب إليه متبعاً لا مبتدعاً(11).

وردأً على ما ذهب إليه صديقي الأستاذ الكريم أقول:

1ـ إن حدة الطبع مما لا يليق بالأنبياء بل بأي إنسان سويّ يحاول أن يسير في مدارج السمو ومعارج الكمال، والأسوأ في هذا الطبع أن يستمر مع الإنسان فيكون معه في شبابه ويلازمه في كهولته ولا يفارقه في شيخوخته.. فكأنه خشبة ميتة أو صخرة جامدة لا تتغير ولا تتطور، فماذا يبقى للإنسان إن كان بهذا الشكل الجامد والوضع القاسي؟!

2ـ إن سلمنا ـ جدلاً ـ بحدّة طبع موسى وسرعة انفعاله في مرحلة الشباب قبل النبوة حيث لا عصمة ولا تسديد ـ على رأي بعض المتكلمين ـ فكيف يسيغ أن نصف موسى بهذه الصفة بعد النبوة حيث العصمة والتسديد والتوجيه من الله سبحانه وتعالى؟! وخاصة في مرحلة الكهولة والشيخوخة حيث العلم والحلم والحكمة. ورسول الإسلام(ص) يوجه المسلم العادي فيقول:

(ليس الشديد بالصّرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب).

3ـ إذا عرفنا هذا وجب علينا أن نفكر جيداً في معاني تلك الآيات لنعرف تأويل مواقف سيدنا موسى(ع) في كل مراحل دعوته فنفسرها بما يتلاءم مع عصمة وسمو شخصيته وعلو مكانته ورفيع قدره(ع):

فاستغفار موسى لم يكن من معصية قتل القبطي المعادي لبني إسرائيل وإنما لأن ذلك القتل لم يكن فيه ـ ظاهراً ـ مصلحة لموسى أو لقومه في ذلك الحين رغم أن القبطي كان ظالماً ومعتدياً ويستحق القتل. وموسى(ع) حينما وكز ذلك القبطي لم يكن يقصد قتله لأنه لم يكن يرى أي مصلحة في قتل ذلك القبطي وإنما كان موسى يقصد الدفع والمنع فقط فأدى ذلك إلى القتل. وكون الوكزة أدت إلى قتله فإن ذلك لا يعود إلى حدّة في طبع موسى ولكن إلى قوة وقدرة في جسمه(ع).

أما قول المؤلف تعليقاً على قوله تعالى (أصبح في المدينة خائفاً يترقب): فلا يخاف في المدينة التي يتوفر فيها الأنس والأمن إلا من كان بهذا الطبع، فهو قول غريب! فإن مدينة يحكمها طاغية كفرعون كيف يتوفر فيها الأنس والأمن لنبي؟! ومنذ متى كان الأنس والأمن يتوفران في المدن المحكومة بالتسلط والقهر والديكتاتورية والاستبداد؟! فنحن نقرأ في القرآن عن مآسي وفواجع سكان تلك المدينة بالذات قوله سبحانه وتعالى:

(إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، إنه كان من المفسدين) القصص: 4.

فكيف لا يخاف موسى ظلم فرعون وبطشه؟!

كان الأجدر بالمؤلف أن يقول: أصبح في المدينة خائفاً يترقب، المدينة التي كان ينبغي أن تكون موطناً للأنس وموئلاً للأمن أحالها فرعون بظلمه وبطشه وطغيانه إلى موطن للرعب وموئل للخوف. فبذلك كان المؤلف يدين فرعون ومن على شاكلته بدلاً من إدانة موسى ومن يسير على هديه ودربه ونهجه.

ثم يقول المؤلف: ومع ذلك أراد ـ أي موسى ـ أن يبطش بالذي هو عدولهما. ومعلوم أن ذلك لأن نفس موسى(ع) كانت ممتلئة بالغيظ من الظلم والأذى الـــواقع على بني إسرائيـــل متحفزة لرد البغي والعـــدوان ـ كما يقول المؤلف(12) ـ وهذا أيضاً يعود لمشروعية دفع الظلم والعدوان عن النفس وعن الغير لا إلى حدة الطبع كما فهم المؤلف الكريم.

أما قول المؤلف: وحين نصحه الرجل بالخروج خرج منها خائفاً يترقب دون أن يتحرى عن صدقه أو يفكر في ملجأ أو وسيلة أخرى لنجاته. وأمام هذا الكلام نتساءل أين أدب القرآن عن مثل هذا الكلام؟! القرآن الكريم ذكر الحادثة ولم يعقب عليها بمثل هذا التعقيب العجيب، وكان الأليق أن يقتص المؤلف الكريم أثر القرآن ويقف موقفه ويتحفظ من هذا التعقيب على موقف من نبيّ كريم؟! ولا نعتقد أن المؤلف أحاط خُبراً بالموقف من جميع جوانبه ونواحيه؟ فهل هو زعيم أن موسى لم يكن يعرف من قبل ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى لينقل إلى موسى بالخصوص موقف فرعون وقومه؟ ويعلم إيمانه به وصدقه فيما نقل إليه من ائتمار القوم به لقتله والتخلص منه؟! ثم لو كان في المدينة يومئذ على سعتها مكان واحد يلجأ إليه موسى آمناً مطمئناً على نفسه ونفس الذي سيؤويه أكان يتجشم عناء الخروج؟! ولربّما دلّه عليه ذلك الرجل نفسه الذي انتدبته يد القدرة ليسعى من أقصى المدينة في جد واهتمام إلى موسى ويبلغه قبل أن يصل إليه رجال الملك الظالم المستبد.

أما حول فرار موسى المشار إليه بقوله تعالى: (فلما رآها تهتز كأنها جانّ ولى مدبراً ولم يعقب) وتعقيب المؤلف عن ذلك الفرار بقوله: لم يمنعه من ذلك أنه في رحاب المولى سبحانه وتعالى فنقول: القصة المذكورة عن موسى(ع) جاءت في القرآن الكريم في آيتين: الأولى (وألق عصاك، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب، يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون) النمل: 10.

والثانية (وأن ألق عصاك، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبراً ولم يعقب. يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين) القصص: 31.

والفرار دليل على الخوف لا على حدة الطبع، وفي الآيتين نص صريح على ذلك: يا موسى لا تخف، يا موسى أقبل ولا تخف، وفرق كبير بين الخوف وحدة الطبع.

إن خوف موسى(ع) كان جرياً مع ما جبل الله الطبيعة الإنسانية عليه(13). فالخوف غريزة بشرية أصيلة لا ينفك منها إنسان بالغاً ما بلغ من الكمال والسمو بعكس حدّة الطبع أو سرعة الانفعال فإنه ينافي الكمال والحكمة وخاصة لدى الأنبياء والمرسلين، فإن قيامهم بمهام التبليغ والدعوة يقتضي كثيراً من الحكمة والصبر والثبات والهدوء ويستلزم البعد عن التهور والحدة والعجلة والانفعال.

لقد خاف موسى عندما فاجأه من عصاه ما لم يألفه منها وما لا سبيل إلى دفعه ورد آذاه عن نفسه إلا بالفرار، ولم يسبق أن نهاه الله تعالى بعد عن الفرار أو أمره أن يلزم مكانه، وليس الفرار في هذا الموطن من الجبن المذموم ولا من حدة الطبع.(14)

وأما أن الأنبياء والمرسلين لا يخافون شيئاً وهم في رحاب ربهم ـ كما ربما يفهم من الآية الشريفة (إني لا يخاف لدي المرسلون) فهم لا يملكون هذه الكرامة ابتداءً، وإنما بعد تعليم من الله وتأديب. وهذا الموقف كان تعليماً لموسى وتأديباً له ليكون ثابت القلب راسخ الجنان بعد ذلك، وهو يخلو من كل توبيخ وتأنيب وذم.(15)

وأما عن إلقاء الألواح وفيها كلام رب العزة وأخذ موسى برأس أخيه يجره إليه وهو شيخ وقور قد جاوز الثمانين، فنقول:

إن إلقاء الألواح لا يدل على الترك والنبذ وإنما يدل على الوضع بعد الحمل عند الوصول إلى القصد سواء رافق ذلك شيء من السرعة والعجلة أم حصل الإلقاء بكل تؤدة وهدوء.

وموسى(ع) كان سيضع هذه الألواح عن عاتقه سواء في حال الرضا أو الغضب، ومن يتوهم أن موسى كان سيترك هذه الألواح محمولة على عاتقه إلى الأبد؟! ولا شك أنه من الواضح جداً أن الفائدة من الألواح إنما تتحقق وهي بين يدي موسى لا على عاتقه.

وأما أخذه برأس أخيه يجره إليه فيقول عنه الإمام فخر الدين الرازي:

(إن بني إسرائيل كانوا في نهاية سوء الظن بموسى(ع)، حتى أن هارون(ع) غاب عنهم فقالوا لموسى: أنت قتلته فلما واعد الله موسى ثلاثين ليلة وأتمها بعشر وكتب له في الألواح من كل شيء رجع فرأى في قومه ما رأى، فأخذ برأس أخيه ليدنيه منه فيتفحص كيفية الواقعة، فخاف هارون أن يسبق إلى قلوبهم ما لا أصل له فقال إشفاقاً على موسى(ع): لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي لئلا يظن بك القوم ما لا يليق)(16).

ولئن قيل أن إلقاء الألواح وأخذ موسى برأس أخيه هارون يجره إليه رافقه شيء من الغضب، فإن الغضب بحد ذاته لا يدل على حدة الطبع وسرعة الانفعال، فالله سبحانه وتعالى قد غضب على الذين عبدوا العجل ولا يمكن وصفه سبحانه بالانفعال وحدة الطبع:

(إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين) الأعراف: 152.

والرسول إنما غضب لغضب الله تعالى.

هذا من جهة ومن جهة ثانية فإن ثمة انحرافات لا دواء لها ولا يحسمها أو يحد من خطورتها إلا الغضب، وإن ما اقترفه بنو إسرائيل من عبادة العجل كان من هذا الصنف من الانحرافات بعد أن أراهم ربهم الآيات البينات وأهلك عدوهم وأورثهم الأرض من بعدهم.

ولذلك قام الكليم موسى(ع) بمعالجة هذا الانحراف الخطير والواقعة المدهشة بإظهار الغضب الكبير والعنف الشديد ولولا ذلك لتسرب الكفر والشرك إلى عامة بني إسرائيل ولذهبت جهوده طوال السنين الكثيرة سدى.

ولئن كان قد بدأ بأخيه القائم مقامه في غيبته فواجهه بالشدة والعنف وأخذ بلحيته ورأسه مهيمناً عليه متسائلاً: لماذا تسرب هذا الشرك إلى القوم رغم أنك فيهم يا هارون؟! فإن ذلك جعل بني إسرائيل يحسون بهول الموقف وخطورة الانحراف الذي انزلقوا فيه وعموم الحساب الذي إن طال هارون أخا موسى فلن ينجو منه أحد من القوم بعده. فلما انجلى الموقف وتوضح السر وتبينت براءة هارون وفضيحة السامري، تم حسم الأمر تماماً لصالح التوحيد والإيمان، ضم موسى إليه أخاه هارون ورفع يديه إلى الله سبحانه وتعالى يستغفره ويدعوه: (رب اغفر لي ولأخي وأدخلنا في رحمتك وأنت أرحم الراحمين) الأعراف: 150.

ولا يظنّ ظانّ أن استغفار موسى كان من معصية وقع فيها أو مخالفة تورط بها، فإن الأنبياء والرسل والأولياء ـ لاستشعارهم العظيم بخطورة الموقف، وجسامة المسؤولية ـ يطلبون غفران الله ورحمته ابتداء وفي كل حين لعلو درجاتهم واتساع معرفتهم كما هو واضح لكل من تتبع أحوالهم(ع).(17)

وعلى العموم فانه ينبغي على المسلم تنزيه الأنبياء والأولياء عن كل ما يطعن في شخصياتهم، والتحرز عن وصفهم إلا بما يليق بهم من صفات الكمال والسمو والرفعة لأنهم الأسوة للناس جميعاً بشكل عام والقدوة للمؤمنين منهم بشكل خاص، وأدب الإسلام يقتضي على المسلمين جميعاً التأدب بآداب القرآن والحذر من تفسير آياته بما يشوه صورة أحد الأنبياء في أعين الناس والحرص على رفض أي رواية ـ مهما علا قدر مخرجيها ورواتها إن كانت تسيء إلى مقام أحد الأنبياء والرسل على نبينا وآله وعليهم وعلى آلهم أفضل الصلاة والسلام. والحمد لله رب العالمين.

الهوامش

 1 - الطبرسي في مجمع البيان في تفسير القرآن 22/171، والطبري في تاريخ الأمم والملوك 1/434 ـ 435، وابن الاثير في الكامل في التاريخ 1/199 ـ 200، والثعلبي في قصص الأنبياء ص214 ـ 216، وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري 6/438 و6/440 و6/442.

2 - الطبرسي في مجمع البيان22/171، وابن كثير في التفسير 3/401، وجاد المولى في قصص القرآن ص166.

3 - آدر: به علة يخفيها.

4 - رواه البخاري ومسلم وانظر: اولوا العزم من الرسل 1/293.

5 - انظر الميزان في تفسير القرآ، للطباطبائي 16/375. ونقل الطبرسي في مجمع البيان 22/171 حديث ثوبي يا حجر المتقدم عن أبى هريرة لكنه علق عليه فقال: وقام قوم إن ذلك لا يجوز لأن فيه إشهار النبي وإبداء سوأته على رؤوس الاشهاد وذلك ينفر منه.

6 - البخاري ومسلم والنسائي.

7 - مسلم وأحمد بن حنبل.

8 - أحمد بن حنبل والطبرسي.

9 - رواه البخاري ومسلم.

10 - اولوا العزم من الرسل 1/296-297.

11 - انظر في ظلال القرآن 2/47-64.

12 - اولوا العزم من الرسل 1/168.

13 - الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، 15/377.

14 - قال الله تعالى حاكياً عن خوف إبراهيم (ع):

(فأوجس منهم خيفة، قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم) الذاريات: 28.

(فلما رأىأيديهم لا تصل إليه نكوهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا ارسلنا إلى قوم لوط) هود 70.

وعن خوف داوود قال سبحانه:

(إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف) ص:22.

وعن موسى وهارون قال:

(قالا ربنا إننا نخاف أن يفظ علينا أو أن يطغى. قال لا تخافا إنني معكما اسمع وأرى) طه: 45-46.

15 - الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي، 15/377.

16 - عصمة الأنبياء للرازي، ص46، وانظر: تنزيه الأنبياء للشريف المرتضى، ص79-81.

17 - عصمة الأنبياء في القرآن الكريم للشيخ جعفر سبحاني، ص155-156.

هل لديك مناقشة او سؤال او رد حول هذا الموضوع ؟

اكتب لنا

اعداد سابقة

ملف الراحل الحاضر

العدد 49

الصفحة الرئيسية