2000

تموز

1421

ربيع الثاني

47

العدد

النبأ

مجلة

 

ــــــــــــــــــــ  مؤسساتنا الاقتصادية ــــــــــــــــــــ

     

بين

     

الاكتفاء والارتماء


حيدر حسين الكاظمي

حادثة تستحق الذكر

خطوات المشروع الاكتفائي

البيت العائلي والمؤسسة الاقتصادية

و اخيرا

ماذا ينبغي أن نفعل؟

يُنظر إلى الكيان الاقتصادي لأي أمه أو دولة ذات سيادة وطنية على أنه مجموعة من المؤسسات الاقتصادية تتفاعل فيما بينها لتشكل خلية عمل واحدة تساهم في تسريع عجلة التنمية الاقتصادية من جهة ومن جهة أخرى تعطي عنصر القوة في أي عملية مساومة سواء اقتصادية أو سياسية، هذه المؤسسات لا بد أن تنطلق من مفهوم واحد هو تسخير اكبر كمية من الموارد المتاحة لتغطية اكبر كمية مطلوبة من الحاجات على كافة المستويات، ومن الطبيعي أن مثل هذه النظرية وتطبيقاتها لا يمكن لها أن تنطلق من واقع مليء بالضعف الاداري من جهة وبالتبعية المالية من جهة أخرى وهذا يتطلب إجراء مسح شامل لكافة مفردات ومناهج المؤسسة الاقتصادية وتحديد الخطوط التي يجب توفرها لضمان عمل هذه المؤسسات بصورة سليمه قادرة على ترجمة قراراتها ونشاطاتها إلى نتائج يمكن لها أن تساهم في عملية البناء الكبرى للكيان الاقتصادي العام.

البيت العائلي والمؤسسة الاقتصادية

إن السياسات الاقتصادية في جوانبها العامة لا تختلف كليا عن سياسة رب الأسرة اتجاه اسرته، أن رب الأسرة يحاول جاهدا أن يضع كمية المال التي يحصل عليها مقابل كمية الحسابات التي تطلبها أسرته وقليلاً ما نرى حالة توازن بين هذين الواجبين عند رب الأسرة فتارة تكون كمية الطلب الاستهلاكي للاسرة أكبر من ايراد الأسرة المالي وتارة يكون العكس؛ إن هذا التفاوت الحاصل وكيفية الموازنة على أقل التقديرات أو محاولة إيصال الايراد المالي في مستويات تفوق الطلب الاستهلالي هو عينه هدف سياسة اية مؤسسة اقتصادية تحاول الوصول إلى مستويات متطورة من الاكتفاء الذاتي وحتى الفائض المالي وعلينا أن نأخذ بنظر الاعتبار الأهداف الأخرى

 للمؤسسات الاقتصادية والتي تتفوق فيها مؤسساتنا الإسلامية عن المؤسسات الاقتصادية الأخرى وهذه الأهداف هي الأهداف العقائدية والدينية والأهداف الإنسانية والاجتماعية والحضارية والثقافية وما إلى ذلك ولكن تبقى ديمومة هذه المؤسسات تعتمد اعتمادا كليا على مقدار المورد المالي اللازم لبقاء هذه المؤسسة تعمل ويمكن لها أن تتحول من خلية اقتصادية معتمدة اعتمادا كليا على مورد مالي خارجي إلى خلية تعتمد على نفسها كليا أو على اقل التقادير أن تعتمد أعتمادا جزئيا على غيرها وهذه النتيجة لا يمكن لها أن تتحقق بين عشية وضحاها فلا بد أن تذوب الأنا في الجماعة أولا وثانيا لا بد من تخطيط سليم يراعي متطلبات الحاجات الأساسية ثم بالتالي يسخر الفائض قدر الإمكان نحو الاستثمار الإنتاجي النامي بدل التوجه نحو الاستهلاك المبذر أو الفائض عن الحاجة، لا بد أن يتحول رئيس هذه المؤسسة إلى أب وراعي وكما قال الرسول العظيم(ص) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ولا بد أن يتحول أفراد هذه المؤسسة إلى أفراد أسرة واحدة تحكمها مصالح واهداف وآمال مشتركة وواضحة. إذن لا بد في الأمر الأول من صفاء النوايا وتحديد المسؤوليات وبعدها يأتي رسم الأهداف التي لا بد أن تكون أهدافاً ذات تضحيات معينة فبينما تحقق الأهداف الواصلة إليها طموحات افراد المؤسسة الواحدة لا بد لتلك الأهداف من قطرات معينة أيضاً من العرق والتضحية ونكران الذات والصبر على المواقف الصعبة التي سوف تمر بها هذه المؤسسة حتى تصل بهم إلى شواطيء الأمان المرجوة.

و الآن دعونا نحاول التركيز على نقطة جوهرية واحدة وهي: كيف نصل بمؤسساتنا الإسلامية إلى نقطة الاكتفاء الذاتي؟

سؤال لابد قبل الاجابة عليه من معرفة وتفهم الجوانب المحيطة والمهمة المتعلقة بأصل نجاح المؤسسات الاقتصادية أو بعبارة أخرى سر نجاحها وتطورها ووصولها إلى مستويات متقدمة من الاكتفاء والفائض أيضاً ودعونا ننطلق معا من النقطة الأولى لهذا المشروع المهم.

خطوات المشروع الاكتفائي

أولا: الإيمان:

الإيمان ذلك السر الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في نفس الإنسان وجاءت مختلف الأديان لترسخ هذا المفهوم في نفوس الناس أنه وكما قال (أمير المؤمنين…): إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالاركان) وقد صدق أمير المؤمنين… في تصنيفه هذا فالسر يكمن في داخل الإنسان، أنه نقطة الصعود الأولى نحو عالم اكثر أمانا واكثر إيمانا.

في داخلنا أسرار من القوة وربما مكامن من الضعف ولا يمكن أن يبرز ذلك الاّ من خلال حث النفس البشرية على الاقتراحات الذاتية. الإيمان بالنفس والإيمان بالمنطلق اللا محدود الذي نملكه انها ورقة رابحة بلا شك فالإيمان هو بلسم خالد يعطي الحياة القوة والنشاط لتحريك الفكر ـ تستحق هذه الجملة منا ـ قراءة أولى وثانية وثالثة ورابعة وبصوت عالٍ فالإيمان هو نقطة البداية لأي مشروع يحاول الإنسان الوصول إليه وهو أساس كل المعجزات ومفتاح كل الألغاز التي لا يمكن تحليلها بقواعد العلم، والإيمان هو الترياق أو العلاج الوحيد للفشل. والإيمان هو العنصر والكيمياء التي عندما يمزج بالعمل الصالح يعطي للشخص اتصالا مباشرا بالذكاء المطلق واللا محدود.

و الإيمان هو العنصر الذي يحول الذبذبات العادية للفكر الذي يصفه العقل المحدود إلى ما يمثله روحيا لهذا يمكن من خلال هذا الإيمان أن نصل إلى حدود الاستطاعة الصحيحة والتي من خلالها يبدأ الاعداد. قال تعالى (و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) لذا قال تعالى (ما استطعتم) ولم يقل ما توفر لكم أو ما وصلتم إليه فالاستطاعة كخط مستقيم له نقطة بداية ولا يعرف نهايتها إلى بعد إخراج الطاقات وحشدها والقناعة الذاتية بأنها نقطة الوصول القصوى.

و لنعود مرة أخرى إلى مؤسستنا الاقتصادية وبعد أن عرفنا أنه لا بد من توفر الإيمان باللا محدودية في الأفكار في قوتنا في استطاعتنا على تجاوز الظروف الصعبة التي قد تمر بها المؤسسة فاننا بذلك سنعتبر تلك الظروف بمثابة سحابات صيف لا بد أن تنقشع يوما ما. وعلينا أن نعزز هذا الإيمان بالثقة العالية بالنفس فالضعف يكمن بعدم ثقتنا بانفسنا واليك بعض الاقتراحات التي تعزز الثقة بالنفس.

الاقتراح الأول:

أنا اعرف انني قادر على تحقيق أهدافي المحددة لهذا أطلب من نفسي العمل المتواصل والمثابر لتحقيقها وأنا أعِد بأن أفعل ذلك.

الاقتراح الثاني:

أنا اعرف من خلال مبدأ الاقتراح الذاتي أن أي رغبة احملها في عقلي بثبات سوف تلقى التعبير عن نفسها من خلال بعض الوسائل العملية لتحقيق هدف تلك الرغبة لهذا أخصص بعض الوقت يوميا للطلب من نفسي تطوير ثقتي بنفسي.

الاقتراح الثالث:

أنا أدرك تماما أنه لا يمكن لمؤسستي الاقتصادية أن تكوّن ثروة اكتفاء ذاتي في الحياة تدوم طويلا الا إذا بنيت على حقيقة الدين والعدل لهذا لا ادخل في أي معاملة حرمها الشارع المقدس ووضع الخطوط الحمراء لها لأنها بلا شك سوف تكون ذات نهايات مؤلمة سوف أحاول أن أنجح في جذب القوى التي أرغب في استعمالها إلى مؤسستنا واجذب معها تعاون الناس الآخرين وازيل الكراهية والحسد والأنانية والتهكم من خلال المحبة لكل البشر لأنني أعرف أن السلوك السلبي تجاه الآخرين لا يمكن أن يرضي الله سبحانه وبالتالي لا يمكن أن يجلب لي النجاح وكذلك سوف أحاول أن اجعل الآخرين يؤمنون بمؤسستنا لأننا نؤمن بهم وسوف نوقع نحن جميعا أفراد هذه المؤسسة على هذه المعادلة وندخلها في ذاكرتنا ونكررها عاليا مرة باليوم أو بعد كل صلاة ونجعلها وردا ثابتا في عباداتنا اليومية وخلاصة الأمر هو أننا إذا ظننا بأنه قد هزمنا فقد هزمنا حقا وإذا رغبنا بتطوير أنفسنا وظننا بأننا لا يمكننا فعل ذلك فأننا سوف لن نفعل ذلك وإذا ظننا بأنا قد خسرنا فأننا قد نخسر حقا فالنجاح يبدأ بالإرادة والأمر كله حالة إيمانية في نفوسنا أوجدها الله تعالى في كثير من موارد القرآن الكريم قال تعالى (أن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وأن يكن منكم مائة يغلبوا الفا من الذين كفروا فأن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وأن يكن منكم الف يغلبوا الفين بإذن الله)(1) ولا شك أن هذه المعادلة ليست مادية وأنها تابعة للإيمان المترسخ في نفوسنا وأن الله سبحانه وتعالى يعلمنا درسا في تشديد الثقة بالنفس حتى يمكننا أن ننتصر في اية معركة نخوضها.

حادثة تستحق الذكر

في يوم من الأيام روى لي صديقي حادثة تستحق منا التأمل وهي ذات دلالة على المثابرة والصبر والتحمل وأن الأمور قد تبدو لاول وهلة سيئة لكنها سرعان ما تذهب وتتلاشى أمام قوة الإرادة والعزيمه ذكر لي أنه كان يعمل في طاحونة كان يمتلكها عمه وكان العم حاد الطباع جدا بحيث لا يجرؤ شخص في التحدث إليه أو مناقشته وخاصة في أمور لا يقبلها يقول لي صديقي في يوم من الأيام وفجأة فتح الباب أي باب الطاحونة لتدخل منه طفلة فقيرة كانت ابنة أحد المزارعين في المزرعة وهي لا تتعدى الـ7 سنوات فنظر إليها العم وقال ما ذا تريدين؟ أجابت: أمي تريد بعض النقود. وسرعان ما رفض عمي الطلب وامرها بأن تعود إلى المنزل فأجابته الطفلة: (امرك سيدي) لكنها لم تتحرك من مكانها فتابع العم عمله بانهماك ولم يدرك أن الطفلة ما زالت واقفة وعند ما رفع رأسه من عمله ثانية رآها في مكانها فصرخ قائلا (قلت لك أذهبي إلى المنزل، والآن أذهبي والاّ صفعتك)‍‍‍‍‍‍!! وردت الطفلة مرة أخرى قائلة: أمرك سيدي ولم تتحرك من مكانها فترك العم كيس القمح من يديه وأسرع غاضبا باتجاه الطفلة، فحبست أنفاسي حينها وتأكدت من ضرب العم للطفلة لأنني اعرف طباعه الحادة وعندما دنا العم منها تقدمت هي إليه وباتجاهه ونظرت إلى الأعلى إلى عينيه وصرخت بأعلى صوتها: أمي تريد بعض النقود!!)

فوقف العم ونظر إليها ثم وضع يده في جيبه وأعطاها بعض النقود أخذت الطفلة النقود وعادت إلى الباب بهدوء دون أن تسقط عينيها عن الرجل الذي نجحت في اقتحامه وبعد ذهابها جلس العم فوق إحدى العلب الفارغة ونظر من النافذة بأتجاه الفضاء اكثر من عشر دقائق متأثراً بإعياء الصفعة التي تلقاها للتو. فأطرقت حينها متأملا ومفكرا فكانت المرة الأولى التي أرى فيها طفلة تنتصر على شخص راشد وقلت في نفسي: كيف فعلت ذلك؟ وما الذي حصل لعمي وسلبته شراسته ليصبح وديعا كالحمل؟ وما هي القوة الغريبة التي استعملتها تلك الطفلة لتجعلها سيدة الموقف؟ هذه القصة شغلت ذهني ولم أجد جوابها الا بعد عدة سنوات حينما علمت ومن خلال تجاربي في الحياة أن كلمة (لا) لا تعني الفشل دائماً في حياتنا وأنما قد تكون الخطوة الأولى في طريق (نعم) في هذه القصة نكتشف سر قوتنا أنه سر لا يمكن أن ينبلج من الوميض الأول أو من الفشل الاول أنه سر يمكن اكتشافه بقوة العزيمة والمثابرة لقد كان رسول الله( مثالا واضحا وحيا للأجيال القادمة فكلمة (لا) التي قالتها قريش ومعها استهزاءاتها وحجارات صبيانها وسياط وجهاءها لم تمنع الرسول( بأن يقتحم نفوس هؤلاء القوم التي كانت بعضها كالحجارة بل واشد قسوة من الحجارة حيث فجر من خلالها ينابيع الخير والرسالة الإنسانية وحملها عبر أنهار طلائعه المظفرة شرقا وغربا فازهرت خيرا وعطاء ومعجزات ظلت ولا زالت منبع الهمة والمثابرة والإخلاص في العمل لتحقيق الهدف السامي.

ثانيا: التخطيط والاقتراحات الذاتية:

بعد أن استكملنا الخطوة الأولى لقيادة مؤسستنا نحاول أن نبحث عن الخطوة التالية وهي بلا شك سوف تكون اشد وطأة من الأولى لأنها سوف تحدد مسار الخطة ونجاحها أو فشلها.

يحاول كل رئيس مؤسسة مهما كانت هذه المؤسسة حقيرة أو كبيرة يحاول جاهدا أن يبني أولا جسور الثقة والمحبة المتواصلة بينه وبين زملائه في العمل حتى تكون النوايا حسنة وبالتالي سوف لا يخفى عليه أية فكرة أو اقتراح قد يكون جسرا للوصول إلى الأهداف ولا شك أن بعض مؤسساتنا الإسلامية قد تكون ذات طابع ثقافي وقد تكون ذات طابع اقتصادي وقد يكونان معا ولنحاول اولا أن نجعل من مؤسستنا تخدم الاتجاهين معا تارة تبرز النتاج الحضاري والثقافي والتوعوي والتربوي وتارة تهيئ لنفسها قاعدة اقتصادية تستطيع من خلالها الاستمرار بهذا الإبداع وكذلك الاستقلالية في اتخاذ القرارات التي من اجلها بنيت المؤسسة ذاتها.

و هنا نقول أن بعض هذه المؤسسات تعتمد في ايراداتها المالية على موارد المرجعية المالية المخصصة شرعا لأعمال منصوص عليها بالكتاب والسنة وبعض هذه الموارد قد يأتي عن طريق متبرعين يساهمون طوعا في إحياء بعض المشاريع الخيرية التي تخدم الحركة الإسلامية وعلى سبيل وجود كلا الموردين معا أو وجود بعض الموارد الأخرى الاّ أنه وفي النهاية أن مثل هذه المؤسسة ذات اتجاه واحد في الدخل وهو كالآتي:

                               |-- المرجعية

مورد مالي عن طريق---|------- التبرعات  ------ المؤسسة -------- نتاج غير مالي

                               |-- رأس مال صاحب المؤسسة

عند دخول هذا المورد إلى هذه المؤسسة ولنفرض 1000 دينار سوف يخرج بنهاية الأمر على شكل نتائج أو منتجات خاصة بالمؤسسة قد لا توازي المدخولات أي أن إيراداتها الداخلة إليها على شكل مصروفات لا يوزاي مخرجاتها المادية أن مثل هذه المؤسسة سوف تبقى عالقة بخيوط هذه الإيرادات سواء من طريق واحد أو من عدة طرق ولو فرضنا أنه في يوم من الأيام توقف أمداد هذه المؤسسة بالمال سوف تكون وبعد مدة وجيزه وبعد أن تخسر ادخاراتها عاجزة عن الاستمرار بالعمل لأن من المستحيل أن يبقى العاملون فيها فترة طويلة بلا رواتب تعينهم على مواصلة متطلبات الحياة المهمة.

ماذا ينبغي أن نفعل؟

نذكر في مرة من المرات وقد كنا نعمل في مؤسسة إسلامية ذات طابع ثقافي قد انقطع عنا المورد المالي ولمدة 3 أشهر ظننا وقبل أن يقطع عنا هذا المورد باننا لا يمكننا أن نكيف انفسنا شهرا واحدا على الأقل في حالة انقطاع هذا المورد والغريب أنه حصل العكس بدأ كل منا يتحرك باتجاه معين يبحث عن مورد أخر غير مورده طبعا مع ضمان البقاء في عمله الأول وعندما عجزت هذه المهمة قررنا أن نكيف أنفسنا وفق ميزانية محددة فقللنا مصروفنا بمقدار 50% حاولنا أن نجد البدائل الرخيصة لكل ما نحتاجه لحياتنا كنا نتسوق بسعر معين جاهدنا أنفسنا فتسوقنا بسعر اقل 50% مما كنا نتسوق منه وعلى العموم أصبحت ميزانيتنا متكيفة تماما مع الوضع الجديد وبعد الخروج من هذه الأزمة وجدنا أن قدرتنا على التحمل هي اكبر بكثير مما كنا نتصوره وقبل الوقوع في هذه التجربة لا شك أن تراكم إيرادات 3 اشهر على شكل رواتب للعاملين يعني عندما تحل الأزمة لا شك سوف يكون مبلغا ضخما وهذا طبعا يختلف من مؤسسة إلى أخرى فبعض المؤسسات حقيرة والأخرى كبيرة وعلى كلا الاحتمالين فان المورد المتراكم من هذه الفترة سوف يكون كبيرا بالنسبة لحجم افراد تلك المؤسسة فكرنا قليلا لو أعطيت إلينا استحقاقاتنا المالية سوف نرجع بالتأكيد إلى نقطة الاستهلاك الأولى وهي 100% وسرعان ما يتلاشى هذا المبلغ بين طلبات واقتراحات أفراد الأسرة التي يمكن أن تكون لا عن حاجه أساسية ولكن عن ردود أفعال متراكمة لما حصل سابقا اذن ما ذا يجب أن نفعل هناك عدة خطوات يمكن أن نتبعها لنحصل على مشروع مناسب يضمن لنا فرصة الاكتفاء الذاتي.

1ـ نحاول ومن خلال وسائل الاعلام المتاحة المسموعة والمرئية الحصول على معلومات يومية لاسعار الأسهم والسندات للشركات المتوقع زيادة أرباحها، وفي خلال فترة زمنية معينة نكوّن لانفسنا جدولاً لأهم هذه الشركات والمؤسسات ورسماً بيانياً لتقلبات أرباحها أو خسائرها وبهذا نكون قد أوضحنا لأنفسنا صورة مناسبة عن هذه الشركات في حالة شرائنا لأسهمها وسنداتها سوف نتجنب اكبر قدر ممكن من الخسائر، علماً أن عملية الشراء هذه لا تحتاج إلى رأسمال كبير، بل يمكن البدء في مثل هذه المشروعات برأسمال بسيط ثم إيداع أرباح هذه الأموال في مشروعات ومؤسسات اقتصادية أخرى كي لا نضع البيض في سلة واحدة كما يقال.

2ـ ينبغي وقبل الشروع في أي مشروع تجاري معرفة عادات وتقاليد البلد الذي تريد أن تعمل فيه مشروعاً ناجحاً لمؤسستك، وإذا كنت تريد أن تحصل على فرصة الاكتفاء الذاتي فعليك أولا اختيار المكان المناسب للمشروع، كأن يكون المكان في منطقة أو بلد تكون فيه نسبة الأغنياء مرتفعة نوعاً ما، فهو يضمن للمشروع ملائمة هذه الفئة، مما يؤدي إلى تحقيق أرباح مرتفعة خلال فترة قصيرة، وخاصة إذا عرفت بدقة نوعية استهلاك تلك الفئات وميولهم في ذلك ورغباتهم وعلى ماذا ينفقون اغلب دخولهم.

وعليك أن تضع بالحسبان انه ليس من المفروض أن ينصب جهدنا على فتح محل استهلاكي بصورة مباشرة.

بل يمكن التفكير بالجوانب المرتبطة بهذا المحل.

فلو توفرت مثل تلك المحلات وبكثرة في هذه المنطقة، فيمكنك أن تبحث على من يورد البضائع لتلك المحلات.

ولهذا فسوف تقوم بعميلة التسويق ايضا، وفي البدء سوف تكون اسعارك تنافسية نوعاً ما، فاذا فشلت في عملية التسويق لوجود منافسين فعليك نقل هذه البضائع.

وعلى كل حال فلابد أن تجد ثغرة يمكنك النفاذ إليها في حالة فشل طريقة معينة.

وهذا سوف يوفر لك فرصاً اكبر للربح.

3ـ نحاول ـ وبصورة متكررة ومنظمة أو حتى في أوقات فراغنا ـ نحاول إجراء عمليات مسح منتظمة للمناطق السكنية مع الاحتفاظ بورقة وقلم خاص لهذه العملية وتسجيل ملاحظات عن أهم ما تحويه هذه المناطق من متاجر، محلات، أسواق، وحتى محلات خدمات كأن تكون محلات تصليح وصيانة وخدمات أخرى مما يحتاج الناس إليها.

ولابد لك أن تعثر على نقطة فارغة داخل هذا المسح كأن تكون منطقة معينة بحاجة إلى محل خدمي، استهلاكي حرفي... الخ.

وبالطبع سوف تأخذ بنظر الاعتبار مقدار رأس المال الذي تمتلكه وحجم المشروع المزمع الدخول فيه.

4ـ ويمكن لصاحب المؤسسة واعضاءها اللجوء أيضاً إلى قدراتهم الإضافية في الاستثمار، ونعني توظيف خبراتهم وكفاءاتهم في البحث عن مجالات عمل إضافية يمكن من خلالها زيادة دخول الأفراد.

فالمشروع لا يحتاج إلى رأسمال فقط، فقد يكون هناك مشروع تجاري يحتوي على رأس مال لكنه يفتقر إلى رجال منظمين واذكياء يخططون الطرق والوسائل المشروعة لاستعمال المال بفعالية لمنفعة الجمهور، وبما يعود عليهم بالربح. وينبغي لافراد هذه المؤسسة ادخار هذه الزيادة في الدخول حتى يمكن تكوين رأس مال معين صالح لبدء مشروع تجاري لصالحهم فقط.

5ـ ينبغي ـ بعد عدة إجراءات وعمليات خارجية ـ النظر إلى الإجراءات الداخلية للمؤسسة.

وهذا يعني أن تعمل هذه المؤسسة على حساب مجمل مصروفاتها اليومية الواجبة منها والمستحبة.

وبعد هذه العملية نحاول إيجاد بدائل عن السلع أو المواد المستهلكة لديها، والبحث عن أسعار ارخص لما تتعامل به، أي البحث عن البدائل المناسبة لكل ما يُستهلك مع التوقف ولو بصورة مؤقتة عن الاستهلاك الغير ضروري هذا بالطبع سوف يعود على المؤسسة بمبلغ إضافي كل شهر يحسب على مبالغ استثمارها.

6ـ وعلى العموم يمكن للمؤسسة واصحابها اتباع مناهج عامة تؤدي بهم إلى فرصة الاكتفاء الذاتي والنهوض بالمستوى المالي للمؤسسة، كأن تحدد توزيع أوقاتها ونفقاتها ومدخولاتها وهل كانت كل هذه معتدلة في استعمالها ومقتصدة في ذلك وما هو الوقت الذي كرس لجهود غير مربحة وهل يمكن استعمالها بشكل مفيد ونافع، وكيفية توزيع الوقت المستهلك يومياً وتنظيمه بحيث يكون اكثر فعالية في المرة القادمة، وهل تمارس المؤسسة وافرادها خدمات اكثر وافضل مما يساوي رواتبها واجورها.

وهل الخدمات التي سوف تقدمها المؤسسة في مشاريعها المقترحة سوف تكون مرضية فيما لو كانت هي نفسها شارية لهذه الخدمات؟

وهل كان المشتري أو الزبون راضياً تماماً من الخدمات المقدمة إليه؟

ما هو معدل النجاح الحالي للمؤسسة؟

وهنا لابد من إعطاء المعدل الصحيح والمنصف، ولابد من مراجعته من قبل شخص يملك الشجاعة الكافية لفعل ذلك بدقة.

هذه الأسئلة والإجابة عليها ضرورية، لأن الحاجة إلى معرفتها ضرورية لصاحب المؤسسة وأفرادها خاصة إذا كانوا يريدون الوصول إلى فرص النجاح والاكتفاء المالي، ويساعد الاستيعاب والفهم الكاملان للمعلومات الواردة هنا، يساعد في تسويق الخدمات والخبرات الذاتية وأن تكون اكثر قدرة على التحليل وعلى الحكم.

7ـ أن ندخر هذا المبلغ ونحاول عمل تجربة بين الحين والحين ولكن بعد فترة معينه نجمع من خلاله المبلغ نفسه وبعد فترة زمنية أو بعد عدة محاولات مماثلة نكون قد جمعنا مبلغا يؤهلنا أن نفتتح مشروعات معينة مناسبة لهذا المبلغ بحيث يكون ايراده المالي موزعا حسب تساوي الحصص على الأعضاء.

8ـ أن نستثمر المبلغ مباشرة وحتى لو كان حقيرا وذلك بوضع أساس لمشاريع مقترحة حقيرة تناسب هذا المبلغ وبعد تكرار المحاولة السابقة نجمع مبلغاً آخر فنضيفه إلى المشروع أما أن نوسعه أن كان قابلا للتوسيع أو نفتتح مشروعا آخر يكون اكبر من الاول.

9ـ عندما يبدأ المشروع بالإنتاج سوف لا نحاول توزيع أرباحه في بادئ الأمر على أصحاب الحصص لأنه مما لا شك فيه أن أصحاب الحصص حين البدء بالمشروع سوف تعود إليهم دخولهم السابقة وهم لا يحتاجون إلى زيادة الدخل في الوقت الحاضر على الأقل وبعد تراكم كمية من الأرباح نحاول أن نبدأ بمشروع يماثل أو مكمل أو مورد لمؤسستنا فنرى على ما ذا تعتمد مؤسستنا من بضائع أو حاجات فننشئ مشروعا يلبي حاجات مؤسستنا أو نرى ماذا تنتج مؤسستنا فننشئ مشروعا يأخذ نتائج مؤسستنا وبذلك نكون حققنا عدة أهداف:

1ـ عدم التبعية في العمل المؤسساتي سواء كانت ماديه أو معنوية وتمكننا من إنشاء استقلالية في وضع الأهداف وكذلك مسيرتها.

2ـ إعطاء عنصر الأمان للعاملين في المؤسسة خوفا من إغلاقها وضياع مواردها وكذلك إعطاء فرصة لتحسين أوضاعها المعاشية وزيادة مدخولاتها وضمان الاكتفاء لفترات طويلة.

3ـ زيادة رأس مال المؤسسة من خلال تلك الاستثمارات مع رفع بعض الأعباء المالية المترتبة على من يمد هذه المؤسسة بالمورد المالي وهذا يعني توجه تلك الموارد إلى مسالك أخرى قد نكون بحاجة ماسة إليها بعد أن استغنت المؤسسة عن مثل تلك الموارد.

و اخيرا

و اخيرا لا يمكننا أن نحدد لمثل تلك المؤسسات خططا معينه تطبق بذاتها ولكن يمكن لمثل هذه الأفكار العامة أن تساهم في حل بعض أو اكثر المشاكل التي تعاني منها مؤسساتنا الإسلامية وهي الموارد المالية والواقع قد ابرز مؤسسات إسلامية قد كونت لأنفسها موارد مالية لا بأس بها واعتمدت على فكرة الاكتفاء الذاتي وانشأت لنفسها مشاريع اقتصادية مميزة ساهمت في استمرار تطورها وإبداعها وحتى منافستها على مستوى الصراع الفكري والعقائدي وهذا كله يمكن أن يتحقق بالإيمان والمثابرة واخلاص النوايا ثم التوكل على الله في كل الأمور.

1 سورة الأنفال: 65 ـ 66.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 47

الصفحة الرئيسية