2000

تموز

1421

ربيع الثاني

47

العدد

النبأ

مجلة

 






















الواقع المريض لا يدل على سقم المبادئ

إن صحة المبادئ شيء وتطبيق الحالة الخارجية وتلك المبادئ شي آخر، وإذا لم يطابق الإنسان أعماله وفق تلك المبادئ الصحيحة عاش حالة الدروشة، وكثير من المسلمين صاروا في القرن الحاضر هكذا انهم دراويش أعمال وإن كانت عقائدهم صحيحة، والدرويش لا يتمكن من التقدم، فكيف وهو لا يعيش إلا في المحيط الذي تصوره هو وبناه لنفسه، انهم يعتقدون باصول الدين ويقومون بأداء العبادات، لكن الإسلام لا يطبق كلّه من ألفه إلى يائه، لا في النظافة، ولا في النظام، ولا في الامة الواحدة، ولا في الاخوة الصادقة، ولا في الإلفة، ولا في الاكتفاء الذاتي، ولا في النشاط، ولا في العلو حسب (الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه) ولا في عدم اتخاذ الوليجة، ولا في زواج بنيهم وبناتهم حسب السن الإسلامي والمهر الإسلامي ولا في الحج الجماهيري، ولا في الأخلاقيات، ولا في الآداب، ولا في الاستفادة من خيرات الارض، ولا في العلم، ولا في ألف شيء وشيء، فلا يطبق الإسلام في القانون وإنما في الذهن والعبادة فقط، أليست هذه حالة الدروشة؟ فماذا يصنع الدرويش غير أنه يعتقد عقيدة معينة (على فرض صحة اعتقاده وعدم انحرافها) ويعمل بالعبادات من صوم وصلاة وحج إذا كان مطابقاً للاسلام، أما سائر الأمور فلا وربما يعمل ببعضها، لكن ذلك العمل بالبعض لا يخرجه عن كونه درويشاً.

إن الإنسان إذا نظر في باب الفقه إلى كتاب الجواهر لا يرى عمل المسلمين متطابقاً معه، وإذا نظر في باب مطلق الاعمال إلى كتاب (الوسائل) لا يرى عمل المسلمين منطبقاً عليه، إذا نظر الإنسان إلى القرآن الحكيم فهل يرى انطباق أعمال المسلمين عليه، إن القرآن لم يتقدم في العالم إلا بالتطبيق، واليوم لا يطبق بعضه!

فهل يمكن أن يطير بعض من الطائرة أو تسير اجزاء من السيارة وتبحر اقسام من الباخرة في الماء وهل يمكن لبعض خط الانتاج في المعمل أن ينتج؟

الضعف ليس في المبنى. فالهندوسية والكونفوشسية والبوذية والمسيحية واليهودية من الأديان التي يدّعي أصحابها، أن ما لقيصر لقيصر وما لله لله، كلها أديان لكن لا بناء على تلك الأديان، ولا صحة لتلك العقائد، ولهذا لا تتمكن أن تتقدم في العالم، وحتى أن أصحاب الأديان قد تركوا الأديان في الحياة إلى القوانين التي ابتدعتها عقولهم.

أما المسلمون فضعفهم في البناء لا في المبنى، ولا يتوهم أن الإدعاء الفارغ والتهريج حول تطبيق الإسلام كما عملته بعض الدول.. يغير من الواقع شيئاّ إذ أن الإسلام ليس بهذا القدر الذي يعمل به المسلمون،وإنما هو اوسع وأشمل، وقد رأيت شيئاً منه قبل نصف قرن، وما أراه الآن ليس حتى عشر ما رأيت، وقد ذكرت بعض ما رأيت في كتاب (بقايا حضارة الإسلام كما رأيت) فهل يترقب أن يقوم هذا الإسلام ويأخذ بالزمام، لقد تحولت البلاد من جهة الحكم إلى علماني بالواقع واسلامي بالاسم، فلا العلماني يتمكن من النهوض ولا الاسم ينفع شيئاً.

من كتاب (الفقه طريق النجاة) لسماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي دام ظله الوارف

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 47

الصفحة الرئيسية