مجلة النبأ      العدد 45        صفر  1421       ايار 2000

من المسؤول..؟

 

عن دم الحسين(ع)

 

من المحاضرات الأخلاقية لسماحة الفقيه المحقق

آية الله السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله

الضمان وفق العدل الإلهي

العطاء الإلهي

الاستعانة باللطف الإلهي

إحياء الشعائر الحسينية

ارتباط التكوين بقضية الإمام الحسين (ع)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق سيدنا ومولانا أبي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

ورد في دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد عليه السلام أنه قال:

(اللهمّ وفّر بلطفك نيّتي، وصحّح بما عندك يقيني... )(1).

يتضمن هذا الدعاء الشريف مضامين عدة اخترنا منها مقطعاً صغيراً ليكون محور بحثنا وبالأخص مسألة خلوص النية، ومن الضروري أن نمرّ على معاني بعض الكلمات لغوياً ومنها (وفّر) فقد جاء في تاج العروس ما يلي:

(الوفر الغنى والوفر من المال والمتاع الكثير الواسع الذي لم ينقص منه شيء أو العام من كل شيء... وقال الأزهري والمستعمل في التعدي وفره توفيراً أي كثره كوفر له ماله ووفره كوعده... ومن المجاز توفر عليه إذا رعى حرماته وبره ويقال هم متوافرون أي هم كثير أو فيهم كثرة ويقال استوفر عليه حقه إذا استوفاه كوفره توفيراً وسقاء أوفر ووفر بالفتح أي تام لم ينقص من أديمه شيء، الثانية نقلها الصاغاني ومما يستدرك عليه الجزاء الموفور الذي لم ينقص منه شيء والموفور التام من كل شيء وفي المثل توفر وتحمد على كذا أي يصان عرضك ويثنى عليك قاله الزمخشري...) (2).

وجاء في مجمع البحرين للطريحي أنه قال:

(...والموفور: الكامل التام، وفي الدعاء (اجعلني من أوفر عبادك نصيباً) أي من اكثرهم...) (3).

والمراد من وفّر هنا التوفير، وعلى ما تقدم فإنه قد يستعمل متعدياً وقد يستعمل لازماً. وجاء بمعاني كثيرة منها الكامل التام كما في المجمع ومنها الصيانة أو الصون والحفظ كما في تاج العروس فقولنا (وفّر أنت البناء) يعني كمّله فالإمام السجاد عليه السلام من أهل بيت النبوة ومن سادات أهل البلاغة لماذا استعمل هذه الكلمة هنا؟

يبدو أن الذي يطلبه الإمام من دعاءه هو المراتب الراقية وبالأخص في مسألة النية التي هي اصعب شيء على النفس وفيها من العمق ما يرجرج النفس لأن أغلب الناس عادة عندما يتوجه إلى أمر يحتاج إلى الإخلاص وتخلية النفس فتعترضه هذه المداخلات فالذي يقف إلى الصلاة مثلاً بمجرّد أن يكبر تكبيرة الإحرام تعرض له أمور الحياة ومشاغلها وما شابه من الموارد وتختلف النية بحسب قوة الإيمان والإخلاص في العبادة فالبعض قد لا يتوجه في صلاته والبعض تشارك في نيته أمور اقل من الآخرين والبعض الآخر يخلص النية ولا يمكن أن تسلبه الارتقاء إلى مراتب الكمال أعظم الأهوال كما في الرواية المعروفة عن أمير المؤمنين عليه السلام وكيف أخرجوا السهم من جسده وهو يؤدي صلاته دون أن يشعر.

فمسألة النية مهمة جداً يدخل فيها التوفيق والإخلاص والاستمرار على العمل إلى النهاية بنفس المستوى لأن الإنسان مكبّل بغرائز وشهوات ومشاكل عديدة لذا يسأل الإمام السجاد عليه السلام في دعائه بـ(وفّر نيتي) لأنها معرّضة للأخطار والوساوس (فيا إلهي أنت صن نيتي وكمّلها) ولا مانع من المعنيين بالخصوص في اللغة العربية لأنها تشتمل على كنايات ومجازات عديدة فالإمام أراد من وفّر نيتي أي (صن نيتي وكمّلها) لعلمه بأهمية النية وأثرها على الأعمال وأن أغلب الذين يدخلون النار في يوم القيامة جراء عدم الإخلاص في النية.

الاستعانة باللطف الإلهي

لا يكتفي الإمام عليه السلام بصيانة نيته من الشهوات واكمالها وإنما يسأل الله تعالى بلطفه أن يتدخل في المسألة، واللطف أيضاً له معاني منها:

(اللطيف صفة من صفات الله واسم من أسمائه، وفي التنزيل العزيز: الله لطيف بعباده، وفيه: وهو اللطيف الخبير، ومعناه، الرفيق بعباده...

وقال ابن الأثير في تفسيره: اللطيف هو الذي اجتمع له الرفق في الفعل والعلم بدقائق المصالح وايصالها إلى من قدّرها له من خلقه. يقال: لطف به وله، بالفتح يلطف لطفاً إذا رفق به. فأما لطف بالضم، يلطف فمعناه صغر ودقّ.. )(4).

فاللطف أراد منه الإمام عليه السلام هذين المعنيين الرفق والدقّة فلا يستبعد أن يكون مراده (إلهي برأفتك ورفقك ودقتك صن وكمّل نيتي).

وفي الحديث الشريف ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه الإمام الحسن عليه السلام أنه قال:

(ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذن لك فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب النعمة، واستمطرت شآبيب رحمته فلا يقنطك إبطاء اجابته فإنّ العطية على قدر النية..) (5).

فعلى قدر النية يعطي الله الإنسان ويركز هذا المعنى الحديث الشريف الذي نردده دائماً (على نياتكم ترزقون).

والعطية التي يعطيها الله سبحانه لا يمكن تصوّرها وحّدها في هذه الدنيا لأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة فمن المؤكد أن العطية والخلود سيكون في الآخرة وإذا ما أعطى الله سبحانه عطاياه في هذه الدنيا فهي ذات قيمة وتوفيق رائع للمعطى له فنحن نعيش في هذه الدنيا بمشكلاتها وتكبلنا باحتياجاتها ونسأل الله تعالى في أغلب أدعيتنا أن يسهلها لنا أو يمنحنا الصحة والعافية أو يرزقنا أو يرفع درجات علمنا وما شابه..

وهذه الأمور ليست ذات أهمية بالنسبة للعطايا الإلهية الكبرى التي نالها المخلصون العظام في هذه الدنيا وبالأخص الإمام الحسين عليه السلام ونحن نستقبل شهر محرم الحرام(6) لابد أن نذكر عطايا الله سبحانه لسيد الشهداء وما اختصه به من الدرجات.

العطاء الإلهي

ثم ومن تلك العطايا الخالدة التي وهبها الله سبحانه لسيد الشهداء عليه السلام ما جاء في إحدى زيارات الإمام الحسين(ع) والمذكورة في بحار الانوار للعلامة المجلسي (ره) نقلاً عن كتاب كامل الزيارات لابن قولويه ولم أجد تلك الزيارة في كتاب آخر وهي طويلة منقولة عن الإمام الصادق عليه السلام ننقل منها هذه العبارة:

(ضمّن الأرض ومن عليها دمك وثارك يا ابن رسول الله)(7).

وفي بيان للعلامة المجلسي (ره) جاء فيه:

(قوله عليه السلام: ضمّن الأرض ومن عليها دمك تضمين الأرض.

إما على سبيل المبالغة والمجاز كناية عن تعظيم الأمر وتفخيمه

أو المراد أنّ الله يأمر الأرض في القبر بتعذيب قاتليه وفي الرجعة بخسفهم وغيره،

أو المراد أهل الأرض من الملائكة والجن فيكون المراد بمن عليها الإنس أو الأعم تعميماً بعد التخصيص.

ويحتمل أن يكون المراد أن الله أودع الأرض أجساد قاتليه حتى ينتقم له منهم في الرجعة وفي القيامة.

أو أنه تعالى لما خرب الأرض بعد شهادته وسفكت فيها الدماء وقتل الله قاتليه وأشباههم بأيدي من خرج بعده فكأنّه ضمّن الأرض دمه حيث جرى انتقامه عليها أيضاً(8).

ولكن بيان العلامة المجلسي (ره) في بعض موارده لا يرتقي إلى مراد الإمام الصادق عليه السلام ولذلك سنبين بعد مقدمة قصيرة ما نراه لائقاً لمراد الإمام عليه السلام ونناقش أحد بيانات العلامة مجلسي.

الضمان وفق العدل الإلهي

من أصول الدين الإسلامي هو العدل الإلهي وثبت في محله أن أهل البيت عليهم السلام امتازوا بالعدل في منطقهم وسيرتهم فكل ما قالوه، علينا أن نقيسه ونلاحظه بالعدل فما انسجم مع العدل الإلهي نأخذ به وما لم ينسجم مع العدل لا نأخذ به والإمام الصادق عليه السلام قال (ضمّن الأرض ومن عليها) فليس المراد من الأرض هو أرض الكوفة أو كربلاء وإلاّ لذكرهما لأن في الزيارات المنقولة يذكر (أرض كربلاء) كما جاء (السلام على ساكن كربلاء)(9) وإنما المراد هنا هو الكرة الأرضية أي (الأرض جميعها) ولا منافاة في الكلام حتى يلزم التخصيص فالعدل إذن أن يكون المراد كل الأرض.

أما قوله (ضمّن) بمعنى الضمان فما المراد منه.

أما لغوياً فالضمان هو كما في لسان العرب (الضمين: الكفيل ضمين الشيء وبه ضمناً وضماناً: كفل به. وضمّنه إياه: كفّله..) (10).

وفي المجمع قال (وضمنت المال: التزمته، ويتعدّى بالتضعيف فيقال ضمّنته المال أي الزمته إياه..)(11).

وأما في الشريعة فهناك خلاف بين الشيعة والسنة في معنى الضمان:

أما عند الشيعة فهو ضمّ ذمّة إلى ذمّة. وعند السنّة تبديل ذمة بذمة ومثاله: إذا كان زيد مطلوباً لعمرو مبلغاً من المال وبضمانة بكر مع رضا عمرو بالضامن.

فعن مشهور فقهاء السنة أنه إذا اضمنت زيد فالدائن عمرو لا يقد بمطالبة زيد بالمال وتخلص ذمتها وإنما يطالب الضامن وهو بكر فقط.

أما عند مشهور فقهاء الشيعة أن الدائن هو عمرو يمكنه مطالبة الطرفين المدين والضامن أي زيد وبكر بالمال، فمعناه ضمّ ذمّة إلى ذمة وليس تبديل الذمة.

وبعد هذه المقدمة نعود إلى الزيارة الشريفة (ضمّن الأرض ومن عليها دمك وثارك يا ابن رسول الله) فيكون المعنى:

أنّ الله سبحانه: ألقى على الأرض المسؤولية حيث اريق دم الحسين عليه السلام على قطعة منها فصارت الكرة الأرضية مسؤولة عن دم الحسين(ع) فهي ضمنت دم الحسين(ع) بمعنى ضمّ ذمة إلى ذمة مع العلم أن الأرض جميعها لم تشترك في قتل الإمام الحسين(ع) وإنما الجناية وقعت على قطعة من الأرض فضمّن الأرض كلها.

وإذا عرضنا هذا على العدل الإلهي نراه لا ينافي عدله تعالى لأن الشخص الذي يكسر كوز الماء من حيث لا يدري يضمن قيمة الكوز فهو ليس خلاف العدل فإذا ثبت الضمان فما الذي ضمّن الله سبحانه على الأرض ومن عليها؟

الضمان هو في دم الحسين عليه السلام وثأره والثار غير الدم لأن الثأر هو الانتقام نعم إذا أريق الدم حراماً يكون سبباً لجواز الثأر.

فهناك مسؤوليتان واحدة تخص دم الحسين(ع) وأخرى تخص الثأر له عليه السلام وهما منفصلتان أما المتتبع لبيان العلامة المجلسي على جميع الاحتمالات وبالأخص الاحتمال الأخير فإن المستفاد منه أن المسؤولية الواقعة على الأرض ومن عليها هي مسؤولية واحدة فكأنه ربط مسألة الدم والثأر في جهة واحدة وهذا خلاف العدل وليس له معنى لأن الدم غير الثأر.

أما تفسيرنا فهكذا: جعل الله سبحانه مسؤوليتين على الأرض هما الدم والثأر وأما مسؤولية الجمادات (كالأرض) فهي ترتبط بالتكوين وأما على الإنسان والجن والملائكة والشياطين أو ممن له العقل فتكون تشريعية أو ترتبط بالتشريع.

وقد ثبت أن للأئمة عليهم السلام ولاية تكوينية على جميع المخلوقات بما فيها الجمادات كــما لهم الولاية التشريعية.. فجعل الله دم الحسين في ذمة الكرة الأرضية ومن عليها والدقة تظهر من خلال قوله (من عليها) يعني أنا وجميع البشر من آدم عليه السلام إلى يوم القيامة فيشمل المؤمنين الذين يعتقدون به والذين لا يعتقدون به من الكفار وهذا هو المعنى الحقيقي كما يظهر.

ولكن العدل يجعلنا أن ننتقل إلى اقرب المجازات لأن المعنى الحقيقي إذا صار له محذور ينتقل إلى أقرب المجازات مثلاً عندنا في الفقه عندما يقول الشارع: اغتسل للجمعة فاغتسل فعل أمر وكل أمر ظاهر في الوجوب كما هو معلوم فإذا كان عندنا معنى مجازي آخر لاغتسل وهو الجواز أي جواز الغسل بمعنى عدم الحرمة أو كان مستحباً غسل الجمعة ننتقل إلى المستحب دون الأخذ بالظهور (أي وجوب غسل الجمعة) لأن الاستحباب أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي فالظاهر وجوب الغسل ولوجود القرائن يصير مستحباً.

فضمّن الأرض ومن عليها ظاهرها الجميع من نبينا آدم عليه السلام إلى هذا اليوم وإلى يوم القيامة وفي ذمتنا أي أننا لا نعاقب لأنّ أهل الكوفة أراقوا دم الحسين لأن عقابنا بذنوب غيرنا مناف للعدل.. وبه يظهر أن المعنى (ضمن الأرض ومن عليها دمك) أي مسؤولية دم الحسين في ذمتنا لأن هذا هو أقرب المجازات لقوله عليه السلام (ضمّن الأرض ومن عليها دمه). فنحن مسؤولون عن دم الحسين(ع) والعقاب يرفع للعدل الإلهي أي لأقرب المجازات. إلاّ أن المسؤولية تبقى على عاتقنا فيجب القيام بها أحسن قيام...

ارتباط التكوين بقضية الإمام الحسين (ع)

نأتي إلى ثأره والأمر سهل فيها يعني في ذمة الأرض أو كل من على الكرة الأرضية مسؤولية ثأر الحسين فالله ربط الأدلة المتواترة الكثيرة في قتل الحسين بالكون والتكوين فقد روي أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض مرّ بكربلاء فاغتمّ وضاق صدره من غير سبب وعثر في الموضع الذي قتل فيه الإمام الحسين(ع) حتى سال الدم من رجله والنبي نوح عليه السلام لما ركب في السفينة طافت به جميع الدنيا ولمّا مرّت بكربلاء أخذته الأرض وخاف نوح الغرق فدعا ربّه وقال: إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض فنزل جبرئيل وقال: يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء..

وروي أن النبي إبراهيم عليه السلام مرّ في أرض كربلاء وهو راكب فرساً فعثرت به وسقط إبراهيم وشجّ رأسه وسال دمه، فأخذ في الاستغفار وقال: إلهي أي شيء حدث منّي؟ فنزل إليه جبرئيل وقال: يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء وابن خاتم الأوصياء، فسال دمك موافقة لدمه(12).

فالخليل إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام وعلى آله على منزلته وهو الصديق الذي ذكره القرآن الكريم ( واتخذ الله إبراهيم خليلاً) (13) يحزن على مصاب الحسين(ع) وإذا لاحظنا شعائر مكة ومنى وعرفات والمزدلفة هذه الأماكن التي نسبها الله تشريفاً إلى نفسه، ابتدأ بها آدم عليه السلام وبعد آدم بآلاف السنوات وصلت إلى نبينا إبراهيم فنسبت إليه وهذا تعظيم كبير له عليه السلام فالمتتبع للروايات يجد أن اغلب الأنبياء قد مرّوا بهذه البقعة الشريفة وأصابهم الحزن فيها لأن الله سبحانه يقول بعد آلاف السنين سيراق دم الحسين هنا وعشرات الروايات تربط دم الحسين(ع) بالتكوين وإلا فقتل الحسين(ع) ليس قتلاً للنفس فقط وإنما قتل للكرامة وللأنبياء وللمعنويات وللأرض وللتكوين ونحن أيضاً مسؤولون مثل غيرنا.

فإذا ثبتت المسؤولية على الجميع في الدم أو الثأر فلا تختص هذه المسؤولية بموسم من مواسم السنة دون غيرها وإنما مصاب الإمام الحسين(ع) يذكر على مدار السنة لارتباطه بالتكوين ولكنّ الناس اعتادوا على أن يظهروا حزنهم في شهر محرّم الحرام أي في ذكرى استشهاده وأهل بيته وصحبه عليهم السلام..

إحياء الشعائر الحسينية

وعلى العاملين في هذا الموسم من، هيئات، متبرعين، خطباء، علماء وكل محب أن يتذكر نقطتين مهمتين للوفاء بالمسؤولية التي ألقاها الله على عاتقهم من دم الحسين(ع) وأخذ ثأر الحسين:

1ـ ما ذكره رسول الله صلّى الله عليه وآله ونقلته السيدة زينب سلام الله عليها لابن أخيها الإمام زين العابدين في الحادي عشر من المحرم كما عن كامل الزيارات جاء فيه: (قال حدثني قدامة بن زايدة عن أبيه قال: قال علي بن الحسين عليه السلام بلغني يا زايدة أنك تزور قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام أحياناً فقلت أنّ ذلك لكما بلغك فقال لي فلماذا تفعل ذلك ولك مكان عن سلطانك الذي لا يحتمل أحداً على محبتنا وتفضيلنا وذكر فضائلنا والواجب على هذه الأمة من حقنا فقلت والله ما أريد بذلك إلا الله ورسوله ولا أحفل بسخط من سخط ولا يكبر في صدري مكروه ينالني بسببه فقال والله أن ذلك لكذلك فقلت والله أن ذلك لكذلك يقولها ثلاثاً وأقوالها ثلاثاً فقال أبشر ثم أبشر ثم أبشر فلأخبرنك بخبر كان عندي في النخب المخزون فانّه لمّا أصابنا بالطف ما أصابنا وقتل أبي عليه السلام وقتل من كان معه من ولده واخوته وساير أهله وحملت حرمه ونساؤه على الأقتاب يراد بنا الكوفة فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا فعظم ذلك في صدري واشتد لما أرى منهم قلقي فكادت نفسي تخرج وتبينت ذلك منّي عمتي زينب الكبرى بنت علي عليه السلام فقالت مالي أراك تجود بنفسك يا بقية جدّي وأبي واخوتي فقلت وكيف لا اجزع وأهلع وقد أرى سيّدي واخوتي وعمومتي وولد عمّي وأهلي مصرعين بدمائهم مرملين بالعرى مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ولا يعرج عليهم أحد ولا يقر بهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر. فقال لا يجزعنك ما ترى فوالله انّ ذلك لعهد من رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى جدّك وأبيك وعمّك ولقد أخذ ميثاق أناس من هذه الأمة لا تعرفهم فراعنة هذه الأمة وهم معروفون في أهل السموات انهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرقة فيوارونها وهذه الجسوم المضرّجة وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيد الشهداء لا يدرس أثره ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام.. وليجتهدن أئمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد أثره إلا ظهوراً وأمره إلا علواً فقلت وما هذا العهد وما هذا الخبر فقالت نعم حدثتني أم أيمن أن رسول الله صلّى الله عليه وآله... الحديث)(14).

فالمقصود من نصب العلم للطف هو الجبل الذي يرى من بعيد أو الشعائر الحسينية بأساليب مسموعة في أقصى بقاع العالم وهذه المسؤولية تقع علينا في هذا الشهر الحرام لتكون قضية الإمام الحسين(ع) مرئية ومسموعة في جميع القارات والمناطق علماً مرفوعاً وبمختلف الأساليب باستثناء المحرّم منها وقد تصدّى مراجع التقليد العظام على مختلف الأزمنة لبيان الحلال والحرام منها وما هو راجح وما هو مرجوح.

2ـ ورد في زيارة الإمام الحسين عليه السلام عن أبي حمزة الثمالي قال الإمام الصادق عليه السلام (...وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الرّدى..)(15).

وفي قوله عبادك يشمل حتى الذين لا يعتقدون بالإمام الحسين(ع) أي كل البشر وعليه فالحسين عليه السلام ثار من أجل هداية الناس جمعاء ورجوعهم من الضلالة فعلينا مسؤولية العمل واتباع الهدف الذي ثار من أجله الإمام الحسين(ع) وأراده للعباد وهذه النقطة هي الأهم طريقاً للأولى.

فيلزم علينا أن نتأمل في زيارات الإمام الحسين(ع) والاستفادة من مفاهيمها لأنّ الإمام الحسين(ع) أرادنا أن نعيش أحراراً ونرفض الظلم ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونحيي أحكام الإسلام كافة من أصول وفروع.. فالمهم إذن الاستفادة من هدف الإمام الحسين(ع) في ثورته وهذا يكون من ضمن المسؤولية لدم الحسين(ع) والثأر له.

وعلينا أن نوظف طاقاتنا وجهودنا قبل حلول شهر محرم الحرام واثنائه لإحياء معالم الثورة الحسينية من خلال الكتب، الاشرطة، تمثيل الوقائع، المنابر، المآتم الحسينية وجميع وسائل الإعلام لنجعل قضية الإمام الحسين(ع) علماً يرى من بعيد.

وهذه هي المسؤولية التي ضمنها الله للأرض ومن عليها ولكن ومع شديد الأسف ـ وهذا ما تعتصر له قلوبنا ـ أنّ القليل من أهداف الإمام الحسين(ع) معلومة أو يعمل بها، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من السائرين على خطى الإمام الشهيد.

الهوامش

1 ـ الصحيفة السجادية الجامعة، ص110، دعاء رقم 55، مؤسسة الإمام المهدي عج.

2 ـ تاج العروس المجلد الثالث، ص604، (وفر) منشورات دار مكتبة الحياة.

3 ـ مجمع البحرين للطريحي، ج3، ص512، (وفر) مؤسسة الوفاء.

4 ـ لسان العرب لابن منظور، ج9، ص316، (لطف) نشر أدب الحوزة.

5 ـ البحار، ج90، ص301، ب16، ح38، عن نهج البلاغة.

6 ـ ألقى سماحته المحاضرة قبل دخول شهر محرم الحرام لذلك اقتضى التنويه.

7 ـ البحار، ج98، ص168، ب35، ح20، عن كامل الزيارات.

8 ـ المصدر نفسه، ص170.

9 ـ البحار، ج98، ص235، ب35، ح38.

10 ـ لسان العرب لابن منظور، ج13، ص257 ـ ضمن ـ نشر أدب الحوزة.

11 ـ مجمع البحرين، ج6، ص275 ـ ضمن ـ

12 ـ راجع البحار، ج44، ص242، وما بعدها باب 30، ح37 وح38 وح39.

13 ـ النساء/125.

14 ـ كامل الزيارات لابن قولويه ص260-262 ـ باب 88 فضل كربلاء وزيارة الحسين(ع) . طبع المرتضوية/النجف الأشرف.

15 ـ كامل الزيارات لابن قولويه ص228، باب 79.

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 45

الصفحة الرئيسية