اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 

                                   

 

 

من أعلام الشيعة(4)

       

الطوسي

أبوجعفر محمد بن الحسن الطوسي

المعروف بـ(شيخ الطائفة)

       
               
               

 السيد عبدالحسين السراوي(*)

                                               

علميته

هجرته

مرجعيته

ولادته

وفاته ومدفنه

كتبه ومؤلفاته

إشكال ودفعه

ظهر على مسرح الأحداث أعلام أشير لهم بالبنان، فهاب بهم التأريخ، وعنت لهم عروش الجبابرة، وطأطأ لهم طواغيت العصر. فأذعن لفضلهم وعلمهم القاصي والداني، فتلألأت أنوارهم الوهاجة، فأضاؤا ما حولهم، وامتازوا عن أقرانهم بمواهب خلاّقة وخصال حميدة، وسجايا طيبة، رشيدة، فأسّسوا بذلك مجدهم المؤثل، وآراءهم الخالدة، على مرّ الدهور وكرّ العصور.

وممن نحا هذا المنحى، وسار على الطريقة المثلى، وشق طريقه المملوء بالأشواك والعراقيل لإرساء القواعد الصّلدة، وبذر اللبنة الصالحة، هو: شيخ الطائفة الحقة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي.

فالطوسي كما يعرفه كل من له أيسر إلمام بالثقافة الإسلامية، علّم خفّاق في عالم الفكر الإسلامي، وشخصية فريدة من نوعها في تاريخ الإسلام.

فهو كالطود الشامخ في آثاره، واليم الخضم المتلاطم الأمواج في أفكاره وآرائه، وهو بحق قطب رحى الدين، وأحد أكبر دعائم الإسلام، عماد الشيعة، ورافع أعلام الشريعة. فالثقافة الإسلامية بكل فروعها مدينة لجهود هذا الرجل العظيم، الذي نذر حياته لخدمة الإسلام، وأدّى إلى الفكر الإسلامي خدمة منقطعة النظير.

ولادته

ولد الشيخ الطوسي في طوس خراسان، في شهر رمضان عام 385 هجريّة، بعد وفاة الشيخ الصدوق أحد أكبر محدثي الشيعة بأربع سنين.

فرضع من ثدي الإيمان الصادق، والولاية المخلصة الحقة، وتربى تربية سالمة من شوائب الادران، فجعلت منه أمّة في وضعه وسيرته، أمّة في أخلاقه وأفعاله، وبالتالي أمّة عظمى في فكره وقلمه.

فكان شعلة وهّاجة لا تنطفئ في جولان من الخواطر، يبرمج ويخطط لمستقبله الزاهد الذي ينتظره.

فدرس أولاً في مدارس خراسان، وقطع بذلك أشواطاً عالية من العلم والمعرفة، ولمّا لم يجد ما يطفئ غليل ظمأه، شدّ الرحال إلى بغداد في عام 408 هجرية بعد وفاة السيد الرضي بسنتين، للاغتراف من نمير علمائها، والارتشاف من مناهل غدرانها، وهو ابن ثلاثة وعشرين عاماً، وذلك أبّان زعامة ومرجعية شيخ الفرقة الحقة آنذاك (محمد بن محمد بن النعمان) المشتهر بالشيخ المفيد.

فلازم الشيخ المفيد ملازمة الظل للإستزادة من عبيق يمّه الصافي والغور في بحر علومه. كما وأدرك شيخه الحسين بن عبيد الله بن الغضائري المتوفى عام 411 هجرية.

وتتلمذ على أبي الحسين، علي بن أحمد بن محمد بن أبي جيد القمي الذي يروي عنه النجاشي.

وفي عام 413 هجرية التحق المفيد بالرفيق الأعلى، وانتقلت زعامة الطائفة إلى السيد الشريف المرتضى، فانظوى الطوسي تحت لوائه، واهتم السيد به غاية الاهتمام، وبالغ في إجلاله وتقديره والترحيب به، وكان يدرّ عليه من المعاش في كل شهر اثني عشر ديناراً، فلم يكد ليغيب يوماً واحداً عن درس استاذه الأعظم، همّه الاستماع لآرائه وأفكاره، والتدقيق في معانيها ونقضها وإبرامها.

واستمرت الحال سنون متمادية حتى اختار الله للسيد المرتضى اللقاء به، لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة 436 هجرية.

مرجعيته

فاستقل الشيخ الطوسي بالظهور، وانثنت له وسادة المرجعية العليا للطائفة، وتفرد بالزعامة الكبرى، واصبح وحيد العصر بلا منازع، فقصد إليه القاصدون يضربون آباط الإبل بعد أن سار ذكره في الآفاق سير المثل، وازدلفت إليه العلماء تستضيء بنوره المتألق وترتشف من معينه المتدفق، يشد إليه الرحال من كل حدب وصوب ليستمتعوا بغزير علومه على اختلاف مسالكهم ومذاهبهم، ويستزيدوا من سعة دائرة استبحاره في شتى العلوم، حتى بلغ عدد تلاميذه الذين اجتهدوا على يديه، وتلقّوا منه رموز العلم وكنوز المعرفة، أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الخاصة، فضلاً عن العامة الذين لا يمكن حصرهم وعدّهم، لما رأوا فيه من شخصية علمية وقادة ونوبغ موصوف، وعبقرية ظاهرة في العلم والعمل، حتى أن خليفة الوقت القائم بأمر الله (عبد الله بن القادر بالله أحمد) اسند إليه كرسي الكلام والإفادة، ولم يكن هذا الكرسي ليُمنح إلاّ للأوحدي من الناس في ذلك العصر، والمتفوق على الكل علماً وعملاً وكمالاً.

فلم يفتأ شيخ الطائفة على هذا المنوال اثنتي عشرة سنة مقصوداً لحلّ المشكلات، وأداء المهمات، وقضاء الحاجات، حتى حدثت القلاقل والفتن والاضطرابات. وجدّ الشيخ الطوسي في إخمادها وإطفاء لهيبها، ولكن الحظ لم يحالفه، فاضطرمت نيرانها أكثر فأكثر.

تلك الأحداث المؤلمة التي شنّها (طغرل بك) أول ملوك السلجوقيين على الشيعة العزّل من السلاح، عند دخوله بغداد عام 447 هجرية، قام بإحراق مكتبة شيخ الطائفة العامرة بأمهات الكتب الخطية الثمينة، والتي لا تقدر بثمن. تلك المكتبة التي بذل أبو نصر سابور من أردشير وزير بهاء الدولة البويهي جهده العميم في إنشائها والاهتمام بها، في محلة بين السورين في الكرخ عام 381 هجرية على غرار بيت الحكمة التي بناها هارون العباسي، يقول ياقوت الحموي في معجم البلدان: (إن هذا الوزير قد جمع فيها أنفس الكتب والآثار القيمة... ونافت كتبها على عشرة آلاف مجلد، وهي بحق من أعظم المكتبات العالمية، وكان فيها مائة مصحف بخط ابن مقلة).

وقال ابن الجوزي في حوادث سنة 449 هجرية في كتابة المنتظم: (...وفي شهر صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي، متكلم الشيعة بالكرخ، وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام، واخرج إلى الكرخ، واضيف إليه ثلاث سناجيق بيض كان الزوار من أهل الكرخ قديماً يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فاحرق...).

ولكن المؤسف حقاً أن نرى المعايير متزلزلة، والقيم مؤطّرة بأطر بالية... فالخطيب البغدادي المتوفي عام 463 هجريّة مع كونه معاصراً للشيخ الطوسي المتوفي عام 460 هجريّة... وبما انه يكتب تاريخاً عن بغداد وعن سير الأحداث التاريخية الهامة التي حدثت بها.

يتجاهل ذكر الحوادث التي ألمت بالشيعة وشيخ طائفتها الشيخ الطوسي لا لشيء إلا لأمر كان يبطنه؟!

والعجب كل العجب من بعض الكتاب الذين جاءوا بعده وسوّدوا صفحات كتبهم بعبارات وتفاسير ومحاكمات يندى لها جبين الإنسانية، فما السرّ إذن في التحامل على مثل هذا المخلص في وظيفته، الذاب عن عقيدته المدافع عن حقه ومذهبه.

ولكن (الحق جديد وان طالت به الأيام، والباطل مخذول وان نصرهُ أقوام) كما قاله أمير المؤمنين عليه السلام.

هجرته

وفي خضمّ الأحداث المؤلمة آثر الشيخ الطوسي الهجرة إلى النجف الاشرف حيث مرقد أمير المؤمنين علي عليه السلام، ليبقى بعيداً عن المعمعات الطائفية، وليتفرغ للتأليف والتصنيف، يسامر القماطر والمحابر، ويكد في حصر آراء الأكابر وتقييد شواردهم.

وأمّه الفضلاء للاغتراف من معينه الذي لا ينضب، والتطلّع على درايته الصائبة، وقريحته الثاقبة، وهمته العالية، فوضع بذلك اللبنة الأولى لأكبر جامعة علمية إسلامية في النجف الاشرف، وشيّد أركانها، فأصبحت ربوع وادي الغري تشع بمظاهر الجلال والكمال، صانها الله وحرسها من كل سوء.

علميته

سرى ذكره يطوي المفاوز والحزوم عبر حقب الزمن. فلا تجد صقعاً إلاّ وفيه عبقة فواحة من فضله، وألق من نبله.

وإن اليراع لعاجز عن وصفه، والاطراء عليه، ومهما أراد الإنسان الغور والغوص في عظمة هذه الشخصية الفذة، كلما ازداد تعجباً من مواطن عبقريته، ونبوغه الفكري الخلاق، راعى تلعات العلم والمعرفة وجمع أشتات الفنون، وكفاه مدحاً أن يلقب (بشيخ الطائفة). يقول آقا بزرك الطهراني في مقدمته على التبيان في تفسير القرآن: (مضت على علماء الشيعة سنون متطاولة، وأجيال متعاقبة، ولم يكن من الهيّن على أحد منهم أن يعدو نظريات شيخ الطائفة في الفتاوى، وكانوا يعدون أحاديثه أصلاً مسلّماً ويكتفون بها، ويعدون التأليف في قبالها وإصدار الفتوى مع وجودها تجاسراً على الشيخ وإهانة له، واستمرت الحال على ذلك حتى عصر الشيخ ابن إدريس، فكان أعلى الله مقامه يسميهم بالمقلدة، وهو أول من خالف بعض آراء الشيخ وفتاواه، وفتح باب الرد على نظرياته، ومع ذلك فقد بقوا على تلك الحال حتى أن المحقق وابن أخته العلامة الحلّي ومن عاصرهما بقوا لا يعدون رأي شيخ الطائفة). وقال العلامة في خلاصته: (شيخ الامامية ووجههم ورئيس الطائفة جليل القدر عظيم المنزلة، ثقة عين صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنسب إليه، صنّف في كل فنون الاسلام، وهو المهذّب للعقائد في الأصول والفروع، الجامع لكمالات النفس في العلم والعمل).

ونعته السيد بحر العلوم في فوائده الرجالية بقوله: (شيخ الطائفة المحقة، ورافع أعلام الشريعة الحقة، إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين عليهم السلام، وعماد الشيعة الامامية في كل ما يتعلّق بالمذهب والدين، محقق الأصول والفروع، ومهذب فنون المعقول والمسموع، شيخ الطائفة على الإطلاق، ورئيسها الذي تلوى إليه الأعناق، صنف في جميع علوم الإسلام، وكان القدوة في ذلك والإمام...).

اشكال ودفعه

بعد أن أقرّ بفضله الخصوم، وسلموا له في كل العلوم، فرأوه مكيناً في المعارف الإلهية، ضليعاً في الفنون الإسلامية، فأشكل الأمر على السبكي وغيره، فوقعوا في غلط فاحش من نسبة الطوسي إلى الشافعية.

يقول تاج الدين تقي الدين السبكي في الجزء 3 من طبقات الشافعية الكبرى: (محمد بن الحسن بن علي) أبو جعفر الطوسي، فقيه الشيعة ومصنفهم كان ينتمي إلى مذهب الشافعي، له تفسير القرآن وأملى أحاديث وحكايات تشتمل على مجلدين، قدِم بغداد وتفقه على مذهب الشافعي، وقرأ الأصول والكلام على أبي المفيد، فقيه الامامية، وحدّث عن هلال الحفار، روى عنه ابنه أبو علي الحسن، وقد أحرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس، توفى بالكوفة سنة ستين وأربعمائة) انتهى كلام السبكي.

نعم إن الشيخ الطوسي تفقه على مذهب الشافعي، وبقية المذاهب الأخرى كالحنفية، والمالكية، والحنابلة، والظاهرية وغيرها.

وتضلّع بها وكتب عنها الكثير، لكن ذلك لا يعني انه قد انتمى إلى أحد تلك المذاهب، علماً بأن التاريخ لم يذكر بأن الطوسي كان شافعياً، أو انه قد انتحل إحدى المذاهب الأخرى.

يقول ابن كثير في كتابه البداية والنهاية ما في أوضاع سنة 460 هجرية: (أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، فقيه الشيعة، ودفن في مشهد علي (عليه السلام) وكان مجاوراً به حين أحرقت داره بالكرخ وكتبه، سنة ثمان وأربعين إلى محرم هذه السنة فتوفى ودفن هناك).

وقال ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل في التاريخ:

(توفي أبو جعفر الطوسي، فقيه الامامية بمشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام).

كتبه ومؤلفاته

امتاز الشيخ الطوسي بكثرة التآليف القيمة، والتصانيف الجيدة، الغنية عن كل إطراء وثناء، فبزغت أسفاره في المشارق والمغارب طلوع النجم في الغياهب.

وهو أكثر أعلام الفكر الإسلامي أثراً، وأجودهم إنتاجا، ولا زالت آثاره التي دبّجها يراعه غرّة في جبين الدهر وناصية الزمن.

ومن مميزاته انه صنّف في كل فروع الثقافة الإسلامية تصانيف عديدة، أصبحت المصدر والمرجع المعول عليه عند الباحثين والمحققين.

وحسبه عظمة وفخراً أن تكون كتبه محور كل الأبحاث والدراسات الفقهية منها والأصولية والرجالية والحديثية وهي العمدة في كل باب.

ولم يتوخ من كل ذلك إلاّ الخدمة الصادقة لآل بيت اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

مبتعداً عن الشهوات واللذائذ الدنيوية.

هذا وقد كان الشيخ الطوسي يستقي معارفه من مكتبتين ضخمتين: الأولى: مكتبة سابور في الكرخ والتي أصبحت طعمة الحريق بأمر طغرل بك، والتي كانت حاوية لأمهات الكتب الأصول بخطوط المؤلفين.

نعم لقد سبر الشيخ الطوسي أغوار هذه الكتب القيمة وغربلها، وغاص في أعماقها، واقتنى دررها، وترك الزائد منها. وبذلك ألف كتبه المعول عليها في الأبحاث العلمية.

وأهم تلك الآثار هي:

1ـ رجال الشيخ الطوسي.

2ـ اختيار معرفة الناقلين.

3ـ تهذيب الأحكام في الحديث.

4ـ الاستبصار في الحديث.

5ـ تلخيص كتاب الكافي في الإمامة.

6ـ العدة في الأصول.

7ـ المبسوط في الفقه.

8ـ شرح الشرح في الأصول.

وكتب أخرى قيمة تزيد على الأربعين مؤلف.

وفاته ومدفنه

واستمرت السنون المتطاولة، والشيخ الطوسي منهمك بالتأليف والتصنيف، مكب على البحث والتدريس منشغل بالقضاء والإفتاء.

حتى وافاه الأجل المحتوم في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من محرم الحرام سنة 460 هجرية عن عمر يناهز الخامسة والسبعين عاماً.

وتولى غسله ودفنه تلميذه الشيخ الحسن بن مهدي السليقي والشيخ أبو محمد الحسن بن عبد الواحد العين زربي، والشيخ أبو الحسن اللؤلؤي.

ودفن في داره التي كان يقطنها بوصية منه، وهي الآن من أشهر مساجد النجف الاشرف.

وكانت محط بحث وإفادة العلماء العظام والمراجع الكرام منهم الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر، والشيخ محمد كاظم الاخوند الخراساني، والشيخ المجاهد شيخ الشريعة الأصفهاني، والشيخ آقا ضياء الدين العراقي، والسيد محسن الطباطبائي الحكيم قدس الله أسرارهم.

أهم المصادر

(*) ـ باحث من سوريا.

1 ـ تلخيص الأقوال في تحقيق أحوال الرجال، للسيد الميرزا محمد بن علي الاسترابادي.

2ـ تنقيح المقال في علم الرجال، للمامقاني.

3ـ توضيح المقال في علم الرجال، للمولى علي الكني.

4ـ خلاصة الأقوال في علم الرجال، للعلامة الحلّي.

5ـ الذريعة في تصانيف الشيعة لأغا بزرك الطهراني.

6ـ الرجال لأبن داود.

7ـ الرجال لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي.

8ـ تحفة الأحباب في نوادر آثار الأصحاب للشيخ عباس القمي.

9ـ البداية والنهاية لابن كثير الدمشقي.

10ـ رياض العلماء وحياض الفضلاء، للمولى عبد الله الافندي.

11ـ روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات، للسيد محمد باقر الخوانساري.

12ـ عيون الرجال، للسيد حسن الصدر.

...وكتب أخرى.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية