اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 

ــــــــــــــ من السنن الإلهية ــــــــــــــ 

الاشتراك في الثواب والعقاب

السيد حسين محمد طالب

الاشتراك في الثواب

الاشتراك في العقاب

يوجد جامع مشترك بين الناس مهما اختلفوا في ألوانهم وألسنتهم وهوياتهم، ومهما تباعدوا في الزمان والمكان الذي يعيشون فيه، وهو (الحب والبغض) أو (الرضا والسخط) النابعان من فعل القلب. وهذا الجامع المشترك يؤدّي إلى اعتبارهم (أمة واحدة) كما انه يؤدّي إلى اشتراكهم في جريان السُنن الإلهية عليهم، واشتراكهم في نتائج الأعمال الإيجابية أو السلبية باعتبارهم اصبحوا جسماً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى ومن هنا ورد عن الإمام علي… انه قال: (أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط، وانما عقر ناقة ثمود رجل واحد فعمّهم الله بالعذاب لما عمّوه بالرضا) قال تعالى ( فعقروها فاصبحوا نادمين) (نهج البلاغة 2/207) وعنه … : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم وعلى كل داخل في باطل إثمان إثم العمل به، والرضا به) (نهج البلاغة 2/191).

الاشتراك في العقاب

إذا ارتكب إنسان أو مجموعة من الناس جريمة، ورضى بها الآخرون كانوا مشتركين معهم في الإدانة والعقوبة. من هذا المنطلق نسب الله تعالى جرائم الآباء إلى الأبناء عندما رضوا بها.

فنسب إلى اليهود المعاصرين لرسول الله(ص) قتل الأنبياء عليهم السلام مع انهم لم يباشروا القتل لأي نبي، إنما رضوا بقتل آبائهم للأنبياء عليهم السلام.

قال تعالى: ( وقتلهم الأنبياء بغير حق) (آل عمران/181).

عن الإمام الصادق… في ذيل هذه الآية المباركة (أن بين القائلين أن الله عهد إلينا وهم الذين قالوا: أن الله فقير ونحن أغنياء وبين القاتلين للأنبياء خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم بما فعلوا)

كما نسب الأئمة عليهم السلام قتل الإمام الحسين… لكل من سمع بمقتله ورضى به.

ففي الرواية: (أن الراضين بقتل الحسين شركاء قتله الا و أن قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله) وفي زيارة وارث نقرأ: (لعن الله أمة قتلتك ولعن الله أمة ظلمتك ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به) وعن محمد بن الأرقط عن أبي عبد الله… قال: تنزل الكوفة؟

قلت: نعم. قال … : فترون قتلة الحسين بين أظهركم؟

قلت: جعلت فداك ما رأيت منهم أحداً.

قال … : فإذن أنت لا ترى القاتل إلاّ من قتل أو من ولى القتل؟ ألم تسمع إلى قول الله تعالى : ( قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين) فأي رسول قتل الذين كان محمد(ص) بين أظهرهم؟ ولم يكن بينه وبين عيسى رسول، إنما رضوا قتل أولئك فسموا قاتلين)(البرهان، 1/328).

عن عبد السلام بن صالح الهروي قال: قلت لأبي الحسن الرضا… : يابن رسول الله ما تقول في حديث رُوي عن الصادق… قال: إذا خرج القائم„ قتل ذراري قتلة الحسين… بفعال آبائهم فقال… : هو كذلك. فقلت: قول الله عز وجل ( ولا تزر وازرة وزر أخرى) ما معناه؟ قال … : صدق الله في جميع أقواله ولكن ذراري قتلة الحسين يرضون بفعال آبائهم ويفتخرون بها، ومن رضى شيئاً كان كمن أتاه، ولو أنّ رجلاً قُتل بالمشرق فرضى بقتله رجل بالمغرب لكان الراضي عند الله شريك القاتل، وانما يقتلهم القائم„ إذا خرج لرضاهم بفعل آبائهم)(منهاج البراعة، 12، 386).

وقد عاقب الله تعالى جماعات وأمما، لرضاهم في الفساد مع انهم لم يشتركوا مباشرة، فاغرق قوم نوح… وانزل العذاب على ثمود.

عن الهروي قال: قلت للرضا… : (لاي علّة اغرق الله الدنيا كلّها في زمن نوح… وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له؟ فقال … : ما كان فيهم الأطفال لان الله عز وجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاماً فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم، ما كان الله ليهلك بعذابه من لا ذنب له، وأمّا الباقون من قوم نوح فاغرقوا بتكذيبهم لنبي الله نوح… وسائرهم اغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين. ومن غاب عن أمر فرضى به كان كمن شهده وأتاه.

الاشتراك في الثواب

وكما يشترك الناس في العقاب لرضاهم بالحرام، كذلك يشتركون في الثواب وحُسن الجزاء لرضاهم به حتى ولو كان بينه وبين القائمين به فاصلة الزمان والمكان.

عن الإمام أبي جعفر الثاني: (من شهد أمراً فكرهه كان كمن غاب ومن غاب عن أمر فرضيه كان كمن شهده)(البحار، 100/81).

وفي نهج البلاغة انه لما اظفر الله تعالى الإمام علي… بأصحاب الجمل قال له بعض أصحابه وددتُ أن أخي فلاناً كان شاهداً ليرى ما نصرك الله به على أعداءك فقال… : أهوى أخيك معنا؟ قال: نعم. قال … : فقد شهدنا، ولقد شهدنا في عسكرنا هذا قوم في أصلاب الرجال وأرحام النساء سيعرف الزمان بهم ويقوى بهم الإيمان).

وانطلاقاً من هذا فقد شاركنا نبي الله إبراهيم… في دعوة التوحيد، وفي تحطيم الأصنام، وشاركنا موسى وعيسى في دعوتهما إلى الله واليوم الآخر ونبذ الأصنام البشرية وترك عبادة المال والشهوات. وشاركنا النبي محمد(ص) في جهاده ضد الكفر والشرك والنفاق، عن الإمام الصادق… : (لو أن أهل السموات والأرض لم يحبوا أن يكونوا شهدوا مع رسول الله لكانوا من أهل النار)(الوسائل، باب 5، الامر بالمعروف). كما شاركنا الإمام علي… في حروبه وغزواته، والإمام الحسن… في صلحه والحسين… في شهادته وفي زيارة الأئمة€ نقول: (فنحن نشهد انا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدمين في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين، وقتلة أبي عبد الله… سيد شباب أهل الجنة بالنيات والقلوب. والتأسف على فوت تلك المواقع).

عن الإمام الرضا… انه قال لابن شبيب: (يابن شبيب إن سرك أن يكون لك من الثواب مثل لمن استشهد مع الحسين… فقل متى ذكرته (يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً)(نفس المهموم، 36).

رُوي في كتب السير والتاريخ أنّ جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله زار قبر الإمام الحسين… واصحابه في العشرين من صفر ووقف قائلاً: (والذي بعث محمداً بالحق نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه) فقال له خادمه عطية العوفي: كيف!؟ ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً، ولم نضرب بسيف، والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم، وايتمت أولادهم وارملت أزواجهم. فقال جابر: (يا عطية سمعت حبيبي رسول الله(ص) يقول: (من أحب قوماً حُشر معهم، ومن أحب عمل قوم أشرك في عملهم).

 

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية