اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 

بين العولمتين

علاء الدين القبانجي

3ـ العولمة الأمريكية

2ـ العولمة الإسلامية

1ـ العولمة تعريف ومبدأ

الرأي والرأي الآخر

4ـ بين العولمتين

1ـ العولمة تعريف ومبدأ

يقال عن العولمة في المنظار اللغوي بأنها أحد مشتقات الفعل عَلَمَ ـ عالَمَ ـ يُعالم ـ عولمةً فهي على وزن فاعَلَ يُفاعِلُ فوعلةً أو فوعَلَ يُفَوعِلُ ـ فوعلةً أي جعل للشيء فاعلية وتأثيرا أو جعل الشيء عالمياً بفعل قوة دافعة ولم نقل فاعلية أو عالمية الشيء لأن مصطلح العالمية فقط لا يعني وجود القوة الدافعة التي تفرض المفهوم على العالم أي أن مفهوم العالمية خالٍ من التفعيل. ومن الواضح لغوياً أن مفهوم التفعيل يختلف عن مفهوم الفاعلية ففي التفعيل قوةً خارجية وفي الفاعلية قوة ذاتية.

أما العولمة كمبدأ فتُعرفْ على أنها توسيع أطر وابعاد نظام معين ليشمل كل العالم من الناحية الجغرافية والمقصود بالعالم هنا هو كرتنا الأرضية أو إن صح ما نراه ليس كرتنا الأرضية فقط بل كل ما تستطيع الدولة القوية الوصول إليه في أقطار السموات إن امتلكوا لذلك سلطاناً. ولو صح ما يخطط لهذه العولمة فعلاً لاصبح هذا العالم كالقرية الصغيرة كما قيل. ويمكننا أن ننظر إلى العولمة من جانب آخر على أنها تعميم الشيء إلى أبعد مدى وتطبيقه على أوسع نطاق. وأمام توسيع الأطر والأبعاد تأخذ العولمة عدداً من المصاديق منها المصداق الاقتصادي ليسمى بعولمة الاقتصاد أو العولمة الاقتصادية ومنها المصداق السياسي ليسمى بالعولمة السياسية أو عولمة السياسة المعينة ومنها المصداق التجاري ليسمى بالعولمة التجارية أو عولمة التجارة... الخ.

2ـ العولمة الإسلامية

نبدأ الحديث عن العولمة الإسلامية بتذكير القاري الكريم بأن الإسلام لم يكن يوماً للعرب ولم يكن القرآن يوماً لقريش، وقد أكد القرآن الكريم هذه المقولة كما أيدتها الأحاديث النبوية والسلوك النبوي الشريف وهي كثير نستعرض بعضاً منها:

( إن هو إلا ذكر للعالمين) آية 87 سورة ص/آية 27 سورة التكوير.

( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) آية 107 سورة الأنبياء .

( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين) آية 96 سورة آل عمران.

( وما تسألهم عليه من أجرٍ إن هو الا ذكر للعالمين) آية 104 سورة يوسف.

( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً) آية 1 سورة الفرقان.

( وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً) آية 28 سورة سبأ.

وبهذا نجد وضوح الرسالة العالمية من تلكم الآيات السابقة.

أما على مستوى السلوك الرسالي فليس أفضل من مراجعة رسائل ورسل الرسول الأكرم (ص) إلى كسرى الفرس أبرويز بن هرمز بيد عبد الله بن حذافة السهمي وإمبراطور الروم هرقل وعامله الحارث الغساني بيد شجاع بن وهب والمقوقس حاكم الأقباط بيد حاطب بن أبي بلتعة والنجاشي الأول محمد بن ابجر ملك الحبشة بيد عمر ابن أمية وهوذا ملك اليمامة بيد سليط بن عمر العامري وهم كل العالم آنذاك وبهذا نلاحظ التطبيق الفعلي للآيات الكريمة السابقة وما تلكم الرسائل وأولئك الرسل إلا تباشير العولمة الجديدة آنئذٍ.

الفتوحات الإسلامية والتوسع الإسلامي على رقعة من الأرض لم يصلها دينٌ أو مذهب من قبل هي مصداق للعولمة بكل أبعادها الفكرية والدينية والثقافية والتجارية والتعبدية والسياسية والعسكرية والتجارية وذلك هو التاريخ يذكرنا بالحكومات الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية وأساليبها المتعددة في ذلك الوقت لعولمة الفكر الإسلامي بالكامل أو لنقل نشره والدعوة إليه بما في ذلك جوانبه التجارية أو الاقــتصادية واحكامه الشرعية وهو ما لا يخفى على أحد.

ولقد حاربت كل من الفرس والروم الإسلام والمسلمين وأخذت منه مواقف عدائية ورفضت الفكر الجديد والحضارة الجديدة القادمة من الجزيرة بدوافع من الخوف والحذر من فقدان ما تركه الآباء والأجداد من قيم وتراث والخوف والحذر من الهيمنة العربية القومية (حسب منظارهم) فلم يأبهوا للثقافة الإسلامية ولا للمعلومات الحضارية والقوانين (الأحكام) الإسلامية كل ذلك بدافع من العزة بما هم عليه والخوف على ما قد يضيعوه من ملك الأباء والأجداد والتي اكتسبوها عن قناعة ولربما عن إيمان ترسخ في أذهانهم منذ الطفولة.

لم يكتب للعولمة الإسلامية من التقنية مطاوعة الحديد ولم يكتب لوسائلها الإعلامية من السعة والقابلية ما يمنحها تلك السيطرة الكاملة على العالم كله إذ لم تكن تستخدم الا ما توفر لها من فنون الجدل والإقناع والإبداع مما تناسب مع تلك القرون وما منحته الدولة الإسلامية آنذاك من هيبة ومنعه ومصداقية.

ولو دققنا النظر في مسار العولمة الإسلامية لوجدنا أن أهم ما يميز هذه العولمة على الإطار النظري العام هو المفهوم أو الوازع الإلهي حيث الإسلام دين سماوي وليس موضوعاً من الموضوعات البشرية. أما ما يميز العولمة الإسلامية من الناحية التطبيقية أو الواقعية فهو قصور التقنية وضعف الوسيلة وعدم الاستعداد للمستقبل على الرغم من وجود آيات التحفيز والاستعداد الدائم ( وأعدو لهم ما استطعتم من قوة... ) وما زال هذا القصور قائماً والتقصير متواصلاً حتى يومنا هذا على الرغم من إمكانية الاستفادة من وسائل التقنية العالمية ولربما نعزو ذلك إلى قصور وتلكوء في نظريات وتقنيات التطبيق الإسلامي التي تفتقر إلى أساليب ونظريات الإعلام النفسي السايكولوجي والترويج الإعلامي سلباً كان أم إيجابا ولسنا هنا في صدد ذكر ذلكم القصور وتلك النواقص فهي كثيرة نكتفي بذكر الشركات الإسلامية الاستثمارية متعددة الجنسية كمثل على ذلك.

أما ما يميز العولمة الإسلامية على الصعيد المالي فإن عدم المراباة هو الميزة الجوهرية للاقتصاد الإسلامي والتي تفرزه بشكل واضح عن الاقتصاد الرأسمالي أو الاقتصاد الاشتراكي سابقاً حيث بدأت الكثير من البنوك العالمية الاستفادة من نظريات البنك اللاربوي في الإسلام الذي يعني واقعياً البنك التشاركي أو التساهمي الذي يتحمل فيه الزبون كلاً من الربح والخسارة مع الخضوع لمتغيرات السوق في تحديد معدلات الفائدة على رؤوس الأموال والودائع.

ومما يجب تذكره أيضاً أن النظام العالمي الاقتصادي الإسلامي السابق لم يعترف بالسيادة الاقتصادية القومية أو السيادة الاقتصادية لدولة على حساب السيادة الاقتصادية لدولة الخلافة آنذاك كما كانت السياسة الاقتصادية العالمية الإسلامية آنذاك خاضعة كلياً لحركة السوق التجارية من نقود أو مسكوكات ذهبية أو مواد غذائية أو مواد صناعية يحكمها فقط قانون العرض والطلب والتسويق ولم يكن الاحتكار صناعة رائجة يوم ذاك في السوق العالمية الإسلامية وما تزال.

إن خضوع النظام الاقتصادي والتجاري الإسلامي إلى أحكام الدين أو الشرع الحنيف هو من المميزات التي ينفرد فيها هذا النظام خصوصاً في حالات الطوارئ الصعبة إذ يكون الاقتصاد عندئذ أحد دعائم ومقومات نظام وحكم الجهاد الإسلامي وركائزه.

وبصورة إجمالية نجد أن العولمة الإسلامية قد حملت بين دفتيها الحكومة الشرعية + الاقتصاد + القوانين المالية + الوحدة بكل أبعادها + الأحكام القانونية + القواعد الأخلاقية ومنتهى القول أنها حملت الحضارة بكل أبعادها.

3ـ العولمة الأمريكية

بعد استعراضنا السابق نجد أن المشكل القائم حالياً لا يكمن في مبدأ العولمة وانما يكمن في نوعية هذه العولمة وخصوصياتها وبنائها ولن نريد أن نضع أنفسنا موضع الأعراب أو الكفار الذين يرفضون الإسلام جملة وتفصيلاً على الرغم مما حمله لهم من حضارة وثقافة ومبادئ واصول إنسانية لم يتوصلوا لها الا بعد حين ولا نريد أن نكون من الذيلية والتبعية بموقع حيث نصل منه إلى درجة الاستسلام للطروحات الأمريكية وذلك لأنها تحتوي على خصوصيات القطب القوي الواحد ولان فيها تقبع خصوصيات الاحتكار ولأن فيها تقبع إرادة الهيمنة وسلوكية الكيل بمكيالين بعيداً عن روح المشاركة والتنافس الحر الشريف.

ولربما نجد أن أهم ما يميز نظام العولمة الأمريكية هو تحكيم النظام الاقتصادي الأمريكي الرأسمالي في العالم وهو النظام الذي تحكمه سلبيتان هما قانون تضخيم الأرباح ولو على حساب أرواح جياع الإنسانية كما تحكمه نوازع الشركات متعددة الجنسيات العملاقة أو حتى الشركات المحلية منها. وهنا لا يختلف كلا النظامين الاشتراكي والرأسمالي على مسألة تحكيم النظام الاقتصادي في العالم ولكن النظام الاشتراكي قد يتميز عن النظام الرأسمالي في مسألة تضخيم الأرباح على الرغم من اختلاف تعريف السعر والتكلفة في كلا النظامين.

ولربما لن تختلف العولمة الإسلامية عن العولمة الأمريكية في مسألة تحكيم النظام الاقتصادي الخاص بكل منهما ولكن ما يميز النظامين الاقتصاديين عن بعضهما لحد المفاضلة هو مسألة المراباة والتضخم النقدي التي يتميز بها النظام الرأسمالي أو مبدأ العولمة الاقتصادية الأمريكية على الرغم من أن هاتين الميزتين قد سبقنا هذه العولمة بعقود.

أما المميز الثالث في النظام الجديد أو عولمة النظام الأمريكية فهو عدم خضوع هذا النظام للشرائع الإلهية أو أحكام دينية كما هو في الحالة الإسلامية فالدراسات الاقتصادية أو التجارية والإحصائية والاجتماعية هي التي تحكم وليس النصوص القانونية أو الإلهية المقدسة أي أن اجتهاد العلماء والمتخصصين هو الذي يحكم وليس الفقهاء.

والحقيقة التي يجب أن نشير إليها هو أن العولمة الأمريكية لم تأت بجديد فخطوط الاقتصاد العالمي الحديث أو التجارة العالمية واضحة المعالم لدى المتخصصين منذ زمـــن بعيد وقد كتب لهذا الاقتصاد العالمي الجديد أن يتبلور لدى الكثير من الكتاب والصحفيين من خلال الصراع الأمريكي الاقتصادي مع أقطاب العالم في الآونة الأخيرة مع اليابان مثلاً حول تصدير السلع وميزان المدفوعات ومع الصين مثلاً حول التجارة الخارجية وحقوق الإنسان ومع أوربا مثلاً حول المواد الغذائية والاستثمارات النفطية ومع فرنسا حــول الوضع في العراق والشرق الأوسط وأفريقيا والجزائر ومع أمريكا الجنوبية حول محاربة الكوكايين والهيروئين وتجار المخدرات ومع دول العالم الثالث حول الديمقراطية وحقوق الإنسان... وهكذا ولكن الفارق بين الأمس واليوم هو طغيان القوة.

4ـ بين العولمتين

ولربما تشترك العولمـتان الإسلامية والحديثة في كثير من الأسس والبنى العلميــة سواء على الصعيد النظري أو على الصعيد الواقعي التطبــيقي، فحرية التجارة وانتقال رؤوس الأموال والشركات متعددة الجــنسية وهجرة العمالة والمضاربات التجارية وقوانين العمل وحتــى حقوق الإنسان!! لن تجد لها حكماً شرعياً منافياً أو محرماً فهي جزء من النظام الاقتصادي العالمي والإسلامي ولربما يصح القول أن الجزيرة العربية والإسلام من أوائل المجتمعات ذات الخصوصية التجارية العالمية آنذاك ولنقل الاقتصادية بالمصطلح الحديث فرحلتا الشتاء والصيف واللتين أصبحتا الآن من ذكريات التاريخ العربي كانتا في حد ذاتهما تنظيماً اقتصادياً على رغم البعد الزمني ولم تكونا كذلك فقط بل كانتا تظاهرة أو تحركاً ولنقل كرنفالاً جماهيرياً أو شعبياً ذا صبغة اقتصادية إذ كان الجميع ـ صغار وكبار التجار ـ يشتركون في هاتين الرحلتين وليس كبار التجار فقط أو المضاربين في السلع والنخاسين أو المسافرين.

ولربما نستطيع القول جازمين أيضاً (إن لم تكن أمريكا قائدة العولمة الحديثة لكانت إيران مثلاً آخر للعولمة لولا أنها ينقصها الكثير الكثير الكثير...).

إن عملية تصدير الثورة الثقافية وتصدير الفكر والمعلومات وتصدير التقنية وتصدير المواد الأولية لا تختلف عن مثيلاتها العمليات التجارية الأخرى فكل له تقنياته وأساليبه وما تم تحريمه في المبايعات مثلاً يتم تنظيم قوانين لتحريم أو تعديل مثيلاً له في الأخلاق والسلوك وهكذا دواليك.

والحقيقة نحن بحاجة ماسة إلى وضع أصابعنا وثقافتنا في هذه العولمة ولسنا بحاجة لان نقف لها بالمرصاد والتصدي. بل نحن بحاجة أيضاً إلى دراسة مقومات هذا النظام الجديد ليتسنى لنا تطبيق ما نستطيع تطبيقه لأنفسنا واقتصادنا وعالمنا.

إن النظام العالمي الاقتصادي الجديد وحركة السوق والأنظمة والقوانين التجارية العالمية لم يأتيا اعتباطاً أو فجأة أو حدثا لمجرد رغبات تجار أو شركات أو رغبة رئيس معين قد يكون الرئيس الإيراني واحد منهم أو الرئيس الأمريكي أو الرئيس الأرجنتيني..!! بل إن النظام العالمي الاقتصادي الجديد جاء نتيجة حركة دؤوبة وثورة اقتصادية متواصلة ومتنامية بشقيها النظري العلمي والواقعي التطبيقي التقني كما جاء مخاضاً للعديد من الإرهاصات والتحركات التجارية والاقتصادية منذ عقود عديدة إن لم نقل منذ قرن. ولم يكن هذا النظام الاقتصادي العالمي الجديد نتيجة صراع بين دولتين أو نتيجة سقوط للمعسكر الاشتراكي وارتقاء للمعسكر الرأسمالي بل كان نتيجة تفاعل كل الحركات الاقتصادية السلبية والإيجابية وتفاعل وتناغم كل المعادلات التجارية والسياسية والدولية لعشرات السنين وما انهيار الاتحاد السوفيتي مثلا إلا نتيجة لعدم تناغمه مع كل تلك الحركات والمعادلات الاقتصادية التي فرضها الواقع الاقتصادي للقرن العشرين ولسنا بعيدين كثيراً عن كل تلك الحركات والمعادلات الدولية والمخاضات المتعددة من عصبة الأمم والكومنولث إلى الأمم المتحدة على الصعيد السياسي الدولي ومن منظمات الغات والفاو إلى الاوبك والاوابك ومنظمة التجارة العالمية على الصعيد التجاري إلى البنك الدولي على الصعيد النقدي إلى اليونسكو وحركة الخضر وحقوق الإنسان على الصعيد الثقافي... وهكذا حتى الإنترنت حالياً وما سيأتي فهو اعظم تعبيراً وأكثر مصداقية.

والحقيقة إن الاقتصاد إذا لم يتطور وينمو فلن يكون اقتصاداً بالمعنى الصحيح ولن يكون عندئذٍ اقتصاداً بالمعنى السليم لأنه لن يستطيع أن يحل أية مشكلة اجتماعية ولو كانت بسيطة كالسرقة مثلاً ولا البطالة أكيدا.

والحقيقة الثانية أيضاً هي أن الاقتصاد والتجارة مخلوقات اجتماعية كالشجرة لابد لها من النمو وإلا فالموت حتمي والقصور حتمي وهما لم يوجدا إلا لينموا لا ليموتا.

وبنظرة سريعة إلى حركة السوق الإسلامية نجد أن النظريات الاقتصادية العالمية نفسها مستخدمة ولا من جديد فنظرية العرض والطلب وتدوير رأس المال والسياسات التجارية التصديرية والجمارك والمضاربات النفطية وسياسات الدعم والتمويل المالي والاقتصادي لبعض الدول الإسلامية كالسودان ولبنان واليمن وكذلك نظريات الكتل السياسة أو الكتل الاقتصادية لا تختلف عن بعضها البعض في أوربا إلا بقدر قابليات تلك الدول وطاقاتها والتزامها وانضباطيتها تجاه تعهداتها.

إن مسألة السوق الإسلامية المشتركة والتي هي خطوة بسيطة اولية من خطوات التكتل الاقتصادي ومرحلة من مراحل العولمة الإسلامية ليست أوفر حظاً من السوق العربية المشتركة التي ما زالت تقبع ورقاً مصفراً في مجالس الجامعة العربية لأن مقومات وإدارة إن لم نقل قيادة هذا السوق الاقتصادية خاضعة لمتطلبات وظروف سوق أوسع الا وهي السوق العالمية ولا يمكن لمثل هذه السوق أن تستقل كاملاً وتنمو هذا إذا افترضنا قابلية وقدرة ورغبة أعضاء هذه السوق على الانتماء لمثل هذا التكتل التشاركي الإسلامي هذا بغض النظر عن الافتراض القائل بعدم سلامة النوايا.

إن عملية التلوث البيئي ليست نتيجة من نتائج العولمة لا الإسلامية ولا الأمريكية بل إنها نتيجة لسوء الاحتراز القانوني والصناعي إذ أننا نجد أن كل المصانع سواء كانت في إيران أو السعودية أو أمريكا تساعد إلى حدٍ ما في التلوث البيئي.

أما تصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة فليس أيضاً نتيجة من نتائج العولمة لا الإسلامية ولا الأمريكية بل نتيجة لجشع التجارة والشركات وضعف قانون الرقابة الصناعية والتجارية لكلا العولمتين.

أما التضخم الاقتصادي والنقدي فقد يكون من نتائج نمو متطلبات الإنسان بصورة عامة وهذا النمو ليس حكراً على عولمة دون أخرى كما انه ليس وقفاً على مجتمع دون آخر حتى وإن أخذنا بنظر الاعتبار تباطؤ نمو تلك المجتمعات أو سرعته. إذ أن زيادة متطلبات الفرد أينما كان ومهما كان هي إحدى أسباب التضخم التي يسيل لها لعاب أرباب العمل ولا يقتصر على عولمة دون أخرى.

أما البطالة في المجتمع الإسلامي أو البـــطالة عموماً فقد كانت نتيجة وما زالت لتطور الآلة السريع ولم تكن البطالة يوماً حكراً على عولمة دون أخرى كما أن تعريف البطالة يختلف في المجتمع الإسلامي عنه في المجتمع الأمريكي أو الغربي فربة البيت قد تعتبر عاطلة عن العمل في النظام الغربي الذي يخضع لقوانين الضمان الاجتماعي بينما لا تعتبر ربة البيت عاطلة عن العمل في النظام الإسلامي حتى ولو استخدم قانوناً للضمان الاجتماعي وهذا موضوع آخر لا نريد الخوض فيه بعيداً فهو أيضاً ليس من نتائج أو إفرازات العولمتين ولن يكون.

ولربما نوجه النقد أخيرا إلى بعض الكتاب (انظر موضوع العولمة وأثرها على اقتصاديات الدول الإسلامية مجلة النبأ العدد42) الذين ركزوا على نقد العولمة الحديثة وعزوا مشاكل الإنتاج والتصنيع وظهور الآلة والتلوث البيئي والبطالة كجزء من إفرازات العولمة الحديثة بدون تحليل مسبق وعدم الالتفات إلى أن هذه المشاكل موجودة قبل العولمة بكثير. وأن أسبابها الاقتصادية أو القانونية أو الحكومية معروفة سلفاً كما أوضحنا وهي ليست حكراً على عولمة دون أخرى إسلامية كانت أو إنتاجية فهي خاضعة للسوق الحرة الخاضعة بدورها لرغبات الملايين من البشر والتجار.

واخيراً يمكننا القول بالحقيقة التالية وهي أن الجميع يسعى إلى عولمته الخاصة والجميع قد يمتلكون مقومات التقنية ولكن السؤال الكبير هو من يمتلك القدرة على خلق التقنية وليس على من يمتلكها أو يستعملها فقط.

ولو قيض للمسلمين أن يعرفوا معنى الآية الكريمة ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..) وتحليلها الدقيق ولو عرفوا أن المعلوماتية والإنترنت من وسائل القوة ولو عرفوا أن الصحون الفضائية والسعي إلى الفضاء هو من مقومات القوة ولو عرفوا أن الفيزياء والرياضيات والفلك هي من مقومات القوة ولو عرفوا أن علم النفس وعلم الحيوان وعلوم الوراثة والهندسة من مقومات القوة ولو عرفوا أن الاستنساخ من مقومات القوة ولو... ولو... لدفعوا كل خمسهم وزكاتهم لتمويل مؤسسات خاصة ولدفعوا منحاً دراسية بخصوص هذه العلوم. ولكنهم مع الأسف اختلفوا وتناحروا على حرمة وحلية التشريح البشري اختلفوا وتناحروا على حلية أو حرمة بعض الدروس العلمية مثل الفيزياء إذ قام أحد خطباء الجوامع الرئيسية في اليمن وفي القرن العشرين يعتبر أن الفيزياء ليست من العلوم الإسلامية وتناسى علّم الإنسان ما لم يعلم وهي آية إلهية أبد الدهر.

وتناسى أن حركة الكواكب أو الكواكب نفسها هي من إيمان الله وأقسامه وتناسى أن يوماً عند ربك بألف سنة مما تعدون هي من صلب الفيزياء وسرعة الأجرام السماوية والضوء. وتناسى الشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والأرض وما طحاها هي من صلب علم الفيزياء والفلك وتناسى ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها هي من صلب علم النفس وعلم الاجتماع ولكنه كان كمن يحمل أسفارا.

الرأي والرأي الآخر

يتميز المؤمنون خصوصاً والمسلمون عموماً بالعدالة حيث أمرهم الله في كتابه الكريم، ليس في السلوك فقط بل في الفكر أيضاً ولا نريد بعد أن حبانا الله بهذه الصفة والميزة الحضارية أن نقف موقف الأعراب الذين وصفهم الله بالقرآن بأشد كفراً ونفاقاً كما لا نريد لأنفسنا أن نوصف بأي من تلكم المواصفات غير العادلة والخارجة عن السلوك الإسلامي. ولو نظرنا إلى العلاقة بين العولمة الاقتصادية والأقطار الإسلامية لما وجدناها اكثر ضرراً من تناحر وعداوة المسلمين لبعضهم البعض وتضادهم مع أنفسهم سواء كان هذا التناحر نتيجة القصور في الوعي والنظرة المستقبلية والانصياع لاحكام الدين أم كان نتيجة تحريض وتأثير قوى خارجية وكلاهما مرٌ كالعلقم.

ولو أعدنا النظر في العولمة الاقتصادية مثلاً لوجدنا أن ارتباط الاقتصاد المحدود والمحلي الجامد بالاقتصاد النامي والمتحرك سيعود بالخير والحركة والنمو على ذلك الاقتصاد المحلي المحدود حيث تتوسع أسواق المشاركة كما تتنوع وتتوسع أساليب ووسائل الإنتاج ليس نتيجة توسع الطلب على قوى العمل بل نتيجة لتوفر المعلومات الحركية للسوق التي اقل ما ينتج عنها هو توفير فرص العمل لآلاف العمال والعوائل من الموصوفين بالعطالة والبطالة واظن أن توفير فرص العمل ليس عملية سهلة الإنكار ومثال بسيط على ذلك هو صناعة التلفاز فقد وفرت هذه الصناعة الآلاف من فرص العمل في الدول الإسلامية لأولئك الذين يشتغلون حالياً في البرامج التلفزيونية من إخراج وتأليف وتصوير.. الخ. وإلى أولئك الذين يشتغلون في صيانة تلك الأجهزة الإلكترونية من آلاف المهندسين في الدول الإسلامية.. الخ.

أما ما يقال عن التغير في شكل ملكية وسائل الإنتاج لصالح الملكية الخاصة وعلاقته بتزايد البطالة فهو أمر غير ثابت لا يخلو من الظن والتخمين المفرد ولو كان كذلك لما وجدنا أن الإسلام يحترم الملكية الخاصة أيما احترام بل يؤكد عليها ولو كان كذلك أيضاً لكان توجه الاقتصاد الإسلامي إلى القطاع العام أو الدولة كما يسمى بالعرف الحديث بدلاً من التأكيد على الحرية الاقتصادية والتجارية واحترام القطاع الخاص. ومن جانب آخر نجد أن أي تغير في ملكية وسائل الإنتاج من القطاع الخاص أن القطاع الخاص أو من القطاع الخاص إلى القطاع العام سيغير من قوى العمل وأساليب الإنتاج سلباً أم إيجابا حسب مقومات التغيير تلك وقانون التغير هذا لا يختص بالعولمة بقدر ما يعزى إلى الظروف المحلية والتغيرات المرافقة ومقومات استيعاب التغيير لأي حدث من الأحداث أو زمن من الأزمنة كالثورات الشعبية أو التغيرات الإدارية، بل إننا نرى أن ارتباط الاقتصاد الإسلامي بالسوق العالمية أو بأي نوع من أنواع الاقتصادات المتحركة سيزيد من نسب الطلب على القوة العاملة كما لا يخفى أيضاً إمكانية الحصول على الدعم الحركي للسوق إذا لم نقل بالدعم المالي أو السلعي والفني الذي يفرضه السوق المتحرك للعناصر الاقتصادية المرتبطة به وهو ما حدث فعلاً عند الانهيار الكبير لاقتصاد كل من ماليزيا وإندونيسيا وكوريا أو ما يسمى باقتصاد نمور جنوب أسيا حيث تم تدعيم ذلك الانهيار وبسرعة قياسية وجماعية من قبل كل أوربا واليابان وذلك كي تستعيد تلك الأسواق حيويتها من جديد ويقف اقتصاد النمور على قدميه مرة ثانية وهو ما حدث فعلاً في أواخر عام 99.

أما ما قيل عن التخلف الاقتصادي الذي تسببه العولمة ايا كان مصدرها فلا نظن بأنه هراء فقط بل هو الهراء بعينه حيث أن فقرات الترابط بين صناعة الفوسفات مثلاً وصناعة النفط لبلد ما مثلاً ـ إن وجدا معاً ـ يرتبط بالسوق العالمية ولا يقتصر على الدول الإسلامية أو العربية أو الأفريقية أو حتى الأوروبية وليس أدل من ذلك الا صراع الدول الصناعية العملاقة لاحتواء الأسواق العالمية قبل أن توجد العولمة وما زال وهو ما تعكسه المؤتمرات الثنائية والعامة والمؤسسات التجارية المنبثقة عن تلك المؤتمرات مثل المنظمة العالمية للتجارة وغيرها وإذا ما وجد هنالك أي تخلف اقتصادي فانه يعزى أن سوء الإدارة الاقتصادية وترديها أو فقدان المواد الأولية كما هو الحال في تردي الوحدة الإسلامية أو تردي الوحدة العربية لامتناع مقوماتها.

أما أن تكون العولمة سبباً في تصدير الصناعات الأكثر تلويثاً للبيئة فهو أمر يرتبط بفقدان الرقابة الصناعية والقانون الصناعي الدولي وضعفه ومن الجدير بالملاحظة هو أن نجد أن تلك الدول الداعية للعولمة لا تخلو من تلوث بنفسها مثل جنون البقر في بريطانيا وتلوث الدجاج في هونك كونغ الذي أدى إلى إتلاف الملايين من البقر والدجاج في كلا البلدين نظراً لوجود الرقابة الصناعية والإنتاجية.

ومن الجدير أن نشير هنا إلى أن التلوث ذاته هو أحد إفرازات التطور الصناعي في كل بلد من البلدان ولا يتوقف على العولمة الحديثة أو العولمة الاقتصادية.

أما تراجع أهمية النفط الإسلامي فهو أمر غير خاضع للعولمة أيضاً ولربما يرجع في جانب من جوانبه إلى المضاربات الإسلامية على النفط بين إيران والسعودية مثلاً كما أن أسعار النفط للاوبك وهي اكبر مؤسسة نفطية تضم الدول الإسلامية وغيرها بما فيها الدول الداعية للعولمة قد تدنت إلى مستويات بسيطة ولم يعد للنفط أي سلطة كالسابق وذلك منذ سنين حرب الخليج الأولى أي قبل العولمة بسنوات كما يعزى من جانب آخر إلى توفر وسائل الطاقة البديلة في العالم.

أما فواتير الغذاء والمواد الأولية والصناعات الثقيلة فسوف تكون مرتفعة حتماً في كل الدول لأن تلك الفوائد ما هي إلا ضريبة من ضرائب التطور وحاجة الدولة للنمو الصناعي والتقني والتي تمثل بدورها حاجة الإنسان في تلك الدولة علماً بأن فواتير الغذاء مرتفعة أساسا في دول العولمة نفسها قبل العولمة. والحقيقة إن الدعوة لأي وحدة اقتصادية لا يمكن أن تقوم إلا إذا توازنت الدخول القومية ومستويات المعيشة ومعدلات الفائدة... الخ.

ولا ننسى أن نشير هنا إلى أن الشركات العملاقة متعددة الجنسية ودول العولمة نفسها تعزو زيادة الفواتير هذه إلى زيادة سعر النفط المتعمد من قبل منظمة الاوبك ذات الصبغة الإسلامية وقد حدث ذلك لاول مرة عام 1975 عند ما تم رفع سعر البرميل الواحد إلى 100%.

 

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية