اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية

مدراء المؤسسات..

بين ضغوطات النقد.. وضرورات العمل

فاضل الصفار

[email protected]

شجاعة المواجهة

مظاهر النقد السلبي

كيف نواجه الضغط؟

عبر عن النقد أولاً

مواجهة النقد اللاذع

حدد مواطن الخلل

 

هناك ضرورتان ربّما تفرضهما علينا طبيعتنا كبشر أو تفرضها علينا طبيعة العمل:

الأولى: الاختلاف.. في الرأي أو في التعامل مع الأشياء بالفعل أو رد الفعل وهذا أمر لا مجال للهروب أو التخلص منه إذ مهما كانت قدرتنا أو قوة شخصيتنا اوسعة نفوذنا أو محبوبيتنا بين الناس تبقى هناك آراء ومواقف لا يوافقنا الكثير عليها وهذه فرصة تجعل أبواب النقد مفتوحاً على مصراعيه..

بغض النظر عن دواعي النقد وأهدافه فأنه لابد وأن نسلّم ـ كمدراء أو موجهين ـ بأنّ النقد حق شخصي لكل فرد في المجتمع أو في المؤسسة التي نعمل بها ما دام في ضمن شروطه وضوابطه.

كما لابدّ أن نسلّم أيضا بأنّنا بشر والبشر يخطئون ويصيبون فمن المكابرة أن نتصور أنّنا دائماً على حق وغيرنا دائماً على باطل فنتوجع من النقد أو نتهم الناقدين بالسوء .

الثانية: التعاطي الهادئ مع الاختلاف هو افضل طريق لإدارته بشكل جيد وفعّال ومن الواضح انّ التعاطي الهادئ نعمة كبيرة لا يمتلكها كل أحد لأنه يتطلب منّا دائماً التوفر على جملة من الصفات النفسية العالية كسعة الصدر والحنكة والصبر وحسن الظن بالآخرين وحملهم على المحامل الحسنة إذ ليس كل من ينتقد يهدف الضغط علينا من أجل مطالبه ولا كل من يضغط هو سلبي بل ينبغي حتى نكون منطقيين اكثر في التعامل مع هذه الحالات لابد أن نجيد فن إمساك العصا من وسطها لكي نوازن بين النقد الهادف والنقد السلبي.

ومتى ما رأينا مؤسستنا بدأت تنزف أصدقاءها أو المتعاطفين معها علينا ا نحسب للخسارة الكبرى حسابها لأنّ العد التنازلي للإعمال يبدأ بفقد الأنصار والمتعاطفين ولعل اشد ما يفقد الأصدقاء ويزيد الخصوم خصومة هو ضيق الصدر وعدم القدرة على تحمل النقد والرأي المخالف بأريحية وصبر وعقل منفتح .

والعكس صحيح فانّ أول دليل على قوة المؤسسة ونفوذها وقوة تأثير مدراءها يبدأ بأتساعها بين الناس وكسب ودهم واحترامهم.

إنّنا في العادة نخشى النقد ونتحفظ منه سواء في المواقف العادية اليومية أم في المواقف الصعبة والكبيرة وهذه حالة ليست بإيجابية ولا مرنة في تقييم الأمور ولعل البعض يفقد توازنه في مواجهة الرأي الآخر فيتصرف تصرفات تخرجه من المنطقية وفي الغالب لا تخلو مواقفه من حالتين متضادتين طرفاها الإفراط والتفريط.

فهو أما يغضب ويتعصب ويسعى للدفاع عن نفسه بأي ثمن، أو يستجيب استجابة مطلقة ترضية للإطراف الناقدة ومماشاة لها وكلا الموقفين غير صحيح لأنّ الأول يفقده الأصدقاء قبل غيرهم ويجعله في موقع حرج يفقد فيه اعتباره وحكمته.

والثاني قد يخرجه من الهدف الأسمى ويجعله مهزوماً في ساحة العمل بما يجعل نفسه مطمعا للآخرين في هذا الموقف وفي غيره.

والمدير الناجح ذلك الذي يتمكن أن يفرض وجوده وقوة شخصيته بالمنطق والبرهان والمواقف الثابتة في الاتجاهات الصحيحة.

طبعاً صحيح أن النقد يبني في الكثير من الحالات ويسد النواقص ويلفتنا إلى أخطاءنا الا انّ بعضه أيضا قد يستخدم وسيلة لإخضاعنا أو جرّنا إلى الفشل من قبل بعض الحلفاء أو الأصدقاء فضلاً عن الخصوم ولقد رأينا بعض المدراء يمنح الآخرين فرصاً ذهبية للضغط عليه وبالتالي التحكم به لأنّه يستجيب من منطلق الهزيمة والشعور بالفشل رغماً عليه..

 

كيف نواجه الضغط ؟

لذلك لعل من المناسب أن نذكّر ببعض النقاط الهامّة في كيفية التعامل مع النقد الضاغط.

أولاً: ينبغي أن نعرف أنّ النقد الضاغط في الغالب يدخل إلينا من مواقع الضعف لا مواقع القوة.. وأول مواضع الهزيمة هي النفس..

لذلك علينا أن نقيّم أنفسنا ونحاسبها قبل أن يحاسبها غيرنا... فانّا بالمحاسبة نعرف أخطاءنا من نجاحاتنا وبالتالي فان التقييم الدقيق والصريح يجعلنا واقفين على أرض صلبة في مواجهة النقد وتطورات العمل.

مظاهر النقد السلبي

ولو دققنا النظر في الكثير من محاولات النقد السلبي التي توجه إلينا من بعض المتشائمين أو بعض الخصوم سنجدها تستعمل التقييمات التي تشعرنا بالضعف والنقص أولاً..

وأول هزيمة المرء شعوره بصغره ونقصه أمام الآخرين.

اضرب لك أمثلة لذلك.. لعلك جربت الخوض في مفاوضة أو حوار مع بعض الخصوم أو الأصدقاء السلبيين حاول أن تتذكر كيف جرى الحوار..

في الغالب أول ما يثار في الحوار هو تقييمات كلية خالية من الشواهد والتوثيق.. ونضرب مثلاً: في المفاوضات التجارية قد يثار الحوار هكذا:

* إن البضاعة التي تعرضونها ليست متينة الصناعة واسعارها غير واقعية بالمرّة‍‍!!

* إنّ الشركات الأخرى تعرض علينا عروضاً أفضل وانسب مما تعرضونه أنتم!!

* حقاً إنّي أتعجب يكف تنجحون في التعامل مع الآخرين مستقبلاً وأنتم تفقدون زبائنكم الآن!! ولو لاحظنا إلى ما وراء هذا الكلام نجد:

* انّ الأول منه يشعرنا بأنّا الأقل خبرة والأقل قدرة من غيرنا في العمل وفي العرض وبالتالي فانّ الثاني يكمل دور الأول ويشعرنا بوجود الأفضل والأكفء لذلك لابد من الاستجابة وإلاّ فأنا سنهزم أمام المنافسين..

ويأتي الثالث ليقول لنا.. أنّ مستقبلنا غامض ومجهول بل هو إلى الفشل أقرب منه إلى النجاح..

وواضح انّ تركيز الكلام منصب على الهزيمة والتراجع ومعلوم أنّ الذي ينهزم في نفسه أولا ينهزم في أعماله وتعامله مع الآخرين أيضاً..

وهذه قاعدة ليست تجارية فقط حتى يمكن أن نغفل عنها أو نتجاهل تأثيرها الكبير على مسيرتنا أو أعمالنا ومؤسساتنا بل هي قاعدة قد تجري في المفاوضات السياسية والعسكرية والإدارية والاقتصادية بل وكافة المجالات وأن كانت الصيغ والمضامين مختلفة ومن هنا لابد أن نلتفت دائماً إلى فرز النقد الهادف من السلبي والتعامل مع الهادف بإيجابية وروح رياضية ومتفائلة كما نتعامل مع السلبي بحذر ومنطقية لكي نواجه الموقف بحكمة وتدبير..

إنّ البعض يعلن انسحابه أمام هكذا انتقادات مفرطاً في وقته وجهوده وسمعته فضلاً عن أرباحه الهامة.

والبعض الآخر يعلن حالة الحرب ويشن هجوماً واسع النطاق على طرفه الآخر ويقابل الصاع بصاعين.

وثالث قد يسكت ويبدأ يفكر شاعراً بجدّية ما يقال وربما متأثراً به.. متغافلاً عن تحليل الكلام وإرجاعه إلى المعادلات المنطقية التي تفرضها عليه الحكمة والتعقل ولو دقق فيما قيل أو يقال في الحوار لوجدوا انّ اكثر ما قيل أو يقال هو مجرد أحكام عمومية وضبابية بشكل واضح ولا تحمل في طياتها أي معلومات محددة بدقة.. يمكن أن تضرنا أو تشعرنا بالضرر..

لذلك فانّ تأثيرها الواقعي ضعيف وذلك لأنّها اعتمدت على أحداس وليست على وقائع وأدلة كما إنها مبتنية على تصورات وأوهام وليست على براهين وبالتالي فانّ ما تفقده اكثر مما تحتويه فلماذا نستجيب لهكذا نقد وهو في واقعة مهزوم؟!

أن هذا الكلام ينبغي أن لا يخيفنا ولا يشعرنا بالفشل لأنّه لا يخيف حتى المؤسسات أو الدول المستبدة التي تتحفظ من أصوات النقد وربّما تقمعها بالحديد والنار لأنّ النقد ما دام كلياً وضبابياً إذن هو يبقى شعار والشعار لا يغني ولا يسمن من جوع ولذلك علينا أن نعرف..

أنّ قدرتنا الحقيقية وحكمتنا تظهر في كيفية التعامل مع هذا النقد.. وبتعبير آخر.. انّ قوة شخصيتنا وحنكتنا الادارية تكمن في القدرة على الخلاص من المعلومات المؤلمة والمبهمة في آن واحد وصولاً إلى المعلومات المحدودة وتشخيصاً لمواقع الخلل.. وذلك حتى نبدل الهزيمة إلى نجاح.

وبكلام آخر:

ينبغي مواجهة الاتهامات التي يوجهها الآخرون إلينا سواء منها الضمنية أو العلنية مواجهة صريحة ومباشرة بل وهادئة لكي نضمن أمرين:

1ـ الحصول على المعلومات الضرورية التي تنفع في زيادة قوتنا وبالتالي فانّ النظرة التي يبديها الخصوم غير النظرة التي يبديها الأصدقاء في الغالب.

 2ـ تجعلنا واقفين بثبات وقدرة على إدارة الأزمة بالأفضل والأحسن أو الخروج منها بسلامة. فلا داعي للتخوف من النقد إذن ولا داعي للتحامل عليه بل الداعي كل الداعي في تفهّمه والتعامل معه بهدوء ومنطقية واعتدال.

شجاعة مواجهة

وهنا من الضروري أن نذكّر بملاحظة لنبحث عن موضوع النقد:

فحتى نعرف كيف نواجه ضغوطات النقد علينا أن نعرف ما هو موضوع النقد بالضبط واين يكمن الخلل الذي سبّب لنا توجيه النقد!!

إنّ الكثير منّا قد يشعر بألم شديد في مواجهة النقد لأنّه يعتبر أنّه عبارة عن أحكام قاسية خالية من الرحمة والتقييم العادل أو في أسوء الظروف هي إندفاعات وراءها الحسد أو الجهل.

ولعل البعض منّا لا يتألم لقسوة النقد بمقدار ما يتألم من الحوافز التي يولّدها في نفسه من الشعور السلبي بالكفاءة أو نقصان القدرة..

إذ ينعكس النقد على نفسه ويولد عنده شعوراً مبطناً مفاده:

(إنك إمرء فاشل) أو (إنك موظف غير كفوء) أو (إنك مهما بلغت فأنت أقل من الآخرين) لذلك قد يكون رد فعلنا تجاه هذا الشعور سلبياً هو الآخر..

فانّ العديد منّا يظهر بشخصية غير متوازنة فتظهر عليه أمارات الجُرح والتوتر النفسي ثم يخوض بعصبية في الأمور بلا استقرار أو يواجه ذلك بهجوم عنيف ومضاد لغرض قمع الطرف الآخر أو إفحامه وفي احسن حالات الهدوء والثبات نجده يحاول التبرير والدفاع المستميت بلا متانة.

وهناك قسم ثالث قد يعلن عن انسحابه وهربه..

إلاّ أن المدير الواثق من نفسه والأكثر حنكة تبقى عنده حلول أخرى هي الأفضل بالنسبة إليه وبالنسبة إلى الناقدين أيضاً بما يحفظ ماء وجهه وشخصيته وإظهار كفاءته على إدارة الأزمة وأول هذه الخطوات تبدأ من سؤال محدد يتمكن أن يثيره في نفسه أولا:

بماذا يتهمني الطرف الناقد بالضبط؟

وعلى ايّ نقطة يركز كلامه على الرغم من التشتت الكثير في البيان والأسلوب الغامض في العرض والإثارة..

وقد نوضح هذا بمثال:

مثلا: (إذا واجه الموظف الخبير مديراً ناقداً عنده اعتراضات على عمله)

المدير: إن التقرير الذي أعددته لمعالجة الأزمة المالية فاشل تماماً؟

الموظف: يؤسفني أن يكون هذا رأيك ولكن ما هو الخلل فيه بنظرك يا سيادة المدير؟ (تركيز لموضوع الخلل)

المدير: انّه خال من الإحصاءات والمعطيات الرقمية فأنك لم تذكر إلاّ القليل؟

الموظف: (محاولاً تفهم نقطة الخلل بالضبط أين) هل يعني هذا انّ إضافة هذه المعطيات سيحقق الغرض منه؟!

المدير: لا.. لأنّ هناك اشكالات أخرى موجودة؟

الموظف: لقد بذلت غاية جهدي في إخراجه بصورة مرضية ويؤسفني أني لم التفت إلى ذلك بشكل اكثر دقة وشمولية ولكن يا ليتك تحدد لي ما هي الاشكالات الأخرى؟

المدير: 1ـ ترتيب المعلومات في التقرير غير منسق حسب الأولويات.

2ـ صياغة الأسلوب والإملاء غير جيد.

3ـ لم يستوف بكل المعلومات اللازمة.

الموظف: جيد.. ولكن هل أتمكن أن اعرف بأنّي لو أعددت التقرير ثانية بما تفضلتم به فهل يكون مقبولاً عندك؟! (سعي لأخذ الاعتراف مع توافق).

المدير: نعم.. بذلك أتمكن أن اقبله.

الموظف: أشكرك كثيراً فسأقوم بالملاحظات المذكورة..

والملحوظ في هذه المحاورة أنّ السعي الذي بذله الموظف في حواره المنطقي والهادئ هو تفهم ماذا يريد المدير؟

وما هي النواقص التي جعلته ناقداً صلباً!! بمعنى أنّه حصل على المعلومات الضرورية للنجاح وبهذا ضمن.

ألف ـ قبول تقريره في آخر المطاف.

ب ـ احتواء مديره واثبات أنّه موظف حريص على أتعاب عمله وارضاء مديره.

ج ـ اكتسب تجربة جديدة في تلافي هذه الاختلالات في المستقبل هذا إذ أراد أن يكون منطقياً وإيجابيا ومديراً ناجحاً في المستقبل.

بينما كان بإمكانه أيضا أن يتعامل من زاوية سلبية فيرجع بالأحكام التعميمية التي أطلقها المدير (أن التقرير الذي أعددته فاشل) إلى حالات نفسية معكوسة على شخصيته فيقول: (إنّي موظف غير ناجح) في احسن الظروف وفي اسوءها يتهم المدير قائلاً: (انّه مدير لا يفهم وأناني ومتصلب ووو... ) من صفات الفشل.

حدّد مواطن الخلل

فلنعرف إذن: إنّنا عندما لا نبحث عن معلومات محددة ونسعى جاهدين لتشخيص مواطن النقد واسبابه.. فإنّ الناس ليسوا دائماً قادرين على توجيه النقد بشكل واضح ومفهوم لنا بل ربما نواجه في الكثير من النقد كلاماً ضبابياً وأحكاما عمومية فيها من القسوة اكثر ممّا فيها من الإنصاف لذلك لابد أن نوفر الفرصة الغنية لمعرفة مواطن الداء بالضبط.

وعليه يجب أن لا نغفل إذا كنّا نحن في موقع الناقد وغيرنا في موقع المنتقد أن يكون نقدنا هادئاً أولا ومصاغاً بلهجة واضحة ومناسبة ثانياً امّا الانفعال والتوتر أو الخوف والرهبة فغالباً ما تخرج بنتائج معكوسة بل وفي بعض الأحيان نقع نحن أيضاً ـ إذا كنّا ناقدين ـ في إطلاق الأحكام العامة المبهمة التي لا توصل إلى نتيجة مرغوبة.

فنصرخ في وجه من لم يلتزم بموعده:

* إنّك غير مسؤول ولا تحترم الآخرين ولا يمكن الاعتماد على أقوالك؟

* وقد يصرخ المدير الغاضب في وجه معاونيه:

إنّكم لا تصلحون للعمل ولا خير من وراءكم يرتجى أبدا.

والحال أنّ الحكمين معاً ضبابيان وعامّان وقاسيان في نفس الوقت لأن ارتكاب خطأ واحد وهو التأخير عن الموعد ـ وربّما لحالات طارئة أو ضرورات ـ لهو حكم قاس أن نصفه بعدم المسؤولية أو عدم احترام الآخرين أو عدم الثقة به كما انّ خطأ واحداً من المعاونين لا يستحق أن يصفهم المدير بعدم الصلاحية والكفاءة في العمل. أليس كذلك؟! هذا إذا أردنا أن نكون إيجابيين.

ومن هنا لا ينبغي أن نتعجب من الكثير من الأزمات التي تحدث في المؤسسات وإدارات الأعمال إذ التفتنا إلى العدد الكبير من مواقف سوء التفاهم والتواصل التي تقع في أثناء العمل اليومي.

وما يجر وراءه من أزمات نفسية وعملية بين الموظفين والمدراء إذ ليس من النادر والحالة هذه أن يشعر إلى العديد من الموظفين بحالة ثقة واطمئنان بمدرائهم بل والبعض يعتقدون انّهم يواجهون خطر التسريح من العمل لمجرد أنّه سمع نقداً لاذعاً منهم.

كما ليس من النادر أن يشعر المدراء بتمرد الموظفين والعمال لمجرد أن سمعوا نقداً منهم!!

بينما المنطقية والحكمة تستدعي من الاثنين الهدوء وضبط النفس وتحديد موضوع النقد بالضبط ثم التفكير في احتوائه ومعالجته.

إذن عندما نواجه نقداً شديداً من الآخرين ـ سواء مدراء كنّا أو موظفين ـ فلنبذل جهدنا في تحصيل المعلومات المحددة أكثر ممّا نبذلها في الشعور بالألم والتأثر لأنّ تحصيل المعلومات هو الذي يوفقنا بشكل جيد للخروج من الأزمة بنجاح ومن ثم لا نقع فريسة التقييمات الضبابية وشديدة العمومية وبذلك نتمكن أن نحل الأزمة في اشد الظروف صعوبة وأكثرها قسوة..

وبالمناسبة هنا.. نود أن نشير إلى أنّ العديد من المدراء الذين نعرفهم أو قرأنا عنهم نجدهم يعانون من صعوبات واضحة في إبداء الآراء الإيجابية حول معاونيهم وموظفيهم..

والحال أنّهم ينسون القاعدة البسيطة والمعروفة في علم النفس الاجتماعي: بأنّ التقييمات الإيجابية هي أسلوب رئيسي وناجح في دفع الآخرين للعمل بشكل أكثر جدّية وإتقان..

كما أنّ معظم العاملين يعانون من صعوبات كبيرة في تحصيل المعلومات الضرورية من مدرائهم (إيجابية كانت أو سلبية) حول أنفسهم واعمالهم.. من هنا.. فان كان لديك شيء من الشك حول ما إذا كان تقييم مديرك يتعلق بخطأ معين ارتكبته أم أنه يمس كفاءتك أو حكمتك عموماً فيمكن وببساطة جداً أن تخوض معه في سؤال بسيط لتشخص ما هو تقييمه بالضبط.

مثلا:

* ما هو تقييمك يا سيادة المدير في عملي الذي أنجزته؟

* هل تعتقد أنّي موظف قادر على النمو والارتقاء؟

* يا ليتك ترشدني إلى نواقصي وأخطائي لكي أتلافاها فأنا موظف طموح.

إنّ البحث عن التقييمات الإيجابية وخصوصاً (الحقيقية والصادقة والهادفة) من افضل قنوات الترابط الناجح والتواصل المستمر بين الأفراد فانّه يساعد على تجنب القطيعة وسوء الظن كما يساعد الأطراف المنغلقة على نفسها أو الحذرة في أن تعبر عن آرائها بحرية اكثر وشعور بالرضا هذا فضلاً عمّا يتضمنه هذا من إثارة معلومات في غاية الأهمية للعمل.

مواجهة النقد اللاذع

كثيراً ما يحدث أن نواجه نقداً لاذعاً ومستمراً من الآخرين بما يشعرنا بالانزعاج والحرج الشديدين.

وغالباً النقد اللاذع ليس يحمل في جوانبه القساوة بل والقفز على المواضيع والتنقل عبر الكلام من موضوع لآخر وكأنّ الناقد يشعر بركام كبير من الانتقادات، تتزاحم جميعاً للخروج من فمه دفعة واحدة..

فنراه يذكر تفاصيل كثيرة وجزئيات يحاسب أو يعاقب أو ينتقص فيها أو يذم بتلك.

ولكن إذا أبدينا اتجاهه المرونة الكافية وسعة الصدر وعاملناه بهدوء البال والثقة بالنفس وراجعنا ما يقول بتأمل نجد أنّه في الحقيقة يقصد شيئاً آخر وربّما يعود كلامه المفصل والمتناثر إلى نقطة جوهرية واحدة هي القدر المشترك بين كل ما يذكر ولكنّه لا يبوح بها إمّا لأنّ غضبه وتصلبه يحول دون القدرة على إظهارها بشكل واضح وصريح أو تخوفه من المضاعفات أو لأيّ حساب آخر..

أقول: إذا دققنا فيما يقول فأنه يكون أسلم خطوة باتجاه احتواء الفرد واحتواء كلامه بل وهو أفضل بكثير من التحامل عليه أو سوء الظن به.

إنّ البعض منّا قد يبدي استجابة عفوية لهذا النوع من النقد اللاذع لذلك قد يتخذ أحد المواقف التالية:

1ـ الغضب والتوتر والمقابلة بالمثل.

2ـ الانزعاج الفوري والإعلان عن قطع التواصل معه.

3ـ أن نهاجمه بسخرية واستهزاء كما قد نرى البعض يتعامل مع هكذا مواقف بقوله:

* كيف حالك؟

* هل أنت مريض؟!

* هل نمت بالأمس؟

* ما لك؟ هل ضربتك زوجتك؟!

* ولعل الخبير يلتفت بأدنى تأمل إلى انّ هذه الكلمات ليس من شأنها أن تطفئ حريقه بل تزيده اشتعالاً بينما كان بالإمكان أن يقطع هذا النوع من الحوار المثير بشكل اكثر حكمة بما يخفف فوراً من نسبة التوتر عنده ويزيد من قوة تماسكنا وصبرنا والقدرة على المعالجة وذلك.. بأسلوب الاستجابة مع التوضيح.. وهو ما يطلق عليه البعض اسم (التغبيش) أي المرونة أو سعة الصدر..

أنظر للحوار التالي:

الزوجة: إنّك لا تأتي إلى البيت الا متأخراً وهذا يزعجني؟!

الزوج: نعم.. الحق معك وسوف أحاول أن لا أزعجك أكثر؟!

(أنظر التركيز ليس على عدم التأخير في الجواب بل في عدم الإزعاج).

الزوجة: كما أنّك عندما تأتي إلى البيت تنشغل بأعمالك أيضا وتواصل اتصالاتك بالهاتف والفاكس؟!

الزوج: طبعاً إني لا أحب هذا وأسعى دائماً لكي لا انشغل عنك داخل الدار ولكن هذه الاتصالات اليوم مهمة ولا أتمكن أن أتأخر عنها؟!

الزوجة: كما أنك لم تأت بالحاجيات التي طلبتها؟!

الزوج: كم أنا متألم لهذا وسوف أسعى لكي لا تتكرر.

وهذا الحوار يمكن أن يجري بصيغ مختلفة في مؤسسات العمل وفي الدوائر وفي المقاهي وأروقة المؤتمرات والاجتماعات فضلاً عن دوائر الدول.

إنّ أسلوب الاستجابة مع التوضيح هذا يقوم على عنصرين مهمين:

الأول: نفي العصمة وعدم الخطأ عن الشخص المنتقد وبالتالي فيه استجابة وتعاطف مع النقد الموجه إليه ويذعن بأن ما يوجه إليه فيه شيء من الحقيقة وليس بالضرورة الحقيقة المطلقة.

وهذا الأسلوب فيه إشباع لتوقع الناقد منّا ويرضيه بما نستجيب له.

الثاني: توضيح الموقف بشكل عفوي وطبيعي وبدون تكلف بما يجعلنا في نظر الآخرين غير هادفين لإزعاجه أو التمرد على توقعاته منّا.

وبهذا نكون قد انتزعنا من محدثنا فتيل الغضب وأخذنا حجته منه حين لا نجيب على انتقاداته بعدوانية أو انسحاب..

لأنّه يجعل الفرصة كبيرة أمامنا وأمام محدثنا ليمّل من محاولات الإثارة والاستفزاز فيعدّل سلوكه هو أيضاً وإن كان يرى أنه صاحب حق..

وإذا أردنا أن نحسم القضية في وقتها يمكن أن نسأل أخيرا:

الزوج: حسناً ماذا تريدين منّي أن افعل؟

الزوجة: لا أريد أن تقضي وقتك خارج البيت كثيراً لأنّي أتألم من الوحدة وانشغالات البيت!

وبهذا يمكن أن نقلب صفحة جديدة للحديث والخوض بما يهمّنا ويأتي بالفرحة بيننا.

عبّر عن النقد أولاً

وهناك أسلوب آخر من شأنه أن يخفف حدة التوتر بنسبة كبيرة في المحاورات الحادة وقد اصبح عند البعض من الأساليب المتبعة دائماً لكسب الموقف وهو (استباق النقد) أو قل (عبّر عن لسان حال منتقدك قبل أن ينتقدك)..

قد تحصل أحيانا مواقف أو تبدر منّا تصرفات نعلم فيها يقيناً بأنّا قد أسأنا بحق الآخرين.. فينتابنا شعور بالهيبة منه وتجنب المواجهة معهم خجلاً أو تحفظاً من التوتر..

خصوصاً وانّا نعلم انّه أن ثار في وجهنا فهو من حقه لأنّنا أخطأنا بحقه..

لذلك لابد وأن نفكر بدلاً عن التجنب والاحتجاب بأسلوب لتفريغ التوتر واتقاء مهاجمته لنا بأسلوب فيه من الأريحية واللطافة أكثر مما فيه من الحزم..

إذ يمكن أن نستبق نقده إلينا بأن ننتقد أنفسنا بأنفسنا.

مثلاً: لنفرض أنّنا تأخّرنا عن موعد كان لنا مع بعض الاخوة وربّما تخلّفنا عن الموعد بما ضيعنا عليه وقته وأشعرناه بالألم.. وربّما نكون بموقفنا هذا قد ذكرناه بمواقف وأخطاء سابقة أيضاً بما يشكل عنده تراكماً من الآلام..

ومن الواضح أنّ الذين لا يتمتعون بسعة صدر جيدة سيثورون في وجهنا في أول لقاء معهم ويشنون علينا بحملة من الانتقادات بما قد يزيد الموقف توتراً وحدة.. فكيف نتلافاها؟

أن نستبق الهجوم بهجوم منّا..

نقول في أول آن من اللقاء: عفواً يا سيدي فأنّي كم ألوم نفسي لأني في بعض الأحيان أغفل عن مواعيدي وأسبب للآخرين الأذى؟

* أو كم ينبغي أن يكون الإنسان قليل الشأن حتى ينسى مواعيده المهمة؟!

* أرجو أن تقبل عذري هذه المرة فأنّي أشعر بالندم بما سببته لك؟!

وإذ جربت هذا الأسلوب في مواجهة التوترات فأنّك ستجد صديقك وعلى الاغلب اكثر صبراً وتحملاً ويبدأ حديثه معك بتوتر أقل بكثير مما كنت تتوقعه أو أنه سوف يواجهك به في البدء.

وتتجلّى منافع هذا الأسلوب اكثر في نوعين من الأشخاص:

* هؤلاء العصبيون الذين يقل صبرهم أمام الأخطاء التي يرتكبها الآخرون بحقهم.

* ومع الأشخاص الذي يحبون دائماً أن يعظون الناس ويتصورون أنّهم أفضل من الآخرين وطبعاً ينبغي أن لا ننسى بأنّ هذا الأسلوب عبارة عن تحكم بالموقف عن طريق أسلوب مرن وقريب من المزاح والأريحية.

كما ينبغي أن لا ننسى بأنّ المبالغة في استخدامه أو تكراره ربما يقلبه إلى الضد ويجعلنا في أنظار الآخرين مخادعين أو متلاعبين بالمشاعر..

لذلك فانّ الأفضل وقبل كل شيء أن نسعى دائماً لتجاوز أخطاءنا ونصحح أعمالنا والاتصاف بالأفضل.

وفي الاستثناءات يمكن أن تكون هذه الأساليب نافعة في إدارة الأزمة..

وإلاّ فانّه في المواقف الحساسة لا ينفع أسلوب استباق النقد بل يزيد الأزمة ناراً.

هذه بعض الملاحظات التي يمكن أن نذكّر بها في مواجهة أساليب التحكم والسيطرة التي نواجهها في إدارة الأعمال من قبل الأصدقاء القريبين أو البعدين.. والتي من شأنها أن تعود علنيا بالمنافع الأكبر بدلاً عن الخسران.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية