اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية

 

السلام ضرورة حضارية

 

عبدالحسين السيد

الإمام علي (ع)

رسول الله والسلام

القرآن والسلام

وقفة لغوية

تصدير

كلمة لابد منها

السلام العالمي

السلام المجتمعي

السلام الذاتي

غاندي

السلام شعارنا

استراتيجية السلام

السلام في الاسلام

السلام.. هذا اللفظ الجميل والذي يدل فيما يدل عليه، على الأمن والهدوء والاطمئنان والسعادة والرفاه.. وغيرها من المتقاربات ـ معنوياً ـ من بعضها البعض من حيث المعنى النابع من لا شعور الإنسان.. من أعماقه.. من سُويداء القلب وحناياه..

تصدير

لو سألت كل عباقرة البشرية عن معنى (السعادة) لما حصلت إلا على آراء تنبؤك عن هوية أصحابها أكثر ما تنبؤك عن المعنى الحقيقي للسعادة..

وكذلك كلمة (حب) و(رفاه) فكلها مرتبطة في الحنايا الداخلية للإنسان ولا يمكن التعبير عنها.. وما أكثر الأحوال التي يمر بها الإنسان وهو لا يستطيع التعبير عما في داخله سواء أكان حزناً أو فرحاً..

فكل منها حالة لا شعورية تعم الجسم فتضفي عليه شيئاً من البهجة والسرور أو الانقباض والحزن والقشعريرة والخوف.. أو أي شيء من هذا القبيل..

والسلام.. هو حالة من الهدوء والاطمئنان الذي يشعر بها الإنسان في نفسه وكذلك في أسرته ومجتمعه وأمته والعالم أجمع.. فلا تعقيدات ولا قلق نفسي ولا عنف أسري ولا اضطرابات في المجتمع ولا منازعات في اختلافات الأمة.. ولا حروب وعمليات عسكرية في العالم كله..

هذا هو السلام العام.. وبشيء من التفصيل ولكي يتضح المعنى الحقيقي للسلام في الإسلام نتناول بعض الجوانب المهمة..

وقفة لغوية

قبل الإجابة على السؤال المطروح أرى أنه لا بأس بأن نعرج على كتب اللغة وقواميسها لكي نعرف المعنى الحرفي والحقيقي لكلمة (سلام).

ففي معجم مقاييس اللغة لابن هارون ورد ما يلي:

( (سلم) السين واللام والميم معظم بابه من الصحة والعافية.. فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العامة.. والله جل ثناؤه هو (السلام) لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء.. قال الله جل جلاله: ( والله يدعو إلى دار السلام) . فالسلام هو الله جل ثناؤه.. وداره الجنة.. ومن بابه الإسلام.. وهو الانقياد التام..)(1).

وكذلك في المعجم الوسيط ورد قريباً من هذا المعنى وهذا اللفظ فقال:

( (أسلم) انقاد.. وأخلص الدين لله.. ودخل في دين الإسلام.. ودخل في السلم.. و(السلام) اسم من أسمائه تعالى.. (السلامة) البراء من العيوب..) (2).

والسلام: هو تحية الإسلام.. بل تحية أهل الجنة ـ كما في الحديث عن المعصوم ـ وهي قولنا (السلام عليكم) والتحية بها مستحبة استحباباً مؤكداً.. أما ردها فهو واجب شرعاً وعقلاً بمثلها (وعليكم السلام) أو بأحسن منها بأن تزيد (ورحمة الله وبركاته) وما أشبه.. وهي سواء للزائر الداخل.. أو للمودع الخارج فالتحية السلام.. (3).

والسلام.. هو علامة انتهاء الصلاة والخروج من الحضرة المقدسة لله تعالى والتي دخلتها بتكبيرة الإحرام استئذاناً فلابد من السلام عند الانتهاء والخروج.. فتسلم على الوسيلة إلى الله ـ وهو الرسول وآله الأطهار ـ.

وتسلم على نفسك تحية من الله..

وتسلم على الملأ الملائكي من حولك.. ليكون كل ما أنت فيه سلاماً وهدوءاً واطمئناناً..

فالسلام ـ بالنسبة للإسلام ـ هو هدف استراتيجي لا تكتيك..

القرآن الكريم والسلام

القرآن الكريم هو كتاب الله المنزل على رسول الإنسانية محمد بن عبد الله(ص) وهو حافظ الشريعة وأصلها.. وهو المعجزة الخالدة عبر القرون والى الأبد ـ بإذن الله ـ يتحدى شامخاً مرفوع الراية أبداً والحمد لله..

وردت هذه الكلمة (سلم) ومشتقاتها المختلفة أكثر من ثمانين مرة في القرآن الكريم.. وبلغت عدد الاشتقاقات الواردة ـ عدا اشتقاقات الإسلام ـ 26 لفظاً وأكثرها هي: (سلام، سلاماً، أسلم، السلم..) وبقية الكلمات وردت مرة أو مرتين..

كما أنه وردت مادة (الإسلام) ومشتقاته أكثر من 57 مرة في الكتاب الكريم.. والإسلام هو مشتق وباب من أبواب السلام كما هو واضح..

فالطرح الإسلامي لهذا الشعار نابع من صميمه العقيدي.. وأصوله الفكرية ـ كما هو بين في كتاب الله ـ نبع القيم والفضائل والتشريعات الإسلامية كلها..

والملفت للنظر ـ للمتتبع لآيات القرآن الكريم ـ أنه لم ترد ـ ولا حتى مرة واحدة ـ كلمة (العنف) أو أي مشتق من مشتقاتها أبداً.. وهذا يزيد التأكيد على أن الدين الإسلامي يرفض العنف ويدعو إلى السلام مع الجميع..

هذا وقد تم اختبار هذا الشعار على أرض الواقع وأعطى نتائج رائعة حقاً.. فقد أعطى حضارة كانت وما زالت فخراً للإنسانية جمعاء بعلومها وآدابها وعمرانها ورجالاتها وتاريخها كله..

رسول الله(ص) والسلام..

محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم€ فتى ولا كل الفتيان في ذاك العصر والزمان، شرفاً وسؤدداً.. حسباً ونسباً.. خلقاً وأدباً.. فهو ابن أوسط بيوت قريش وأعظمها مكانة وسمعة بين العرب..

تخلق بأخلاق جده عبد المطلب المعروف بشيبة الحمد.. لكثرة الخصال الحميدة التي تجمعن فيه مع قلتها في زمانه ومجتمعه.. وبعد جده تخلق بأخلاق عمه شيخ الأباطح وبيضة البلد أعني به أبو طالب بطل الإسلام الأول.. وتأثر كذلك ببقية أعمامه الأشاوس مثل حمزة والعباس.. فكان المثال والقدوة في الأخلاق والآداب، وطيب العشرة وحسن السلوك ليس في مكة فحسب بل ذاع صيته بين العرب قاطبة.. فكان يسمى الصادق الأمين.. لكثرة صدقه وكثرة الأمانات الموضوعة والمحفوظة لديه.. لم يعرفوا له خطلة أو زلة لا في قول ولا في فعل.. فتى وشاباً ورجلاً..

تزوج من امرأة حازت على معظم أسباب الرفعة من حسب ونسب وشرف ومال وسمعة عطرة في مكة وما حولها.. وهي أم المؤمنين الأولى السيدة العظيمة خديجة بنت خويلد (عليها آلاف التحية والسلام).

هكذا هو حتى الأربعين من عمره الشريف.. وعندما نزل عليه الوحي وأمر بالتبليغ لرسالة السماء.. لكي ينقذ أهل الأرض من الظلم والجهل والتخلف.. إلى النور والعلم والحضارة..

إلا انهم رموه بكل ما يمكن أن يرمى به من كذب ودجل.. وسحر وشعوذة.. وجنون وهوس.. وشاعر معلم.. وغيرها الكثير من الألفاظ والتي لا تليق إلا بأصحابها.. ولم يكتفوا بذلك فقط بل كانوا يضربونه ويؤذونه وربما يرضخونه بالحجارة حتى أدموا كعبيه.. وآذوه.. وآذوه.. (4)

حتى انهم لم يتركوا شيئاً يمكن أن يؤذوه به إلا وفعلوه.. من قتل ربيبته ومحاولة اغتياله شخصياً ولعدة مرات.. فاضطروه إلى الالتجاء إلى شعب أبي طالب… لمدة ثلاث سنوات.. وتهجير أصحابه مرتين إلى الحبشة.. ولم يزالوا به حتى هاجر إلى بلد هجرته مكرهاً.. (5).

وهناك حاربوه وألّبوا عليه القبائل وأوغروا صدور الرجال الأراذل والأوباش من العرب فحاربهم ببدر وأحد والخندق، وغيرها كثير من المكائد والمؤامرات مع اليهود وغير اليهود من اللعناء وقطاع الطرق. وفي عام الفتح.. وبعدان اشتدت عزيمة الدين وقوي ساعده وكسرت شوكة المنافقين المشركين.. فتح رسول الله(ص) مكة المكرمة..

فما الذي أحدثه بأولئك الجفاة الغلاظ..؟ بأولئك الأجلاف القساة الجبارين من أمثال أبي سفيان ورهطه..؟

ففي الطريق سمع سعد بن عبادة صاحب راية الأنصار يقول: (اليوم يوم الملحمة اليوم تسبي الحرمة..).

فأرسل أخيه وابن عمه ووصيه فتى الإسلام علي بن أبي طالب… وقال له: خذ الراية ونادي بعكسه.. فذهب أمير المؤمنين… وراح ينادي:

اليوم يوم المرحمة.. اليوم تحفظ الحرمة..

ورسول الله(ص) كان قد أعطى أمراً لقادة جيشه قبل دخوله مكة بأن لا يقاتل أحد منهم أبداً.. وأن ينادي مناديه بالأمان للجميع:

من دخل المسجد الحرام.. فهو آمن على نفسه من القتل..

ومن دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن..

وجاء أحدهم وقال: يا رسول الله(ص) الناس تجتمع عند أبي سفيان.. وعنده دار الندوة لو أمنته..

فقال(ص) : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن.. على نفسه..

وبعد أن تمّ الفتح المظفر.. جمع رسول الله(ص) القائد المنتصر.. أهل مكة وجباريها في ساحة الحرم المكي الشريف.. ونادى بهم: ما تظنون إني فاعل بكم..؟ قتل، سبي، عبودية، رق، أسر.. ماذا يا ترى ينتظرنا..؟

فقالوا له ـ وهم منكسوا رؤوسهم أذلة خاسئين ـ: أخ كريم وابن أخ كريم..

فقال(ص) كلمته المشهورة والتي لم يشهد التاريخ لها نظيراً أبداً: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)(6).

الله أكبر.. الله أكبر.. ما هذا الخلق العظيم..؟

وبعد فتح مكة بقليل عم الإسلام الجزيرة العربية كلها.. ففتح القلوب والعقول إلى النور.. بهذا الخلق الرفيع.. وهذا التسامح الواسع.. وهذا الحلم العربي الرسالي الإيماني الكامل.. إذن بالسلام ـ وهذا درس بليغ ـ كسب رسول الله(ص) الجميع وأنقذهم من مهاوي الضياع والبؤس والجوع.. فوضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم.

وصدق الله جل وعلا حين قال: ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) .

الإمام علي بن أبي طالب (ع)

درس آخر من تراثنا المشع بالنور والهداية والسلام.. نأخذه من أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه آلاف التحية والسلام).

هذا الفتى الأوحدي الذي لم ولن تنجب الأمم شبيهاً ونظيراً له إلى قيام يوم الساعة.. فـ(لا فتى إلا علي..). كلمة قالها جبرائيل… الملك بل سيد ملائكة الرحمن وذلك في معركة أحد عندما واسى رسول الله(ص) بنفسه مواساة عجبت لها ملائكة السماوات..

كيف لا وهو مني وأنا منه.. وجبرائيل يفتخر.. وأنا منكما. نعم.. لقد تربى وترعرع في حجر وبيت رسول الله(ص) وخديجة.. فكان يتبعه إتباع الفصيل اثر أمه.. فيغذيه، وينميه، ويهذبه، ويعلمه، ويدربه حتى يكون الصورة الأخرى له(ص) .

وصورة صادقة عن الرجل المثالي في الإسلام.. علماً وعبادة.. زهداً وقيادة.. فقهاً وعدلاً.. حقاً وصدقاً.. خًلقاً وخُلقاً.. حتى يقال هذا هو مثال رجال الإسلام المحمدي..

حقاً إنه الإنسان الكامل في كل نواحي الإنسانية.. وهو بالتالي المعجزة الحقيقية للإسلام ولرسول الإسلام محمد بن عبد الله(ص) ..

هذا العملاق في كل نواحي الخير والفضيلة والشجاعة، ماذا فُعل به بعد كل الذي قدمه لهذه الرسالة المباركة الخاتمة.. ولهذا الرسول الخاتم العظيم..؟

بعد أن واسى، وفدى، وقاتل، وعادى، وهجر بلده وهاجر إلى ابن عمه وأخيه وسيده (ع) ووصيه..

والوصية ثابتة له والتاريخ يشهد، وكتب الحديث تشهد والقرآن ـ وكفى به شاهداً ـ يشهد.. وكل منصف يشهد بذلك ولو كره المنافقون والحاسدون..

فعلوا.. وفعلوا.. والله حسيبهم على كل ما فعلوا من مخازي يندى لها جبين التاريخ البشري.. على مر العصور..

فأول شيء فعلوه.. أن نحوه عن موقعه المناسب له.. وأنكروا حقه عليهم جميعاً واغتصبوا إرثه وحق زوجته المطهرة البتول(ع) .. ودخلوا بيته عنوة بعد أن حاولوا حرقه على من فيه..

وضربوا زوجته ـ وأغلى الخلق عنده ـ حتى استشهدت ـ روحي فداها ـ من جراء ذلك.. وقتلوا ولده المحسن.. وجروه من تلابيبه.. وساقوه سوق النياق إلى المسجد النبوي حيث يجلس الغاصبون له.. والأعظم من هذا كله أنه يعلم علم اليقين ـ وهم يعلمون كذلك ـ أنه قادر على أن يبيدهم عن بكرة أبيهم.. ولوحده ولا أحد معه إلا سيفه ذو الفقار..

إلا أنه صبر وتحمل وتجرع مرارة أعمالهم جميعاً.. وهو على يقين بأنه يستطيع قلعهم من جذورهم كما قلع باب خيبر بيد واحدة وجعله ترسه يقاتل به طيلة النهار ـ وكانت تعجز عن فتحه أكف أربعة وأربعين رجلاً ـ.

فأخذه بكل يسر وسهولة.. وكذلك الأبطال الصناديد كان يأخذهم ليرفعهم ويجلد بهم الأرض.. أو يمسك الواحد منهم فيقطع نفسه أو يملئ سرواله.. من مجرد ضغطة بسيطة من الأمير… .

وقالوا: والله لولا وصية ابن عمه لقتلنا بشماله قبل يمينه..

وبعد كل هذا ماذا كان موقفه..؟ وكيف واجه هذه الكوارث..؟ وما هي شعاراته التي أطلقها..؟

واجهها بالصبر والتصبر والمصابرة.. وكان موقفه أنه واحد من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم.. وشعاره (لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا علي خاصة..) و(سلامة الدين أحب إلينا من ولايتكم..). هذا هو الشعار.. وهذه ممارسته..

فالسلام عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب… هو السبيل إلى بقاء الدين الإسلامي والطريق الأفضل لانتشاره.. فهو درس عظيم من رجل عظيم في هذه الأمة..

غاندي

وكمثال آخر على ما نحن فيه.. وهو من خارج الإسلام.. ومعاصر تقريباً بنفس الوقت ولنتبين بأن السلام هو شعار وممارسة.. ومدى فعله في النفوس..

ومثالنا هو عبارة عن رجل عجوز نحيل الجسم ـ كما نعرفه أخيراً ـ إلا أنه جبار وعالي الهمة بشكل لا يصدق.. وهو الذي حرر الهند ثاني أكبر دولة في العالم من حيث السكان.. من الاستعمار البريطاني.. الإمبراطورية العظمى التي لا تغيب عنها الشمس..

والمهاتما غاندي.. هذا الرجل الذي دحر الاستعمار البريطاني من بلاده بعد استعمار دام قرونا.. ونهب طال كل خيرات الهند.. بماذا حرر بلاده..؟

حررها بشعاراته السلمية.. وحركته السلمية التي شهد لها التاريخ الحديث بالحكمة والحنكة والشجاعة.. وغاندي.. تعلم من الإمام الحسين بن علي? فقال:

تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر..

وتعلم من الإسلام الأخلاق الفاضلة الكريمة.. من حلم وصبر وشجاعة ووفاء ومحبة وإخاء وثبات على الحق الذي يعتقد به.. فحرر بلاده.. وصار مثالاً يحتذى وعلماً يشار إليه بالبنان كلما ذكر السلام..

السلام الذاتي

إن الإنسان ـ كل إنسان ـرجلاً أو امرأة.. كبيراً أو صغيراً.. متعلماً أو جاهلاً.. لكل واحد منهم عالمان.. عالم داخلي نفسي.. وعالم خارجي حياتي عادي.. وهما مرتبطان إلى أبعد الحدود وكل جهة تؤثر في الأخرى.. لأن الإنسان عندما يتعرض إلى ضرب أو إهانة أو أية ضغوطات خارجية.. فلابد من أن يؤثر ذلك على الإنسان داخلياً فيحزن أو يتألم أو يخاف.. أو غيرها من الحالات..

وكذلك عندما ينطوي الإنسان على نفسه ويقلق أو يصاب بعصاب أو اكتئاب نفسي.. فلاشك أن تأثير هذا سيكون على تصرفاته مع الآخرين فيتضح للعيان أنه غير سوي أو أن به أذى أو ضرباً من المس..

والإنسان السوي هو الإنسان الذي يوازي بين العالمين ليحقق التوازن.. ولا يتحقق هذا التوازن إلا بإعطاء كل ذي حق حقه داخلياً وخارجياً.. نفسياً وحياتياً..

وسلام الفرد ـ الذاتي ـلا يتحقق إلا إذا كان في طريق وسبيل الغاية التي خلق من أجلها البشر كلهم ألا وهي العبادة.. وهي من قوله تعالى: ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون) (الذاريات: 56). وبالعبادة النابعة من العلم والمعرفة الحقة.. والالتزام بأخلاقياتها وأفعالها يتحقق لك التوازن والاستقرار والأمن والسلام الداخلي..

فذكر الله وتسبيحه وتقديسه وتكبيره وتحميده.. هو الذي يوجد الإنسان.. والصلاة والصيام والزكاة كلها جميعاً تبلور نفسه وتصقلها وتطهرها مما يعلق فيها من كدورات يمكن أن تؤدي إلى اضطراب أحواله الداخلية.. وسبحانه وتعالى يقول: ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد: 28). فاذكر ربك.. وافعل ما أمرك وانزجر عما زجرك.. تكن سعيداً أبداً.. وافعل العكس ( فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) (طه: 124).

السلام المجتمعي

بعد أن تعرف نفسك وتؤدي لها حقوقها وتعرف واجباتها وتحقق السلام الذاتي لنفسك.. فعليك أن تعمل إلى تحقيق السلام المجتمعي.. وهو يشمل كل المجتمع الذي تعيش فيه أسرة وأقارب.. بلد وأمة..

وليكن سراجك في هذا الطريق العسر قوله تعالى ـ ومن أحسن من الله قولاً ـ: ( ادفع بالتي هي أحسن.. فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) (فصلت: 34 ـ 35).

ولتكن هذه الحكمة النبوية بين عينيك (كل ابن آدم خطاء) ولا تنطلق في تعاملك مع الناس على ما هم عليه.. بل انطلق بتعاملك معهم على ما أنت عليه، وأنت عليك أن تكون مسلماً مؤمناً مَثَلك الإمام علي بن أبي طالب… وقدوتك رسول الله محمد(ص) وأسوتك الحسنة كما أمر الله عز وجل.. وروي فيما روي عن الإمام علي زين العابدين وسيد الساجدين… أنه كان يقول: افعلوا المعروف مع أهله ومع غير أهله..

فيقال له: يا بن رسول الله(ص) مع أهله نعم.. ومع غير أهله فلمَ..؟

فيقول… : إن لم يكونوا أهلاً للمعروف.. فكونوا أنتم أهلاً له..

ومن يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

فزوجتك ـ مثلاً ـ امرأة وهي ضعيفة وربما تكون حبيسة البيت.. إلا أن كيد ـ بعض ـ النساء عظيم.. وعقلهن سطحي جداً وعاطفتهن جياشة.. فلربما كلمة تأخذها وأخرى تعيدها.. وهي ـ الكلمة ـ لا تعدوا عن كونها كذباً أو اشتباهاً.. وما أكثر الغيبة والنميمة في مجالسهن.. فتقيم الدنيا وتقعدها.. ولماذا..؟ ربما لا تدري..

وكذلك طبيعتها وتكوينها النفسي والفيزيولوجي.. والمكانة الاجتماعية.. هي مختلفة بعض الشيء عنك أنت.. إلا أنك ـ أنت وحدك ـ قادر على أن تجعلها ملاكا وزهرة عبقة وأسعد إنسانة في الوجود.. وهذا لا يحتاج منك إلا القليل ولربما كلمة عتاب.. أو همسة حب.. أو نظرة إعجاب بعملها أو هيأتها.. أو موقف لطيف بسيط..

وإذا عكست الآية تنقلب النتيجة رأساً على عقب.. فكلمة عفوية أو نظرة غير مقصودة.. تقابلها بعنف وتوتر فينقلب الملاك إلى شيطان والزهرة إلى شوكة والسعادة إلى شقاء وكأنه لا يوجد أشقى منكما في الوجود.. وهكذا الأمر مع الأبناء والأخوة ـ خاصة إذا كانوا تحت رعايتك ـ فلا بد من الخطأ ولكن ليكن العلاج بالطريق السلمي الهادئ.. وبعقلية متوازنة منفتحة على ثقافة العصر ومتشبعة بتجارب الماضي ومتمسكة بأصول الدين الحنيف..

فادفع بالتي هي أحسن دائماً وأبداً.. وعليك أن توازن الأمور وتختار التي هي أحسن لتجد أن هذا الدفع ربما حول العدو إلى صديق.. والبعيد إلى قريب.. والحاقد إلى حبيب. فترتفع مكانتك في القلوب ويزداد التفاف الناس حولك..

(فالمؤمنون هم ( الموطؤون أكنافاً) أي انهم ليسوا من الصعوبة في أن يخاف الناس من أن يحوموا حولهم، ويكونوا في أطرافهم، فإن الإنسان العنيف يتحاشى عنه الناس..)(7).

ورسول الله(ص) أوصى علياً… قائلاً: (يا علي مكارم خصال الدنيا والآخرة.. لين الكلام.. والسخاء.. وأن تعفوا عمن ظلمك..) (8).

تدبر ما أعظم هذه الكلمة.. ولكنك قد تقول أن هذا الأمر ـ السلام دائماً ـ هو من أصعب الأمور.. بل أصعبها أبداً..

نعم.. هو أمر في غاية الصعوبة والمرارة وربما مرارته أكبر من العلقم.. إلا أن نتائجه أشهى من شهد العسل.. وعلى الإنسان أن يتمرن على الصبر بالتصبر.. وأن يلقن نفسه دروس السلام..

(لأن للتلقين أثراً كبيراً في داخل النفس، فالإنسان بطبعه يغضب ويثور ويذكر معايب الآخرين ويدخل مع الناس في صراع ونزاع وحقد وبغضاء وعداء ومقاطعة وما أشبه..

فاللازم اجتثاث جذور هذه الأمور من قلب الإنسان ومن ثم من جوارحه وذلك بالتلقين الدائم بأنه إنسان مسالم، حازم، عاقل، مفكر، مدبر، مدير، فإذا لقن نفسه بهذا التلقين ليله ونهاره.. شهره وسنته فإنه يتطبع بطابع السلم)(9).

إذن إن لم تكن صابراً فتصبر.. وإن لم تكن حليماً فتحلم.. وهكذا حتى يصبح الصبر والحلم والسخاء والشجاعة.. من سجيتك ومن طبيعتك وعادتك..

إن لم تكونوا مثلهم فتشبهوا إن التشبه بالكرام فلاح

السلام العالمي

(الناس صنفان.. إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..).

هذه كلمة ذهبية لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب… بسياق توجيهاته الدستورية لمالك الأشتر النخعي(رحمه الله)، وهي جوهرة ثمينة وحقها أن تذهب على جبين البدر ليطّلع عليها الخلق كل الخلق وفي كل مكان وزمان.. ورسالة الإسلام هي رسالة عامة شاملة لكل البشر في شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها فسبحانه يقول ـ وجل من قائل ـ:

( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..) (الأنبياء: 107). و( ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً..) (سبأ: 27).

فهذه الرحمة يجب أن تبلغ ـ أي توصل ـ إلى الدنيا.. والى جميع البشر حتى تتم الحجة على الجميع، وأعتقد أنها تامة في هذه الأيام إلا ما ندر ـ فلله الحجة البالغة ـ .

وتبليغها يجب أن يتم عن طريق السلام والحوار الهادئ الحر وبالتي هي أحسن وبنفس الطريقة التي انتشر بها الإسلام في الجزيرة العربية بداية..

فقد انتشر نور الإسلام وعم.. بالكلمة الهادية والموقف الحكيم.. والجدال بالتي هي أحسن.. وبالأخلاق العالية لرسول الله محمد(ص) والمسلمين الأوائل كأمير المؤمنين… والسيدة خديجة وغيرهم من الأصحاب الكرام..

فلا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.. والكلام يطول والوقائع تشهد..

(ولا يكون السلام.. ولا يتحقق في الواقع الخارجي إلا إذا كان تفكير الإنسان ـ المبلغ ـ تفكيراً متزناً.. وعمله عملاً متزناً بعيداً عن المراهنات وعن الاعتباطات والإفراطات والتفريطات..

أما أن يرى الإنسان كل خير وفضيلة في نفسه وجماعته.. ويرى الآخرين مجردين عن الفضيلة.. بل يراهم منغمسين في الرذيلة.. فهذا الكفر لابد أن ينتهي إلى غير السلام.. إلى العداوة، والبغضاء، والشنان، والهمز واللمز..

ومن المعروف أن ثلاثة أشياء قليلها كثير وحقيرها كبير.. النار، والعداوة، والمرض..

فعود ثقاب صغير يحرق مخزناً من الخشب فيه عشرات الأطنان (وربما حرق غابات بأكملها).. ومرض بسيط ربما أدى بصاحبه إلى الموت.. وربما أدت عداوة صغيرة ناشئة من كلمة نابية أو شبهها إلى سفك الدماء..) (10).

والتاريخ فيه آلاف الشواهد على ذلك من حرب البسوس إلى حرب داحس والغبراء إلى الحرب الكونية الأولى والثانية.. إلى حرب الخليج الأولى والثانية والثالثة.. وغيرها كثير..

كلمة لابد منها

لكي يكون الإنسان في سلام مع نفسه يجب عليه أن يؤدي حق ربه وحق نفسه، ولكي يكون في سلام مع أسرته يجب أن يعطي لكلٍ حقه، أبويه أخوته وأقرباءه زوجته وأبناءه..

أما الذي يتطلع إلى سلا م الأمة فعليه تأدية الحقوق المرتبطة بها من الجار المؤمن إلى المسلم إلى أهل الكتاب وأهل الذمة.. إلى المعلم والقاضي.. إلى أن يصل إلى الحاكم الشرعي.. فلكل حقه وعليه أن يراعيه ما أمكنه ذلك ويؤديه عن طيب خاطر وهدوء نفس..

أما الذي يرنو ويتفاءل في سلام العالم (السلام الكوني) فعليه أن يؤدي حقوق العالم عليه.. فللأرض حق وللسماء حق.. وللبحار والأنهار والمياه حق..

وللبهائم والحيوانات البرية والبحرية والطيور حقوق وهي شريكة لنا في هذا الكون الفسيح.. ولا ننسى حقوق الأجيال المقبلة من هذه الثروات..

كما أن للهواء وطبقات الجو والأوزون.. وبقية الكواكب والنجوم والأكوان كلها لها مواقعها وحقوقها.. وعلى الإنسان أن يعي ـ ويؤدي ـ بعض هذه الحقوق..

لأن الله سبحانه وتعالى يقول وقوله حق وصدق:( كل شيء خلقناه بقدر) (القمر: 49). و( كل شيء عنده بمقدار..) (الرعد: 8). و( أنبتنا فيها من كل شيء موزون..) (الحجر:19).

فالكون مركب من حقوق وواجبات.. فصاحب الحق سلطان.. ويطالب بحقه وهذا أمر بديهي وفطري وعقلائي ولا أحد يستطيع أن ينكر عليه..

أما من عليه الواجب فهو مطالب به ـ أي لتأديته ـ وهذا كذلك أمر بديهي وفطري وعقلائي وكل أحد يستطيع أن ينكر عدم تأدية الواجب..

من حقوق الأجيال القادمة أن تعيش وتتنعم بهذه النعم حسب حاجتها وطاقتها.. وواجبنا الحفاظ على هذه الثروات وإلا نستهلك ما يزيد عن حاجتنا.. وذلك بهدر هذا المخزون الكوني فيما يدمر الكون ولا يعمره.. فيما يبيد البشر ولا يسعدهم..

ومن يعي كل هذا ـ أو بعضه ـ يمكن أن يعيش في سلام ذاتي يشعر معه بالسعادة والأمن والاطمئنان.. وبقدر الوعي والعمل تكون النتائج إيجاباً أو سلباً..

فالسلام ضرورة حضارية حقاً.. طرحه الإسلام منذ أربعة عشر قرناً من الزمن وهو ضرورة لكل مناحي الحياة البشرية اعتباراً من الفرد وانتهاءاً بالعالم أجمع..

فالسلام هو الذي يبني ويعلي ويعلم ويطور المجتمع..

والحرب أو العنف هو الذي يدمر ويهدم.. ويقتل ويشرد ولا يبقي ولا يذر بل يدفع بالبشر إلى التخلف والجهل والرذيلة..

والحديث يطول، والمجال واسع.. إلا أنني أحببت هذا الإلماع.. واكتب هذه اللفتة السريعة عن ضرورة تعميم السلام. لنبني حضارة تقارع وتصارع الأيام.. وتستمر مع الزمن في خدمة الإنسان.. لا في تدميره..

السلام في الإسلام.. استراتيجيا أم تكتيك..؟!

لكي يكون الموضوع اكثر وضوحا فلا بد من توضيح بعض المصطلحات الواردة هنا فنقول أولا : الاستراتيجيا: هي مصطلح فضفاض وواسع ومتنوع ويشمل كل منحى من مناحي الحياة من سياسة واقتصاد وإدارة وحرب..

(فالاستراتيجية: هي عبارة عن وسيلة لتحقيق أهداف تحددها لها السياسة، بحيث تنبع سياسة بلد ما من الفلسفة السائدة فيه.. وهكذا يتعلق مصير الإنسان بالفلسفة التي يختارها لنفسه.. والاستراتيجية التي يستخدمها لتحقيق انتصار هذه الفلسفة..) (11).

ومن قراءة التعريف والتمعن به جيداً نجد أن المصطلح ليس مصطلحاً عسكرياً بل هو فلسفة.. وأسلوب تطبيق وتحقيق فلسفة السياسة.. وما الاستراتيجية العسكرية إلا فرع أو جزء واحد منها.. ولها مفهومها الخاص والذي يعني فيما يعنيه: (كافة الأفكار والترتيبات التي تتخذ لاستخدام القوة العسكرية، والوسائل العسكرية الأخرى لتحقيق أهداف الدولة العليا..) (12).

فالاستراتيجية أصبح مفهوماً عاماً لا مصطلحاً عسكرياً ضيقاً فقط.. وهو الذي نفهم منه أنه معرفة الأهداف البعيدة.. وتحديدها بدقة ودراسة الطرق والأساليب الكفيلة بتحقيقها والوصول إليها بأسهل الطرق وأقل التكاليف..

فالأهداف الاستراتيجية هي الأهداف البعيدة أو هي الغاية القصوى ربما..

والرجل الاستراتيجي هو الرجل الذي يفكر في الأهداف البعيدة ولا تثنيه عقبات الطريق عنها ويدع الصغائر فإن لها أهلها..

ولهذا وصف أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب… وعلى لسان أحد خواصه بـ(إنه بعيد المدى) أي أنه ـ وبلغة معاصرة ـ استراتيجي في تفكيره..

وإستراتيجية أمير المؤمنين… تتمثل في (سلامة الدين أحب إلينا) و(لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة..) وذلك للحفاظ على المّلة.. ومن ثم العمل من أجل قيادة الركب وإيصال السفينة إلى ساحل النجاة وإدخال من فيها إلى روضات الجنان...

ـ التكتيك: أما التكتيك فهو أساليب ـ أو بعض أساليب ـ تنفيذ الإستراتيجيا على أرض الواقع.. وعسكرياً هو تنظيم وقيادة القوات قبل وأثناء خوض المعركة، والعمل الجاد لتحقيق المهام القتالية المرجوة من خوض المعركة..

ـ الإسلام: هو دين الله.. وبالتالي هو فكرة مثالية للدولة والمجتمع قابلة للتطبيق على أرض الواقع.. فتطبيق وتحقيق هذه الفكرة على أرض الواقع هو الاستراتيجيا وكل الأعمال والطرق والأساليب التي تخدم تحقيق هذه الفكرة هي من التكتيك..

ولابد للفكرة الاستراتيجية من خطوط استراتيجية موصلة إليها وهي عبارة عن الحدود والضوابط التي يجب أن تسير عليها التكتيكات لتصل إلى النهاية السليمة وبالتالي تحقيق الهدف المطلوب..

والسؤال المطروح الآن وبعد هذه المقدمة التوضيحية المختصرة.. هل السلام في الإسلام هدف استراتيجي.. أم أسلوب تكتيكي فقط..؟؟!

استراتيجية السلام..

الإسلام دين الحكمة.. والقران الحكيم هو دستوره.. لأنه منزل من حكيم عليم.. ورسول الله محمد(ص) هو أحكم الحكماء على مدى العصور والدهور.. باعتراف العدو والصديق.. والقاصي والداني.. وكل من اطلع على حياته الشريفة وأخلاقه العظيمة.. فلابد من أن يأخذه العجب العجاب من حكمته وخلقه العظيم، وحنكته السياسية الفردية..

والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه المناسب له.. كما قالوا في تعريفها..

فهل من الحكمة أن نجبر الخلق على الإسلام.. أو الإيمان..؟؟

وهل من الحكمة أن نقاتل كل من يخالفنا الرأي..؟؟

وهل من الحنكة أن نبيد أهل الأديان السابقة لأنها قد نسخت بالإسلام..؟

وهل من الأخلاق.. أن نقتل من نشاء.. كيف نشاء.. ومتى نشاء.. دون أية ضوابط أو أية قيود أو شروط لذلك..؟

لا.. لا هذا.. ولا كل ما يمت إليه بصلة من الإسلام في شيء.. بل الإسلام أمر بعكسه تماماً.. والإسلام هو دين المحبة والأخوة والسلام وأخلاقياته معروفة للجميع ومشهود لها بالطهارة..

(إنما الأصل ـ الذي يدعو إليه الإسلام ـ هو السلام.. وليست الحروب والمقاطعة وما أساليب العنف ـ التي اتبعها أحياناً ـ إلا وسائل اضطرارية وشاذة وهي على خلاف الأصول الأولية الإسلامية.. حالها حال الاضطرار لأكل الميتة وما أشبه.. والحروب تقدر بقدرها..) (13).

فالإسلام يقول مقابل ذلك..

( لا تهدي من أحببت..) (القصص:56). و( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (يونس: 59).

ويقول:( لكم دينكم ولي دين..) (الكافرون: 6) و( نحن أو اباكم لعلى هدى أو في ضلال مبين..) (سبأ: 24). ويقول: ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء.. ) (آل عمران: 64) و( يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم..) (النساء: 17). ويقول: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق (الإسراء: 33). ويقول: ( أدخلوا في السلم كافة.. ) (البقرة: 208).

فالإسلام واحة غناء من السلام والحب والتعاون.. ويرفض الرفض القطعي لجميع أشكال وأنواع العنف النفسي والجسدي والاجتماعي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.. حتى أنه يرفض العنف حتى بالكلمة شعراً أو نثراً.. سباً أو لعناً.. قذفاً أو غيبة.. فالأخلاقيات الإسلامية ترفض جميع هذه الأنواع من السلوكيات المنحرفة..

والتقديم والتقويم عنده هو قوله تعالى.. موجه إلى رسول الله(ص) وإلينا جميعاً.. ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن..) (النحل: 125).

فالحكمة.. بالمواقف والمواجهات ، والموعظة الحسنة.. للأهل والأقارب والمحيط الاجتماعي.. والجدل بالتي هي أحسن.. لأهل الإنكار والجحود وللمخالفين في الآراء..

السلام شعارنا.. (14)

من يطلق شعاراً عليه أن يعمل كي يبلور هذا الشعار على أرض الواقع.. أو يختبر هذا الطرح أو الشعار هل يمكن تطبيقه أو تحقيقه أم لا..؟

ومن شعارات الإسلام (السلام) فهل تم اختبار هذا الشعار..؟ وماذا كانت النتيجة.. سلباً أو إيجاباً..؟

الشعار ـ كما هو معروف ـ هو عبارة عن مختصر برنامج العمل للجهة التي تطرح الشعار.. أي عندما تقول بأن من شعارات الإسلام (السلام) هذا يعني أن كل عمل وكل طرح وكل كلمة يجب أن تنفذ بأسلوب السلام أو الأسلوب الأسلم ما أمكن لذلك سبيل.. إلا عند الاضطرار والضرورة.. والضرورات تقدر بقدرها كما في القاعدة المعروفة..

والإسلام طرح ـ واقعاً ـ هذا الشعار وعمل رسول الله(ص) وأمير المؤمنين الإمام علي… والأئمة الأطهار جميعاً وكذلك المسلمون الأوائل على بلورة هذا الشعار عملياً وعلى خمسة مستويات متتالية..

مع الذات.. ومع الأهل.. ومع المجتمع.. ومع الأمة.. ومع العالم..

وهذه المستويات الخمسة نلمع إليها تباعاً وبشكل مباشر من خلال الآيات القرآنية الواردة حول كل نقطة فقط..

1ـ مع الذات.. أي مع النفس..

المنطلق: ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه..) (الانشقاق: 6).

المستقر: ( يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (الفجر: 27).

إنه سلام وهدوء واطمئنان تام ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب..) (الرعد: 28).

2ـ مع الأسرة (الأهل)..

المنطلق: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة..) التحريم: 6).

المستقر: ( هم وأزواجهم في ظلال على الأرائك متكئون..) (يس: 56).

سلام عائلي.. وسعادة أسرية لا توصف، دفئ وحب وحنان..

3ـ مع المجتمع..

المنطلق: ( إنما المؤمنون أخوة..) (الحجرات: 10).

المستقر: ( وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة..) (القيامة: 22).

سلام مع أخوة إيمانية صادقة.. ولا أجمل منها في الكون..

4ـ مع الأمة الإسلامية..

المنطلق: ( هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) (الأنبياء: 92).

المستقر: ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم..) (الإسراء: 71).

سلام إقليمي واسع وتعاطف وتحاور وتكاتف حول دين الله الحنيف..

5ـ مع العالم أجمع..

المنطلق: ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..) (الأنبياء: 107).

المستقر: ( وعد الله الذين آمنوا منهم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض..) (النور: 55).

( سلام قولاً من رب رحيم وامتازوا اليوم أيها المجرمون..) (يس: 58 ـ 59).

النتيجة: حقيقة إنها (جنة السلام) و(دولة السلام) و(أرض السلام) تلك الدولة المرتقبة في آخر الزمان برعاية وقيادة بقية الله في أرضه وحجة الله على خلقه..

الإمام ابن الأئمة الطاهرين من آل طه ويس.. محمد بن الحسن العسكري صاحب العصر والزمان.. „ وسهل مخرجه، وأوسع ونشر منهجه.. ليحقق للدنيا الأمن والأمان.,. والحرية والسلام.. فعليه وعلى آبائه آلاف التحية والسلام من الله العلام..

فالسلام عنوان كبير واستراتيجية واضحة كمحجة بيضاء لا عوج فيها وتمثل أحد أهم الخطوط العريضة التي يدعو إليها السلام في كل نواحي الحياة ويجب أن يلتزمها المسلمون إن أرادوا أن يعودوا إلى مجدهم وحضارتهم الناصعة..

وفقنا الله جميعاً لذلك.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الهوامش

(1) معجم مقاييس اللغة: ابن هارون ج3 ص90 مادة (سلم).

(2) المعجم الوسيط: ج1 ص446 مادة (سلم).

(3) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي (دام ظله) ص143.

(4) ولأول مرة في تاريخ العالم: ج1 الإمام الشيرازي (دام ظله).

(5) المصدر السابق.

(6) ولأول مرة في تاريخ العالم: ج2 ص60ـ82 للإمام الشيرازي (حفظه الله).

(7) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي (دام ظله) ص147.

(8) المصدر السابق.

(9) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي (دام ظله) ص172.

(10) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي (دام ظله) ص166.

(11) الإمام علي والحرب: ص17 عن حرب الأفكار ص168.

(12) المصدر السابق: ص23.

(13) السبيل إلى إنهاض المسلمين: الإمام الشيرازي (دام ظله) ص143. وكذلك الصياغة الجديدة: للإمام الشيرازي ص367.

(14) لقد ركز الإمام الشيرازي (حفظه الله) على هذا الشعار في معظم البحوث التي كتبها حول هذا الموضوع ففي (السبيل والصياغة والاجتماع والسيادة..) وغيرها كثير وهو دائماً يشرح ويؤكد على هذا الشعار (السلام).

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 43

الصفحة الرئيسية