اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية

شباط 2000م

مجلة النبأ ـ العـد د  42

ذو القعدة 1420

مصطفى خميس

 

بحثا عن الحقيقة

   

التكبير بعد الصلاة

     
 

شرع أم تشريع...؟

 

أين حكم الله؟

المتعصب العنيد

وحدة الأمة والتكفير

عقيدتنا بالملائكة

التكبير بعد الصلاة

في جلسة هادئة سادها جوٌّ من المحبة والإخاء، تجاذبنا أطراف الحديث، فتنوّعت المواضيع المطروحة على بساط البحث من غير تهيئة مسبقة أو تقديم، وكانت تدور حول عوامل انقسام الأمة الإسلامية، والحديث عن سبل إنهاء مأساة التشرذم والتفرق، وما هي العوامل التــي يجب أن يلتقي حولها المسلمون بكل مذاهبهم لمواجهة العالم المتكتّل، خاصة وقد بات وجود هذه الأمة مهدداً، وأن الصراع مع أعدائها لم يعد صراع حدود ومصالح فقط، لكنها صراعات وجود أو لا وجود.

وما خطة (العولمة) التي أطلقها الغرب الا شكلاً من أشكال السيطرة ونهب الشعوب في العديد من أبعادها ونتساءل على الدوام، أما آن لهذه الأمة أن تستفيق من سباتها الطويل فتدرك ذاتها، وتنظر إلى ما يحيق بها من أخطار.

وحدة الأمة والتكفير



في هذا العالم المتصارع، والذي يأكل القويّ فيه الضعيف، على الرغم من أنه يعيش عصر العلم والتكنولوجيا، والإنترنت والستلايت. تجد أمثلة لأناس ما زالوا يعيشون عصور الجاهلية والانحطاط الفكري، يناقشونك وقد وضعوا العقل على الرفّ، وأغمضوا أعينهم عن الحقيقة، يتلذذون بالعيش في الظلام، تلتقي معهم فتجد في نفوسهم الحقد والعصبية على الإسلام الذي يجدونه يختلف قليلا عما يعتقدون، فيلجأون إلى تكفير وتضليل الآخر ممن لا يجاريهم في بعض المسائل الفقهية أو العقائدية. ينظرون إلى الدين الحنيف من خلال ثقب إبرة صنعتها لهم السياسة في سالف العصر والأوان، فلم يجدوا غيرها من قوت يفنّدون به أدمغتهم، باعتبار كل سلف صالح وكل جديد (يخالف ما ألفوا) بدعة، ولو كان مصدره القرآن والسنة، وهم في الوقت ذاته يقرّون بما فعله ذاك الذي هاجم مدنا وقتل أبرياء، بحجة محاربة البدعة وإحياء السنة فلم يستثن من فعلته النكراء تلك لا سنة ولا شيعة من المسلمين الموحّدين الذين يقرّون بشهادة أن لا اله إلا الله وان محمداً رسول الله ويتجاهلون بيان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه)(1)، ويتناسون قوله تعالى:

( من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعاً) (2).

المتعصّب العنيد



أحد هؤلاء المتعصبين حضر هذه الجلسة،وقد أثار انتباه الجميع وهو يتحدّث بلهجة الحانق المنفعل، فطرح جملة من الأسئلة الصاروخية، الإجابة عليها تحتاج إلى جلسات وجلسات، والى امتلاك أمثاله للعقل الذي لا يرفض الحجة والبرهان. وسوف القي الضوء على موضوع واحد منها، وإذا حالفني الحظ سأتابع توضيح بقية المواضيع المطروحة بإذن الله. لأنني أدركت الحاجة إلى ذلك فمثل هذه الأمور ما زالت تحاك في صدور الكثيرين، وان المرء يبقى عدو ما يجهل. ولعل في هذه الإيضاحات منفعة أو دفعاً في عجلة معرفة الأخر وقراءة أفكاره، وتصحيح مسار ما أفسده الزمن، وتراكمات غبار السنين، وتحريف وعّاظ السلاطين الذين اشتروا الضلالة بالهدى، فما ربحت تجارتهم، لأنهم شوّهوا وجه الحقيقة الناصعة التي تركها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله: (تركتم على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، لا تزيغوا عنها بعدي ولا تضلّوا)(3).

يقول المتعصب العنيد: كيف تدعون إلى الوحدة الإسلامية وأنتم تطعنون بنبوّة محمد (هكذا تلفظها هو) كما تشكّون بنزاهة جبرئيل، وتدّعون أنه تاه بتبليغ النبوة لعلي، فبلغها لمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) ، والدليل على ذلك أنكم ترفعون أيديكم وتضربون بها على أرجلكم بعد الصلاة، وتقولون: تاه الأمين. ولقد شاهدت شيخاً في الزينبيّة يرفع يديه ويسبح بهما وكأنه يريد الطيران. فلماذا تفعلون ذلك كله؟!

بعد أن ألقى بقنبلته هذه، وأظهر ما بداخله، تنفّس الصعداء، وكأن حملاً كان يثقل كاهله، وهدأت شُعيرات أسفل لحيته بعد أن اهتزت وارتجفت من أثر التفجير!

فقلت له:

إنك تحكم على الغير من خلال الظاهر، ولو عرفت أن ما شاهدته في صلاتهم هو مما تفخر به الشيعة أتباع أهل البيت عليهم السلام، وان لا أحد يرفع يديه بعد كل صلاة قائلاً: (الله اكبر) ثلاث مرات سواهم.

وإليك الدليل على صحة عملهم هذا في كل صلاة من القرآن ومن الصحاح الستة الشهيرة.

أوّلاً: من القرآن الكريم:

قال تعالى: (إنّا أعطيناك الكوثر فصلّ لربّك وانحر إنّ شانئك هو الابتر) سورة الكوثر.

وجاء في تفسيرها أن قوله تعالى: (فصل لربك وانحر) أن النحر هو رفع اليدين بالتكبير إلى شحمتي الأذنين، وهو التفسير المتفق عليه عند عامة المفسرين.

قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره (التفسير الكبير)(4):

روى الأصبغ بن نباته عن علي… قال:

لمّا نزلت هذه السورة، قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لجبريل: (ما هذه النحيرة التي أمرني ربّي؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنّه يأمرك إذا تحرّمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبّرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت. فإنه صلاتنا، وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة).

وروي عن علي بن أبي طالب… قال:

(رفع اليدين قبل الصلاة عادة المستجير العائذ، ووضعها على النحر عادة الخاضع الخاشع) وروى العلامة السيّد محمد حسين الطباطبائي في تفسيره (الميزان في تفسير القرآن)(5) عن الدرّ المنثور للإمام السّيوطي قال: أخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب وساق الحديث بلفظه عند الرازي، ثم قال:

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله: ( فما استكانوا لربهم وما يتضرّعون) .

هذا دليل التكبير في الصلاة بوجه عام في كل ركوع وسجود من القرآن. وهو دستور كل مسلم ومصدر كل حكم ملزم. وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، من لدن حكيم خبير، وقد قال الله فيه: ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (6).

ويتبيّن لنا من هذه التفاسير والمصادر الحديثة أن رفع اليدين عند كل تكبيرة هو زينة للصلاة، وهو فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) والملائكة المقرّبين. وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : (صلّوا كما رأيتموني أصلّي)(7).

فمن الذي يصلي كصلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غير أتباع أهل البيت(عليهم السلام) ؟ هم يمدّون أيديم لكل إخوانهم المسلمين في العالم لمعرفة الحق واتّباعه، والالتقاء والتوحّد على ما أراده الله ورسوله.

ثانياً: من السنّة والحديث:

روى البخاري في صحيحه كتاب (الأذان) عدة أحاديث تدل على ذلك منها(8):

روى بسنده عن عمران بن حصين قال: صلّى مع عليّ رضي الله عنه بالبصرة، فقال: ذكّرنا هذا الرجل صلاة كنا نصليها مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، فذكر أنه كان يكبّر كلّما رفع وكلّما وضع.

وروى بسنده عن أبي هريرة انه كان يفعل ذلك كلّما رفع وكلما خفض (أي علي… ).

وروى أيضاً بسنده عن مطرّف بن عبد الله قال: صليت خلف عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. أنا وعمران بن حصين، فكان إذا سجد كبّر وإذا رفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر. فلما قضى الصلاة، أخذ بيدي عمران بن حصين فقال: قد ذكّرني هذا صلاة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . وروى قريباً من ذلك عن كل من ابن عباس وأبي هريرة.

هذا في البخاري لوحده، وقد ورد هذا الحديث في غيره من الصحاح.

أين حكم الله؟



واعلم يا عزيزي ـ أن الناس قد ضيّعوا كثيراً من الأحكام والسنن، وتركوا كثيراً من أحكام الله التي أمر باتباعها وحذّر من مخالفتها في قوله تعالى:

( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليم) (9).

وبيّن عزّ وجل في آيات عديدة بان من لا يحكم بما أنزل الله فأولئك هم (الكافرون، الظالمون...) وعلى الرّغم من ذلك فقد أفسد أهل الرأي الدين وضيّع بعض أهل المدارس الفقهية الكثير من العقائد، حتى الصلاة التي هي عمود الدين ومعراج المؤمن إلى ربّه، غيّروا فيها الكثير، حتى صار بعض الصحابة ـ وكما رأيت في أحاديث البخاري السابقة ـ يقولون أن عليّ بن أبي طالب… ذكّرهم بصلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وما هذا التذكير إلاّ بسبب الترك والنسيان، فأين هي سنة أبي القاسم عليه السلام، وأين أمره بقوله: (صلوا كما رأيتموني اصلي) فكيف اتّبعوه؟!

روى البخاري في صحيحه، (كتاب الصلاة) بسنده عن انس بن مالك قال:

(وما أعرف شيئاً مما كان على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) )، قيل: الصلاة؟ فقال: (أليس ضيّعتم ما ضيّعتم منها)(10).

وروى كذلك بسنده عن عثمان بن أبي رواد قال: سمعت الزّهري يقول: دخلت على أنس بن مالك بدمشق، وهو يبكي. فقلت: ما يبيك؟ فقال: (لا أعرف شيئاً مما أدركتُ إلاّ هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت)(11).

التكبير بعد الصلاة



ما قلته كان عن التكبير في الصلاة عامة، أما عن التكبير بعد انتهاء الصلاة فقد ثبت أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يكبر ويرفع يديه بالتكبير بعد كل صلاة، وهذا ما عليه أتباع أهل البيت اليوم وليس غيرهم.

روى البخاري في صحيحه (كتاب الأذان) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:

(إنّ رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوب، كان على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ). وقال ابن عباس: (كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته)(12).

وروى البخاري أيضاً عن ابن عباس قال: (كنت أعرف انقضاء صلاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكبير)(13).

ويجب أن تعلم - عزيزي القارئ - أن فقه المذاهب الأربعة المعروفة لا يطبّقون نص هذا الحديث، على الرغم من عدم تضعيفهم لهذه الأحاديث، فأين سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وأين حكم الله في ذلك؟ وروى مسلم في صحيحه (كتاب الصلاة) بسنده عن ابن عباس قال:

(كنّا نعرف انقضاء صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتكبير)(14).

وهذه الأحاديث يعضد بعضها بعضاً، وتأتي مؤيدة لمذهب أهل بيت النبوة(عليهم السلام) وما عليه شيعتهم في رفع اليدين بالتكبير بعد انقضاء الصلاة، ولم يستنن بها غيرهم. وحبّذا لو يرفع البعض أصواتهم وأيديهم إلى شحمتي الأذنين بدل السباحة حتى لا يظنّ الجاهلون أنه نوع من الطيران، أو تاه الأمين0

عقيدتنا بالملائكة



وبقي أن تعلم أن ما ينسبه البعض إلى الشيعة من أنهم يقولون ـ تاه الأمين في أخر الصلاة لا صحة له أبداً فان عقيدة أتباع أهل البيت بالملائكة لا تختلف عنها عند غيرهم من المسلمين، فالملائكة باعتقادهم أجسام نورانية تختلف عنّا خلقها الله عز وجل ليعبدوه ويسبّحوه ويقدسوه ويعملوا بأمره ليس لديهم رغبات حيوانية، أو نوازع شرّانية، مسيّرون بأمر الله، لا يتيهون ولا يضلون ولا يعصون الله ولا يخطئون.

ونقول على سبيل الجدل والافتراض، إذا تاه جبريل، فهل يتركه الله على خطأه هذا؟ حاشا لله وتعالى سبحانه علّواً كبيراً عما يقول الجاهلون، ثم أليس من الحكمة الإلهية أن يتدخل الله فيصحح خطأ رسوله جبرئيل… ، فيعيد النبوة إلى عليّ. نعوذ بالله من الخطأ والزلل ومن هذه التّرهات.

إن أعداء شيعة أهل البيت(عليهم السلام) هم الذين اخترعوا مثل هذه الأكاذيب وروّج لها حكام السوء ووعّاظهم للإساءة عمداً إلى هذه الفئة المؤمنة، من أجل اختراق وحدة الأمة وتمزيق كيانها، وما هذه الإرهاصات الفكرية والخُزعبلات الأخلاقية إلا مقدّمات لتشويه الإسلام وتقزيمه، والتعتيم على حقيقة وجوهر الدين الحنيف الذي تعتقد به الشيعة ويدينون الله به. كل ذلك بغية انعدام التقارب والتحاور والتعتيم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها التي تركنا عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديثه المشهور:

(إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض)(15) وقوله:

(مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهلك) (16).

والحمد لله رب العالمين..

الهوامش



1 ـ متفق عليه.

2 ـ سورة المائدة آية: 32.

3 ـ سنن ابن ماجة (16:6).

4 ـ التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي (129:32).

5 ـ الميزان في تفسير القرآن للسيد محمد حسين الطباطبائي (371:20).

6 ـ سورة الحجر آية: 9.

7 ـ رواه البخاري وأحمد بن حنبل (كتاب صفة صلاة النبي (ص) للشيخ ناصر الدين الألباني.) المقدمة.

8 ـ صحيح البخاري (ج1، ص143) ط: دار المعرفة بحاشية السندي.

9 ـ سورة النور آية: 63.

10 ـ صحيح البخاري (152:1).

11 ـ صحيح البخاري نفسه.

12 ـ صحيح البخاري (152:1).

13 ـ صحيح البخاري (152:1).

14 ـ صحيح مسلم (91:2) ط دار المعرفة بحاشية الشيخ محمد الذهني من علماء الأزهر.

15 ـ صحيح مسلم (91:2)، الترمذي في سننه (329:5) صحيح سنن الترمذي تحقيق الألباني (226:3) مسند الإمام احمد بن حنبل (ج3: ص14 و 17 و21 و59) المستدرك على الصحيحين (109:3).

16 ـ المستدرك على البخاري ومسلم (150:3)، والإمام السيوطي في الجامع الصغير (533:2 برقم 8162)، الصواعق المحرقة لابن حجر (ص236) عن الحاكم والبزار والهيثمي في مجمع الزوائد والطبراني.

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية