اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية

شباط 2000م

مجلة النبأ ـ العـد د  42

ذو القعدة 1420

خ

ا

ط

ر

ة

                       

خ

ا

ط

ر

ة

 

الناس طبائع وشاكلات مختلفة لا يحكم عليها بالنظرة والموقف المجرّد..

 
 
                         
   

الصديق

   
       
 

علي البغدادي

 

 

 

 

 

 

 

 


ذلك الشيء الذي أن حققته لنفسك. حققت لها مكسبا يضمن لها جانبا من السعادة يمتد مع وجودك بأي شكل كان.

وبذلك تكون قد ضمنت لنفسك نافذة تـــطل على بحر بلا ساحل لتبعث فيك البهجة والسرور إذا اعتلاك الهم وغطاك ببرده الحزين فيكون مفتاح رمز قلبك يفتحه متى احتجت لذلك. في حين يعجز كل من في الكون عن ذلك ـ حتى اقرب الناس إليك ـ وربما يكون اقرب إليك ومن نفسك بدليل أن هناك أشياء تحار في كنهها. فيأتي ذلك الوجود وينفذ إلى ما عجزت عنه في أعماقك فيكون لسانك المعبّر عمّا تكنّه في داخلك وعلى هذا ـ فأنت باقتنائك ولو صديقا واحدا على ما يحمله المعنى الكامل للصداقة وأرسيت بينكما العلقة التي تجمع بين القلبين ليذوبا فيكونا وجوداً واحداً بهذا تكون قد أنجزت شيئاً عظيماً ربما لا تدركه الا بفقدانه.

واذا حدث وفقدته ضاقت عليك الدنيا بما رحبت، وصرت لا تبرح تفارق ذكراه ولا تملأ قلبك الا به لتعرض عن كل الناس أيا كانوا ومن الواضح أن الصداقة التي لا يدميك فراقها بسم الحزن والوحدة ليست الا ضربا من ضروب المكاشرة اليومية مع الناس. اما هذا، واما أن تكون كياناً بلا إحساس إذ إنك فاقد لأروع أنواع التماسك الروحي بين طرفين.

وهذا لا يخص الشخصيات الظريفة أو الشعراء أو نوعا من الناس بل هو مزروع في صلب الغريزة الإنسانية بشتى أنواعها فهي كما ندعيها نحن أو نتمناها ـ هي موجودة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب … ذلك المثل النبراس. فهو … لما دارت عليه الأيام القاسية وأخذت منه اقرب أحباءه إليه من عمار وامثاله ـ تأتيه ساعات تضيق الدنيا في عينيه فيخرج إلى منطقة الجبّانة أرض فارغة قفرى يجلس مناجياً أحبائه الذين احتوتهم الأرض ضارباً التراب بيديه ويقول:

وفي القلب لبانــــاتٌ إذا ضاق بها صـــدري         نكتُّ الأرض بالكــفوأبديت لهـــــا ســـري

فمهما تنبــت الأرض فذاك النبت من بذري

وهنا يجب القول بأن الحفاظ على هذه العلقة هو من الحفاظ على استقرار نفسية المرء وراحته إذ أنك لو فرطت بالحفاظ عليها سوف تواجه بإعصار حار ينشف الريق ويغلي الطريق وتخسر بذلك الرفيق الصديق الذي يحاسبك على ذلك ضميرك وغيرك ودينك، لان الباري سبحانه يسألك يوم القيامة عن الصديق وهذا ما صرح به أهل البيت (عليهم السلام) ولا يخفى أن الإنسان قد يكون باحثاً عن الصديق فلا يجده كمن يبحث عن ضالته، وكما يبحث العطشان على الماء ـ فتعتريه موجات من اليأس جراء اختيار صديق بنا عليه آماله وبان انه عارٍ من ابسط مميزات الصداقة فيخيب أمله ويعلوه كما الغمامة السوداء تعكر عليه صفو حياته.

وتارة أخرى يكون اليأس وليد ظنون وتخيلات لدى الشخص من أن المقابل لم يبادلني بما فتحت له من قلبي فاكون زائرا لدار بابها موصدة لا خيار لي الا الانصراف، واحياناً يكون اليأس وليد تناقض في الطباع يستفحل في النفس ليكون كابوسا مرعبا مانعا من تحقق الحلم الجميل وهكذا.

وعلى كل حال:

يجب أن يكون البحث عن الصديق بجدية أسمى من جدية البحث عن الماء لدى العطشان ـ فالذهب لا يأتي لمجرد قصده ـ بل بالتعب والبحث والاختبار، ويتعين على الباحث أن يرسم في مخيلته الهدف الكريم جلياً ليتسنى له الوصول عبر صراط مرسوم مُصمم على سلوكه ، فيجب الفحص والتدقيق في ذلك وعدم الحكم بسرعة لأن الناس طبائع وشاكلات مختلفة لا يحكم عليها بالنظرة والموقف المجرد وعلى هذا فيجب الجد فــي البحث ـ والدقة في الحكم ـ والمنهجية في التصرف والإخلاص للهدف المنشود والله الموفق والمعين...


 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد42

الصفحة الرئيسية