(فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)

علي عبد الرضا

لا شك أن الإنسان... في عطائه و آثاره

تعد حياة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي (أعلى الله مقامه) مليئة بالدروس و العبر، و لو أردنا أخذها مجردة عن كل العوامل الأخرى لكانت وافية بالغرض سمواً و رفعة، فيكفيه عظمة و فخراً انه اجتاز مختلف المراحل الاستثنائية و قد استحال إلى كتلة إيمانية خالصة غطت بظلالها ظروف الزمان و المكان طويلاً و أنارت زوايا الحياة بروح الأمل و الفضيلة و الشرف لانه امتداد لمدرسة متكاملة لها الدور الأكبر في ماضي المسلمين و مستقبلهم.

فالذي قبله.. شجرة طيبة رفدت المرجعية الشيعية بعشرات العلماء و الفضلاء الذين استطاعوا أن يذلوا الزمان و يخضعوه لسلطانهم و يكرهوه بخيار أعمالهم أمثال الميرزا محمد حسن الشيرازي في قصة التنباك، و الشيخ محمد تقي الشيرازي في ثورة العشرين فكانوا بحق بناة المجد وشادته و ولاة العز وسادته، و لا عجب ان تثبت أسماءهم في سجل الخالدين، و تكرر قصصهم في محافل المسلمين.. فالفضل كل الفضل لما قدموا من عطاء و لما سجلوا من مواقف شهد لها العدو قبل الصديق.. و الفضل ما شهدت به الأعداء..

فالذي يميز الرجال عن غيرهم ليس كثرة العلم، و حفظ الأخبار، و مــعرفـــة الرواة فقط وانما مقدار العطاء الذي قدموه للامة و تفاعلهم مع قضاياها المصيرية، وما يتحلون به من أخلاق سامية..

والذي بعده.. نسل كريم عالم و عامل و مجاهد ما برح يفيض على الأمة خيراً و بركة، و يقدم لها مختلف الحلول الناجعة لانتشالها مما هي فيه، و يأتي في مقدمة هذه السلسلة الجلـــــيلة الإمام المجـــدد آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (دام ظله) واخوته الأعلام الفقيه المحقق آية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله) و آية الله السيد مجتبى الشيرازي دام ظله والشهيد السعيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره) مؤسس الصرح الزينبي العظيم في سوريا.

إن ما كتب عن المرحوم آية الله العظمى الميرزا مهدي الشيرازي قد لا يتجاوز الـ(24) كتاباً و ترجمة و لكن ما تحتويه صدور الأمة و أخيارها من قصص و خواطرو بالخصوص أولئك الذين عايشوه عـــن قرب في الــــنجف و كربـــلاء و سامراء قد تزيد عن عشر مجلدات ضخمة إن أريد طباعتها و القصة هنا ليست عادية بل استثنائية صاغتها و حاكــــتها حنكة الــــظروف الصعبة.. وورع الحياة اليومية.. وزهد المعيشة العائلية.. ومجاهدة الـــصعوبات المـــريرة فجاءت متـــــكاملة بليغة تترك أثرا قوياً عند سامعها و قارئها و راويها..

ولعل الشيء المميز في هذا الملف انه يحتوي على كم لا بأس به من القصص الهادفة التي رواها المقربون منه (قدس سره) و بالتحديد أبنائه البررة، من هنا جاء التأكيد على القصة و الخاطرة لاعتبارات شتى:

منها: إن حياة العظماء ثرية بالدروس و العبر، و خصوصاً عند هذا العظيم الذي عرفه القاصي و الداني بأنه كان مثال الورع و الزهد و التقوى.. و قد قال سبحانه و تعالى : (لقد كان في قصصهم عبرة).

ومنها: إننا بحاجة ملحة لعرض هكذا نماذج متميزة و فريدة لكي نتزود منها و نقوى على الضعف المعنوي الذي أصاب مختلف مفاصل حياتنا..

ومنها: ان القصة خير وسيلة لعرض القدوة الصالحة و دعوة المجتمع للاقتداء بها..

ومنها: لعل من الأمانة و حق الوالد على الأبناء التحدث عن نعمة الوالد و مكارمه و مناقبه عملاً بقوله سبحانه (وأما بنعمة ربك فحدث) و لان القصة أدل في التعبير عن المزايا و الخصوصيات لأنها من شاهد حس و وجدان جاءت هذه الفقرات بشكل قصص و خواطر..

وبعد هذا.. أليس من الواجب ان نتذكر عظمائنا و لو من خلال القصة لنستمد منهم بعض ما حملوه من المعاني السامية، و الفضائل العالية، و المكارم الحميدة، و السجايا المجيدة، و خصوصاً أننا نعيش عالماً تتحكم فيه الماديات بأعلى درجاتها؟

نعم.. حري بنا أن نعود إلى زمن الميرزا الشيرازي أعلى الله مقامه لنستفيد و نفيد و لنستلهم منه القوة و العزم و الاستقامة.. نعود إليه إلماما إلا أن هذا الإلمام عظيم الغناء، موفور النفع، شامل الخير، بقصصه المعبرة و ذكرياته العطرة..

وكما قال أمير المؤمنين(عليه السلام): تدبروا أحوال الماضين من المؤمنين قبلكم.. فانظروا كيف كانوا في حال التمحيص و البلاء..      نهج البلاغة   الخطبة 192