العناصر الاقتصادية في تنمية الدول الإسلامية

حيدر الكاظمي

تميزت نهاية هذا القرن بالتفاوت المتنامي بين الدول الغنية التي تزداد غنى، و الدول الفقيرة التي تزداد فقراً؛ و كما جاء في دراسة صدرت حديثاً عن مؤتمر الأمم المتحدة حول التجارة و التطوير CNUCED يتميز الاقتصاد العالمي منذ الثمانينات بتفاوت متزايد. فالدخل المتوسط لفرد من أفراد الدول السبع الكبرى في عام 1965 اكبر بعشرين مرة من دخل الفرد في أفقر سبع بلدان في العالم. و في عام 1995 صار هذا الدخل اكثر بخمسين مرة. و اليوم تخصص بعض البلدان أقل من أربعة دولارات للفرد في السنة للخدمات الصحية و أن 13 من 51 بلداً صنفها البنك الدولي على أنها مدينة بشكل خطير و هي بلدان ذات دخل متوسط الأمر الذي يبين قابلية انهيار هذه الدول الفقيرة، و تسعة عشر بلداً منها موجود خارج أفريقيا و هذا يؤكد ضخامة مشكلة المصادر الضرورية لمسألة التنمية في تلك البلدان. إن الدخل في أكثر من سبعين دولة هو اليوم أقل مما كان عليه قبل عشرين عاماً. و ما يقارب من ثلاث مليارات شخص يعيش الواحد منهم بأقل من عشرة فرنكات في اليوم و واحد على خمسة أشخاص يعيش بأقل من ستة فرنكات في اليوم أمام هذه الأرقام و الإحصاءات المذهلة يقف العالم الإسلامي أمام أخطر مرحلة يواجهها اذ أن مقتضيات هذه المرحلة تتطلب من العالم الإسلامي الوقوف و بسرعة و بحزم لمواجهة هذه التحديات و إلاّ فان الكارثة سوف لا يتصورها المسلم أو الجيل الإسلامي المقبل. و نحن كأمة إسلامية فان القدر قد أطلق أمامنا عنان مواجهة التيارات و القبضات الاقتصادية مواجهة كل ما هو مضر للأمة فنحن هنا لا نحكم بين شيئين حياديين بل نحن جزء عضوي في هذه القضية الحضارية و ثمة مواجهة حقيقية بين ال(نحن) و ال(الآخرين) بكل ما تعنيه كلمة الآخرين و هي مواجهة الهزيمة فيها ممنوعة لأنها مواجهة وجود أو لاوجود وإذا كانت مواجهتنا قد تعثرت إلى الآن فلأننا لم نتعامل تعاملاً صحيحاً لا مع مبادئنا الإسلامية ولا مع تقدير قوة و ضعف الآخرين و علينا الوقوف من حضارة الغرب و من نظامه (العالمي) الجديد موقف المستوعب و المتفهم و المتعلم و الناقد لا موقف الزبون و لنطلب الأشياء التي تساعد في سد الحاجات و بناء الأس لا الأشياء التي تشبع الشهوات و الغرائز ذلك أن من يقف من حضارة الغرب موقف الزبون فلا يلومنَّ إلاّ نفسه إن هي أخذت منه أمواله و أخلاقه و تاريخه و لم تعطه إلا أخس ما عندها.

أما من يقف موقف المتعلم و الناقد فيدرك سذاجة النقل الأفقي للتكنولوجيا و ما يترتب عنه من قيم هجينة و انحطاط سلوك و يعمل على استيراد الأفكار المنتجة قبل أن يستورد الأشياء و السلع الاستهلاكية و هذا يتطلب مصالحة المسلم مع تراثه الروحي و المادي كشرطٍ يحفزه على العمل و التفكير في المستقبل و الاعتماد على الذات بدل التسليم للقوى الخارجية بانتظار مساعدتهما للتقدم في حل المشكلات المطروحة عليه..

هيمنة التكتلات و صراع القوى:

تطرح التكتلات الإقليمية في بعض المحافل الأكاديمية و كأنها على طرفي نقيض مع التكتلات العالمية و قد يشار الى أن التعاون بين الدول الإسلامية لن يحل مشاكلها و من الأفضل أن تتعاون هذه الدول مع الدول الصناعية لتكسب منها التقنية و التنمية التي تحتاجها إن هذا التلقي بعيد كل البعد عن حقائق الجغرافيا و الثقافة و التاريخ و حتى عن لغة الأعداد و الأرقام و الإحصائيات و أيضا بعيد عن معادلات السياسة و الواقع المر و ينسى أصحاب هذا التلقي قدرة التكتل في التفاوض على المتسويات الأخرى، و يكفي أن نطرح بعض التساؤلات و ندعو للتأمل فيها:

ما هي العلاقة بين التعاون  الإقليمي و التعاون عبر الأقاليم؟ و التعاون العالمي؟ و ماذا نعرف عن آلية التعاون الإقليمي و غير الإقليمي؟ و ما هو مدى علمنا بالإمكانات و الطاقات المتوافرة في التبادل الاقتصادي و المالي و التجاري الإقليمي؟ و ما هو مفهومنا للاستقرار و الثبات الإقليمي؟ وما هي العلاقة بين الاثنين؟ و هل تأتي التنمية من الخارج؟ و هل يكون انتقال التكنولوجيا أمرا بسيطاً كنقل سيارة من بلد إلى آخر؟

خلاصة الأمر ان التعاون الإقليمي و غير الإقليمي يستطيع ان يخطط المصالح الوطنية للدول و يدعمها و ان يرفع من كفاءتها في المفاوضات على النطاق الأوسع اذ أن دخول معترك التجارة و الاقتصاد العالمي إذا كان منظما و منسقاً و جماعياً ستكون له أثاره الإيجابية الأكثر من الدخول الغربية. و يمكن للدول الإسلامية بتكتلها الاقتصادي أن تنظم أنظمتها و قواعدها لدعم اقتصادها الإقليمي و غير الإقليمي و ان تدخل ساحة العمل الدولي و العالمي و المنظمات الدولية و هي تحمل قواعدها و تدعم صناعتها و زراعتها و تجارتها و ان تستفيد من الفرص و فترات السماح بشكل جماعي و مركّز و ان تحفظ تعاملها مع الأنظمة الدولية لفترة أطول و لقد شاهدنا نتائج التنسيق تظهر إلى الوجود في اجتماع الوزراء في سنغافورة! و يمكن للبنك الإسلامي للتنمية باعتباره جهازاً استشارياً و يقدم المساعدة الفنية في حقول التجارة و الصناعة العالمية ان ينسق أو يمهد الأرض للتنسيق بين الدول الأعضاء في المحافل و في المنظمات الدولية ليصبح صوتها موحداً و مؤثراً و من جهة أخرى يبقى المجال مفتوحاً للتعاون و التكامل بين الدول الإسلامية في مجالات الطاقة البشرية و تصدير الخدمات الفنية و الهندسية.

و للدول الإسلامية ان تملأ إحداها فراغات الأخرى فهناك دول لديها مجالات متسعة و هي مستعدة لجلب الاستثمارات و هناك دول أخرى لديها أموال حائرة!! و بتلك الأموال يمكن البدء أو يمكن إعطاؤها سرعة اكبر لملء الفراغات و طبعاً لابد من ضمانات و دراسات جدوى. و يبرز هنا مجدداً دور البنك الإسلامي للتنمية كمحفظة لتلك الأموال و كمركز استشعاري لدراسات الجدوى الاقتصادية و يبرز دور المؤسسة الإسلامية لضمان الصادرات و تأمين الاستثمار في دراسة و اخذ الضمانات اللازمة لرؤوس الأموال و استثماراتها.

 

الدخل الناتج من تصدير الخدمات

الدول

5.7 بليون دولار

مصر

3 ملايين

تركيا

2 بليون

المغرب و إيران

1.9 بليون

باكستان

1 بليون

بنغلادش و الأردن

الدخل الحاصل من النقل

 

3 بلايين دولار (يشمل دخل قناة السويس)

مصر

1.1 بليون

ماليزيا

715 مليوناً

باكستان

412 مليوناً

تونس

388 مليوناً

البحرين

374 مليوناً

الكويت

385 مليوناً

الأردن

التجارة ودورها في التنمية المستقلة

تعد التجارة مرآة صادقة تعكس هيكلية الاقتصاد و قدرته و حجمه و نوعيته و كذلك الطلب و الاستهلاك فيه و تعكس التجارة في أي دولة قدرتها و دورها في المعادلات الإقليمية و الدولية و توضح مدى تأثير الاتفاقات الدولية و منها اتفاقات منظمة التجارة العالمية على تلك الدول. و بناء على ذلك يمكن تنظيم استراتيجية التعامل و التبادل و كذلك استراتيجية المفاوضات. و بين الدول الإسلامية هناك أربع فقط يبلغ معدل صادراتها بالنسبة إلى إجمالي الناتج المحلي فيها اكثر من 50% و تبلغ هذه النسبة في خمس دول أخرى 30% بينما تقل عن 30% في بقية البلدان و بالنسبة إلى نوع الصادرات فالمعلوم أن غالبية الدول الإسلامية تصدر المواد الأولية و هناك عدد قليل من الدول تمتلك اقتصاداً متنوعاً. و يمكنها تصدير مواد اكثر تنوعاً!!

و من أبرز التحديات التي تواجه هذه البلدان.. هي:

أولا: تحرير التجارة العالمية أو الدولية و قد يعبر عنها بعالمية التجارة   Globataizatio أو إلغاء العوائق الجمركية.

العوائق الجمركية أو تحرير حركة رؤوس الأموال أو تشكيل منظمة التجارة العالمية (wto) و تنفيذ أحكامها و اتفاقاتها.

و لاحظنا من جهة أن هيكلية اقتصاد الدول الإسلامية و حجم هذا الاقتصاد لا يتناسب بين بعض هذه الدول و بعضها الآخر. فلا يشكل مجموعة منسقة و من جهة أخرى فأن تحرير التجارة العالمية يعني ازدياد حركة الأموال و البضائع بما يتعدى الحدود و يعني أيضا انتشار و ثقل التكنولوجيا و المعلومات بين الدول بسرعة كبيرة و نتيجة للعوامل المذكورة شهدت حركة التجارة العالمية في الفترة بين 90 95 نمواً سنوياً يعادل ستة في المائة. بينما أظهر أجمالي الناتج المحلي نمواً لم يتعد الواحد في المائة.

و نلاحظ ان جذب الأموال الأجنبية المباشرة في هذا التطور السريع المطرد يحتاج إلى بنية تحتية متناسبة لجهة القوانين و الأنظمة والإدارة المحنكة العالمة و هيكلية متينة من أنظمة المعلومات و تداولها و أيضا إلى نظام حر لتبادل العملات، طبيعي لا نغفل أن انتقال الأموال الأجنبية يمكن ان تتبعه آثار سلبية خصوصاً إذا كانت إدارة الأمور غير كفوءة أو اذا افتقدت التناسق و النظيم بين مختلف القطاعات و الأجهزة في الدولة أو إذا افتقدت الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع الأموال الأجنبية و كيفية الإفادة منها و بأي نسبة و في أي قطاع و على أي جدول زمني. و نؤكد أن افتقاد البرنامج الواعي للإفادة من الأموال الأجنبية قد يعرض الاقتصاد إلى هزات كبيرة اذ يربط هذا الاقتصاد بحركة هامش العائد العالمية و يتأثر به مباشرة.

عوائق التنمية و مستلزمات النهوض

بعد مرور عقود عدة من تنفيذ قرارات الغات ظهرت منظمة التجارة العالمية إلى حيز الوجود عام 1994 و يجري التأكيد في هذه المنظمة على خفض التعرفة الجمركية للدول حتى يتم حذفها بالنسبة للسلع المستوردة و تطلب من الدول الأعضاء (و من ضمنها الدول النامية) تقديم تسهيلات اكثر في هذا المجال و من نافلة القول هنا أن المنظمات تطالب بحذف بالنسبة للسلع المستوردة و تطلب من الدول الأعضاء (و من ضمنها الدول الأعضاء) بحذف الدعم الحكومي للسلع الوطنية و إلغاء الضوابط و القواعد التي تضع قيوداً خاصة على السلع الأجنبية و بخاصة المنسوجات و المواد الغذائية و تأكيد ضمان حقوق الملكية الفكرية. صحيح أن منظمة التجارة العالمية تتيح المجال للتفاوض و تهيئ الآليات اللازمة لذلك لكن الحدود و الجدولة الزمنية و القانونية التي تضعها لا تتناسب و القدرة المتواضعة للدول النامية و بذلك تضيف أعباء على كاهل هذه الدول و منها الدول الإسلامية. هذا إذا ما استثنينا الضغط السياسي لبعض الدول لتأخير عضوية دول أخرى أو لزيادة القيود عليها أو لخفض فترات السماح لتطبيق الاتفاقات.

و عليه يمكن للدول الإسلامية أن تواجه هذه الصعوبات بخطوة جريئة نحو الأمام و الارتماء في أحضان مبادئ الدين الحنيف و تحقيق أهم عنصر قوة و مساومة بيد الدول الإسلامية ألا و هو »الاكتفاء الذاتي« و منها:

الأول: تشجيع البضائع الداخلية في البلاد الإسلامية. فعلى الحركة الإسلامية أن تهيئ تشجيعاً بمختلف أقسامه للمنتجين الداخليين إنتاجاً زراعياً أو صناعياً أو فكرياً أو عمرانياً أو غير ذلك فأن التشجيع له أثر بالغ في الكمية و الكيفية للمنتجات الداخلية.

الثاني: التشجيع لمستهلك البضائع الداخلية، في مقابل تركه للبضائع الأجنبية بمختلف الوسائل و السبل المشروعة.

الثالث: جعل مؤسسات لمختلف البضائع الداخلية.

الرابع: توفير صناديق الإقراض و الاقتراض و صناديق إعطاء رأس مال للذين ينتجون البضائع إذا كانوا فقراء.

الخامس: التنسيق! يعني: ان تكون هناك مكاتب، للتنسيق بين المنتج و المستهلك و صناديق الاقتراض و التعاونيات فان التنسيق يوجب أن تسير الأمور بالسرعة المطلوبة و بالنوعية الحسنة.

السادس: الدعاية الكافية لأجل هذا الشيء في الكتب و المجلات و الجرائد و الإذاعات و التلفزيونات و الملصقات و اللافتات و غير ذلك. عبر تطبيق هذه الأمور نكون قد خطونا خطوة على طريق الاكتفاء الذاتي و تاريخ الرسالة المحمدية لم تدع صغيرة و كبيرة من الأمور دون توظيفها في سبل الاكتفاء الذاتي. و الأمثلة و الشواهد التاريخية عديدة في ذلك كلها تؤكد علينا عدم اللجوء إلى الأجنبي في شيء من حاجاتنا فالمهم إذن ان نحقق الاكتفاء الذاتي بطريقيه السلبي بمقاطعة البضائع الأجنبية، و الإيجابي و هو التسلح بسلاح العلم، و اللازم ان تشكل الحركة الجماهيرية التي تريد الوصول إلى حكومة ألف مليون مسلم حركة في داخلها لأجل تشجيع المنتج و المستهلك و صناديق قرض الحسنة و ما أشبه و لأجل تثقيف هذه الجماهير حول هذه الامور و لأجل التنسيق أيضا مما ينتهي إلى استغنائنا عن الغرب و عن الشرق، و اذا استغنينا عنهم بنينا بناء شامخاً يصل إن شاء الله مع سائر الأمور التي ذكرناها و سنذكرها إلى دولة ألف مليون مسلم.. وما ذلك على الله بعزيز(1).

(1) السبيل إلى إنهاض المسلمين: سماحة آية الله العظمى الشيرازي ص 188 ـ 190.