استلابات الحرب النفسية الإعلامية

جبار محمود

محاولات..تضبيب العقول بوسائل الأعلام هي احدى ظواهر الحرب النفسية، التي يُشكّل توخي تعميمها الى تغيير وجهات التفكير نحو حالة من الجمود، على ثوابت من المُسلّمات المعلوماتية المغايرة للحقائق، والضارة على أية حال بمعارف الجمهور.. المتلقي للأعلام

مدارس الحرب النفسية الأعلامية

يمكن.. من حيث تسمية انواع المدارس الاعلامية المتخصصة في تصدير الحرب النفسية، ضد خصوم الفكر، او العقيدة، او المبدأ.. الاستدلال بما يلي:

1 ـ  مدرسة الفكر الاعلامي البرجوازي ومثالها الإعلام الغربي وتشكل هذه المدرسة بمجموع مؤسساتها الإعلامية المتنوعة، مرتعاً لأظهار الغرب وكأنه يمثل نهاية المطاف المراد لنيل الآمال المرتجاة منه فقط، وكل ما دونه غير مؤهل لذلك، ولا يمكن ان يكون جديراً لوضع الحلول المطلوبة، لما يعتري البشرية من مشاكل واستعصاءات.. فأي غرور اعلامي هذا؟‍!

2 ـ  مدرسة الفكر الاعلامي التبعي ومن صفوف مثالها الأعلام في معظم البلدان النامية، وما تقدمه هذه المدرسة لا يتعدى في افضل الأحوال من ترديد ببغائي بما يمليه الغـــرب عليها، مـــن بلورة مواقف وافكار وتعليقات وآراء، بحيث تُقدّم بطرق نادراً ما يصاحبها إظهار التباين الحقيقي لذا فهذه المدرسة اللاهثة وراء اطروحات الغرب والمنفذة لأوامره بصورة عمياء، يُلاحظ أن روادها وقيادييها كوادرها، لم يدعوا شيئاً لخط رجعتهم الى طريق السوية الاعلامية، حتى أمام بني جلدتهم، بعد ان انسلخوا برغباتهم وإرادتهم عن مجتمعاتهم.

3 ـ مدرسة الفكر الاعلامي المتلاعب ومن مثالها الإعلام الانتهازي غير الهادف، ويمكن اصدار التقييم الأولي على هذه المدرسة المستفيدة ماليا والحاصلة على وجاهة تافهة واللامفيدة للجمهور المتلقي للإعلام، بان المجازفة بالسمعة هي ابرز سمة تجمع بين الاعلاميين العاملين فيها، اولئك المفتقرون للكثير من التطلع الواعي، الذي تُبنى عليه موجبات وغايات الرسالة الأعلامية السامية.

سلبية الأعلام.. حرب كلام وصور

ان.. يكون موضوع شن الحرب النفسية نهجاً كافلاً بحد ذاته لتعميم نموذج التبرير الاستلابي لدى أجهزة إعلام عديدة، فهذا استنتاج رغم الجهود الإعلامية الهائلة المبذولة لكن، لم يحسم شيئاً من حقيقة الصراع المعنوي، القائم بين بعض الفصائل والجهات المتناوئة، وتلعب حالة تماثل ما يقدمه العلم والتكنولوجيا من جديد متوال بهذا الصدد، دوراً حاسماً لأمكانية توسيع او ربما حسر رقعة أي حرب اعلامية، مع ان الحرب النفسية الاعلامية حين تتجاوز جغرافية المكان، وطبيعة البيئة المجتمعية، تبدو وكأنها مستهدفة تسخيف الطرف الآخر، المختلف معه في المنطلق الفكري او النهج السياسي، اذ من الملاحظ على سبيل التذكير، ان الاعلام العابر للحدود والقارات كـ(كلام البرامج الإذاعية، وصور برامج التلفزة (المبثين) غالباً ما يترجم التغرّب أو الابتعاد عن الحقيقة، وهذا ما أدى ويؤدي حتماً إلى إرهاق أذهان الجمهور المتلقي للمواد الاعلامية المتنوعة، وإلى أضعا ف وتكرار العديد من برامج الاعلاميات ذات الصلة، مما افرز هنا وهناك حالة شبه فقدان للثقة بين المتلقين للاعلام والاجهزة الاعلامية المصدرة لهم نتاجاتها في معظم بلدان العالم وحول ظاهرة التبرير الاعلامي المُدافع عن الخروقات الإنسانية، والمكمل للجرائم السياسية بحق ممن يحملون آراء اخرى فلعلّ هذا ما عكس مرض التغريب عن الاوطان، حتى لأُناس يعيشون داخل اوطانهم.

و الأعلام.. الاستلابي الفاقد لمصداقيته، بسبب ابتعاده عن السوية الاعلامية، اضحى ظلاً ملازماً لألاعيب اغلب السياسات المعاصرة، بكل ما تحمله من غش وأكاذيب ومغايرات ومشاكسات، لدرجة بات فيها الفصل بين اطروحات السياسة واطروحات الاعلام، ليس بالامر الهيّن فمن  يستطيع النكران مثلاً ان قادة السياسة، وكبار الاعلاميين الاستلابيين لم يصبحوا على قدر متساو من معرفة ما يحدث او ما سيحدث من وقائع كبرى عادة ما تكون مفاجئة عند الرأي العام، الذي ما زال يصطدم بأداءات الاعلاميات المحلية المخالفة للحق والحقيقة، وهذه الظاهرة المستسهلة لاعطاء نتاجات إعلامية، لا تمت بوشيجة الوقائع المطلوب توضيحها خدمة للعمل الإعلامي المصداق،.. قد وضعت معظم الإعلاميات المُسيسة على وجه التشخيص في زاوية حرجة، افرزت فشلا معنوياً لخططها، وضعفاً فكرياً لحججها، وما أدياه من اضمحلال لنموذجها، المُقَدّم امام قوة الصمت المفروض على المجتمعات المتضررة، جرّاء استفحال الاعلام الاستلابي، والمصير المتدني الذي آل اليه الاعلام اللامسؤول في البلدان النامية  والمتقدمة بان واحد.

الأعلام.. جناح السياسة

لم.. تشهد أي حقبة زمنية عبر التاريخ البشري، نشاطاً اعلامياً بكل هذه السعة والفاعلية المؤثرة، التي تنتشر بين أفراد المجتمعات اليوم، وذلك بسبب لعب عامل التطور التقني لوسائل الاعلام التي غزت كل بيت ومجتمع، ولقد وعى الساسة الكبار في العالم بُعيد انتهاء الحرب الكونية الثانية (1936  1945م)، الى الدور الخطير الذي يمكن ان يؤديه الاعلام، لصالح الكيانات السياسة لذلك فقد نجحوا في تجيير خلا صات العمل الإعلامي بهدف تمرير المخططات السياسية والتخريبات الاجتماعية، عبر شن الحروب النفسية ضد مناوئيهم، واقرب مثال يستدل عليه بهذا المجال، ما سُمّى بـ»الحرب الباردة« بين الكتلتين الدوليتين الغربية والشرقية، أو بين بعض إعلاميات الدول العربية، ولعل من إحقاق القول أن المُلازمة بين الاعلام والسياسة، هو من اكثر الظواهر الملموسة لدى أي مجتمع، لدرجة غدت هناك استحالة للفصل بينهما في العديد من البرامج والمواد الاعلامية، اذ لا سياسة دون اعلام ومن فهم اشمل لهذه النقطة، فمن الموضوعية التريث في الأعراب عن القناعة، قبل إطلاق الحكم على كون الاعلام يمثل في خلاصته الفعلية، دعامة كبرى للسياسة، كما وممكن وصف الاعلام في عالم اليوم بأنه جناح للسياسة.

و اذ.. يُرى ان الأعلام الغربي المعروف باتسامه باللا توازن كما يرى البعض ذلك في عرض الحقائق بصورة عامة -، نتيجة لمغايراته الدائمة التي تتحكم فيها السياسات الغربية، الطاعنة بالوعي، والمشاكسة للنماء الثقافي، والحائلة دون نجاعة مد الجمهور بكسب المعلومات المجردة من أي استهدافات سلبية مسبقة، فمن المعلوم تماماً ان الاعلام الغربي ودوائره التابعة من البلدان النامية تستغل ما يقدم لها من دعم مالي وتأييد معنوي حكومي لاتحدهما حدود، وهذا، ما يؤكد صحة اعتقاد ثقافي اجتماعي عام مفاده ان الاعلام أمسى في اول سُلم اهتمام الدول المعاصرة، حيث يأتي في المرتبة الثانية بعد الاهتمام بالعسكر (الجيش)، مما يُعدّ ذلك رسالة اكثر جدية في تعميم الحرب النفسية المؤثرة على تحريف الانطباعات الاجتماعية، بغض النظر ضد مَنْ تُشن تلك الحرب  ويحدث كل ذلك بتوالٍ إعلامي خلال هذه الفترة، قبل عدة أشهر على دخول البشرية على قرنها الحادي والعشرين، نتيجة لهيمنة السياسة على معظم الاعلاميات فبنظرة سريعة على الواقع الاعلامي الدولي، يتبيّن كم سخّرت السياسة من مدارات اعلامية عديدة، وخصوصاً  ما يُبث منها عبر أثير أمواج التلفزيون والراديو، اضافة لرواج ما تنشره المؤسسات المختصة من كتب ومجلات وجرائد ونشرات.. فائضة عن الحاجات الاجتماعية الفعلية لا بسبب توظيفها للجهود الاعلامية الكبيرة، ووضعها في خدمة السياسات الرأسمالية الغربية، وما يقابلها بدرجة متواضعة لا تُقاس معها، ضد انتشار النتاجات الاعلامية عند اطراف الرأي الآخر الاهلي، المستهدف قبل غيره من أي حرب نفسية اعلامية حكومية، سواء على الصُعد المحلية او الاقليمية أو الدولية.

الحرب الاعلامية.. أثراً وتأثيراً

قد.. يُظن ان من النتائج الاعتيادية التي تتركها عروض المواد الاعلامية المختلفة الانتهاجات، ليس لها اكثر من تأثيرات  وقتية عابرة في نفوس الجمهور المتلقي لتلك العروض الاعلامية، وان كينونتها تمر في الأذهان مرور الكرام وان موقف إبداء المرونة من الاشياء، مسألة مقترنة عند عموم المتلقين للاعلام، بتفهم واعٍ يتجاوز أُطر التفكير الذاتي، وان الاتجاه نحو الموضوعية هو الأمر الغالب في التعامل مع عموم النتاجات الاسلامية ولما كان الاعلام قد اصبح مصدراً متقدماً ولصيقاً في الحياة اليومية الاجتماعية، فلعل مثل هذا الطرح السطحي اذا جازت التسمية يقود حتماً للأقرار، بان واحداً من اثنين هما.. اما ان نزوعاً نفسياً لا مسؤولاً لمعرفة المجهول، أو الفضول لمعرفة ما جرى أو يجري من احداث ووقائع، هو نوع من محاولة اشباع روحية الذات عضوياً أو قصداً، وهذا ما يعطي معنى بان هناك شعوراً بالاعتقاد يستهدف رجحان التفكير، والأحكام عند المتلقين للأعلام. فمثلاً حينما يلتزم الاعلام الغربي بعدم التعليق على مذابح الاطفال والنساء في بقاع محددة من العالم، فان هذا الاعلام ذاته يقيم الدنيا ويقعدها استنكارا عن قيام احدى الدول النامية بإلقاء القبض على عنصر مخابراتي غربي أُدين بالجرم التجسسي المشهود. ان الاعلام الغربي ما زال يقع في اخطاء قاتلة، حين يفوّر القائمون عليه، ان المجتمعات المتمدنة سوف تبقى مستقبلة للخزعبلات  الاعلامية الغربية، ودسائس انظمتها الرأسمالية، والى ما لا نهاية من الازمنة.

إعتاد.. الأعلام الغربي، ان يشير لذاتيته بكونه إعلاما حرا)، في حين من المعلوم تماماً ان هذا الذهاب النرجسي المتخايل لا تسندهُ الوقائع الملموسة فكيف يجيز الاعلام الغربي بوصف نفسه بـ(الحر)، وهو يصادر حق اعلاميات العديد من البلدان النامية، ويحاصرها بألاعيب التبعية الاعلامية له؟ وهناك انطباع سايكولوجي مازال يتطلع  لما وصل اليه طابع الصراع الاعلامي في العصر الراهن، وتقف مسألة حسبان الأمر على أساس الضرورات الحضارية، لمعرفة ما يمكن ان يتركه الاعلام الفوضوي المغامر من أثر وتأثير خصوصاً وان الاقتناع بالسائد من الاعلام يكاد يكون موضوعاً مفروغاً من بحثه، وهذا ما يجعل هناك دافعاً مستمراً وبالذات لدى المجتمعات العربية والاسلامية لعمل شيء فاضل، لتحقيق الارتقاء بالاعلام من اجل الحفاظ على نقاء الهوية، ووضع حدود عقلانية لوقف عمليات، تثقيف الأجيال إعلاميا بمبادئ الباطل، واللا أُبالية، والخذلان عن ركب الحياة  الحقيقيّة، وان مجالات الاعلام قد طالت جوانب لا حصر لها من اهتمام الافراد كل منهم على حدة وان اخطر ما يواجه تركيبة المجتمعات الحضارية، هو الزحف لسلبيات واستلابات الاعلام الحديث.

و المعيار.. الاعلامي الاول متى ما كانت خلاصة الغاية منه هو الرجاء لبناء وإنعاش النفوس بروح الثقافة الحية، فيمكن ان يكــــون هذا المكسب المعنوي الاهـــم الأخذ بالأيادي الى ان يعيش، ويتعايش الناس فيما بينهم، على افضل ما يكون الاستمتاع بجمالية الأخلاق الانسانية.