|
تجدد الاستعمار بالأقمار الصناعية الإعلامية |
||
|
|
||
|
جبـــار محمــــود |
||
|
الاستعمار.. هذا الاسم المُدان الذي يرتبط في الأذهان باقترافه الجرائم الكبرى ضد البشرية، عدواناً، واحتلالاً، وإبادةً، ونهباً للخيرات، يجدّد اليوم أدوات مؤامراته وأداءات تدخلاته في شؤون البلدان الأخرى، عبر استغلاله للفضاء الخارجي، بواسطة مخترعات أقماره الصناعية، ونشاط بث برامج إعلامياته. فأين تقف الدول والمجتمعات العربية والإسلامية.. ممَّا يجري؟. |
||
|
يُلمس.. من أوان المعايشة الاجتماعية الحاضرة، أن نشاط الإعلام الغربي في مجال البث من الأقمار الصناعية، بدأ يأخذ مناحٍ عدة ومنوعة.. أكثر جذباً وأبلغ أثراً على التركيبة الجديدة للنفسية العربية والشخصية الإسلامية، وبالتالي محاولة تغيير اتجاه بوصلة الانطباعات والتوجهات والانحيازات، عند الشرائح الاجتماعية المتباينة المشارب، لصالح كل ما هو غربي، إن الغرب ومن خلال فلاحه في إشاعة روح اليأس والوجل والقنوط، لدى العديد من الطبقات الاجتماعية.. حسبما يشير لذلك مسار خطه البياني الآخذ في التصعيد المخل بمبادئ العدل والأوضاع الدولية.. قد جعل النظام الرأسمالي يتخطى برقعة أعلامه الأثيري المبثوث من الأقمار الصناعية، حتى وصل إلى مناطق نائية في أقاصي الأرض، دون أي عارض أو معارضة تذكر. وتكفي الإشارة هنا.. أن عدد تلك الأقمار يقدّر بزهاء (3000) قمر صناعي، تبثّ إلى.. وتستلم من زهاء (4200) محطة استقبال وإرسال إلكترونية..، موزعة فوق مساحة الكرة الأرضية، ومن بينها محطات عربية وإسلامية. ومن.. الأسف المشحون بالألم، أن بين المحطات العربية والإسلامية الإعلامية الفضائية.. محطات تابعة تنسّق لإرسال تقارير وتعليقات، ذات صلة بمواضيع محلية، تشكل في حدها الأدنى إقلالاً من شأن وكرامة العرب والمسلمين.. وهناك حيث مراكز المعلومات الغربية المتخصصة، تُعاد صياغة ولياكة مضامين تلك التقارير والتعليقات، من قبل قادة وكوادر الفكر البرجوازي، بطريقة مرتبة ترتيباً تمريرياً.. كي تبدو صالحة للتصديق حين نشرها أو بثها على موجات الأثير، بوقت لا تحرك فيه أغلب إعلاميات العرب والمسلمين ساكناً حولها. تبعاً لذلك. ونتيجة لحالة التباعد المعنوي التي خلقتها لنفسها إعلاميات معظم البلدان النامية مع مجتمعاتها، فيلاحظ أن على سبيل المثال.. عند وقوع أحداث سياسية سلبية ساخنة في المناطق العربية والإسلامية، ان غالبية من جمهور المشاهدين والمستمعين – عرب ومسلمون- يتجهون برغبة إلى وسائل الإعلام الغربية، لإنتهال مزيد من المعلومات والتفاصيل والتطورات الخبرية حول الأحداث الواقعة، وعلى خلفية الاعتقاد بأن استحصال معلومة متواضعة تدور حول أسرار الحدث المعني، من إحدى فضائيات الغرب، أفضل من عدم سماع أي شيء من إعلاميات حكوماتهم العربية والإسلامية.. التي غالباً ما تكون ممتنعة عن التصريح حول ما جرى ويجري في بلدانهم، وكأن شيئاً لم يكن. إن.. المنطق السليم يقضي اعتماد كل جمهور على إعلاميات بلده أولاً بدلاً من الإلتجاء إلى مصادر الإعلام الغربي – الغريب-، إذ يُفترض أن كل جهة إعلامية رسمية في أي بلد عربي أو إسلامي، تكون مسؤولة لتوضيح ومصارحة ناسها قبل غيرهم بمصداقية مجردة، وبمعنى ذو صلة فإن إعلام الأقمار الصناعية الفضائية الغربية، عوضاً أن يفتش عن سبل مصداقة للارتقاء بمستوى عمله وأداء اعلامياته إلى آفاق عقلانية رحبة، بات إعلاماً يطارد الحقيقة، ويقدّم بفنياته المزوقة هامشاً أو هوامش عن الحدث العربي أو الإسلامي المقصود، ولكن دون أي إلتفاتة صريحة تعرّف بالصانع والمحرك لذاك الحدث.. الذي هو النظام الغربي ذاته. والمفكرون البرجوازيون الغربيون يسمّون خلطة.. فوائد الإعلام بسموم السياسة الحالية، وألاعيب هذه الحقبة من الزمن السياسي التعيس، المتراجع بمعنوياته إلى الوراء، بـ «عصر الأفكار الحر».. بينما لم يعد خافياً أن نهج الأقمار الصناعية الغربية الفضائية، ليس مقتصراً على مجال البحث العلمي، والبث الإعلامي المتبادل، كما هو مُعلن من قبل دوائر الإعلام الغربي قبل غيره.. إذ استبان أن لتلك الأقمار مهام أخرى.. أخطر بكثير مما قيل عنها فعلاً عند بدايات عملها. |
||
|
وعملية.. استثمار الفضاء الخارجي بحد ذاتها مسألة غير عادية في حسابات الواقع العلمي والتكنيكي، وفي مقاييس تعاملات التخريب التربوي والسياسي الغربي، ذلك أن هذه المسألة غدت في أهم إفرازاتها قد تجاوزت أسيجة موضوعة الإعلام، لمّا استطاع الاستعمار الغربي الحديث، بما يملكه من دهاء الطامع وخبث المحتال، أن يتذاكى لإخفاء مهمته المزدوجة، المؤداة بواسطة أقماره الصناعية الفضائية.. الإعلامية. والبداية كانت في سنة 1962م.. حين نجح قمر غربي – أمريكي الصنع – والمسمى «تلستار» أن يبث أول صورة تلفزيونية حية وواضحة المعالم تماماً، باللون الأبيض والأسود.. وكانت تلك فاتحة عملية لضمان تحقيق أهداف أكبر لصالح الاستعمار والإمبريالية، وتطلعهما المريض من أجل الظفر بزمام قيادة العالم، حيث توالى عقب ذلك تأسيس عدة منظومات فضائية تعتمد في عملها السري على الأقمار الصناعية الغربية، لإنجاز عمليات اقتصادية وسياسية وتجسسية وعسكرية.. وغيرها، في نفس الوقت الذي طفحت وتطفح فيه إلى السطح الإعلامي الغربي، ظاهرة الترويج عن حرص النظام الرأسمالي للدفاع المستميت عن الحقوق الديمقراطية في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية... ومعلوم أن كل ذلك الترويج، لا يتعدى أكثر من كونه تبجحات فارغة، ودعاية استهلاكية.. ومن المنظومات الفضائية الغربية السرية العديدة، التي كشفت نقابها وثائق «الحرب الباردة» بين الكتلتين الغربية والشرقية.. المتصارعتين سابقاً هي المنظومات الثلاث التالية: * «منظومة الاتصال الفضائي للقوات الجوية النووية الاستراتيجية».. وعملها متخصص لقيادة القوات المسلحة النووية عبر القارات، عند تفجير هجوم نووي واسع.. أو محدود في أي مكان من أرجاء المعمورة. * «منظومة الاتصال الفضائي للقوات البحرية».. وهذه متخصصة لقيادة الغواصات والبوارج والأساطيل والسفن الحربية ضد مثيلاتها في المحيطات والبحار بدرجة رئيسية. * «منظومة الاتصال الفضائي الاستراتيجي».. وتؤمن هذه المنظومة الاتصالات الإلكترونية المباشرة لقيادة القوات المسلحة البرية.. أثناء أداء العمليات الحربية في ساحات المعارك. وإضافة لذلك.. فهذه المنظومة هي إحدى أخطر تشكيلات الاتصالات الفضائية، المتخصصة أيضاً في تنفيذ عمليات الاغتيالات السياسية ليس.. بالأعداء فقط، بل وبالأصدقاء الحميمين.. بمن فيهم الحكام المتصبّون الموالون لسياسات الغرب.. فتصوروا ! |
||
|
ولعلّ.. كثافة عدد الأقمار الصناعية الغربية المحلقة في الفضاء، والبالغة زهاء ثلاثة آلاف قمر صناعي، يكفي لإثارة عديد من التساؤلات. وفي هذا الشأن، يتبادر إلى الأذهان فوراً من خلاصة أبعاد هذا الرقم الهائل للأقمار الصناعية، أن هناك خططاً استعمارية.. وتبييتات إمبريالية لا أول لها ولا آخر.. وبالذات بعد أن ألحقت بوظيفة الأقمار الصناعية الإعلامية، مهام استكشاف الثروات والمعادن.. تحت سطح الأرض. فإذ.. أضحى إحتكار الفضاء أحد أهم الميادين للنشاطات الإعلامية والسياسية الغربيين، فإن ازدواجية أطروحة الغرب في هذا الصدد، تستهدف فرض قبول المجتمعات (عن طيب خاطر) لواقع حال تجدد الاستعمار الغربي الحديث بالأقمار الصناعية، والاستسلام والركوع للمنظومات العسكرية الفضائية المنسقة معها. ولكن مع كل هذه الآمال الغربية اللامشروعة، تبقى هناك خسارات فادحة قادمة، ستلحق بالغرب حتماً، بحسب التقديرات الحيادية المتطلعة لحل مشاكل العالم المعاصر.. خاصة وأن مكاسب الغرب المستحصلة بالقوة من البلدان الأخرى حتى هذه الحقبة، قد أوجدت أزمة ثقة أبدية بين المجتمع البشري، المتأمل لما أوصله إليه الغرب، من فقدان وضياع وتهديد دائم.. ونده المجتمع الدولي المخترق لحساب الرأسمال الغربي، الذي مازال يعطي للأقمار الصناعية الغربية دوراً أكثر مواكبة لمراقبة البشرية من الفضاء الخارجي.. وهذا ما جعل ويجعل الغرب يمثل الآن وضعاً أحادي الجانب، في حلبة اللعبة السياسية الدولية، المنفذة على محور محاولة تجديد الفكر والسلوك الاستعماري، بواسطة الأقمار الصناعية الفضائية.. وكأن للاستعمار وجهة نظر تجيز له سلب وسرقة الغير. إن.. ذاكرة الأجيال ما تزال متقدة.. وعقول الناس ستبقى في رؤوسهم.. وفي هذا ذخيرة عظيمة لمستقبل الإنسانية المعذبة، بقدر ما هو عزاء دائم للنظام الرأسمالي وأعوانه وذيوله. |
||
|
|
||
