مجلـــــة النبـــــأ    العـــددان ( 32 ـ 33 )   السنــة الخــامسـة (محــرم ـ صفـر ) 1420هـ

قـصـــــة قـصـيـــــــرة

درس عرفاني

فرحان شبر


افترش سجادته في ساعة متأخرة من الليل، متمتماً ببعض الأذكار والأوراد التي حفظها عن ظهر قلب، امتدّ نظره إلى نافذة الغرفة المسجد فهمّ بفتحها، ما زال عود السواك وبعض العطور في يه حيث انتزعها من جيب خاص من السجادة.

حاول تجنب الصرير الذي يحدثه النافذة، أطل على نصف المنطقة من هذا المرتفع الذي يعتليه، الشوارع شبه خالية..، الأزقة لا يسمع منها سوى خرير القنوات المصممة على الطريقة الجبلية، ثمة قادم من آخر شارع في المدينة، لم تتبين معالمه، تملكت الشيخ رغبة في الانتظار وهو في غاية الشوق لمعرفة م يجرؤ على حرق قانون منع التجول الساري المفعول في شهره السادس، امتقع لونه وشحبت سحنته وتموجت قسمات وجهه، بدأت قامة هذا الكائن تدخل في ظلمة ضبابية، لتتلاشى عند البوابة المحظورة الاقتراب منها، استرجع الشيخ ثلاثاً وحوقل (1) في خطوات وئيدة والى الخلف فاتحاً طيات سجادته ليكبّر..

كتم الشيخ رؤياه البرزخية التي أمست ليلاً إضافياً بينما يحضر لدروسه الصباحية التي يلقيها على طلبته في الفقه والأخلاق..

لم تكن الجمعة تحمل سمات المنظر الليلي المتكرر، فالمشهد يتغير عشرات الكائنات البشرية بوجوه بعيدة عن الإنسانية تسير بنفس الاتجاه، محملين بأثقال جديدة، أطرق هنيهة متسائلاً، ترى لماذا كل ها السلاح وما الذي يضمره هؤلاء لأهل هذه المدينة؟

حدّق في الساعة المواجهة له، أسرع في العودة إلى حجرته ليكمل أعمال ليلته على طريقته المعتادة تسللت خيوط ضوء الشمس إلى موضع سجوده أنك مسبحته ناهضاً مدّ الأخرى في جيب (جبته) المعلقة، لم يرتد بذته العلمائية، ولم يعتم، نزل إلى الشارع باتجاه (مسيرة الليل) إلى أقصى مسافة استطاع اجتيازها للاقتراب من موقع الحشود، ثم أقفل رادعاً وذاكرته محملة وبهذه الصور التي تنبئ عن نية مبيتة ضد سكان هذه البلدة الودعاء.

لم يعرف الشيخ انضوائه تحت تنظيم سياسي، أو خلية مقاومة، لقد كانت دروسه ومحاضراته مطبوعة في أذهان العامة قبل الخاصة من تلامذته، وربما كانت الهيبة والوقار اللذان يوشحان وراء أطلالته وراء صرف أنظار رجال السلطة عن متابعته وتحي أخباره دون غيره.

لف الحزن هذا الجو الصباحي للحلقة الدراسية، الذي انتقل بدوره إلى الطلبة الذين قرأوا هذه المشاعر البادية على أداء الشيخ لدرس اليوم وغابت تلك اللحظات المازحة التي غالباً ما يخلل فيها أبواب بحثه طرداً للملل.

قطعت فترة الاستراحة بين الدرسين، حالة الوجوم الاستثنائية، ثمة تساؤلات وهمسات وقلق استمرت طيلة الربع ساعة التي مرت على عجل، عاد الشيخ بعدها، مهلل الوجه، منتصب القامة، دون أوراقه التي يتأبطها عند دخوله القاعة، بدأ نوع من الدهشة الممزوجة بالاستفهام الصامت يتسرب ثانية إلى النفوس، ليتبدد بالعنوان الكبير الذي خطه الشيخ على اللوحة.. «حي على الجهاد».

إتصل بنا

أعداد سابقة

العدد 32ـ33

الصفحة الرئيسية