المؤتمرات الولادة وآليات النجاح

فاضل الصفار  [email protected]

قد لا تغدو ولادة المؤتمرات صعبة أو عسيرة جداً إذا دخلنا إليها من أبوابها وتماشينا مع سننها الطبيعية وأخذنا بسبيل الأسباب والمسببات والمقدمات الصحيحة للنتائج المطلوبة.

إلاّ أن السؤال المهم هو كيف يمكن أن نتوصّل إلى المؤتمرات وكيف نضمن نجاحها وكيف نوفر عناصر استمرارها؟

وللإجابة عن هذا السؤال الصعب من الضروري الالتفات إلى بعض النقاط الهامة:

- الأولى: وضوح الهدف إذ لا يكفي إيمان الأفراد بضرورة الاجتماع ولا بدية المؤتمر للمساهمة في انعقاده أو الاستعداد للمشاركة فيه...

بل لابد من توفير الشروط المهمة التي تساعد على ذلك ومن أهم هذه الشروط.. هو تعيين الهدف بشكل واضح لا يشوبه الغموض أو الاستفهام والتحديد بالضبط ما هو المطلوب من المؤتمر المزمع عقده؟ وما هي مهمته وحدوده؟

لأن تشويش الرؤية والغموض في تحديد الهدف ورسم أبعاده هي أول خطوة في طريق الفشل والتضييع في الجهود والطاقات.

وليس من الصعب على المدير الحكيم أن يطرح أسئلته عن مشروعه على نفسه أولاً ثم على الآخرين وطلب مشاركتهم في توضيح الرؤية وتحديد الأهداف وربما وضع النقاط على الحروف..

وهذه من الأساليب العقلانية التي تضم إلى فوائدها الكثيرة ضمان معاضدة الآخرين والمساهمة في إنجاحها..

إذ ليس من الحكمة بمكان أن نتوقع أن يتفاعل معنا الآخرون ويساهموا في مشاريعنا ويشدوا على أيدينا قبل أن يتعرفوا بالضبط ما هي الأهداف والغايات المرسومة للأعمال وما هي الحدود التي يقدروا أو يحبذوا المساهمة فيها ولعلنا إذا وضعنا أنفسنا مكان الآخرين إذا دعينا للمساهمة في إنجاح أعمالهم ومشاريعهم سنتعرّف بوضوح على أهمية تحديد الهدف من أجل إنجاح المشروع والتفاعل معه.. هذا أولاً وثانياً سنتعرف أيضاً على مدى أهمية التشخيص الدقيق للأهداف في رسما لخطط والأساليب الصحيحة للوصول إليها...

إذن ينبغي أن نحدد الهدف أولاً... ونطرح أسئلتنا الواضحة عن الغايات والمقاصد لنضمن لنا وللآخرين نجاحاً فاعلاً وخطوات سليمة ونتائج إيجابية.

الثانية: جمع الكل وإسهام الآخرين في المشروع وبتعبير آخر أن لا نحمل هم المشروع وحدنا أو نفكر أن هذا الهم همنا وليس للآخرين خط فيه فنعيش العزلة أو نتفرد في الأمر بحيث يرى الآخرين أنهم أجانب عن المشروع وغرباء عن الخطط والبرامج وبالتالي يعتزلون الأمر ويسحبوا عنا أيدي كثيرة نحن في أمس الحاجة إليها...

فإن للآخرين من التجارب والخطط والقدرات الكبيرة على إنجاز الأعمال وتنفيذ البرامج ما ربما يضفي إلينا الكثير ويعود علينا بالكثير..

ولعلّ من السنن الكونية التي أودعها الله سبحانه في هذا الوجود أنه لم يحصر القوى والطاقات في أحد ولم يحرمها جميعاً عن أحد.

بل وزع مواهبه ونعمه على الناس لتكون طريقاً إلى التعارف والتكامل والتكافل، ولعل في التجارب الميدانية الكثيرة غنىً وكفاية لإثبات صحة هذا الأمر..

وعلى هذا فليس من المنطق أن نخالف نحن السنن الكونية ونخطوا إلى الأهداف بطرق ليست هي سبلها وندخل إليها من غير أبوابها ثم نتوقع لها النجاح...

إذن.. لابد من جمع الآخرين والتفاهم معهم وإيجاد حالة التنسيق والتعاون من أجل إنجاح العمل..

الثالثة: الإيمان بالنسبية هنا وقبولها كحقيقة واقعية في النجاح من الخطوات اللازمة لنجاح المؤتمرات فليس بالضرورة أن يساهم الأفراد والتجمعات والمؤسسات بكلهم وبقضهم وقضيضهم حتى نقبل منهم المشاركة في المشروع..

فإن المطلق والحدية الجامدة في العمل أمر يقود إلى الفشل غالباً إذا لابد أن نحسب لاختلاف الآراء والمصالح ومستوى القناعات ودرجات التفاعل والانسجام وبالتالي جدول الأولويات حسابها.

فليس من الصحيح أن نقسم الآخرين إلى فئتين: فئة تؤمن كلياً وفئة ترفض كلياً، وبالتالي نحكم عليهم أنهم إما معنا كلياً أو ليسوا معنا كلياً.. إذ توجد هناك فئات أخرى ربما تكون أقرب إلى الواقعية والاعتدال على الأقل في نظريتها وربما ترى أن أسلوبها في تحقيق الهدف وأن أفكارها هي الصحيحة أو الأصح..

وهؤلاء هم الذين يقبلون بالبعض ويختلفون من البعض أو لا ينسجمون معها... ولعلنا إذا سألنا أنفسنا هذا السؤال نكون قد وفرنا لأنفسنا بالمرونة الجيدة لتقبل الأمور والسؤال هو هل نحن دائماً على صح وغيرنا مخطئ وهل ما نفكر به هو الأفضل دائماً؟

فالخطوة الثالثة إذن في طريق إنجاح المؤتمرات أن نقبل حتى بالنسبية في التعاون وقبول كل مراحل التعاطي والتفاعل مع المشروع على اختلاف نسبها وتعاطيها.

نعم كلما كانت درجة التفاعل أكبر والمساهمة أكثر كان أفضل إلاّ أن الإيمان بالمطلق ورفض النسبية هو من شأنه أن يفشل المشروع وينتهي بنا إلى النتائج الخاسرة.

الرابعة: بما أننا غير معصومين.. إذن ينبغي أن نؤمن بأن الكل منا غير بعيد عن الخطأ أو الغفلة أو الذنب سواء عن عمد أو غير عمد..

ومن هنا يصبح التوقع من الآخرين أن لا يخطئوا بحقنا أو يتعاملون معنا بالطريقة التي نحب وبالشكل الذي نتوقع أو نريد أمراً في غير محله..

فكما نحن أيضاً قد نتصرف أحياناً تصرفات هي في جوهرها بعيدة عن الأليق بنا والأنسب بمكانتنا أو شخصيتنا.. تجاه أهلنا أو أصدقائنا وربما أقرب ونتوقع منهم العفو والتجاوز وعدم ملاحقة الأخطاء والحكم علينا من خلالها بذلك ينبغي لنا أيضاً أن نغفر ونصفح ونتجاوز العثرات فلسنا دائماً على صح وغيرنا على خطأ كما لسنا الحق وغيرنا الباطل بل الكل منا يخطأ ويشتبه وإن اختلفت النسبة من شخص لآخر ومن موقع لآخر..

ولذلك من المناسب أن نضع بعض الأصول الأساسية أمامنا ونحن نتعامل مع الآخرين لنعود إليها عند توتر الأجواء واختلاف الآراء وربما المواقف.

فإن وجود القواعد الأساسية والثوابت التي لا تتغير في العمل كفيلة بإطفاء الكثير من الحرائق وإيجاد الكثير من حالات الاتفاق وتقارب وجهات النظر وبالتالي كفيلة بالحفاظ على الأجواء السليمة والتماسك العضوي بين الجماعات.. وقبل وبعد وأثناء العمل ولعل من أهم هذه القواعد والأصول التي يجب أن نضعها في حساباتنا دائماً:

1) أصالة التفاهم والحوار في قبال الاختلاف والتنازع..

2) أصالة التعاون والتنسيق في قبال التفرقة والفردية.

3) أصالة التسامح والعفو في قبال الحساب أو المقابلة بالمثل..

فإن الأصل الأول يقرب الأفكار ويجمع الرؤى وبالتالي يوجد الانسجام الفكري المطلوب في كل تجمع ومؤسسة وواضح أن أولى خطوات النجاح هو وحدة الرؤية وانسجام الأفكار..

والثاني يكمل النواقص ويسد الفراغات في العمل ويدفع بالجميع نحو التطبيق الأفضل وكسب النتائج أيضاً.

والثالث يعبد الطرق ويصفي الأجواء ويطهّر النفوس والقلوب من رواسب العمل ومداخلات الأمور وينشر خيمة السلام والمحبة على جميع العاملين قال الإمام علي (عليه السلام):«تعاونوا تسقط الضغائن بينكم».

إذ من الواضح أن كل عمل يعاني من أزمات داخلية ولا يخلوا من موارد التعرض لسوء الفهم وربما سوء الظن التي عليها بعض الحساسيات أو الظروف المختلفة أحياناً وأحياناً أخرى تزاحم الأعمال واختلالات الإدارة أو تمليها أخطاء العاملين أنفسهم في بعض الأحيان وربما تتجمع كلها أو بعضها في هذا وذاك، وهذه الأزمات منها ما هو نفسي ومنها ما هو فكري ومنها ما هو إداري ولكن لو خليت وشأنها فإنها كافية لتحطيم الأعمال وتفكك المؤسسات وبالتالي انصرافها عن الأهداف العليا وانشغال العاملين فيها بالهامشيات التي من شأنها أن تضر ولا تنفع وفي العديد من الأحيان تعود على الجميع بنقص الأغراض والتراجع عن الأهداف.. إن لم تنته عند البعض إلى العواقب الوخيمة..

فينبغي للعاملين أن يستعينوا بحكمتهم وحسن تدبيرهم ومنطقيتهم من أجل معالجة الأزمات وحيث أن طرق العلاج في الغالب تختلف من فرد لآخر..

لذا لابد من إيجاد المسلمات الأولية التي يتفق عليها الجميع والتي تقوم بدور الوسيط العملي والنفسي الذي يؤطر الجميع في اتجاه واحد ويوازن عندهم المعادلات ويقودهم إلى الحل...

ومن هذه المسلمات ما ذكرنا وبعضها الآخر يرجع إلى حكمة المدراء والأفراد وسعة صدورهم ولين جانبهم وكبر نفوسهم وعمق نظرتهم واهتمامهم بالأمور، ومداراتهم لبعضهم البعض...«فإنه لا يسود من لا يحتمل إخوانه..».

- الخامسة: وبعد هذا وذاك أيضاً ينبغي أن لا ننسى دائماً روابط الصداقة ووشائج الأخوة والمحبة كأخوة ومؤمنين صادقين متحامين في الله وقد جمعنا هدف واحد وطريق واحد ونأمل أن يجمعنا مصير واحد هو رضا الله سبحانه والفوز بجنانه.

وأن لا ننسى أبداً أن العمل والدور والمسؤولية مهما كبرت وعظمت تعود بخيرها على الجميع كما تنتهي بشرّها على الجميع أيضاً إذ لا يوجد في الجماعات غالباً شخص مستفيد فقط وآخر متضرر وواحد يأخذ وآخر يعطي بل الجميع يعطي والجميع يعمل وكلهم مشتركون في المنفعة وفي الخسارة.. ولكن كل بحسب موقعه ودوره وظروفه وقابلياته وقدراته..

وواضح أننا إذا وضعنا هذه الفكرة أمامنا ونظرنا إليها من الزاوية الصحيحة سنجد أن الاختلاف في الرأي أو الموقف لا يستحق القطيعة. ولا التوتر الشديد ولا مواصلة التأزم في العلاقات وتفسير الأمور بغير منظارها الإيجابي.. وتبقى على طول الخط نوافذ التفاهم والحوار والصحبة الأخوية وروابط الصداقة هي الحاكمة على أجواء العمل قبل علاقات العمل والوظائف وتضلل علينا أجنحة السلم والاطمئنان والتفاهم.

فإن «أشرف الشيم رعاية الود» كما قال مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام):« وأشرف المروءة حسن الأخوة» وقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم):«ما ضاق مجلس بمتحابين» كنز العمال/24674. وفي «الضيق والشدة يظهر حسن المودة».

عناصر النجاح

وبعد هذه المقدمات.. قد تكون بعض ملامح الجواب قد توضحت..

فإن تحقق المؤتمرات ثم نجاحها واستمرارها أمر يعد ممكناً إذا توافرت عناصره الأساسية.. والتي يتخلص في أمرين أجدهما من داخل الإنسان نفسه والآخر من خارجه.

وحيث أن قدرة الإنسان وقوة إبداعه وسر عظمته وانتصاره يعود إلى إرادته وتصميمه وقدر نفسه وقدر همته.. كما أن سرّ فشله وتراجعه يعود إليها أيضاً أولاً.. لذا لابد من التركيز على النفوس أولاً.. وتهذيبها وتعليمها وتوعيتها بعناصر القوة والمتانة وترويضها. بخصال السمو الروحي وعلو الهمة وسلوك سبل النجاح وتجنب مواقع النقص والفشل..

وتذكيرها المتواصل بالأهداف العليا وتلقينها قيم الجهاد والصبر وتحمل الأذى والاستقامة ومقاومة الصعوبات وتحدي الأزمات.. فإن خير النفوس أزكاها.. وأول ما يبتدأ التقدم والنجاح في النفس كما أن أول مواطن الفشل هي النفس أيضاً.

قال مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة والسلام:«من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم» نهج البلاغة/حكم73.

وقال عليه الصلاة والسلام:«ذروة الغايات لا ينالها إلاّ ذوو التهذيب والمجاهدات».

وفي حديث آخر قال عليه السلام:«كلما زاد علم الرجل زادت عنايته بنفسه وبذل في رياضتها وصلاحها جهده».

وقال صلوات الله عليه:«المرء حيث وضع نفسه برياضته وطاعته فإن نزهها تنزهت وإن دنسها دنست».

وبالتالي فإن النزاهة عن العيوب وسد اختلالات الــــنفس وكبـــح جماحها وإكمال نواقصها من شيم النفوس الطاهرة وأصحاب المروءات الذين تقوم عليهم نهضة الأمم وبناء المستقبل المجيد..

ومن لم يهذب نفسه فضحه سوء العادة.. وحمل بين يديه العجز وحكم على أعماله بالفشل وعلى إخوانه بالقطيعة فإن أعجز الناس من عجز عن إصلاح نفسه..

وأيضاً أعجز الناس من قدر على أن يزيل النقص عن نفسه فلم يفعل.

هذا ما يرتبط بداخل النفس..

وأما العاصر الخارجية.. فهو أمر قد يعني القائمين بالمشروع قبل غيرهم وبالتالي ينبغي على المؤسسة أن تعمل عليه.

وهناك بعض الخطوات الضرورية التي يقترح مراعاتها توفيراً لآلية المؤتمرات وجوداً ونجاحاً ودواماً..

الآليات

وهذه الخطوات تلخص في آلات ثلاثة تحقق لنا المؤتمرات وتهيء لنا الفرص الكبيرة لاستثمارها وهي:

1- آلة الوجود.

2 ـ آلة النجاح؟

3- آلة الدوام والاستمرار.

وحيث أن أعمالنا ينبغي أن تكون مؤسساتية كما أن الحكمة وضرورة العمل وضمان ديمومته وتكامله تفرض علينا الإيمان بالعمل الجماعي وتجاوز الفردية في الأمور إذ ينبغي أن تكون آلياتنا أيضاً جماعية ومؤسساتية لذلك يقترح أن تكون الآلات عبارة عن لجان تقوم بالمهمات الثلاثة ولكل مهمة لجنة تهتم بأمورها وتتكفل مسائلها.

الأولى لجنة تحضيرية تهتم بالتهيئة وإعداد الأجواء والأفراد والتحضير نفسياً وفكرياً وإدارياً لانعقاد المؤتمر مضافاً إلى دراسة الظروف الموضوعية وتعيين المكان والزمان وسائر الأمور المتعلقة لولادة المؤتمر ولادة صحيحة وسالمة. ومن ثم التقييم والموازنة والتهيئة ثانية لعقد المؤتمر مرة ومرات أخرى..

والثاني لجنة مصالحة وترشيد للأفكار والخطط والبرامج وحل العقد التي تولد أو التي تحتمل أن تولد بالطرق المنطقية الصحيحة التي تضمن للجميع حقه وتوفر لها مستوى مقبولاً من الرضا أثناء انعقاد المؤتمر لاختلاف وجهات النظر أو تصادم المشاريع أو الأفراد كما تقيم جسور الربط والتوثيق بين الأطراف وتقريب النفوس والقلوب بما يخدم استراتيجية المؤتمر والهدف الأكبر الذي عقد من أجله.

والثالثة لجنة متابعة للقرارات التي تنجم عن المؤتمر ودراسة أساليب تنفيذها ووضعها في حيز التطبيق بالنحو الأفضل..

كما تهتم بمتابعة الأطراف متابعة جدية ومتواصلة من أجل تنفيذ التزاماتها بما جرى الاتفاق عليه وتذليل الصعوبات التي تحول دون ذلك..

هذا فضلاً عن اللجنة الإدارية في داخل المؤتمر التي تهتم بتسيير البرامج والأعمال وهندسة المناقشات والخطط بالشكل الأحسن والأكمل..

وواضح أن لكل لجنة من هذه اللجان شروط لابد من توفرها من أجل إنجاح اللجنة بعضها يرتبط بالأعضاء وبعضها بكيفية تعيينهم وطريقة انتخابهم وبعضها الآخر في الأساليب والتكتيكات..

ولكن حيث أن حديثنا فعلاً في الأصل نرجئ البحث في التفاصيل الأخرى إلى مجال آخر.