المشاكل النفسية في الجماعات

ظواهر.. ومعالجات

مرتضى معاش   [email protected]

لعلّ من أهم الأسباب التي تعطل حركة الجماعة وتعمق مشاكلها هو عدم وجود المعرفة الكافية للسلوك النفسي للأفراد أو عدم معرفة ماهية ردود الأفعال السلوكية التي تصدر عنهم. عدم المعرفة هذه تنطبق على نفس الفرد حيث يجهل ماهية سلوكه وبالتالي قد لا يستطيع أن يقيم نفسه بصورة تحليلية، ناضجة وينطبق هذا أيضاً على المستويات الأعلى من مراتب الأعضاء إلى القيادة حيث أن عدم معرفة القيادة بالدوافع النفسية وبشكل الأنماط السلوكية التي تتجلى في الأفراد قد تدفع إلى زيادة الفجوات بين الأفراد والقيادة وبالتالي إلى ضعف النتاج وقصوره.

وهناك الكثير من الروايات الشريفة الواردة في باب معرفة النفس وأنها أفضل المعارف وأكملها ذلك أن الإنسان الذي يدرك ذاته ويعي نفسه ويفهم سلوكه بشكل واضح ويراقبه بدقة سوف يكون عمله سليماً وناضجاً ومنتجاً. يقول أمير المؤمنين(ع):«أفضل المعرفة معرفة النفس»، «وأعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه»، «لا تجهل نفسك فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شيء»، ويقول (ع):«غاية المعرفة أن يعرف المرء نفسه»، لأنها توصل الإنسان إلى مقاصده وأهدافه بصورة سريعة وناجحة وبدون أن يضيع الإنسان وقته وجهده. ويقول(ع) أيضاً:«من عرف نفسه تجرد»، فلا يكون عبداً لأهوائه التي تفرض عليه قرارات غير صائبة تزيد المشكلة فوق تراكم المشاكل. وينقل عنه(ع):«من عرف نفسه فهو لغيره أعرف»، وكذلك فإن جهل النفس وكوامنها والدوافع المحركة لسلوكه لها سبب لكل المشاكل والمآسي التي يمر بها الإنسان وبالتالي عدم قدرته على فهم الدوافع المحركة وسلوك الآخرين وأسباب صدور هكذا ردود أفعال، يقول(ع):«كيف يعرف غيره من يجهل نفسه»، «كفى بالمرء جهلاً أن يجهل نفسه»، «من جهل نفسه أهملها»، «من جهل نفسه كان بغير نفسه أجهل».

إن انطلاقة الإنسان الإيجابية في حركته بالحياة تنبثق من قدرته النفسية على التأقلم مع الظروف المحيطة به وتمكنه الذاتي من استيعابها، فعندما يتغرب عن نفسه ويعيش في واد بعيد عنها يتخبط ويضيع كما قال علي(ع):«من لم يعرف نفسه بَعُد عن سبيل النجاة وخَبَط في الضلال والجهالات».

غياب المعرفة النفسية

إن أهم المشاكل التي تواجه الجماعات وخصوصاً الإسلامية هو انتشار حالة الإحباط والتوتر واللاأمن التي أثرت بشكل كبير على النتاج العملي والفكري لهذه الجماعات بحيث أدى في بعض الأحيان إلى تغيير أهدافها ومناهجها، هذا الإحباط ينبع في الدرجة الأولى من عدم فهم الأفراد للمتغيرات التي تهب رياحها على العالم بصورة مذهلة، ومن عدم فهم كل فرد من الأفراد الفهم الواعي للنفس والعوامل الذاتية التي تحركها وتشكلها وتدفعها لاتخاذ أنواع معينة من السلوك، وبالتالي عدم فهم القيادة الواعي والموضوعي للحركة التطورية النفسية والفكرية للأفراد وإهمال متابعة السير الصعودي لنمو الفكر، والذات لكل فرد بحيث يقود نتيجة إلى تراكم حالات سوء الفهم والظن السيء ونمو التوتر والمشاكل.

دوافع السلوك الإنساني

من الضروري في البدء معرفة دوافع السلوك الإنساني لكل فرد بحد ذاته حتى يمكن فهم آثاره السلوكية فهماً تحليلياً، ذلك أن السلوك الإنساني يتميز بأنه سلوك مسبب لا يظهر من العدم ولكن يكون هناك دائماً سبب يؤدي إلى نشأته، وأنه سلوك هادف يسعى إلى تحقيق غاية معينة، وأنه سلوك متنوع يظهر في صور متعددة ومتنوعة حتى يمكنه أن يتلائم ويتوافق مع المواقف التي تواجهه وأنه سلوك مرن يتعدل ويتبدل طبقاً للظروف والمواقف المختلفة التي تواجه الفرد. لذلك لا يمكن التعامل آلياً مع مختلف الأفراد والحكم عليهم حكماً ثابتاً واحداً، وهذا يعني ضرورة دراسة سلوك كل فرد على حدة حتى يمكن الوصول إلى الأسباب والعلل التي جعلته يتصرف بهذا الشكل المعين.

لقد حصر علماء النفس والاجتماع دوافع الإنسان ورغباته بأربع رغبات أساسية وهي الأمن، والخبرة الجديدة، والتقدير، والاستجابة. وهذه الرغبات تمثل تصنيفاً اجتماعياً نفسياً عريضاً للأنواع المختلفة من الرغبات الاجتماعية للأفراد.

الأمن: تنبثق جميع رغبات أو أمنيات الإنسان من قدرته على التفكير لأن حركة الفكر التي تشغل مساحة من عقله هي التي ترسم له سلوكه وحركته الخارجية، ولذلك تبنى الطريقة التي يشبع بها هذه الرغبات على اتجاه التوجيه الأساسي لقيمه الفكرية وتصوراته العقلية، أي أن هناك انبعاث داخلي فطري يحرك فكره وعقله وشعوره للوصول إلى الطريقة الواقعية التي خلقه الله تعالى وفقها وفطره عليه، لذلك فإن معظم الأهداف التي يتقبلها تكون من النوع الذي يعتقد أنها ستعود عليه بالأمن عاجلاً أو آجلاً، الأمن الذي يستقر داخل ضميره ويعطيه شعوراً بالراحة النفسية والاطمئنان الروحي. ومن أهم العقبات التي تفرض على الإنسان حالة اللاأمن هي الحالة الفردية وعدم انضمام الفرد إلى جماعة لذلك يُشبع الكثير حاجاته عن طريق الانتماء إلى جماعة من الجماعات ويعني الأمن بالنسبة لكثير من أعضاء الجماعة أنها تؤدي عملها بطريقة منتظمة روتينية ويخضع أمن الفرد حينئذ إلى درجة شعوره بتقبل الجماعة له وتكيفه معها.

الخبرة الجديدة: إن وجود حافز التعلم وتطوير الذات عن طريق اكتساب الجديد تدفع الفرد وتحركه نحو إشباع هذه الرَغبة بالسعي لتكوين صلات مع أفراد جدد وخلق مواقف اجتماعية جديدة يشترك فيها ويتعلم منها ويتقبل القيام بمسؤوليات مختلفة جديدة كما يتعلم القيام بأدوار جديدة مختلفة. على أن صعوبة الموقف الاجتماعي الجديد قد تمثل نوعاً من التحدي للفرد وليست مصدراً للشعور بفقدان الأمن والإحباط، ولكن عدم حصول الفرد على الخبرات الجديدة وعدم وجود ثقة الجماعة اللازمة لزجّه في أدوار صعبة ومجالات جديدة تثير في الفرد الإحباط والتواتر وفقدان الطموح أحياناً لعدم وجود الأجواء اللازمة لإشباع رغبته الاجتماعية هذه.

التقدير: يشعر كل فرد بالحاجة إلى أن يعتبره زملائه مفيداً، وتنبثق هذه الحاجة لأن الإنسان بقدرته الفريدة على التفكير يكوّن مفهوماً خاصاً عن تصوره للأفراد الآخرين وتصور الآخرين عنه. وحيث أن الطبيعة الإنسانية تحرك الإنسان نحو المنافسة والتنافس من أجل الحصول على مرتبة تقديرية أعلى فإن الأفراد في الجماعة الواحدة يتنافسون للحصول على التقدير تنافسهم على الحصول على الثروة. ويكون التنافس تنافساً شريفاً وإيجابياً إذا كانت الجماعة تعتمد مبدأ الشورى والاستشارة وتُتقبل الآراء وفقاً لجدارتها وكفاءتها بأن توفر القيادة إطاراً مفتوحاً حراً يستطيع الأفراد الحصول من خلاله على المركز والمكانة على أساس قدرتهم على ابتكار الأفكار والإبداع في العمل. أما إذا كانت الجماعة تمارس المنهج الاستبدادي بحيث يتحول الأفراد إلى آلات تطيع القيادة طاعة مطلقة، فإن التقدير الخالص للكفاءة يختفي ويتحول التقدير فاقد الموازين مما يؤدي إلى إخفاق عامل التقدير وغياب التكيف السليم وترسيخ الشعور بالإحباط واللاجدوائية.

تفهم دوافع الأفراد

وإذا فهم الفرد نفسه وفهم الأعضاء الآخرين وفهمت القيادة بكافة مراتبها حتى أدنى عضو في الجماعة أعضاء الجماعة الآخرين إلى حد ما كأفراد ومعرفة حوافزهم ودوافعهم وكذلك الحاجات التي يحاولون إشباعها فإن الموقف سيكون أفضل لمعاملتهم كأفراد لهم حياتهم النفسية والفكرية المستقلة التي وهبها الله تعالى لكل إنسان ومن ثم إيجاد مجالات للاتفاق العام وإيجاد تحديات تدفعهم قدماً، كما أنه سيمكن معرفة الأسباب التي يمكن أن تدفعهم إلى السلوك بالطريقة التي يقومون بها بطريقة أفضل، إن فهم الزملاء أعضاء الجماعة فهماً أساسياً يُعتبر خطوة من الخطوات الأولى لكي يصبح الفرد منتجاً وإيجابياً في الجماعة.

وعلى الرغم من مساهمة الأعضاء بنشاط فعال في حركة الجماعة فإن بعض الجماعات لا تُشبع في الحقيقة حاجات الأعضاء أو تحقيق ما يتوقعون تحقيقه من أهداف. وإذا لم يستطع الفرد إشباع هذه الرغبات بشكل صحي والحصول على المكانة الإيجابية من الجماعة فقد يلجأ إلى الأسلوب غير المرغوب فيه للحصول على اهتمام الآخرين وذلك باتخاذ الجانب السلبي وتحوله إلى متمرد عنيف، ذلك أن عضو الجماعة الذي يشعر بالإحباط والخيبة لعدم اكتسابه خبرات جديدة قد يحقق رغبته باختراع سبل ووسائل لإبطاء أو عرقلة الإجراء الجماعي وإيجاد المشاكل.

مظاهر الإحباط

قد يتصرف البعض من الأفراد على شكل ردود أفعال غير إيجابية عندما يتعرضون إلى الإحباط باستخدام بعض السبل والطرق التي توفر له بعض التعليل المنطقي أو الهروب العقلي لأي فشل يصادفه وهذه الطرق تسمى أساليب التكيف أو التوافق مثل:

العدوان والعنف: أحد أنواع التكيف الشائعة للإحباط الذي يعتبر معوقاً للتقدم نحو هدف مرغوب به، فعندما لا تُقبل آراء الفرد أو عندما لا يُتقبّل هو كشخص فقد يرد بلا تبصر؛ فالعنف هو سلاح يستخدمه المحبط للدفاع عن نفسه عندما يعجز عن اتخاذ القرار السليم وعندما يفقد القدرة على التفكير بسبب التشويش الذي تفرضه المواقف الصعبة التي لا يستطيع أن يتكيف معها ويستجيب لها استجابة منطقية، وأحياناً يكون رد الفعل عند بعض الأفراد عنيفاً ناشئاً من الفشل الذي يتحقق من عدم قدرته على الوصول إلى أهدافه أو فشل مشاريعه فيكون العدوان والعنف إتجاه الآخرين هو هروب من الواقع وعقاب للذين نجحوا في حركتهم وأهدافهم، هذا وينبغي على المدراء والمسؤولين التوجه إلى بعض حالات العنف ودراسة منشأها لإيجاد حلولها..

التعويض: إذا ما أحبط الفرد في الوصول إلى هدف معين فقد يحول طاقاته إلى مجالٍ آخر بإبدال هدفه الأول بهدف آخر، وإذا وجد صعوبة في إيصال آراءه في المناقشات فإنه يكرس قدراً هائلاً للقيام بأعمال لتنفذ القرارات ويعتبر هذا النوع من الإبدال التعويضي سعي كبير من الفرد لأخذ اعتراف تقديري من الجماعة بقدراته الذاتية، ومع هذا يستخدم هذا التعويض كعذر لعدم محاولة تحسين المرء مفاهيمه ومهاراته للتغلب على هذا العائق الذي يقف حائلاً دون تحقيق الرغبة. وبعبارة أخرى فإن التعويض قد يكون مثمراً في بعض الأحيان عندما لا تسمح الظروف الموضوعية لتحقيق هدفه المعين ولكن في أكثر الأحيان هو هروب من الصعوبات التي تواجه لذلك تكون معظم مشاريع المعوض ناقصة وأهدافه مبتورة.

التبرير: وهو التكيف مع الإحباط عن طريق شرح الموقف لا شعورياً بأن ينكر على نفسه أنه راغب في تحقيق هذا الهدف إطلاقاً، ويتم التبرير عادة على مستوى اللاشعور فإذا فشل في تحقيق مشروع معين مثلاً فإنه يبرر لنفسه أنه لم يرد ذلك المشروع أصلاً، وإذا لم يستجب الأفراد لإرادته مثلاً فإنه يتهمهم بالجهل وافتقار الوعي. وهكذا نوع من الأفراد لا يعترف بفشله في الغالب بل يحاول أن يبرر ويلقي اللوم على الآخرين وخصوصاً من استطاع منهم أن ينجح أو يتفوق، ويمكن تلافي هذه المشكلة عن طريق إعطاء الثقة للفرد بنفسه ودعم الجماعة لتحقيق مشاريعه أو تخويله أعمالاً في مستوى قدرته على تحقيقها. وعلى الأغلب فإن الفرد يقع في هذا الإحباط ومن ثم يحاول أن يتكيف بالتبرير لعدم وجود الدراسة والتخطيط اللازم من الفرد نفسه أو القيادة للمشاريع التي أوكلت إليه.

التقمّص: قد يتخذ هذا التكيف صورة اندماج حياة المرء في حياة الآخرين وذلك عن طريق المشاركة عاطفياً في منجزاتهم الناجحة بدلاً من البحث عن تحقيق الشعور بالرضا في أوجه نشاط لا يجيدها أو يعتقد أنه لا يجيدها، وغالباً ما يقلد أولئك الذين يتكيفون عن طريق التقمص سلوك وخصائص الشخص الذي يتقصمون شخصيته؛ ولهذا فإن هكذا عضو يبقى هامشياً يجتر أعمال الآخرين وأدوارهم. وعدم التكيف هذا يرجع إلى أن الفرد لا يمتلك المهارات الذاتية الكافية لأداء الأدوار الجديدة لأن الفرد نفسه أو الجماعة لم تصرف الوقت الكافي لتنمية مهاراته ومواهبه.

المثالية: تكيف المرء مع عدم كفاءته الشخصية عن طريق الغلو في تقديم نفسه وتقديم قدراته وأهميته، فقد يعوض إحساسه اللاشعوري بعدم الكفاية بمحاولته إقناع نفسه بأنه حقيقة عضو كفء بالجماعة وقد يعتبر الفرد سلوكه الخاص مثلاً أعلى أو سلوك شخص آخر، وعندما يغالي الفرد في تقويم سلوك الآخرين فهو يكف عن النظر إلى وظيفة الجماعة نظرة موضوعية ويتوقع أن تعامله بمستوى أعلى بكثير من مستواه الحقيقي، أضف إلى ذلك نظرته المتطرفة إلى نفسه التي سوف تحوله إلى حطام من الإحباط عندما يصطدم بعقبات تكشف عن مستواه الواقعي. والمشكلة في المثالية المفرطة أنها إن سيطرت على الأفراد بشكل واسع سوف تحرَف أهداف الجماعة إلى نفس المسار وبذلك تبتعد الجماعة عن أهدافها الأساسية. إن امتصاص مثالية الأفراد المغالين في تقديم ذواتهم لا تتم بالمواجهة المباشرة وإلا فإن الفرد سينتخب سلبياً آخر للتنفيس عن إحباطه بل يتم بشكل هادئ يحاول فيه الآخرون أفراداً وقيادة أن يوضحوا للفرد المغالي بحقيقة الوضع وتعريفه بحدود إمكانياته ومن ثم إعطاءه البدائل اللازمة لبناء إمكانياته بشكل جيد. والأمر الذي يحصل في الجماعات أحياناً هو الاصطدام مع هكذا أفراد ليزيد الطين بلة فإما أن يؤدي إلى انفجار الفرد أو إلى انشقاقه أو انكفاؤه كلياً عن العمل.

الإسقاط: إن هذا التكيف مع إحباط تحقيق الرغبة يتضمن تحويل مشاعر عدم الكفاءة التي يشعر بها الفرد نفسه إلى شخص آخر. فإذا كان الشخص فاشلاً في القيام بدوره كقائد للمناقشة فإنه قد يسقط اللوم على الجماعة لعدم قيامها بدورها الصحيح، أو إذا اتفق عضو الجماعة في التعبير عما يدور في نفسه تعبيراً صحيحاً فقد يسقط عدم كفايته الشخصية على هذا العضو بأنه يعوزه العقل المتفتح، وإذا فشل في أداء مشروع ما فإنه يلقي اللوم على آخرين بأنهم تسببوا بالفشل خصوصاً إذا كان حليفهم النجاح في أعمالهم، بل تتطور الأمور عندما يحاول المحبط إلصاق التهم بالآخرين أو يسعى لإيجاد الشقاق بينهم أو يقلل من أهمية أعمالهم وأدوارهم.

التحويل: التكيف بتحويل الطاقة أثناء إحباط الرغبة إلى بعض الأغراض الجسمانية أو الشكوى من الآلام، فالفرد الذي كان يود من صميم قلبه أن يؤدي عمله كقائد للجماعة خير قيام قد ينتابه المرض فعلاً إذا سارت الأمور على غير ما يشتهي، وفي كثير من الأحيان تكون الأعراض حقيقية.

النكوص: التكيف عبر التراجع من الموقف الحالي إلى موقف أقل تعقيداً، فإذا واجه الفرد موقفاً شديد التعقيد فإنه قد يرجع بسلوكه شديد التعقيد فإنه قد يرجع بسلوكه إلى اتخاذ اتجاه أقل نضجاً متوقعاً أن يعالجه على هذا المستوى، فإن واجهته مشاكل كبيرة تحتاج إلى كثير من العمل الجاد والمتواصل وإلى الصبر الكبير والمقاومة والتحمل وسعة الصدر فإن الفرد الذي لا يستطيع أن يتكيف حينئذ مع هكذا مواقف معقدة فإنه يبدأ بالتراجع السلبي حتى يستطيع أن يتكيف مع إحباطه ويزيل التوتر الذي أصابه، ويسبقه في بعض الأحيان مظاهر كلامية وسلوكية تعبر عن تراجعه مثل إلقاء الشتائم والسباب على الجماعة أو تقطيب الوجه، وربما نلاحظ أن أكثر أنواع هذا التكيف شيوعاً هو أن بعض أعضاء الجماعة يعبسون عنــــدما لا ينالون بغيتهم ويعتبر هذا نكوصاً لنوع من الطرق، لمعالجة هذا النوع من الإخفاق.

السلبية: من الأنماط الشائعة في التكيف حيث يستجيب فيها الفرد الذي أصابه الإخفاق لجميع البدائل اللاحقة بطرق سلبية حيث يرفض أي مشروع أو عمل أو فكرة تعرض عليه بعد أن يحكم عليها بالفشل مسبقاً كما يحكم على أعمال الآخرين وأفكارهم بالفشل وإن كانت قد حققت النجاح. والمشكلة في السلبية أنها مرض قابل لأن يسري في الأعضاء الآخرين وينتشر بينهم إن لم تقم الجماعة بحل المشكلة بصورة منطقية خاصة إن ساعدت الظروف الصعبة المختلفة التي تمر بها الجماعة وعدم نجاح بعض أهدافها ومشاريعها على ذلك. وفي بعض الأحيان فإن السلبية لا تتحول إلى مجرد عارض سلوكي بسيط يمكن حله بتقوية الروح والإيجابية للفرد بل يمكن أن تتحول إلى مرض خطير يسري إلى عقيدة الفرد وإيمانه وحتى نفسه وخصوصاً إذا تحكم فيه اليأس وفقد الإيمان بكل شيء، وفي بعض الأحيان فإن الأعداء يستغلون هكذا موارد لتجنيد السلبيين للعمل ضد جماعاتهم وبلدانهم.

أحلام اليقظة والوهم: يتضمن هذا التكيف تصور المواقف التي تتحقق فيها أهداف المرء عندما يحدث الإحباط، فعندما لم يستطع الفرد أو لا يستطيع أن يحقق أهدافه ومشاريعه فإنه يبدأ برسمها وتحقيقها على صفحات الخيال والوهم. إن تخيل الفرد أو الجماعة صور تحقيق أهدافها وبناء مشاريعها قد تكون إيجابية عندما يدفع تخيلها الفرد إلى العمل الجاد لتحقيقها على سطح الواقع فالخيال يلهمه الإبداع ويثير فيه القوة والعزيمة. ولكنه يتحول إلى حالة سلبية عندما يكون الخيال وهماً مسيطراً على الفرد يجعله سابحاً في خياله بحيث يكون خياله هو الواقع الذي يعيشه ولا يسعى إلى تحقيقه لأنه يرى صورة مثالية في ذهنه لا يراها في الخارج، وهنا لا يؤمن هكذا فرد بأي مشروع أو هدف غير الذي رسمه في أوهامه بحيث يتخلى عن كل شيء لصالحها، وأهم مظاهر هذا التكيف هو الكسل والانعزال وطغيان الروح الفردية.

ومعلوم أنه قد توفر بعض هذه التكيفات مثل العدوان والنكوص سبيلاً للتنفيس المباشر للفرد عن التوتر ولكن سيكون لها تأثيرات عكسية على الروح الجماعية لأن الفرد هنا ينفس عن توتره في مسار عكس مسار الآخرين باعتبار أن معظم الاحباطات هي نتيجة لتلك المنافسة الحاصلة بين أفراد الجماعة، لذلك نرى غالباً ما يكون الرضا الذي يشعر به الفرد لتحقيقه لأغراضه سبباً في إحباط فرد آخر نتيجة لتصارع المصالح أو تنافسها، ومن هنا فقد يتحول التنافس إلى صراع سلبي أو تنازع مدمر إذا لم توجه احباطات الأفراد بشكل منطقي، ويجب أن لا ننظر إلى الاحباطات نظرة سلبية تامة أو تشاؤمية محضة ذلك أنه جزء طبيعي جوهري في سلوك الإنسان فهي تحرك الدوافع الكامنة في كل الإنسان وتعطيه طاقة حركية جديدة لذلك نرى أن أغلب العظماء أبدعوا وأعطوا العالم من نتاجاتهم العظيمة نتيجة لمرورهم بمواقف صعبة رافقتها فترات من الفشل والإحباط أحياناً، لذلك فإن الإحباط قد يكون عاملاً جوهرياً لتفاعل الأفراد مع أهدافهم وجماعاتهم، أضف إلى ذلك أن هذه الأنواع من التكيف إذا استخدمت بذكاء فإنها توفر مهرباً من عائق تحقيق هدف ما في الوقت الحالي قد أجبر على تأجيله مما يسمح له بالاستمرار في القيام بأنشطة أخرى.

التحليل المنطقي للنفس

إن فهم الأشكال السلوكية التي يتلبس بها الأفراد يجعلنا قادرين على حل مشاكلهم وتجنيب الجماعة المزيد من المشاكل نتيجة لعدم الفهم الصحيح مما يؤدي إلى تعقيدها. وتزايدها وكل ما نحتاجه في ذلك هو التحليل المنطقي للذات والأعمال التي يقوم بها الفرد. لذلك فإن الجماعة فرد وقيادة بحاجة إلى التنبؤ باحباطات الآخرين المحتملة حتى يمكن إيصال هذه الإحباطات إلى الحد الأدنى بالنسبة إلى الجميع. ففي الجماعة الناضجة قد يستطيع القادة أعضاء الجماعة على فهم احباطاتهم والتكيفات التي يقومون بها مع تلك الاحباطات ولذلك فإنهم سينضجون بأسرع ما يمكن كأعضاء في الجماعة في نطاق هذا الإطار وإلاّ فإنه لا يتبقى الوقت والجهد لاتخاذ القرارات والعمل المنتج. إن عضو أو قائد الجماعة الذي يدرك هذه الحقيقة ويحاول أن يخلق أنماطاً للتفاعل الاجتماعي داخل جماعته بحيث تقلل من الاحباطات إلى الحد الأدنى سيجد أن الروح الجماعية ستظل أكثر ارتفاعاً كما أن ستتقدم بخطوات أسرع نحو تحقيق أهدافها.

ولكي يصبح الأفراد أعضاءً ذوي كفاية في الجماعة يجب عليهم دراسة أنفسهم ومحاولة التغلب على المعوقات والاحباطات التي تعترضهم بطريقة موضوعية. إن مسؤولية جميع الأعضاء في الجماعة الناضجة القائمة على منهج الشورى هي مساعدة الآخرين على معرفة أنفسهم بطريقة موضوعية حتى يستطيعوا التغلب على اسقاطاتهم وأنواع فشلهم والمشاركة في الطريقة الجماعية بفاعلية أكبر.