مجلـــة النبــــأ       العددين (23 ـ 24 )       السنــــة الرابعــــة       ربيع الثاني ـ جماد الأول  1419 هـ

باتجاه المؤتمرات

فاضل الصفار [email protected]

قد يبدو للبعض أن الحديث عن المؤتمرات حديث سابق لأوانه.. لأنّ الشرائط الموضوعية التي يمكن أن تعطي لهذه الفكرة مصداقيتها الصحيحة غير متوفّرة بعد، إذ من الواضح أن المؤتمر حتى يكلّل بالنجاح لابدّ من توفّر عدّة عناصر ومقومات هي الآن غير موجودة بالصورة المطلوبة. ولعلّ من أهم هذه الموانع هي قناعة الأفراد والرجال الذين يقوم على أكتافهم المؤتمر بضرورة الاجتماع أولاً والتوافق على الأهداف ثانياً ومن ثم متابعة المقررات بمواصلة تامة وتنسيق ناجح بين القوى والفاعليات لكي تنجو قراراته ثالثاً.. ثم يليها في الأهمية القدرة الإدارية العالية التي يمكن أن تحول الأفكار والمناقشات إلى تجارب ميدانية ونماذج حية تقود الجمع إلى الأهداف المرجوّة مضافاً إلى المكان والزمان والمال والأمن والموضوعات المطروحة وغيرها من مقومات المؤتمر الناجح.

إلا أننا لو آمنا بأن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة.. وأن التفكير في الممكن من شأنه أن يمهّد لنا الطريق إلى الأفضل المتعذر الآن وعملنا بالميسور الذي لا يسقط بالمعسور كما يقولون.. فإننا نكون قد خطونا بعض الخطوات الإيجابية في هذا الاتجاه، ولعلّ التأمّل في التجارب الناجحة للآخرين التي قادتهم إلى برامج مشتركة وموفّقة في سبيل التقدم والنجاح في الأعمال الجماعية تقرّب إلينا البعيد وتزرع في قلوبنا الأمل بإمكانية الوصول إلى ذلك.

وهناك بعض الخطوات في هذا السبيل لعلّها تبدّل المتعذّر إلى ممكن وتحول العسير إلى سهل يسير ومن هذه الخطوات أن نؤمن أن العالم لا تحكمه قوانين اليأس والإحباط والفشل، فإن حياة الأمم لم تخضع يوماً إلى الجمود وحضارتها لم تنهض بها العزائم الغائرة والنظرة المتشائمة.. بل الذين صنعوا الأمجاد وقادوا الآخرين إلى التفوّق والحياة كانوا من فصيلة العاملين بروح متفائلة وإرادة حديدية على المقاومة والاستقامة إذ لا يوجد شيء محال في هذا العالم إلا التناقض أما غيره فممكن.. وينبغي أن نسلك الطرق الصحيحة إلى الممكن حتى نوجده ونبدّله إلى واقع ملموس هذا إذا سلكنا طرقه من أبوابها.. هذا أولاً.

وثانياً: بما أن التفكير المنطقي.. والنتائج العملية إذا أردنا أن نحصدها في أوانها علينا أن ننظر إلى الممكن طريقاً إلى ما ينبغي.. فإن من الأفضل لنا أن ندرس إمكاناتنا المتاحة اليوم لكسب نتائج اكبر وأهم في المستقبل.. هذا إذا أردنا أن نكون واقعيين اكثر.. إذ أن الحلول الجذرية ليست دائماً في متناول اليد.. وإذا لم نأخذ في حساباتنا المقدور ونميزه عن غير المقدور فإننا سننتهي في نهاية المطاف إلى الفشل الأمر الذي قد يعود علينا وعلى الآخرين بالضرر والخسارة..

لذلك لا بدّ من وضع برمجة مدروسة ودقيقة لتعيين الأهداف ورسم الأساليب مع لحاظ السقف الزمني قياساً إلى القدرة الموجودة مع سائر الشروط الأخرى التي لها دخل كبير في تحقيق الطموحات.. حتى نتمكّن أن نحقق نجاحات مرضية وانتصارات ينعم بها الجميع.. وهذا أمر يستلزم منا الصبر والمثابرة والتعاون الدائم والتنسيق المشترك مع التدرجية في الخطى ووضع اللبنات.. لأنّ الطفرة محالة ومن أراد حرق المراحل فإنها تحرقه..

ومن هنا فإنا إذا رأينا أن المؤتمرات العامة الشاملة التي ترضي الطموحات وتلبي التطلّعات غير ممكنة فعلاً وإن كانت في رتبة ما ينبغي إلاّ أن الحكمة تقضي بالسعي إليها عبر خطوات صحيحة تهيئ لها وتبدلها إلى أمر قابل للوجود..

ثالثاً: من الخطوات المقترحة في هذا المجال السعي المتواصل للمعنيين بالمؤتمرات لإيجاد الترابط والتنسيق المشترك بين المؤسسات المختلفة في المهام والمسؤوليات فضلاً عن المشتركة كمقدمة للتفاهم والتعاضد ثم اجتماع الكل وانصهارهم في ميدان واحد.. وهذا أمر ممكن إذا أوجدنا جسور الربط بين المؤسسات وفتحنا أبواب العلاقات والاتصالات فيما بينها..

ومن الواضح أن كل مؤسسة مهما قويت واشتدّ ساعدها تبقى بحاجة إلى مساندة الآخرين في القوّة وسدّ الفراغات وحل المشاكل فضلاً عن النصرة والتأييد.. ومن منا يقدر على النجاح أو دوام النجاح إذا لم يكسب دعم الآخرين ومؤازرتهم..

رابعاً: إيجاد تجارب ميدانية ناجحة تعلمنا الروح المشتركة وعقلية الاجتماع والتفاهم والشرائط النفسية والفكرية للعمل الجماعي وهذا أيضاً أمر ممكن إذا حولنا أعمالنا الفردية إلى مؤسسات ونشاطاتنا المتفرقة إلى جماعات.. فإن نظام المؤسسات من شأنه أن يوجد حس المسؤولية وروح التعاون والمؤازرة ويقضي على العديد من السلبيات التي قد يفرضها ازدحام العمل واحتكاك الإرادات وتداخل الأنشطة.. ليزرع مكانها النظرة الإيجابية وتصفية الأزمات بالحوار والتفاهم والتوجه إلى المشتركات بين الأطراف المختلفة.

خامساً: قد ندعو إلى تكوين جلسات مشتركة في المنطقة الواحدة للأطراف العديدة وتسليط الأضواء على الهموم والمصالح المشتركة مع التغاضي عن تلك التي نختلف عليها.. فإن للجلسات الأثر الكبير في تنقية الأجواء والتهيئة للتفاهم الأكبر والأهم.. خاصة إذا تمكنا من تحويل الجلسات المشتركة إلى أعمال مشتركة تصب في صالح الجميع..

سادساً: وأيضاً من الخطوات المهمة عقد اجتماعات إقليمية ثم مؤتمرات إقليمية تهتم بأمور المؤسسات في الإقليم الواحد كمنطلق إلى المواقع الأخرى وإذا اهتممنا لتطعيم المؤتمرات الإقليمية ببعض العناصر الفاعلة من الأقاليم الأخرى نكون قد وفرنا للمؤتمرين والمؤتمرات في مختلف المواقع والاتجاهات فرصة اكبر للتنصيح والترشيد والتنسيق المشترك.. وهذا أمر لا يكلّفنا الكثير. قياساً إلى النتائج الآنية والمستقبلية..

سابعاً: ولعلّ النجاح المتقوّم بالجميع يوفّر لنا قدرات اكبر إدارياً وفكرياً وتجارب جيدة في التنفيذ لإقامة اجتماعات ثم مؤتمرات أوسع قد تضم بعض البلدان المتقاربة أو المتناسبة من حيث الاستعداد والتفاعل كدول الخليج مثلاً والهند وباكستان، والدول الاسكندنافية وكذلك دول أوروبا ثم أميركا وكندا وهكذا شيئاً فشيئاَ نكون قد مهّدنا السبل الطبيعية بالتدرج في الخطوات لعقد المؤتمرات الأكبر والأشمل والأقوى في التأثير، والعمل في سبيل الأهداف الكبرى بعد اكتساب زخم كـــبير من التجارب المفعمة بالنجاح والقدرة المختمرة بالرشد والفاعلية.. هذا إذا أردنا أن نبدّل المتعذر إلى ممكن ونحوّل الهزيمة إلى انتصار.. وطبعاً تبقى مسألة استثمار المؤتمرات والطرق الكفيلة بحصد نتائجها بشكل أفضل مدار بحث ومناقشة.. وهو أمر قد نثيره في كلمات لاحقة إن شاء الله تعالى.